- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (010)سورة يونس
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
آيات الله الدالة على عظمته :
1 ـ الشمس :
وصلنا في الدرس الماضي من سورة يونس إلى قوله تعالى :
كلمة
من آياته الدالَّة على عظمته أنه خلق الشمس ، من آياته الدالة على عظمته أنه خلق القمر ، فهل فكَّرنا في الشمس أو في القمر ؟
الإنسان يمكن أن يرى الشمس ولا يراها ، وقد لا يرى الشمس ويراها ، هناك رؤية عينٍ ، وهناك رؤية قلبٍ ، هناك بصرٌ وهناك بصيرةٌ ، مَن مِنَ البشر اليوم لا يرى الشمس ؟ كل ذي عينين يرى الشمس ، مَن رأى من خلال الشمس عظمة الله سبحانه وتعالى ؟ قِلَّةٌ قليلة..
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) ﴾
﴿
الشمس بالمناسبة أقرب نجمٍ إلينا ، إذا كان النجم ملتهباً وهو منبعٌ ضوئي ، والكوكب مُبَرَّداً ، له قشرةٌ باردة ، فأقرب نجمٍ إلينا من دون استثناء هو الشمس ، هذه الشمس التي ترونها متألِّقَةً في رابعة النهار ، ومع أنها أقرب نجمٍ إلينا يزيد بُعْدُها عن الأرض عن مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر ، وهي أقرب نجمٍ إلينا ، لو تخيَّلنا أن طريقاً سالكةً إلى الشمس فكم يقطعها قطارٌ يسير بسرعة مئة كيلو متر في الساعة ؟ يقطعها في مئتين وعشر سنين إلى أن يصل إلى الشمس ، كم تقطعها قذيفة مدفعٍ ؟ في سبع سنين ، كم يقطعها الضوء ؟ في ثماني دقائق .
أحبُّ أن أوضِّح لكم بُعْدنا عن الشمس ، في ثماني دقائق يقطع الضوء المسافة بين الأرض والشمس ، مع أن سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية ، وأما قذيفة المدفع فتحتاج إذا أُطْلِقَت من الأرض إلى سبع سنين كي تصل إلى الشمس ، وأما القطار فيحتاج إلى مئتين وعشر سنين كي يصل إلى الشمس ، هذه المسافة بيننا وبين الشمس ليست بشيء إذا ما قيست بالمسافات الكونيَّة الأُخرى ، أي أن بيننا وبين الشمس ثماني دقائق ، وبيننا وبين المرأة المسلسلة ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة ، أن بيننا وبين الشمس ثماني دقائق ، وبيننا وبين بعض المجرات ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة .
شيءٌ آخر : أقرب نجمٍ آخر إلى الأرض بعد الشمس نجم القُطْب ، بُعده عنَّا أربع سنواتٍ ونصف من السنوات الضوئيَّة ، هذه الشمس مصدر حرارةٍ وضياءٍ للأرض ، من منَّا يصدِّق أن نصيب الأرض من هذه الأشعَّة ، ومن هذه الحرارة ، ومن هذا الضياء واحد على ألفي مليون جزء ، نصيب الكرة الأرضيَّة بأكملها من أشعَّة الشمس ، ومن ضيائها ، ومن نورها ، ومن حرارتها ، ومن طاقتها واحد على ألفي مليون جزء مما تنتجه الشمس لما حولها من الكواكب السيَّارة .
الشمس نجمٌ متألِّق مشتعل ، قد يسأل سائل : كم مضى على تألُّقها ؟ بعض العلماء يقول : أكثر من خمسة آلاف مليون سنة ، وهؤلاء أيضاً يتوقَّعون أن تعيش الشمس متألِّقةً أكثر من خمسة آلاف مليون سنة قادمة ، لقوله تعالى :
﴿
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1) ﴾
لها عُمر ، فهناك سؤال دقيق : ما هي هذه الطاقة التي مضى على تألُّقها خمسة آلاف مليون سنة وسوف تستمر خمسة آلاف مليون سنة قادمة ؟ شيء عجيب ، قال بعض العلماء : الشمس فرنٌ ذَرْيّ فيها غاز الهيدروجين ، فلو أن هذا الغاز أحرقناه لما أنتجت الشمس هذه الطاقة ، ولكن هناك تفجيراً نَوَويّاً لذرَّة الهيدروجين بحيث يتحوَّل عنصر الهيدروجين إلى عنصر الهيليوم ، من هذا التفجُّر النووي تنتج هذه الطاقة التي لا حدود لها ..
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا
هذه هي الشمس ، من خمسة آلاف مليون سنة ولخمسة آلاف مليون سنة تنتج من الطاقة الشيء الذي لا يُصدَّق ،حرارة سطحها ستة آلاف درجة ،
وتصل حرارة الأعماق فيها إلى خمسة عشر مليون درجة ، فلو أن الأرض أُلْقِيَت في الشمس لتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة .
قال : كل إنسانٍ على وجه الأرض يتلَّقى من الشمس طاقةً تعادل ستة عشر ألف حصان بخاري ، ما هو الحصان البخاري ؟ أي القدرة الاستطاعة بالفيزياء تُقاس بالحصان البخاري ، عندما صنعوا القطار البخاري وضعوا في الطرف المقابل أحصنة ، فكانت هذه الأحصنة تشدُّ القطار إلى الوراء بكل طاقتها ، فحيثما وقف القطار أي أن القوة الدافعة للمحرِّك تكافئ قوة الحصان الدافعة في اتجاه معاكس ، قالوا : قوة هذا المحرِّك يعادل عشرة أحصنة ، هذا أساسها ، فالآن صارت هذه السيَّارة اثني عشر حصاناً ، خمسة عشر حصاناً ، فكل إنسان يتلَّقى من الشمس طاقة واستطاعة تُعادِل ستة عشر ألف حصان بخاري على وجه الأرض ، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قال :
﴿
حقائق هامة عن الشمس :
من منَّا يصدِّق أن ألسنة اللهب التي تُرى إذا كان للشمس كسوفٌ كامل يزيد طولها عن مليون كيلو متر ؟ ألسنة اللهب التي تتحرك على سطح الشمس تزيد عن مليون كيلو متر ، ربنا عزَّ وجل قال :
من منَّا يصدِّق أن الشمس تفقد كل يوم ثلاثمئة وستين ألف مليون طن من كتلتها ، كل يوم ، وتفقد في الثانية الواحدة أربعة ملايين وستمئة ألف طن من كتلتها ، كل ثانية ، هذه بعض الحقائق عن الشمس ..
2 ـ الأرض :
لو أنَّ إنساناً يزن على سطح الأرض خمسةً وستين كيلو غراماً ، ووقف على سطح الشمس فرضاً لكان وزنه ألف وسبعمئة كيلو غرام ، هو هو الإنسان ، لقوَّة جذبها ،
لأن كتلة الشمس أكبرُ من كتلة الأرض بثلاثٍة وثلاثين ألف مرَّة ، لكن حجم الشمس أكبر من حجم الأرض بمليون وثلاثة وثلاثين ألف مرَّة ، الكتلة غير الحجم ، أشياء مثيرة وعجيبة ودقيقة عن الشمس ، الشمس تجري في كل ثانية عشرين كيلو متر ، الأرض تدور حول نفسها ، والأرض تدور حول الشمس ، والشمس تجري ، والمجرَّة تجري ، أربع حركات ؛ الأرض حول نفسها ، والأرض حول الشمس ، والشمس تجري باتجاه قلب النسر وهو نجمٌ آخر ،
النسر الواقع ، والمجرَّة التي نحن فيها كلُّها تجري ، سرعة المجرَّة مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية الواحدة ،
أي هذه سرعة قريبة من الضوء ، نحن في حركةٍ مذهلة ، سرعة المجرَّة ، وسرعة الشمس باتجاه النسر الواقع عشرون كيلو متر بالثانية الواحدة ، وسرعة الأرض حول الشمس ثلاثون كيلو متر في الثانية الواحدة ، وسرعتها حول نفسها ألف وستمئة كيلو متر في الساعة ، ومع هذا نحس أن الأرض مستقرَّة ، أي استقرارٍ هذا ؟
﴿
من آيات الله الكبيرة ، حركةٌ حول نفسها ، وحركةٌ حول الشمس ، والشمس متحرِّكة ، والمجرَّة متحرِّكة ، ونحن نحسُّ أن الأرض مستقرَّة ، نبني ونشيد الأبنيَّة ، ولا يتحرَّك في البناء شيء .
3 ـ عطارد وبلوتو :
عطارد بفعل قربه من الشمس ترتفع حرارته عن ثلاثمئة وخمسين درجة مئويَّة ، الحياة عليه مستحيلة ، وبلوتو الذي يبعد عن الشمس خمس ساعات تنخفض فيه الحرارة إلى مئتين وخمسين درجة تحت الصفر ، والحياة عليه مستحيلة ، فهل من باب المصادفة أن الحرارة على وجه الأرض معتدلةٌ وتوافق طبيعة الإنسان ؟!
التفكر في مصير الأرض لو انطفأت الشمس :
لذلك ربنا عزَّ جل قال :
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) ﴾
أي أن هناك يد عليمة ، حكيمة ، خبيرة عيَّرتْ هذه المسافة بيننا وبين الشمس ، فجعلت الحياة على سطح الأرض معقولة ، ومحتملة ، ومناسبة لطبيعة أجسامنا .
نحن الوقود السائل نحرقه في المحرِّك عن طريق المكابس ، يُنتج طاقة ، لو تخيلنا أنه بالإمكان بدل أن نحرقه أن نفجِّره نووياً لنتج عن هذه الطاقة مليون ضعف ، وهذا ما يحدث في الشمس ، فربنا عزَّ وجل قال :
من الآيات المتعلِّقة بالشمس :
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ﴾
هناك توقيت لقوله تعالى : ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)﴾ فنحن نحيا ، والشمس مِلْء بصرنا ، هذه الشمس أحد الأدلَّة الكُبرى على عظمة الله سبحانه وتعالى ، لذلك الإنسان مكلَّف أن يفكِّر في الشمس ، ما مصير الأرض لو انطفأت الشمس ؟ تصبح قبراً جليدياً للبشر ، ما حقيقة الأرض من دون شمس ؟ لا حياة على وجه الأرض .
4 ـ القمر :
أما القمر فالله سبحانه وتعالى جعله أيضاً آيةً لنا
القمر لحكمةٍ بالغة يدور حول نفسه مرَّةً في الشهر ، ويدور حول الأرض مرَّةً في الشهر ، الأرض هكذا والقمر هكذا ، القمر يدور هكذا ، إذاً : وجهٌ واحدٌ يواجهنا طوال أيام الشهر ، لأنه يدور حول نفسه مرَّة وحول الأرض مرَّة ، من جعل هذا التوافق في دورته حول نفسه وحول الأرض ؟ الله سبحانه وتعالى ، لذلك ما يُرى على سطح القمر نراه دائماً ، لو أن رائد الفضاء ذهب إلى وجه القمر الآخر لما رأى الأرض إطلاقاً ، لأن وجهاً واحداً يواجه الأرض في دوران القمر حول الأرض .
الأرض تدور ، والقمر يتحرَّك ، يتحرك القمر في اليوم الواحد ثلاث عشرة درجة ، لذلك حينما يكون القمر بدراً تراه يُشْرِقُ مع غروب الشمس من الشرق ، عير الساعةَ في أيَّام الصيف مثلاً أشرقَ الساعة الثامنة ، في اليوم التالي يتأخَّر شروقه خمسين دقيقة ، أي أن القمرَ تحرَّك في مداره حول الأرض ثلاث عشرة درجة ، تأخر شروقه خمسون درجة أي مشى في فلكه حول الأرض ثلاث عشرة درجة وهكذا ، لكن كيف يبدو هذا القمر كما قال الله عزَّ وجل :
العلاقة الوطيدة بين القمر والأرض :
القمر كتلة والأرض كتلة بينهما تجاذب ، الأرض تجذب القمر والقمر يجذب الأرض ، الأرض تجذب القمر لولا جذبها له لانطلق في مسارٍ مستقيم بعيداً بعيداً عن الأرض ، لكن جذب كتلة الأرض للقمر تجعله يدور حولها ، وأما جذب الأرض للقمر لولا جذب الأرض للقمر لدارت الأرض حول نفسها دورةً في كل أربع ساعات ، صار النهار ساعتين والليل ساعتين ، مكابح ، غير معقول أن النهار ساعتان ! صلى الصبح ، لبس ، ذهب إلى العمل أذَّن المغرب ، لم يفتح المحل بعد ، رفع الغلق أذَّن المغرب ، هل يرجع إلى البيت ؟ غير معقول ، جاء إلى البيت ليتعشَّى ، تعشَّى وجلس مع أولاده ذهب لينام فرأى الشمس قد أشرقت ، غير معقول ، لولا أن القمر يخفف من سرعة الشمس لصار النهار ساعتين والليل ساعتين ، لكن جذب القمر للأرض يجعل دورة الأرض حول نفسها في أربعٍ وعشرين ساعة ، معقول ، الإنسان دخل إلى بيته ، وارتاح ، لا يزال معه مسافة طويلة ، ووقتٌ طويل كي يستريح ، ذهب إلى عمله داوم ثماني ساعات فتعب ، جاء إلى البيت تناول طعام الغداء ، رجع إلى عمله ، عاد بعد المغرب ، فتوقيت النهار والليل اثتنا عشرة ساعة باثنتي عشرة ساعة شيءٌ دقيق جداً ..
بين القمر والأرض تجاذب ، العلماء قدَّروه بكبل فولاذي ، قطره خمسون كيلو متراً ، لكن الله لطيف ، جذب الأرض للقمر ليس عن طريق كبل فولاذي بل قوَّة جاذبة لا تراها ، هناك جذب ، والدليل : المد والجزر ، البحر يرتفع عشرين متراً حينما ينجذب إلى القمر ، وهناك بحوثٌ حول أن اليابسة نفسها ترتفع سنتيمترات بفعل جذب القمر ، هناك علاقةٌ وطيدة بين الأرض والقمر .
قالوا : لو أن القمر اقترب من الأرض إلى نصف المسافة قد يظن الإنسان أنه أجمل ، يصبح ذا حجمٍ أكبر ، ويصبح ضوءه أشد ، لا ، لو أن القمر اقترب من الأرض إلى نصف المسافة لتضاعف المدُّ والجزر أربعة وستين ضعفاً ، أي أربعة وستون ضرب عشرين مترا ، حوالي ألف ومئتي متر ، أي أن كل المدن الساحليَّة وعددٌ كبيرٌ جداً من مدن الجبال تصبح مغمورةً تحت سطح البحر كل يوم مرَّتين ، مستحيل ، وضع القمر في هذا المكان شيء معجز ، المد والجزر معقول عشرين متراً ، هذا يعين على الملاحة في الموانئ ، وله فوائد كبيرة جداً ، لكن لو أن المسافة اقتربت أكثر لتضاعف المد والجزر أربعة وستين ضعفاً ، وهذا مما يجعل الحياة على سواحل البحار مستحيلة .
مثلاً : في لبنان إلى أن تصل إلى ظهر البيدر حتى تنجو من المدِّ والجزر ، مستحيل ، كل هذه المدن ، وهذه الأماكن تصبح تحت البحر مثلاً ، هذا لو أن القمر اقترب من الأرض ، أُذَكِّركم بقوله تعالى :
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) ﴾
ربنا عزَّ وجل قال :
القمر مخصص لنعلم عدد السنين والحساب :
شيءٌ آخر : هناك علماء رصدوا وجه القمر فعدّوا فيه عشرة آلاف واد ، يوجد وديان ، وجبال ، وسهول على سطح القمر ،الله عزَّ وجل جعل القمر أحد الآيات الدَّالة على
عظمة الله سبحانه وتعالى ، لكن هذه اللام لام التعليل
التفكُّر بآيات الله عزَّ وجل طريق معرفته سبحانه :
ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
صار الطريق واحداً لابدَّ من سلوكه ، وهو أن تنظر في القمر لترى الله من خلاله ، أن تنظر في الشمس لترى الله من خلالها .
5 ـ تعاقب الليل والنهار :
آياتٌ أخرى تأتي بعد هذه الآية :
المعنى الثاني : إن اختلاف الليل والنهار طولاً ، في الصيف يصبح النهار طويلاً ، وفي الشتاء يصبح قصيراً .
المعنى الثالث : إن اختلاف طبيعة الليل والنهار ، النهار فيه ضياء ، الليل فيه ظلام ، النهار فيه حركة ونشاط ، الليل فيه سكون وراحة
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا(10)وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا(11) ﴾
اختلاف طبيعتهما ، واختلاف طولهما ، وتعاقبهما كل بعد الآخر هذه أيضاً من آيات الله عزَّ وجل .
مَنْ خلق الليل والنهار ؟ الله سبحانه وتعالى ، كيف ؟ بدوران الأرض حول نفسها ، لو أن هذه الأرض وقفت عن الدوران التغى الليل والنهار ، صار وجهٌ من وجوهها نهاراً إلى الأبد ، ووجهٌ آخر ليلاً إلى الأبد ، الوجه الذي يقابل الشمس مئتان وخمسون درجة فوق الصفر إلى الأبد ، والوجه الذي لا يقابل الشمس حرارته مئتان وخمسون درجة تحت الصفر للأبد ، توقَّفت الحياة ، إذاً : الليل والنهار آيتان من آيات الله ، لأن الأرض تدور حول نفسها .
لو كان محورها هكذا ، ودورانها هكذا ، والشمس هنا ، أيضاً مع أنها تدور لانعدم الليل والنهار ، نصف الكرة الذي يدور هكذا ، والشمس من هنا نهارٌ إلى الأبد ، ونصف الكرة الثاني ليلٌ إلى الأبد ، لتوقَّفت الحياة أيضاً على سطح الأرض ، إذاً لا يكفي أن تدور ، بل يجب أن تدور على محورٍ ليس موافقاً لمستوى الدوران من أجل أن يكون هناك ليل ونهار متعاقبين ، لو أن الأرض وقفت يوجد ليل ونهار ، ولكنَّهما غير متعاقبين ، شيء دقيق جداً ، لو أن الأرض توقَّفت عن الدوران هنا نهار ، وهنا ليل ، الشمس من هنا ، لكن هذا الليل والنهار ليسا متعاقبين ، لو أن الأرض دارت على محورٍ موازٍ لمحور الدوران هكذا لكان هناك ليل ونهار ، لكنَّهما ليسا متعاقبين ، أما الآية :
كيف تنبت المزروعات ؟ التفاح يحتاج إلى برد ، تقطفه في الصيف ، توجد خضراوات تحتاج إلى حر ، أي لولا تعاقب الحرّ والقرّ لما نبت النبات ، يأتي الثلج فيميت الأحياء الضارَّة ، ويأتي الحر فينضج الفاكهة ، ويعطيها طعمها الحلو .
لو أن الأرض دارت حول نفسها بمحور عمودي لثبتت الفصول ، ليس في الأرض أقوات ، كل منطقة لا يمكن أن تُنْتِج النبات ، حر دائم يميت النبات ، برد دائم لا يُنْبِت النبات ، الله سبحانه وتعالى جعل محور الأرض مائلاً سبعاً وعشرين درجة ، بهذا الميل تأتي أشعَّة الشمس عموديَّةً إلى نصف الكرة الشمالي ، هنا صيف ، فإذا دارت الأرض حول الشمس هكذا جاءت الشمس عموديَّةً على نصف الكرة الجنوبي ، لذلك هناك تبدُّل مستمر بين الصيف والشتاء في نصف الكرة الشمالي والجنوبي .
الآن إذا ركب إنسان بطائرة من شمال أمريكا إلى جنوبها ، يجد في الشمال حراً ، درجة الحرارة أربعين ، لا يحتمل ، الناس على البحار يسبحون ، ينتقل إلى البرازيل فيجد هناك أربعة أمتار من الثلج والعواصف والأعاصير ، في اليوم نفسه ، يمكن أن تركب طائرة من أمريكا الشماليَّة إلى الجنوبيَّة في يوم واحد فترى الحرارة هنا أربعين فوق الصفر ، وهنا درجة الحرارة خمس تحت الصفر ، إذاً الآية العظيمة :
تذليل كل شيء لخدمة الإنسان :
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) ﴾
الآن البحث الجاد عن الماء العذب ، كلَّما كان الإنسان جادًّا في البحث وجد كمّياتٍ خياليَّة من الماء العذب تحت سطح الأرض مُخَزَّنة لهذه الأيَّام ، أيام الجفاف السطحي ، وأيام كثرة الطلب على الغذاء الأرضي .
إذاً :
من جعل الدنيا منتهى أمله خسر الدنيا والآخرة :
(( عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ . ))
من خدم دين الله خدمته الدنيا ومن خدم الدنيا استخدمته ، الدنيا تغرُّ وتضرُّ وتمر.
ومما جاء في الآثار القدسية في الكتب السماوية السابقة :
﴿
(( عن شداد بن أوس: قالَ اللهُ تعالى : وعزتِي وجلالِي، لا أجمعُ لعبدِي أمنينِ و لا خوفينِ، إنْ هوَ أمنَنِي في الدنيا أخفتُه يومَ أجمعُ عبادِي ، و إنْ هوَ خافني في الدنيا أمنتُه يومَ أجمعُ عبادِي . ))
أي من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً ، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً ، ضع في الخرج ، حرام ، مشها لا تدقق ، هذه لا تجوز ، هذا البيع غير شرعي ، هذه فيها ربا ، هذه حرام تعملها ، هذا الكلام لا يتكلم به ، مدحت الإنسان مدْحه يُغضِب الله عزَّ وجل ، صديق فاجر تمدحه أمام صديق ثانٍ ، يقول لك : لابأس أريد أن أمشي عملي ، يقول لك : ضع بالخرج ، هذا الكلام الفارغ .
من غفل عن الله سبحانه وتعالى لابدَّ من أن يكسب السيئات :
هؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا ، هؤلاء الذين كانت الدنيا مبلغ علمهم ، منتهى طموحهم ، منتهى آمالهم ، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا :
﴿ وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) ﴾
جعل الدنيا أكبر همِّه ومبلغ علمه ، في الدنيا خبرته عالية جداً ، في الآخرة صفر ، لا يفقه شيئاً ، قال : هؤلاء الذين انتهت آمالهم في الدنيا جعلوها منتهى آمالهم ، أقصى طموحاتهم هؤلاء الذين
ترابط الآيات ودقة تنسيقها :
ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ الر
معنى
﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) ﴾
فهذا الاطمئنان اطمئنان الأغبياء ، اطمئنان أبله ، عندما يرضى الإنسان بالدنيا ، يحقِّق دخلاً كبيراً ، يعمل صفقة رابحة ، يشتري بيتاً فخماً ، يحقِّق كل آماله الدنيويَّة ، يظن أن كل شيء انتهى ، لا ، لم ينته شيء ، الخطر الكبير في الطريق ، عند ساعة اللقاء ، لذلك ساعة اللقاء كالصاعقة على أهل الدنيا ، هناك أشخاصٌ يكرهون أي شيءٍ يتصل بالموت ، أي أنه يكره سماع القرآن ، لأن القرآن في ذهنه مرتبطٌ بالموتى ، مات إنسان ، القارئ يقرأ له القرآن ، يكره نبات الآس ، لأنه يوضع على القبور ، يكره فاكهة الحبلاس لأن الآس ينتجها ، كل شيء متعلِّق بالموت يخاف منه ، يقول لك : تشاءمت ، هذا الحديث أوقفه وانتهِ منه ، لأنه مهتم بالدنيا فقط ، فإذا جاء الموت كان الموت كالصاعقة ، فالإنسان إذا اطمأنَّ في الدنيا يكون اطمئنانه أبله ، اطمئنان الأغبياء ، اطمئنان الحمقى ، لكن العاقل لا يطمئن إلا إذا أطاع الله سبحانه وتعالى ، عندما يطيع الله طاعة تامَّة شعر بطمأنينة لا يعلمها إلا من ذاقها ، قال الله عزَّ وجل :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾
هناك ترابط دقيق ، الذي يغفل عن التفكُّر في هذه الآيات سوف لا يرجو لقاء الله أولاً ، وسوف يرضى بالحياة الدنيا ، وسوف يطمئن لها ، ثم يأتيه الموت كالصاعقة
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين