بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصَّادق الوعد الأمين.
اللَّهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصَّالحين.
قاعدة جليلة في التوحيد: لا يعلم الغيب إلا الله:
أيها الإخوة الكرام، قاعدة جليلة في التوحيد: لا يعلم الغيب إلا الله، النبي-عليه الصلاة والسلام-لا يعلم الغيب أيضاً إلا ما أطلعه الله عليه من أحداث تكون في المستقبل، هذا ليس من علم الغيب لرسول الله بل من إطلاع الله عليه، والنبي -عليه الصلاة والسلام-لا يعلم الغيب، الدليل:
﴿ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِىٓ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْرًا ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِىٓ أَنفُسِهِمْ إِنِّىٓ إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(31) ﴾
النبي لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه:
سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم لا يعلم الغيب هذا شأن البشر، هناك شيء من شأن خالق البشر، وهناك شيء من شأن البشر حتى النبي – عليه الصلاة والسلام–قل، أبلغهم: (لَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ) ، إلا أن الله –عزَّ و جلَّ-ذكر في القرآن وفي السنة النبوية هناك إشارات إلى أحداث المستقبل، هذه من إعلام الله له، من هذه الأحاديث: أولاً هذه آية قرآنية:
﴿ قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(188) ﴾
(لَّآ أَمْلِكُ) من هو؟! سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم (لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ) إلا إذا سمح الله له ببعض الأخبار (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ) لذلك هذا مقام سيد الأنبياء، وأي إنسان من بعده إلى يوم القيامة يدّعي خلاف ذلك لا تقبل منه، (قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا) هذا مقام سيد الأنبياء، سيد ولد آدم، الإنسان الأول في الأرض، لكن الله -عزَّ وجلَّ -أطلعه بما سيكون في آخر الزمان، والله الذي لا إله إلا هو وكأنه معنا، وكأن الذي نعاني منه قد وصل إلى علمه؛ لأن الله يعلم ما كان، ويعلم ما يكون، ويعلم ما سيكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، علم مطلق.
الحديث الأول:
(( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ؛إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًاً مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
[ أخرجه ابن ماجه والطبراني والحاكم عن عبد الله بن عمر ]
يتباهون بها، (إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ) الطاعون أيُّ مرض خطير، كلمة مطلقة هذه، (والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم) الإيدز منها وأمراض كثيرة لم تكن من قبل، طبعاً الشيء الثاني( ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ) مليون طريقة للعب بالموازين والأطوال والأقيسة، هذا الغش (إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ) شح الأمطار، الجفاف (وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّاً من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما في أَيْدِيهِم) معظم ثروات البلاد المباركة انتقلت إلى الغرب، معظم الثروات .
يوجد حقيقة مُرَّة أنا أراها أفضل مرة من الوهم المريح، العالم الآخر يخطط إلى إفقارنا وإذلالنا وإضعافنا وإفسادنا، أعني ما أقول والكلام دقيق جداً، لكن الله موجود دقق:
﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ(46) ﴾
يعني جبل قاسيون، تسمعون به؟ بالشام، لو اجتمعت قِوى الأرض أن تلغيه ما تستطيع (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ) بعدها مباشرة:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ(47) ﴾
أنا متفائل بإيماني مهما رأيت من تجاوزات من قهر، أعداء غلاظ شداد، أرى أن الله موجود، قل لي مئة كلمة تثبط الإنسان قبلها كلمة واحدة: والله موجود، والله -عزَّ وجلَّ –قادر أن يلغي المعادلات كلها بثانية واحدة، وينتظرنا، الحقيقة المرّة أنا أراها أحياناً أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق:
الآن يوجد ثلاثة أشياء: قوة مال، قوة العلم، قوة القرار:
(( المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
كلام دقيق جداً؛ لأن المؤمن القوي خياراته في العمل الصالح لا تُعدّ ولا تُحصى، ولأن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، فأنت خياراتك أيها القوي: قوي بمالك، أعرف بلد عربي، إنسان وضعه المادي جيد، أنشأ أربعة أبنية، البناء عشرة طوابق، والطابق ست شقق، والشقة ستون متراً، أي طالب علم معه وثيقة من عالم رباني يؤجره إياها خمس سنوات فقط حتى يبدأ بمشروع مستقبل، كم بنتاً تزوجت ؟! أربعة أبنية، كل بناء عشرة طوابق، الطابق ست شقق، يعني يعطي أُجرة رمزية جداً لا تُذكر، كم بنتاً تزوجت ؟!، وكم شاباً تزوج وأُحصن ؟! هذا عمل صالح، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
إخوننا الكرام؛ من الآخرعلة وجودك في الدنيا الوحيدة العمل الصالح ، طبعاً بعد الإيمان بالله واليوم الآخر، العمل الصالح سمّي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
حجمك عند الله فقط بحجم عملك الصالح:
سأعيد كلمة دقيقة، حجمك عند الله فقط بحجم عملك الصالح، ليس بمساحة بيتك ولا بنوع سيارتك ولا بالحي الراقي الذي تسكن فيه، هناك مئة ميزة للأغنياء لكن هو التفوق بالعمل الصالح، العمل الصالح يرفعه، سمّي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، هذا كلام دقيق جداً؛ لذلك ماذا يقول الذي شارف على الموت؟
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ(99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾
لا يوجد إنسان على مشارف الموت يقول: يا ربي أريد أن أكمل الطابق الخامس ما أكملته، أنا أخذت ماجستير أريد أن أكمل الدكتوراة،(رَبِّ ٱرْجِعُونِ* لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحً) عندما تفهم هذه الحقيقة لا يمكن أن تسمح ليوم أن يمضي بلا عمل صالح ترقى به إلى الله، يعني معظم المسلمين- وأنا أحسن الظن بهم والله دائماً - يعني إذا كان طُلب منه شيء يلبيه لكن ليس منهجاً له ،طُلب منه خدمة يقدمها ، مساعدة يساعد لا يقصّر ، لكن هذا شيء متفرق وضعيف ، أما أن تستيقظ صباحاً ، كيف عندك ثلاث وجبات طعام، غني، فقير، مشغول، غير مشغول، ثلاث وجبات طعام دائماً، واعتبر العمل الصالح الوجبات الأخروية يومياً، يعني لو أزحت عن الطريق شيئاً مؤذياً عمل صالح ، لو أطعمت هراً عمل صالح.
الأعمال الصالحة موسعة توسع مذهل، أحياناً تُزيح شيئاً يؤذي المارة عمل صالح، تُطعم كائناً حيّاً لا أحد يطعمه، الناس تُطعم الكائنات التي تستفيد منها، أما أحياناً تكون هرة شاردة يطعمها فغفر الله له بهذا الإطعام، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، ممكن مرة حدثني أخ يبيع أقمشة، امرأة فقيرة جداً حافظ على كرامتها أعطاها عُشر السعر، اشترت من كل شيء معها مبلغ محدود، يعني هيأ لها كل ثياب أولادها على العيد، هي ما شعرت دفعت ثمن، هناك أعمال صالحة تهز الجبال ، أريد فقط أن أدقق على النقطة: عندما أنت تؤمن بكل خلية بجسمك، وكل قطرة بدمك أن علة وجودك بعد الإيمان بالله واليوم الآخر العمل الصالح ، والعمل الصالح كلمة واسعة لدرجة مذهلة، ممكن هناك أعمال قد لا تخطر على بال ، يعني امرأة في الصحراء وجدت كائناً حياً يأكل الثرى من العطش نزلت إلى بئر وبحذائها -إن صح التعبير- ملأته ماء وسقت هذا الكلب فغفر الله لها وهي بغي ّكانت، حديث صحيح، العمل الصالح علة وجودنا بعد الإيمان بالله واليوم الآخر.
أنا أريد أن أؤكد نقطة: كل المؤمنين الطاهرين إذا طُلب منه ينفذ، أنا أريد أن يكون منهجك اليومي، اليوم ماذا فعلت؟ هل أطعمت جائعاً؟ هل زرت مريضاً؟ هل أكرمت والدتي؟ يجب أن تدخل في حسابك اليومي العمل الصالح:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ(10) ﴾
(رَبِّ ٱرْجِعُونِ* لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحً فِيمَا تَرَكْتُ) فيا أيها الإخوة، والعمل الصالح نيته أكبر من فعله، المؤمن يتمنى أكثر مما فعل، والكافر – والعياذ بالله-يتمنى أن يسيئ أكثر مما يسيئ، هذا يتمنى الأكثر وهذا الأكثر، فأنت هويتك مؤمن مستقيم، هويتك عمل صالح، أنت الناس يطمئنون لك، لا يوجد كذب، لا يوجد غش، لا يوجد احتيال، لا يوجد مراوغة، والله هناك أمراض نفسية بالمجتمع لا يعلمها إلا الله، المؤمن طاهر.
إذا علم الله منك تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً فيما تقول كتب لك القبول:
وأنا أقول كلمة ثانية هذه دقيقة جداً مغرية: إذا علم الله منك تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً فيما تقول، كتب لك القبول ، العبرة والذكاء والبطولة والنجاح والفلاح أن يقبل الله عملك، والله يوجد أعمال كالجبال، يعني مثلاً أعرف شخصاً ببلد -لن أسمي البلد- يملك من الدونمات مالا يُصدق، بالمليارات، فجأة أنشأ جامعاً، بلغوه: هذه المساحة اللامتناهية لا تُنظّم من قبل الدولة إلا إذا بنيت مسجداً، عندئذٍ البلدية تُضطر أن تُنظّم هذه المساحة الواسعة، فهو أراد من المسجد أن تنقلب ثمن أرضه إلى مئة ضعف، كانت مشاعاً ليس لها ثمن بمئات الدونمات، فلما تبرع بمسجد، طبعاً البلدية اضطرت أن تنظم هذه المساحة الشاسعة إلى محاضر، هذا التنظيم هدفه فقط أن تزداد قيمة أرضه عشرات المرات، ليس له عند الله أجر إطلاقا،ً لكن أمام الناس : ما شاء الله!! ما هذا الإنسان العظيم؟! جامع ضخم، العبرة أن يقبله الله منك، العبرة أن تبحث عن القبول والقبول له قانون: إذا علم الله منك تطبيقاً لما تقول، وإخلاصاً لما تقول، كتب لك القبول، بكل شيء.
علة وجودك في الدنيا العمل الصالح:
إخوننا الكرام؛ أريد ان يكون كلامي واضحاً جداً، عندما أحدهم والده يرسله إلى باريس لينال الدكتوراة من السوربون، هذه جامعة عملاقة بأوربا كلها، فهذا الطالب والده مليء مادياً، هذا الطالب بباريس ماهي علة وجوده بالضبط؟ مدينة عملاقة أكبر مدينة بأوربا، فيها متاحف، فيها دور سينما، فيها دور لهو، فيها حدائق، فيها الكثير، هذه المدينة العملاقة أكبر مدينة، هذا الشاب الذي أرسله أبوه لينال الدكتوراة من السوربون بالذات، ما علة وجوده في هذه المدينة؟ الدراسة، هذا لا يمنع أن يدخل إلى مطعم فيأكل ممكن، أن يجلس في حديقة يتنزه ممكن، أن يقتني كتاباً يقرؤه ممكن، أما علة وجوده، أنت حينما تعرف علة وجودك في الدنيا، أقسم لكم بالله إذا لم تنعكس كل قيمك أنا مسؤول، علة وجودك العمل الصالح (رَبِّ ٱرْجِعُونِ* لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحً ) ، وسمّي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح إذا كان خالصاً وصواباً، هذه النقطة الدقيقة التي تغيب عن المسلمين.
أنا أقول مسلم مستقيم شيء رائع جداً، عنده رحمة طُلب منه شيء نفذه، أما عندما يكون عنده منهج بالعمل الصالح إلهي قرآني نبوي يجب أن يبحث عن عمل صالح بنفسه، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، والله خياراتنا بالعمل الصالح لاتُعد ولا تُحصى، تربي ابناً تربية عالية ممكن أطعمته، وسقيته، وأدخلته مدرسة غالية جداً ونال شهادة، يقول لزوجته: كتب وظائفه؟ نعم، لكن لا يقول لها: صلى العشاء؟ البطولة: صلى العشاء؟ تنتبه لصلاته، الآن أنت تهتم بصلاة ابنك، ومن أصدقاؤه؟ سأقول كلمة قليلاً مزعجة: الآن الأب والأم والعمة والخالة والعم والخال وشيخ الجامع- يحضر خطبة جمعة- وأستاذ الديانة بمدرسته، هذه كلها مصادر توجيه إسلامي كلها، اجْمعهم كلهم، كل هؤلاء بلا استثناء تأثيرهم 40% ، هذا موضوع علم نفس دقيق جداً، وتأثير صديق السوء 60 % ،فيجب أن تعرف أيها الأب من هو صديق ابنك، ينبغي أن تعرفي أيتها الأم من هي صديقة ابنتك ،سأعيدها مرة ثانية، خطيب الجمعة، أستاذ التربية الإسلامية وأي مصدر ديني توجيهي، والآن أقرباؤك عمك وخالك وجارك الشيخ الكبير، كل الجهات التوجيهية كلها تأثيرها 40% فقط، وتأثير صديق السوء 60 %، أعيد الكلمة: أيتها الأم الحريصة على ابنتك ينبغي أن تعلمي من هي صديقة ابنتك، وأيها الأب الحريص على ابنك ينبغي أن تعلم من هو صديق ابنك، هذه اسمها الصحبة ، ندخل الآن بموضوع دقيق.
التجارة العظيمة الرابحة التجارة مع الله:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ(119) ﴾
أمر إلهي، قرآني (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ) ، آية ثانية:
﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا(28) ﴾
كلمة أغفلنا، ماذا نفهم منها؟ يعني جعلناه غافلاً؟ لا، أبداً، أغفلنا: وجدناه غافلاً -الفرق كبير-إن جعلناه غافلاً التغى الدين كله، وجدنا غافلاً (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا) لذلك يؤكد هذا المعنى: عاشرت القوم فما أبخلتهم، يعني ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبنتهم، ما وجدتهم جبناء (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا) .
قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، والصاحب ساحب ، أعرف قصة أعرف صاحبها، الأب صالح والزوجة صالحة وبيت إسلامي أرسلوا ابنهم إلى بلد بعيد في الشرق وحُكم بالإعدام، ارتكب خطأً كبيراً، فالمشكلة هذا الابن ينبغي أن تربيه، إذا ربيته أكبر تجارة مع الله الدليل:
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ كُلُّ ٱمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21) ﴾
كلام خالق الأكوان، أعلى تجارة بالأرض يعني اشتريت وبعت -من دون طبعاً احتكار-15%، أعلى تجارة، وهناك 5%، وهناك صفر، وهناك خسارة، لكن أعلى ربح تجاري يعني اشتريت وبعت 15%، أعلى ربح صناعي 25%، الربح مع الله بالمئة مليار والله، (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)
العلماء قالوا: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، طفل صغير أعتقد طول الطاولة قالت له أمه : أنت يجب أن تفتح القسطنطينية أكبر مدينة بالأرض، وفتحها(محمد الفاتح) وفتحها والأجر لأمه، الأم عظيمة كثيراً، الأم تصنع الرجال ، أنا بخبرتي المتواضعة ما وجدت إنساناً متألقاً متفوقاً بشتى المجالات إلا وراءه في البيت أم عظيمة، الأم مربية يعني لما يُترك الابن للخادمة خانت الله ورسوله، خادمة قد تكون سيئة جداً، قد تطعمه شيئاً لا يُصدق نكاية بأمه ، عندما أنا أسلّم أولادي للخادمة تخليت عن هويتي كأم، الأم مربية ، والله بحياتي الدعوية ما وجدت إنساناً متألقاً متفوقاً إلا وراءه أم عظيمة، ببعض ما قرأت، تأخذه إلى عالِم في طرف المدينة وتنتظر حتى المساء بالطريق لتعيده، هكذا يوجد أمهات، عندما أنت تهتم بابنك أكبر تجارة مع الله أولادك ، كل أعمال أولادك في ميزان حسناتك(وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، مرة ثانية: التجارة الحقيقة العظيمة الرابحة التي فيها ثراء غير معقول مع الله، أن تتاجر مع الله.
يعني أذكر مرة قال لي صديق: راكب سيارته، حصل معه مشكلة بالسيارة ووقف بمكان فيه صعود حاد، فقال لي: والله، ساعتان، بحاجة إلى رافعة للسيارة، ساعتان ما أحد توقف لأنه أخذ ما يسمونه(لانص) يريد الطلوع، بعدها وقف أحدهم، قال لي: يا لطيف ما أكبرته! ما عظّمته! فيه مروءة يا أخي، معه نساء محجبات، وساعتان ولا أحد يقف، بعدما انتهى قال له: أريد خمس ليرات، قال له: والله لو طلبت ألفاً لأعطيتك إياها لكن ليتك ما طلبتها، عندما تعامل الله تطلب أجر؟ يا لطيف، كم بها خطأ !! يعني مثلاً ملك كبير عنده ابن بحاجة إلى مدرّس معين، فسأل وزير التربية: نريد أستاذاً يعطي ابني دروساً، هذا الأستاذ اختار له أحسن واحد، أعطاه عشرة دروس، قال له: أين الأجرة؟ قال له: أؤمر أستاذ نحن بخدمتك، قال له: كل درس أريد ألفاً، ناوله ثاني يوم عشرة ألاف، لكن الملك كان ينوي إعطاءه بيتاً وسيارة فأخطأ خطأً كبيراً وطلب أجرة، عندما تطلب أجرة على عملك الصالح، يا خسارتك، عندما تطلب أجرة لعمل صالح غلطت غلطة كبيرة كثيراً أنت وهبته لله – عزَّ وجلّ-.
فالله إذا أعطاك صحة حتى نهاية الحياة شيء لا يقدر بثمن، يوجد أناس يقضي ثلاثين سنة بالفراش، أعطاك صحة، أعطاك زوجة مخلصة، أعطاك سمعة طيبة، أعطاك حرفة راقية، عطاءات الله مذهلة.
(( استَقيموا، ولَن تُحصوا ))
[ أخرجه ابن ماجه عن ثوبان ]
يعني بعضهم فسرها تفسيراً غير معقول، لن تُحصوا الاستقامة يعني لا تستطيعون، هذه تناقض قوله تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ(286) ﴾
تتناقض معها (استَقيموا، ولَن تُحصوا) الخيرات، يا تُرى سعادة سعادة؟ نجاح بالزواج نجاح بالزواج، مكانة اجتماعية مكانة اجتماعية، طلاقة لسان طلاقة لسان، حكمة بالغة حكمة بالغة، أولاد أبرار أولاد أبرار، بنات محتشمات محتشمات، أقسم لكم بالله لو أمضيتم كل الوقت في إحصاء إيجابيات معرفة الله والطاعة له شيء لا يصدق، يتوهم الناس أن هذا يصلي، يا سيدي يوجد عنده ألف بند يتميز به عن بقية الناس؛ صادق أمين عفيف، ما عنده ازدواج شخصية، ما عنده نفاق، ما عنده..، والله ممكن تحصي ألف ألف صفة للمؤمن كلها صفات إيجابية، وأنت تصير علماً من أعلام الأمة.
أرجو الله سبحانه تعالى أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، وأُصرّ على آخر فقرة واستقرار بلادكم هذه نعمة لا تُعرف إلا إذا فُقدت اشكروا الله عليها، والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصَّادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تُؤثر علينا، أرْضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق