وضع داكن
28-03-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 03 - العبادة - عبادة انفاق المال والوقت - وعبادة العصر والجهاد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

العبادة هدفُ الإنسان في الأرض وعلُّة وجوده فيها:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث من دروس العقيدة والإعجاز، وقد كان موضوع الدرس السابق العبادة، التي هي علة وجودنا، وسوف أنقل لكم استبياناً أجري على ألف شاب حول سؤال واحد: ما الهدف الذي تسعى من أجله ؟ فكانت الأهداف ضبابية، والأصح أن ثلاثة بالمئة من هؤلاء الشباب يعرفون أهدافهم الواضحة، والإنسان حينما لا يعرف سر وجوده، وغاية وجوده يتحرك حركة عشوائية، قد لا تثمر لا سلامة ولا سعادة، فلذلك أول شيء ينبغي أن نعرفه لماذا نحن في الدنيا ؟ ما علة وجودنا ؟ وقد بدأت هذا الموضوع في الدرس السابق حينما قلت في قوله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾ 

[ سورة الذاريات ]

والآية واضحة، الآية واضحة وضوح الشمس، وهي بمصطلح الأصوليين قطعية الدلالة، العبادة علة وجودنا.

 

العبادةُ معنى واسع لا يضيق في العبادات الخمس:

ولكن الاختلاف بين المسلمين في مفهوم العبادة، فمن فئة يتوهمون أن العبادة لا تزيد على أداء العبادات الشعائرية ؛ من صلاة، وصيام، وحج، لكنْ هناك أناس يعرفون أن العبادة لها مغنى واسع جداً، صدق أو لا تصدق في كل حركة وسكنة، في كل كلمة، في كل عطاء ومنع، وصلة وقطيعة، وابتسامة وعبوس، ورضا وغضب، هناك عبادة تدور معك.

لا تصح العبادة الشعائرية إلا إذا صحت العبادة التعاملية:

حينما تفهم أن العبادة تدور مع الإنسان في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤون حياته، عندئذ نعبد الله حق العبادة، لذلك في اللقاء السابق تحدثنا عن العبادة الشعائرية، وعن العبادة التعاملية، وكان محور الدرس أن العبادة الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية، وبينت قول بعض العلماء: تركُ دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام، وبينت أنه كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( لأن أمشي مع أخ في حاجةٍ خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا ))

[ الطبراني عن ابن عمر ]

لذلك نتابع هذا الموضوع بتوسيع مفهوم العبادة، بل بالحديث عن العبادة كما ينبغي، بل كما أرادها الله، بل هي حقيقة الدين أن تعبد الله:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ(21) ﴾

[ سورة البقرة ]

أيها الإخوة الكرام، الآية الكريمة:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) ﴾

[ سورة الملك ]

الذي يعد الهدف عنده واضحاً يمشي سوياً على صراط مستقيم باتجاه هدفه، والذي لا يعرف علة وجوده، ولا غاية وجوده يمشي مكباً على وجهه، لذلك ذكرت في لقاء سابق أنك إذا كنت في مدينة، ولك في هذه المدينة هدف واضح جداً فإنك تختار الوسائل التي تحقق هذا الهدف، هذا هو الإنسان السوي الصحيح العاقل الفالح الناجح، أما حينما لا تعرف لماذا أنت في هذه البلدة تكون الحركة عشوائية، والحركة غير مجدية، والآية التي تقصم الظهر:

 

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ﴾

 

[ سورة الكهف ]

وهذا ينطبق على نصف المتعلم، فلا هو متعلم فينتفع بعلمه، ولا هو جاهل فيتعلم، لذلك من الناس من لا يدري، و لا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه.
إذاً: في اللقاء السابق كانت هناك أفكار دقيقة جداً حول العبادة التعاملية، والعبادة الشعائرية، العبادة التعاملية أن تكون صادقاً أميناً، عفيفاً رحيماً، متواضعاً منصفاً، وعادلاً.
والعبادة الشعائرية ؛ أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، وأن تزكي، وأن تشهد أنه لا إله إلا الله.

 

مفهوم آخر للعبادة: عبادة الهوية:

1 ـ عبادة الهوية:

الآن هناك تقسيم للعبادة بشكل آخر:

1 – عبادة الغني إنفاقُ المال على الوجه الصحيح:

أولاً: هناك عبادة الهوية، مَن أنت ؟ كل إنسان له دور اجتماعي.
أولا: هذا رجل، وهذا امرأة، هذا ذكر، وهذا أنثى.
ثانياً: مَن هذا الرجل ؟ رجل غني، هويته أنه من أهل الغنى، هذا الرجل قوي من وصفه الاجتماعي أنه يحتل منصباً رفيعاً، فهو قوي، معه توقيع، بجرة قلم يحق حقاً، ويبطل باطلاً، يقر معروفاً، ويزيل منكراً، هذا الرجل عالم، هويته عند الناس داعية عالم.

 

أوّلُ شيء في هذا اللقاء الجديد ـ إن شاء الله ـ: من أنت ؟ هناك عبادات كقاسم مشترك بيننا جميعاً، يجب أن نصلي جميعاً، فالصلاةُُ هي العبادة الشعائرية الأولى، ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، والصلاة سيدة القربات، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
نحن جميعاً نصلي هذه عبادة مشتركة، بل هذا قاسم مشترك بيننا جميعاً، جميعاً نصوم، جميعاً نؤدي زكاة أموالنا إن بلغت أموالنا النصاب، جميعنا يحج بيت الله الحرام إذا كان أحدُنا مستطيعاً وغنياً.
لكن هناك عبادات متعلقة بهويتك: مَن أنت ؟ أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال، وما أعطاك الله هذا المال إلا لتنفقه في سبيل الله، إلا من أجل أن تسعد بإنفاقه في الدنيا والآخرة، بل إلا من أجل أن تنافس العلماء، الدليل: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))

[ متفق عليه ]

أول سؤال: مَن أنت ؟ أو اسأل أنت نفسك هذا السؤال، المؤمن الغني يجب أن يعلم علم اليقين أن الله ما أعطاه هذا المال إلا ليكون عوناً له على دخول الجنة، ولكم أيها الإخوة الكرام حقائق كثيرة بإمكان أصحاب الأموال أن يصِلوا إلى أعلى مراتب الجنة، لأن المال قوة، المال قوام الحياة:
هذا التاجر الذي يكسب المال الحلال، وينفقه في مصالح المسلمين هو عند الله مع النبيين والصديقين، التاجر الصدوق مع النبيين و الصديقين، لأنه كما يمكنني أن أقنعك بأفكاري يمكنني أن أملك قلبك بمالي، لذلك العبادة الأولى لأصحاب الأموال إنفاق أموالهم، بأموالهم يرأبون الصدع، بأموالهم يلمون الشمل، بأموالهم يمسحون الدموع عن وجوه اليتامى، بأموالهم يزوجون الشباب و الشابات، بأموالهم يهيئون البيوت للفقراء، بأموالهم يطعمون الطعام، بأموالهم يرعون الأيتام، بأموالهم يعطون عطاء يملك القلوب، لذلك أول عبادةٍ عبادةُ الهوية، مَن أنت ؟
اتفقنا قبل قليل على أن هناك عبادات مشتركة، قواسم مشتركة، نحن جميعاً نصلي، ونصوم، ونؤدي زكاة أموالنا، و حج، و نطق بالشهادة، ولكن بعد أداء هذه العبادات الشعائرية التي هي قواسم مشتركة هناك عبادات متعلقة بهوية الإنسان، الغني أول عبادة يكلف بها إنفاق المال، لأن الله جعل هذا المال مكنة له على طاعة الله، الدليل:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (77) ﴾

[ سورة القصص]

هذه واحدة، الآية واضحة جداً، قضية المال أيها الإخوة الكرام قد ينزلق الإنسان، ويصبح في خدمة المال، ويصاب بمرض بالنسبة إلى النفس كالمرض الخبيث بالنسبة إلى الجسم:

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) ﴾

[ سورة التغابن]

الشح مرض، والشحيح أيها الإخوة يعيش فقيراً ليموت غنياً، لذلك ورد في بعض الآثار أن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي، يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم، والتبعة علي.
بل إن أندم الناس يوم القيامة رجلٌ دخل ورثته بماله الجنة، ودخل هو بماله النار، فالغني عبادته الأولى إنفاق المال لذلك:

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾

[ سورة البقرة]

من أدق المعاني لهذه الآية: أي لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن لم تنفقوا، والشواهد لا تعد و لا تحصى.

2 – عبادة القويِّ إنصاف المظلوم ونصرةُ الضعيف:

أنت من ؟ أنت قوي العبادة الأولى إحقاق الحق، إنصاف المظلوم، أن تأخذ للضعيف من القوي، وأن تأخذ للفقير من الغني، وأن تأخذ للمظلوم من الظالم، أنت بجرة قلم تصدر قراراً، لذلك الأقوياء أحياناً يترنمون بكلمة مسؤول كبير، ولو عرفوا معنى هذه الكلمة لارتعدت فرائصهم من هذه الكلمة، مسؤول كبير:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر]

لذلك حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، القوة مسؤولية، والمال مسؤولية.
يا أيها الإخوة الكرام، قد تعلو مرتبة الإنسان بالمال، وقد تعلو بالمنصب، وقد تعلو بالعلم، وكلما علت مرتبة الإنسان اتسعت دائرة خياراته في الأعمال الصالحة.

3 – عبادة القائم على التعليم:

معلّم بصف معه صلاحيات تصيب ثلاثين طالباً، لكن مدير مدرسة صلاحياته تغطي أربعمئة طالب، لكن مدير التربية صلاحياته لمحافظة بأكملها، أما وزير التربية فبيده المناهج، يمكن أن يصلح المناهج، وأن يكلف أناساً بتأليف كتب من أعلى مستوى، وأن يضبط الأمور، فكلما علت مرتبتك اتسعت دائرة الأعمال الصالحة التي تتاح لك، لذلك الممكَّنون في الأرض يتاح لهم من الأعمال الصالحة ما لا يتاح لغيرهم، وكلمة ( مُمَكَّن في الأرض ) تعني أن تكون قوياً، و تعني أن تكون غنياً، وتعني أن تكون عالماً.
أوّل عبادة عبادةُ الهوية أنت من ؟ القوي له عبادة فضلاً عن العبادات الشعائرية التي هي قاسم مشترك بين كل الناس، القوي له عبادة إحقاق الحق، إنصاف المظلوم، أن يأخذ للمظلوم من الظالم، للضعيف من القوي، للفقير من الغني، أن ينصف، أن يعدل، وعدلُ ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً.
فأول عبادةٍ عبادةُ الهوية، الغني بإنفاق ماله.

4 – عبادة العالم تعليم الناس الخير لوجه الله:

والعالم بإنفاق علمه، قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ﴾ 

[ سورة الأحزاب ]

دققوا.

﴿ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾

[ سورة الأحزاب ]

الذين يبلغون رسالات الله لهم صفات لا تعد ولا تحصى، ولكن الله أغفلها جميعها، واكتفى بصفة واحدة.

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ (39) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

إذا خشي الذي يبلغ رسالة الله غير الله فسكت عن الحق خوفاً منه وتكلم بالباطل إرضاء لهم ماذا بقي من دعوته ؟ انتهت دعوته، إذاً هناك صفة واحدة جامعة مانعة كافية أن تخشى الله وألا تخشى إلا الله وألا تأخذك في الله لومة لائم.
أيها الإخوة، العبادة الأولى عبادة الهوية، إن كنت عالماً فعبادتك الأولى أن تعلم العلم لوجه الله تعالى، وإن كنت قوياً فأن تحق الحق، وأن تبطل الباطل، وإن كنت غنياً فأن تنفق المال في سبيل الله.

5 – عبادة المرأة خدمةُ زوجها وأولادها:

وإن كنتِ امرأة فالعبادة الأولى أن ترعى المرأة زوجها وأولادها، اعلمي أيتها المرأة، و أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
أضرب مثلاً دائماً وأكرره، لأنه مناسب جداً، امرأةٌ صلت قيام الليل، وبكت في الصلاة، وخشع قلبها، وذابت محبة لربها، وعندها خمسة أولاد، في الساعة السادسة تعبت كثيراً فطلبت من أولادها أن يتدبروا شأنهم، الأكل غير موجود، الغرفة باردة، بعض أولادها لم يكتب وظيفته، بعض أولادها هندامه غير حسن، بعض أولادها يحتاج ثيابه إلى إصلاح، انطلقوا إلى المدرسة، هذا ما كتب وظيفته، والثاني على هندامه ملاحظة، والثالث كتابه فيه آثار زيت من الشطيرة التي ما وضع لها كيس نايلون، الكل أُهِينوا، أنا أقول: هذه المرأة لو استيقظت قبل طلوع الشمس بنصف ساعة، ودفأت الغرفة، ووضعت الطعام، وهيئت الشطائر لأولادها، وراقبت وظائفهم، راقبت هندامهم، راقبت ثيابهم، راقبت محفظتهم، ودعتهم إلى أن يستقلوا السيارة، أنا أرى أن هذه المرأة أقرب إلى الله مليون مرة من الأولى، لأن الأولى كانت عابدة لله، لكن الثانية عبدت ربها فيما أقامها.
إذاً: أول عبادة هي عبادة الهوية، من أنت ؟ لك عبادة خاصة، لذلك إذا فطن الناس إلى هذه الحقيقة كان حال المسلمين في حال آخر، مِن هنا قال سيدنا علي رضي الله عنه: << قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمَه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ـ الآن دققوا ـ فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره >>.
أعيد القول مرة ثانية: << قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمَه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره >>.
وشر الناس من باع آخرته بدنيا غيره.
أيها الإخوة، هذه عبادة الهوية.
اسأل نفسك من أنت ؟ أنت غني لك عبادة، قوي لك عبادة، عالم لك عبادة، أنتِ امرأة لكِ عبادة خاصة، اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة، أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: مَن هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاد، فأبت لزواج من أجلهم، وهي تنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة.
هذه عبادة الهوية، لذلك يجب أن تعبد الله فيما أقامت، كملخص يجب أن تعبد الله فيما أقامك.

 

2 ـ عبادة الظرف:

هناك عبادة الظرف، إنسان له أب مريض، وعنده بعض مجالس العلم يحضرها، أيهما أولى أن يجلس مع أبيه ليرعاه، ويقدم له ما يحتاج، ويؤنسه، أم أن يدعه، ويهمله، وأن يأتي إلى عبادة ثانية ؟ نقول له: لا، هذه عبادة الظرف، وهي مقدمة على أية عبادة عدا الفرائض طبعاً، يجب أن ترعى أباك، العبادة الأولى لمَن له أب مريض أن يرعى الأب المريض، العبادة الأولى لمن عنده ضيف أن يكرم الضيف، العبادة الأولى لمن ابنه في الامتحان أن يهيئ له الجو المناسب للدراسة، العبادة الأولى لمن يرى ابنته قد شبت، وآن أوان زواجها أن يسعى لزواجها، العبادة الأولى لمن يرى ابنه في ريعان الشباب والفتن مستعرة، والدنيا ترقص العبادة الأولى أن يزوج ابنه، هذا معنى دقيق جداً، هذه العبادة الثانية، عبادة الظرف، الضيف يكرم، والمريض يعالج، والطالب تهيئ له أجواء الدراسة، وهناك آباء عقلاء جداً في أيام الامتحان تلغى كل الزيارات واللقاءات والحفلات، هذا جو امتحان، الأسرة كلها مستنفرة من أجل أبنائها، جو هادئ، تقديم طعام مناسب، عناية، سهر، فكم مِن طالب رسب في الشهادة الثانوية لأن أباه وأمه لم يوقظاه إلى وقت الامتحان، يجب أن تكون هناك وسائل للعناية بالأولاد.
لذلك أيها الإخوة، ونحن أيضاً نتحدث عن عبادة الظرف، وهناك قصص كثيرة مؤلمة جداً، أن الإنسان لا يعرف الأولويات، أبوه مريض، ويقوم بعبادة أقلّ بكثير من ثواب تمريض أبيه، لذلك لا يقبل الله نافلة أدت إلى ترك واجب.
عندك شاب في ريعان الشباب، والفتن مستعرة، وكل سنة تأتي بعمرة، وكل سنة تحج، ولك ثلاثون حجة، زوج ابنك، أنا أرى أنك حججت مرة إلى خمس، بارك الله بك، ونفع بك، هنيئاً لك، لكن ابنك يتلوى ويتمنى أن تكون له زوجة تحصنه، أنا أقسم بالله لكم أن الإنسان حينما يزوج أولاده في هذا الزمان بالذات، في زمان الفتن، والله له عند الله أجر كبير، لكن ليس هذا بمعنى أن تدع حجة الفريضة، وحج كل خمس سنوات حجة، لكن ينبغي أن تهتم بأولادك، وأن تزوجهم، وأن تحصنهم، مَن لهم غيرك ؟ اسمعوا هذه الكلمة: الآخرون أنت لهم، وغيرك لهم، أما أولادك فمَن لهم غيرك ؟
والله أعرف أبًا زوج عنده ولدين، وهو زواج جيد، والله حينما يقف أمامهما كأنهما جنديان أمام لواء في الجيش من شدة الأدب والاحترام والمحبة، إنسان زوج ابنه شيء عظيم، هذا عمل كبير، لكن هناك آباء عقليتهم متخلفة جداً، يقول: أنا نشأت عصاميًا، والله أعرف إنساناً عنده أكثر من عشرة أبنية، وجمع بعض الإخوة مبلغاً لتأمين بيت لشاب، ووالده عنده عشرة أبنية، ويقول: أنا نشأت عصاميًا، وابني يدبّر أمره، فهذه قسوة بالغة الآن، فلذلك الأب النظامي الكامل هو الذي يهتم بأولاده، وهناك آباء أبطال، يبيع أحدهم بيتا بأرقى أحياء دمشق، ويسكن خارج المدينة، ويشتري خمسة بيوت بثمن بيته، وهناك بيوت ثمنها ثلاثون إلى أربعين مليونًا لزوج وزوجته، وعنده أربع أولاد يتلوون من الشعور بالوحشة، بلا زوجة، اسكن في بيت بعشرة ملايين، واشتر بيوتًا لأولادك بالباقي.
أعرف آباء والله أغنياء جداً، يأتي خطّاب كثيرون لابنته، ومعها بيت، هذا يسمونه عرضًا، هذه البنت معها بيت، هل زوّجتها بهذه الطريقة ؟ كثير من الشباب المؤمنين الصادقين ما عندهم بيت، فيجدون بنتًا معها بيت، وهذه نعمة، وهناك آباء عندهم عقل راجح جداً، عن طريق هذا البيت تم الزواج الجيد والناجح.
إذاً: هذه عبادة الظرف.

3 ـ عبادة الوقت:

الآن عبادة الوقت، وقت فجر، هذا الوقت ليس وقت حسابات، ولا غسل سيارات، هذا وقت عبادات، هذا وقت قراءة القرآن، هذا وقت الصلوات، هذا وقت الأذكار، عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ النسائي ]

عبادة الوقت ؛ أن تعطي لكل وقت حقه، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله بالليل.
النبي عليه الصلاة والسلام رأى شاباً في ريعان الشباب يقرأ القرآن، أو يتعبد الله في وقت العمل، فسأله:

(( مَن يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك ))

[ ورد في الأثر ]

دقق، هذا وقت عمل، أخوك أعبد منك، لأنه يكسب المال الحلال، وينفقه على مَن يلوذ به.
إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل .
إذاً النوع الثالث من العبادات عبادة الوقت، الفجر وقت صلوات وأذكار، والتجاء على النهار، في أثناء النهار وقت عمل، سيدنا عمر رأى من لا يعمل في وقت العمل فقال: << إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به، أفتخذت قراءته عملاً >>.

 

4 ـ عبادة العصر:

بين عصر المبادئ والأشخاص والأشياء:

أيها الإخوة، لكن هناك عبادة سوف نقف عندها وقفة متأنية، إنها عبادة العصر، عبادة العصر بادئ ذي بدء العصور متنوعة، هناك عصر المبادئ، والأشياء والأشخاص في خدمة المبادئ، وهذه العصور أرقى العصور في تاريخ البشرية، الأشخاص والأشياء في خدمة المبادئ، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ (24) ﴾

[ سورة التوبة ]

أشخاص.

﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا (24) ﴾

[ سورة التوبة ]

أشياء:

﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ (24)﴾

[ سورة التوبة ]

مبادئ، في عصر مبادئ كالعصر الإسلامي الأول، مَلك من ملوك الغساسنة اسمه جبلة ابن الأيهم جاء مسلماً، رحب به عمر، في أثناء طوافه حول الكعبة داسَ بدوي من فزارة طرف إزاره، فانخلع الإزار من كتفه، وهو ملِك، وهذا الذي داس رداءه من عامة الناس، بالتعبير المعاصر من سوقة الناس ودهمائهم وعامتهم، من الدرجة الدنيا، ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا البدوي يعيش في مجتمع المبادئ فيه مقدسة، فذهب إلى عمر واشتكى، سيدنا عمر استدعاه، وقد صاغ شاعر معاصر الحوار شعراً، قال له عمر :

أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟

قال جبلة الملك:

لست ممن ينكر شيا أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي

قال له عمر:

أرضِ الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشــمن الآن أنـفـك وتـنال مــا فعلتـه كفك

قال:

كيف ذاك يا أمير المؤمنين هو سوقة وأنا عرش وتاج

كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاً ؟

قال له:

نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً
وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا

قال:

كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعزّ
أنا مرتدٌ إذا أكرهتني

قال:

عالَم نبنيه كل صدع فيه يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى

العصر الآخر عصر أشخاص، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) ﴾

[ سورة القصص ]

لذلك دائماً وأبداً هناك أنبياء، وهناك أقوياء ففي عصر الأشخاص أي الأقوياء ملكوا الرقاب ولم يملكوا القلوب، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأقوياء عاش الناس لهم، لذلك أحب الناس الأنبياء، وخافوا من الأقوياء.
النوع الثاني من العصور عصر الأشخاص، فالمبادئ والأشياء في خدمة الأشخاص، هذا عصر أشخاص، لكن قد يكون الشخص قوياً، لكنه مصلح، حالة بين أن تكون مثالية وأن تكون مؤلمة جداً عصر الأشخاص، لكن الطامة الكبرى في النوع الثالث عصر الأشياء.
خطب شاب فتاة فقال والدُها: له يا بني، عندك بيت ؟ قال: طبعاً، قال: أحضر ورقة الطابو، فأحضرها، عندك مركبة، قال: نعم، قال: هات ورقة الميكانيك، عندك معمل، هات الرخصة، بيت ومعمل ومركبة، زوجه ابنته، زاره في المحل التجاري، وهو عند أصدقائه، فقال له: هذا زوج ابنتي، فتهجم أحدهم وقال له: معقول !!! هذا ليس مسلماً، قال له: أنت غير مسلم ؟ قال: ما سألتني عن ديني إطلاقاً.
هذا عصر أشياء.
الآن مثلاً: الإنسان كل قيمته بمساحة بيته، بنوع الكسوة، بنوع الفرش، بمركبته، برقم يأتي بعد الماركة، قيمته بالخلوي الذي يملكه، قيمته بأجهزته، حينما تكون الأشياء هي المسيطرة تكون المبادئ والأشخاص في خدمة الأشياء، وهذه هي الطامة الكبرى.

 

من عبادات العصر:

 

1 – الجهادُ البنائي:

الآن ننتقل إلى عبادة رابعة عبادة العصر، وهذا موضوع مهم جداً، لأنه يعني جميع المسلمين:
إذا أراد الطرف الآخر إفقار المسلمين فالعبادة الأولى استصلاح الأراضي، وإنشاء السدود، واستخراج الثروات، وتطوير الصناعات، والاكتفاء الذاتي، والتصدير، وجمع الثروات، كي نؤمن بهذه الثروات حاجات المجتمع، فأنت حر إذا كنت قوياً، وما لم تتفوق في دنياك فلا يحترم دينك، وما لم تكن قوياً فلا تملك قرار نفسك، هذه حقيقة، ما الذي يغطي هذا الكلام ؟ القرآن الكريم، دقق:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾

 

[ سورة الأنفال ]

جاءت كلمة ( قوة ) نكرةً، العلم قوة، والصناعة المتينة قوة، والصناعة الاستراتيجية قوة.
أحيانا نسمح بإنشاء مشاريع، أكثر هذه المشاريع سياحية وخدمية، لكن ليس عندنا صناعة استراتيجية، ويل لأمة تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تنسج، وتستخدم آلة لا تصنعها، وويل لأمة تشتري السلاح شراءً، إذاً، ليس قرارها بيدها، فلذلك عبادة العصر قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

الآن الدول النووية أنا متأكد قد تمضي خمسون عاماً قادمة، وليست مضطرة أن تستخدم السلاح النووي، لكن هذا السلاح النووي يعد ردعاً قوياً لمن حولها، إذاً، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

كلمة (من قوة ) جاءت نكرة، والتنكير شمولي، ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام القوة رباط الخيل، بعد حين القوة المنجنيق، بعد حين المدافع، بعد حين المدرعات، الآن الطائرات، لاحظتم لبنان البنية التحتية كلفت أربعين مليارا هدمت في شهر عن آخرها بالطيران، فما لم تملك سلاحاً جوياً فعالاً فلست قوياً، إذاً:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

هذا سماه العلماء عطف الخاص على العام، كي ننتبه ما القوة ؟ القوة سلاح، القوة سلاح متطور، مثلاً طائرة مداها المجدي سبعة كيلو مترات، ومدرعة مداها المجدي ثلاثة كيلو مترات، يمكن لطائرة واحدة أن تدمر مئة دبابة واحدة بالمدى، يومكن لطائرة ألاّ ترى إلا هدفين على بعد خمسة كيلو مترات، ويمكن لطائرة أن ترى ثمانية عشر هدفًا على بعد مئتي كيلو متر، إذاً قضية قوة قضية خطيرة جداً.

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

السلاح قوة، والسلاح المتطور قوة، والأقمار الصناعية قوة، والمعلومات قوة، والمعنويات قوة، والتأهيل قوة، التدريب قوة، والتنظيم قوة، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

وقد لا تحتاجون إلى استخدام القوة، لكن هذه القوة ترهب، لذلك هناك بعض الدعاة يخشى كلمة ترهبون به عدو الله، يقول: صرنا إرهابيين، هذا الإرهاب في الآية من أجل ألا يكون إرهاباً، هذا الإرهاب لمنع الإرهاب، ترهبون به عدو الله.
حدثني أخ من بلد إسلامي مجاور لبلد إسلامي، لكن المسلمين في البلد الأول مضطهدون جداً، البلد الآخر لما فجر قنبلة نووية قال لي: والله معاملة أولي الأمر للمسلمين للبلد المجاور انتقل مئة وثمانين درجة لزيادة اهتمام، قال تعالى:

﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

إذَا أراد الطرف الآخر إفقارنا ينبغي أن نستعد، هذا اسمه الجهاد البنائي، أن نبني بلدنا، أن نبني أمتنا، أن نستخرج ثرواتنا، أن نستصلح أراضينا، أن ننشئ السدود، أن نطور الصناعات، أن نكتفي ذاتياً، هذه عبادة، وإلا فكما ترون المليار ونصف المليار مسلم عندهم ثروات لا تعد ولا تحصى، بلد واحد محتل الآن، أكبر احتياطي نفط في العالم فيه، أربعمئة وخمسون مليار برميل، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

هذه العبادة الأولى، عبادة الجهاد البنائي، العامل يتقن، والمزارع يتقن، والمدرس يتقن، والطبيب يتقن، والمهندس يتقن، وكل إنسان حرفته تعد أداة قوته، تطوير صنعته، والرقي بها أحد أكبر الواجبات الدينية.

2 – الجهادُ العلمي الدعوي:

الآن لو أراد الطرف الآخر إضلالنا فالعبادة الأولى ترسيخ معالم هذا الدين، والرد على الشبهات الرد، وعلى التخرصات، توضيح القيم، توضيح المبادئ، لذلك أحياناً الدعوة إلى الله تعد من أعظم أنواع الجهاد، لذلك قد يوازي مداد العلماء دماء الشهداء، هذا يقوم بعبادة تأصيل المبادئ، وترسيخ القيم، والرد على الشبهات، وإحقاق الحق، هذه عبادة أيضاً.
إذاً: العبادة جهاد بنائي، أعدوا لهم، وهناك عبادة ترسيخ المبادئ، عبادة دعوية، نريد دليلا، قال تعالى:

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) ﴾

[ سورة الفرقان ]

سمى الله تعليم القرآن الكريم وتوضيح معانيه وترسيخ مبادئه سمى هذا العمل جهاداً كبيراً، وجاهدهم بالقرآن جهاداً كبيرا، هذه عبادة ثانية في العصر.

3 – المناشط الإسلامية لتحصين الشباب:

عندنا عبادة ثالثة، إذا أراد الطرف الآخر إفسادنا بثمانمئة محطة، منها محطات إباحية، الهدف إكرامنا أم إفسادنا ؟ الهدف إفسادنا لا إكرامنا، فلذلك أن تحصن شبابك وشاباتك بمناشط إسلامية، بمدارس إسلامية، بجامعات إسلامية، ببدائل إسلامية خير تحصينٍ، مادام الطرف الآخر يريد إفسادنا فلا بد من بدائل، أحياناً يربط بالمسجد منتجع، هذا يستقطب الصغار يملؤون به وقتهم، ويلعبون، ويسرون بهذه المنتجعات، هذا من أجل ألا يفسد شبابنا، هذه العبادة الثالثة.
الأولى: الإغناء، تطوير، البناء.
الثانية: التوضيح والترسيخ.
الثالثة: عبادة المناشط الإسلامية تحصين الشباب والشابات.

4 – الجهاد القتالي:

وإذا أراد الطرف الآخر إذلالنا يجب أن نضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، حينما احتل بعض الدول الغربية بلاداً إسلامية، وكان فيها مقاومة كبيرة جداً، أنا أعتقد أنهم يعدون في المستقبل للمليون قبل أن يفكروا باحتلال بلد آخر، إن أرادوا الإذلال تصدى الناس لهذا العدو الغاشم، هذه عبادة أيضاً، هذه عبادة الجهاد القتالي، في عندنا جهاد دعوي، قال تعالى:

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) ﴾

[ سورة الفرقان ]

عندنا جهاد بنائي، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾

[ سورة الأنفال ]

5 – جهاد النفس:

عندنا جهاد نفسي، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) ﴾

[ سورة العنكبوت ]

غض بصره، ضبط لسانه، حرر دخله، هذا جهاد نفسي، وهو أول أنواع الجهاد، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، فهناك جهاد نفسي، وجهاد بنائي، أعدوا لهم، وجهاد دعوي، وجاهدهم به جهاداً كبيراً.
الجهاد القتالي قال تعالى:

﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) ﴾

[ سورة الحج ]

هذه عبادات كلها.

 

بين أخلاق الدعوة وأخلاق الجهاد:

لكن هناك أخلاق الدعوة وهناك أخلاق الجهاد، أخلاق الدعوة، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾

[ سورة فصلت ]

أخلاق الجهاد، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) ﴾

[ سورة التوبة ]

الفرق واضح تماما، وأكبر شيء يزعج أن تختلط عند بعض الدعاة أخلاق الجهاد بأخلاق الدعوة، أخلاق الدعوة:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾

[ سورة فصلت ]

﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) ﴾

[ سورة النحل ]

أخلاق الجهاد، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (73) ﴾

[ سورة التوبة ]

أيها الإخوة، هذه كلها من قبيل أنواع الجهاد، بدءاً من الجهاد النفسي، إلى الجهاد الدعوي، إلى الجهاد البنائي، إلى الجهاد القتالي، هذه عبادة العصر، إن أراد الطرف الآخر إفقارنا أغنينا بلادنا بالعمل الدؤوب والمتقن، إن أرادوا إضلالنا رسخنا معالم الدين، رددنا على الشبهات، إن أرادوا إفسادنا حصنّا شبابنا وشاباتنا، إن أرادوا إذلالنا بذلنا الغالي والرخيص والنفس والنفيس.
هذه بعض معان العبادة أيها الإخوة، وقد رأيتم كيف أنها تدور مع الإنسان في كل أوقاته، وفي كل شؤون حياته. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور