- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠9العقيدة والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الأول من دروس العقيدة والإعجاز.
الإنسان كائن متحرك:
1 – حركةُ الإنسان ناتجةٌ عن دوافع فيه:
بادئ ذي بدء، الإنسان كائن متحرك، هناك كائن سكوني، قطعة الخشب هذه سكونية، لكن الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه ؟ دوافع أودعها الله فيه، أودع فيه حاجة إلى الطعام، أودع فيه حاجة إلى الزوجة، أودع فيه حاجة إلى تأكيد الذات، هو كائن متحرك.
2 – حاجاتُ الإنسان الأساسيةُ ثلاثٌ:
وقد أودع الله فيه حاجات أساسية ثلاثا، الأولى إلى الطعام و الشراب و الثانية إلى الزواج و الثالثة إلى تأكيد الذات،
ولولا هذه الدوافع الثلاثة لما رأيت شيئاً على وجه الأرض، لأنك بحاجة ماسة إلى الطعام و الشراب، تعمل، وبالعمل تبني، هذا أنشأ مدرسة، أو مستشفى، أو رصف طريقاً، أو صنع خزانة، أو درس طبا، أو درس هندسة، لأن الإنسان بحاجة إلى الطعام والشراب إذاً هو يعمل، وحينما يعمل يبني، لذلك الله جعل العمل ابتلاء لنا، نصدق أو لا نصدق، نتقن أو لا نتقن، نخلص أو لا نخلص.
3 – بين الجماد والنباتِ:
لكن بالمناسبة تعريف الجماد أنه شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، هذا الجماد.
أما النبات فشيء أيضاً يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، لكنه ينمو، هذا الفرق، بينما الحيوان شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، وينمو كالنبات ويتحرك، ويمشي الحيوان، أما الإنسان فشيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، وينمو، ويتحرك، ويفكر.
إذاً أشرف شيء في الإنسان عقلُه، أودع الله فيه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية غذاؤها العلم، فما لم تطلب العلم، ما لم تبحث عن الحقيقة، ما لم تسع إلى الحقيقة، ما لم تؤمن فقدتَ قيمتك الإنسانية، أصبحت حياة الإنسان حيوانية، لذلك الإنسان من دون علم هو كالبهيمة، والدليل:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
بل كأنهم:
﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (4)﴾
أيها الإخوة: النقطة الدقيقة الأولى أن الإنسان كائن متحرك، أما يوجد كائنات جامدة سكونية لا تتحرك، ما الذي يحركنا ؟ الحاجة إلى الطعام، لذلك الله عز وجل لما أراد أن يثبت بشرية الأنبياء ماذا قال ؟ قال:
﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
أي هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون إلى ثمن الطعام، إلى أن يعملوا في الأسواق، إذاً: هذا دليل بشريّتهم، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق.
غذاء العقل والقلب والجسم:
لذلك أيها الإخوة الكرام، الإنسان كائن فيه عقل يدرك، وفيه قلب يحب، وفيه جسم يتحرك، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، وما لم تلبَّ الحاجات الثلاث، ما لم تطلب العلم، وما لم تطلب الحب مع الله عز وجل، وما لم تطلب حاجتك الأساسية من الغذاء والنوم والراحة فقد تطرفت.
تفادي التطرف في تلبية غذاء على حساب آخر:
ما الفرق بين التطرف والتفوق ؟ التفوق أن تلبيَّ كل الحاجات دفعة واحدة، أن تعمل على الخطوط الثلاثة تطلب العلم، وتنمي القلب، وتعتني بالجسم، بينما التطرف أن ينمو عقلك على حساب قلبك، أو ينمو قلبك على حساب عقلك، أو أن تنمو عضلاتك على حساب عقلك و قلبك، الفرق كبير بين التطرف و بين التفوق، وقد ذكرت لكم من قبل أن الإنسان ما لم يهتم بعلاقته بربه، وبعلاقته بأهله، وبعلاقته بعمله، وبعلاقته بصحته، فإن أي خلل في أحد هذه البنود الأربعة ينعكس على البنود الثلاثة.
متى تصح حركة الإنسان:
الآن الإنسان كائن متحرك، هذه الحركة متى تصح ؟ الحركة قد تصح، وقد لا تصح، قد تكون هادفة، وقد تكون عشوائية، قد تكون مثمرة، وقد تكون مخفقة، فالبطولة لا أن أتحرك، لكن البطولة أن تأتي حركتي وفق الهدف الصحيح.
إنسان جائع، أو إنسان في حالة عطش شديد، وهو على مشارف الموت، وأمامه طرق عديدة، بطولته لا أن يتحرك، بطولته أن يتحرك نحو الماء، لأن سلامته بالماء، إذاً: الإنسان كائن متحرك، فيه عقل يدرك، فيه قلب يحب، فيه جسم يتحرك، هذه الحركة لا تصح إلا إذا عُرف الهدف.
أوضح مثل: ذهبت إلى بلد غربي، نزلت في بعض الفنادق، استيقظت في اليوم الأول، سألت: هذا اليوم إلى أين أذهب ؟ نقول: أنت لماذا جئت إلى هنا ؟ نسألك لماذا جئت إلى هنا ؟ فإن قلت: أنا أتيت طالب علم نقول له: اذهب إلى المعاهد والجامعات، يقول: أنا جئت سائحاً، نقول له: اذهب إلى المقاصف والمتنزهات، يقول: أنا جئت تاجراً، نقول: اذهب إلى المعامل والمؤسسات.
الحقيقة الدقيقة: لا تصح حركتنا في الحياة، أول كلمة قلتها: الإنسان كائن متحرك، هذه الحركة لا تصح، ولا تكون سليمة ولا تكون مثمرة، ولا تكون ناجحة إلا إذا عرفت الهدف من وجودك في هذا المكان.
أحياناً تتحرك السيارة حركة طائشة فتسقط في الوادي، يموت كل ركابها، فالبطولة لا أن تتحرك، انظر إلى الناس صباحاً كلهم يتحركون:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى *إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
كل شخص في باله شيء يسعى إليه، فالبطولة لا أن نتحرك، البطولة أن تأتي حركتنا وفق الهدف الصحيح، لذلك قال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
لابد من أن تكون الحركة وفق هدف، مع الأسف الشديد أجريَ استبيان، وسئل ألف إنسان: ما الهدف الذي تسعى إليه ؟ فكان الجواب: أن ثلاثة بالمئة من الذين أجري عليهم الاستبيان أهدافهم واضحة، والسبعة والتسعين بالمئة حركة عشوائية بلا هدف، لذلك أنا أقول دائماً: إما أن تخطط، أو أن يُخطط لك، إما أن تفعل، أو يُفعل بك، إما أن ترسم هدفًا لك أو يُرسم لك هدف ماكر من أجل أن تكون مستَغلاً.
العلم قضية خطيرة:
لذلك قضية العلم قضية خطيرة، قال تعالى:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
وأنا أقول دائماً أيها الإخوة الكرام: أعظم كرامة للإنسان هي كرامة العلم، هي كرامة لا تحتاج إلى خرق للعادات، لذلك الآية الدقيقة:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14﴾
إذاً: أنت حينما تذهب إلى بلد غربي كي تنال الدكتوراه، بلاد واسعة جميلة، فيها مقاصف، فيها متنزهات، فيها مسارح، فيها دور سينما، فيها ملاهٍ ليلية، فيها شوارع منحطة، فيها أماكن جميلة، فيها متاحف، فيها آثار، فيها جامعات، فيها مدارس، فيها معامل، فيها مؤسسات، فيها مقاصف، أنت حينما تعرف أنك في هذا البلد من أجل هدف واحد، و هو نيل الدكتوراه، دقق الآن ما الذي يحدث ؟ إذا كان هدفك واضحاً تختار مئات بل ألوف الوسائل التي تعينك على تحقيق الهدف.
ذهب طالب إلى بلد غربي للدكتوراه، أول شيء يستأجر بيتاً إلى جانب الجامعة توفيراً للوقت و الجهد والمال، يصادق طالباً يتقن اللغة الفرنسية، يشتري مجلة متعلقة باختصاصه، يزور معرضاً علمياً ليزداد علماً باختصاصه، أنت حينما يتضح هدفك تُرشد إلى الوسائل المعينة على تحقيق هدفك، لذلك أول حقيقة: لا تصح حركة الإنسان في الحياة إلا إذا عرف سر وجوده و غاية وجوده.
متى يسعد الإنسان:
1 – معرفةُ الهدف في الحركة اليومية:
شيء ثان: متى يسعد ؟ يسعد إذا جاءت حركته في الحياة وفق الهدف الذي رسمه لنفسه، الدليل: إنّ طالباً على مشارف امتحان مصيري، له أصدقاء يحبونه ليسوا في الجامعة لهم أعمال حرة، أرادوا أن يأخذوه معهم إلى متنزه جميل، هو يحبهم، ويحبونه، والمكان جميل جداً، والطعام فاخر، و المناظر رائعة، لكنه على مشارف امتحان مصيري، إذا أخذوه مرغماً لماذا يشعر بضيق شديد ؟ لأن هذه الحركة لا تتناسب مع هدفه، يشعر بانقباض، هذا الطالب لو قبع في غرفة مظلمة، وقرأ الكتاب المقرر، وفهمه، واستوعبه يشعر براحة كبيرة جداً، من أين تأتي الراحة ؟ حينما تأتي الحركة مطابقة للهدف، إذاً: أنت تصح حركتك إذا عرفت سر وجودك، وأنت أيضاً تسعد إذا جاءت حركتك مطابقة لهدفك، هذه كلها مسلمات.
2 – الإنسان مفطور على حب وكمال وسلامةِ واستمرارِ وجودِه :
أيها الإخوة الكرام، من الثابت أيضاً أن الإنسان مفطور أو مجبول أو بالتعبير المعاصر مولَّف على حب وجوده، اعترفت بهذا أم لم تعترف، أأقررت بهذا أم لم تقر، مفطور مجبول على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، أي لا يوجد شخص من بين الستة آلاف مليون إنسان على وجه الأرض في القارات الخمس إلا و هو حريص حرصاً لا حدود له على حب وجوده و على حب سلامة وجوده و على حب كمال وجوده و على حب استمرار وجوده.
مَن منا يتمنى المرض ؟ من منا يتمنى الفقر ؟ من منا يتمنى أن يفقد حريته ؟ أبداً، هذه قواسم مشتركة في الأرض،
﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
الفطرة واحدة، الخصائص واحدة، الأهداف واحدة.
متى أحقق سلامة وجودي:
لذلك أيها الإخوة، أنا متى أحقق سلامة وجودي ؟ أنت أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع حكيم، صانع خبير، ومع هذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، فأنت انطلاقاً من حبك لذاتك، من حبك لوجودك، من حبك لسلامة وجودك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (15) ﴾
1 – بمعرفة علاقة المعصية بنتائجها:
حينما تنطلق من أن تعليمات الصانع فيها نتائجها، وأن المعصية فيها نتائجها، وأن العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، وأن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة.
للتوضيح: حينما تُنهَى عن أن تقترب من خط التوتر العالي، إذا اقتربت فلا داعي إلى الشرطة، و لا إلى الضابطة القانونية، ولا إلى تسطير مخالفة، التيار نفسه يعاقبك، إذا اقتربت من التيار إلى مسافة أقلَّ من ثمانية أمتار يصبح الإنسان قطعة من الفحم، إذاً: القضية ليست مخالفة ضبطت، وليست إنسانا وضع نظاما حاسبك، الأمر أعقد بكثير، لذلك حينما تؤمن أن العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة تستقيم على أمر الله طلباً للسلامة.
لعل هذا الدرس من دروس المقدمات، مقدمات العقيدة، العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية، قد تكون علاقة وضعية.
أحياناً بلد بدافعٍ من حفاظه على قوة عملته يمنع تحويل العملة، فلو أن مواطناً حمل معه عملة صعبة، وغادر بها يحاسب حساباً شديداً، وفي بلاد أخرى لا يحاسَب، إذاً: نقول: هناك علاقة وضعية، أي أنّ أولي الأمر ارتأوا أن يحاسبوا من يخرج العملة الصعبة من بلده، العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة وضعية، وليست علمية.
لو أن أباً منع ابنه أن يستخدم هذا الباب، وللبيت بابان، فمنع ابنه من استخدام الباب الأول، وسمح بالباب الثاني، لو أن ابنه استخدم الباب الأول، والباب من أجل الخروج، لكن الأب منع ذلك، نقول: العلاقة بين المنع والعقاب علاقة وضعية، لأن الأب وضَعها، لذلك معظم القوانين علاقة وضعية، لكن أوامر الشرع علاقة علمية، أي كل أمر فيه بذور نتائجه، و كل نهي فيه بذور نتائجه، أنت بهذا تكون فقهياً.
الفقيه إذا رأى لوحة كتب عليها: " ممنوع التجاوز حقل ألغام "، لا يحقد على واضع اللوحة، ولا يراها حداً لحريته، بل يراها ضماناً لسلامته.
2 – طاعة الخالقِ الخبير العليم:
لذلك أيها الإخوة، تتحقق سلامة وجودك حينما تطيع الخبير:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
خبير بسلامتك، خبير بسعادتك، خبير بنشاطك، خبير بمآلك، إذاً: سلامة الوجود يحققها اتباع تعليمات الصانع، أي افعل ولا تفعل، لذلك المؤمن يقول أحياناً: أنا لا أكذب، هذا جيد، يطبق تعليمات الصانع، أنا لا أغتاب، جيد جداً، أنا لا آكل المال الحرام، جيد جداً، لكن الاستقامة طبيعتها سلبية، أكثر كلمات الاستقامة مسبوقة بما النافية، ما آكل مالاً حراماً، بارك الله، ما أكذب، ما بغش، ما أغتاب، ما أزني، ما أشرب خمراً، ما أقتل، جيد، السلامة تحتاج إلى استقامة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) ﴾
الآن أنت مفطور على حب وجودك، وعلى حب سلامة وجودك، وعلى حب كمال وجودك، كمال الوجود يحتاج إلى قرب من الله، قال تعالى:
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾
3 – القربُ من الله:
لا طريق للسعادة إلا أن تكون قريباً من الله:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (124) ﴾
والله قرأت بحثاً عن أربعمئة إنسان، وهي دراسة مطولة مجهدة عن أربعمئة إنسان في قمم النجاح، أكثرهم انتحر، لأنه أراد الدنيا فقط، ونسي الآخرة:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾
لذلك أحد كبار المهندسين في العالم صمم جسر استنبول الأول الذي يربط قارتي آسيا وأوربا، و هذا الجسر يعبره في اليوم ثلاثمئة ألف سيارة، في أثناء افتتاح الجسر ألقى بنفسه في البوسفور، فذهبوا إلى غرفته بالفندق فإذا ورقة كتب عليها: لقد ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً فأردت أن أذوق طعم الموت.
إن الحياة من دون معرفة الله حياة جوفاء، حياة تافهة، حياة لا قيمة لها، لذلك مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
ذاقوا طعمها في الدنيا:
فلو شاهدت عيناك مـن حسننـا الذي رأوه لمـا وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضـحى قتيلاً بحبنا
ولـو نسمت من قربنا لك نسمة لمتّ غـريباً واشتيــاقاً لأجلنا
***
أيها الإخوة الكرام: السعادة الحقيقية أن تتصل بالله:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾
هذه حقيقة، البطولة أن تكشفها في مقتبل العمر، لا أن تكشفها في نهاية العمر:
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً (158) ﴾
خيار الناس مع الإيمان خيار وقت:
إخوتنا الكرام، خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، أنت معك مليون خيار قبول أو رفض، قد ترفض هذه الوظيفة لضآلة دخلها، وقد ترفض هذه الزوجة، أو هذه الفتاة إذا خطبتها، لأن ثقافتها لم تعجبك، وقد ترفض هذا البيت لصغر مساحته، لكنك إذا رفضت الإيمان تحتقر نفسك:
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (130) ﴾
كيف تحق استمرار وجودك:
خيارك مع الإيمان خيار وقت، إذاً: سلامة الوجود بإتباع تعليمات الصانع، وكمال الوجود بالتقرب إلى الله، بقي الشيء الثالث، واستمرار الوجود بتربية الأولاد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))
مرة توفي أحد خطباء دمشق الكبار، كان خطيباً بالأموي، وأجري له حفل عزاء كبير في الجامع الأموي، في آخر يوم اعتلى ابنه المنبر، وألقى خطبة كأبيه، فقلت في نفسي: والله لم يمت أبوه إذاً، هناك استمرار.
حينما تتزوج، وتنجب الأولاد كما قال سيدنا عمر: << و الله إني أقوم إلى زوجتي، و ما بي من شهوة إلا ولداً صالحاً، أرجو الله أن ينفع الناس من بعدي >>.
حينما تتزوج، وتفكر أن يكون أولادك أولاداً صالحين، والحديث الشريف يؤكد هذا المعنى:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))
فأنت تحقق سعادتك بالتقرب منه، التقرب من الله إيجابي.
الاستقامة: أنْ تقول: أنا ما كذبت، ما غشيت، ما اغتبت، ما سرقت، ما خنت، كلها نفيٌ، لكن العمل الصالح أنْ تقول: يا رب، أنا بذلت أي دفعت من مالي، بذلت من وقتي، بذلت من جهدي، جئت إلى مجلس علم، أنا أجلس في البيت مرتاحاً، على أريكةٍ مريحة، وهناك شاي، وقهوة، وضيافة، وفواكه، وأمامي، و زوجتي أمامي، لكن أنا جئت إلى المسجد، وركبت ساعة بالسيارة، و لدرس ساعة، والعودة ساعة من أجل أن أطلب العلم يا رب، فلذلك التقرب من الله إيجابي، ليس فيه نفيٌ، يا رب، أنا حضرت درساً، أنا بذلت علماً، أنا ألفت كتاباً، أنا أسست جمعية، أنا أنشأت ميتماً، أنا أنشأت مستوصفاً، أنا أعنت على الخير، أنا بنيت مسجداً.
لذلك أيها الإخوة الكرام، تسلم باستقامتك، وتسعد بعملك الصالح، و العمل الصالح يرفعك، و تستمر بتربية أولادك.
إن أردت أن تستمر فربِّ ولداً يدعو لك من بعدك، ربِ ولداً صالحاً:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾
أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
أهمية المنهج الإلهي:
أيها الإخوة الكرام، من أجل أن نعلم قيمة المنهج قال تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
بالترتيب، وهنا سؤال كبير: أيعقل أن يُعلَّم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ؟
﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
هذا غير معقول، لكن علماء التفسير قالوا: هذا الترتيب ترتيب رتبي، وليس ترتيبًا زمنيًا، أي لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، والمثل واضح جداً، آلة بالغة التعقيد، غالية الثمن، عظيمة النفع، استوردتها، وهناك خطأ بالاستيراد، لم يرسل لك تعليمات التشغيل والصيانة، إن استخدمتها من دون تعليمات تتلفها، وتخسر ثمنها، وإن جمدتها خوفاً على سلامتها عطلت ثمنها، أليست تعليمات المعمل الصانع أهم منها ؟
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
كل مصيبة ومعصية بسبب الجهل والخروج عن تعليمات الخالق:
أؤكد لكم أيها الإخوة الكرام أنه ما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، و ما من خروج عن تعليمات الصانع إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، و إذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
إن طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
مرة دخلت إلى ثانوية في دمشق، وهي من أقدم الثانويات، درست فيها سنوات طويلة، كُتب في مدخلها لوحة بخط أكبر خطاط: رتبة العلم أعلى الرتب.
إذاً: أيها الإخوة الكرام، ما من إنسان في الستة آلاف مليون على وجه الأرض إلا وهو يتمنى السلامة والسعادة، وقد فطر كل إنسان على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة الوجود بطاعة الله، بالاستقامة على أمره، وكمال الوجود بالقرب منه، واستمرار الوجود بتربية ولد صالح ينفع الناس من بعدك، ويكون استمراراً لك.
ما هي علة وجود الإنسان:
1 – عبادة الله وحده هي علّةُ وجود الإنسان:
الآن ما علة وجودنا في الأرض ؟ في البداية قلت: حينما تعرف سر الوجود تصح الحركة، ما علة وجودنا على سطح الأرض ؟ نفتح القرآن الكريم، يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
العبادة علة وجودنا على سطح الأرض:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
فعلة وجودنا العبادة، أنت حينما تعبد الله حققت الهدف من وجودك.
2 – مفهوم العبادة يضيق ويتّسع:
ولكن العبادة مفهوم يتسع كثيراً جداً، و ضيق، يضيق عند الجهلة إلى أن يُتوهم أداء الصلوات والصيام والحج والزكاة، ويتسع، ويتسع، ويتسع إلى أن يصبح منهجاً كاملاً لكل شؤون الحياة، يبدأ من فراش الزوجية، و ينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، و أي إنسان يتوهم العبادة بأن صلى، و صام، و حجّ، و زكّى فهو واهم أشد الوهم.
لا أريد أن أبالغ إن قلت: قد يصل منهج الله عز وجل إلى خمسمئة ألف بند، منهج الله يدور معك في كل أوقاتك، وفي كل شؤون حياتك، إن دخلت إلى البيت فهناك سنة نبوية دعاء خاص، إن جلست إلى الطعام، إذا نظرت إلى الزوجة، إذا نظرت إلى نفسك في المرآة: اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي، إذا خرجت من البيت: الله إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَذل أو أُذل، أو أجهل أو يُجهل علي، إذا قمت بعمل جراحي، وأنت طبيب: الهم إني تبرأت من حولي و قوتي، و التجأت إلى حولك و قوتك يا ذا القوة المتين.
3 – كل حركةٍ في الحياة منوطة بحكم شرعي:
عندنا أمر فرض، أمر واجب، أمر ندب، أمر استحباب، أمر تحسين، عندنا شيء مباح، عندنا شيء مكروه تنزيهاً، شيء مكروه تحريماً، شيء حرام، ما من حركة، ولا سكنة، و لا نشاط، و لا صلة، و لا قطع، و لا غضب، و لا رضا إلا ويغطّيه حكم فقهي.
4 – وجوبُ طلب العلمِ الضروريِّ:
لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، كيف تطيع الله إن لم تعرف أمره و نهيه ؟ حضور مجلس علم لمعرفة الأمر والنهي، وليس العلم شيئا لك الخيار فيه، لابد من طلب العلم، الذي ينزل بالمظلة يمكن أن يجهل شكل المظلة، يا ترى دائري، بيضوي، مربع، مستطيل، يمكن أن يجهل نوع القماش، خيوط صناعية، أو طبيعية، يمكن أن يجهل كم عدد الحبال، وما نوع خيوطها، وما ألوان الحبال، هناك عشرات المعلومات والمعطيات في المظلة قد يجهلها المظلي، لكنه إذا جهل شيئاً واحداً ينزل ميتاً، طريقة فتحها، طريقة فتح المظلة علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة.
تقود مركبة قد تجهل من أية مادة صنعت المكابح ؟ كيف جعلت هذه المركبة انسيابية الخطوط ؟ يا ترى ضغط، صب، تطريق ؟ كيف صنع المحرك ؟ ما آلية المحرك ؟ قد تجهلها كلياً، لكن كيف توقف المركبة مستحيل أن تجهل هذه الحقيقة، وإلا كان الحادث محققا، فإقلاع المركبة، وإيقاف المركبة، وانحراف المركبة أشياء يجب أن تعلم بالضرورة، لا خيار لك فيها.
أؤكد لكم قد تكون طبيباً تحمل أعلى شهادة، بورد بأمريكا، ببريطانيا ( إف آر إس )، أعلى شهادة في الطب، بفرنسا ( أك ري جي )، عندنا بورد عربي، قد تحمل أعلى شهادة، وأنت في الدين أميٌّ، كما أن عالم الدين إذا أطلعته على تخطيط قلب هو أميّ، لكن الطبيب يفهم منها كل شيء، من هذه الخطوط، إذاً: لو معك شهادة علمية قد تكون في الدين أمياً، إذاً: هناك علم يجب أن يُعلم بالضرورة، وهذا العلم فرض عين على كل مسلم، أما تاريخ التشريع الإسلامي فهو فرض كفاية، الفقه المقارن فرض كفاية، أدلة الفقهاء الكبار فرض كفاية، علم التجويد غرض كفاية، علم الفرائض فرض كفاية، أما كيف تؤدي الصلوات الخمس ؟ كيف تصوم ؟ كيف تحج ؟ كيف تبيع ؟ كيف تشتري ؟ كيف تتزوج ؟ حقوق الزوجة، حقوق الزوج، هناك جزء و كم كبير من الدين يجب أن يُعلم بالضرورة تماماً كطريقة فتح المظلة، إن لم تعلم فتح المظلة ينزل الإنسان ميتاً.
إنّ إنسانا مظليًّا بلغوه أن أول زر يضغطه تفتح، إذا ما فتحت فهناك زر آخر تضغطه تفتح، إذا ما فتحت فهناك زر ثالث تضغطه تفتح، وعندما تنزل إلى الأرض تجد سيارة تأخذك للثكنة، كبس أول زر ما فتحت، الثاني ما فتحت، الثالث ما فتحت قال: أحلى ألاّ نجد سيارة أيضاً.
إذاً: هناك علم يجب أن يُعلم بالضرورة، هذا علم أركان الإيمان، وأركان الإسلام، والقسم الفقهي المتعلق بشؤونك الشخصية وبحرفتك:
أنت تاجر أحكام البيع والشراء.
أنت محامٍ، أو طبيب، أو مدرس، أحكام الجعالة أن أجر الطبيب يأخذه لا على الإنجاز، يأخذه على بذل العناية فقط، كل حرفة لها أحكام معينة، فما لم تطلب الأحكام الشرعية تقع في المعاصي والآثام، ومن دخل السوق من غير فقه أكل الربا شاء أم أبى، طلب العلم ليس شيئاً ترفاً، شيء مصيري، لأنّ بعد الموت جنة ونارًا، لماذا قدم الله الموت على الحياة ؟ قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (2) ﴾
لأن خيارات الإنسان عندما يولد مليار خيار أمامه، يا ترى سيكون مهندساً أم طبيباً أم طياراً.
ثمة في ة حدودية، دخل موجه تربوي إلى مدرسة ابتدائية، وأوقف طالبا، رآه نبيهاً، قال له: أنت يا بني، حينما تكبر ماذا تحب أن تكون ؟ هناك جواب تقليدي: طبيب، أستاذ، طيار، ضابط، عالم، قال له: مهرب.
إذاً: أيها الإخوة الكرام، هناك علم يجب أن يُعلم بالضرورة، هو العلم الديني، أركان الإيمان، أركان الإسلام، كتاب الله، تفسير كتاب الله، تفسير حديث رسول الله، نحن في ذكرى المولد مثلاً، قال تعالى:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
كيف نأتمر بما أمرنا، وكيف ننتهي عما عنه نهانا إن لم نعرف ما الذي أمرنا، و ما الذي عنه نهانا ؟ إذاً طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، أنت عرفت الله، كيف تطيعه ؟ يجب أن تعلم أمره، فلذلك قضية معرفة الأحكام الشرعية شيء أساسي، جزء أساسي من حياتك ليس من باب الترف، ولا من باب تمضية أوقات الفراغ، شيء أساسي.
أيها الإخوة الكرام، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً جداً، هو أنه لابد من طلب العلم.
أنت راكب مركبة، وهناك لوحة البيانات، دقق إن فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك، و توقفت المركبة، و ألغي السفر، و تعطل الهدف، و دفعت خمسين ألفاً بأسعار اليوم، أما لو علمت أن هذا التألق تألق تحذيري لا تزييني أوقفت المركبة، أضفت الزيت، فسلم المحرك، وتابعت السير، وحققت الهدف، هذا الكلام دقيق جداً.
البطولة في فهم ما يقع:
الآن المشكلة مع التواصل الإعلامي، ما يحدث في أي مكان بالعالم يصل إليك بدقائق، الآن البطولة لا أن تطلع على ما يجري، البطولة أن تحسن فهم ما يجري.
في وقت مضى كان أهم شيء أن تصل إلى الخبر، قديماً جداً كان الناس يقفون على أبواب المدن ينتظرون الركبان، الآن هناك تواصل إعلامي مذهل، وثورة إعلامية، كل شيء يقع تراه بعد دقائق.
البطولة لا أن تطلع على الذي وقع أن تفهم سر الذي وقع، تماماً كضوء الزيت تألق، البطولة لا أن تقول: لقد رأيته قد تألق، طبعاً رأيته تألق فعلاً البطولة أن تعلم لماذا تألق هل هو ضوء تزييني أم ضوء تحذيري ؟ هنا المشكلة، إذاً لابد من طلب العلم.
حقيقة الإنسان بضعة أيام:
لابد من أن تبحث عن الحقيقة، لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
كل إنسان خاسر لا محالة، لماذا ؟ لأن مضي الزمن يستهلكه، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
أنت بضعة أيام، والله أيها الإخوة الكرام، ما وجدت تعريفاً جامعاً مانعاً شافياً محكماً للإنسان كهذا التعريف: بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، فالبطولة لا أن تعد العمر عدّاً تصاعدياً، لا أن تقول: لقد بلغت الستين، يجب أن تقول كلاماً مزعجاً: كم بقي لي ؟ إذا مضى الذي مضى كلمح البصر في الأعم الأغلب يمضي الذي بقي كلمح البصر، فجأة النعي على الجدران، كان شخصاً فأصبح خبراً.
مرة كنت بطائرة من المغرب إلى دمشق، في تونس وقفت بعض الوقت، كانت نافذتي على مكان البضائع فنزل نعش، هذا سافر على مقعد راكبًا، ومعه بطاقة طائرة، ومعه جواز سفر، ثم أصبح بضاعة، كان شخصاً فأصبح بضاعة، تخليص جمركي، ووثائق.
كل إنسان خاسرإلا...
لذلك أيها الإخوة الكرام، البطولة أن تعد العمر عداً تنازلياً، الآن:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا ﴾
من هو الذي ينجو من الخسارة ؟
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
أي ابحث عن الحقيقة، واعمل، وافقه، وادعُ إليها، واصبر على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها كي تنجو من الخسارة:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
خاتمة:
نحن مادامت علة وجودنا عبادة الله عز وجل ؛ ففي اللقاء القادم إن شاء الله يكون الحديث عن حقيقة العبادة، وأنواع العبادة، ومستويات العبادة، والعبادة التعاملية، والشعائرية، و ما إلى ذلك.