- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (010)سورة يونس
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أدلة قاطعة على ألوهية الله سبحانه وتعالى وعلى ربوبيته :
أيها الإخوة الأكارم ؛ وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
أي يوجد مجموعة أدلة قاطعة على ألوهية الله سبحانه وتعالى وعلى ربوبيته ، من هذه الأدلة الرزق ، وكل إنسانٍ متعلقٌ برزقه ، فهذا الرزق من السماء والأرض ، فإذا كان الرجل يملك ثمن الطعام فهل يملك خلقه ؟ هل يملك صُنْعَهُ ؟ من جعل أشعة الشمس المسلَّطة على البحار منذ خمسة آلاف مليون سنة ؟ من جعل هذه البحار التي تزيد مساحتها على سبعين بالمئة من مساحة الأرض ؟
من جعل هذا الماء المالح يتبخر ماءً عذباً فراتاً ؟ من جعل الماء يعلق في الهواء على شكل بخار ماء ؟ من جعل الفروق الكبيرة في درجات الحرارة بين القطبين ؟ بين القطب الشمالي وخط الاستواء ؟ من خلال هذه الفروق الشاسعة تحرَّك الهواء ، إذا كان هناك حر تمدد الهواء فصار في المكان ضغط منخفض ، وإذا كان هناك بردٌ انكمش الهواء فصار هناك ضغطٌ مرتفع ، وبين الضغط المرتفع والمنخفض يتحرك الهواء ، من حرك الهواء ؟ من حركه حتى ساق هذا السحاب ؟ من جعله ينقلب إلى أمطار تنزل في الأماكن المناسبة وفي الأوقات المناسبة وفي الكميات المناسبة وفي الأنواع المناسبة ؟
قد تأتي الأمطار في أول العام فلا يستفاد منها الفائدة المطلوبة ، وقد تأتي في آخره بكمياتٍ قليلة فلا يستفاد منه ، وقد تقل الثلوج فلا تمتلئ الينابيع ، من يملك إنزال الأمطار من السماء ؟ ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ بالغة ووفق عدالةٍ مطلقة يمنع الأمطار عن بعض الشعوب ، عن بعض البلاد ، ماذا يحصل ؟ في إفريقيا سبع سنواتٍ عجاف ماذا نتج منها ؟ كاد الناس يموتون جوعاً ، استنجدوا بأمم الأرض ، يبس النبات ، ومات الحيوان ، وكنت أرى في بعض الصور كيف أن مئات ألوف الأبقار ملقاةً على الأرض وهي ميتة عطشاً ، رأيت صورةً في أستراليا الأغنام تذبح وتلقى في الوديان لعدم وجود الكلأ ، من يملك هذا الماء من السماء ؟ من يملك الأمطار ؟ الثلوج ؟ من يبخِّر ؟ من يحرِّك ؟
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا(14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا(15) ﴾
نزل الماء من السماء ، من خلق هذه الأرض وما فيها من معادن ؟ الأرض فيها كالسيوم ، وفيها فوسفور ، وفيها مغنزيوم ، وفيها حديد ، وفيها مواد آزوت ، وفيها كربون ، وفيها معادن وأشباه معادن ، ومواد لازمة لإنبات النبات ، من جعل هذه التربة ؟ هذه تربة زراعية ، هذه تربة كلسية ، هذه تربة غضارية ، هذه تربة لحقية ، من جعل أنواع الترَب ؟ كل هذه المواد التي نحتاجها كامنةٌ في هذه التربة من السماء والأرض ، من خلق أنواع البذور ؟ بذور الأشجار المثمرة ، بذور المحاصيل ، القمح ، الشعير ، العدس ، الحمص، بذور الخضروات ، الكوسا ، الباذنجان ، اللوبياء ، الفاصولياء ، أي أنواع النباتات ، الخضروات ، الخضروات الصيفية ، والشتوية ، والمحاصيل ، والأشجار المثمرة ، هذه البذرة الصغيرة من أعطاها هذه القدرة الكامنة ؟ هذه تكون شجرة لها شكلٌ خاص ، لها طباع خاصَّة ، لها إثمارٌ في وقت خاص ، لثمرتها شكلٌ خاص ، وطعمٌ خاص ، ولونٌ خاص ، من جعل هذه البذور ؟ من جعل الرشيم وهو الكائن الحي في البذرة ؟ من ؟
خلق البحار ، وخلق الشمس ، وخلق القطب ، وخط الاستواء ، وخلق قانون التبخر ، من الذي جعل الماء يزداد حجمه إذا برد على خلاف عناصر الأرض كلها ولولا هذه الظاهرة لمات الإنسان والحيوان ولانعدم التبخُّر ؟
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾
﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا(26)فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلا(29)وَحَدَائِقَ غُلْبًا(30)وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31)مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ(32)﴾ ﴾
هذا الذي يرزقنا ألا يقتضي أن نعبده ، هذه الذي يمدنا بالطعام والشراب ، هذا الذي ينزل علينا الأمطار ألا يستحق العبادة ؟ نعبد من دونه أُناساً مثلنا لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشورا ؟ من اعتز بمن يموت فإن عزَّه ميت ، لأن هذا الذي تعتز به إذا مات مات عِزُّك ، لكنك إذا اعتززت بالله الحي القيوم فإنك عزيزٌ كريم .
الله تعالى شقّ لنا السمع والبصر وكلاهما آية من آياته الدالة على عظمته :
أؤكد لكم هذه الحقيقة ، إذا وضع أحدنا يده هكذا يصله الصوت بشكلٍ أضخم ، وأقوى ، فهذا الصيوان من خلقه ؟ من خلقه بهذه التجاعيد ، هذه التجاعيد أي صوتٍ جاء من أي جهةٍ لابدَّ من أن يلقى سطحاً يعكسه إلى الداخل ، هذه التجاعيد من صنعٍ حكيمٍ عليم ، إن جاء الصوت بزاوية ثلاثين ، يجد سطحاً يعكسه إلى الداخل ، وإن جاء الصوت بزاوية ستين هناك سطح يتعاكس معه ، يوجد سطوح لهذا الصيوان من كل الاتجاهات ، فأي صوتٍ جاء إلى الأذن لابدَّ من أن يجد سطحاً يعكسه إلى الداخل ، فلو جعلنا هذا الصيوان أملس لضاع علينا صوتٌ كثير ، وضعف سمعنا .
من جعل ممرّ الأذن ضيِّقاً ؟ ولو كان أوسع من أحد أصابعنا لفقد الأطفال سمعهم لأتفه سبب ، لكن الله سبحانه وتعالى لحكمةٍ بالغة جعل قناة السمع أضيق من أضيق إصبع في الإنسان ، ثم جعلها مِعْوَجَّة ، لم يجعل غشاء الطبل في صدرها والخط مستقيم ، بقلم أو عود يفقد الإنسان سمعه ، لكن الله سبحانه وتعالى جعلها ضيقةً ، وجعلها معوَجَّةً ، وجعلها تنتهي بغشاء الطبل ، ما هذا الغشاء الذي يتجاوب مع كل صوت ؟ ويهتز اهتزازاتٍ قدرها العلماء بأرقام أي بمئة وثلاثين اهتزازة بالثانية أو أكثر ، الرقم لا أذكره ، لكن هناك عتبات للسمع دقيقة جداً ، يهتز ثم يستعيد استقراره ليتلقى صوتاً جديداً ، مَن ؟ ومن ربط هذا الغشاء بعظامٍ سمعيةٍ أربع تضخم الأصوات إلى أن يصل الصوت إلى الأذن الداخلية حيث العصب السمعي الذي يلتقط الأصوات ويرسلها إلى الدماغ ليدرك الإنسان فحوى الكلام ؟ من ؟
يرن جهاز الهاتف ترفع السماعة يقول لك : هل عرفتني ؟ تقول له : أنت فلان ، كيف ؟ من زودك بذاكرة للأصوات ؟ في مخ الإنسان ذاكرةٌ صوتية ، لاشك أن كل واحدٍ منا في حياته أكثر من مئة شخص يعرف أصواتهم واحداً واحداً ، من ؟
لا يزال علماء الجسم البشري في حيرةٍ من أن هناك صوتاً يسبب انزعاجاً سموه : الضَجيج ، وأن هناك صوتاً يسبب ارتياحاً سموه : النغَم ، وما الفرق بين النغم والضجيج ؟ لا أحد يعرف سر هذا ، لماذا خلق الله سبحانه وتعالى الأذن مفتوحةً دائماً ؟ الإنسان بإمكانه أن يغلق عينيه ، الإنسان يغضُّ بصره عن المحارم ، لكنه لا يستطيع أن يغلق أذنه عن الأصوات ، ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ﴾
لماذا قال : على آذانهم ؟ لأن الأذن مفتوحة ، مفتوحة دائماً ، ولماذا جعلها مفتوحة دائماً ؟ لأنها دائرة أمنٍ للإنسان ، الإنسان إذا أغمض عينيه قد يأتيه الخطر من أقرب الناس إليه ، من أقرب شيءٍ إليه ، لكن الصوت يحذِّرُهُ ، سائق السيارة قد لا يرى ماذا يحدث ، لكن صوتاً غريباً يجعله يقف ، فالأذن مفتوحةٌ دائماً ، لكن الصوت له وظيفة أخرى ، كيفما كنت يأتيك الصوت ، وهذا من حكمة الله عزَّ وجل .
من جعل بعد القرنية القزحية لونها عسلية ؟ لون عين فلان زرقاء ، وآخر سوداء ، هذه القُزَحية ؟
من جعل فيها هذه العضلات تتسع وتضيق من دون أن تشعر لا إرادية إذا جاءها الضوء الكثيف ضاقت ، وأخذت من الضوء حاجتها ، وإذا قلّ الضوء اتسعت ، وأخذت من الضوء حاجتها ، فإذا نظرت إلى شيءٍ بعيد اتسعت أيضاً حتى تنضِح الرؤية وأنت في غفلةٍ عن هذا ، من جعل هذه العين ؟ من جعل هذا الجسم البلوري عدسة لكنها ذات حياة ؟ عدسةٌ مرنة يزداد إحديدابها ، أو يزداد انبساطها بحيث يقع خيالها في الشبكية دائماً ، وهذا من الأشياء المعجزة ، كيف ترى الأشياء المتحرِّكة وتأتي جميع أخيلتها على الشبكية تماماً ؟ سمى العلماء هذه الظاهرة : المطابقة ، وهي من أعقد ما يجري في العين ، أي هذا يعجز عنه أكبر علماء الأرض ، لأنك لو أنك تشاهد كرة تتحرك في كل ثانيةٍ لها بعدٌ عن العين ، من يقيس هذا البعد ؟ ومن يضغط على الجسم البلوري ضغطاً يجعل خيال هذه الكرة تقع على الشبكية تماماً ؟ الله سبحانه وتعالى :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا
ظاهرة المطابقة تحتاج إلى صور ، إلى توضيحات .
من جعلك ترى الأشياء المتحركة وأنت مرتاح ؟ لو أنك ترى الشيء بعد أربعين سنتيمتراً فقط ما قيمة هذه العين ؟ بعد أربعين لا تراه ، قبل أربعين لا تراه ، لكن هذه العين تنظر إلى كل شيء ، وترى كل شيء وهي مرتاحة ، من جعل هذه الشبكية يوجد فيها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط ؟ الذي أحصى مخاريط العين وعصيَّاتها مُنِحَ جائزة نوبل في عام سبعة وستين وتسعمئة وألف للميلاد ، في عام سبعة وستين وتسعمئة وألف هناك عالمٌ توصَّل إلى أن في شبكية العين مئة وثلاثين مليوناً من المخاريط ومن العصيات ، الذي يستقبل بعضها الألوان ، وبعضها اللون الأبيض والأسود فقط ، ثم من جمع هذه الشبكية في عصبٍ بصريٍ قوامه أربعمئة ألف عصب ؟ أربعمئة ألف عصب في العصب البصري تذهب إلى الدماغ ؟ من جعل لك عينين من أجل أن ترى بهما البعد الثالث ؟ أن ترى الأشياء مجسَّمة ؟ أن ترى طولاً وعرضاً وعمقاً ؟ من ؟ إنك لن تستطيع بعينٍ واحدة أن ترى المسافات العُمقِية ، لن تستطيع أن ترى البعد الثالث بعينٍ واحدة ، ولكن العينين تريانك الأشياء مجسمةً ، لا يزال هذا سر ، أنك إذا صورت شيئاً بآلة تصوير الصورة حجمها صغير ، ولكنك ترى الشيء بحجمه الحقيقي ، وعينك صغيرةٌ جداً ، كرةٌ صغيرة ، ترى الجبل جبلاً ، والجمل جملاً ، والإبرة إبرةً ، والنملة نملةً ، ترى الشيء بحجمه ، ولونه ، وبعده ، من خلق هذا ؟
هناك ذاكرة للمسموعات ، وذاكرة للمشاهد ، تقول : هذا المنظر رأيته من قبل ، هذا الوجه أعرفه ، هذا الكتاب قرأته ، هذا الطفل شاهدته من قبل مع أبيه ، من زودك بهذه الذاكرة ؟ ألا يستحق منك العبادة ؟ ألا يستحق منك الطاعة ؟ ألا يستحق أن تكون محباً له ؟
الله تعالى يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي :
الحيوان المنوي إذا لقَّح بويضةً يصبح إنساناً سوياً ، من أودع في هذا الحيوان المنوي وفي تلك البويضة خمسة آلاف مليون صفة ؟ سموها تعليمات ، وسموها أوامر ، والعلماء قالوا : لو أن هذه التعليمات وهذه الأوامر كُتِبَت في كتب لكان حجمها كحجم أكبر موسوعةٍ مؤلفةٍ حديثاً .
الآن عندنا موسوعات ، دائرة معارف ، أربعون أو خمسون جزءاً ، كل جزء ثلاثة آلاف صفحة ، لو أن هذه الأوامر التي أودعها الله في الحيوان المنوي ، وفي البويضة ، أردنا أن نكتبها بكتب لاستغرقت أكبر الموسوعات العلمية .
إنسان له شعر ، وهناك أنواعٌ منوَّعَةٌ من الشعر ، هناك شعرٌ جَعِد ، وهناك شعر أملس ، وهناك شعر أسود ، وهناك شعر أشقر ، وهناك شعر خشن ، وهناك شعر حريري ، أنواع منوَّعة من الشعر ، في هذا الحيوان المنوي شكل الوجه ، أهو كروي أم مستطيل أم كمثري الشكل ؟ في هذا الحيوان المنوي نوع العينين ، لونهما ، حجمهما ، نوع الحاجبين، أزجّين ، مفترقين ، نوع الأنف أقنى ، طويل ، قصير ، نوع الشفتين ، نوع الخدين ، أملسين ، أسيلين ، قصيرين ، نوع العنق ، نوع اليدين ، لون الجلد ، طبيعة الدم ، كيمياء الدم كلها في هذا الحيوان المنوي
زيتونةٌ من خشب ترميها في الأرض ، هذه تصبح شجرةً لها جذور، ولها جذع ، ولها أغصان ، ولها أوراق ، تزرعها بعلاً تعطيك زيتوناً ، ممتلئاً زيتاً ، تأكله ، تستفيد منه
﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ
عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أبوه أبو جهل
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾
المجال يطول ، هذه آيةٌ واسعةٌ جداً ، تؤخذ على الإنسان ، وتؤخذ على الحيوان، وعلى النبات ، وبعد ذلك هناك بحوث حديثة أن هناك مجَرَّات تخلق ، ومجرات تتلاشى على شكل غازات ، حتى في الكون هناك خلقٌ متجدد ، هناك خلقٌ جديد ، وهناك موتٌ لبعض الكواكب ، هناك مناطق سوداء في الفضاء الخارجي إذا دخلتها الأرض أصبحت كالبيضة ، هناك كواكب غازية ، زحل غازي ، غازات متجمعة ، طبعاً كثافته قليلة ، من يحوِّل الصلب إلى سائل والسائل إلى غاز والغاز إلى صلب ؟ ثم هناك نظرية تقول : إن هناك أجراماً غازيةً تدخل في ثقوبٍ سوداء فتصبح كتلاً متراصَّة .
الله تعالى بيده أمر كل شيء :
شيء آخر ؛ أمر الإنسان من يدبِّره ؟ هنا أمر الكون ، لكن الآية مطلقة ..
أحد الناس يريد أن يعمل ، يلهمه مصلحة يعمل فيها ، يأتيه الزبائن ، يبعثهم ربنا إلى متجره ، يبيع يشتري ، يشتري طعاماً لأولاده ، يدخل بيته معه طعامه ، معه شرابه ، من يدبِّر الأمر ؟ الله سبحانه وتعالى ، هذه أدلةٌ قاطعة على ربوبية الله ، وعلى ألوهيته ، وعلى حكمته ، وعلى تسييره .
من لم يتقصّ طاعة الله فمعرفته لا قيمة لها :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في المقال بديـع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــــه إن المحب لمن يحب مطيع
***
أي إذا لم تأخذ موقفاً عملياً ، وإذا لم تتقصَّ طاعة الله عزَّ وجل ، إذا ما اجتنبت نواهيه ، فهذه المعرفة لا قيمة لها .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
إذا لم يأخذ الإنسان موقفاً عملياً ، يسمع الحق ، لماذا هذه المعصية في البيت ؟ ماذا تنتظر ؟ ألا تحس بالتناقض ؟ هل تقول : هي حرام ، حرام ، تجيبني : نعم حرام ؟ لمَ لا تزيلها فوراً ؟ كيف يرضى الإنسان أن ينام وهناك خلل بين ما يعتقده وما يفعله ؟ كيف يرضى عن نفسه وهو لا يتِّبع ما يقنع به ؟
الحق منهج رسمه الله تعالى للبشر وأي منهج آخر منهج باطل :
﴿
لو أن المرأة لم تفعل هذا فهي في الضلال ، هذا هو الحق .
معنى الحق الشيء الثابت ، حق الشيء أي استقر ، أي إذا بنيت جداراً على الشاقول تقول : هذا جدار حق ، أي يستمر ، يبقى ، فإذا بنيته من غير شاقول ، وكان مائلاً هذا سوف يقع ، فتعريف الحق أنه يثبت والباطل يزول .
﴿
الحق الشيء الذي رسمه الله سبحانه وتعالى منهجاً للبشر ، فأي منهجٍ آخر فهو باطل ، إن لم تعتقد بالله رباً فعقيدتك مهما تكن باطلة ، إن لم تعتقد بالله إلهاً فعقيدتك مهما تكن باطلة ، إن لم تصلّ فأنت مبطل ، ولو تفلسف الإنسان ، وزعم أنه ذو فكرٍ مُنْفَتِح ، وأنه يقرأ ، وأنه يطالع ، ما دمت لا تصلي فأنت مبطل ،
العلماء قالوا : ليس في الأرض منزلةٌ ثالثة بين الحق والباطل ، إما أنك على حق ، وإما أنك مبطل ، إن لم يكن اسمك في قائمة الناجحين فماذا يعني هذا ؟ أنك راسبٌ ، هل هناك قائمة ثالثة ؟ لا توجد قائمة ثالثة ، إما أن يكون اسمك في قائمة الناجحين ، وإما أنك راسب ، ولا توجد حالة ثالثة ، في بلد فيها جامعة واحدة ، إما أن تكون من طلاب هذه الجامعة ، أو خارجها ، لا توجد حالة ثالثة ، فالإنسان إن لم يعتقد بالله رباً ، إن لم يعتقد به خالقاً ، إن لم يعتقد به مسيراً ، إلهاً ، فعقيدته باطلة ، فالأرباب الذين يزعمهم من دون الله مبطلون ، فالآلهة الذين يعتقدهم مبطلون ،
(( عن عبد الله بن عباس : اللَّهمَّ لَكَ الحمدُ أنتَ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ قيُّومُ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ نور السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ ، أنتَ الحقُّ ، وقولُكَ الحقُّ ، ووعدك حقٌّ ، والجنَّةُ حقٌّ ، والنَّارُ حقٌّ ، والنَّبيُّونَ حقٌّ ، ومحمَّدٌ حقٌّ ، اللَّهمَّ لَكَ أسلمتُ ، وبِكَ آمنتُ ، وعليْكَ توَكَّلتُ ، وإليْكَ أنَبتُ ، وبِكَ خاصَمتُ ، وإليْكَ حاكمتُ ، فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ ، وما أسررتُ وما أعلَنتُ ، أنتَ إلَهي لاَ إلَهَ إلَّا أنتَ . ))
هذا كان دعاءه في جوف الليل ، أي إن لم تؤمن بهذا النبي فإيمانك باطل ، إن لم تؤمن بهذا القرآن فعقيدتك باطلة ، ليس هناك شيء وضعي آخر يحل محله ، هذا هو الحق ، لو أن التشريع الوضعي كان كالقرآن انطبق عليه فهو قرآناً ، وإن خالفه فهو باطل ، وهذا هو الحق، لا يوجد حالة ثالثة ، غض البصر هو الحق ، العلاقة بالمرأة يوجد حق واحد وهو الزواج ، وأي علاقة أخرى باطلة
الضلال طريق لا يوصل الإنسان إلى هدفه :
ربنا عزَّ وجل مرة قابل الحق بالباطل ، ومرة أخرى قابله بالضلال ، إذا انطلق شخص باتجاه حمص مثلاً، ولكنه سلك طريقاً لا يؤدي إلى حمص ، بل يؤدي إلى بغداد مثلاً ، فإننا نقول : ضل الطريق ، الضلال أن تسير في جهةٍ لا توصلك إلى هدفك ، فما هو الهدف الكبير ؟ السعادة ، فالضلال أي سلوكٍ يؤدي إلى الشقاء فهو الضلال .
﴿
بالزواج تسعد ، وبغير الزواج تشقى ، بكسب المال الحلال تسعد ، وبكسبه حراماً تشقى ، باتصالك بالله تسعد ، وبانقطاعك عنه تشقى ، إذاً صار معنى الضلال طريق لا يوصلك إلى هدفك ، هو ضلال ، ولو عرف الضَّالون أنهم سائرون في طريق شقائهم لما ساروا.
السعيد من عرف الحقيقة قبل فوات الأوان :
إذاً ما هي الأزمة ؟ أزمة مَعْرفةٍ ، إما أن تعرف ، وإما ألا تعرف ، لو عرفت حُلَّت القضية ، ليس على وجه الأرض رجلٌ واحد يتمنَّى الشر لنفسه ، أو يتمنى الشقاء لنفسه ، أبداً ، حب السلامة فطرةٌ في الإنسان ، إذاً : بقي عليك أن تعرف أين طريق السلامة ، هذا طريق الحق ، هكذا باطل ، هكذا باطل .
شيء آخر ؛ ربنا عزَّ وجل قابل الحق بالضلال وقابله بالباطل ، الحق من خصائصه الثبات والديمومة ، والباطل من خصائصه الإزهاق
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ(26)﴾ ﴾
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا(27)يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا(28)﴾
لكن متى ؟ بعد فوات الأوان .
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ
فقال له :
البطولة أن تعرف الحق في الوقت المناسب ، أن تعرفه وأنت شاب ، وأنت في مقتبل العمر ، أن تبني مستقبلك وفق الحق ، أن تبني زواجك على الحق ، أن تبني عملك على الحق ، فإذا عرف الإنسان الحق متأخراً وله مصلحة لا يستطيع أن يتركها ، إذا عرفت الله عزَّ وجل في وقتٍ مبكِّر تبني زواجك على أساسه .
قال لي أخ آخر : إنه خطب امرأة أعجبه جمالها ، فلما اهتدى إلى الله أبت أن تهتدي معه ، وظلت على طريقتها التي لا ترضي الله ، الآن هو يشقى بها ، يشقى بهذه الزوجة ، فإذا عرفت الحق في وقتٍ مبكر تبني زواجك على أساسه ، وتبني عملك على أساسه ، فتسعد بزواجك وبعملك .
الله عزَّ وجل بدأ الخلق وسوف يعيده لينال كل إنسان جزاء عمله :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) ﴾
الله خلَق الخلق وهداه إرشادًا إلى الحق :
الآن هناك دليل آخر لا يقلّ عنه :
﴿
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) ﴾
خلق وهدى ..
﴿ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى(1)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2)وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(3) ﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾
فهنا :
ما دام الله عزَّ وجل خلق الخلق ، وينتظر منك أن تطيعه ، فأنى تصرف عنه ؟ إلى أين تلتفت ؟
أيُّ شيء يخالف كلام الله فهو باطل :
(( عن عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك، عن النبي صلى الله ليه وسلم قال : قيِّدُوا العِلمَ بالكِتابِ . ))
أحدهم قرأ مقالة أن الدواء الفلاني يطيل العمر ، هذا باطل ، لأن ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ(34) ﴾
انتهى الأمر ، فهذه المقالة باطلة ضع عليها إشارة ضرب ، كلام فارغ ، أحدهم قال لك : أنا رأيت الجن ، كلام لا أصل له :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا
يمكنك أن تلغي مئة قصة بهذا الموضوع ، مئتي قصة ، مليون قصة ، كله كذب ، صار باطلاً ،
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19) ﴾
الشفاعة حق ، ولكن لمن دخل الجامعة مثلاً ، فإذا دخل للجامعة فإنه يجد من يعاونه ، ويقدمون له الكتب ، وقاعة مطالعة ، ومكتبة عامرة ، ويقدمون له مساعدات أحياناً ، وقد يُعطى راتباً ، وغرفة بالمدينة الجامعية ، هذه كلها لمن ؟ لمن دخل الجامعة ، أما إذا كنت خارج الجامعة فالشفاعة ليست لك ، إذا ظن شخص أن الشفاعة لكل واحد انتمى انتماء شكلياً للنبي عليه الصلاة والسلام ، انتماء شكلي ، فهذه ظن ، والظن خطر ، معنى هذا أنه يأكل مالاً حراماً ، يغش الناس ، ينظر ، يصافح ، يتغزَّل ، ويجلس جلسات منكرة ، وظنه أن رسول الله يشفع له يوم القيامة ، معنى ذلك أنه خرب بيته .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين