بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغرِّ الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
أخطر مرحلة تمر بها الأمة تبدُّل القيم:
أيها الإخوة الكرام؛ ورد في الأثر: (إذا كان أُمَرَاؤُكم خِيارَكم، وأغنياؤُكم سُمَحاءَكم، وأمرُكم شُورَى بينكم، فظَهْرُ الأرضِ خيرٌ لكم من بطنِها، وإذا كان أُمَرَاؤُكم شرارَكم، وأغنياؤُكم بخلاءَكم، وأمرُكم إلى نسائِكم، فبَطْنُ الأرضِ خيرٌ لكم من ظَهْرِها) كلام جامع مانع، رائع، قاطع، وهناك حديث آخر:
(( "كيف بكم إذا فسق فتيانكم وطغى نساؤكم؟ “قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟ قال: "نعم، وأشد. كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟! ". قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟ قال: "نعم، وأشد. كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟! ". قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟ قال: "نعم، وأشد. كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟! ". قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟ قال: "نعم". ))
[ رواه رزين حديث ضعيف ومختلف فيه بأكثر من رواية ]
أخطر مرحلة تمر بها الأمة تبدُّل القيم، إذ ينفق ماله لإطعام الجياع وإكرام الفقراء يتهم بالجنون؛ هذا تبدل قيم هذه أخطر مرحلة بالحياة، ممكن أن تكون هناك قيم ثابتة وهناك تقصير وهناك تطبيق ممكن، أما يصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، لذلك هي ليست طرفة لكن شاعراً في عهد سيدنا عمر دخل السجن لبيت قاله، قال هذا الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
هذا شعار كل إنسان اليوم بيته جيد، دخله جيد، لا يهمه الناس، مات الناس، افتقروا، مصلحته الخاصة محققة، هذا الانتماء الفردي أكبر مرض يصيب الأمة؛ انتماء فردي، دخله كبير، بيته واسع، سيارته جيدة، مكانته الاجتماعية، انتهى الأمر، فالإنسان إذا ما عاش همّ الأمة سقط من عين الله، والإنسان إذا سقط من السماء إلى الأرض فانكسرت أعضاؤه أفضل له من أن يسقط من عين الله، -لا أحدد-العالم كله الآن طعام وجنس العالم كله شرق، غرب، شمال، جنوب هكذا، أما المؤمن جاء للدنيا لمهمة:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾
له مهمة في الحياة مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض، فيها:
(( يقول اللهُ تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ ))
[ أخرجه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة ]
هذا الذي لا يطلب العلم، يعني تقريب؛ هذه الطاولة لها طول وعرض وارتفاع ،وزن وحجم إلا أن النبات يزيد عليها بالنمو، ليس معقولاً نأتي بعد أسبوع نراها كبرت، النبات يزيد عليها بالنمو، أما الكائنات المتحركة يزيد عليهما بالحركة، الهرة تمشي، الطاولة واقفة، النبات جامد لكن ينمو أما الهرة تمشي، والإنسان من الجماد وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع موجودة، ومن النبات ينمو، كان طفلاً هكذا صار 160سم ويتحرك إلا أن الله أودع فيه قوة إدراكية هي العقل، بالعقل انفرد الإنسان، قوة إدراكية هذه القوة الإدراكية إن عمل بها كما أراد الله يسعد في الدنيا والآخرة إلى أبد الآبدين، فإذا عطلها شقي في الدنيا والآخرة، القوة الإدراكية الفطرة.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30) ﴾
أنت مبرمج على منهج الله، للتقريب إنسان دخل للبيت الساعة الواحدة بالليل، أمه قالت له: أنا بحاجة إلى دواء مسكن، قال لها: ما أحد موجود الآن، و هو يعلم هناك صيدليات مناوبة، ما ينام مرتاحاً، لأنه يعلم بالإمكان أن يأتي بالدواء، أما افتراضاً لو ذهب إلى الخمس صيدليات المناوبة الدواء مفقود، ينام مرتاحاً، و بالحالتين الأم لم تأخذ الدواء، فأنت عندك عقاب من فطرتك العقاب شديد جداً، فلذلك هذا العقاب المؤمن نجا منه، قام بواجبه له خط ساخن مع الله يقدر يناجي ربه، البطولة والنجاح و الفلاح والتفوق أن يكون لك خط ساخن مع الله تناجيه في الليل.
(( يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
هذه ساعات مباركة، إذا كان ثلث الليل الأخير -مرة ثانية-: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا.... يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟)
متى يسقط الإنسان من عين الله؟
لذلك هذا البيت:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
هذا أهجى بيت قالته العرب، صاحب هذا البيت أودع السجن، هذا شعار كل إنسان الآن، الذي استحق قائل هذا البيت السجن في عهد سيدنا عمر الآن شعار كل إنسان يهمه وضعه الخاص فقط بيته، سيارته، دخله، سهراته، لقاءاته، سفراته، السياحة... هكذا، ما لم تعش هموم الأمة تسقط من عين الله، ولئن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أفضل من أن يسقط من عين الله، إذا سقط...
﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْنًا (105) ﴾
لا شأن لهم عند الله، سقوط الإنسان من عين الله انتهت حياته كلها، أما الصلة الكبيرة مع الله صار هناك رحمة، تخلقوا بأخلاق الله، النقطة الدقيقة جداً تخلقوا بأخلاق الله، أنت حينما تتصل بالله-دققوا– تتصل اتصالاً حقيقياً طبعاً، إذا هناك دخل حرام لا يوجد صلة مقطوعة الخط مقطوع، إذا هناك لقاءات لا ترضي الله الخط مقطوع، قضية ليست سهلة إطلاقاً، عفواً هذا الجامع الثريات كلها مضاءة والصوت يكبّر، لو قطعت التيار ملمتراً واحداً ذهب كل شيء، الآن ملمتر واحد مثل 10أمتار،هو الفرق هذا في الآخرة، بالدنيا واحد، الغلطة هذه حجبتك عن الله.
﴿ كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ(15) ﴾
أنا اجتهادي المتواضع؛ أكبر عقاب للمؤمن أن يحجب عن الله (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) أكل المال الحرام يحجبك عنه، سهرة مختلطة، ملأت عينك من محاسن امرأة غير امرأتك انحجبت عن الله –عزَّ و جلَّ-، أقول لكم كلمة لكن دقيقة قليلاً: لا يوجد كبائر بالمجتمع الإسلامي، قتل لا يوجد، زنا لا يوجد، خمر لا يوجد، صحيح هذا الكلام؟ خذ الآن بعمان بالشام خذ ألف بيت خمر لا يوجد، وزنا لا يوجد، وقتل لا يوجد، لكن يوجد مليون معصية من نوع آخر، الإنسان معقول يخسر الله، يخسر توفيقه، يخسر الاتصال فيه لأجل أشياء بسيطة؟! فلابد من أن نستقيم على أمر الله.
(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خير أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ))
[ صحيح ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
تحصوا ماذا؟ الله يسامح بعض العلماء قالوا: لن تحصوا الاستقامة، أعوذ بالله-معنى الآية غلط.
﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ(286) ﴾
لن تحصوا الخيرات؛ مكانة اجتماعية، بيت ناجح، زوجة صالحة، أولاد أبرار، عمل شرعي، عمل تعيشه بخدمة الناس، الحقيقة الإيمان الإيجابيات فيه تفوق حد الخيال إنسان آخر، إياك ثم إياك ثم إياك أن تتصور بأن المؤمن يصلي، هو يصلي طبعاً لكن فيه ألف صفة ينفرد بها، لا يكذب، لا يغش، لا يسهم في تفريق زوجين أبداً، لا يسهم بتقصير حق، لا يسهم بتقصير بواجب من واجباته، والله لا أبالغ يوجد ألف بند ينفرد بها المؤمن، أحدهم كان عند طبيب لديه عشرون ثلاثون بالانتظار، ففكر أن كل واحد دفع خمسين ديناراً مثلاً ، ضرب خمسين بعشرين هذا الدخل اليومي، قال له: أبقاك الله علمني كيف أكتب وصفة، فقط هذا ما يريده ، قال له: هذه الوصفة تحتاج شخصاً دخل ابتدائي وإعدادي وثانوي ودخل جامعة، وعاش فيها سبع سنوات حتى أخذ الدبلوم بعد الليسانس دبلوم بعد الدبلوم ماجستير وبعدها دكتوراة حتى تكتب وصفة، لما أنت تعرف الله –عزَّ و جلَّ-إنسان آخر، باختيار زوجتك، باختيار عملك، هناك عمل لا يرضي الله –عزَّ و جلَّ- باختيار نزهتك، فالإنسان عندما يعرف الله إنسان آخر، الآن.
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ(104) ﴾
شروط الفلاح بحياة المسلمين:
ما معنى مفلح؟ هناك كلمة ناجح لم ترد ولا مرة بالقرآن، ناجح (بيل غيتس) 83 مليار حجمه المالي، (أبل)700 مليار، الشيء هذا أحادي (بيل غيتس، أبل) أما الوصف الثاني (وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) هناك سبع شروط: حياته الشخصية، زواجه، بيته، حرفته، عمله هذه كلها وفق المنهج، لا يوجد تفلت، هناك أعمال لا ترضي الله –عزَّ و جلَّ-أبداً لا يعتنق شيئاً مثلاً حرفة لا ترضي الله، هناك حرف أساسها معصية، أساسها اختلاط، أساسها إغراء بالزنا، الأفلام كلها هكذا تقريباً، في النهاية يوجد خيانة زوجية بكل فيلم، يكون شيئاً حدوثه بالألف واحد فانتبه، الذي يتابع الأفلام قيمه تغيرت، صدقوا ولا أبالغ أخطر شيء بحياة المسلمين الشاشة الكبيرة والشاشة الوسط والهاتف أخطر شيء بحياة المسلمين، إذا هذه الأجهزة الثلاثة ما ضبطت بالبيت توبة لا يوجد، هذه حقيقة مرة لكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
الآن عندي شيء دقيق قليلاً؛ كنت مرة بأمريكا وزرت معمل سيارات، هذا أهم معمل (جنرال موتورز) قال لي المرافق والمترجم: هذه فيها 300 ألف قطعة السيارة، كلام دقيق جداً، والله أنا أرى فيها فقط غلافاً معدنياً، ومقاعد، وأبواباً، ومحركاً، وبنزيناً، وعجلات، ومكبحاً، خرج معي ثمانية، أين الـ 300 لثمانية؟! هذا الكلام تمهيد لنقطة دقيقة؛ هذا الدين كم عالماً فيه؟ من النبي للآن كم عالماً؟ كم مؤسسة إسلامية؟ كم جامعة إسلامية؟ كم، كم؟ بالملايين، ممكن أن ينضغط الدين كله بكليات؟
أول شيء الفكر، الفهم، التصور، الإيديولوجيا، كلها أسماء متنوعة لمسمى واحد؛ الجانب العقدي بالإنسان، هذه تحتاج لطلب علم، كلمة لطيفة حتى تقدر أن تضع جنب اسمك (د.) فقط معناها معك دكتوراة، معناها درست ثلاث وعشرين سنة لتضيف (د) لاسمك، ومن أجل الجنة إلى أبد الآبدين ما عندك وقت تحضر درس علم، تقتني تفسيراً تقرأه، تحضر سهرة فيها عالم جليل تسمع منه؟ لماذا الناس يهملون دينهم ويعتنون بدنياهم؟! والله لو اعتنينا بديننا كما نعتني بدنيانا، كنت مرة بأمريكا أحدهم دعاني لبيته، وجدت أصواتاً جميلة قرآن كريم بالحديقة، المكبر أين هو؟ لا يوجد مكبر، يوجد مكبر لكن كونها مزرعة المكبر شكل حجر، لا يتناسب مكان زراعي يكون فيه متوازي مستطيلات، لهذه الدرجة ينتبهون، يعيشون حياة من الرفاه تفوق حد الخيال، أما الموت ما دخل في حسابهم بالمطلق.
إخواننا الكرام؛ أنا لست متشائماً أبداً، يقدر الواحد منا وأنا معكم يقول: أنا لا أموت؟ أعرف شخصاً سمعت عنه طبعاً بلبنان أغنى أغنياء لبنان، يوجد مكان مواجه بيروت لفوق أغلى مكان بلبنان كله، مطل على البحر ومطل على بيروت، هذا عمّر قصراً مثل الخيال، وعمل قبراً لنفسه أيضاً لا يقل عن القصر، وقعت طيارته بالبحر، دفعت زوجته 10 آلاف دولار فقط يحضرون الجثة لم يجدوها، هذا الموت أدخله بحسابك تكن أذكى إنسان، هذه الصفقة ترضي الله؟ هذه السهرة ترضي الله؟ هذه الحرفة ترضي الله؟ هناك حرفة كلها معاصٍ وآثام فيجب-سأقول كلمة دقيقة قليلاً-أخطر شيء بحياتك حرفتك وزوجتك لأن هذا شيء دائم، إذا أحسنت خيارهم، يوجد حرفة راقية؛ طبيب تخدم الناس، أحياناً بقال يبيع الناس بضاعة جيدة بسعر معتدل، أهم شيء الحرفة لا يكون فيها معصية _هذا كلام دقيق جداً_ مادام هناك معصية هناك حجاب عن الله دائم، وأكبر عقاب للمؤمن أن يُحجب عن الله والدليل: (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) .
أحضر مثلاً لكن بسيط جداً؛ بائع أقمشة نسائية جاءته امرأة وضيئة ملأ عينه من محاسنها، ما عمل شيئاً، أذّن الظهر ذهب إلى الجامع، معه خط ساخن مع الله؟ ما أكل مالاً حراماً، ما ارتكب فاحشةً لكن ملأ عينه من محاسن هذه المرأة انحجب لأنه توجد آية:
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) ﴾
هذا الدين عظيم يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، يبدأ من فراش الزوجية يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية، فلذلك كليات الدين: العقيدة إن صحت صح العمل، إن فسدت فسد العمل، هذه تحتاج إلى طلب من إنسان.
الحركة الآن ، هناك حركة سلبية(ما) ،أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما أفسدت علاقة زوجين ، كلها ماءات؛ هذه استقامة سلبية، الإيجابية أنفقت من مالي ، من علمي من جاهي، خدمت أناساً ببضاعة جيدة بسعر معتدل، انتبهت لإخوتي الذكور والإناث زرتهم ، وصلتهم، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هناك أشياء كثيرة جداً الإنسان يفكر فيها، بعملك هناك مئة معصية يقابلها طاعة، تقول له : بالله انصحني، أي لون يناسبني، -يختار لها لوناً كاسداً ما باع منه إطلاقاً غير جيد_ "هذا أحلى شيء، هذا موديل السنة" مرر الثوب أو مرر نصف الثوب بالكذب، الكذب شيء خطير جداً، سأقول كلمة دقيقة قليلاً: ممكن إنسان تزل قدمه ليس معصوماً لكن المؤمن لا يكذب، إذا كذب سقط من عين الله، ولئن يسقط الإنسان من مكان عالٍ فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، كذب سقط، ملأ عينيه من محاسن امرأة لا تحل له، أيضاً يوجد مشكلة، هذا إسلام يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية، أما إذا كان بعد استقامتك أتيح لك أن تتصل بالله ولا تقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، عنده مشكلة لا بد من أن يقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني.
ثلاث كلمات مهمة: السكينة، التوفيق، الحفظ:
إخواننا الكرام هناك أشياء دقيقة؛ كلمة سكينة تسمعون بها؟ بالقرآن جاءت، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، ذاقها إبراهيم في النار:
﴿ قُلْنَا يَٰنَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ(69) ﴾
ذاقها النبي في الغار، ذاقها يونس في بطن الحوت، الحوت 150 طناً وجبته المتواضعة 300 كغ، هذه عصرية وليست غداء300 كغ، فمه يتسع إلى عشرة أشخاص واقفين، الله –عزَّ و جلَّ-قال عن سيدنا يونس وقع في بطن الحوت، الآية مشهورة:
﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) ﴾
دقق هذه ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ثلاث ظلمات (فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) .
﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي ٱلْمُؤْمِنِينَ(88) ﴾
دقق الآن التتمة (وَكَذَٰلِكَ نُنجِي ٱلْمُؤْمِنِينَ) أصبح هذا قانوناً للمؤمنين جميعاً، إذا كانت الحيتان شيئاً مخيفاً، الحوت شيء مخيف، ببطن الحوت والله نجاه مشكلتك أخف من هذه بكثير، لا تجد شغلاً مثلاً، أحضر لك أصعب شيئاً لا يحتمل (وَكَذَٰلِكَ نُنجِي ٱلْمُؤْمِنِينَ) صارت قانوناً إلهياً فـ:
كن مع الله تَرَ الله معَكْ
فالإنسان عندما تعرف الله تعرف كل شيء، أكبر عطاء إلهي السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
الثانية: التوفيق:
﴿ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88) ﴾
لا يتحقق شيء بالأرض بالخمس قارات ومن آدم ليوم القيامة إلا بتوفيق الله.
والثالثة الحفظ:
﴿ قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ (64) ﴾
ثلاث كلمات لا تنسوها؛ السكينة شيء لا يصدق تسعد بها ولو فقدت كل شيء، ذاقها النبي في الغار، ذاقها إبراهيم في النار، وذاقها يونس في قلب الحوت، السكينة، والحفظ (فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ) وآخر شيء التوفيق (وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ) يعني لا يتحقق شيء في الأرض بالخمس قارات ومن آدم ليوم القيامة إلا بتوفيق الله، فالتوفيق أكبر عطاء إلهي، وأكبر عقاب للإنسان (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) .
يعني للتقريب؛ أب كبير بأخلاقه بعلمه بتربيته ، والأولاد أكرمهم إكراماً منقطع النظير، هذا الأب لو أعرض عن ابنه يحترق ابنه، إعراض فقط، ما ضربه أعرض عنه، فكلما ارتقى الإنسان يفهم على الله، يبدأ في الصلاة لا يوجد اتصال مع الله، يكون هناك غلطة ارتكبتها بعلاقة معينة ، فكل معصية لها حجاب عن الله (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) الحجاب يمكن أقسى عقاب من الله للمؤمن (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) وما دام لك مع الله خط ساخن_ هذا خط ساخن مصطلح حديث_ استيقظت صليت بالليل بكيت، ما عندك معصية تحجبك عن الله، ما عندك سهرة لا ترضي الله، ما عندك حرفة فيها إشكالات كبيرة جداً، فلذلك الإنسان يجب أن يؤمن الإيمان الذي يحمله هذا الإيمان على طاعة الله، أحضر مثلاً بسيطاً آخر شيء، أحدهم بحاجة إلى أن يتعرض لأشعة الشمس، عنده مشكلة كبيرة كثيراً، علاجها الوحيد الشمس، قعد بغرفة قميئة قبو بعيد عن السطح، والغرفة مظلمة وفيها رطوبة، وقال: يا لها من شمس ساطعة!! يا لها من شمس شافية، هذا الإسلام كله الآن، نحكي بالإسلام كلاماً يجنن، مطبق؟ لا ليس مطبقاً، مالم نطبق لا نقطف ثمار هذا الدين، مالم نطبق هذه الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، إذا ما طبقته صار فلكوراً إسلامياً، خلفية إسلامية، أرضية إسلامية، توجهات إسلامية، بالإسلام لا يوجد حتى اطمئنكم هذه كلها كلمات مستحدثة، له خلفية إسلامية، له ماضٍ إسلامي، تصرف إسلامي، عادات إسلامية ،هذا كله كلام فارغ، مالم تطبق هذا الدين بتفاصيله التي أمر الله بها لن تقطف ثماره، أما هناك جرائم، هناك أعمال كبيرة تحجب عن الله، نحن مشكلتنا محجوبون بلا كبائر، خذ مئة بيت بأي مكان لا يوجد قتل، ولا يوجد زنا، ولا يوجد شرب خمر بأي مدينة إسلامية، لكن ما الذي حجبنا عن الله؟ شاشة غير منضبطة واختلاط وسهرات مختلطة وإطلاق بصر، الأشياء كلها حجبنا عن الله فتجد وعود الله كلها واقفة.
﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55) ﴾
هناك كلمة بالأخير هي المفتاح كله (يَعْبُدُونَنِى) فإن لم تعبد الله خسرت كل ما في الدين من إيجابيات، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق