- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (010)سورة يونس
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
على الإنسان أن يحدد موقفه من القرآن الكريم :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
أنا الذي أتمنى عليكم أن تحددوا موقفكم من هذا الكتاب ، إما أنه حقٌ من عند الله ، فمعنى هذا أن مخالفته شقاءٌ أبدي ، وإما أنه ليس من عند الله ، أين البرهان ؟
﴿
كيف تستقر نفس الإنسان ؟ كيف يتوازن داخلياً ؟ كيف ينام ملء عينيه وهو يعلم أن هذا الكتاب حق وأنه لا يطبقه ؟ كيف ؟ كيف يحقق توازناً داخلياً ؟ كيف يقول لك : الحمد لله ، لابأس ، كيف تقول هذا الكلام وأنت تعلم علم اليقين أن هذا القرآن الكريم ...
﴿ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ(6) ﴾
أي ما جاء به من وعدٍ ووعيد إنه لحق ، كيف تقبل أن تأكل درهم ربا والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿
﴿
كيف تطلق بصرك في الحرام والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾
ندم الإنسان الشديد يوم القيامة عند رؤيته للعذاب :
العلماء قالوا : إن الكبراء الذين سببوا هلاك من كان حولهم ، أو سببوا هلاك أتباعهم ، حينما رأوا العذاب أسروا الندامة ولم يظهروها ، لأنهم إذا أظهروها فإنهم يصغرون في عين أتباعهم .
إذا كان الإنسان لا يحاسب ، وارتكب غلطة كبيرة لا يعبر عن ندمه أبداً ، يُسِرُّ ندمه ، أحياناً الأب في البيت يرتكب غلطاً ، ولا يجرؤ أحد على أن يحاسبه ، هو في أعماقه ندم ، لكنه لا يعترف بهذا الندم ، قال : هذا قبل أن يأتي العذاب ، لما رأوا العذاب ، أما إذا مسهم العذاب وأسروا الندامة بمعنى أظهروها ، وهناك معنىً ثالث أسروا الندامة أي ظهرت الندامة على سرائر وجوههم .
أول معنى : قبل أن يذوق العذاب أسرّ الندامة حفاظاً على مكانته أمام متبوعيه ، بعد أن مسَّه العذاب أعلن الندامة ، وفي كل الأحوال علائم وجههم تفصح عن ندامتهم الشديدة.
الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء :
(( عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال : يا محمَّدُ ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه ، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به ، ثمَّ قال : يا محمَّدُ ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ. ))
والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
ليس هذا من باب أن الأعمال كلها مباحة ، ولكن هذا من باب التهديد
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾
الصادق لا يحتاج إلى كلام كثير فهو تكفيه كلمة :
أما أن تدعو الله عزَّ وجل وتقول : يا ربنا لا تسألنا عن شيء ، هذا كلام مخالف لكتاب الله ، هذا دعاء لا ينسجم مع كتاب الله ..
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ . ))
أي أنك لو وقفت في سيارةٍ عامة لشيخٍ كبير توقيراً لسنه ، هذا العمل لا يضيع عند الله عزَّ وجل ، وأبلغ آيةٍ قول الله سبحانه وتعالى :
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾
كتاب ستمئة صفحة لو تدبرت آيةً واحدة لكفتك ، لو تدبرت قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ﴾
لكفتك .. لو تدبرت قوله تعالى :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
لكفيت ، لو تدبرت قوله تعالى :
﴿
لكفيت ، لو تدبرت قوله تعالى :
﴿
لكفيت ، إذا كان الإنسان صادقاً تكفيه آية ، الصادق لا يحتاج إلى كلام كثير ، الصادق تكفيه كلمة ، أحياناً يكفيه لفت نظر من الله عزَّ وجل ، أي أن الله بعث له مصيبة ، وكان قبلها هناك ذنب ، انتهى ، العلم حرف ، والتكرار ألف ، فهذه المصيبة توضحت لك بسبب هذا المال الحرام ، أتقع فيها مرة ثانية ؟ إذا كان الإنسان لم يستفد من تجربته يكون أحمق ، ليست المصيبة أن يصاب المرء بمصيبة ، ولكن المصيبة كل المصيبة أن يصاب بمصيبة ، ولا يتعظ بهذه المصيبة ، لذلك قالوا : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر .
كل ما في السماوات والأرض ملك الله عزَّ وجل إيجاداً وتصرفاً ومصيراً :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38) ﴾
﴿
هذه :
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) ﴾
﴿ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ(6) ﴾
أي حقائق الكون ، الحقائق التي جاء بها القرآن واقعة ، وإن لم تؤمن بها ، عدم إيمانك بها لا يلغيها ، عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، فالأمر مستمر ..
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا(62) ﴾
﴿ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا
قوانين السقوط قائمة ، مطبَّقة ، منفَّذة ، إن آمنت بها وهبطت من الطائرة بالمظلة أنقذت نفسك ، وإن لم تؤمن بها ، وضربت بها عرض الطريق يموت الإنسان ، قوانين الهندسة قائمة ، إذا استشرت المهندس ، ووضعت الكميات المناسبة ، والحديد المناسب ، ينجو بناؤك من الانهيار ، فإن لم تستشر لابدَّ من أن ينهار ، لأنك إذا لم تعترف على علم المهندسين فعلمهم قائم ، إن اعترفت على علمهم استفدت منه ، وإن لم تعترف فالحقائق التي يقولونها واقعة ، البناء قد ينهار .
بطولة الإنسان أن يعرف الحقيقة كلها قبل فوات الأوان :
﴿
فهل يقبل منك أن تقول : هكذا الناس كلهم يا أخي ؟ وأنا واحد من الناس ، هكذا العادات ، هكذا ما تعارف عليه الناس ، هكذا نشأنا يا أخي ، هكذا العادات ، هكذا التقاليد ، كل الناس مخطئون ؟ اسمع قوله تعالى :
﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ
يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ، يعلمون التجارة ، والصناعة ، والزراعة ، وكسب المال ، وانتهاز الفرص ، وأصول الحياة ، وكيف يتنعمون بها ، وكيف يشترون الأجهزة المتنوعة في البيت ، هذا كله يعرفونه ، ولكنهم يجهلون المصير ، يجهلون ساعة يقوم الناس لرب العالمين ، فالعبرة أن تعرف الحقيقة كلها لا أن تعرف شطرها ، الله سبحانه وتعالى لم ينف عن الكفار شطر الحقيقة قال :
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) ﴾
قد تلتقي بدكتور يحمل شهادة بورد ، ومع ذلك لا يعلم عن الآخرة شيئاً ، يعيش لحظته ، يعيش حياته الدنيا ، لا يستطيع أن يفكر أبعد من الموت ، يظن الموت نهاية الحياة ، ولا شيء بعد الموت ، هذا ليس علماً ، هذه حرفة ، وليس علماً ، العلم أن تعرف الحقيقة كلها ، أي قوام البناء حديد وإسمنت ، إذا تعلمت أن الإسمنت له نسب معينة وطبقتها ، وأغفلت الحديد ينهار البناء ، البطولة أن تعرف الحقيقة كلها من كل جوانبها ،
لذلك أيها الأخ الكريم لا تستأنس إذا كان الناس جميعاً في ضلال ، أنا مثل الناس ، أنا ابن عصري ، قال بعض علماء النفس : صحيحٌ أن الإنسان ابن بيئته ، وصحيحٌ أنه ابن محيطه ، وصحيحٌ أنه ابن ثقافته ، وصحيحٌ أنه ابن دراسته ، ولكنه في النهاية ابن نفسه ، أي ابن اختياره ، لذلك قد نجد عظماء في بيئاتٍ متخلِّفة ، وعلماء في بيئاتٍ جاهلة ، الإنسان إذا اختار شيئاً لن يقف شيءٌ في طريقه ، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادةٍ وإيمان .
أي إذا أردت أن تكون مستقيماً في هذا الزمان كلمة : لا ، لا أستطيع كلمة مضحكة هذه ، لأنك قد تفعل أشياء أخرى تبدو مستحيلة ، ولكنك بتصميمك عليها فعلتها ، ولو أنك صممت على أن تكون مستقيماً لبلغت الاستقامة ، لو صممت على أن تعرف كتاب الله لعرفته ، لو صممت على أن تصلي قيام الله لصلَّيته ، الذي تفعله صادقٌ فيه ، والذي تتوهم أنك لن تستطيع أن تفعله لست صادقاً في تطبيقه ، التفسير العلمي لشيءٍ تقول : أنا ليس بإمكاني أن أفعله ، هذا التفسير هو أنك لست صادقاً فيه ، لو أنك صدقت في طلبه لحصَّلته .
معاني قوله تعالى : هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ :
يحيي هذا الجسد ويميته ، لذلك تعريف الموت حتى الآن غير واضح عند الأطباء ، هل يكفي توقف القلب ليموت الإنسان ؟ لا ، هل يكفي توقف النشاط العصبي ليموت الإنسان ؟ لا ، لا يزال تعريف الموت لغزاً من الألغاز .
إن الطبيب له علمٌ يـــــــــدل بــه إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انقضت أيام رحلته حار الطبيب وخانتـــــــه العقاقيــرُ
***
فالموت يخلقه الله عزَّ وجل ..
فكم من فتى مات من غير عـــــلةٍ وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهـر
تزوَّد من التقوى فإنك لا تــــــــــدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيــش إلى الفجـــــــــر
فكم من عروسٍ زينوها لزوجهـــــــا وقد قبضت أرواحهـــــــــــــم ليـلة القـــدر
وكم من أناسٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمــــــــة القبــــر
***
أي أنهم ماتوا قبل الأوان
المعنى الآخر أن الله سبحانه وتعالى يحيي هذا القلب بأنواره ، ويميته بالبعد عنه ، لأن هناك حياة من نوع آخر ، الحياة حياتان ، حياة الجسد وحياة القلب ، حياة الجسد معروفة ، ما دام هناك حركة ، وتفكير ، وتنفس ، وخفقان قلب ، وتناول الطعام والشراب ، فهذه علامات الحياة ، الحركة ، والموت فمعروف ، لكن حياة القلب من نوعٍ آخر .
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
أحد العلماء واسمه أينشتاين ، هو الذي جاء بالنظرية النسبية ، وهي من أدق النظريات في الفيزياء ، قال : كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون ، رحيمةً هي أرحم ما تكون ، حكيمةً هي أحكم ما تكون ، هو إنسانٌ حيٌ ولكنه ميت .
قال علي رضي الله عنه :
﴿
هذا الذي لا يعرف إلا الطعام والشراب وكسب المال والانغماس في الشهوات هذا ميت
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ
وهذا الذي عرف ربه ، وأحبه ، وأقبل عليه ، وتقرَّب إليه ، وجعل حياته كلها في طاعته ، وجعل طاقاته كلها مسخرةً لخدمة عباده هذا الحي ، لذلك :
كن عالماً ، أو متعلماً ، أو مستمعاً ، أو محباً .. ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ..
هناك رجل من الصالحين علم طلابه من سن السابعة عشرة إلى سن السابعة والتسعين ، أي ثمانون عاماً ، وكان إذا سار في الطريق ، ورآه أحد تلامذته يقول له : أنت فلان ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جَدُّك تلميذي ، وكان يتمتع بصحةٍ جيدة ، من سمعٍ مُرْهَف ، إلى بصرٍ حاد ، إلى ظهرٍ مستقيم ، إلى أسنانٍ كاملة ، حتى إن خده كان متورِّداً ، وذاكرته قوية ، فكان تلامذته يقولون : يا سيدي ما هذه الصحة أتمها الله عليك ! فكان يقول قولته الشهيرة : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً ، فلذلك :
﴿
لا نتأثر ، هذه الحقائق لا تهز مشاعرنا ، نحب الدنيا ، قال الله تعالى :
إذاً :
القرآن الكريم موعظة وشفاء وهدى ورحمة :
﴿
يكون بيته صغيراً ، شمالياً ، رطباً ، يمر أمام بيت ثمنه خمسة ملايين أو ستة ، يطل على أربع جهات ، يقرأ الآية الكريمة :
﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ(198) ﴾
فتجده يرضى بهذا البيت ، وقد يكون ليس له أولاد :
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
هذا من عند الله ، هكذا إرادته ، وهذه حكمته ، وهو يحبني ، وهذا أمثل شيءٍ إليّ ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، فتنتهي مشاكله ، اقرؤوا القرآن :
عُقِد مؤتمر للأمراض النفسية في بعض المدن الأجنبية ، وذهب من سوريا دكتور في علم النفس ، فلما جاء دوره في إلقاء الكلمة قال : أقول لكم ببساطة ليس في شرقنا أمراضٌ نفسية بالشكل الذي تعرفونه ، وبالعدد وبالحدة ، والجواب على هذا بسيط : لأننا مؤمنون بالله ، مثلاً هذه لم تتزوج ، الله لم يكتب لها أن تتزوج ، تجدها تصلي ، وتصوم ، وردها وصلاتها ، وتخدم أخاها وأولاد أخيها ، تعيش بسعادة كبرى ، أما الثانية فإنها تنتحر ، طبعاً
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ
حتى إذا سافرت تقرأ دعاء السفر :
(( عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى ، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى ، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا ، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ . ))
تبقى مطمئناً ، وإذا الإنسان لم يقرأ الدعاء يا ترى ابني خرج من البيت باندفاع شديد فمرت سيارة مسرعة فدُهِس ، هل أصابه مكروه ؟ هل وقع إبريق الشاي على وجهه فحرقه ، لا تعرف ، يظل الإنسان قلقاً ، لكن الإنسان سلم لله عزَّ وجل ، من علامات الإيمان التوكل على الله ، والتفويض لأمر الله ، والتسليم لقضاء الله ، والرضا بقضاء الله ، توكل ، وتفويض ، وتسليم ، ورضا ، هذه كلها من علامات الإيمان مطمئن، قالوا لأبي الدرداء :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إذا آمنت بالله ورسوله يؤتك كفلين من رحمته ، أي ضمانة في الدنيا وضمانة في الآخرة ، ويجعل في قلبك نوراً تمشي به في الناس ، يريك الخير من الشر ، فالهدى هذا النور الإلهي الكشَّاف ، والرحمة هذا التجلي الذي يتجلى به الله على عباده المؤمنين .
فرح المؤمن بعطاء الله عز وجل :
(( ما استرذل الله عبداً إلا حظر عليه العلم والأدب ))
رآه سخيفاً ، وهو شهواني ، أرضي ، يحب الدنيا ، يحب المُتَع الرخيصة ، مادي ، أناني ، همُّه بطنه ، قبلته زوجته ، إن رآه كذلك عاقبه عقاباً أليماً ، ما مرضه ؟ لا ، ما تركه يفلس ، لا ، تركه على حاله ، ولكنه حظر عليه العلم والأدب ، هذه ليست لك ، هذه اتركها ، هذه اتركها لعبادي الصالحين ، لا علم ولا أدب ، غليظ ، وقح ، ساخر ، متكبِّر ، لئيم ، والعلم ؟ لا يفقه في الآخرة شيئاً ، يأتيك بكلام عامي أهذه آية في القرآن ، أي آية هذه ؟ هذه آية ؟!! لا يفهم شيئاً ، لا يفهم الآية من الحديث من قول العامة :
﴿
قال له قومه :
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
طبعاً الآية لها تفسير ، لا يحب الفرحين بالدنيا ، لأنها مؤقتة زائلة ، لكنه يحب الفرحين بالآخرة ، فلما يحقق الإنسان هدفه الأخروي ، ويفرح والله معه الحق ، لكن قبل تحقيق هدفه الأخروي الفرح لا معنى له ، هذا فرح ساذج ، فرح الأطفال بلعبة ، لكن الكبار يفرحون بشهادة عُليا ، يفرحون بمنصب رفيع ، يفرحون بزوجة جيدة ، يفرحون بمنزل واسع مناسب ، هذا شأن الكبار ، أما المؤمنون فإنهم يفرحون بعطاء الله ، يفرحون برضى الله عنهم ، إن رسول الله اللهم صلّ عليه وسلم غادر مكة إلى الطائف ثمانين كيلو متراً على قدميه ، وسمع كلاماً واستخفافاً ، ورداً قبيحاً ، وسخرية ، وتكذيباً من أهل الطائف ما يهُزُّ الجبال ، اتجه إلى الله عزَّ وجل وقال :
(( عن عبد الله بن جعفر ، يا رب ، إني أشكو إليك قلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا رب المستضعفين ، إلى من تكلني ؟ أإلى عدوٍ ملَّكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي . ))
الطفل يفرح بالخشخيشة ، باللعبة ، يفرح بحبة حلوى ، يفرح بملبسة واحدة ، تعطيه إياها يفرح ، تكون دمعته على خده فيضحك ، يأخذها أخوه منه فبكى ، أعطيته واحدة فضحك ، انتهى أمره ، الكبير يفرح ببيت ، بسيارة ، بوظيفة ، بزواج ، أما المؤمن فيفرح برضاء الله عزَّ وجل ، فلا يوجد منصب أرفع عند الله من أن يقال : فلان رضي الله عنه .
﴿
ليس ثناء من الله أبلغ من قوله تعالى :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ﴾
لم يكن في بيته شيء ، دخل عليه عدي بن حاتم فلم يجد شيئاً قال : فقذف لي وسادةً من أدمٍ محشوةً ليفاً ، قال : اجلس على هذه ، قلت : بل أنت ، قال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس هو على الأرض ، ليس عنده شيء .
كان إذا صلى قيام الليل أمر السيدة عائشة أن ترفع رجليها ، لأن حجم الغرفة لا يتسع لنومها وصلاته ، قال له :
(( فدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ ، فَجَلَسْتُ ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ قَالَ : فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ ، قَالَ : مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى ، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفْوَتُهُ ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ ، فَقَالَ : يَا بْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا قُلْتُ : بَلَى . ))
أنا لست ملكاً ، هذه نبوة .. ثم إن أحد خلفاء بني أمية سأل أحد التابعين فقال له : أنا خليفةٌ أم ملك ؟ قال له : إن كنت قد جبيت درهماً من غير حقه – درهم واحد - وأنفقته في غير حقه فأنت ملك ، ولست خليفة ، قال له إنما هي نبوةٌ وليست ملكاً .
في رواية ثانية :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
هينةٌ على الله عز وجل ، يعطيها لمن يحب ، ولمن لا يحب ، يوجد ثماني آيات في كتاب الله ، ثماني آيات حصراً ، المترفون هم الكافرون .
﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ
هذا المترف الذي يعيش في بحبوحة مذهلة ينفق أموالاً بغير حساب ، هؤلاء لا شأن لهم عند الله عزَّ وجل .
رحمة الله خير من الدنيا وما فيها :
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) ﴾
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ(61) ﴾
تعال الهُ معنا يا محمَّد - كان طفلاً صغيراً - قال لهم : لم أخلق لهذا ، أنا خلقت لأعرفه وأتقرب إليه هو وحده .
* * *
الدلفين آية من آيات الله الكونية :
من آيات الله الكونية حيوان يعيش في القطب اسمه الدلفين ، هذا الحيوان أغرب ما فيه أنه ذو طبيعة اجتماعية عجيبة إن بينه وبين أفراد نوعه علاقات اجتماعية متينة حتى بينه وبين الإنسان علاقات وطيدة ، لذلك كان هذا الحيوان يتمتع بأعلى ذكاء في الجنس الحيواني ، أعلى درجة من الذكاء في الحيوان في هذا الحيوان موجود ، أي قد يتواجد في بعض الموانئ فيقود بعض السفن إلى طريقها الصحيح ، ينقذ بعض البحارة ، يعقد صداقات مع بعض الغواصين ، كان إذا أسر لطيفاً هادئاً لا يبدي أي مقاومة ، وكأنه واثق من الإنسان أنه لن يؤذيه.
هذا الحيوان هناك لغة فيما بينه وبين أفراد نوعه ، حتى إنه يردد بعض كلمات الإنسان ، وإذا أصاب أنثاه الطلق جمعت عشرات الأناثي كي يكنّ حولها ، حول هذه التي تلد ، يؤنسنها من جهة ويحفظنها من سمك القرش من جهة ثانية ، أي قرأت عن هذا الحيوان الشيء العجيب .
حيوان يتمتع بذكاء ، بنعومة ، بمودة مع الإنسان ، بحياة اجتماعية ، لو عزلت أحد أفراد هذا الحيوان عن بني جنسه لمات وحشة ، يموت موتاً حقيقياً ، وحشة ، فقلت : سبحان الله ! كم يفتقر بنو البشر إلى بعض هذه الصفات التي يتمتع بها الحيوانات ?
الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا.. وهب الله هذا الحيوان شيئاً من الذكاء ، على كل حال لا يعد شيئاً أمام ذكاء الإنسان ، بهذا الذكاء تكيف مع المجتمع وكانت علاقاته إيجابية ومثمرة ، وأحبه الإنسان وأحب الإنسان ولم يستوحش منه ، كل هذا بفضل الصفات الممتازة التي أودعها الله فيه ، فنحن الذين أوتينا الفكر والعقل والكون وكرمنا الله على كل مخلوقاته نؤذي العباد ، نؤذي بعضنا بعضاً ، نقصر في حق ربنا ، أين نحن من هذا ؟
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
قال عنه العلماء : إنه سريع التعلم ، جيد التقليد ، يألف ويؤلف وهو حيوان ، من نوع الحيتان ، الدلفين ، فالإنسان مهما خطر في باله عن خلق الله لا يزال يجهل الكثير الكثير عن بعض الصفات الممتازة التي أودعها الله في الحيوان ، أما نحن :
﴿
أي لأنه يوجد لغة ، مقاطع صوتية بينه وبين أفراد نوعه عدّوه مستوى رفيعاً من الحيوان ، ربنا عز وجل قال :
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
هذا البيان نعمة ، كل حرف تسهم في صنعه سبع عشرة عضلة ، والإنسان ينطلق بالحديث من دون تلكؤ ، لو أراد أن يضبط حركات عضلاته ما تكلم في الساعة خمس كلمات ،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين