الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرّ الميامين أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37) ﴾
عنوان هذا اللقاء الطيب: النذير.
الحقيقة تقتني مركبة جديدة، أثناء القيادة تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات إن فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك وتحتاج إلى مئة ألف، أما إذا فهمت هذا التألق بحسب تعليمات الصانع تألقاً تحذيرياً أوقفت المركبة وأضفت ليتر زيت فقط، سلم المحرك.
فالإنسان حينما يكون حريصاً على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمراره ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع، يعني بالعبارة غير المقبولة إذا كنت أنانياً ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، تألق ضوء أحمر بالمركبة بحسب تعليمات الصانع هذا تألق تحذيري لا تزييني، أوقفت المركبة أضفت الزيت، أما إذا لم تعبأ بتعليمات الصانع ما من مشكلة في العالم إلا بسبب الخروج عن منهج الله، بالعالم كله ما من مصيبة إلا بسبب خروج عن منهج الله.
إذاً النذير هو القرآن، أنبأك بما سيكون قبل أن يكون، ذكر لك النار، وعذابها، ذكر لك الجنة وفضائلها، فالقرآن هو النذير، يعني الله بالتعبير المعاصر سرّب لك ما سيكون قبل أن يكون، الموت:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) ﴾
البرزخ، الدار الآخرة، إخواننا الكرام، الكلمة من القلب إلى القلب: إن آمنت بالآخرة الإيمان الذي أراده الله إن لم تنعكس كل قيمك 180 درجة، دون آخرة يهمك الأخذ، مع الإيمان بالآخرة يهمك العطاء، يقع على رأس هذا الهرم البشري الآن، الهرم البشري يعني 8 مليارات إنسان، الآن 8 مليارات إنسان فيهم شخص يحب الفقر؟ من 8 مليارات ولا شخص، فيهم شخص يحب القهر؟ ولا شخص، فيهم شخص يحب المرض؟ ولا شخص، فيهم شخص لا يحب الغنى وبيت واسع وزوجة صالحة، وأولاد أبرار، وبنات محتشمات، ومكانة اجتماعية، كلنا نحب ذلك، يوجد شخص لا يحب أن يعيش 130 سنة؟ كلنا، شيخ الأزهر عاش 130 سنة.
فلما تقرأ القرآن تتلقى تعليمات الصانع لمصلحتك، الله عز وجل سرّب لك ما سيكون قبل أن يكون، الذي يلفت النظر لم ترد كلمة الإيمان بالله بالقرآن إلا معها واليوم الآخر، الإيمان بالله كي تطيعه، والإيمان باليوم الآخر كي لا تؤذي إنساناً، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح -دققوا- ما من قطرة دم تُراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة، أكبر بُعْدٍ زماني من آدم إلى يوم القيامة إلا وسوف يتحملها إنسان كائناً من كان إلا دم المقتول بحدّ يتحمله الله.
إنسان قتل نقتله، كان القتل بالسيف، لما قتلناه بالسيف سال الدم، ما من قطرة دمٍ تُراق في الأرض إلا وسوف يتحملها إنسان كائناً من كان إلا دم المقتول بحدّ يتحمّله الله.
إذاً: النذير هو القرآن، ذكر لك ما سيكون قبل أن يكون، حدّثك عن الموت، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) الذوق ليس بمعنى تنتهي، أحياناً تذوق السكر، الموت موجود:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ﴾
الموت يُخلق، (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فالقرآن هو النذير، يعني الله سرب لك في القرآن ما سيكون قبل أن يكون، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) .
يعني للتقريب: العيد القادم طفل صغير عمره ثمان سنوات، أعطاه عمه خمسين ديناراً -نحن في الأردن- وعمه الثاني خمسين وأعطاه خاله خمسين وخاله الثاني خمسين، كم ديناراً أصبح معه؟ 200 ديناراً يقول لرفيقه معي مبلغ عظيم، معه حق ف 200 ديناراً لطفل مبلغ عظيم، فإذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، يعني 200 ملياراً، نفس الكلمة قالها طفل صغير قدرناها بـ 200 ديناراً، وقالها مسؤول كبير قدرناها بـ 200 ملياراً، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾
النذير إذاً القرآن، والنذير إذاً سيدنا محمد النبي العدنان،أحاديث النبي الكريم.
قال العلماء: سن الأربعين هو النذير:
الآن وقيل وسن الأربعين نذير، من بلغ الأربعين بلغ سن الرشد، من بلغ الأربعين هذا السن هو النذير.
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
والعلماء قالوا: والنذير سن الستين، الأربعون نذير، والستون نذير، لأن معترك المنايا كما قال النبي الكريم بين الستين والسبعين، يعني فوق الستين ممكن أن يأتي أجله في أي وقت:
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
النذير: المظاهر الصحية السلبية:
والنذير: المظاهر الصحية السلبية، ضعف بصرك وضعت نظارة، شابَ شعرك، انحنى ظهرك، هذه المظاهر الصحية السلبية هي نذير، إلى متى؟ أكلت وشربت وتزوجت وأنجبت، وكان لك شأن، إلى متى؟ ثم ماذا؟ احفظ هذه الكلمة: ثم ماذا؟ يوجد موت، إخواننا الكرام من القلب إلى القلب إن آمنت بالموت كما ينبغي، ينبغي أن تنعكس كل القيم عندك، صار العطاء وليس الأخذ، هذا الهرم البشري على رأسه زمرتان كبيرتان: الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء يُمدحون في حضرتهم والأنبياء في غيبتهم.
عنا كان مسؤول كبير من بلد بعيد وجد أن بعيد المولد كان هناك عطلة رسمية تقريباً، قال: ما الذي حصل؟ قال له: عنا احتفال بعيد المولد، من هو صاحب هذا الاحتفال؟ هو ظن أنه ميت من شهرين ثلاثة، فقال له: منذ ألف وأربعمائة سنة، صعق الخبير الأجنبي لأن البلد كلها مغلقة احتفالاً بعيد المولد وهذا متى؟ قبل ألف وأربعمائة سنة، إسلامنا عظيم جداً.
والعلماء قالوا: وسن الستين نذير، يعني من بعد الأربعين، وإن كان 85؟ فهو على وشك الموت، 95؟ والله هناك في مصر عاشوا 130 سنة، شيخ الأزهر عاش 130 سنة، والإنسان من حَسُنَ عمله بارك الله به.
الآن المظاهر الصحية السلبية: اضطر أن يضع نظارة، إخواننا الكرام هناك حقيقة دقيقة، في سن معينة قبل الزواج المرأة كل شيء، بعد ما تزوجتَ صارت شيئاً، كانت كل شيء بحياتك، بعدها شيء، وعلى فراش الموت لا شيء، هذه المرأة، والمال، والصحة، والمنصب، كل الأشياء في حياتك الراقية في البداية هي كل شيء، في الوسط شيء، على فراش الموت ليست بشيء.
كنت مرة بمنطقة بلبنان، شاهدت قصراً لا يصدقه العقل أبداً لأكبر أغنياء لبنان، لفت نظري بناء صغير يشبهه قال هذا قبره، هيّأ قبراً بحياته، وقعت طائرته في البحر الأبيض المتوسط دفعت زوجته عشرة آلاف دولار لانتشال الجثة ما وجدوها.
هذه الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، مهما كنت كبيراً، مهما كنت قوياً، مهما كنت غنياً، روتشيلد أكبر أغنياء بريطانيا أمواله في غرفة خاصة، دخل لهذه الغرفة فأُغلق الباب بالخطأ بطريقة لا يُفتح، فمات من جوعه، لكن قبل موته جرح يده بآلة حادة وكتب: أغنى إنسان في العالم يموت جوعاً، االله كبير جداً، إياك أن تغلط، إياك أن تعصي الله، إياك أن تتكبر.
يعني لو فرضنا كطرفة: عندك كيلو لبن، جاءك خمسة أو ستة ضيوف وليس لديك شيئاً إطلاقاً، أضفت له كيلو ثانٍ ماء صار عيران وقدمته للضيوف، هذا كيلو اللبن هل يتحمل نقطة كاز؟ كلا، ترميه كله، الكاز كبر.
إذاً المرأة كل شيء ثم شيء ثم لا شيء، والمال كل شيء ثم شيء ثم لا شيء، والصحة كل شيء ثم شيء ثم لا شيء.
أعرف شخصاً عنده روح الدعابة يعمل موظفاً بسيطاً بسوق الحميدية في الشام، يكنس المحل ويجمع القمامة كلها ويضعها في علبة كرتون أنيقة، وغلاف أنيق، وشريطة حمراء، ويضعها على الرصيف، يأتي شخص فيعتقد أن بها مطيف ألماس يحملها ويسرع فيلحق به، بعد عشرة أمتار عشرين متراً أزال الشريطة، بعد عشرين متراً أخرى أزال الغلاف، بعد عشرين متراً أخرى يفتح فيجد قمامة المحل فيصيح ويسب، هذه الدنيا عند الموت تراها لا شيء.
حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، فقط، الدليل:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾
سُمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً: خالصاً: ما ابتغي به وجه الله، وصواباً: ما وافق السنة .
لذلك أهل النار في النار، قد يكون معهم ملايين مملينة، ويسكنون بقصور لا تُصدق، وعدة سيارات، ومكانة اجتماعية، هؤلاء عند الموت يرون الحقيقة، من هو البطل؟ الذي يرى الحقيقة قبل الموت، لما رأى الحقيقة قبل الموت تأقلم وتكيف مع الموت، وإن رآها بالخمسة عشر؟ بنى زواجه على منهج الله، بنى حرفته على منهج الله، ألصق شيء بالإنسان زوجته وحرفته، أعرف الكثير من الأشخاص الحرفة لا ترضي الله ما عنده غيرها، قال لي أنا أتوب مليون مرة، لا أستطيع هذه حرفتي ولا ترضي الله.
فاختيار الزوجة والحرفة أخطر شيء، فإذا الشخص أسلم بوقت مبكر يشكل حياته تشكيلاً إسلامياً، إذا بعد فوات الأوان هنا المشكلة الكبيرة.
توزيع الحظوظ في الدنيا والآخرة:
الآن الحظوظ، الحظوظ موزعة توزيعاً: في الدنيا ابتلاء، وفي الآخرة توزيع جزاء، لو فرضنا شخص عاش ستين سنة، والثاني عاش ستين سنة، الأول خاف من الله فاستقام على أمره، والثاني لم يخف من الله، ولم يستقم على أمره، والاثنان ماتا.
معنى ذلك الحظوظ في الدنيا، انظر لكلمة حظوظ: الصحة حظ، والمال حظ، والثقافة حظ، والوسامة حظ، والدمامة حظ، والفقر حظ، الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، وسوف تُوزّع في الآخرة توزيع جزاء، البطولة في الآخرة.
الحظوظ: الغنى حظ، الوسامة حظ، الثقافة العالية حظ، الزواج الناجح حظ، المنصب الرفيع حظ، الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء:
﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وسوف تُوزّع في الآخرة توزيع جزاء، يعني أوضح مثل: سافرت إلى مكان جميل لتبقى فيه عشرة أيام، في اليوم السابع تخطط للرجعة، تريد أن تأخذ بطاقة سفر، تجمع الأغراض، تشتري الهدايا، من بعد اليوم السابع اختلفت الخطة، في البداية شيء وفي النهاية شيء، من بلغ الأربعين دخل في أشواق الآخرة، وإن بلغ الستين صار قريباً من الأجل، وإن بلغ الثمانين ؟
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
أيا خجلتي منه إذا هو قال لي ... أيا عبد سوء ما قرأت كتابنا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى ... أما تخجلن من عتبنا يوم جمعنا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً ... إلينا وتنظر ما به جاء وعدنا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً ... وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فلو شاهدت عيناك من حسننا...الذي رأوه لما وليت عنا بغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا ... خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرةً ... عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمةٌ ... لَمُتَّ غراماً واشتياقاً لقربنا
لذلك: إن أكيسكم: يعني أعقلكم، أكيسكم: أذكاكم، إن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً .
(( كنتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فجاءَهُ رجلٌ منَ الأنصارِ ، فَسلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، ثمَّ قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أيُّ المؤمنينَ أفضلُ ؟ قالَ : أَحسنُهُم خُلقًا ، قالَ : فأيُّ المؤمنينَ أَكْيَسُ ؟ قالَ : أَكْثرُهُم للمَوتِ ذِكْرًا ، وأحسنُهُم لما بعدَهُ استِعدادًا ، أولئِكَ الأَكْياسُ. ))
[ صحيح ابن ماجه عن عبد الله بن عمر ]
(( تلا رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ؛ فإن النورَ إذا دخل الصدرَ انفسح، فقيل : يا رسولَ اللهِ ! هل لِتِلْكَ من علمٍ يُعْرَفُ به ؟ ! قال : نعم، التجافي من دارِ الغرورِ، والإنابةُ إلى دارِ الخلودِ، والاستعدادُ للموتِ قبل نزولِه . ))
[ الألباني عن عبد الله بن مسعود وهو ضعيف ]
(( الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على اللهِ . ))
[ الألباني عن شداد بن الأوس وهو ضعيف ]
الكيّس: العاقل الذكي ، (من دان نفسَه) من ضبط نفسه، ضبط الدخل والإنفاق والسهرات واللقاءات والنزهات، وحرفته.
(الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على اللهِ) يعني أوضح شيء: تركب سيارتك والإشارة حمراء والشرطي واقف، وهناك شرطي آخر معه دراجة نارية، فأنت ماذا تفعل؟ واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطولك، أنت مواطن عادي ليس لك أي ميزة، الإشارة حمراء تقف، لماذا؟ لأن واضع قانون السير وهو وزير الداخلية علمه يطولك، وقدرته تطولك وأنت مواطن عادي، ماذا تفعل؟ تلتزم.
أساس الطاعة أنت حينما تؤمن إيماناً يقينياً أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، هناك فشل كلوي، تشمع كبد، التهاب بالدماغ، هناك مليون مرض تجعل الحياة جحيم، علمه يطولك وقدرته تطولك، كيف تعصيه؟ اسمعوا القرآن:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) ﴾
اختار من أسمائه كلها اسمين: العلم والقدرة، حركاتك يعلمها الله، وقدرته تطولك (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) إذاً: من كان بالله أعرف كان منه أخوف .
يعني مثلاً: بستان شخص أخذ معه ابنه الصغير للحصيدة، مر ثعبان طوله اثنا عشر متراً لا يخاف منه، لا يوجد إدراك فلا يوجد خوف.
مرة في ثانوية من الثانويات قال لي طالب: أنا لا أخاف من الله، قلت له: معك حق والله، فاستغرب كيف معي حق! قلت له: فلاح أخذ معه ابنه الصغير على الحصيدة و بضمن القمح مر ثعبان طوله اثنا عشر متراً لا يخاف ومعه حق ألا يخاف، لا يوجد إدراك فلا يوجد خوف. أما إذا شخص قال للآخر: على كتفك عقرب شائلة -دقق- فظل هادئاً مرتاحاً وابتسم، وقال: جزاك الله خيراً، لا أنسى لك هذه الملاحظة، هل يكون قد فهم ماذا قلت له؟ لو فهم لقفز، هل هي واضحة ؟
مر صياد على بركة ماء، أو على غدير فيه سمكات ثلاث، كيّسةٌ ذكية يعني، أكيس منها، أذكى منها، وعاجزة، غبية، وتواعدا أن يرجعا ومعهما شباكهما ليصيدا ما فيه من السمك، فسمع السمكات قولهما، قصة رمزية لكنها عميقة جداً، أما أكيسهن أي أذكاهن فإنها ارتابت وتخوّفت ولم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت، العاقل يحتاط بالأمور قبل وقوعها، والأقل عقلاً وقت وقوعها، وأما الكيّسة أكيسهن: ارتابت وتخوفت ولم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت، أما الكيّسة الأقل عقلاً بقيت في مكانها حتى عاد الصيادان، فذهبت لتخرج -عندها حل جاهز- من حيث خرجت رفيقتها فإذا بالمكان قد سُد، فقالت: فرّطت وهذه عاقبة التفريط، هذه غلطة كبيرة، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي ثم إنها تماوتت، ادّعت الموت، فطفت على سطح الماء منقلبة تارة على بطنها، وتارة على ظهرها، فظنها ميتة أخذها الصياد ووضعها بمكان بين النهر والغدير وثبت في النهر فنجت ولكن تحطمت أعصابها، وأما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت.
هناك كيس جداً يحتاط للأمور قبل وقوعها، أقل كياسة وقت وقوعها، الأغبياء بعد وقوعها، كل حياتنا فيها غباء، بعد أن تقع المصيبة نسأل نفسنا لماذا فعلنا هذا؟!
الآن:
(( من أنظر معسرا، أو وضع له، وقاه الله من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة - ثلاثا - ، ألا إن عمل النار سهل بسهوة ، والسعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا". ))
[ ابن كثير عن عبد الله بن عباس ]
تصور شخص راكب دراجة وصل إلى طريق هابط، وطريق صاعد، راكب دراجة عادية وليست نارية، النازل أريح، الطريق الهابط يعني مُعبّد وفيه رياحين، وفيه أزهار، شيء رائع جداً والصاعد فيه حفر وأكمات وحر شديد لا يُحتمل، طريق هابط وطريق صاعد، الطريق الهابط جميل ومريح لكنه ينتهي بحفرة ما لها من قرار، فيها وحوش كاسرة لم تأكل منذ شهر ينتطرون، والصاعد فيه تعب، وفيه غبار، وفيه أكمات، وفيه حفر، ولكنه ينتهي بقصر منيف لمن وصل إليه.
لما تأخذ هذه المعلومات ماذا تفعل؟ تصعد للأعلى، متى يصح عملك؟ إذا صحت رؤيتك، واضح تمام؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن عمل الجنة حزن بربوة، ألا إن عمل النار سهل بسهوة) النار سهلة جداً، لا تصلِّ، الشاشة مفتوحة شاهد ما شئت، في الطريق تملاً عينك من محاسن النساء صح؟ أما المؤمن يغض بصره، يحرر دخله، يصحب المؤمنين، الاستقامة كُلفة، يقول لك فلان تكليف، كلفك بغض البصر، يعني عفواً لو أحدهم بقال وعنده عبوة زيت مرتفعة الثمن وجد في اليوم التالي فيها فأرة، يبيعها زيت الشخص العادي بينما المؤمن يبيعها لمعمل الصابون فقط، دين دقيق جداً.
وأنت جالس في بيتك في الطابق السابع وأمامك بناء ظهرت منه امرأة بثياب متبذلة، المؤمن يغض بصره، وغيره يملأ عينه من محاسنها، فلذلك إذا علم الله منك تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً فيما تقول كتب لك القبول.
الحمد لله رب العالمين، نحن إن شاء الله الدرس القادم هناك عطلة عندي دعوة إلى مؤتمر إسلامي في الأسبوع القادم، سأغيب أسبوعاً واحداً فقط، حفظ الله لكم إيمانكم جميعاً وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم واستقرار هذه البلاد، هذه نعمة لا تعرف إلا إذا فقدت فاشكروا الله عز وجل.