الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم، الله علِّمنا ما ينفعُنا وانفعنا بِما علّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
رمضان شهر القرب والصِلّة بالله:
إخواننا الكرام: كل عام وأنتم بألف خير، الله عز وجل أرادنا في هذا الشهر أن يكون شهر القُرب من الله، شهر العمل الصالح، شهر صلة الأرحام، شهر التفوّق في العبادات، لكن مع الأسف الشديد الشديد الشديد عند البعض أصبح شهر ولائِّم ومسلسلات، فُرِّغ من مضمونه، مع أنَّ هذا الشهر نقلّة نوعيّة.
(( مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. ))
(( مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. ))
يعني للتقريب إنسان عليه مبالغ فلكيّة ديون، مُهدَّد بالسجن، ومُصادرة المُمتلكات غير المنقولة، مُمكن إذا قيل له افعل هذا العمل ثلاثين يوماً وأنت مُعفى من كل الديون (مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) و(مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) ولكن إيَّاكم، ثم إيَّاكم، ثم إيَّاكم أن تَتوهموا أنَّ المغفرة تَنال حُقوق العِباد، هناك ذنبٌ يُغفر ما كان بينك وبين الله.
(( قال اللهُ تعالى : يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا ابنَ آدمَ ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي يا ابنَ آدمَ ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً . ))
مادام الذنب بينك وبين الله، أما إذا كان بينك وبين العباد هذا الذنب لا يُغفر إلا بإحدى حالتين، الأداء أو المُسامحة.
إذاً هذا الشهر شهر القُرب، شهر إنفاق المال، شهر الصدقات، شهر أداء الزكاة،، شهر صِلة الأرحام، شهر عبادة، نقلّة نوعيّة، يعني أنت تُصلّي ثلاثمائة وخمسة وستون يوم، فرض عين على كل مسلم، لكن شهر رمضان عبادة استثنائيّة،(مَن صام رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) و (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) .
الإنسان مُخيّر وهذه أهم خاصة في حياة الإنسان:
يعني أحياناً الحقيقة المُرّة أفضل ألف مرَّة من الوهم المُريح، يعني العالم الإسلامي دققِّوا، يملك بالتمام والكمال نصف ثروات الأرض، النصف! كل أنواع الثروات يملك نصفها، يحتل الموقع الإستراتيجي الأول في العالم، مُلتقى القارات الثلاث، عندهم ممرات مائيّة أصل التجارة الدوليّة، طبعاً السويس والمندَب وهرمُس، يعني أغنى شعب في العالم الشعب الإسلامي المسلم، وفيه قواسم مشتركة تفوق حدّ الخيال، يعني يوجد مليارين مسلم الآن صلاتهم واحدة، صلاتهم، صيامهم، حجّهم، زكاتهم، نمتلك خصائص يفتقر لها أهل الأرض، ومع ذلك لسنا على ما ينبغي، والأخبار تعرفونها تماماً، والأخبار السلبيّة مُؤلمة جداً، حتى مُؤلم ذكرها، فلذلك إذا عُدنا إلى الله!؟
الآن سؤال مُحرج: هل من المعقول أنا إذا استقمت تُلغّى هذه السلبيات؟ مستحيل، نحن عندنا إسلام فردي، و إسلام جماعي، الفردي دائرة لك فيها القرار، أنت دائرة يمكنك أن تُصلّي أو لا تُصلّي، يمكنك أن تصدُّق أو أن تكذِّب لا سمح الله، يمكنك أن تعمل عمل إيجابي أو عمل سلبي أنت مُخيّر، والدليل:
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾
دليل آخر:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
فأنت تملك حقّ الاختيار، هذه خاصة يعني أهم خاصة في حياة الإنسان، فلذلك هذا الشهر شهر الصيام، شهر الصُلح مع الله، شهر التوبة النصوح، شهر صِلة الأرحام، شهر إنفاق المال ولا سيما الزكاة، شهر التواصل الاجتماعي، لك أخت في طرف المدينة ينبغي أن تزورها في هذا الشهر، فأنت أمام مجموعة أعمال صالحة ترقى بها عند الله، هناك سؤال دقيق هذا الذي شارَّف الموت، ماذا يقول؟ الله عز وجل سرَّب لنا قوله:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾
الخيرات تأتي بطاعة الله فقط:
عندنا أزمة عِلم فقط، ثمانية مليارات إنسان لا يوجد فيهم واحد يُحبُّ الفقر ولا أي واحد، ولا أي واحد يُحبُّ المرض، ولا واحد يُحبُّ القهر، ولا يوجد فيهم واحد إلا ويُحبُّ المال الوفير، يُحبّ الصحة التامة، يُحبّ نجاح زواجه، أولاده يتقربون إليه، بناته مُحتشمات، مكانته الاجتماعيّة عالية، كل هذه الخيرات تأتي بطاعة الله، يعني إذا كان طفل صغير جاء العيد إن شاء الله القادم عيد الفطر، وقال لِعَمّه معي مبلغ عظيم، طفل عمره أربع أو خمس سنوات أو ست سنوات، قال: معي مبلغ عظيم، يعني أعطاه عمّه خمسين دينار، وأعطاه عمّه الثاني خمسين، وخاله خمسين، وخاله الثاني خمسين، معه مائتا دينار هذا المبلغ عظيم من فم طفل صغير، لو مسؤول كبير في دولة عظمى قال: اعددّنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً مائتا مليار! فإذا قال خالق السماوات والأرض، فإذا قال ملك الملوك:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردّتهما معاً فعليك بالعِلم، والعِلم لا يُعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كُلّك، فإذا أعطيته بعضك لم يُعطك شيئاً.
الإنسان هو المخلوق الأول المُكرّم عند الله والمُكلَّف بالعبادة:
عودة سريعة للمُسلَّمات، هذه الطاولة لها طول، عرض، ارتفاع، وزن، وحجم، أما النبات يزيد عليها بالنمو، أما الكائن المُتحرك يزيد عليهما بالحركة، والإنسان له من الجماد قواسم مشتركة، له وزن، وحجم، وطول، وعرض، وارتفاع، له من النبات النمو، كان طفل صغير وصار مائة وثمانون سنتيمتر، وله الحركة فهو يتحرك، الهِرَّة تمشي والإنسان يمشي، إذاً نحن أمام صفات فريدة من نوعها، إلا أنَّ الإنسان أكرَّمه الله بقوةٍ إدراكيّة انفرد بها، هذه القوة الإدراكيّة أن ترى الشيء قبل أن تصل إليه، هذه الرؤيا سبب إيماننا، فلذلك نحن الإنسان مخلوق أول، مُفضَّل، مُكرَّم، مُكلَّف بالعبادة، والعبادة طاعةٌ طوعيّة، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية تُفضي إلى سعادة أبدية، فنحن إذاً أمام شهر الصُلح مع الله، شهر القُرب، شهر التوبة النصوح، شهر النقلّة النوعيّة، شهر أن تتصل أيُّها الكائن الضعيف الخائف، مع أصل الجمال والكمال والنَّوال، مع الذات الإلهيّة.
إخواننا الكرام للتقريب: كنت مرة في بلد بعيد، ودعاني أحد الإخوة الكرام أن أزور معرض سيارات الأول في العالم، بقيت فيه سبع ساعات، ذكرَّ لي المرافق أنه هذه السيارة فيها ثلاثمائة ألف قطعة! أما أنا يوجد غلاف معدني، يوجد أرضية معدنية قوية جداً، فيها محرك، وعجلات، صاروا سبعة أو ثمانية، كيف انقسموا من ثلاثمائة ألف إلى سبعة أو ثمانية؟! أنا أردت هذا المثل للتقريب، الدين كم عالِم فيه؟ كم مؤسسة إسلامية؟ كم جامعة إسلامية؟ كم كتاب مُؤلف؟ كله بالملايين، هل يمكن لهذا الكمّ المذهل أن يُضغط بكُلِّيات هذا الجواب.
الدين عقيدة إن صحَّت صحّ العمل وإن فسدَّت فسد العمل:
إخواننا الكرام تحت عنوان كُلِّيات هذا الدين، العقيدة إن صحت صحَّ العمل، إن فسدت فسد العمل، فلا بُدَّ من طلب العِلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، والعِلم لا يُعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كُلّك، فإذا أعطيته بعضك لم يُعطك شيئاً.
يعني أنت حينما تزور مسجد ماذا يوجد في المسجد؟ يوجد تعليمات الصانع، تعليمات الصانع العظيم هو الله ربُّ العالمين، الذي خلقك، افعل ولا تفعل، معك تعليمات الصانع، يعني إنسان اشترى مركبة غالية جداً، وتألقّ ضوءٌ أحمر في لوحة البيانات، إن فهِم هذا التألقّ تألُقّ تزييّني أحترق المُحرك، وإن فهمه ضوءاً تحذيرياً من قبل الصانع توقف المركبة تُضيف لتر زيت واحد، فأنت لا تُحبَّ أحداً أحبَّ نفسك، الذي عنده أنانيّة مُفرطة في محبّة الذات ليتّبع تعليمات الصانع.
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾
جنّة في الدنيا وجنّة في الآخرة، (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) جنّة الدنيا جنّة القُرب.
فلو شاهدت عيناك من حسـننا الـذي رأوه لما ولـيت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حُسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئـتنا
ولو ذقت من طـعم المحـبَّة ذرةً عـذرت الـذي أضـحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نـسمةٌ لـمـُت غريـباً واشــتياقـاً لـقربــنا
ولـو لاح من أنـوارنا لـك لائـحٌ تركــت جـميع الكــائنـات لأجــلنا
فما حبنا سهلٌ وكل مـن ادّعـى ســُهـولــته قلـنا لـه قـد جـهـلتنـا
وأيسر ما في الحب للصبِّ قتله وأصعب من قتل الفتى يومُ هجرنا
يعني مثل تقريبي: إنسان ميسور أرسل ابنه إلى باريس لينّال الدكتوراه من جامعة السوربون وهي أعلى جامعة في العالم، يوجد مصطلح سأعيده مرّة ثانية، ما علّة وجوده في باريس؟ الدراسة، له أن يأكل في مطعم مسموح له، أن يجلس في حديقة، أن يشتري كتاب، أما عِلّة وجوده الدِّراسة، أنت الإنسان الأول عند الله.
رُكِّب المَلَك من عقلٍ بِلا شهوة، رُكِّب الحيوان من شهوةٍ بلا عقل، رُكِّب الإنسان من كليهما، فإن سَما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سَمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، أُضيف كلمة من عندي، دون أحقر حيوان، لا يوجد حل وسط، إما أنك فوق الملائكة، أو أدنى من أيِإ حيوان، فلذلك قضية خطيرة، قضية مصيريّة، أنت المخلوق الأول والمُكَّرم والمُفضَّل والمُكلَّف بعبادة الله، والعبادة طاعةٌ طوعيّة، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية تُفضي إلى سعادة أبدية.
لا يوجد في الدنيا سعادة مستمرة ومتناميّة:
مُضّطر أتكلم بكلام سريع، يوجد عندنا لذِّة وسعادة، اللّذِّة حسيّة، يعني طعام طيب، وبيت واسع ومركبة فارهة، بيت له إطلاله جميلة على البحر، اللّذِّة حسيّة تحتاج دائماً إلى مال ووقت وصحة، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغةٍ بالغة دائماً تنقصك إحدى هذه الخصائص، في البدايات لا يوجد مال، لكن يوجد صحة ووقت ولكن لا يوجد مال، في الوسط يوجد مال، ويوجد صحة، لكن لا يوجد وقت، أقسّم لي بالله أخٌ صالح جداً عنده معمل نسيج، قال لي: والله ستة وثلاثون سنة لم أذهب في نزهة! إلا مرّة ذهبت وأحضرت سيارتي من اللاذقية، يوجد صحة ومال ولا يوجد وقت، كبر وتقاعد وأعطى المعمل لأولاده، صار عنده وقت، وعنده مال، ولكن لا يوجد صحة، ما سمح الله للدنيا أن تًمدَّك بسعادة مستمرة، مُتنامية مستحيل! ومستمرة مستحيل! معقول أنت مخلوق لله عز وجل:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
أنت المخلوق الوحيد الذي كرَّمك الله، أنت فوق الملائكة إن عرفت الله، فلا بُدّ من طاعة الله، والطاعة طاعةٌ طوعيّة، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية تُفضي إلى سعادة أبديّة.
فكلّيات الدين، يعني أصول الدين، العقيدة إن صحّت صحّ العمل، إن فسدّت فسد العمل، لا بُدَّ من طلب العِلم، يعني للتقريب حتى تستطيع أن تضع قبل اسمك حرف دال ونقطة تحتاج إلى ثلاثة وعشرون سنة دراسة من أجل الدال! ولكي تستحق الجنّة إلى الأبد لا يوجد عندك وقت لتحضر درس عِلم؟! لا يوجد عندك وقت لتقرأ قرآن؟! من أنا؟ لماذا أنا في الدنيا؟ ما علّة وجودي؟ ما هدف وجودي؟ ما هو الموت، ماذا بعد الموت؟
يوجد كُلّيات صدِّق ولا أبالغ والكلام مؤلم جداً، بالأرض يوجد ثمانية مليارات إنسان، همُّهم الوحيد الطعام والجنس، العالم كله هكذا الآن، حينما ترد مئات الآيات في القرآن، الإيمان بالله واليوم الآخِر، الإيمان بالله واضح، كي تُطيعه، واليوم الآخِر كي لا تؤذيّ مخلوقاً.
سأقول لكم كلمة مؤلمة جداً، الأقوياء في هذا العصر بنوا سلامتهم على قهر الآخرين، بنوا حياتهم على موت الآخرين، بنوا عزّهم على إذلَّال الآخرين، نعاني ما نعاني، نحن كأمة والله لا أُبالغ نملك بالتمام والكمال نصف ثروات الأرض بالضبط، نملِك ممرات مائيّة أصل التجارة الدوليّة، نملِك لغة واحدة، نملك آمال واحدة، ونحن أضعف البلاد، كلمة مؤلمة جداً أضعف البلاد، وطبعاً خمس عواصم من احتلها ليس كما ينبغي، فإخواننا الكرام أريد فقط أن أُبعد عنكم اليأس، والتشاؤم، والسوداويّة يقترب من الكفُر، المؤمن مُتفائل، معنى مُتفائل عندنا إسلام فردي، وإسلام جماعي، الفردي ما كان لك فيه القرار، فأنت دائرة تستطيع أن تُصلّي أو لا تُصلّي، تغضّ بصرك أو لا تغضّ، تبيع بيعةً صحيحة أو فيها غش، مُخيّر أنت، والدليل (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)
الله بيده كل شيء ومع ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً:
فأنت الكائن الأول والمُكلَّف، والمُفضَّل، والمُكلَّف بعبادة الله، من أدقّ التعريفات طاعةٌ طوعيّة، خلقنا حياتنا بيدُّه، الموت بيدُّه، الصحة بيدُّه، المرض بيدُّه، الفقر بيدُّه، الغنى بيدُّه، ومع كل كل ذلك ما قَبِل أن نعبُّده إكراهاً قال:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾
بل أراد أن تكون المودّة أصلاً في العلاقة مع الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾
فلذلك الحبُّ نوعان، حُبٌّ في الله، وحُبٌّ مع الله، الحُبُّ في الله عين التوحيد، والحُبُّ مع الله عين الشِرك، الحُبُّ في الله أن تُحبَّ الله ورسوله، والأنبياء جميعاً، والعلماء الربانييّن جميعاً، والمساجد، وبرِّ الوالدين، هذه قواسم مشتركة في الأرض، هذا الإسلام، الحُبُّ في الله عين التوحيد، والحُبُّ مع الله عين الشرك.
يعني أعرف شخص يتمتع بمنصب عالٍ جداً في التربية، فهو بعيد عن الدين بُعدَّ الأرض عن السماء، مرةً خطر في باله أن يصوم يعني بعد عمر تقريباً خمسة وأربعين سنة، أحبَّ أن يصوم، دخل على مسؤول كبير، فقال له: صائم؟ قال له: لا أنا لا أصوم وأفطر من أجله! حينما ترى عظمة الله، والله إن رأيت عظمة الله ولا تقول ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، هنا المُشكلة، يعني أكلنا وشربنا، تابع الناس بعض الأفلام وناموا هكذا حياتهم، طعام وإعلام، أما الموت مالك البيت أصبح جثّة هامدة، يكون إذا دخل البيت يملئ البيت سعادة، الآن يخافوا أن يدخلوا إلى غرفته بعد الموت، يخافوا أن يروا ملابسه يُقدموها هدايا للآخرين، هذا الموت إخواننا الكرام والله من أعمق الكلام، إذا دخل في حساباتكم ستنعكس كل مقاييسكم مائة وثمانون درجة، "عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولمْ يبقَ لك إلا أنا وأنا الحيُّ الذي لا يموت" .
هناك آخرة وستستمر إلى أبد الآبدين:
يعني ليست القضية ثانوية، يوجد أبد يوجد آخرة، يعني الآخرة كم سنة؟ مليون سنة؟ مليار سنة؟ مليار مليار؟! ألف مليار؟ لا إلى الأبد، هذا الرقم، الشمس تبعُد عن الأرض بمليون وكذا ألف كيلومتر، إذا كل ميليمتر يوجد صفر هذا الرقم ماذا سيكون، أي رقم واحد بالأرض وأصفار للشمس، إذا نُسب إلى لانهاية صفر، أنت مخلوق للأبد، لأبدّ الآبدين، والدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طمّاعة عودّها القناعة.
من فضل الله أنه جعل لكل شهوة في الإنسان قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها:
لا يوجد حاجة أساسيّة بكيانك الإنساني إلا ولها قناة نظيفة طاهرة، اشتهيت المرأَة يوجد زواج، هذه زوجتك أم أولادك، تسعدُّ بها أكبر سعادة، يعني ما مِن شهوةٍ أيُّها الشباب دققوا في هذه الكلمة ما مِن شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناةً نظيفةً طاهرةً تسري خلالها، صدِّق ولا أُبالغ، يعني اقبلوا مني هذا المثل، قد يكون غريباً عنكم، عندنا وعاء قياس كبير كُلما غضّيت بصرك عن امرأة لا تحلُّ لك وضع في هذا الوعاء ليرة ذهبية، بعد الزواج تفتح هذا الوعاء، الإنسان إذا غضَّ بصره يسعد بزوجته وإلا يشقى بها، يعني أهم شيء بيتك، زوجتك، أُمّ أولادك، إذا يوجد مودة المودة الداخليّة تُخفف مليون خبر سلبي، والله منذ اثنا عشر سنة لا يوجد خبر سار، لكن ما الذي يعوض؟ يُسمونها دائرة صُغرى، ما الدائرة الصُغرى؟ الأب والأم، والأولاد، والبنات، والأحفاد، هذه أول دائرة، يوجد أسرة ثلاثين أربعين، يوجد عالِم كبير بالشام حوالي خمسة وأربعون، أب، وأم، أولاد، وبنات، أصهار، وكنائن، وأحفاد، هذه الدائرة الأولى إذا مُتفاهمة، مُتواصلة، تُنسينا كل الأخبار السلبيّة في الحياة، فقط حينما تعتني ببيتك وبأولادك وبزوجتك، ومن يلوذُ بك، أمك وأبوك، هذه الدائرة الأولى إن نَجَحَت نَجحْتَ في الحياة، أنت تعيش مع أناس مُتفاهمين، مُتعاطفين، مُتعاونين، مُتبادلين للحُب، فكلما كان النجاح في الأول دائرة ناجح جداً، هذا النجاح يُنسيك سلبيات الحياة، وإذا لا يوجد شيء من هذا، لا يوجد خبر سار، في البيت لست مرتاح"جنَّة المؤمن داره".
لذلك أدعو لكم والله من أعماق قلبي، الذي لم يتزوج بعد أن يَهبَّه الله زوجةً صالحة، تسرُّه إن نظَّر إليها، وتحفظه إذا غابَّ عنها، وتُطيعه إن أمرها، غضّ البصر قبل الزواج مُكافأته زوجة صالحة، وإطلاق البصر إطلاقاً لا يُحتمل زواجه زوجة تُريه النجوم ظهراً، يوجد هكذا زواج، هذا الدين منهجنا، الإيمان بالله واليوم الآخر مصيرنا، والمؤمن والله لا أُبالِّغ، أُشهدكم الله لا أُبالِّغ إن لم تقل أيّها المؤمن المُصطلِح مع الهخ الذي يُطيع الله، ليس على وجه الأرض من هو أسعدُ مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة كبيرة، حفظ الله لكم إيمانكم، وأهلكم وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار هذه البلاد، الله يُهيئ لنا صيام مقبول وإفطار شهي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الملف مدقق