الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكِرام يقول الله جلَّ جلاله في كتابه الكريم:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) ﴾
الله عز وجل يُربيّنا خلقنا لجنةٍ عرضها السماوات والأرض:
قل اللهم، دعاء، مَالِكَ الْمُلْكِ، أي شيء يُملّك الله يملُّكه، مَالِكَ الْمُلْكِ (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ) المُلك المادي، (وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ) المعنوي، يعني السيّاق يقتضي، بيدك الخير والشر، الآية بيدك الخير، معنى ذلك أنَّ إيتاء المُلك خير، وأنَّ نزعه خير، والإعزاز خير، والإذلال خير، ربُّ العالمين يُربيّنا، خلقنا لجنةٍ عرضها السماوات والأرض، الإنسان إذا اختار هدف مادي أرضي دنيوي الله عز وجل يُعالجه، عن طريق مصيبة، عن طريق شبح مصيبة إلى آخره، لذلك النص الدقيق
(( والشَّرُّ ليسَ إليكَ ، والمَهْديُّ مَن هدَيتَ ، أَنا بِكَ وإليكَ ، لا مَنجا مِنكَ ولا مَلجَأ إلَّا إليكَ ، تبارَكْتَ وتعالَيتَ ))
(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ) يعني إيتاء المُلك خير ونزع المُلك خير، والإعزاز خير، والإذلال خير، يُربيّنا هو ربُّ العالمين، لذلك (إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قادر أن تُعامل المؤمن المستقيم أرقى مُعاملة، وأن تربي الآخر تربيةً فعالة.
يعني خطر في بالي خاطر، دخلت إلى مسجد يوجد فيه حوالي ألف، أعتقد أنه ثمانمائة واحد جاؤوا إلى المسجد بعد معالجة من الله لطيفة، لذلك (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) فقط وفي نص دقيق (والشَّرُّ ليسَ إليكَ) يعني شرّ مطلق في الكون لا يوجد، لأنَّه يتناقض مع وجود الله، الفرق بين التناقض والتعاكس قد يجتمع لون أبيض مع أسود، نقول لونان مُتعاكسان، أما النور والظلام لونان أحدهما يُلغي الآخر، إذا وجِدَ ظلام لا يوجد نور، وإذا وجِدَ النور لا يوجد ظلام.
التفكُّر في الموت جزء من الدين:
لذلك نحن في رمضان، رمضان إدخال المستقبل في حساباتك، أنا لا أُبالغ ثماني مليارات إنسان يعيشون لحظتهم، وماضيهم فقط، الأخ الكريم مهندس، أين درست؟ في القاهرة، أما المستقبل الإنسان في عقله الباطن يهرب منه لماذا؟ لأن هناك موت، التفكّر في الموت جزء من الدين، ادرس وخُذ شهادة عُليا وتزوج، واسكن في بيت، وافعل ما تشاء من المُباحات، ولكن لا تنسى أنَّ الموت مصير كل إنسان.
فرعون أكفّر كفّار الأرض لماذا؟ قال أنا ربكم الأعلى
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) ﴾
الثانية أقل بقليل:
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾
حينما أدركه الغرق، قال:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ﴾
يعني أنت لديك ألف خيار رفض في الحياة، هذا البيت لم يُعجبك لا تشتريه، هذه الحرفة وقتها طويل وأجرها قليل، لديك مائة ألف خيار رفض، إلا مع الإيمان عندك خيار وقت، لأنَّ فرعون أكفّر كفّار الأرض، حينما أدركه الغرق قال: (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) خيارك مع الإيمان خيار وقت:
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(158) ﴾
كل سلبيات الحياة تربيّة إلهيّة:
الآن يعني طفل مثلاً: قال لأبيه أريد أن لا أدرس، قال له: كما تريد من أول كلمة، هذا استيقظ الساعة العاشرة ولم يستيقظ الساعة السادسة، لا يوجد واجبات، لا يوجد أستاذ، لا يوجد معاقبة، رأى نفسه أسعد طفل، لمّا كبر لا يوجد عنده بيت، ولا سيارة، ولا زوجة، ولا وظيفة، ولا دخل، فحقّد على أبيه، قال له: يا أبتِ لماذا لمّا قلت لك أريد أن لا أدرس لم تضربني؟! فاسمع القرآن:
﴿ وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
رسولاً يعني مصيبة، فكل سلبيات الحياة تربية إلهيّة، تدخل إلى مسجد يعني تسعون بالمائة أو ثمانون بالمائة جاؤوا إلى المسجد بعد معالجة من الله لطيفة، الله حكيم.
أَذكر قصة رواها لي صاحبها، يعني عليه زكاة عشرة آلاف أو اثنا عشر ألف وخمسمائة، زوجته ضغطت عليه ضغط شديد ليطليَّ البيت، استجاب لها وطلى البيت بهذا المبلغ، بعد أسبوعين حصل له حادث سير، قال لي: الشيء الغريب أنَّ تكاليف إصلاح السيارة كان بمقدار مبلغ الزكاة بالضبط، هذه رسالة، الله عز وجل يُرسل لك كل يوم رسالتين أو ثلاث، هذا ربُّ العالمين، لذلك: (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، ما قولك أنَّ ربَّ العالمين ممكن أن يُلخِّص فحوى دعوة الأنبياء جميعاً الذين ذُكروا أم لم يذكروا بسطر واحد:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد والعبادة:
يعني فحوى دعوة الأنبياء جميعاً الذين ذُكروا في القرآن مع الذين لم يُذكروا فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلمتان: (لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) فالتوحيد نهاية العِلم، والعبادة نهاية العمل، فحوى دعوة الأنبياء جميعاً الذين ذُكروا مع الذين لم يذكروا، الفحوى المضمون بالعقيدة التوحيد، بالحركة العبادة(أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) يعني تعريف العبادة هي: طاعةٌ طوعيّة، حياتنا بيدُّه، الرزق بيدُّه، المال بيدُّه، السعادة بيدُّه، التوفيق بيدُّه، كل شيء بيدُّه، ومع كل كل ذلك ما قَبِل أن نعبُّده إكراهاً فقال:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾
بل أراد أن يكون الحُبّ أصلاً في العلاقة به قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾
لذلك هذه العبادة تؤدى بثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع دائماً، هذه العبادة الأساسية.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
العبادة الأساسية، يوجد عبادة شعائريّة، وعبادة تعامليّة، الشعائريّة الصوم، والصلاة، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، يوجد لكل واحدة آية تُلغيها إن لم يكن معها استقامة، أما العبادة التعامليّة يعني اختيار زوجتك، آثرت المؤمنة، المُحجبة، تربية أولادك، اختيار حرفتك، التعامل مع الزبائن، تعامل صادق أم كاذب؟ يعني العبادة التعامليّة لا أبالغ ألف بند، ألفان أو ثلاثة آلاف، كل حركاتك وسكناتك عبادة تعامليّة، وما لم تصلح العبادة التعامليّة لا تُقطَف ثِمار العبادة الشعائريّة، إذاً العبادة: "طاعةٌ طوعيّة، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية تُفضي إلى سعادة أبدية"، هذه العبادة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع، السنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع، كل أربع سنوات يوجد سنة كبيسة، هذه العبادة الأساسية (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، عندنا عبادة موسميّة، هي رمضان.
رمضان شهر العبادة الخاصة وشهر التوحيد:
رمضان شهر العبادة الخاصة، أنت طوال أيام العام تدعّ المعاصي والآثام طبعاً، أما في رمضان تدعّ الطعام الحلال، الطعام والشراب وأهلك تدعّ، فأنت في رمضان له وضع خاص، ترك الطعام والشراب، وسائر المُفطِّرات، وفهمكم كفاية، إذاً رمضان شهر التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، يعني أن لا ترى مع الله أحداً، هو المُعطي، هو المانع، هو المُعزّ، هو المُذلّ، هو المُوفِق، هو الحافظ، أسماء الله الحُسنى مئات، التسعة والتسعون اسم، ويوجد مائتان وستون الأكبر أسماء وردّت في ثنايات القرآن الكريم والسُنّة، فالله عز وجل ذاتٌ كاملة، أصل الجمال والكمال والنوال، أنت حينما تعبًّده ضمنت منه التوفيق، ضمنت منه السكينة، تسعد بها ولو فقدت كلَّ شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كلَّ شيء، السكينة أكبر عطاء، ذاقها النبيُّ في الغار، وذاقها إبراهيم في النار، وذاقها يونس في بطن الحوت، أكبر عطاء إلهي السكينة، مرة ثانية، تسعد بها ولو فقدّت كلَّ شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كلَّ شيء والحفظ:
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾
والتوفيق:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾
ولذلك رمضان شهر التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، أن لا ترى مع الله أحداً، هو المُعطي، هو المانع، هو المُعزّ، هو المُذلّ، هو المُغني، هو الحافظ، تسعة وتسعون اسم، والأسماء التي تجاوزت هذا الرقم، مائتان وستون اسم، الشرباصي عالم كبير في مصر ذكر مائتان وستون اسم لله عز وجل، ذاتٌ كاملة، صاحب الأسماء الحُسنى، والصفات العُلا، بيده كل شيء.
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
إذاً رمضان شهر التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، أن لا ترى مع الله أحداً، لا مُعطي، ولا مانع، ولا رافع، ولا خافض، ولا مُعزّ، ولا مذلّ، إلا الله عز وجل.
وأول نقطة رمضان شهر الصبر، أنت بغير رمضان لا تكِّذب ولا تغش، يوجد أشياء كثيرة من صفات المؤمن، أما برمضان ينبغي أن لا تأكل، الأكل مُباح لا يوجد أكل، ولا شرب، يعني للتقريب رمضان في شهر آب، الحرارة ثلاثة وخمسون، في البيت لا يوجد أحد والثلاجة فيها كل شيء، هل تقدر أن تأخذ قطرة ماء؟! لا تقدر، إذاً رمضان عبادة التوحيد، أنت ترى الله يراك، ترى أنَّ الله يعلم، إذا علمتَّ أنَّ الله يعلم لا يمكن أن تعصيّه، يعني للتقريب أنت راكب سيارتك والإشارة حمراء أو يوجد كاميرا، لماذا تقف؟ لأنّ واضع قانون السير وزير الداخليّة عِلمُه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك، سحب الإجازة سنة أحياناً، أو مبلغ كبير، لأنَّك تعلم يقيناً أنَّ واضع القانون عِلمُه يطولك وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه.
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) ﴾
عِلمُه يطولك وقدرته تطولك، إذاً هذا هو شهر التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، يعني "من لم يكن له ورعٌ يصدّه عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله".
إذاً رمضان شهر الصبر والتوحيد، يعني لو فرضنا معك شيك بألف، أو معك شيك بعشرة آلاف أو بمليون، خمسة ملايين، لكن يوجد شيك مُحيّر، موقّع والرقم متروك لك، شيك مفتوح! هذا تستطيع أن تضع مليون أو مائة مليون.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ﴾
هذه الآية تماماً، يعني لا يوجد حساب هنا، أنت اطلب أي رقم، موقّع الشيك، والرقم مفتوح، هذا اسمه شيك مفتوح، هذا شيك خطير جداً، شيك مفتوح، فالله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
إذاً رمضان شهر الإنفاق، الزكاة والصدقة في رمضان، يعني لي أخ من إخواني الكرام في الشام هو كان بعيد عن الدين وتاب إلى الله توبةً نصوحة، بعد ما تاب، سأل ما واجباتي في العيد، أن يزور أقربائه، زار أخوه يسكن في جبل قاسيون، وجد البيت تحت الأرض مستويين! رطوبة عاليّة جداً، يعمل روماتيزم وأولاده مرضى كلهم، وهو ميسور، اشترى له بيت في أحياء دمشق الجيدة، هذه الزيارة، المُعايدة أن تتفقد هذا القريب، ترى وضعه بحاجة إلى مساعدة، بحاجة إلى تربية أولاد، بحاجة إلى قسط مدرسة، هذه المُعايدة، نحن الشيء الذي بلغناه الآن، معك بطاقات وتتمنى أن لا تجده، تضع البطاقة، ليس هذا العيد، العيد أن نتفقد بعضنا.
حدّثني أخ قصة تأثرت بها جداً، هو يسكن في الجبل وفقير جداً، بالجبل وطابق تحت الأرض بمرتين، ظلام، رطوبة عالية جداً وأولاده كلهم مرضى، هذا الرجل الذي عرف بعد ما تاب إلى الله أحبَّ أن يتفقد أقربائه في العيد ذهب إليهم ورأى وضعهم، اشترى لهم بيت في حيّ راقي، يعني المُعايدة ليس فقط أن وضعنا بطاقة! لا بل هي أعمق بكثير، هذا أخوك في الله بحاجة إلى مساعدة، مادية، معنويّة، وساطة، فأنت حينما تؤمن أنَّ علِّة وجودك العمل الصالح، تؤمن إيمان يقيّني أنَّ علِّة وجودك العمل الصالح، وسُميّ صالحاً لأنَّ يصلُّح للعرض على الله، فلذلك كما أنه عندك ثلاث وجبات طعام في اليوم شيء ثابت، أنا إيماني الدليل:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
أي علِّة وجودك العمل الصالح، وسُميّ العمل صالحاً لأنَّه يصلُّح للعرض على الله.
رمضان شهر الإنفاق، يعني مثلاً هذه الإنسانة الفقيرة، أنا ممكن أن أدفع لها زكاة مالي لكن ليس دفعةً واحدة، ممكن أن أُعطيها كل شهر، أُقسِّم المبلغ على اثنا عشر شهر، أُعطيها كل شهر مبلغ تعيش به، لا داعي أن أُعطيها المبلغ كاملاً قد يكون ليس لديها حِكمة، أولادها غير مُنضبطين، تعمل لها راتب شهري ولكن تعمل قسم في صندوقك هذا للصدقات الجاريّة، فلا بُدَّ من إنفاق المال، لذلك رمضان شهر الإنفاق الزكاة والصدقّة.
الآن رمضان شهر القرآن:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(121)﴾
ما معنى حقَّ تلاوته، أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية، يعني إذا كان خلفك ثلاثة آلاف مصلّي وقلت إنما يخشى اللهَ من عباده العُلماءَ الصلاة كلها باطلة، حركة واحدة! إنما يخشى اللهَ من عباده العُلماءُ
إذاً العربية مهمة جداً، وممكن أحكام التجويد؟ وممكن تفهم
﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ(79)﴾
وممكن تنقلها إلى الآخرين، هذه الدعوة إلى الله عز وجل، (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) قراءة صحيحة، إن أمكن مجوَّدة، إدغام وإقلاب وإظهار، ثم الفهم، ثم العمل، ثم الدعوة، هذا معنى(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) .
الآن رمضان صلة الأرحام، لك ابن أخ بطرف المدينة الآخر، رمضان نتواصل، أنا كنت أذكر، يعني عندنا ثاني يوم في رمضان يأتي كل آباء طُلاب العِلم، ويوجد هدايا ممتازة جداً، على كلٍ "الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق" .
آخر شيء بهذا اللقاء الطيب
(( ابغوني الضُّعفاءَ، فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ ))
والله الذي لا إله إلا هو هذه الآية لها أثر يفوق حد الخيال(فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائِكُمْ) هذا الضعيف إن أطعمته إن كان جائعاً أو عالجته إن كان مريضاً، أو زوجته إن كان أعزباً، أو نصرته إن كان متّهماً، يعني ممكن أن أتكلم بهذا ساعة، هذا العمل (فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ) ، والضعيف مُهمَل بمعظم بلاد العالم، زرت إيطاليا يعني شيء لا يُصدّق، رأيت المئات في روما يناموا على الطريق على الرصيف! أين نظامنا الإسلامي؟! يعني نحن عندنا إيجابيات بحياتنا صعب أن تُصدَّق! كم أخت تبيع حليّها ليتزوج أخيها؟ لا تقبلوا من الغرب جَلد الذّات، نحن عندنا حضارة، نحن مُتحضّرون بديننا، كم أخت تبيع حليّها لأخيها ليتزوج؟ هذا موضوع طويل جداً، هذه ثمار الدين الإسلامي، نحن نعيش بوحيّ السماء.
إخواننا الكرام نحن عندنا وحلُ الأرض وعندنا وحيّ السماء ، وحلُ الأرض مصالح وشهوات، يعني ممكن دولة قوية تُلغي قتل مليون ونصف مليون مُعاقب هاتف؟ لا تفعل ذلك، ما لم تكفُر بالغرب لن تؤمن بالله
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾
فلذلك (فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ) ، عملك الصالح يُعطيك خط ساخن مع الله.
فلو شاهدت عيناك من حسـننا الـذي رأوه لما ولـيت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حُسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولو ذقت من طـعم المحـبَّة ذرةً عـذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نـسمةٌ لـمـُت غريـباً واشــتياقـاً لـقربــنا
ولـو لاح من أنـوارنا لـك لائـحٌ تركــت جـميع الكــائنـات لأجــلنا
فالقضية خطيرة جداً، "ابن آدم، اطلبنى تجدني، فإذا وجدتني وجدتَ كل شيء، وإن فتُّك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء."
إذاً كُلّيات الدين، مرة زُرت معمل بأمريكا أرقى سيارات، قال لي المرافق مع المترجم قال لي: هذه السيارة فيها ثلاثمائة ألف قطعة! أما أنا كراكب سيارة لا يوجد ثلاثمائة ألف، يوجد غلاف معدني، وعجلات، ومحرك، ومكبح، إلى آخره صاروا سبعة أو ثمانية، مهدت في هذه القصة، الدين كم عالم فيه؟ آلاف، كم مؤسسة علمية؟ كم جامعة؟ كم جامع؟ كله بالآلاف، بل مئات الألوف، ممكن أن يُضغط الدين بكُلّيات، العقيدة واحد إن صحّت صحّ العمل، والحركة اثنان، الحركة السلبيّة استقامة أنا لم أكذب، لم أغش، لم آكل مال حرام، الإيجابيّة أنفقت من مالي، من علمي، من جاهي، الثمرة
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾
صلّيت ذكرت الله، الآية الثانية:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾
إن ذكرت الله في الصلاة ذكّرك الله، ذكّرك أعطاك السكينة، تسعد بها ولو فقدَّت كل شي، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، أعطاك الحفظ والتوفيق فلذلك:
فلو شاهدت عيناك من حسـننا الـذي رأوه لما ولـيت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حُسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئـتنا
ولو ذقت من طـعم المحـبَّة ذرةً عـذرت الـذي أضـحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نـسمةٌ لـمـُت غريـباً واشــتياقـاً لـقربــنا
ولـو لاح من أنـوارنا لـك لائـحٌ تركــت جـميع الكــائنـات لأجــلنا
فما حبنا سهلٌ وكل مـن ادّعـى ســُهـولــته قلـنا لـه قـد جـهـلتنـا
وأيسر ما في الحب للصبِّ قتله وأصعب من قتل الفتى يومُ هجرنا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عِلّة وجودنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرّ، مولانا ربّ العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عن من سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تُنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِّنا وارضَّ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأُمي وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق
