وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 17 - سورة يونس - تفسير الآيات 94 – 109 الشك واليقين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

الابتعاد عن الشك لأنه حالة خطيرة :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في تفسير سورة يونس إلى قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ ﴾ .. 

للتأكيد ليس الخطاب لرسول صلى الله عليه وسلَّم ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن في لحظةٍ واحدة في شَكٍّ مما أُنْزِلَ إليه ، ولكن هذه الطريقة فسَّرها بعض المفسِّرين : أي قل لهم يا محمَّد ﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ المعنيّون بهذه الآية هم عبدة الأوثان في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان أهل الكتاب في ذلك الزمن يتمتَّعون بمكانةٍ مرموقةٍ عند هؤلاء ، عند عبدة الأصنام ، لأنهم أصحاب كتاب ، أُمِرَ النبي عليه الصلاة والسلام أن  يخاطبهم أن إذا كانوا في شكٍ من هذا القرآن الكريم فليسألوا أهل الكتاب : ألم يَرِد في كتبهم هذا الذي جاء به القرآن الكريم من قصص الأنبياء ومن الوَعْدِ والوعيد ومن الجنَّة والنار؟ ﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ ﴾. .

لا تكونَنَّ من الممترين أيضاً النهي قُصِدَ به هؤلاء الذين في شك ، والحقيقة أن الشك حالةٌ خطرة ، الشَّاكُّ لا هو مؤمنٌ فيفيد من إيمانه ، ولا هو ملحدٌ كافرٌ فيُضْرَبُ اسمه من قائمة المؤمنين ، لا هو مؤمنٌ فيفيد ، ولا هو غير مؤمن فيُقْطَعُ الأمل منه ، بينَ بينْ ، هذه الحالة من أخطر حالات الإنسان ، متردِّد .

 مثلاً : لو أنك متأكِّد لو افتتح اكتتابٌ لبناء البيوت ، وثمن البيت لا يزيد على مئة ألف ، بيت صحّي ممتاز بمئة ألف ، والمبلغ معك ، لو كنت مُتَيَقِّناً من أن هذا المشروع سوف يُنْجَزْ في الوقت المناسب ، ووفق المواصفات التي أُعْلِنَ عنها ، وأن هذا المبلغ لا يعدل خُمْسَ سعره الحقيقي ، ماذا تعمل ؟ تبادر إلى دفع المبلغ ، هذه حالة اليقين ، فكل إنسان لم ينطلق إلى العمل فهو في شَك من هذا الكتاب ، ما دام الإنسان يقف موقف المتفرِّج ، ما دام الإنسان متردِّداً يقول لك : والله شيء يحيّر ، تجلس مع إخوة الإيمان فتقنع ، تجلس مع أهل الدنيا فتقنع، معنى هذا أنك في شك ، الذي يعيق حركتك هو الشك ، لذلك قالوا : اقطع الشكَّ باليقين ، أَيَّةُ حالةٍ أفضل من هذه الحالة ، إما أن تقول : ما جاء في هذا الكتاب حقٌّ من عند الله ، إذاً انطلق إلى تطبيقه ، وإما ائت ببرهانٍ على أنه ليس من عند الله ..

﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)  ﴾

[ سورة المؤمنون  ]

حالة الشك حالة خطيرة ، الإنسان عزيمته مثبَّطة ، قدراته معطَّلة ، نشاطه موقوف ، إمكاناته مُفَرَّغة ، اهتماماته أرضيَّة ، أهدافه ضبابيَّة ، هذه هي حالة الشك ، وهذا الحال يصيب معظم المسلمين ، قل لمسلمٍ : هل أنت موقنٌ أن هذا العمل فيه معصيةٌ للنبي ؟ يقول لك : الله يتوب علينا ، قل له : هل هناك حسابٌ دقيق ؟ يقول لك : طبعاً ، إذاً ماذا تفعل ؟ كيف توقن أن هناك حساباً ، وأن هناك جنَّةً وناراً ، وأنَّ هذا العمل غير صحيح ، وكيف مقيمٌ عليه ؟! شيء عجيب ، لذلك أسعد الأشخاص هم المتوازنون عقليَّاً ، هذا المسلم الذي يعصي الله وهو مسلم مختل ، عنده اختلال داخلي ، ما حقَّق توازناً ، عنده انفصام شخصيَّة ، عقيدته في واد ، وعمله في واد ، تمنيَّاته في واد ، وواقعه في واد ، عنده انفصام شخصية ، عنده خلل داخلي ، مثلاً : على مستوى الصحَّة ، عندما يكون عند الإنسان مرض عُضال ، ويعطيه الطبيب أوامر مشدَّدة ، مثلاً : ألا يأكل المِلح إطلاقاً ، عندما يكون عنده مرض عُضال ، وهذا المرض يزيده تناول الملح ، فعندما يأكل الإنسان صحناً واحداً فيه ملح يشعر بانقباض نفسي ، لأنه الآن هذا الصحن سوف يُسْهِم في تفاقم المرض ، عندما يمتنع عن الملح إطلاقاً يشعر براحة نفسيَّة ، لأن الامتناع عن هذا الملح سوف يُسْهِم في شفائه من هذا المرض ، فالإنسان عندما يقنع أن الملح سوف يؤذيه أذىً كبيراً ، ويأكل الملح فهذا أمره عجيب ، عنده انفصام في شخصيَّته ، أو غير متوازن ، أو عنده خلل ، أو تمنيَّاته في واد ، وواقعه في وادٍ آخر .

هذه الشخصيَّة الازدواجيَّة هي الشخصيَّة السائدة في العالَم الإسلامي ، عواطف المسلم مع الدين ، تمنيّاته دخول الجنَّة ، مخاوفه دخول النار ، وعمله يؤدِّي به إلى النار ويبعده عن الجنَّة ، وينام قرير العين ، أي جزء كبير من السعادة يتحقَّق من الانسجام بين عقيدة الإنسان وبين عمله ، إذا حصل انسجامٌ وتناسق تحصل السعادة ، أما كل مسلم مقصِّر عنده انفصام في شخصيَّته ، عنده خلل داخلي ، عنده صراعات مزمنة ، والصراعات المزمنة تؤدِّي إلى حالةٍ أخطر من الصراع وهي اللامبالاة ، فليكن موقفك واضحاً ، هذا الكتاب إما أن تتأكَّد أنه من عند الله ، وأن ما فيه من وعد حق ، وأن ما فيه من وعيد حق ، وإما أن تأتي ببرهان قاطع على أنه ليس كتاب الله ، عندئذٍ افعل ما تشاء ، أما معتقد أنه كلام الله ، وعملك لا ينطبق عليه ، أو معتقد أن ما فيه هو الحق وتخالفه ، كيف تستسيغ هذه الحالة ؟ 

 

سبب الخسران الكبير هو التكذيب بآيات الله :


﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ(94)وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ .. الحقيقة بيّن الله سبحانه وتعالى أن سبب الخسران الكبير هو التكذيب بآيات الله ، كأن التكذيب بآيات الله يعيق الإيمان بالله ، وكأن سبب الخسارة التكذيب بآيات الله ، والمعنى المعاكس المُسْتَفَاد من هذه الآية : طريق الإيمان بالله هو الإيمان بآيات الله ..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(104) ﴾

[ سورة النحل  ]

 

الكافر حسي في تعامله مع المحيط والمؤمن عقلي يعرف النتائج قبل أن يصل إليها


﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ .. هذه الآية دقيقة جداً ، بعضهم قالوا: أي أن هذا الذي كتب الله عليه أن يكون كافراً منذ الأزل لن يؤمن في الدنيا ، ما ذنبه ؟ لكنَّ بعضهم قال في تفسير هذه الآية : كلمات الله هي القواعد الأساسيَّة التي يبني الله على أساسها تعامله مع الخلق .

 الآن طلاب الجامعة ما الذي ينظِّم العلاقة بينهم وبين إدارة الجامعة ؟ النظام الداخلي ، لو بلغ الغياب عن هذا المقرَّر مثلاً عشر مرَّات يُحْرَم من أداء الامتحان ، لو أدخل ورقةً فيها بعض الإجابات يُحْرَم ست سنوات ، تنظيم العلاقة بين الطلاب وبين إدارة الجامعة يتم عن طريق نظام داخلي ، فالعلاقات واضحة فيه ، فكل مخالفةٍ لهذا النظام تقتضي العقوبة.

إذاً العلاقة بين العبد وربِّه ما الذي ينظِّمها ؟ كلمات الله ، آيات الكتاب تنظِّم العلاقة ، فإذا أَخَلَّ الإنسان بهذه القوانين فلن يؤمن ، من هذه القوانين أنه يجب أن تفكِّر بآيات الله ، إن لم تفكِّر لن تؤمن ، من هذه القوانين أنه يجب أن تستقيم على أمر الله ، إن لم تستقم لن تؤمن ، من هذه القوانين أنه يجب التقرُّب إلى الله بالعمل الصالح إن لم تفعل ذلك لن تؤمن ..﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي إذا انطبقت حالةٌ على مخالفةٍ لكلمات الله فالنتيجة اليقينيَّة أن هذا الإنسان لن يؤمن ، مثلاً : لن يصبح الطالب طبيباً إلا إذا دخل في كليَّة الطب ، فالذي لا يدخل في هذه الكليَّة لن يكون طبيباً ، هذا هو الطريق ، طريق الطب أن تكون طالباً في كليَّة الطب .. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ(96)وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ .. لإعراض نفوسهم عن الله عزَّ وجل ، ولاختيارهم الدنيا مهما أريتهم من آية لن يؤمنوا بها ، لكن العذاب الأليم هو الذي يخيفهم ، وهو الذي يحرِّكهم ، كما قلنا في درس سابق :

﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) ﴾

[ سورة يونس ]

من طبيعة الكافر أنه حسّي ، يتعامل مع المحيط بحواسِّه فقط ، وليس عقليَّاً ، أي حتى تقع الخيانة في بيته يوقن أن الاختلاط مخالفةٌ لقواعد الدين ، حتى يُتلف ماله كلُّه يؤمن بقوله تعالى :

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾

[ سورة البقرة ]

حتى يرى النتائج المؤلمة رأي العين ، وحتى تكون النتائج مدمِّرةً له عندئذٍ يؤمن ، فتعامل الكافر مع الأشياء تعامل حسّي ، لكن المؤمن يتعامل مع الأشياء تعاملاً عقليَّاً ، يرى النتائج قبل أن يصل إليها فيتلاءم معها في الوقت المناسب ، العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها ، والأقل عقلاً يحتاط للأمور حين وقوعها ، والعاجز هو الذي لا يحتاط للأمور لا قبل وقوعها ، ولا حين وقوعها ، ولا بعد وقوعها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( عن شداد بن أوس : الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني . ))

[ صحيح النرمذي و أحمد ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ(96)وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ الكافر حسي في تعامله مع المحيط ، والمؤمن عقلي يعرف النتائج قبل أن يصل إليها ..

 

من تبدلت حياته تبدُّلاً جذريَّاً فهذه علامة صحَّة إيمانه وصدقه في طلب الحق :


﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ أي أن قوم يونس نموذج لقومٍ كانوا في تيهٍ ، وفي ضلالٍ ، وفي عصيانٍ لله عزَّ وجل ، وضلالهم وعصيانهم وظُلْمهم أوردهم موارد الهَلَكَة ، واستحقّوا به العذاب الأليم ، عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، فلمَّا آمنوا كشفنا ما بهم من ضر ، ﴿ وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ وإذا انطبقت هذه الآية على قوم يونس فإنها تنطبق على كل مسلمٍ مؤمنٍ في أي مكانٍ وزمان ، إنسان معذَّب ، دخله قليل ، عنده أمراض ، يوجد شقاق زوجي ، يوجد أولاد عاقون ، لديه منغِّصات في العمل ، يعاني من متاعب صحَّية ، ومتاعب اجتماعيَّة ، متاعب مع الجيران ، أزمات خانقة ، لو أن هذا المُسْلِمَ تاب توبةً نصوحاً ، وأخلص لله إخلاصاً تامَّاً ، واستقام على أمره ، وفعل الصالحات ، لابدَّ من أن يبدِّل الله له حياته تبديلاً جذريَّاً ، لذلك أنا أقول دائماً : هؤلاء الذين يلتصقون بالدين التصاقاً شديداً ، يتمسَّكون به ، يحرصون عليه ، لماذا هم كذلك ؟ لا لأنهم قانعون بأن ما جاء به الدين هو الحق فحسب ، بل لأنهم رأوا رأي العين النتائج الباهرة لمن يتَّبع قواعد الدين .

 أحياناً يكون هناك قناعة أن هذا المحل التجاري الموجود في هذا الشارع الفلاني ، بهذه البضاعة سوف يربح أرباحاً طائلة ، هذه قناعات ، لكن الذي يفتح هذا المحل ، ويملؤه من هذه البضاعة ، ويباشر البيع والشراء ، ويرى غلَّته كل يومٍ خمسين ألفاً ، التمسُّك الشديد بهذا المحل ليس بقناعاته فحسب ولكن بهذه الغلَّة الكبيرة التي يجنيها كل يوم ، لذلك يحرص عليه حرصه على روحه ، فعندما يستقيم المؤمن على أمر الله ، ويتبع قواعد الدين ، ويجد أن حياته تبدَّلت تبدُّلاً جذرياً ؛ صار سعيداً في بيته بعد أن كان شقيَّاً ، صار في عمله مطمئناً بعد أن كان قلقاً ، صار في صحَّته متوازياً ومتوازناً بعد أن كان مضطرباً ، إذا تبدَّلت حياة الرجل تبدُّلاً جذريَّاً فهذه علامة صحَّة إيمانه وصدقه في طلب الحق ..

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾

[ سورة النساء ]

إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهِّرهم من الذنوب والمعايب ، إذاً قوم يونس عندما آمنوا بما جاء به يونس عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام ، واتَّبعوه بإحسانٍ وصدقٍ ..﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ .. أي أنت أيها المؤمن موعودٌ من قِبَل الله عزَّ وجل خالق السماوات والأرض أن يمتِّعك إلى حين ، أن يمتِّعك بصحَّتك ، أن يمتِّعك بسمعك ، أن يمتِّعك ببصرك ، أن يمتِّعك بعقلك ، أن يمتِّعك بأجهزتك المختلفة ، أن يمتِّعك بزوجتك ، بأولادك ، ببيتك ، بعملك ، بدخلك إلى حين ، إلى أن ينقضي الأجل ، لذلك لو وازنا بين حياة المؤمن وحياة الكافر فشتَّان ما بينهما ..

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾

[ سورة الجاثية ]

دع الآخرة ، دع ما بعد الموت ، وانظر لما قبل الموت ، ما قبل الموت شتَّان بين حياة المؤمن وحياة الكافر ، حياة المؤمن لها طعمٌ خاص ، لها مذاقٌ خاص ، تُخيِّم عليها الطمأنينة ، تخيِّم عليها السعادة ، ينعم المؤمن بالثقة بالله عزَّ وجل ، تراه هادئاً ، مستسلماً ، متوكِّلاً ، مفوِّضاً ، قانعاً ، راضياً ، راكعاً ، ساجداً ، صابراً ، متفائلاً ، متطلِّعاً للآخرة ، زاهداً في الدنيا ، إذاً قوم يونس مَثلٌ لكل قومٍ ضاقت بهم السبُل ، واحْلَوْلَكَتِ الحياة في وجوههم ، وأصابهم ما أصابهم ، وكل قومٍ في آخر الزمان يعانون من عذابات شتَّى ، يعانون من أزماتٍ شتَّى ، إنهم لو فعلوا كما فعل قوم يونس لكشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولمتَّعهم إلى حين ، وهذه الآية تنطبق على الجماعات كما أنها تنطبق على الأفراد ..

 

الإيمان القسريُّ لا يسعد الناس :


﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ أي إذا كان مدرِّس يدرِّس اللغة العربية ، وله ابن عنده في الصف ، ويوجد  امتحان حاسم ، امتحان نهاية العام ، لو شاء هذا المدرِّس أن يملي على ابنه الأسئلة قبل يوم ، وأن يعرِّفه بالأجوبة ، ألا يستطيع هذا الابن أن ينجح نجاحاً باهراً في اليوم التالي ؟ لا شك ، ولكن لو أنه أملى عليه الأسئلة والأجوبة ، وبقي جاهلاً في هذا الكتاب ، وما فيه من حقائق هل هذا النجاح له قيمة عند الابن ؟ لا ، عند الأب ؟ لا ، عند الناس ؟ لا ، لو أن إدارة الجامعة جاءت وأنعمت على أحد المواطنين بلقب الدكتوراه من دون أن يكون أهلاً لها ، هل لهذه الشهادة قيمةٌ عند صاحب الشهادة ؟ لا والله ، عند أترابه ؟ عند أقرانه ؟ عند أهله ؟ عند أصحابه ؟ عند الناس ؟ لا ، فالله سبحانه وتعالى لو شاء لأكره الناس على الإيمان ، ولكن إكراه الناس على الإيمان لا يُسْعِدُهم ، لذلك الله سبحانه وتعالى قال :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾

[ سورة البقرة  ]

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾ هل القضية قضية إيمان أو عدم إيمان ؟ القضيَّة قضيّة سعادة أو شقاء ، الإيمان القسريُّ لا يسعد الناس ، لا يسعدهم إلا أن يأتوا لله عزَّ وجل طائعين بمحض اختيارهم ، لا يسعدهم إلا أن يحبُّوه ، فلو أكرههم فإنهم لا يحبُّونه .. ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ ﴾ أفأنت يا محمد ﴿ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ لا .. 

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) ﴾

[ سورة البقرة ]

تعود كلمة يشاء على العباد ، أي العبد إذا شاء الهُدى يهتدي ، أما أن تجبره على الهدى فهذا مخالفٌ للسنَّة ، هذا مخالفٌ لسنَّة الله في الأرض .. ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ .

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾

[ سورة القصص  ]

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ .. وهذا الكلام أحياناً يوجَّه إلى الآباء ، قد تجد أباً يكاد قلبه ينفطر حزناً لأن ابنه ليس على شاكلته ، نقول له : لا تحزن كل هذا الحزن ، هُدَى ابنك ليس وفق مشيئتك بل وفق مشيئته هو ، فإن لم يشأ الهدى لن تستطيع أن تلزمه أن يكون مهتدياً ، كل إنسان له اختيار ، أنت وضِّح ، وبيِّن ، وعرِّف ، وأنذر ، وحذِّر، وراقب ، فإذا أصرَّ الابن على موقفه فهذا اختياره ، وسوف يُحَاسَب عليه .  

 

مشيئة الإنسان مشيئة اختيار لكن مشيئة الله عزَّ وجل مشيئة فحصٍ واختبار :


إذاً : ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(99)وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ أيضاً هذه الآية من الآيات المتشابهات ، أي هذه النفس لن تؤمن إلا إذا سلكت السبيل التي رسمها الله ، بهذا المعنى ، إذن الله ليس اعتباطيّاً ، إذن الله ليس مزاجيًّا ، إذن الله وفق خطَّةٍ دقيقةٍ رسمها للإنسان..﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(104)﴾ فلذلك : ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ والله لا يأذن لها أن تؤمن إلا إذا دفعت ثمن الإيمان وكانت أهلاً للإيمان ، إن كانت أهلاً للإيمان ودفعت الثمن يأذن الله لها أن تؤمن . 

مثلاً : نقول للطلاب الذين تخرَّجوا حديثاً من الشهادة الثانويَّة : قدِّموا الأوراق للجامعة ، واختاروا الفروع التي ترغبونها علماً بأن المعدَّلات هكذا ؛ الطب علامته كذا ، الهندسة ، الصيدلة ، العلوم ، الرياضيات ، فهذا الذي نال مجموع مئة درجة أو مئة وخمس درجات كتب : طب ، هو اختار الطب ، تأتي مشيئة الجامعة فترفض هذا الطلب ، لماذا ؟ لأنه لم يحقِّق المجموع الذي يؤَهِّلَ صاحبه أن يدخل كلية الطب ، إذاً :

﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)  ﴾

[ سورة المزمل  ]

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)  ﴾

[ سورة الإنسان  ]

أي أن مشيئة الإنسان مشيئة اختيار ، لكن مشيئة الله عزَّ وجل مشيئة فحصٍ واختبار ، هل هو أَهْلٌ لهذا الفرع الذي كتبه ؟ هل حقَّق المجموع الذي يناسب هذا الفرع ؟ إن كان كذلك تأذن إدارة الجامعة بدخول هذا الطالب ذلك الفرع ، وإن كان ليس كذلك يُرْفَض الطلب ، إذاً : بإذن الله ، هذا الإذن وفق قواعد ثابتة ، ليس إذناً مزاجيَّاً ، ولا اعتباطيَّاً ، ولا كيفيَّاً ولكنَّه إذنٌ مقنَّن .

 

تعلق إذن الله بالعقل :


﴿ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ هذا التعقيب فسَّر صدر الآية ، أي هؤلاء الذين يعقلون يأذن الله لهم بالإيمان ، وهؤلاء الذين لا يعقلون هم الذين يرفضهم الله عزَّ وجل ، ولا يأذن لهم إطلاقاً بدخول الجنَّة .. ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ هذا هو الإذن قد وضِّح ، فإذن الله متعلِّقٌ بالعقل فإن عقلت أذِنَ الله لك ، وإن لم تعقل لم يأذن الله لك .

إذاً : ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ .. إذا الإنسان لم يعقل الحقائق سوف يلتفت إلى الشهوات ، فلا يوجد إلا حالتان ، إما أن تكون مع المعقولات ، أو أن تكون مع الشهوات ، فالذي لا يعقل لابدَّ من أن ينغمس في الشهوات إلى قمَّة رأسه ، عندئذٍ يستحقُّ لعنة الله ، ويناله رجسٌ من الله عزَّ وجل .

 

من ابتعد عن الحقائق لا يرى الأشياء على حقيقتها :


الطريق إذاً ؟ جاء الطريق : ﴿ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ .. أي إذا دخل الإنسان إلى محلٍ تجاري ويريد منه حاجةً ليست في هذا المحل ، كل البضاعة في المحل لا يراها ، لأن هذه البضاعة ليست متصلة بحاجته ، فأحياناً ترى ولا ترى ، ترى الشيء ولا تراه لأنك مشغولٌ عنه بغيره ، أحياناً يزورك زائر فتقول : زارني فلان ، اسأل نفسك ماذا كان يرتدي من الثياب ؟ والله لا أتذكَّر ، لا تذكر لا نوع الثياب ، ولا لونها ، ولا بعض مظاهره إطلاقاً ، أنت ملتفت لذاته ، زارك ، وتحدَّثت معه ، وتحدَّث معه ، وتركك ، ألم ترَ ثيابه حينما كان عندك ؟ كنت تراها ، لِمَ لمْ تذكرها ؟ لأنك لم تكن مهتماً بالثياب بل كنت مهتماً به ، إذاً إنك رأيت الثياب وكأنَّك لم ترها .

﴿ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ إذا التفت الإنسان للشهوات ، التفت للدنيا ، انغمس في حمأتها ، جعل إلَهَهُ هواه ، لو رأى الشمس ، ورأى القمر ، ورأى المجرَّات والمذنَّبات ، وعرف أن الأرض كرويَّة ولها محور مائل ، ولها دورة حول نفسها ، ودورة حول الشمس ، والشمس والقمر يجريان إلى أجلٍ مسمّى ، لو رأى كل هذا لا يراه إلا كما ترى ذلك البهائم ، لو وضعت أمام دابَّةٍ حجراً لحادت عنه ورأته ، رؤيتها لهذا الحجر كرؤيتك له ؟ لو وضعت أمام دابَّة فلَّةً تقضمها وتأكلها ، فهل عرفت أنها ليست للأكل إنما هي للشمِّ ؟ فعندما يكون الإنسان بعيداً عن الحقائق لا يرى الأشياء على حقيقتها..

 

البلاء خاصٌّ والرحمة خاصَّة ولن يؤخذ إنسان بجريرة إنسان :


﴿ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ(101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ ﴾ أي حينما يُعْرِضُ الإنسان عن الإيمان ، وحينما لا يبالي بقواعد الدين ، ولا يتَّبع تعليمات الدين ماذا ينتظره ؟ تنتظره العلاجات التي عالج الله به الأقوام السابقة ، هذا الذي يدير ظهره للدين ماذا ينتظره ؟ ينتظره علاج ربِّ العالمين ؛ التضييق إما بدخله ، أو بصحَّته ، أو بحياته الزوجيَّة ، أو بعمله ، لابدَّ ، وإذا أصرَّ على موقفه لابدَّ من إهلاكه ، كما أهلك الله قوم عادٍ وثمود وقوم فرعون من بعدهم .. ﴿ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ ﴾ إذاً : كأنَّ الله سبحانه وتعالى يَعِدُ الكفَّار المصرّين على كفرهم يعدهم بالهلاك الشامل ، لكنَّ هذا الهلاك الشامل ليس شاملاً كل الناس قاطبةً بل الكفَّار حصراً ، والدليل قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي أن الله عزَّ وجل لو قرَّر تدمير قرية تدميراً شاملاً ، وفيها رجل مؤمن ، لابدَّ من أن يجعل له حاجةً خارج القرية ، فإذا ما خرج منها جاء التدمير ، اطمئن ، لن يؤخذ الطائع بالعاصي كما يفعل الناس أحياناً ..

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)  ﴾

[ سورة فاطر ]

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿  فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)  ﴾

[ سورة الذاريات ]

ثم دمَّرناها ، إذاً : البلاء خاصٌّ ، والرحمة خاصَّة ، ولن يؤخذ إنسان بجريرة إنسان .. ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ .

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)  ﴾

[ سورة العنكبوت ]

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)  ﴾

[ سورة سبأ ]

اطمئنَّ ، كن مؤمناً واستحق حفظ الله لك ..

أطع أمرنا نرفع لأجلك حُجبنا         فإنَّا منحنا بالرضا من أحبَّنـــا

ولذ بحمانا واحتـــــــــم بجنابنــا         لنحميك مما فيه أشرار خلقنا

* * *

﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .. جاء الفعل ننجي بصيغة المضارع ، ومن معاني الفعل المضارع الاستمرار ، أي إلى نهاية الحياة ، في كل مكانٍ على وجه الأرض ، في كل زمان ، في كل عصر ، في كل مصر ، في كل بلد ، في كل قرية ، على اليابسة ، على ظهر البحر ، على مَتْنِ الجو ، في أيّ مكانٍ كنت إن كنت مؤمناً تستحقُّ النجاة من الله عزَّ وجل .

 

النهي عن تحميل النفس إقناع المكابر أو الجاحد بالدين :


﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ .. إن كنتم في شكٍّ من ديني فلكم دينكم ولي دين ، لا تحمِّل نفسك أن تقنع الجاحد والمكابر بالدين ، إن كنت في شكٍ من هذا الدين فلك دينك ولي ديني ، هذا جوابٌ حاسم ، إن كنت في شكٍ مما أعبد فلك ما تعبد ولي ما أعبد ، لن أُسأل عنك ولن تُسأل عني ، لك ما كسبت ولي ما كسبت ، لي عملي ولك عملك .. ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾.. أي أحياناً إذا إنسان شكَّك بمعتقداتك ، أو شكَّك بقيمك ، هل معنى ذلك أنك تتخلَّى عن هذه القيم ؟ أو تتخلَّى عن هذه المعتقدات ؟ أو أن تغيِّر خطَّ سيرك في الحياة ؟ أو أن تتنكَّب الصراط المستقيم ؟ هذا منتهى الغباء ، إن شكَّ فليشك ، عدم الوجدان لا يدلُّ على عدم الوجود ، إن كان عمىً في قلبه ماذا أفعل له ؟ 

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ(28) ﴾

[ سورة هود  ]

إذا كان الله يرحمك وهذه الرحمة عُمِّيَّت على بعض الناس وأنكروها عليك فهل تتخلَّى عنها ؟ ﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ(28)﴾ .

 

عبادة الله والإيمان به :


﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ رجعوا وتركوك ، رجعوا إلى البيت ، وتناولوا على روحك ما لذَّ وطاب ، وأظهروا الحزن والألم ، ولكنَّ قلبهم يرقص فرحاً ، وما هي إلا أيام أو أسابيع حتى نزعوا ثياب الحزن ، وحتى تمتَّعوا بهذا المال ، وشرَّقوا به وغرَّبوا ، وأنت تُحَاسب عنهم ، كيف جمعت هذا المال وكيف أنفقته ؟ هنا المصيبة .. رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحيُّ الذي لا يموت  ..﴿ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ .. لو تعاملت مع مئة ألف رجل ، وكلُّهم لا علاقة لهم بوفاتك ، لا شأن لهم ، عليك أن تتعلَّق بمن يتوفَّاك ، بمن مصيرك إليه ، بمن نهايتك عنده ، بمن إليك مرجعه ، بمن بيده الموت ، اعبُدِ الله ﴿ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ شيء جميل ، أي أنك عليك أن تعبد الذي يتوفَّاك ، أما الإنسان لا يملك أمر وفاتك ، ولا أمر حياتك ، ولا أمر رزقك ، ولا أمر سعادتك ، ولا أمر شقائك ، فلمَ تعبده إذاً ؟ أحد الناس دخل إلى دائرة حكوميَّة ، ومعه معاملة تحتاج إلى توقيع ، والتوقيع من حقِّ المدير العام ، أليس من الغباء أن يتجه إلى مستخدم ويرجوه أن يوقِّعها له ؟ ليس بيده توقيع هذه المعاملة ، من الغباء أن تتجه إليه ، أو أن ترجوه ، أو أن تستجيره ، أو أن تكرمه ، لا ، اذهب إلى من بيده التوقيع ، اطلب من الله عزَّ وجل .. 

 

اتجاه الإنسان إلى الدين بكليته :


﴿ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(104)وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ هذه آية دقيقة جداً ، أنا أنظر إلى هذه الجهة ، هذا النظر إلى هذه الجهة مع أن صدري بهذا الاتجاه ، لا يقال عن هذا إقامة الوجه لهذه الجهة ، أي يجب أن  تتجه لا بعينيك ولا برأسك ، ولكن بكلِّك إلى الدين ﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ أحياناً قد يتجه إنساناً إلى الدين اتجاهاً يسيراً ، يحضر درس الجمعة ، يحضر الخطبة ، يقول لك : هناك درس في الساعة الثالثة أحب أن أسمعه ، جميل جداً ، لابأس ، لكن له نشاطاته المخالفة للدين ، له نزهاته ، له اختلاطاته ، له حركاته ، له انغماسه في الدنيا ، لا يقال عن هذا الإنسان : إنه أقام وجهه للدين ، لو نظر إلى الدين بعينيه ما أقام وجهه ، لو نظر إليه بوجهه لا يكفي ، لابدَّ من أن يقيم وجهه كلَّه ، والوجه هنا بمعنى وجْهَتَهُ ، والوجهة أي جسمه بكامله يجب أن يكون باتجاه الدين ، أي الدين لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلَّك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً . 

 

الابتعاد عن الشرك :


﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ .. هناك شركٌ في القلب ، وهناك شركٌ في الجوارح ، وهناك شركٌ في الوجهة ، وهناك شركٌ في الاعتقاد ، وهناك شركٌ في النيَّة ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ لا تكن مشركاً بأي نوعٍ من أنواع الشرك . 

﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ﴾ أي غباءٌ ، في سخفٍ ، في ضلالٍ ، في سوء تقديرٍ ، في ضيق أفقٍ أن تدعو من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرُّك ﴿ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ لنفسك ، إن دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرُّك إنك إذاً من الظالمين .. 

 

معاني قوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ :


﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ﴾ .. أتمنَّى عليكم أن تدقِّقوا في هذه الآية : ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ لماذا قال الله عزَّ وجل في موضوع الضر : يمسسك ، وقال في موضوع الخير : يردك ؟ قال بعض المفسِّرين : إن كل إرادةٍ لله عزَّ وجل لابدَّ من أن تقع ، الإنسان قد يريد وهذه الإرادة قد لا تقع ، ولكن الله إذا أراد وقع ما أراد ، فالتبديل بين المَس وبين الإرادة تبديل أن كلاً منهما يغني عن صاحبه ، لو أنَّ الإرادة وقعت لنُفِّذَتْ ، ولو أن شيئاً وقع على وجه الأرض لكان بإرادة الله ، الذي وقع إنما وقع بإرادة الله ، وإذا أراد لشيءٍ أن يقع وقع ، التبديل : إذا أراد الله لشيءٍ أن يقع فلابدَّ من أن يقع ، وإذا وقع شيءٌ ما كان له أن يقع إلا بإرادة الله ، هذا المعنى الأول للمفارقة بين المسِّ وبين الإرادة .

المعنى الثاني : الضُرُّ ليس مقصوداً لذاته من قِبَل الله عزَّ وجل ، إنما هو وسيلة للخير ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ الخير مقصودٌ لذاته ، والضرُّ ليس مقصوداً لذاته إنما هو وسيلةٌ لردِّك إلى الحق ، الخير من قِبَل الله ، والشرُّ من الله تنفيذاً بسبب أفعالنا إرادةً ، فالخير مقصودٌ لذاته ، أما الشر فمقصودٌ لغيره ، أي متى يستخدم المعلِّم العصا ؟ هل ضرب التلاميذ مقصودٌ لذاته ؟ لا ، تعليمهم وتأديبهم ورفع مستواهم هو المقصود لذاته ، فإذا قصَّروا نضربهم ، والضرب وسيلة وليس غاية ، نضربهم كي يجتهدوا ، ونضربهم كي يتأدَّبوا ، إذاً : ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(107)قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ .. الخير لك ثماره ، والشر عليك وزره .

﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) ﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)  ﴾

[ سورة البقرة ]

 

الصبر على وعد الله ووعيده :


﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ ... واتبع ما يوحى إليك أمرٌ من عند الله .

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾  

[  سورة طه  ]

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) ﴾

[ سورة البقرة  ]

﴿ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ﴾ .. أي إلى أن تتحقَّق النتائج عليك أن تصبر ، الله وعدك بالعطاء ، ووعد العصاة بالعذاب ، أنت اصبر على وعد الله ووعيده ، لابدَّ من مسافةٍ بين الوعد وتنفيذه ، وبين الوعيد وتنفيذه لينكشف الإنسان على حقيقته ، من كان مُصَدِّقاً ، ومن كان مُكَذِّباً ..﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(109)﴾ أي أن العاقبة للمتقين ..﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)﴾ .

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)  ﴾

[ سورة الأعلى  ]

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 لكنَّ هذا الفوز قد لا تراه رأي العين ساعة البدء بالاستقامة ، لكن اصبر لابدَّ من تكون النهاية لك ، لابدَّ من أن تدور الأمور لمصلحتك ، لابدَّ من أن تسعد في الدنيا والآخرة ﴿ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ لأن حكمه يعود بالخير على كل الناس ، وبهذا انتهت سورة يونس .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور