وضع داكن
28-03-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 11 - الفطرة -3- التصور الصحيح عن الدين يؤدي إلى سلوك صحيح
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الإنسان كائن متحرك:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الحادي عشر من دروس العقيدة والإعجاز.
أردت في هذا الدرس أن أعالج موضوعاً دقيقاً وخطيراً، ألا وهو أن كل حركة من حركات الإنسان، أو أن كل سلوك من سلوكياته، أو أن كل موقف من مواقفه، أو أن كل خطوة من خطواته يسبقها تصور، إن صح التصور صحت الحركة.

1 – ما معنى الحركة ؟

ما معنى حركة ؟ ذكرت هذا من قبل، هذه الطاولة جامدة ليس فيها شهوات، ولا تحتاج إلى الطعام، لا تحتاج إلى الزواج، لا تحتاج لتؤكد ذاتها، إذاً: هي ساكنة، تدعها في هذا المكان سنوات وسنوات في مكانها، أما الإنسان فأودع الله فيه حاجة إلى الطعام، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، فلا بد من أن يتحرك، يتحرك ليكسب رزقاً ليشتري به طعاماً ليأكل، يتحرك لينال شهادة، ليكون في وظيفة تدر عليه دخلاً فيتزوج، يتحرك ليثبت للناس أنه متفوق، فحياتنا أساسها حركة، والإنسان كائن متحرك، هذه الحركة طبعاً قد تكون خيرة، وقد تكون شريرة، قد يكون فيها عدوان، أو فيها عطاء، أو فيها إحسان، أو فيها ظلم، فيها طهر وعفاف.
سيدنا يوسف تحرك: 

﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّه﴾ 

( سورة يوسف)

وهناك أشخاص يتحركون نحو الفاحشة.

2 – كلُّ حركة للإنسان يسبقها تصوُّرٌ:

النقطة الدقيقة الآن: أي حركة يسبقها تصوّرٌ، هذا الذي سرق لماذا سرق ؟ السرقة حركة، لكن سبقها تصور خاطئ ؛ أن السارق يأخذ مالاً وفيراً بجهد قليل، وفاته أن هناك عقاباً قاسياً، كل إنسان يتحرك فإنه يسبق الحركة تصور.

3 – إنْ صحّ التصوّرُ صحت الحركةُ:

الآن إن صح التصور صحت الحركة، ولا يمكن أن تكون هناك حركة من دون تصور، فلو أنه لا علاقة بين التصور والحركة نقول له: تصور ما شئت، واعتقد بما شئت، وآمن بما شئت، لكن لأن هناك تلازماً حقيقياً ثابتاً مستمراً بين التصور والسلوك ندقق على التصور، أي ندقق على العقيدة، فلا بد من أن تصح العقيدة، فإن صحت صح العمل، وإن صح العمل سلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة.
آتي بمثل: لو أن طالبا تصور إما باجتهاده الشخصي، أو بكلمة ألقيت في أذنه ؛ أن الأستاذ قبل الامتحان، إنْ قدّمت له هدية ثمينة، يعطيك الأسئلة هذا التصور ماذا يقابله ؟ إلغاء الدراسة، فيمضي هذا الطالب عامه الدراسي كله مع أصدقائه في التنزهات، في السينمات، اعتماداً على تصور ؛ أن الأسئلة يأخذها، ويقرأ أجوبتها ليلاً، فينجح، فلما طرق باب المعلم، ومعه الهدية الثمينة من أجل أن يعطيه الأسئلة فوجئ هذا الطالب أن الأستاذ صفعه على وجهه صفعة قاسية وطرده، نقول: هذا الطالب كان ضحية التصور الخاطئ، فلو أن الطالب كان تصوره صحيحا ؛ أن الأستاذ نزيه، والامتحان نزيه، والتصحيح دقيق، ولا بد من أن يدرس، فدرس، الأول أخطأ في التصور، فخسر العام الدراسي، والثاني أصاب في التصور، فربح العام الدراسي، وعلى وسّع هذا المثل.
أحيانا يتصور إنسان إذا غش الناس يربح، وفاته أن الله له بالمرصاد، يغش الناس، يسلب الله منه لبّه وعقله، فيرتكب حماقة كبيرة جداً في مخالفة الأنظمة، فتصادر أمواله كلها، كل الذي جمعه من الغش دفعه في ثانية واحدة، هذه المصادرة، وهذا الإيقاع المؤلم لثروته بسبب غشه، فلو تصور أن الغاش سوف يعاقب في الدنيا ما غش الناس.
صدقوا أيها الإخوة، هذا الدرس يدور مع الناس جميعاً، في كل شؤون حياتهم، يتصور أنه إذا فعل كذا اغتنى، لكنه فعل كذا بمعصية، يتصور أن المعصية أحياناً قد تقوده إلى ربح وفير، وفاته أن لكل معصية عقاباً، وفاته أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، وأن تطيعه وتخسر.

 

4 – مشكلات الناس ناتجة من تصوّرٍ خاطئ:

أكاد أقول لكم: كل مشكلات الناس ناتجة من تصور خاطئ، ناتجة من ضعف العقيدة، ناتجة من ضعف التوحيد، ناتجة من فهم ساذج، لأنه حينما تؤمن أن لهذا الكون إلهاً، وأنه يراقبنا، وهو يربينا، ويحاسبنا في الدنيا قبل الآخرة عندئذ تستقيم على أمر الله، فإذا استقمت على أمر الله سلمت، وسعدت.
مرة ثانية ما من تصور تتصوره في أي موضوع إلا وينتج عنه سلوك.
مثلاً: لو أن رجلاً حضر مجلس علم لإنسان معلوماته ضعيفة، تحليلاته ضعيفة، فقال: شفاعتي، والحديث صحيح، لكن له تفسير دقيق، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي )) 

[ الترمذي وأحمد ]

اطمأن، وبدل أن يستقيم انحرف، بدل أن يستقيم تفلت، اعتماداً على مفهومٍ لشفاعة ساذج، فحينما يأتي يوم الدين، ويضعه الله عز وجل في حساب عسير، وقد تتلى عليه الآية الكريمة: 

﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾

( سورة الزمر)

تصوره عن الشفاعة التصور الخاطئ أوقعه في المعاصي والآثام، ثم فوجئ أن هذه المعاصي والآثام لا بد من دفع ثمنها باهظاً.
أيها الإخوة الكرام، هذا الدرس من دروس العقيدة، ولكنه من أخطر دروس العقيدة، إنسان يأكل مالاً حراماً، ويظن نفسه متفوقاً، ثم يتلف ماله.
إنسان يعتدي على كرامة الآخرين، يضعه الله في موقف مهين، فالذي امتلك تصورا صحيحا، تصورا عن الإله صحيح، أنه عادل، أن لكل سيئة عقابا، ولكل حسنة ثوابا، أن المستقيم في مأمن من عذاب الله عز وجل، الآن بعض النصوص:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ:

 

(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

( متفق عليه )

هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي لا ينطق عن الهوى، وفي بعض الأحاديث التي نقلت عن سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: << ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى انصرف منها >>.
فالمؤمن حينما يقول النبي شيئاً يفهمه، ويوقن به، ويطبقه، فيسلم، أما الذي يتوهم أن أكل أموال الناس بالباطل يعد ربحاً مغرياً، ويجهل أن الله سيدمره، لأن المال الحرام يذهب، ويذهب بصاحبه، وأن المال الحلال ينفق، ولكن يبقى صاحبه موفور الكرامة.

أريد أن أقول: ما من خطأ يصيب الإنسان، أو ما من مشكلة تصيب الإنسان، أو ما من محنة تصيب الإنسان إلا بسبب خطأ في السلوك ناتج عن خطأ في التصور.
أحياناً يموت الأب، ويترك أولادا، أحد أولاده قوي، أكبر أولاده، وله سطوة على إخوته، يأخذ الثروة كلها، ويدع لأخوته الفتات، ويظن أنه بحكم قوته وعمره، وسيطرته وهيمنته، هذا من حقه، ولم يدخل الله في حساباته النتيجة.
والله سمعت قصصاً كثيرة ؛ أن هذه الثروة التي اغتصبها من إخوته، وتمتع بها تذهب أدراج الرياح، ويضطر أن يعمل محاسباً عند إخوته الذين حرمهم من هذه الثروة، لو كان طالب علم لا يقدم على هذا العمل، هناك حساب، هناك متابعة، هناك عقاب، هناك تأديب، هناك نتائج للعمل.
لذلك أيها الإخوة، اعتقد يقيناً أنه ما من مشكلة تصيب إنساناً إلا بسبب معصية ارتكبها، دقق الآن، وما من معصية ارتكبها إلا بتصور خاطئ، لذلك فلنصحح تصوراتنا حتى تصح أعمالنا حتى نسلم، ونسعد في الدنيا والآخرة.
طبعاً الأمثلة كثيرة جداً، مثلاً: إنسان يتوهم أن هذا الرزق الوفير يأتيه من معصية، يقول: ماذا نفعل ؟ نحن مضطرون، عندنا أولاد، فيرتكب هذه المعصية ليأخذ مالاً وفيراً، فيمحق الله له ماله.
إنسان آخر موقن أن الاستقامة التامة هي سبب الربح، فيرفض دخلاً فيه شبهة، فيعوضه الله خيراً منه.
والله هناك مقولة أيها الإخوة، والله أنا لا أرتوي من تردادها:

(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

فلذلك التصور خطير جداً، أنا أقول: تصور، وأعني به العقيدة، أنت ماذا تعتقد ؟ حينما تعتقد أن هذه المرأة ضعيفة الآن لا تعجبك، تزوجتها، وكنت فقيراً، فقبلت بها، وهي قبلت بك، فلما أصبحت غنياً هي لا تعجبك، فأهملتها، وطلقتها، وأنت تظن أنك سوف تسعد بامرأة أخرى، حق هذه المرأة الضعيفة التي طلقتها، وأنت ظالم في تطليقها لن يذهب عند الله، سوف تحاسب عليه، لذلك بقدر ما تخاف الله تكون عاقلاً، وبقدر ما تقف عند حدوده تكون فقيهاً، بقدر ما تدخل محاسبة الله في حساباتك اليومية تكون ذكياً وعاقلاً.

أخطر الأعمال التي لها أثر مستقبلي:

أيها الإخوة الكرام، أحيانا يأكل الإنسان، لكن هذا الأكل قد يكون نفيسا، قد يكون رخيصا، قد يكون خشنا، قد يكون رائعا جداً، لكن بعد حين انتهى الطعام، وانتهت لذة الطعام، وامتلأ البطن، وشعرت بالشبع، نوع الطعام ما له أثر مستقبلي، أكلنا، والحمد له، لكن أحياناً الإنسان يرتكب عملا، هذا العمل له أثر مستقبلي، هذا أخطر شيء.
مثلاً: الإنسان اعتدى، هذا العدوان سوف يجر له مشكلة كبيرة، أخطر الأعمال التي لها أثر مستقبلي، كإنسان جلس في حوض الحمام، شعر براحة، ارتاح ربع ساعة، لكن ما ليس هناك أثر مستقبلي، أما إذا قرأ الإنسان باباً في العلم فانتفع به الآن إلى نهاية الحياة، كلما عرض له موضوع متعلق بهذا الحديث وقف في جانب الطاعة لله، فسلم، وسعد.
فرق بين عمل طارئ، عمل عارض، عمل ليس له علاقة بالمستقبل، وبين عمل قد يسبب لك متاعب، قد يسبب لك عقابا من الله، قد يسبب لك فقراً، قد يسبب لك إهانة، قد يسبب لك ذلاً، قد يسبب لك علاقة مع أهلك سيئة، قد يسبب لك علاقة مع أولادك سيئة، فكل عمل خاطئ وراءه تصور خاطئ، والعمل الخاطئ الذي وراءه تصور خاطئ له أثر مستقبلي، قال تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾

(سورة الشورى)

أيها الإخوة، إنسان تصور أن الله غفور رحيم، هذا التصور صحيح ؟ صحيح، وغير صحيح، صحيح هو غفور رحيم، لكن متى ؟ قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

( سورة النحل )

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾

( سورة الحجر)

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾

( سورة البقرة)

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

(سورة الزمر)

استنبطوا التصورات الصحيحة حين قراءة القرآن:


أيها الإخوة، حينما تقرأ القرآن يجب أن تستنبط منه تصوراً صحيحاً.
بعض الأمثلة، قال تعالى: 

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

(سورة الجاثية)

نقول: في الآخرة، فالآخرة شيء بديهي، دعك من الآخرة في الدنيا، قال تعالى:

 

﴿سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

(سورة الجاثية)

يأتي إنسان يقبل على عمل فيه شبهة، فيه معصية، فيه حرمة، ودخله كبير، يطمع بهذا الدخل أن يعيش حياة ناعمة، أن يقتني بيتاً مريحاً، ومركبة فارهة، أن يختار زوجة بارعة الجمال، ثم يفاجأ أن هذا المال دمر، وأن هذا الزواج لم ينجح، والعمل ما نجح، والسكن ما نجح، لماذا يتعظ بعد فوات الأوان ؟ لو أنه قرأ القرآن، وهذا القرآن أدى له تصورا صحيحا، فما عصى الله عز وجل، لذلك المؤمن يرضى بدخل محدود حلال لا شبهة فيه، ويركل بقدمه دخلاً فلكياً في شبهة، المؤمن حياته بطولة، المؤمن رقم صعب، المؤمن لا يباع ولا يشترى، كلمة ( لا ) داخلة في حياته اليومية، قال تعالى: 

﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾

( سورة يوسف)

شاب غير متزوج، غريب، تأمره سيدته، وهي بارعة الجمال، وليس في صالحها أن تفضح نفسها، وكل شيء مهيأ،

 

﴿ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾

طبعاً القصص في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى.
أيها الإخوة، يلقون بعض الوقائع على مسامعي هي مصداق لِمَا أقول في هذا المعنى، دخلٌ غير مشروع اركله بقدمك، وقل:

(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

أحد إخوتنا الكرام عنده مركبة جيدة، استأجرتها شركة كبيرة جداً من اليابان برقم فلكي، هو مهمته أن ينقل الموظفين من دائرتهم إلى بيوتهم، في أثناء الانتقال يأخذونه إلى بعض المحلات ليشتروا حاجاتهم، لمح مرة أنهم يشترون الخمر، هو خاف من الله أن تستخدم هذه المركبة لنقل شراب حرمه الله عز وجل، فقدم اعتذاره عن متابعة العمل، ودخْلُه عشرة أضعاف دخل الناس العاديين، من أجل هذه الشركة الكبيرة، فلما رفض، ووضع هذا الدخل الكبير تحت قدمه اعتماداً على أن الله عز وجل لا ينساه ما الذي حصل ؟ شيء لا يصدق، بدل أن يرفضوه يأتيهم مئة إنسان، بدل عنه بهذا الدخل الكبير ومركباتهم أرقى، تمسكوا به، ومنعوا موظفيهم أن يقتنوا هذا المشروب إذا ركبوا معه، ثم وثقوا منه ثقة بالغة، سلموه مفاتيح بيوتهم إذا عادوا إلى بلادهم، أعطوهم مركباتهم الفخمة ليرعاها في غيبتهم، سبحان الله،

(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

أيها الإخوة الكرام، تتصور إنسانا أحيانا من أجل شهادة يلغي دروس العلم، لو تصور تصورًا صحيحا ؛ أنك إذا طلبت العلم سوف توفق في دراستك، المشكلة أن تضيع الدنيا والآخرة معاً، لذلك أي إنسان آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، وأي إنسان آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.
مثلاً: الله عز وجل قال:

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾

( سورة البقرة)

الزنا حد الاقتراب منه صحبة الأراذل، الاقتراب منه الخلوة بامرأة أجنبية، الاقتراب منه إطلاق البصر، الاقتراب منه أن تمشي بطريق موبوء بكاسيات عاريات، الاقتراب منه أن تقرأ شيئاً مثيراً، أو أن تشاهد شيئاً مثيراً، هذا كله اقتراب منه، فإذا ما صدق إنسان كلام الله عز وجل، وكان تصوره غيرَ صحيح يقول: أنا إرادتي قوية، فاقترب من حدود الله، يفاجأُ أنه وصل إلى الفاحشة، لأنه ما صدق الله عز وجل، ولم يكن تصوره صحيحاً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))

[ الترمذي ]

البطولة أن كل آية تقرأها، وأن كل حديث تقرأه ينبغي أن تستنبط منه تصورا يكون إضاءة لك لكل شؤون حياتك، المال الحرام يذهب، ويذهب معه أهله، والمال الحلال يبقى.

الواقع الموضوعي ينبئ بالتصورات الصحيحة وغير الصحيحة:

والله أعرف شخصاً يعمل في سلك يمكن أن يحقق منه دخل فلكي، أقسم لي بالله قال: أنا أمضيت في هذا السلك أربعين عاماً، ما أكلت درهماً واحداً حراماً، أنا تتبعت حياته فوجدت أنه عاش تسعين سنة في بحبوحة، وبصحة جيدة، أولاده أمامه، وكل ولد الله يسر له عملا، وله مكانة اجتماعية، والسلك نفسه فيه إنسان مد يده للحرام، وبنى ثروة كبيرة جداً على غذاء الناس، وابتزاز أموالهم، والله انتهى نهاية شهد الله لا يرضاها الإنسان لعدوه، أقول: يا رب، لو يعلم الناس قوانين الله عز وجل.
التقيت مع إنسان قال لي: أنا عمري ست وتسعون سنة، أجريت البارحة تحاليل كاملة، قال لي: كلها طبيعية، قال: والله يا أستاذ، الحرام لا أعرفه، لا حرام النساء، ولا حرام المال.
التقيت مع إنسان في بلد إسلامي قال لي: أنا كنت أعمل عتالاً في سوق الخضرة، الآن هو من أكبر تجار الخضراوات في ذلك البلد، عنده خمسون أسطول شاحنة براد للفواكه، قال: والله ما فاتني في حياتي فرض صلاة، ولا أكلت قرشاً حراما.
أيها الإخوة الكرام، لو تعرفوا قوانين الله عز وجل، لو تعرفوها ترون التوفيق والحفظ والتأييد، والنصر، إياك أن تقترب من الحرام، الحرام مدمر، وكل إنسان يقترب منه، ويأخذه عنده تصور خاطئ، تصور المبلغ الكبير، وكيف يستمع به، وينفقه، ويشتري به بيتاً جديداً، يوسع بيته، فإذا بالمال يذهب سدى، ويبقى العقاب الأليم.
فلذلك أيها الإخوة، ما من سلوك جيد، أو سيئ إلا ووراءه تصور وعقيدة، لذلك كانت هذه الدروس في العقيدة أخطر شيء في الدين، فإن صحت عقيدتك صح عملك، وسلمت، وسعدت في الدنيا والآخرة، وإن فسدت عقيدتك فسد عملك، فشقيت في الدنيا والآخرة.
مثلاً: كلمة ( الله غفور ) يجب أن يكون التصور الصحيح أن الله يغفر الذنوب بعد أن تؤمن، وبعد أن تتوب، وبعد أن تصحح الخطأ السابق، قال تعالى:

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

( سورة النحل)

تصور آخر: قد يتصور الإنسان أنه إذا حج إلى بيت الله الحرام عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، هذا حديث صحيح، لكن لو لزم دروس العلم، وتلقى العلم عن علماء كبار متمكنين ورعين لأنبؤوه أن حقوق العباد لا حج، ولا مليون ركعة، ولا صيام الدهر يلغيها، حقوق العباد مبنية على المشاححة، لكن حقوق الله مبنية على المسامحة.
حينما تتصور أن الله لا يغفر لك في الحج إلا ما كان بينك وبين الله، وأن الله لا يغفر لك في الصيام إلا ما كان بينك وبينه، وأن الله لا يغفر بالتوبة النصوح إلا ما كان بينك وبينه صح تصورك، فأديت الحقوق لأصحابها، بدل أن تقول: أنا حججت، والله غفر لي، هذا وهم وتصور خاطئ، حقوق العباد لا تغفر إلا بالأداء والمسامحة.
أحياناً تتصور أن هذا الشيخ أفتى لي، إن شاء الله برقبته، لا، لو استطعت أن تنتزع من فم سيد الخلق وحبيب الحق فتوى نطق بها بفمه الشريف نطق بها، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله، هذا التصور الصحيح، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

[ البخاري]

أنا أمام أمثلة كثيرة جداً، أحياناً تتصور مفهوم الشفاعة تصور خاطئ هذا التصور الخاطئ يدفعك إلى ارتكاب المعاصي اعتماداً على شفاعة النبي لك يوم القيامة، أحياناً تتصور المغفرة أن الله غفور رحيم، يا رب اغفر لي، بلا ثمن، بلا سبب، قال تعالى:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

( سورة الزمر)

لكن:

 

﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾

( سورة الزمر)

تصورات غير صحيحة في العبادات:

هذا التصور الصحيح، لذلك أيها الإخوة، مفهوم الحج يحتاج إلى تصور صحيح، قضية أنه أنا ذهبت إلى هناك، أم عقدت توبة نصوحا في الحج، قضية العمرة يجب أن تملك لها تصورا صحيحا، قضية الصلاة، أنا صليت، لكن هل صلاتك حجزتك عن الحرام، ونهتك عن الفحشاء والمنكر ؟ هل الصلاة عند الله مقبولة ؟ يجب أن تملك التصور الصحيح للصلاة والزكاة والحج والصيام والشهادة أن لا إله إلا الله.
مثلاً: هناك وهم: يكفي أن تنطق بالشهادة للجنة، لا، أبداً، ليس هذا صحيحاً،

(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))

[ البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ ].

يجب أن تملك تصورا صحيحا عن الصلاة.
الصيام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]

يجب أن تملك تصوراً صحيحاً عن الحج:

(( من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك ؛ قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))

[ رواه الشيرازي وأبو مطيع عن عمر ].

إنفاق المال يجب أن تملك عنه تصورا صحيحا، قال تعالى:
 

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

( سورة التوبة )

الإسلام بناء شامل متكامل:

نجاحنا أيها الإخوة، فلاحنا، سعادتنا، سلامتنا، تألقنا أن نملك تصورا صحيحا عن الدين، وقد يكون التصور خطيرا جداً، الدين يختصر عنده بأداء الصلاة والصيام والحج والزكاة، لكن بيته غير إسلامي، احتفالاته غير إسلامية، عقد قرانه غير إسلامي، عمله فيه غش، عمله فيه مادة محرمة، عمله فيه كذب، عمله فيه احتيال، عمله فيه احتكار، هذه مشكلة المسلمين الأولى، يتصورون الدين أن تصلي الصلاة، هذه أحد أركان الدين، والخمسة أركان ليست هي الدين،

 

(( بني الإسلام على خمس ))

[ متفق عليه عن ابن عمر ]

الإسلام بناء هذه أركان الإسلام، الإسلام بناء أخلاقي، الإسلام استقامة، الإسلام عفة، الإسلام ورع، الإسلام أمانة، المسلم إذا حدثك فهو صادق، إذا عاملك فهو أمين، إذا استثيرت شهوته، فهو عفيف.
إن خطأ المسلمين في التصور جعلهم في مؤخرة الأمم، فهموا الدين عبادات شكلية فقط، يضع المصحف في مركبته، وفي عيونه يبحلق في محاسن النساء، والمصحف للبركة، يكتب في محله التجاري:

﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًاً مُبِيناً ﴾

وفيه غش وكذب، واحتيال ومادة محرمة، وصفقة محرمة، هذه المشكلة، تصور خاطئ عن الدين، فما لم يكن التصور صحيحا لم تكن هناك استقامة.
مثلاً: مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تطيعه وتخسر، هذه حقيقة، إن كان عندك هذا التصور تركل بقدمك مبلغا فلكيا، لأنه حرام، وتقبل بمبلغ محدود لأنه حلال.
من التصور الخاطئ أنك تريد امرأة جميلة بارعة الجمال، لا يهمك دينها، تقبل عليها وتتزوجها، تعيش معها جحيماً لا يطاق، لأنك ما صدقت رسول الله،

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة ]

هناك تصور خاطئ: يتصور أن المرأة البارعة تسعده، تسعدك امرأة تعرف الله مؤمنة، ترعى حقك وحق أولادك.
الدرس واسع جداً، المسلمون مع الأسف الشديد يملكون تصورا خاطئا عن حقيقة دينهم، تصوروه ديناً شعائرياً، دينك بعيادتك، دينك بمكتبك الهندسي، دينك بدكانك، دينك بمعملك، دينك بحقلك، يضع مادة مسرطنة تكبر حجم الفاكهة، وهو يصلي، العمل يتناقض مع الصلاة، هذه مادة مسرطنة، أنت تؤذي الناس، مستشفى فيه أدوية مضى على انتهاء صلاحيتها خمس سنوات، وأدوية يمكن أن تصيب المريض بالموت المفاجئ، وهناك ثلاث حالات موت، والمستشفى له جو ديني، تدخل فتقرأ:

﴿وَإِذَا مَرِضَتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾

والأدوية التي تستخدمها مضى على انتهاء صلاحيتها خمس سنوات، وهناك حالات وفاة شيء مخيف، فلما فصل المسلمون دينهم عن سلوكهم فهموا الدين شعائر، ما فهموه سلوكا، فهموا الدين أداء عبادات شعائرية، ما فهموه ورعا، ولا دقة في المعاملة

من قوانين الحياة المعقدة:

أيها الإخوة الكرام، الحياة معقدة جداً، في الحياة المعقدة يمكن أن تستنبط قوانين، أن الإنسان إذا كذب يربح، أحياناً يشتري قماشا من بلد غير جيد في الصناعة، يحضر شريطا ذهبيا كتب عليه: صنع في إنكلترا، بالمكواة يثبته على القماش، يظن حاله ذكيا، تأتي امرأة فيبيعها قماشا على أنه قماش من أرقى دولة، سعره عشرة أضعاف بهذه الحاشية التي وضعها هو بنفسه على القماش، يظن نفسه ذكيا، تأتي الجمارك فيدفعونه سبعمئة ألف مثلاً، من أين أتت المشكلة ؟ لأنه تصور أن الله لا يعلم، ولن يحاسب والله يعلم، ويحاسب.
أيها الإخوة، دققوا في تصوراتكم، فأيّ تصور خاطئ معه سلوك خاطئ.

من شواهد سير الصحابة في صحة التصور:

مع سيدنا كعب بن مالك:
أيها الإخوة، كشاهد من السيرة حول صحة التصور:
أحد الصحابة، وهو سيدنا كعب تخلف عن رسول الله في الجهاد، حينما عاد النبي من تبوك حضره همه، ماذا يقول له ؟ يقول عن نفسه: أنا أوتيت جدلاً، بالتعبير المعاصر عنده قوة إقناع، وهذه ملَكة كبيرة في الإنسان، هناك إنسان يقنعك بأفكاره، مع أن أفكاره غير صحيحة، لكن عنده قوة إقناع قوية جداً، فلما اقترب النبي من المدينة وقع هذا الصحابي في صراع شديد، يكذب عليه، يقدر أن يعطيه تعبيرا أو تفسيرا أو وقائع يقتنع النبي بها، لكن الذي حصل أنه يملك تصورا صحيحا، قال: لقد أوتيت جدلاً، ولأن خرجت من سخطه ليوشكن الله أن يسخطه علي، قال: فأجمعت صدقه، تصوره أن هناك إلها، مهما كنت ذكياً فالله عز وجل بالمرصاد، أنا أوتيت جدلاً، أوتيت قوة إقناع، بإمكاني أن أذكر له قصة لم تكن مقنعة، فيقول: معك حق، انتهى الأمر، فلما عاد النبي عليه الصلاة والسلام، واستقبل الذين تخلفوا عنه ثمانين رجلاً، وكل واحد أدى عذرا رائعا، والنبي قبِل أعذارهم، هم منافقون تخلفوا في الجهاد، فلما جاء النبي استقبلوه، وذكروا له أعذاراً مقنعة، وقبِل النبي أعذارهم، جاء دور سيدنا كعب قال: والله يا رسول الله، ما كنت في حالة أقوى ولا أشد، ولا أغنى حينما تخلفت عنك، لكن لا عذر لي، كان مني تقصير، النبي لماح قال: أما هذا فقد صدق، ثمانون رجلا كذبوا، والقصة معروفة، كيف الصحابة بأمر إلهي حاربوهم، وصاروا بالقمم، قال تعالى:

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى﴾

( سورة التوبة)

قال: والله لقد أوتيت جدلاً، إن خرجت منه بهذا الجدل ليوشكن الله أن يسخطه علي، هذا التوحيد.

صحة التصور أساسها التوحيد:

أيها الإخوة، صدقوا أن صحة التصور أساسها التوحيد، الله لا يغفل، كل شيء بحسابه، أعرابي سأل النبي موعظة بإيجاز شديد، قال: عظني، ولا تطل، تلا عليه النبي فقرة من سورة، قال:

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾

قال: كفيت.
إذاً: البطولة أن تملك تصوراً صحيحاً، أن الله بيده كل شيء، هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، هو الموفق، هو الحافظ، هو الناصر، هو كل شيء، عليك أن تطيعه، لذلك:

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

( سورة الزمر)

لك مهمة واحدة ؛ أن تعبده، وعلى الله الباقي، لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، اقلق على نفسك ما إذا سمح لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له.

الموضوع العلمي:الحكمة من تذكية الذبيحة:

أيها الإخوة الكرام، تعودنا أن نعالج موضوعاً في الإعجاز العلمي، لكن دائماً نحن إذا قرأنا آية قرآنية فيها إعجاز نقول: هذه إعجاز، لكن في الحديث الشريف قد يكون فيه ما يشبه الإعجاز، لكن نسميه نحن من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
النبي عليه الصلاة والسلام وجهنا إن ذبحنا الدابة أن نذبحها من أوداجها فقط، دون أن يقطع رأسها، حديث شريف ليس في الأرض كلها لا في مشارقها، ولا في مغاربها مركز علمي متقدم بإمكانه أن يحلل، ويبين حكمة هذا التوجيه، نبي أمي نشأ في الصحراء، يقول لنا: لا تقطعوا رأس الذبيحة، اقطعوا أوداجها فقط، مضى مئة عام، مئتا عام، خمسمئة عام، ألف عام، ألف وثلاثمئة عام، ألف وأربعمئة عام، وليس في الأرض كلها جهة علمية يمكن أن تفسر هذا التوجيه إلا قبل عقدين من الزمن، فقد ثبت أن قلب الإنسان العضو النبيل التي تتوقف الحياة على نبضاته، لأنه عضو نبيل وخطير جداً، لا يتلقى أمراً بالنبض من الشبكة العامة، بل يتلقى أمراً بالنبض من مركز فيه مستقل عن الشبكة العامة في مركز كهربائي القلب يعطي أمراً بالنبض، إذا تعطل هذا المركز فهناك مركز آخر، إن تعطل الثاني هناك مركز ثالث، ثلاث بطاريات، والإنسان قد يصاب بإضراب بالنبض، فيضعون له بطارية بقلبه، لاضطراب بالنبض، هذا القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر ذاتي، لكن هذه النبضات لا تزيد على الثمانين، لكن الإنسان، قال تعالى:

 

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾

( سورة التين)

هناك آلية معقدة، يمشي الإنسان في الطريق، فوجد ثعبانا، صورة الثعبان انطبعت على شبكية العين إحساساً، فانتقلت إلى الدماغ مركز الرؤية، هناك ملفات للثعبان، درس العلوم، سمع قصتين أو ثلاثا، سمع من جدته قصة أن الثعبان في بيت عربي دخل إلى متحف، فوجد بعض الثعابين مصبّرة عنده لما صورة الثعابين انتقلت من الشبكية إلى الدماغ في الدماغ، قرأت قراءة في ضوء ملفات الثعابين، الدماغ ملك الجهاز العصبي أدرك الخطر، فأعطى أمر لملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية عندها وزير داخلية اسمه الكظر، فوق الكلية، أعطت له أمرا أن يواجه الخطر، الكظر أعطى أمرا للقلب فرفع النبض مئة وثمانين، ارتفاع النبض مئة وثمانين من أين يأتي ؟ يأتي بدءاً من الدماغ إلى الغدة النخامية إلى الكظر إلى القلب، إنسان يكون وراءه عدو، أو يصعد درجا، أو يحمل حملا ثقيلا يحتاج إلى طاقة أكبر، الطاقة الأكبر تحتاج إلى دم أغزر، والدم الأغزر يحتاج إلى سير أسرع، والسير الأسرع يحتاج إلى نبض أعلى، هذا شأن الإنسان.
الأمر الذاتي للقلب ذاته ثمانون نبضة، أما الأمر الاستثنائي فمئة وثمانون، يأتي من الدماغ للكظر للدماغ للنخامية للكظر للقلب، ومعظم الحيوانات التي نعيش معها لها النظام نفسه.
هذا الخروف إن قطعت رأسه كلياً يبقى الأمر النظامي ثمانين نبضة، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم، وثمانون ضربة لا تكفي لإخراج الدم كله، يخرج ربعه، فتبقى الدابة زرقاء مكتنزة، يصعب نضجها، أما لما تقطع الأوداج فقط فيبقى الرأس متصلا، الآن أنت سمحت للآلية المعقدة الثانية أن تعمل، من الرأس للنخامية للكظر نبض القلب مئة وثمانون نبضة، الدم كله يخرج، عندئذ تسمى هذه الدابة دابة مذكّاة، يعني خرج دمها كله، إذاً: قال تعالى:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

( سورة النجم)

لي صديق ذهب إلى بلاد بعيدة ليشتري لحماً، بمهمة رسمية، فلما طالبهم بذبح على الطريقة الإسلامية رفعوا السعر، هذه الدابة فيها ثمانية كيلو دم، فإذا ذبحنا على طريقتكم نخسر هذا الوزن، إذاً: هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور