وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة يونس - تفسير الآيات 12 – 17 العاقل من عرف الله قبل فوات الأوان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

ضرورة معرفة الله قبل فوات الأوان :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : 

﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (12) ﴾

 أما كلمة الإنسان فتتكرَّر كثيراً ..

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)  ﴾

[  سورة الفجر  ]

﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) ﴾

[ سورة الإسراء  ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)  ﴾

[ سورة الطارق  ]

﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ ﴾ طائرة تطير دخلت في عاصفة مكهربة فاضطربت ، وكادت تسقط ، وهبطت ، وجنحت ، لم يبق في الطائرة واحدٌ إلا يقول : يا الله ، فلمَّا هبطت على الأرض عُرِفَ أن هذه الطائرة تحمل أناساً لا يؤمنون بالله إطلاقاً ، لكن مسَّهم الضر فدعوا الله مخلصين له الدين ، ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ ﴾ أي البطولة وأنت في الرخاء لا يوجد شيء ، الصحَّة طيّبة ، الزوجة ممتازة ، الأولاد أبرار ، الدخل وفير ، المكانة جيدة ، وأنت في قمَّتك ، وأنت في قمَّة مجدك ، وأنت في الوظيفة وليس بعد التقاعد ، صار هناك تواضع ، يجب أن تكون متواضعاً وأنت على رأس عملك ، والناس أمامك ينتظرون .. ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً ﴾ الإنسان بالمال يستعلي ، وبالقوَّة يستعلي ، وإذا كان له وظيفة يستعلي بها ، وإذا كان مقتدراً يستعلي ، وإذا كان معه شهادة عالية والناس بحاجة له يستعلي ، لا يكلِّم أحداً ، لكن إذا جاءت المصيبة يتواضع ، ليتك تواضعت قبل المصيبة ، ليتك عرفت الله وأنت في الرخاء ، ليتك عرفت الله وأنت في بحبوحة ، ليتك عرفت الله وأنت قويٌّ نشيط ، لكن متى ؟! بعد فوات الأوان ! بعد أن ضيَّعت ما ضيَّعت ! ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً ﴾ فربنا عزَّ وجل لإلحاحه بالدعاء ، يا رب ، يا رب ، يا رب ، ما لي سواك ، أنقذني قال : ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ ﴾   هذه الأزمة زالت ، هذا المرض انحسر ، هذا القلق تبدَّد ، هذا الخوف تلاشى ، ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ يقول لك : والله هذا الطبيب مستواه عالٍ جداً ، من ثاني حبة تعافيت والحمد لله ، فلان ذهبت إليه وقلت له : أنا قريبك ، تدخَّل وخلَّصني ، أين الله عزَّ وجل ؟ نسي الله عزَّ وجل . ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ ..

 

البلاغة في كلمة مرّ :


أما كلمة ( مرَّ ) ففيها بلاغة رائعة ، سيل عارم مندفع وضعت أمامه حاجزاً ، فلمَّا أزلت الحاجز مرَّ تابع اندفاعه ، أي الإنسان أحياناً تتعقَّد معاملته ، فيأتي إنسان يأخذ له إياها ، يوقِّعها من فلان ، وفلان ، وفلان ، ويقول له : تفضَّل ، جاء هذا الإنسان مسك هذه المعاملة نظر وذهب ، قل له : شكراً ، لأنه وقف ، وعاونك ساعة ، وتجاوز الدور ، وكانت المعاملة تحتاج إلى خمسة أيَّام ، وفيها تعقيدات ، وقد يوافقون أو لا يوافقون ، أخذها بنفسه ، ومشَّاها لك ، وناولك إياها ، نظرت فيها مع الموافقة ، التوقيع بالأخضر ، مشيت من فورك ، أين يا أخانا ؟ مرَّ ، أين مررت ؟ أي يمر ﴿ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ قل : يا رب لك الحمد ، يا رب لك الشكر ، هذا توفيقك ، هذه عنايتك ، هذا فضلك ، هكذا يقول الإنسان ، منتهى اللؤم ، منتهى الجحود ، منتهى الكفر ، ابنه درجة حرارته تقدر بإحدى وأربعين درجة ، فحصه الطبيب قال له : والله التهاب سحايا ، أي إنه على وشك الموت ، يا رب ليلاً ونهاراً ، وبعد هذا الحرارة انحسرت والله عزَّ وجل عافاه له ، قل له : يا ربي لك الحمد والشكر والنعمة والرضا ، هذا فضلك يا رب ، ﴿ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ هذا نموذج اللئيم ، إذا وقع تحت الشدَّة قال : يا رب ، فإذا انحسرت الشدَّة نسي الله عزَّ وجل ، ونسي أنه دعاه ، ونسي أنه تذلَّل له ، ونسي التضرٌّع ، لكنه رأى ما عنده من إنجاز ﴿ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ .

 

الحمد على النعمة أمانٌ من زوالها :


 النبي اللهمَّ صلّ عليه كانت تعظم عنده النعمة مهما دَقَّت ، لو شرب كأس الماء ، تعظُم عنده النعمة مهما دقَّت ، حينما دخل مكَّة فاتحاً دخلها مطأطئ الرأس تواضعاً لله عزَّ وجل ، هكذا الإنسان ، النبي عليه الصلاة والسلام قدوةٌ لنا ..

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 إنسان لبس ثياباً جديدة ، دخل إلى بيته ، الحمد لله الذي آواني ، وكم ممن لا مأوى له ، وإذا أكل طعاماً يحبُّه : الحمد لله الذي أطعمني وأسقاني ، وجد له زوجة في البيت ، وله أولاد ، بيته نظيف ، له دخل : يا رب لك الحمد ، الحمد على النعمة أمانٌ من زوالها ، الحد الأدنى في الشكر أن تعرف أن هذه النعمة من الله ، والحد الأعلى أن تُقابِل على النعمة بخدمة العباد .. 

﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)﴾

[ سورة سبأ ]

 لكن أنا لا أتصوَّر إنساناً يشكر الله على نعمه ، على حواسِّه الخمس ، على عقله ، على زوجته ، وعندما يتزوَّج الإنسان ..

 شُرَيْح القاضي لقيه صديقه قال له : يا شُرَيح ، كيف حالك في بيتك ؟ قال له : والله يا فلان - اسمه الشعْبي - والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما ينغِّص حياتي أو يعكِّر صفائي ، قال له : وكيف ذلك ؟  قال له :  خطبت امرأةً من أسرةً صالحة ، فلمَّا دخلت بها وجدت كمالاً وصلاحاً - أي عقل وأدب وجمال -  نعمة الزوجة موفورة ، نعمة السكن موفورة ، الماء فُرات ، لا ينقصك شيء ،  ﴿ مَرّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ شعرت بوضع غير طبيعي فأجريت فحصا فوجدت أنك سليم ، يا رب لك الحمد ، كان الاحتمال ورماً خبيثاً فظهر أنه ورم عادي .. ﴿ مَرّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ أهكذا المؤمن ؟ هذا حال الإنسان العادي ، هذا حال الإنسان الكافر ، هذا حال الإنسان الجاهل ، المُعْرِض ، المُقَصِّر ، اللئيم ، سيدنا علي قال : " والله والله ، مرَّتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، وكنس أرض الحجاز في يومٍ عاصفٍ بريشتين ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين أهون عليَّ من طلبِ حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين " ..

أُعلِّمه الرماية كل يـــــومٍ        فلمَّا اشتدَّ ساعده رماني

وكم علَّمته نَظْمَ القوافي        فلمَّا قال قافيةً هجانـــــي

* * *

هكذا !! تسمع أحياناً أن صانعاً كان عند معلِّمه ، فتح محلاً يتكلَّم عليه ، إنه علَّمك المصلحة ، وأكرمك ، ودللك ، وعندما صار معك إمكانيَّات لتفتح محلاً يقول لك : ماشي الحال ، كما تريد ، هذا معلمي غشَّاش لا تذهبوا إليه ، هكذا اللؤم ؟! والله يوجد لؤم في الأرض الآن يوجد طوفان اللؤم ، من علامات قيام السَّاعة أن يكون المطر قيظاً ، والولد غيظاً ، ويفيض اللئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً ، أول أنواع اللؤم مع الله عزَّ وجل : ﴿ مَرّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ كنت تولول قبل ساعة ، ظهر بالتحليل أنه لا يوجد شيء ، عندنا سهرة اليوم ، أين السهرة ؟ أي سهرة هذه ؟ كان المصير أسود ، أين السهرة اليوم ؟ ﴿ مَرّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ ، ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ .

والله هناك آية قرآنيَّة يقشعر لها البدن ، الله قال : 

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ﴾

[ سورة الأعراف ]

يذهب إلى الحج يعاهد ربَّه عند الحجر الأسود ، يا رب لا أُعصيك أبداً ، فيأتي بعد سبعة أيَّام يعصيه ، يا أخي اعتدت على هذا ، قال لي أحدهم : تبنا يا أخي ، كنَّا نشرب الخمر فتبنا ، ذهبنا إلى الحج ، وعاهدنا الله ، جلس مع رفاقه فقالوا له : اشرب ، فقال لهم : لا ، أنا معاهد ، فقالوا له : خذ منا ثمن الحِجة واشرب ، فقال : والله شربت فماذا أفعل ؟ ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ(102)﴾   .

 

دقّة القرآن الكريم :


﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾ انظر إلى دقَّة القرآن الكريم ، لا يوجد هلاك بلا سبب ، أخي الطبقة الأرضيَّة هشَّة ، على مقياس رختر كانت الدرجة ثمانية فتهدَّمت المكسيك ، ما هذا ؟ الموضوع على رختر فقط أم إهلاك من الله عزَّ وجل ؟ إهلاك من الله ، أي من السُخف أن تفسِّر هذه الظواهر الخطيرة في العالَم تفسيراً أرضياً ، مع أن التفسير الأرضي مقبول إذا جمعته مع التفسير الإلهي ..

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)  ﴾

[ سورة النحل  ]

يمكن أن تفسِّر أنه عندما أراد ربنا عزَّ وجل إهلاك قرية فاسقة ، فاجرة ، تتاجر بالأفيون ، توزِّع الأفيون لجميع أنحاء العالَم كان يمكن أن تفسِّرها أنها إهلاك من الله عزَّ وجل عن طريق هزَّة أرضيَّة ، ممكن ، قد تجمع التفسير الإلهي مع التفسير العلمي ، والتفسير الإلهي والتفسير العلمي لا يتناقضان إنما يتكاملان ، أما أن تقول : فقط هزَّة أرضيَّة على مقياس رختر فقط ، معناها : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر ، أصبحت نفسه هي المصيبة .

 

الهلاك نوعان :


﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾ لما ظلموا ، ما دام هناك ظلم فهناك هلاك ، لذلك حينما يعمُّ الفساد في آخر الزمان .. 

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾

[ سورة الروم  ]

قال الله عزَّ وجل : 

﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)﴾

[ سورة الإسراء  ]

لكن العلماء قالوا : الهلاك نوعان ؛ هلاكٌ مُبرَم وهلاكٌ بطيء ، أي ضُعف الموارد ، شُحُّ السماء ، قلَّة النبات ، ازدياد الحاجات ، قلَّة الدخل ، الضغط الاجتماعي ، هذا أحد أنواع الهلاك ، هذا يسمونه موتاً بطيئاً ، إما موت بضربة قاصمة أو موت بطيء ، فالهلاك هلاكان ، عندما يجد الإنسان أن ليس معه شيء ، أموره ليست بيده ، الله عزَّ وجل قال :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[ سورة النور  ]

أي إذا لم يستخلفنا الله في الأرض ، بل استخلف أعداءنا ، ولم يمكِّن لنا ديننا الذي ارتضى لنا ، ولم يبدِّلنا من بعد خوفٍ أمناً فهذا أحد أنواع الهلاك ، لكن ليس هلاكاً قاصماً ، بل إنه هلاك بطيء ، لكن السبب : ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ العبادة لم تحصل ، فلمَّا أخلَّ العباد بما عليهم فالله سبحانه وتعالى في حلٍّ من وعده ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ ..

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾

[ سورة مريم  ]

 

إهلاك الله من أعرض عنه وتجاوز الحدود :


﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ العلماء وقفوا عند هذه الآية ، لماذا ﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ ؟ لأن نفي الإيمان شيء ، ونفي الإمكانيَّة شيءٌ آخر ، مثلاً تقول : فلان لم يسرق ، نفيت عنه حدث السرقة ، لكن قد تقول : فلان ما كان له أن يسرق ، نفيت عنه إمكانيَّة السرقة ، ورغبة السرقة ، واستعداده للسرقة ، نفيت عنه كل ما يتصل بالسرقة ، هذا يسمُّونه : النفي المُبالَغ ، ما كان لي أن أفعل ، ما فعلت شيئاً ، أنا ما أفطرت ، والله أنا صائم يا أخي ولم أفطر ، لكن ما كان لي أن أفطر ، أي مستحيل أن أفطر ، شيء ولا يخطر في بالي إطلاقاً ، لا يوجد عندي استعداد أن أفطر ، ولا توجد عندي نيَّة لأفطر ، ولا توجد عندي إمكانيَّة لأن أفطر ، ولا أرضى أن أفطر ، مهما دعوتني فلا أفطر ، ما كان لي أن أفطر ، هذه ( ما كان ) تفيد نفي الإرادة ، ونفي الإرادة أبلغ من نفي الحدث ، فلان ما كان له أن يسرق ، أي مستحيل ، لكن لم يسرق أي قد يكون عنده إمكانية لأن يسرق ، ولكن ما سرق ، لكن ما كان له أن يسرق أي مستحيل ، ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ لماذا جعل ربنا سبحانه وتعالى إيمانهم مستحيلاً ؟ إذا كان هدف إنسانٍ أن يصل إلى حَلَب ، فمشى باتجاه درعا ، ماذا تقول ؟ تقول : ما كان له أن يصل ، إذا كان ذاهباً إلى حلب ، ووقف في حمص ، ولم يُكمِل تقول : لم يصِل بعدُ ، أما إذا كان ماشياً بعكس الاتجاه فتقول : ما كان له أن يصل ، كلَّما مشى كلما ابتعد عن هدفه ، فعندما يمشي الإنسان في طريق الدنيا ، ويتوغَّل فيها ، ويقع في الظلم والبغي والعدوان ، والدنيا أكبر همِّه ، وينغمس في شهواته ، لا نقول : هذا لا يؤمن ،  هذا ما كان له أن يؤمن بهذا المعنى ، فالطالب الذي لم يداوم إطلاقاً هل تقول : لم ينجح ؟ لا ، إنك تقول : ما كان له أن ينجح ، أما إذا داوم ولم يجتهد تقول : لم ينجح ، مسكين لم ينجح ، أما إذا لم يداوم  أبداً ، ولا فتح كتاباً ، ولا اشترى كتباً تقول : لم ينجح ؟ إنك تقول : ما كان له أن ينجح ، ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ لكن لماذا أهلكهم الله عزَّ وجل ؟ لأنهم ما كانوا ليؤمنوا ، ربنا عزَّ وجل ما دام لهم أمل في الإيمان فلا يوجد هلاك ، ما دام هناك بقيَّة أمل – ليس هناك أمل بل بقية أمل - فلا يوجد هلاك ، إلى أن يسير الرجل في طريقٍ معاكسٍ للإيمان بزاوية مئة وثمانين درجة ، أي نصف دائرة .. فهو هكذا ، والإيمان هكذا في اتجاه آخر .. عندئذٍ يستحقُّ الهلاك ، لأنه ﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ الهلاك أمر من الله عزَّ وجل مدروس ، فليس هناك هلاك عشوائي ، أو هلاك من دون مبرِّر ، أهلكهم الله عزَّ وجل لأنهم : ﴿ ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ جاءتهم الرسل أعرضوا عنهم ، تجاوزا الحدود ، غرقوا في الدنيا ، وقعوا في الظلم فأهلكهم الله عزَّ وجل ، كلام ربنا عزَّ وجل دقيق .

 

من كان مؤمناً استحق النجاة في كل عصر :


﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾  كلمة ﴿ كَذَلِكَ ﴾ خذها قانوناً ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ قال : 

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)  ﴾

[ سورة القصص  ]

 هذا قانون ، تعريف القانون في العلم : علاقةٌ ثابتة بين متحوِّلين ، أي عندما تُحسن يؤتيك الله العلم والحكمة .. من أخلص لله أربعين صباحاً تفجَّرت ينابيع الحكمة في قلبه وأجراها الله على لسانه ، قانون :

﴿  وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء  ]

القصَّة انتهت ، قانون : ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾   كن مؤمناً ، واستحقَّ النجاة في كل عصر ، في كل عصر كن مؤمناً تستحقَّ على إيمانك أن تنجو من كل شيءٍ تخافه . قانون : ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ .

 

الضلال نوعان ؛ بعيد ومبين :


﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾ وقبل ظلمهم ﴿ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ فكذَّبوا بها ﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ إذاً كلَّما رأيت قوماً أهلكهم الله عزَّ وجل تأكَّد أنهم لا جدوى منهم ، لا أمل منهم ، لو كان فيهم بقيَّة أملٍ في هدايتهم لما أهلكهم الله عزَّ وجل ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( عبدالله بن عباس عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما يَرْوِي عن رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالَى ، قالَ : إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ، ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها ، كَتَبَها اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً ، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلَها ، كَتَبَها اللَّهُ عزَّ وجلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ ، وإنْ هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها ، كَتَبَها اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً ، وإنْ هَمَّ بها فَعَمِلَها ، كَتَبَها اللَّهُ سَيِّئَةً واحِدَةً . وفي رواية : وزادَ : ومَحاها اللَّهُ ولا يَهْلِكُ علَى اللهِ إلَّا هالِكٌ . ))

[  صحيح مسلم، أخرجه البخاري باختلاف يسير دون الرواية المذكورة ]

لا يهلك إلا من هلكت نفسه ، بعدت عن الحق ، لا يهلك إلا من شرد على الله شرود البعير ، ابتعد وغاص كثيراً في ضلال مبين .

 الخمر مثلاً تُذهِب العقل ، تحطُّ المكانة ، تُضعف المَلَكَات ، تُثَبِّط الهمم ، فمن شربها فهو في ضلالٍ مبين ، وفي ضلال بعيد ، الضلال البعيد ؛ شخص يمشي في طريق باتجاه حمص مثلاً ، وجد مفرقاً فمشى فيه ، بعدما مشى مئتي كيلو متر إذا به بطريق تَدمُر ، وهو يريد حمص ، هذا اسمه : ضلال بعيد ، أي أنه ابتعد كثيراً ، لو مشى عشرة كيلومتر ورجع فهذا ضلال قريب ، لكنه مشى مئتي كيلو متر ضلال بعيد ، فهناك ضلال مبين ، وضلال بعيد ، أحياناً الإنسان يبتعد كثيراً ، يعتقد اعتقادات فظيعة ، أنه لا توجد غير الحياة الدنيا ، هذا ضلاله بعيد ، هذه هي الدنيا ، هي كل شيء ، من كان فيها غنياً فهو في جنَّة ، ومن كان فيها فقيراً فهو في جهنَّم ، وليس بعد الدنيا شيء ، هذا في ضلال بعيد ، ويوجد ضلال مبين ، فمن كان مجرماً يستحقُّ الهلاك .

 

التناقض أبشع صفة في العقل :


﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ يكون ابن يعمل عند أبيه في المحل ، وليس راضياً عن أبيه ، يقول لك : أبي بيعه صعب ، أنا أحب أن أبيع بسهولة ، أبي كذا ، أبي كذا ، يتوفَّى الأب ، يأخذ الابن المحل مكان أبيه ، فيأكل مالاً حراماً ، ويغش ، كل الذي تنتقد فيه أباك وقعت فيه وفي أشدَّ منه ، الله عزَّ وجل يمتحن الإنسان ، يجوز موظَّف في دائرة ينتقد الأعلى منه ، أُزيح فوضعوه مكانه ، فتجده كذلك أغلق بابه عن المراجعين ، كيف كان ينتقده من قبل وقع في نفس المرض ، ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ الإنسان لا ينتقد ، وإذا انتقد ينتبه ، عيون الناس مفتَّحة ، فإذا وقع فيما انتقد غيره فقد وقع في أبشع شيءٍ ، وهو التناقض ، التناقض بشع جداً ، فأبشع صفة في العقل التناقض ، أي أن تقول شيئاً وتفعل عكسه ، أن تقيس الناس بمقياسين : مقياس تقيس به نفسك ، ومقياس تقيس به الآخرين ، هذا تناقض ، هذا تفريق ، هذا خلل فكري .  


الله عز وجل جعل الناس خلائف في الأرض :


﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ ، هكذا ، الآن انظر ترى سوقاً مشهوراً في الشام ، أما بعد ستين سنة كل هذا الطقم يتغيَّر ، إما أن يتسلَّم المحل ، أو أن يُباع ، أو يأتي الابن مكان أبيه ، تجد وجوهاً جديدة ، ستون سنة أخرى تجد طقماً جديداً ، هذا على مستوى المحلَّات ، على مستوى البيوت ؛ هذا البيت يتوفَّى الأب فيُباع أو يسكن فيه ابنه ، صار هناك وجه جديد ، معاملة جديدة ، فربنا عزَّ وجل جعلنا خلائف في الأرض ، الإنسان يخلف أباه ، يخلف شريكه ، يخلف موظَّفا في دائرته ﴿ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ .

 

مراقبة الله عز وجل الإنسان في كل أحواله :


أنت تحت المراقبة ، عندما يراقب الإنسانُ إنساناً آخر يربكه ، فكيف وأن الله سبحانه وتعالى يراقبنا جميعاً؟!

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ﴾

[ سورة النساء ]

 حال المراقبة الإنسان دائماً يرى الله ناظر إليه ، اعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك ..

 اغتسل أحدهم عُريانا عند النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال له :

(( عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِأَجِيرٍ لَهُ يَغْتَسِلُ عَارِيًّا فَقَالَ : لَا أَرَاك تَسْتَحِي مِنْ رَبِّكَ , خُذْ إجَارَتَك لَا حَاجَةَ لَنَا بِك . ))

[ الزواجر عن اقتراف الكبائر باب الغسل لم أجده في كتب الحديث ]

 حالة المؤمن أنه تحت المراقبة ، لكن مراقبة إلهيَّة ، مراقبة رحيمة ، مراقبة خَيَّرة ، مراقبة فيها لطف ليس فيها إزعاج ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)﴾ في أثناء البيع ، تقول : الله وكيلك ليس فيها ربح ، الله يراقب ، هل صحيح أنها ليست رابحة ؟ تحاكي نفسك مئة بالمئة رابحة ، الله وكيلك ليست رابحة وأذَّن المؤذِّن فتقول : أخي نريد أن نلحق بالصلاة ، أيّ صلاة هذه ؟ حلفت بالله أنه ليس فيها ربح وأنت رابح ، هكذا دين الناس الآن ، يقول لك : كل شيء لحاله ، أي كل شيء لحاله ؟ كل شيء محاسب عنه ..

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[  سورة الحجر  ]

 

إعراض بعض الناس عن آيات القرآن الكريم :


إذاً : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ لم يعجبه القرآن ، منع الربا لم يعجبه ، يقول لك : هذا الربا مال تضعه من دون فائدة ؟! مجنون أنا حتى أضعه من غير فائدة ؟ مجنون أنا حتى أضعه من دون فائدة ؟ غيري يستفيد منه ، أنا أستفيد منه ، هذه الآية يا أخي ليست لهذا الزمن ، بعد هذا الله قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 انتبه يا أخي النهي ليس عن خمسة بالمئة ، النهي عن خمسة وعشرين بالمئة ، هكذا الله قال ﴿ لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ لم تعجبه هذه الآية ، وآية غض البصر لم تعجبه كذلك ، أين أذهب بعيوني يا أخي ؟ أنا شغلي كلَّه مع موظَّفات ، والله يا أخي أصبح عليها ، أكلمها ، كيف لا انظر إليها ؟ هذه بدّلها لنا يا أخي ، أزل هذه الآية ، ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا - هذا فيه تضييق كبير ، ثقيل - أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ أو تعديلات طفيفة ، أي ألغِ لنا آية النظر ، ألغِ لنا آية الربا ، ألغِ لنا آية الاختلاط ، هكذا يكون في مرونة ، يقول لك : هذا شيخ عصري ، مرن ، لا يعقّدها كثيراً على التلاميذ ، فقط قلبك يكون مع الله يا بني وافعل ما شئت .

 

من ألغى شيئاً من الدين ألغى الدين :


﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي ﴾ إذا كنت مهندساً ، وجاءك شخص ، وقال لك : أريد خارطة ، عملت له خارطة ، قال لك : بالله هذا الحديد اثنا عشر ميليمترا هل يستبدل بثمانية مليمترات فقط للأعمدة ؟ والله لا يجوز ذلك يا أخي ، هنا لا يوجد مجاملة ، عوض ستة أكياس هل يمكن أن نضع أربعة ؟ هنا لا يوجد مجاملة ، هذا بناء من ثمانية طوابق ، تضع أربعة أكياس يقع البناء ، المهندس مسؤول ، تضع عوضاً عن اثني عشر ميليمتراً ثمانية مليمترات يقع البناء ، هنا لا يوجد مجاملة ، لأنه توجد قوانين ، هذا البناء مبني على علم ، السنتيمتر المربَّع يتحمَّل مئتي كيلو ، إذا كان هناك أربعة أكياس بدل ستة لا يتحمَّل مئة وخمسين كيلو ، كلَّه بحسابات ، هل توجد مجاملة بالموضوع ؟ لا يوجد مجاملة .. ﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ هذه نفس ، إذا سمحنا لها بالاختلاط تعلَّقت بالنساء ، أي صلاة بقيت هذه ؟ انقطعت عن الله عزَّ وجل ، إذا سمحنا لها بالربا وقعت في الحرام ، أصبحت خجولة ، أي أن القضية ليس معها لعبة .

محطَّة وقود مكتوب عليها : ممنوع التدخين ، لا تعقِّدوها كثيراً ، غير معقول ، هذا ليس تعقيداً ، التدخين يُذْهِب بالكازيَّة كلها يفجرها ، فكل شيء الله عزَّ وجل نهى عنه أو أمر فيه ليس فيه مجاملة ، ولا يوجد حل وسط ، ولا يوجد ثلاثون بالمئة ، هذا دين ..

(( عن عبد الله بن عمر: يا بنَ عمرَ ! دينُك دينُك – أي الزم دينك - إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ، فانظُر عمَّن تأخذُ ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا ، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا . ))

[ السلسلة الضعيفة ، ضعيف ]

 كل إنسان يتساهل معك فاعلم أنه لا يفهم شيئاً ، لو أن إنساناً يريد أن ينشئ معمل غسَّالات ضخماً ، وجد أن موضوع التنشيف الآلي صعب ، قال : هذه سوف أُلغيها ، بدونها أحسن ، ماشي الحال ينشفون الملابس بأيديهم ، عصر الغسيل كذلك صعب فألغاه ، تسخين الماء صعب فألغى التسخين ، الآن دورانها صعب ألغى الدوران ، هذه أصبحت وعاء غسيل ولم تعد غسَّالة ، كلَّما ألغيت صعوبة صرت بعد ذلك بلا شيء ، هذه صعبة اتركها وهذه اتركها و هذه اتركها ، أصبحت على لا شيء ، فكلَّما ألغيت شيئاً من الدين تهدِّم الدين .

لذلك : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ هناك معنى دقيق هو أن القرآن من عندك إذاً دبِّره أنت ، كأنَّهم يظنَّون أو يتهمون النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا القرآن من عنده لذلك بدِّله لنا ، غيّره ، عدّله ، هذه الآية احذفها لنا ﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي ﴾ أنا رسول ، أنا مبلِّغ . إذا صدر مرسوم من رئيس الوزراء ، وأتى موظَّف من الدائرة يبلغك فتقول له : يا أخي احذف لي هذه المادَّة ، لا دخل لي أنا في هذا الموضوع ؟ أنا مبلِّغ فقط ، تقول لشخص يبلغك مرسوماً : احذف لي هذه المادَّة ؟ عدِّلها لي ؟ هذا بيد رئيس الوزراء ، وليس بيد موظَّف بسيط .

 

تناسب الخوف مع الإدراك :


﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو ما هو من الرفعة والعظمة يخاف إن عصى ربَّه عذاب يومٍ عظيم فما بال عامَّة الناس ؟! لذلك الخوف يتناسب مع الإدراك ، فإن كان الإدراك ضعيفاً كان الخوف ضعيفاً ، الخوف يتناسب طرداً مع الإدراك ، فإن لم يكن هناك إدراك فلا يوجد خوف .

 مرَّة قال لي طالب : أنا لا أخاف من الله عزَّ وجل ، قلت له : معك حق ، عندما قلت له : معك حق ، استغرب ، قلت له : أحياناً يضعون طفلاً صغيراً في الحصيدة يمر ثعبان ضخم فيلمسه الطفل ، لأنه ليس لديه إدراك ، طبعاً لا تخاف من الله عزَّ وجل ، لأنك لا تعرف ماذا يوجد عند الله عزَّ وجل ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ هذه هي عظمة الأنبياء ، لا يوجد محاباة عند الله ، الله عزَّ وجل لا يقرِّب إنساناً على باطل ، لا يُقرِّب معتدياً، لا يقرِّب ظالماً ، بل إنه يقرِّب إنساناً مستقيماً ، يقرب إنساناً محسناً ، لأن الله كامل ..

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟! ))

[ صحيح مسلم ]

فإذا كان رسول الله اللهمَّ صلّ عليه : ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ إذا كان سيدنا عمر قال : " والله لو أن الله أنزل على نبيّه أنه معذِّبٌ واحداً من خلقه لخِفْتُ أن أكون أنا " ، إذا كان سيدنا عمر عملاق الإسلام الذي قال : " والله لو تعثَّرت بغلةٌ في الفرات - وهو في المدينة - لحاسبني الله عنها ، لمَ لمْ تُصْلِح لها الطريق يا عمر ؟ " ، إذا كان سيدنا عمر يقول : " ليت أمَّ عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيمَاً " ، ماذا رأى ؟ ماذا رأى من شدَّة الحساب ومن عدالة الله سبحانه وتعالى ؟ لا يستخفُّ بعدالته إلا أحمق ، لا يستخفُّ بعدالته إلا غبي .

 

معاني قوله تعالى : فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ :


﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم(15) قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ ﴾ أربعون سنة لم أتكلَّم ولا كلمة ، معنى هذا أن الكلام ليس من عندي ، لو كان من عندي لكنت أتكلَّمه وأنا بالثلاثينات ، أتكلَّمه بالخامسة والعشرين ، أتكلَّمه بالعشرين ، أربعون سنة لم أتكلَّم كلمة ، هذه واحدة .

 الشيء الثاني : هل جرَّبتم عليَّ من قبلُ كذباً قط ؟

 يقولون : إن هرقل ملك الروم التقى بأبي سفيان ، وكان على الشرك قبل أن يؤمن ، حدَّثه عن رسول الله ، أن عندنا رجلاً ادعى أنه نبي ، ويقول : أنا نبي ، وهكذا ، هرقل كان ذكياً قال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل البعثة ؟ قال : لا والله ، فقال هرقل : قد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله ، هرقل نفسه قال : إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله ﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ .

الشيء الثاني : عندما استقبل النجاشي وفد المسلمين ، وقال له : يا جعفر حدِّثنا عن نبيُّكم ؟ قال له : " يا أيها الملك ، كنَّا قوماً أهل جاهليَّة نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الرحِم ، ونسيء الجِوار ، ويأكل القويَّ منَّا الضعيف - هذه الجاهليَّة الأولى مثل الثانية - حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه - أربعة أشياء ، نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه - فدعانا إلى الله لنعبده ونخلع ما يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، فعدا علينا قومنا ليعذِّبونا ويفتنونا عن ديننا ، وقد لجأنا إليك فقال : أنتم آمنون في بلادي ، إذاً : ﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ ﴾ من معاني ﴿ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ ﴾ أنني في هذا العمر لم أتكلَّم كلمة في القرآن ، معناها الآن ليس من عندي. 

 المعنى الآخر : كنت عندكم صادقاً وأميناً فهل يُعْقَلُ أن أكذب الآن ؟ ..﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ ﴾   يقولون : إن عمرو بن العاص كان صديقاً لمسيلمة الكذَّاب ، التقى معه قال له : ماذا يقول الآن نبيُّكم؟ أي قل لنا ما هي آخر الأخبار ؟ قال له : يزعم أنه نزل عليه قوله : 

﴿  وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾

[ سورة العصر ]

فقال له : أنا كذلك أُنزِل عليّ مثل هذا الكلام ، قال له : ما هذا أسمعنا قال له : يا وَبَر يا وبَر إنما أنت أّذنان وصدر ، وسائرك حقرٌ نقر ، فقال له عمرو بن العاص : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كذَّاب ﴿ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾


العاقل من عرف الله في الرخاء قبل أن يضطر إلى معرفته في الشدة :


 ثم يقول الله عزَّ وجل : ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ ربنا عزَّ وجل وصف هذا العمل بأنَّه جريمة ، هناك جريمتان ؛ الأولى أن تفتري على الله كذباً ، تزعم أنه قد أوحي إليك ولم يوح إليك ، أن تزعم شيئاً لم يقله الله ، أن تبدِّل في الدين ، أن تغيّر ، أن تزوِّر ، أن تحرِّف ، هذه جريمة ، والجريمة الثانية هي أن تكذِّب بالحق ، الافتراء على الله بالكذب جريمة ، والتكذيب بالحق جريمة ..﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾   ليس هناك إنسان أظلم ﴿ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ ، ابن سلاَّم حينما كان في المدينة المنوَّرة وقَدِمها النبي عليه الصلاة والسلام مهاجراً قال : " انجفل الناس إليه – أي خافوا منه - فلمَّا رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب ، من رآه بديهةً هابه ومن عامله أحبَّه .. فلمَّا سمعه يقول :

(( عن عبدالله بن سلام، لمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ : قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ ، وأطعِموا الطَّعامَ ، وصِلوا الأرحامَ ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ . ))

[  صحيح ابن ماجه ]

انشرح قلبي للإسلام ، أي الإنسان هذه أمور مصيريَّة ، أخطر موضوع تعالجه موضوع الإيمان بالله عزَّ وجل لأنك بعد الموت سوف تكون مع الله إلى الأبد ، فإذا كنت قد آمنت به من قبل، وعرفته ، واستقمت على أمره ، وأطعته ، وتقرَّبت إليه ، سعدت إلى الأبد ، وإن كنت قد أعرضت عنه ، ولم تطع أمره ، وأسأت إلى عباده ، ثم كان منقلبك إليه ، ورجعت إليه ، فرأيت العمل السيئ ، هذا العمل أشقاك إلى الأبد ، هذا موضوع خطير جداً ، أن تعرف أين المصير ، الناس في غفلة عن هذا ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( عن أبي الدرداء : لو تعلمونَ ما أنتم لاقُونَ بعد الموتِ ، ما أكلتم طعامًا على شهوةٍ أبدًا ، ولا شَرِبتم شرابًا على شهوةٍ أبدًا ، ولا دَخَلتم بيتًا تَسْتَظِلُّون به ، ولَمَرَرْتم إلى الصُّعُدَاتِ ، تَلْدُمون صدورَكم ، وتَبْكُون على أنفسِكم. ))

[ ضعيف الجامع ]

 الإنسان يوم القيامة حينما يأتيه الموت يصرخ صرخةً لو سمعها أهل الأرض لصُعِقوا بها ، الآن قبل فوات الأوان ونحن أصحَّاء ، ونحن في قوَّتنا ، وصحَّتنا ، اِعرف الله في الرخاء قبل أن تضطر إلى معرفته في الشدة .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور