- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (053) سورة النجم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الإخوة الكرام:
الآية الكريمة السادسة والثلاثون، وهي قوله تعالى:
﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36)﴾
قبلها:
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)﴾
موطن الشاهد:
﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾
أيها الأخوة الكرام:
لو عقل الناس هذه الآية، لكانوا في حالٍ غير هذا الحال، وهي قوله تعالى
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾
أيها الأخوة:
لو أن الله عز وجل قال: للإنسان ما سعى، هذا ليس قرآناً، لو كانت الآية كذلك، للإنسان ما سعى، أي له ما سعى وله ما لم يسعى أما حينما قال الله عز وجل
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾
هذا تركيب قصري، قصر يعني ليس لك إلا ما سعيت.
أيها الأخوة الكرام:
المشكلة أن الله سبحانه وتعالى، ضمن لك شيئاً، وكلفك بشيء ضمن لك رزقك، وكلفك أن تعمل للآخرة.
واقع أكثر الناس، أنهم تركوا ما كلفوا به، وعملوا فيما ضمن لهم أنهم تركوا ما كلفوا به، وعملوا فيما ضمن لهم.
الإنسان حينما يسعى لكسب رزقه، يغيب عن ذهنه أن هذا المال الذي بين يديه، الذي استهلكه هو رزقه، والذي لم يستهلكه هو كسبه المال الذي لم تستهلكه، ولم تنتفع به، لم تنتفع به وأما الذي استهلكته هو الذي انتفعت به، فأكثر الناس عندهم أموال أضعاف مضاعفة، عن حاجتهم، هذا كسبهم، ورزقهم المنتفع به، أما في الآخرة كل عملك لك، كل سعيك لك،
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾
فأنظر كم يمضي من الوقت، وأنت تستهلك هذا الوقت في شؤون الدنيا الفانية التي ضمنها الله لك، وكم ينبغي أن تستهلك من الوقت، فيما كلفت به.
بقلك فلان مؤمن، الإيمان مرتبة، مرتبة علمية، مرتبة جمالية مرتبة أخلاقية، مرتبة قيم، مرتبة علم، مرتبة ذوق.
طيب متى آمنت ؟ أي وقتٍ استهلكته من أجل أن تؤمن، هل حضرت مجلس علم ؟ هل قرأت ؟ هل استمعت إلى شريط ؟ هل سألت عالماً ؟ هل جلست على ركبتيك في المسجد، من أجل أن تصبح مؤمناً،
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾
أمور الدنيا يسعى الناس إليها، بجدٍ ما بعده جد، أمور الآخرة بقلك على الله،
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾
لذلك، بعض الناس بقلك سقوط صلاة، والله شيء مضحك ما صلى في حياته، وترك ثروة طائلة، بدفعوا كم ألف سقوط صلاة، وحجة بدل وانتهى الأمر، الجواب، لا،
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾
إن العمل الذي أردته وجهدت في تحقيقه، وتنفيذه هذا الذي يكتب لك
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)﴾
يعني ممكن في عالم الدنيا، إنسان معه شهادة عليا، يدخل للامتحان محل طالب كسول يقبلوه، أخي فلان نائب عني محلي وكيلي، بقدم فحص عني، لا، نريدك أنت، لا يقبل الطالب إلا أن يؤدي الامتحان هو ، طيب ممكن إنسان مريض، نعطي الدواء للصحيح، خذ هذا الدواء عنه، لا، هذا مستحيل،
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾
يعني الصدقات التي أنفقتها أنت هي لك، الأعمال التي فعلتها أنت هي لك، الأعمال الصالحة التي بذلتها هي لك، وما سوى ذلك ليس لك إطلاقاً،
﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)﴾
على رؤوس الأشهاد.
قال واحد لرسول الله، اللهم صلي عليه، ادعوا الله لي أن يذهب عني النوم، كان نوماً، فقال سيدنا عمر ويحك يا رجل، فضحت نفسك قال له النبي الكريم، دعه يا عمر، فضوح الدنيا خير من فضوح الآخرة.
أما يوم القيامة عملك يظهر، على رؤوس الأشهاد، أنت في الدنيا قد تستطيع أن تخدع بعضاً من الناس بطول الوقت، وقد تخدع كل الناس ببعض الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت هذا مستحيل.
أما الذي أولى منه، لن تستطيع، أن تخدع الله عز وجل أبداً، ولا أن تخدع نفسك، ولا أن تخدع كل الناس بكل الوقت، إنما هو مسموح لك بذكاءٍ بارع أن تخدع بعض الناس، لكل الوقت، أو أن تخدع الناس لبعض الوقت .
أما ربنا جل جلاله:
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾
﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾
﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾
كثير في أعمال مظهرها صالح، قال تعالى:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23) ﴾
قال تعالى:
﴿ لَهُمْ صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴾
قال تعالى:
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105)﴾
قال تعالى
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾
ففي مظاهر في الحياة صارخة، بيت فخم، دخل كبير، مركبه فخمه مزرعة، هذا قد لا يعدل عند الله جناح بعوضة.
إخوان الكرام:
ليس لك إلا ما سعيت، أنا ابن فلان، نحنا والحمد لله مسلمين طيب خير أن شاء الله، أمتي ! أمتي ! يقال للنبي الكريم لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ! يقول سحقاً، سحقا، يا فاطمة بنت محمد ! يا عباس عم رسول الله أنقذا نفسكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيء لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه.
يروى أن أبو سفيان وقف في باب عمر طويلاً، فلم يؤذن له، وكان صهيبٌ وبلال، يدخلان ويخرجان بلا استئذان، آلمه ذلك، فلما دخل عليه قال: سيد قريش يقف ببابك الساعات الطوال، وصهيبٌ وبلال يدخلان بلا استئذان ! ماذا كان جواب سيدنا عمر: أنت مثلاهما
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)﴾
رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
لا تتأمل، الله عز وجل قال:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
إياك أن تنخدع، أنك من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أمة سيدنا محمد أمتان، أمة التبليغ، وأمة الاستجابة، فإن لم تستجب لدعوة الله عز وجل في طاعته، وطاعة رسوله، أنت من أمة التبليغ، وأمة التبليغ ليس لها أية ميزة على الإطلاق
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ﴾
يقاس على هذه الآية لو أن المسلمين قالوا: نحن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، نقول: لما يعذبنا الله بذنوبنا بل نحن بشر مما خلق، أما إذا استجبت لأمر الله، وأقمت شرع الله في بيتك وفي عملك، الآن أنت من أمة الاستجابة، الآن نقول لك تنطبق عليك الآية الكريمة:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله ﴾
خيرته هذه الأمة متعلقة بطاعتها لله عز وجل، أما مجرد الانتماء لهذه الأمة، هذا لا يقدم ولا يؤخر، ولا يرفع، ولا يخفض، الآية الكريمة، وأن
﴿ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)﴾
ليس لك، سيقول هذا مالي، ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، ثلاثة أشياء اثنين مستهلكات وواحدة باقية، وما سوى هذه الثلاثة ليس لك، هي للورثة، هذا كسبٌ وليس رزقاً، الرزق هو الذي انتفعت به. والله هذه الآيات ممكن أن تكون شعار لكل مؤمن،
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)﴾
سعي النبي رؤي، طبعاً رؤي، كل هذه البلاد في صحيفة رسول الله علية الصلاة والسلام، طيب، سعي الكفار لإطفاء نور الله رؤي، هم في مزبلة التاريخ، وكل إنسان له عمل.
سيدنا صلاح الدين الأيوبي، وضعوا له تمثال لماذا ؟ لأنه بطل، بطل عظيم، رد 27 جيش أوربي، ورفع رأس الإسلام عالياً.
بتركيا محمد الفاتح، رد البزنطيين وفتح أستنبول، بالقسطنطينية، كل إنسان له عمل ظاهر.
سيدنا عمر ماذا فعل ؟ سيدنا الصديق ماذا فعل ؟ سيدنا عثمان ماذا فعل سيدنا علي ماذا فعل ؟ أصحاب رسول الله، أبو حنيفة معروف، سيدنا الشافعي، الإمام مالك، المفسرون، علماء الحديث، أعلام الأمة هؤلاء.
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾
بالتمام والكمال، في دفعات بالدنيا، دفعات على الحساب، تشجيعية، أما رصيد الحساب، يوم القيامة.
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
الرصيد، دفعة رصيد يوم القيامة، أما في الدنيا، ربنا عز وجل رحيم، يعطيك بعض الإكرام، مشان تتشجع.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..