وضع داكن
29-03-2024
Logo
الأردن - عمان - جامع التقوى - دروس صباحية - الدرس : 036 - على أبواب رمضان
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحقّ حقاً وارزقنا اتّباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

علة وجودنا العبادة:


أيها الإخوة الكرام، يقول الله جل جلاله:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

قرآن، أي علة وجودنا في الدنيا العبادة، سبب وجودنا العبادة.
والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
أنت عند الله المخلوق الأول، والمُكرَّم والمُفضَّل والمُكلَّف والمُحاسَب والمُعاقَب، فالعبادة سبب وجودنا، أي إنسان ميسور أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه في إدارة الأعمال افتراضاً، هذا الشاب في هذه المدينة العملاقة –أكبر مدينة بأوروبا باريس- علة وجوده في هذه المدينة الدراسة، سبب وجوده الدراسة، غاية وجوده الدراسة، قِس عليها هذه الآية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ علة وجودك، سبب وجودك، غاية وجودك العبادة.
والعبادة طاعة: للخالق، للإله، للمُسيِّر، لصاحب الأسماء الحسنى، والصفات العلا، طاعة طوعية: حياتنا بيده، الموت بيده، الصحة بيده، المرض بيده، القوة بيده، الضعف بيده، النجاح بيده، عدم النجاح بيده، ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

إذاً: العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية: فما عبدَ الله مَن أحبه ولم يطعه، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.

مواسم العبادة الاستثنائية:


هذه العبادة 365 يوماً، إلا أن الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يكون هناك مواسم استثنائية،منها رمضان، من الأيام يوم الجمعة، الله -عز وجل- استثنى أشياء كثيرة لأن هذه الحالة استثنائية، نحن الآن في شهر عبادة، أنت في 11 شهراً ممنوع أن تكذب، ممنوع أن تأكل لحماً حراماً، مليون ممنوع، لكن في هذا الشهر ممنوع أن تأكل الشيء المباح.

الصيام عبادة الإخلاص:


للتقريب: لو شخص بشهر آب والحرارة 51، دخل للبيت بعد الظهر، ولا يوجد في البيت أحد إطلاقاً، والمطبخ فيه كل شيء؛ عصير، شراب، طعام، فواكه، لا يستطيع أن يضع بفمه قطرة ماء رغم أنه لا أحد يراه، قالوا: "الصوم عبادة الإخلاص"، لا تستطيع أن تضع بفمك قطرة ماء، والبيت لا أحد فيه، والثلاجة فيها كل شيء، هذه عبادة الإخلاص، أنت تراقب الله -عز وجل-.
إذاً: طاعةٌ طوعيةٌ، ممزوجةٌ بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، برمضان يُضاف لهذه العبادات المُطبّقة طوال العام عبادة استثنائية؛ أن تمتنع عن الطعام والشراب في هذا الشهر، طبعاً من الفجر الصادق إلى غروب الشمس، هو امتحان الحقيقة.
سأضرب المثل مرة ثانية، أنت في البيت الساعة الواحدة، وأنت عطِش لدرجة لا تُحتمَل، ولا أحد بالبيت، ولا تستطيع أن تضع بفمك قطرة ماء، إذاً هذا الصيام عبادة الإخلاص.
هناك من يعلل أن جسمك بحاجة إلى الصيام، أنا أعتقد أن علّة العبادة أقوى، كأن يُقال "صوموا تصحوا" لا تسخّر العبادة وتحجّمها بمصلحة دنيوية.
والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

تعاريف لطيفة لرمضان:


لذلك تعاريف لطيفة، رمضان شهر التوبة والغفران، رمضان شهر الصُّلح والإذعان، رمضان شهر الطاعات والقُربات، رمضان شهر إنفاق المال والزكاوات، رمضان شهر الحب في الله.
أنت كائن، في هذا الشهر حبّك لله يقتضي ألّا تأكل ولا تشرب في نهار رمضان، نستقبله بالتوبة إلى الله الرؤوف، الرحيم، التواب، الكريم، ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ومن الضال الواجد ومن الظمآن الوارد. ))

[ الألباني وهو ضعيف ]

لو معك سنَد بمئة مليون، إذا ضاع ضاعت المئة مليون، ثم وجدته، (العقيم الوالد ومن الضال الواجد ومن الظمآن الوارد) .
إذاً: (لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ومن الضال الواجد ومن الظمآن الوارد) .

محبة الله عز وجل:


من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه:

الآن يوجد مقولات لطيفة: من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه: من سابع المستحيلات أن تعرف الله؛ أصل الجمال والكمال والنوال، الذات الإلهية، خالق الأكوان، صاحب الأسماء الحسنى، مستحيل ومليار مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه.

ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه:

الثانية لا تقل عن الأولى؛ ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، الأولى: من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، والثانية: ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه. 

ومن أعجب العجب أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة:

ومن أعجب العجب أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة؛ الأذان دعوة إلى الصلاة، تتصل بمن؟ بصاحب الأسماء الحسنى، والصفات العلا، بالذات الكاملة، أن تتصل بأصل الجمال والكمال والنوال، بأصل الحب، خالق كل شيء، رحمن رحيم، أسماؤه حسنى، صفاته عُلا، لذلك ومن أعجب العجب أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، المؤذن يدعوك أن تصلي.

ومن أعجب العجب أن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره:

ومن أعجب العجب أن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره؛ الإنسان يعيش 60 سنة، 70، 80، 85، 110، أعلى رقم سمعته شيخ الأزهر عاش 130 سنة.

تعريف جامع مانع رائع للإنسان:


لذلك التعريف الجامع المانع الرائع: "الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضعٌ منه"، أنت زمن، تعريف دقيق: الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، فأنت زمن، ولأنك زمن أقسم الله لك بمُطلَق الزمن، فقال:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) ﴾

[ سورة العصر ]

إله، الواو: واو القسم، لماذا أقسم لك بمطلق الزمن؟ لأنك زمن.
التعريف الجامع المانع الرائع للإنسان: بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بِضعٌ منه.
افتراضاً: هذا الإنسان الفلان الفلاني عمره 86 سنة، وثلاثة أشهر، وأربعة أسابيع، وثماني ساعات، وأربع دقائق، وخمس وثلاثون ثانية، كلما انقضى يوم انقضى بِضعٌ منه، كلما انقضت ثانية انقضت ثانية من حياته، فأنت زمن، لذلك أقسم الله لك بمطلق الزمن، قال:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾

[ سورة العصر ]

لمَ يارب نحن خاسرون؟ قال قبل أن تكون صالحاً أو طالحاً، مستقيماً أو متفلّتاً، مُضيُّ الزمن يلغي وجودك، هذا كلام دقيق جداً، أنت زمن، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بِضعٌ منك، فأنت خاسر، لماذا يارب؟ لأن مُضيُّ الزمن وحده يستهلكك ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إله، كلام خالق الأكوان، لماذا خاسر؟ لأن مضي الزمن وحده يستهلكه.

أركان النجاة:


﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾

[ سورة العصر ]

يالله! رحمة الله في ﴿إِلَّا﴾ ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ سماها الإمام الشافعي أركان النجاة، أنت خاسر قطعاً.
إنسان يكون أحياناً بأعلى منصب يموت، بأعلى دخل يموت، بأعلى مكانة يموت:

كل مخلوق يموت   ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت

****

والليل مهما طال    فلا بد من طلوع الفجر

والعمر مهما طال   فلا بد من نزول القبر

****

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ   يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ.

[ كعب بن زهير ]


الموت ينهي كل شيء:


أعرف شخصاً ميسوراً جداً، وابنه صديقي الحميم، فلمّا توفي شاركت بالجنازة، وكنت قريباً من القبر، فتحوا القبر، وضعوا الميت، فتحوا القماش عن وجهه، وأداروه نحو القبلة، والفتحة أكثر من طول البلاطة بـ 5 سم من كل طرف، فلما وضعوا البلاطة أهالوا التراب، يمكن نزل فوقه 5 ك تراب، أين البيت الفخم، أين الثريات الريشانج، أين السجاد الإيراني! كل الأجهزة درجة أولى، والمساحة 450 متراً، وبأرقى حي، هذا أين هو؟ الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وسامة الوسيم، دمامة الدميم، صحة الصحيح، مرض المريض، الموت ينهي كل شيء. 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر ]

والله أيها الإخوة، ما وجدت أعقل ولا أذكى ممّن أعدّ لهذا اليوم الموت عدّته، يوم أعمال صالحة، صدق ولا أبالغ عندي خمس صور لعلماء كبار وافتهم المنية، والله يضحكون، يضحك لا ضحكاً يُستنبَط، بل صارخاً، رأى مقامه في الجنة.
الموت ينهي كل شيء، أنا أقول التفكر في الموت جزء من الدين، تجلس ببيتك -ما شاء الله-، مساحته 450 م، ممتاز، الأثاث درجة أولى، المطبخ عصري، هذا البيت ماذا أسميه؟ "المثوى المؤقت"، مثواه الأخير في القبر؛ كبير، صغير، غني، فقير، بمنصب كبير، بمنصب عادي، بأي وضع:

كل مخلوق يموت   ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت

****

والليل مهما طال    فلا بد من طلوع الفجر

والعمر مهما طال   فلا بد من نزول القبر

****


الموت أخطر حدث في الحياة:


والله أيها الإخوة محبة أخ لأخ؛ دقق في موضوع الموت، ليس تشاؤماً، تزوّجْ، واشترِ بيتاً، وقم بنزهة، كل هذا مسموح به، لكن الموت أخطر حدث في حياتك، مغادرة الدنيا، من بيت أو من قصر، أو من فيلا، أو من بيت صغير إلى قبر، هذا الحدث أخطر حدث بحياتك، صار المرحوم، له وجود قوي، انتهى، مثلاً عنده أشياء لا يمسكها أحد إطلاقاً، بعد موته فتحوا خزنته وأخذوا كل شيء، وأخذوا السيارات وباعوها، كل مخلوق يموت، والله لا أبالغ منتهى الذكاء والنجاح، والفلاح إدخال الموت بحسابك، ولحكمة بالغة ممكن أن يموت الإنسان بعمر 15، 20، 25 سنة، لا أحد يعرف متى يأتيه الموت.

من أعجب العجب أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض إلى غضبه:

"من أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، من أعجب العجب أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، من أعجب العجب أن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره. 
من أعجب العجب أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض إلى غضبه: يا ترى في بيتنا وحياتنا يوجد معاصٍ؟ يوجد شاشة مفتوحة؟ يوجد سهرة مختلطة؟ يوجد دخل مشبوه؟ وأنت حيٌّ ما دام هناك قلبٌ ينبض تتلافى كل الأغلاط، والله باب التوبة مفتوح:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة ]

راجع نفسك بدخلك، بإنفاقك، بسهراتك، يوجد سهرات مختلطة لا تجوز، الواقع هذه غير زوجتك أجمل بكثير، بقيت تنظر إليها طيلة السهرة، نحن لا يوجد عندنا كبائر.
بأي مدينة إسلامية عمان، دمشق، إسطنبول خذ مساحة 1000 أو 2000 م لا تجد بيتاً فيه خمر، ولا بيتاً فيه زنى، ولا بيتاً فيه قتل، ولكن ماذا يوجد؟ يوجد شاشة مفتوحة، يوجد سهرة مختلطة، يوجد دخل فيه شُبهة، كتب مواصفات غير صحيحة.
إخواننا الكرام، للمعصية مليون طريق، يوجد مادة اسمها بنزوات الصوديوم، توضَع في الأغذية المعلبة (قانون عام) مسموح ثلاثة بالألف، يضع منها ثلاثة بالمئة، السرطان مرتفع عشرة أضعاف لأنها مادة مسرطنة، مسموح ثلاثة بالألف، فلما الإنسان لا يهمه صحة الناس، يهمه بقاء هذه المادة الغذائية سليمة يرفع النسبة، لكن الله موجود، الله يعلم، لما ترى أن الله معك دائماً يراقبك تستقيم، وإذا استقمت: 

لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن:


﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)﴾

[ سورة الأنعام ]

والله لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن، أما الآخر:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ(151)﴾

[ سورة آل عمران ]

إنسان يحكم أكبر دولة في العالم يقذف الله في قلبه الخوف، وإنسان مؤمن بسيط يعمل على آلة كاتبة ما دام مؤمناً يزرع في قلبه الأمن ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ .
إخواننا الكرام، القضية خطيرة، قضية أبد، جنة للأبد، ونار للأبد، شيء خطير، الأبد كم سنة؟ لا أعرف، ألف سنة؟ لا، مئة ألف؟ لا، مليون؟ لا، مئة مليون؟ لا، مليون مليون؟ لا، يعني 1 هنا وأصفار إلى العمود، ما هذا الرقم؟ لا إلى العمود الثاني، لا إلى المدخل، لا إلى آخر الشارع، واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس، 156 مليون كم، لا كل كيلو متر صفر، كل ميلي صفر، ماهذا الرقم؟ اسأل علماء الرياضيات، إذا نُسِب هذا الرقم إلى اللانهاية فهو صفر، اللانهاية شيء مخيف.

﴿ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ(8) ﴾

[ سورة البينة ]

والله شيء لا يُحتمَل، معقول من أجل ستين أو سبعين سنة ترتكب معاصي وآثاماً وتخسر الله -عز وجل-! تخسر الآخرة! لا يوجد إنسان أكثر حُمقاً، ولا أغبى ممّن لم يدخل ربه في حسابه، هذه لا ترضي الله، هذه الصفقة لا ترضي الله، فيها مواد مسرطنة، هذه السهرة لا ترضي الله، هذه الحرفة لا ترضي الله، دعها.
ذات مرة قال لي أحدهم وهو خياط ألبسة نسائية أن مصمم الأزياء في باريس إذا أراد تقصير الثياب نقصرها مثلهم، ضيّقوها نضيّقها، وضعوا شقّة نضع شقة، نتبع الموضة، ذاك المصمم متحكم بالعالم الإسلامي كله، شخص كافر حقير يتحكم بثياب زوجاتنا كلنا! هذا نوع من التخلف.
مرة كنت بإيطاليا، وجدت حيّاً فيه لغة عربية كاتبين: "ملابس حلال"، أي عندهم ثياب سابغة لا متفلّتة. فأنت الإنسان الأول عند الهو -عز وجل-، مخلوق للجنة، ولم يقل لك لا تأكل، مسموح لك أن تفعل كل شيء مباح، هل من المعقول أن أعصيه؟ معقول أن أنسى خالق الأكوان! لذلك المؤمن يراقب ربه دائماً.

من أعجب العجب أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس في طاعته:

من أعجب العجب أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس في طاعته: يعني ليفكر الإنسان؛ أكل، شرب، نام، استيقظ، أكل، شرب، نام، هذه الحياة، فكرّ يوماً ما لماذا خُلقت؟ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

الفرق بين اللذة والسعادة:


اللذة غير السعادة يا إخوان، اللذة حسية، واللذة تحتاج إلى ثلاثة شروط: الصحة والمال والوقت.
في البداية:  يوجد صحة ووقت ولكن لا يوجد مال. 
في الوسط: يوجد مال وصحة، ولكن لا يوجد وقت. 
في النهاية: يوجد مال ووقت، ولكن لا يوجد صحة. 

احفظ الله يحفظك:


هكذا الحياة، تجد إنساناً بعد نجاح مذهل عنده حاجات كثيرة جداً سلبية بحياته، أكله خاص، يجب ألا يمشي، أو يمشي، والله أعرف عالماً جليلاً عنا في سورية عاش 97 سنة "بدر الدين الحسني" كان إذا رأى شاباً يقول له: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، علّم ثمانين سنة، صحته عالية جداً، يُسأَل: سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكِبر، مَن عاش تقياً عاش قوياً، كلامي دقيق.
لي صديق حميم زرته بالعيد ففتح لي والده، قلت له: الأخ محمد موجود؟ قال لي: لا والله ياعم غير موجود، قلت له: سلم عليه، قال لي: ممكن أن تدخل لعشرة دقائق؟ أحب أن أدخل البيت فدخلت، قال لي: يا عم، عمري 95 سنة، أجريت أمس تحليلاً كاملاً فكانت النتيجة أن كل شيء طبيعي، وعمره 95 سنة، قال لي سأقول لك فقط هذه الكلمة: أنا لا أعرف الحرام إطلاقاً؛ لا حرام المال، ولا حرام النساء. 
أنا والله أبشركم جميعاً؛ بما أنك تتقي الله لك خريف عمرٍ رائع جداً، هناك علماء كُثُر لم يفقدوا ذاكرتهم، وبأعلى درجة من الصحة، إن أردت أن تعمّر عمراً مديداً في طاعة الله اتّقِ الله، فقط كلمة دقيقة: أدخِلْ الآخرة في حساباتك ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ تضع مادة مسرطنة وتنجو؟ لا تنجو، تقوم بعملٍ لا يرضي الله وتنجو؟ لا تنجو، مادام هناك مساءلة هناك استقامة.
مثال أنت هنا في عمان -لا تبتعد- تركب سيارتك والإشارة حمراء، لماذا تقف؟ أريد جواباً إيديولوجياً، تقف لأن واضع القانون -وزير الداخلية- علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، أو علمه يطولك من خلال هذه الكاميرا، ما دام علمه يطولك لا يكفي، وقدرته تطولك؛ يعطيك منع قيادة سنة بكاملها، وغرامة كبيرة 5 آلاف، ما دام علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، اسمع القرآن:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) ﴾

[ سورة الطلاق ]

واضحة تماماً؟ يعني علمه يطولك، وقدرته تطولك، كيف تعصيه؟

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ  هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ   إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

[ الإمام الشافعي ]

أرجو الله -عز وجل- أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم واستقرار هذه البلاد.

والحمد لله رب العالمين.


دعاء:


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطِنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور