وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة يونس - تفسير الآيات 31 – 36 الله عزَّ وجل بدأ الخلق وسوف يعيده لينال كل إنسان جزاء عمله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

أدلة قاطعة على ألوهية الله سبحانه وتعالى وعلى ربوبيته :


 أيها الإخوة الأكارم ؛ وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ ..

أي يوجد مجموعة أدلة قاطعة على ألوهية الله سبحانه وتعالى وعلى ربوبيته ، من هذه الأدلة الرزق ، وكل إنسانٍ متعلقٌ برزقه ، فهذا الرزق من السماء والأرض ، فإذا كان الرجل يملك ثمن الطعام فهل يملك خلقه ؟ هل يملك صُنْعَهُ ؟ من جعل أشعة الشمس المسلَّطة على البحار منذ خمسة آلاف مليون سنة ؟ من جعل هذه البحار التي تزيد مساحتها على سبعين بالمئة من مساحة الأرض ؟

من جعل هذا الماء المالح يتبخر ماءً عذباً فراتاً ؟ من جعل الماء يعلق في الهواء على شكل بخار ماء ؟ من جعل الفروق الكبيرة في درجات الحرارة بين القطبين ؟ بين القطب الشمالي وخط الاستواء ؟ من خلال هذه الفروق الشاسعة تحرَّك الهواء ، إذا كان هناك حر تمدد الهواء فصار في المكان ضغط منخفض ، وإذا كان هناك بردٌ انكمش الهواء فصار هناك ضغطٌ مرتفع ، وبين الضغط المرتفع والمنخفض يتحرك الهواء ، من حرك الهواء ؟ من حركه حتى ساق هذا السحاب ؟ من جعله ينقلب إلى أمطار تنزل في الأماكن المناسبة وفي الأوقات المناسبة وفي الكميات المناسبة وفي الأنواع المناسبة ؟

 قد تأتي الأمطار في أول العام فلا يستفاد منها الفائدة المطلوبة ، وقد تأتي في آخره بكمياتٍ قليلة فلا يستفاد منه ، وقد تقل الثلوج فلا تمتلئ الينابيع ، من يملك إنزال الأمطار من السماء ؟ ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ بالغة ووفق عدالةٍ مطلقة يمنع الأمطار عن بعض الشعوب ، عن بعض البلاد ، ماذا يحصل ؟ في إفريقيا سبع سنواتٍ عجاف ماذا نتج منها ؟ كاد الناس يموتون جوعاً ، استنجدوا بأمم الأرض ، يبس النبات ، ومات الحيوان ، وكنت أرى في بعض الصور كيف أن مئات ألوف الأبقار ملقاةً على الأرض وهي ميتة عطشاً ، رأيت صورةً في أستراليا الأغنام تذبح وتلقى في الوديان لعدم وجود الكلأ ، من يملك هذا الماء من السماء ؟ من يملك الأمطار ؟ الثلوج ؟ من يبخِّر ؟ من يحرِّك ؟ 

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا(14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا(15) ﴾

[ سورة النبأ ]

 نزل الماء من السماء ، من خلق هذه الأرض وما فيها من معادن ؟ الأرض فيها كالسيوم ، وفيها فوسفور ، وفيها مغنزيوم ، وفيها حديد ، وفيها مواد آزوت ، وفيها كربون ، وفيها معادن وأشباه معادن ، ومواد لازمة لإنبات النبات ، من جعل هذه التربة ؟ هذه تربة زراعية ، هذه تربة كلسية ، هذه تربة غضارية ، هذه تربة لحقية ، من جعل أنواع الترَب ؟ كل هذه المواد التي نحتاجها كامنةٌ في هذه التربة من السماء والأرض ، من خلق أنواع البذور ؟ بذور الأشجار المثمرة ، بذور المحاصيل ، القمح ، الشعير ، العدس ، الحمص، بذور الخضروات ، الكوسا ، الباذنجان ، اللوبياء ، الفاصولياء ، أي أنواع النباتات ، الخضروات ، الخضروات الصيفية ، والشتوية ، والمحاصيل ، والأشجار المثمرة ، هذه البذرة الصغيرة من أعطاها هذه القدرة الكامنة ؟ هذه تكون شجرة لها شكلٌ خاص ، لها طباع خاصَّة ، لها إثمارٌ في وقت خاص ، لثمرتها شكلٌ خاص ، وطعمٌ خاص ، ولونٌ خاص ، من جعل هذه البذور ؟ من جعل الرشيم وهو الكائن الحي في البذرة ؟ من ؟ 

 خلق البحار ، وخلق الشمس ، وخلق القطب ، وخط الاستواء ، وخلق قانون التبخر ، من الذي جعل الماء يزداد حجمه إذا برد على خلاف عناصر الأرض كلها ولولا هذه الظاهرة لمات الإنسان والحيوان ولانعدم التبخُّر ؟ ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ إذا كنت يا أخي الكريم تملك ثمن الفاكهة فتذكَّر أنك لا تملك خلقها ، ولا تملك صنعها ، أنواع منوَّعة ، ليس هناك مجالٌ واسع للحديث عن أنواع الخضراوات ، هذه فيها فيتامين C ، هذه فيها مواد مقوية ، هذه فيها ألياف سيلولوزية ، هذه فيها مادة مخاطية ترمم الجهاز الهضمي – الملوخية - كل غذاء ، كل نبات ، هذه فيها فوسفور تفيد أصحاب الأعمال الفكرية ، أي أنواع الخضراوات ، والنباتات ، والفواكه ، والثمار ، القمح ثلاثة آلاف وستمئة نوع الله عزَّ وجل خلقه ، ينبت في كل الأماكن في الأرض ، ينبت في الجبال ، وفي السهول ، وفي الأغوار ، وفي الصحارى ، وفي المناطق الحارة ، والباردة ، والمعتدلة ، والجافة ، والرطبة ، من ؟ ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ والأرض أودع فيها هذه المواد الأساسية ، أودع فيها المعادن ، أودع فيها أشباه المعادن ، أودع فيها هذه البكتريات ، حينما ألقيت القنبلة الذريّة على كل من هروشيما ونكازاكي تعقَّمت التربة ، بمعنى أن الأحياء الدقيقة ماتت ، فلم تنبت شيئاً ، من خلق الكائنات الدقيقة ؟ من خلق ديدان الأرض ؟ قرأت عن ديدان الأرض مقالةً رهيبة ، لو أن ديدان الأرض ماتت لمات معها الإنسان ، لأنها عنصرٌ أساسيٌ في إنبات النبات ، ديدان الأرض ، من ؟ ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي حينما تأكل هل ترى الله من خلال طعامك؟

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس ]

﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا(26)فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلا(29)وَحَدَائِقَ غُلْبًا(30)وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31)مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ(32)﴾ ﴾

[ سورة عبس ]

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ بدءاً من الشمس ، والقمر ، والرياح ، والحرارة ، والبرودة ، وتبدُّل الطقس ، والبحار ، واليابسة ، وهطول الأمطار ، من جعل الجبال مستودعاتٍ للأمطار ؟ من جعل الثلوج مغذِّياتٍ لهذه المستودعات ؟ من خلق أنواع النباتات ؟ من خلق البذور ؟ أإلهٌ مع الله ؟! 

هذا الذي يرزقنا ألا يقتضي أن نعبده ، هذه الذي يمدنا بالطعام والشراب ، هذا الذي ينزل علينا الأمطار ألا يستحق العبادة ؟ نعبد من دونه أُناساً مثلنا لا يملكون ضراً ولا نفعاً  ولا حياةً ولا موتاً ولا نشورا ؟ من اعتز بمن يموت فإن عزَّه ميت ، لأن هذا الذي تعتز به إذا مات مات عِزُّك ، لكنك إذا اعتززت بالله الحي القيوم فإنك عزيزٌ كريم .

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي موضوع الرزق ، موضوع الطعام والشراب موضوع كبير جداً ، وهذا ما نتعامل معه كل يوم ثلاث مرات ، إذا جلست إلى مائدة الصباح تفكَّر فيما على المائدة صنفاً صنفاً ، صحناً صحناً ، الجبن ، البيض ، اللبن ، الزيت ، من أين جاء الزيت ؟ من هذه الشجرة المباركة ، من الزيتون ، تفكَّر في الخبز، في كأس الماء ، في كأس الحليب ، في لعقة العسل ، في كل شيءٍ تأكله آيةٌ على أنه هو الخالق ، هو المربي ، هو المسيِّر ، هذه فقرةٌ أولى في الآية .  


الله تعالى شقّ لنا السمع والبصر وكلاهما آية من آياته الدالة على عظمته : 


 ﴿ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ﴾ من شقّ لنا السمع والبصر ؟ أي هذه الأذن  لماذا جعل الله لنا أذنين ولم يجعل لنا أذناً واحدة ؟ سؤال ، لنا أنفٌ واحد ، ولنا أذنان ، لأنه لولا الأذنان لما عرفت مصدر الصوت ، بوجود أذنين والصوت من خلفك أودع الله سبحانه وتعالى جهازاً دقيقاً دقيقاً معقداً في المخ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين ، فإذا وصل الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن بواحد على ألف وستمئة وخمسين جزءاً من الثانية يحكم الدماغ البشري على أن جهة الصوت من اليمين ، من جعل هذا الصيوان ؟ هذا الصيوان يُجَمِّع الأصوات ، ولو تصورنا إنساناً بلا صيوان لكان سمعه ضعيفاً جداً ، لكن بهذا الصيوان يقوى السمع .

أؤكد لكم هذه الحقيقة ، إذا وضع أحدنا يده هكذا يصله الصوت بشكلٍ أضخم ، وأقوى ، فهذا الصيوان من خلقه ؟ من خلقه بهذه التجاعيد ، هذه التجاعيد أي صوتٍ جاء من أي جهةٍ لابدَّ من أن يلقى سطحاً يعكسه إلى الداخل ، هذه التجاعيد من صنعٍ حكيمٍ عليم ، إن جاء الصوت بزاوية ثلاثين ، يجد سطحاً يعكسه إلى الداخل ، وإن جاء الصوت بزاوية ستين هناك سطح يتعاكس معه ، يوجد سطوح لهذا الصيوان من كل الاتجاهات ، فأي صوتٍ جاء إلى الأذن لابدَّ من أن يجد سطحاً يعكسه إلى الداخل ، فلو جعلنا هذا الصيوان أملس لضاع علينا صوتٌ كثير ، وضعف سمعنا .

من جعل ممرّ الأذن ضيِّقاً ؟ ولو كان أوسع من أحد أصابعنا لفقد الأطفال سمعهم لأتفه سبب ، لكن الله سبحانه وتعالى لحكمةٍ بالغة جعل قناة السمع أضيق من أضيق إصبع في الإنسان ، ثم جعلها مِعْوَجَّة ، لم يجعل غشاء الطبل في صدرها والخط مستقيم ، بقلم أو عود يفقد الإنسان سمعه ، لكن الله سبحانه وتعالى جعلها ضيقةً ، وجعلها معوَجَّةً ، وجعلها تنتهي بغشاء الطبل ، ما هذا الغشاء الذي يتجاوب مع كل صوت ؟ ويهتز اهتزازاتٍ قدرها العلماء بأرقام أي بمئة وثلاثين اهتزازة بالثانية أو أكثر ، الرقم لا أذكره ، لكن هناك عتبات للسمع دقيقة جداً ، يهتز ثم يستعيد استقراره ليتلقى صوتاً جديداً ، مَن ؟ ومن ربط هذا الغشاء بعظامٍ سمعيةٍ أربع تضخم الأصوات إلى أن يصل الصوت إلى الأذن الداخلية حيث العصب السمعي الذي يلتقط الأصوات ويرسلها إلى الدماغ ليدرك الإنسان فحوى الكلام ؟ من ؟

يرن جهاز الهاتف ترفع السماعة يقول لك : هل عرفتني ؟ تقول له : أنت فلان ، كيف ؟ من زودك بذاكرة للأصوات ؟ في مخ الإنسان ذاكرةٌ صوتية ، لاشك أن كل واحدٍ منا في حياته أكثر من مئة شخص يعرف أصواتهم واحداً واحداً ، من ؟

لا يزال علماء الجسم البشري في حيرةٍ من أن هناك صوتاً يسبب انزعاجاً سموه : الضَجيج ، وأن هناك صوتاً يسبب ارتياحاً سموه : النغَم ، وما الفرق بين النغم والضجيج ؟ لا أحد يعرف سر هذا ، لماذا خلق الله سبحانه وتعالى الأذن مفتوحةً دائماً ؟ الإنسان بإمكانه أن يغلق عينيه ، الإنسان يغضُّ بصره عن المحارم ، لكنه لا يستطيع أن يغلق أذنه عن الأصوات ، ربنا عزَّ وجل قال : 

﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ﴾

[ سورة الكهف  ]

لماذا قال : على آذانهم ؟ لأن الأذن مفتوحة ، مفتوحة دائماً ، ولماذا جعلها مفتوحة دائماً ؟ لأنها دائرة أمنٍ للإنسان ، الإنسان إذا أغمض عينيه قد يأتيه الخطر من أقرب الناس إليه ، من أقرب شيءٍ إليه ، لكن الصوت يحذِّرُهُ ، سائق السيارة قد لا يرى ماذا يحدث ، لكن صوتاً غريباً يجعله يقف ، فالأذن مفتوحةٌ دائماً ، لكن الصوت له وظيفة أخرى ، كيفما كنت يأتيك الصوت ، وهذا من حكمة الله عزَّ وجل . 

﴿ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ﴾ وهذه العين ، المَحْجَر ، الحاجب ، كرة العين ، عضلات أنسيةٌ ، عضلاتٌ وحشيةٌ ، عضلاتٌ علويةٌ ، عضلاتٌ سفليةٌ ، عضلات مائلةٌ ، تحرِّكها في كل الاتجاهات ، هذه العين ، ثم القَرنية ذلك الجسم الشفَّاف شفافيةً تامة ، كيف تتغذى القرنية ؟ أين الشعريَّات ؟ أين الشرايين ؟ قال : هذه القرنية لها سمةٌ خاصة تتغذى عن طريق الحلول ، أول خليةٍ تأخذ غذاءها وغذاء جارتها ، وينتقل الغذاء من خليةٍ إلى أخرى عَبْرَ الجدار الخلوي من دون أن يكون هناك شبكة شرايين وأوردة تعيق الرؤية وتحجبها ، هذه هي القرنية .

 من جعل بعد القرنية القزحية لونها عسلية ؟ لون عين فلان زرقاء ، وآخر سوداء ، هذه القُزَحية ؟

من جعل فيها هذه العضلات تتسع وتضيق من دون أن تشعر لا إرادية إذا جاءها الضوء الكثيف ضاقت ، وأخذت من الضوء حاجتها ، وإذا قلّ الضوء اتسعت ، وأخذت من الضوء حاجتها ، فإذا نظرت إلى شيءٍ بعيد اتسعت أيضاً حتى تنضِح الرؤية وأنت في غفلةٍ عن هذا ، من جعل هذه العين ؟ من جعل هذا الجسم البلوري عدسة لكنها ذات حياة ؟ عدسةٌ مرنة يزداد إحديدابها ، أو يزداد انبساطها بحيث يقع خيالها في الشبكية دائماً ، وهذا من الأشياء المعجزة ، كيف ترى الأشياء المتحرِّكة وتأتي جميع أخيلتها على الشبكية تماماً ؟ سمى العلماء هذه الظاهرة : المطابقة ، وهي من أعقد ما يجري في العين ، أي هذا يعجز عنه أكبر علماء الأرض ، لأنك لو أنك تشاهد كرة تتحرك في كل ثانيةٍ لها بعدٌ عن العين ، من يقيس هذا البعد ؟ ومن يضغط على الجسم البلوري ضغطاً يجعل خيال هذه الكرة تقع على الشبكية تماماً ؟ الله سبحانه وتعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) ﴾

[ سورة الحديد ]

ظاهرة المطابقة تحتاج إلى صور ، إلى توضيحات . 

من جعلك ترى الأشياء المتحركة وأنت مرتاح ؟ لو أنك ترى الشيء بعد أربعين سنتيمتراً فقط ما قيمة هذه العين ؟ بعد أربعين لا تراه ، قبل أربعين لا تراه ، لكن هذه العين تنظر إلى كل شيء ، وترى كل شيء وهي مرتاحة ، من جعل هذه الشبكية يوجد فيها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط ؟ الذي أحصى مخاريط العين وعصيَّاتها مُنِحَ جائزة نوبل في عام سبعة وستين وتسعمئة وألف للميلاد ، في عام سبعة وستين وتسعمئة وألف هناك عالمٌ توصَّل إلى أن في شبكية العين مئة وثلاثين مليوناً من المخاريط ومن العصيات ، الذي يستقبل بعضها الألوان ، وبعضها اللون الأبيض والأسود فقط ، ثم من جمع هذه الشبكية في عصبٍ بصريٍ قوامه أربعمئة ألف عصب ؟ أربعمئة ألف عصب في العصب البصري تذهب إلى الدماغ ؟ من جعل لك عينين من أجل أن ترى بهما البعد الثالث ؟ أن ترى الأشياء مجسَّمة ؟ أن ترى طولاً وعرضاً وعمقاً ؟ من ؟ إنك لن تستطيع بعينٍ واحدة أن ترى المسافات العُمقِية ، لن تستطيع أن ترى البعد الثالث بعينٍ واحدة ، ولكن العينين تريانك الأشياء مجسمةً ، لا يزال هذا سر ، أنك إذا صورت شيئاً بآلة تصوير الصورة حجمها صغير ، ولكنك ترى الشيء بحجمه الحقيقي ، وعينك صغيرةٌ جداً ، كرةٌ صغيرة ، ترى الجبل جبلاً ، والجمل جملاً ، والإبرة إبرةً ، والنملة نملةً ، ترى الشيء بحجمه ، ولونه ، وبعده ، من خلق هذا ؟ ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ﴾ ومن زوَّدك بذاكرةٍ للبصريات ؟ 

هناك ذاكرة للمسموعات ، وذاكرة للمشاهد ، تقول : هذا المنظر رأيته من قبل ، هذا الوجه أعرفه ، هذا الكتاب قرأته ، هذا الطفل شاهدته من قبل مع أبيه ، من زودك بهذه الذاكرة ؟ ألا يستحق منك العبادة ؟ ألا يستحق منك الطاعة ؟ ألا يستحق أن تكون محباً له ؟  


الله تعالى يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي :


﴿ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ ﴾ بحسب تفكير الناس البدائي الشيء الساكن ميِّت ، فالبيضة ميتة ، من أخرج منها الدجاجة ؟ افتح بيضة الآن ، اقلها أو اسلقها ، وانظر ما فيها ؟ بياض وصفار ، هل من السهل أن تنقلب هاتان المادَّتان إلى صوص ؟ له سمع ، وله بصر ، وله شم ، وله فم ، وله لسان ، وله مريء ، وله حُوَيصلة ، وله معدة ، وله أمعاء ، وله قلب ، وله كبد ، وله بنكرياس ، وله كليتان ، وله عضلات ، وله عظام ، وله أعصاب ، ﴿ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ ﴾ .

الحيوان المنوي إذا لقَّح بويضةً يصبح إنساناً سوياً ، من أودع في هذا الحيوان المنوي وفي تلك البويضة خمسة آلاف مليون صفة ؟ سموها تعليمات ، وسموها أوامر ، والعلماء قالوا : لو أن هذه التعليمات وهذه الأوامر كُتِبَت في كتب لكان حجمها كحجم أكبر موسوعةٍ مؤلفةٍ حديثاً .

 الآن عندنا موسوعات ، دائرة معارف ، أربعون أو خمسون جزءاً ، كل جزء ثلاثة آلاف صفحة ، لو أن هذه الأوامر التي أودعها الله في الحيوان المنوي ، وفي البويضة ، أردنا أن نكتبها بكتب لاستغرقت أكبر الموسوعات العلمية .

 إنسان له شعر ، وهناك أنواعٌ منوَّعَةٌ من الشعر ، هناك شعرٌ جَعِد ، وهناك شعر أملس ، وهناك شعر أسود ، وهناك شعر أشقر ، وهناك شعر خشن ، وهناك شعر حريري ، أنواع منوَّعة من الشعر ، في هذا الحيوان المنوي شكل الوجه ، أهو كروي أم مستطيل أم كمثري الشكل ؟ في هذا الحيوان المنوي نوع العينين ، لونهما ، حجمهما ، نوع الحاجبين، أزجّين ، مفترقين ، نوع الأنف أقنى ، طويل ، قصير ، نوع الشفتين ، نوع الخدين ، أملسين ، أسيلين ، قصيرين ، نوع العنق ، نوع اليدين ، لون الجلد ، طبيعة الدم ، كيمياء الدم كلها في هذا الحيوان المنوي ﴿ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ ﴾ .

زيتونةٌ من خشب ترميها في الأرض ، هذه تصبح شجرةً لها جذور، ولها جذع ، ولها أغصان ، ولها أوراق ، تزرعها بعلاً تعطيك زيتوناً ، ممتلئاً زيتاً ، تأكله ، تستفيد منه ﴿ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ ﴾ وكلما تقدم العلم فُسِّرَت هذه الآية بحسب التقدم العلمي كيف تموت الخلايا وكيف تولد الخلايا ؟ خلايا الأمعاء عمرها ثمان وأربعون ساعة ، خلايا القلب والدماغ عمرها من عمر الإنسان ، خلايا الشعر ثلاث سنوات ، الشعرة تعيش ثلاث سنوات ثم تسقط ، ينبت مكانها شعرةٌ جديدة ، أي ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ ﴾ ، وقد تفهم هذه الآية بشكلٍ آخر ، قد يلد الكافر مؤمناً ، وقد يلد المؤمن كافراً ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ ﴾ هذا بعلم الله . 

﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) ﴾

[ سورة هود ]

 عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أبوه أبو جهل ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ ﴾ .. لا تقل : بيئتي صعبة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ ﴾ ، قد يخرج عالمٌ من بيئةٍ جاهلة ، وقد يخرج أخلاقيٌ كبير من بيئةٍ منحطة ، وقد يخرج رجلٌ فاسقٌ من بيئةٍ صالحة ، لأن لكل إنسان اختياراً..

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾

[ سورة القصص  ]

المجال يطول ، هذه آيةٌ واسعةٌ جداً ، تؤخذ على الإنسان ، وتؤخذ على الحيوان، وعلى النبات ، وبعد ذلك هناك بحوث حديثة أن هناك مجَرَّات تخلق ، ومجرات تتلاشى على شكل غازات ، حتى في الكون هناك خلقٌ متجدد ، هناك خلقٌ جديد ، وهناك موتٌ لبعض الكواكب ، هناك مناطق سوداء في الفضاء الخارجي إذا دخلتها الأرض أصبحت كالبيضة ، هناك كواكب غازية ، زحل غازي ، غازات متجمعة ، طبعاً كثافته قليلة ، من يحوِّل الصلب إلى سائل والسائل إلى غاز والغاز إلى صلب ؟ ثم هناك نظرية تقول : إن هناك أجراماً غازيةً تدخل في ثقوبٍ سوداء فتصبح كتلاً متراصَّة .

 

الله تعالى بيده أمر كل شيء :


﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾ أحياناً تجد أن الجو ارتفعت حرارته بشكلٍ غير طبيعي ، هذا من أجل أن يفتَّح الزهر ، يسميه العوام : ( عبوء الزهر ) ، من يدبِّر الأمر ؟ أحياناً تأتي رياحٌ عاتية في أيام الربيع ، هذه رياحٌ لواقح من أجل إلقاح النباتات ، من يدبِّر الأمر ؟ يأتي بردٌ شديد فيهلك كل الكائنات الضارة في التربة ، يأتي حر شديد فتكسب الفواكه طعمها الحلو المذاق ، من يدبِّر الأمر ؟ مِن إشراق الشمس إلى غروبها ، القمر ، الأرض ، يقول لك : منخفضات ، من يدبِّر الأمر ؟ منخفضات ، منخفض وراء منخفض ، هنا صقيع ، هنا برد ، هنا حر ، هنا جو رطب ، هنا رياح شديدة ، يقول لك : رياح شرقية لها فوائد ، رياح غربية لها فوائد ، الشرقية باردة ، الغربية دافئة ، الغربية يأتي معها أمطار ، الشرقية يرافقها صقيع ، هذا مفيد وهذا مفيد ، ومن يدبِّر الأمر ؟ 

 شيء آخر ؛ أمر الإنسان من يدبِّره ؟ هنا أمر الكون ، لكن الآية مطلقة ..﴿ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾ شاب يطلب الزواج ، يطلب العفة مثلاً ، فالله عزَّ وجل يجمعه مع إنسان يلهمه أن يسأله عن وضعه العائلي ، فيقول له الشاب : لست متزوجاً فيؤمّن له بيتاً ، يتدبر الأمر ، من يدبر الأمر ؟

 أحد الناس يريد أن يعمل ، يلهمه مصلحة يعمل فيها ، يأتيه الزبائن ، يبعثهم ربنا إلى متجره ، يبيع يشتري ، يشتري طعاماً لأولاده ، يدخل بيته معه طعامه ، معه شرابه ، من يدبِّر الأمر ؟ الله سبحانه وتعالى ، هذه أدلةٌ قاطعة على ربوبية الله ، وعلى ألوهيته ، وعلى حكمته ، وعلى تسييره . 

 

من لم يتقصّ طاعة الله فمعرفته لا قيمة لها :


﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ عجيب ، ﴿ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ .. أدق نقطة بهذه الآية هذه الكلمة ، إذا كنت تعرف هذا تماماً فلماذا لم تأخذ حتى الآن موقفاً يتناسب مع هذا الإيمان ؟ إن كنت تقول : الله يرزقني ، والله جعل لي السمع والأبصار ، والله يدبِّر أمري ، أنت لمَ لا تطيعه ؟ ماذا تنتظر؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه        هذا لعمرك في المقال بديـع

لو كان حبك صادقاً لأطعتـــــه        إن المحب لمن يحب مطيع

***

أي إذا لم تأخذ موقفاً عملياً ، وإذا لم تتقصَّ طاعة الله عزَّ وجل ، إذا ما اجتنبت نواهيه ، فهذه المعرفة لا قيمة لها . 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) ﴾

[ سورة الأنفال  ]

إذا لم يأخذ الإنسان موقفاً عملياً ، يسمع الحق ، لماذا هذه المعصية في البيت ؟ ماذا تنتظر ؟ ألا تحس بالتناقض ؟ هل تقول : هي حرام ، حرام ، تجيبني : نعم حرام ؟ لمَ لا تزيلها فوراً ؟ كيف يرضى الإنسان أن ينام  وهناك خلل بين ما يعتقده وما يفعله ؟ كيف يرضى عن نفسه وهو لا يتِّبع ما يقنع به ؟ 

 

الحق منهج رسمه الله تعالى للبشر وأي منهج آخر منهج باطل :


﴿ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(31)فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ ﴾ .. أما هذه الآية ، والله الذي لا إله إلا هو لو عرفناها حق المعرفة ، لو فهمنا أبعادها لعقدنا التوبة من توِّنا الآن ، ﴿ فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ .. أي إذا كان الخط المستقيم يمر بين نقطتين فهل يمكن أن يمر بين هاتين النقطتين خطٌ آخر لا ينطبق عليه ويكون مستقيماً ؟ مستحيل ، بين نقطتين لا يمر إلا مستقيمٌ واحد ، فإذا قال ربنا عزَّ وجل :

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

لو أن المرأة لم تفعل هذا فهي في الضلال ، هذا هو الحق .

معنى الحق الشيء الثابت ، حق الشيء أي استقر ، أي إذا بنيت جداراً على الشاقول تقول : هذا جدار حق ، أي يستمر ، يبقى ، فإذا بنيته من غير شاقول ، وكان مائلاً هذا سوف يقع ، فتعريف الحق أنه يثبت والباطل يزول .

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) ﴾

[ سورة الإسراء ]

الحق الشيء الذي رسمه الله سبحانه وتعالى منهجاً للبشر ، فأي منهجٍ آخر فهو باطل ، إن لم تعتقد بالله رباً فعقيدتك مهما تكن باطلة ، إن لم تعتقد بالله إلهاً فعقيدتك مهما تكن باطلة ، إن لم تصلّ فأنت مبطل ، ولو تفلسف الإنسان ، وزعم أنه ذو فكرٍ مُنْفَتِح ، وأنه يقرأ ، وأنه يطالع ، ما دمت لا تصلي فأنت مبطل ، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ ..

العلماء قالوا : ليس في الأرض منزلةٌ ثالثة بين الحق والباطل ، إما أنك على حق ، وإما أنك مبطل ، إن لم يكن اسمك في قائمة الناجحين فماذا يعني هذا ؟ أنك راسبٌ ، هل هناك قائمة ثالثة ؟ لا توجد قائمة ثالثة ، إما أن يكون اسمك في قائمة الناجحين ، وإما أنك راسب ، ولا توجد حالة ثالثة ، في بلد فيها جامعة واحدة ، إما أن تكون من طلاب هذه الجامعة ، أو خارجها ، لا توجد حالة ثالثة ، فالإنسان إن لم يعتقد بالله رباً ، إن لم يعتقد به خالقاً ، إن لم يعتقد به مسيراً ، إلهاً ، فعقيدته باطلة ، فالأرباب الذين يزعمهم من دون الله مبطلون ، فالآلهة الذين يعتقدهم مبطلون ، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ أي إذا لم ينطبق سيرك على الخط المستقيم فشيء قطعي أنك مُبطل ، ولا توجد حالة ثالثة ، وهنا لا مجال للمجاملة أبداً ، قضية مصيرية ، قضية سعادة أبدية أو شقاء أبدي ، لا يوجد عندنا أنصاف حلول ، الإسلام إما أن تأخذه كله أو دعه ، أو خذ منه ما شئت ، فأخذك منه ما شئت كأنَّك تركته كله ، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ الحق هو الذي حقَّه الله ، الحق هذا القرآن ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ :

(( عن عبد الله بن عباس : اللَّهمَّ لَكَ الحمدُ أنتَ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ قيُّومُ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ نور السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ ، أنتَ الحقُّ ، وقولُكَ الحقُّ ، ووعدك حقٌّ ، والجنَّةُ حقٌّ ، والنَّارُ حقٌّ ، والنَّبيُّونَ حقٌّ ، ومحمَّدٌ حقٌّ ، اللَّهمَّ لَكَ أسلمتُ ، وبِكَ آمنتُ ، وعليْكَ توَكَّلتُ ، وإليْكَ أنَبتُ ، وبِكَ خاصَمتُ ، وإليْكَ حاكمتُ ، فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ ، وما أسررتُ وما أعلَنتُ ، أنتَ إلَهي لاَ إلَهَ إلَّا أنتَ . ))

[  صحيح : أخرجه البخاري ]

هذا كان دعاءه في جوف الليل ، أي إن لم تؤمن بهذا النبي فإيمانك باطل ، إن لم تؤمن بهذا القرآن فعقيدتك باطلة ، ليس هناك شيء وضعي آخر يحل محله ، هذا هو الحق ، لو أن التشريع الوضعي كان كالقرآن انطبق عليه فهو قرآناً ، وإن خالفه فهو باطل ، وهذا هو الحق، لا يوجد حالة ثالثة ، غض البصر هو الحق ، العلاقة بالمرأة يوجد حق واحد وهو الزواج ، وأي علاقة أخرى باطلة ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ ، كسب المال ، الشرع حدد الهبة ، الإنسان يتملَّك المال حلالاً بالهبة ، وبالإرث ، وبالتجارة ، وبالكسب الحلال ، طريق آخر باطل . 

 

الضلال طريق لا يوصل الإنسان إلى هدفه :


﴿ فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ والله قضية خطيرة ، الإنسان يتفحَّص سلوكه اليومي ، يتفحَّص قِيَمَه ، لماذا يؤمن ؟ ماذا يفعل في اليوم ؟ هل يفعل شيئاً خلاف القرآن ؟ إذاً هو مبطل . 

ربنا عزَّ وجل مرة قابل الحق بالباطل ، ومرة أخرى قابله بالضلال ، إذا انطلق شخص باتجاه حمص مثلاً، ولكنه سلك طريقاً لا يؤدي إلى حمص ، بل يؤدي إلى بغداد مثلاً ، فإننا نقول : ضل الطريق ، الضلال أن تسير في جهةٍ لا توصلك إلى هدفك ، فما هو الهدف الكبير ؟ السعادة ، فالضلال أي سلوكٍ يؤدي إلى الشقاء فهو الضلال .

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾

[ سورة الإسراء ]

بالزواج تسعد ، وبغير الزواج تشقى ، بكسب المال الحلال تسعد ، وبكسبه حراماً تشقى ، باتصالك بالله تسعد ، وبانقطاعك عنه تشقى ، إذاً صار معنى الضلال طريق لا يوصلك إلى هدفك ، هو ضلال ، ولو عرف الضَّالون أنهم سائرون في طريق شقائهم لما ساروا. 

 

السعيد من عرف الحقيقة قبل فوات الأوان  :


إذاً ما هي الأزمة ؟ أزمة مَعْرفةٍ ، إما أن تعرف ، وإما ألا تعرف ، لو عرفت حُلَّت القضية ، ليس على وجه الأرض رجلٌ واحد يتمنَّى الشر لنفسه ، أو يتمنى الشقاء لنفسه ، أبداً ، حب السلامة فطرةٌ في الإنسان ، إذاً : بقي عليك أن تعرف أين طريق السلامة ، هذا طريق الحق ، هكذا باطل ، هكذا باطل .

شيء آخر ؛ ربنا عزَّ وجل قابل الحق بالضلال وقابله بالباطل ، الحق من خصائصه الثبات والديمومة ، والباطل من خصائصه الإزهاق ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾ أي إذا إنسان مبطل يتلاشى هو ومبدؤه ، لكن من دعا إلى الله عزَّ وجل ، من تمسك بكتاب الله فهو خالدٌ خلود الحق ، إذاً من تعلق بالباطل زهق مع الباطل ، ومن تعلّق بالحق خَلُدَ في جنةٍ عرضها السماوات والأرض مع الحق . 

﴿ فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ تذكَّروا مثل الناجحين ، يوجد قائمة واحدة للناجحين ، إن لم يكن اسمك في هذه القائمة فهذا الطالب راسبٌ حتماً ، إذا لم ينطبق سلوكك على القرآن فالحكم القطعي أن هذا الإنسان مُبْطِل ، وفي طريق الهاوية والشقاء ، والسعيد من عرف الحقيقة قبل فوات الأوان ، لكن جميع بني البشر سيعرفونها ولكن بعد فوات الأوان . 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ(26)﴾ ﴾

[ سورة الفجر ]

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا(27)يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا(28)﴾

[ سورة الفرقان ]

لكن متى ؟ بعد فوات الأوان . 

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

[ سورة يونس ]

فقال له : 

آلْآنَ – أي لفرعون - وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)

[ سورة يونس ]

البطولة أن تعرف الحق في الوقت المناسب ، أن تعرفه وأنت شاب ، وأنت في مقتبل العمر ، أن تبني مستقبلك وفق الحق ، أن تبني زواجك على الحق ، أن تبني عملك على الحق ، فإذا عرف الإنسان الحق متأخراً وله مصلحة لا يستطيع أن يتركها ، إذا عرفت الله عزَّ وجل في وقتٍ مبكِّر تبني زواجك على أساسه .

قال لي أخ آخر : إنه خطب امرأة أعجبه جمالها ، فلما اهتدى إلى الله أبت أن تهتدي معه ، وظلت على طريقتها التي لا ترضي الله ، الآن هو يشقى بها ، يشقى بهذه الزوجة ، فإذا عرفت الحق في وقتٍ مبكر تبني زواجك على أساسه ، وتبني عملك على أساسه ، فتسعد بزواجك وبعملك .

 

الله عزَّ وجل بدأ الخلق وسوف يعيده لينال كل إنسان جزاء عمله :


 ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ هل بين الشركاء المزعومين من يبدأ الخلق أي يخلق ؟ من خلق الشمس ، القمر ، الأرض ؟ من يعيد خلق الإنسان ؟ هذه الآية دقيقة جداً ، لو أن الله عزَّ وجل بدأ الخلق ولم يعده لكان في مبدأ الخلق نقص ، المحسن لم يأخذ جزاءه ، والمسيء لم ينل عقابه ، لكن الله عزَّ وجل بدأ الخلق ، وسوف يعيده لينال كل إنسان جزاء عمله ، هذا يوم الدين ، بدأنا خلقاً وسوف يعيدنا مرةً ثانية ليلقى كل منا جزاء عمله.

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)  ﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)  ﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ هذه الآية جميلة الدلالة جداً .. ﴿ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ يوجد إعادة للخلق مرة ثانية ، الآن أنت خُلقت ، وأعطيت سمعاً وبصراً ، ودماغاً ، وتفكيراً ، وحريةَ اختيار ، وشهوات أودعها الله فيك ، وقال لك : تصرف ، وسوف أحاسبك على كل حركةٍ وسكنة في يوم الدين ، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ﴾ فهنيئاً لمن عرف الله في الحياة ، المشكلة ليست الآن ، لكن المشكلة في الخلق الثاني ، الطلاب جميعاً في العام الدراسي متساوون ، لكن المشكلة بعد الامتحان ، بالامتحان ينفرز الطُلاب إلى ناجحين وراسبين ، إلى أعزَّة وإلى أذلة ، إلى متفوقين يعلو وجوههم البِشر ، وإلى مهزومين يعلو وجوههم القنوط . 


 

الله خلَق الخلق وهداه إرشادًا إلى الحق :


﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ ﴾ إذاً نستدل على الله عزَّ وجل بخلقه . 

الآن هناك دليل آخر لا يقلّ عنه : ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ﴾ للتقريب مثلاً أحياناً تجد الدولة شقت طريقاً عريضاً ، بعد فترة وضعت عليه لافتات ، من هنا للمكان الفلاني ، هنا ممنوع المرور ، هنا مسموح ، هناك منعطف خطر ، أنت إذاً إزاء شيئين ، يوجد عملية بناء ، ويوجد عملية إرشاد ، باللافتات عملية إرشاد ، معنى هذا الدولة حريصة على أن يسلك الناس هذا الطريق ، وحريصةٌ على سلامتهم ، وعلى وصولهم إلى أهدافهم ، فبنت لهم هذا الطريق ، شيدته ، ثم وضعت لهم العلامات ، فدائماً يوجد في الكون شيئان ؛ الخلق والهدى ..

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)  ﴾

[ سورة فاطر ]

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) ﴾

[ سورة الكهف ]

 خلق وهدى .. 

﴿ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى(1)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2)وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(3) ﴾

[ سورة الأعلى ]

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾

[ سورة الزمر ]

 فهنا : ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ ﴾ أين أنت ذاهب ؟ إذا كان الفحص غداً الساعة الثامنة ، وغرفتك جاهزة ، والكتاب مفتوح ، يقول الأب لابنه : إلى أين أنت ذاهب ؟ عندك دراسة ، أنت في مرحلة إعداد ، الوقت ثمين جداً ، أين ذاهب ؟ ﴿ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ ﴾ ..

ما دام الله عزَّ وجل خلق الخلق ، وينتظر منك أن تطيعه ، فأنى تصرف عنه ؟ إلى أين تلتفت ؟ ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ﴾ أي هذا الصنم ليس فيه ألا يهديك ، لا يستطيع أن يتحرك من دون أن تحركه أنت ، هل يتحرك بذاته ؟ لا يستطيع أن يتحرك إلا أن تحركه أنت ، هذا يهديك ؟ 

 

أيُّ شيء يخالف كلام الله فهو باطل :


﴿ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ ...أي عقائد معظم الناس ، وتفكيرها ، تصوراتها ، ثقافتها ، معارفها ، معلوماتها من نوع الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، قال عليه الصلاة والسلام  :

(( عن عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك، عن النبي صلى الله ليه وسلم قال : قيِّدُوا العِلمَ بالكِتابِ . ))

[  صحيح الجامع :خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

أحدهم قرأ مقالة أن الدواء الفلاني يطيل العمر ، هذا باطل ، لأن ربنا عزَّ وجل قال : 

﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ(34) ﴾

[ سورة الأعراف ]

انتهى الأمر ، فهذه المقالة باطلة ضع عليها إشارة ضرب ، كلام فارغ ، أحدهم قال لك : أنا رأيت الجن ، كلام لا أصل له :

﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)  ﴾

[ سورة الأعراف ]

يمكنك أن تلغي مئة قصة بهذا الموضوع ، مئتي قصة ، مليون قصة ، كله كذب ، صار باطلاً ، (( قيِّدُوا العِلمَ بالكِتابِ )) ، فأيّ علم ، أي قصة ، أي حادثة ، أي مقالة قرأتها وفق كتاب الله حق ، خلافه باطل ، فربنا عزَّ وجل سماه باسم ثالث : ظن ، ليس متأكداً ، فإذا بنى إنسان مصيره على أشياء غير صحيحة أو غير ثابتة ، أي هو ظن إذا مات هو مسلم بالهوية ، يريد من رسول الله أن يشفع له ؟ هذا ظن :. 

﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19) ﴾

[ سورة الزمر ]

الشفاعة حق ، ولكن لمن دخل الجامعة مثلاً ، فإذا دخل للجامعة فإنه يجد من يعاونه ، ويقدمون له الكتب ، وقاعة مطالعة ، ومكتبة عامرة ، ويقدمون له مساعدات أحياناً ، وقد يُعطى راتباً ، وغرفة بالمدينة الجامعية ، هذه كلها لمن ؟ لمن دخل الجامعة ، أما إذا كنت خارج الجامعة فالشفاعة ليست لك ، إذا ظن شخص أن الشفاعة لكل واحد انتمى انتماء شكلياً للنبي عليه الصلاة والسلام ، انتماء شكلي ، فهذه ظن ، والظن خطر ، معنى هذا أنه يأكل مالاً حراماً ، يغش الناس ، ينظر ، يصافح ، يتغزَّل ، ويجلس جلسات منكرة ، وظنه أن رسول الله يشفع له يوم القيامة ، معنى ذلك أنه خرب بيته . 

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ أي أن الأمر خطير جداً ، تحقق من كل فكرة تعرفها ، من كل قصة تسمعها ، هناك قصص غير صحيحة ، اجعل القرآن إمامك ، (( قيِّدُوا العِلمَ بالكِتابِ )) ، فأي قصةٍ أو فكرةٍ أو عقيدةٍ وافقت كتاب الله فهي حق وإلا فهي باطل .

 والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور