الإنسان كائن متحرك و حركته لا تصح ولا تكون سليمة و ناجحة إلا إذا عرف الهدف من وجوده و هو عبادة الله وحده و الإنسان لا يسعد إلا إذا جاءت حركته في الحياة وفق الهدف الذي رسمه لنفسه فما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع و ما من خروج عن تعليمات الصانع إلا بسبب الجهل والجهل أعدى أعداء الإنسان و حقيقة الإنسان أنه بضعة أيام لذلك هو خاسر لا محالة لأن مضي الزمن يستهلكه .
العبادة علة وجودك على وجه الأرض و العبادة طاعة طوعية وليست طاعة قسرية وللعبادة أقسام منها التعاملية ومنها الشعائرية فالعبادة الشعائرية لن تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية لأن العبادات التعاملية فرض حتمي على كل مسلم، لذلك حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة، بينما حقوق العباد مبنية على المشاححة .
العبادةُ معنى واسع لا يضيق في العبادات الخمس فهناك تقسيم للعبادة بشكل آخر، فمثلا عبادة الغني إنفاقُ المال على الوجه الصحيح و عبادة القويِّ إنصاف المظلوم ونصرةُ الضعيف و عبادة العالم تعليم الناس الخير لوجه الله و عبادة المرأة خدمةُ زوجها وأولادها وهناك عبادة الظرف وعبادة الوقت وهناك عبادة العصر و منها الجهادُ البنائي و الجهادُ العلمي الدعوي و الجهاد القتالي و جهاد النفس .
ما من عبادة أعظم من عبادة التفكر ونحن كمسلمين يجب أن نتفكر في آيات الله الكونية وأن ننظر في آياته التكوينية وأن نتدبرفي آياته القرآنية، من مقومات التكليف الكون فالتفكُر في الكون عبادةٌ وأما المقوم الثاني فهو العقل وللعقل دورُ في معرفة الله عز وجل لذلك العقل متطابق مع قوانين الكون والفطرة متوافقة مع منهج الله والمقوم الرابع الشهوةُ فكل شهوة لها قناة شرعية نظيفة تسري من خلالها و المقوم الخامس الحرية ( الاختيار) فالإنسان من جهة التكليف مخيَّرٌ والمقوِّم السادس الشرعُ .
الكون لا يختلف فيه شخصان مهما اختلفت ديانتهما ومن خلال الكون تعرف الله عز وجل والكون مسخر للإنسان تسخيرين تسخير تعريف، وتسخير تكريم ولقد استفاد الغرب من الجانب الوظيفي للكون فالكون أكبر ثابت في الإيمان و لابد للدعوة من العلم بالآيات الكونية لذلك الله عز وجل له آيات كونية هذا الكون وله آيات تكوينية أفعاله مثل البراكين، الزلازل، الصواعق، الفيضانات وله آيات قرآنية، كلامه، فأنت إذا أردت أن تعرفه عليك أن تتفكر في آياته الكونية تفكراً وأن تنظر في آياته التكوينية وأن تتدبر آياته القرآنية من أجل أن تعرفه .
لا بد من أن يشهد الله لخلقه أن هذا الإنسان الذي أرسله هو رسوله لذلك يجري على يد هذا الرسول خرقاً لنواميس الكون، هذا الخرق لا يخلقه إلا خالق السماوات والأرض وهناك بعض من الآيات الكونية الباهرة الدالة على عظمة الله عز وجل منها سرعة الضوء و دورة القمر حول الأرض و دورة الأرض حول الشمس و ظاهرة انتثار الضوء و كروية الأرض و الحاجز بين البحرين و خصائص الماء فلذلك التفكر في آيات الله الكونية والتكوينية والقرآنية سبيلٌ لمعرفة الله .
من مقومات التكليف العقل فالإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك و العقل قوة إدراكية لا بد من تلبية حاجاتها بالعلم فالعقل مجموعة مبادئ المبدأ الأول: السببية و المبدأ الثاني: الغائية و المبدأ الثالث: عدم التناقض و لكن العقل مهمته محدودة و الفكرة الدقيقة أن أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به و هناك عقل صريح وهناك عقل تبريري، العقل الصريح يقودك إلى الحقيقة لكن العقل التبريري تستخدمه لغير ما صنع له وهناك خطوط حمراء لابد من مراعاتها في موضوع العقل، التفكر في الكون أقصر طريق لمعرفة الله تعالى .
إنّ المؤمن يبني حياته على العطاء و غير المؤمن على الأخذ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا هذا هو النجاح الحقيقي، العقل جهاز معقد لكنه محدود الإدراك و محدود الاستعمال وهو يتكامل مع الوحي و لا يتناقض العقل مع النقل، ما هو الحق، الحق هو ما جاء به النقل الصحيح، وقبِله العقل الصريح، وارتاحت إليه الفطرة السليمة، وأيده الواقع الموضوعي، ومن مبادئ العقل: مبدأ السببية و مبدأ الغائية و مبدأ عدم التناقض .
النفس تعرف بالفطرة فجورها وتقواها و من أرقى خصائص النفس أنها جبلت على الكمال، فكل نفس ذائقة الموت و البشر من نفس واحدة فالإنسان خلق هلوعا لا يحتمل وخلق ضعيفا، ونحن عندنا صبغة وفطرة، الفطرة أن تحب الكمال لكن الصبغة أن تكون كاملاً، الفطرة من صفات البشر جميعاً لكن الصبغة من صفات المؤمنين، و هناك طبع وهناك تكليف الطبع مناقض للتكليف، ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة .
لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف هدفه و الإنسان مخيَّرٌ وشهواته حيادية، الحركة من خلالها تمتحن، تكون صالحاً أو طالحاً لا سمح الله، الحركة من خلالها تكون محسناً أو مسيئاً، والناس قسمان لا ثالث لهما صالح وطالح فحقيقة الدين أن تكون أخلاقياً و الفطرة مرسخة في الإنسان ولو لم يكن له علم و أكبر راحة يرتاح لها المؤمن حينما تأتي حركته في الحياة موافقة لفطرته البناء الأخلاقي متوافق مع الفطرة توافقاً مطلقاً لأن الإسلام دين الفطرة .
كلُّ حركة للإنسان يسبقها تصوُّرٌ فإن صح التصور صحت الحركة ولا يمكن أن تكون هناك حركة من دون تصور و كل مشكلات الناس ناتجة من تصور خاطئ، ناتجة من ضعف العقيدة، ناتجة من ضعف التوحيد فحينما تقرأ القرآن يجب أن تستنبط منه تصوراً صحيحاً لذلك الواقع الموضوعي ينبئ بالتصورات الصحيحة وغير الصحيحة وهناك تصورات غير صحيحة في العبادات، الإسلام بناء شامل متكامل، يعني صحة التصور أساسها التوحيد .