- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (033)سورة الأحزاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الآية التالية من الآيات التي تنظِّم علاقة الرجل بالمرأة:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث عشر من سورة الأحزاب.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿
يبدو أن الدافع الذي أودعه الله في الإنسان إلى شِقِّهِ الآخر دافعٌ قوي، وما لم تَنْظِم هذا الدافع قيودٌ، وحدودٌ، وقواعد، ومبادئ، فإن فساداً عريضاً يصيب المجتمع البشري، فلذلك نجد حجم الآيات التي شَرَّعَت وبيَّنت وقنَّنت موضوع الزواج والطلاق حجمها كبير، فلذلك هذه آيةٌ من الآيات التي تنظِّم علاقة الرجل بالمرأة.
عقد الزواج لا يعقد إلا بشروط ولا ينفصل إلا بشروط:
لكن قبل أن نمضي في الحديث عن هذا الموضوع، لابدَّ من إشارةٍ سريعة إلى ما يسمى بالطلاق السنِّي، وإلى ما يسمى بالطلاق البِدْعِيّ، أي أقدس عقدٍ بين شخصين على وجه الأرض هو عقد الزواج:
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾
الميثاق الغليظ هو عقد الزواج، فهذا العقد المقدَّس الذي تبنى عليه العلاقات المشروعة بين الزوجين، هذا العقد المقدس الذي يبنى عليه المجتمع كله، المجتمع في حقيقته مجموعة بيوت، فإذا صلح البيت صلح المجتمع، هذا العقد لا يعقد إلا بشروط، ولا ينفصل إلا بشروط، لا يعقد إلا بإيجاب، وقبولٍ، وولي، ومهرٍ، وشاهدي عدلٍ، ولا يفصم إلا بِعِدَّة، أي أن تطلق المرأة اليوم وتقترن بآخر غداً، هذا استخفافٌ بهذا العقد، فكما أن هذا العقد لا يعقد إلا بولي وإيجاب وقبول ومهر وشاهدي عدل؛ لا ينفصل إلا بمدة تمضي، إما حداداً على الزوج إن كان قد مات، وإما تبرئة للرحم إن كان الفراق على إثر طلاق.
ما الذي يحصل؟ يحصل هو أن العلاقة الزوجية إذا بلغت درجةً أصبح فيها فسادٌ على الطرفين لابدَّ من أن تنفصل، كيف تنفصل؟ تنفصل بالتشريع العظيم الذي جاءنا به القرآن الكريم، فالرجل إذا رأى من امرأته ما يكره، إن رأى منها شيئاً لا يُحْتَمَل، يطلقها طلقةً واحدة، وتبقى في البيت، وتبقى معه تأكل وتشرب، ولها الحق في أن تتزيَّن، فالمقياس الذي يقاس به هذا الأمر الذي من أجله طلَّقها يظهر من تتابع الأيام، فلو أن هذا الأمر تافِه بعد يومين أو أكثر ينسى ويتمنى أن يعود إليها، وقد تتمنى أن تعود إليه، تظهر له ما يُرَغِّبُهُ فيها، ويظهر لها ما يرغبها فيه، فبمجرد أن يقول لها: راجعتكِ وهذا في مذهب، أو بمجرد أن يضع يده عليها وهذا في مذهب آخر، فقد راجعها من دون مهرٍ ولا عقدٍ ولا خيارٍ منها، فإذا طلق الإنسان زوجته طلاقاً سُنِّيَاً كان له طريقٌ إلى إرجاعها، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ومن يتق الله في تطليق امرأته يجعل الله له مخرجاً إلى رَدِّهَا.
الطلاق السّني:
إذاً إذا طلقها ينبغي أن تبقى في بيته:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ
هذه المشكلة التي من أجلها جاء الطلاق، بحسب حجمها، فقد تتلاشى بعد أسبوع، بعد يومين، بعد يومٍ واحد، بعد أسبوعين، بعد ثلاثة أسابيع، تبقى مطلقةً وهي في بيت زوجها ثلاثة قروء، أي ثلاثة أطهار، وفي رأي آخر ثلاث حيضات، فمن خلال ثلاثة أشهر إذا بقي مصراً على طلاقها معنى ذلك أن الأمر خطير، أما إذا ندم على فعلته، ورأى أن الأمر لا يحتاج إلى هذا، وحنَّ إليها وحنَّت إليه، وشعر بحاجته إليها، إلى آخره بإمكانه أن يراجعها، وهذا الطلاق ينتج عنه بينونة صغرى، فإذا قال لها: راجعتكِ، حَلَّت له، وانتهى الأمر، وحسبت عليه طلقة.
لا زلنا في الطلاق السني، فإذا فعلت شيئاً آخر بعد حين يوجب الطلاق وطلقها، أيضاً تبقى في بيته، ولها أن تأكل معه وتشرب، ولها أن تتزيَّن، وتعاد الكرة مرةً ثانية، فإن كان في الأمر شيءٌ كبيرٌ خطير يبقى مصراً، وإن كان الأمر تافهاً يزول هذا الأمر بعد أيامٍ عدة، وبإمكانه أن يراجعها، وتعود إليه بلا مهرٍ، ولا عقدٍ، ولقد حسبت عليه طلقةً ثانية، الطلاق مرَّتان، أما المرة الثالثة بانت عنه بينونةً كبرى، وملكت نفسها، ولا يمكن أن تعود إليه إلا أن تنكح زوجاً غيره، والحكمة من ذلك أنها إذا نكحت زوجاً غيره، وطلقها، تتيقن أنها هي السبب، فإذا أحبَّها يتيقن زوجها أنه هو السبب، ولا يحلُّ له أن يستعيدها إلا إذا تزوجها رجل آخر زواجاً عادياً على نية التأبيد، ثم طلقها طلاقاً عادياً من دون إكراهٍ، أو من دون افتعالٍ أو تصنع، أما إذا طلقها طلقةً واحدة، ومضت القروء الثلاث ولم يراجعها ملكت نفسها، لكن بإمكانه أن يعيدها إليه بمهرٍ وعقدٍ جديد، لكن لها الخيار؛ إما أن ترجع أو ألا ترجع.
الطلاق البدعي:
أيها الأخوة؛ هذا هو الطلاق السُنِّي، هذا هو الطلاق الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام تبييناً وتفصيلاً لآيات الطلاق التي وردت في القرآن، هذا الطلاق قَلَّمَا ينتهي إلى الفراق، هذا هو الطلاق السني، أما كلما اختلف مع شخصٍ، وتشاجر معه، حلف يمين الطلاق ثلاثاً وطلق امرأته فهذا طلاقٌ بدعي، أما إذا طلقها وهي في حيضٍ فهذا طلاقٌ بدعي، أما إذا طلقها في طهرٍ مسَّها فيه فهذا طلاقٌ بدعي، أما إذا طلقها ولم تكن هي طرفاً في الموضوع والمشكلة فهذا طلاقٌ بدعي، وهناك أنواعٌ كثيرةٌ جداً من الطلاق البِدعي الذي هو مخالفٌ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مخاطبة الله عامة الناس بأصول الشريعة ومخاطبة المؤمنين خاصةً بفروع الشريعة:
الآن:
النكاح هو العقد والدخول أما في هذه الآية فالنكاح يعني العقد فقط:
قال تعالى:
﴿
وإن لم تفرضوا لهن فريضة:
﴿
هنا التمتع أن تعطيها شيئاً يجبر خاطرها، أن تعطيها نفقةً تقوم بأودها، أن تعطيها شيئاً فتكتفي به من دون أن تسأل الناس من بعدك.
العدة في أصلها تبرئةٌ للرحم وتأكدٌ من أن هذا الرحم خلوٌ من أي حملٍ من زوجٍ آخر:
(( لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ. ))
من إرشادات النبي اللطيفة:
إذا عُقِدَ عَقْدُ النكاح ولم يسم المهر فعلى الزوج المُطَلِّق أن يمتع الزوجة متاعاً حسناً:
أما إذا عُقِدَ عَقْدُ النكاح، وسُمِّيَ المهر، ولم يدخل بها، فلا معنى للعِدَّة، أما إذا عُقِدَ عَقْدُ النكاح ولم يسمَّ المهر، فعلى الزوج المُطَلِّق أن يمتعها متاعاً حسناً،
الذي يضيِّق على زوجته كي تدع له كل شيء فهذا إضرار لأن المهر حق:
رجل حدثني عن شخص تزوج امرأةً، تزوجها وهي من أسرةٍ صالحةٍ دَيِّنَةٍ، لكنه أراد أن تكون من الزوجات اللاتي لا يرفضن طلباً، اختلاط، وسهرات وكذا، فلما رفضت هذه الزوجة أن تستجيب لرغبات زوجها، ورآها ليست في المستوى الذي يريده، ولها متأخر كبير جداً، بدأ يضَيِّق عليها، ويقسو عليها في الكلام وفي الحرمان، ويأتي متأخراً، وكل هذا بتوجيهٍ من أمه، إلى أن طلبت منه الطلاق من دون أن تطلب شيئاً وهذا هو المطلوب، فصار كلما جلس في مجلسٍ يتنَدَّر: لقد تخلصنا من مهر فلانة، لقد تلافينا الخسارة، ومرةً كان يركب مركبته، وقد ركبت زوجته الجديدة عن يمينه، وأمه خلفه، وأبوه في المقعد الذي خلف مقعد زوجته، وكان يمشي بين المركبات بسرعةٍ فائقة، ويقول له أبوه: يا بني خفف السرعة، فقال له: أنا أنجو من الحادث كما نجوت من مهر زوجتي، وقُبَيْلَ دمشق بقليل وقع الحادث فَقُصَّ قَصَّاً هو وأمه.
الله عزَّ وجل كبير، هذا الذي يضيِّق على زوجته كي تدع له كل شيء، هذا إضرار، فالمهر حق، إن لم تعجبك إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان، أما أن تضَيِّق، وأن تشتم، وأن تضرب، وأن تأتي بعد منتصف الليل، وأن تمنع الطعام والشراب من أجل أن تدع لك كل شيء، وأن تطلقها بلا متأخر، هذا ظلم، والظلم ظلماتٌ يوم القيامة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول عن عبد الله بن عمر:
(( اتَّقوا دعوةَ المظلومِ، فإنها تَصعدُ إلى السماءِ كأنها شرارةٌ ))
اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً.
حديث الناس حين انفصام عقد الزواج حديثٌ لا يرضي الله عزَّ وجل، كشفٌ للأستار، وفضحٌ للخبايا، وافتراء، وظلم، واتهامات كاذبة، هذا كله لا يرضي الله عزَّ وجل.
نساء النبي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فالتشريع الإلهي جاء مكافأةً لهن:
الله رب النوايا:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
الهجرة دليل الإيمان، أنت مؤمن، ما الدليل؟ صيامك هو الدليل، صيامك أي الله ورسوله أحبّ إليه من طعامك وشرابك، زكاتك هي الدليل، أي الله ورسوله أحبّ إليك من مالك، أن تنفق المال.
الإيمان قناعة يظهرها ويؤكدها موقف:
تغض بصرك ما الدليل؟ غض بصرك عن محارم الله دليل أن الله عزَّ وجل أحبّ إليك من شهوتك، إذاً دائماً الإيمان بلا موقف، بلا بذل، بلا عطاء، بلا انضباط، بلا تقيُّد، بلا جهاد النفس والهوى، لا قيمة له، الإيمان قناعة، ماذا يظهرها؟ ماذا يؤكِّدها؟ يظهرها ويؤكدها موقف، فلذلك:
للنبي عليه الصلاة والسلام أحكام اختص بها:
الآية التالية آية تشهد بكمال النبي الكريم:
الآن يوجد آية من الآيات الدقيقة جداً التي تشهد بكمال النبي عليه الصلاة والسلام، قال:
(( إنَّ رسولَ اللَّهِ جعلَ يقبضُ للنَّاسِ يومَ حنينٍ من فضَّةٍ في ثوبِ بلالٍ فقالَ لهُ رجلٌ : اعدِل يا نبيَّ اللَّهِ فقالَ لهُ رسولُ اللَّهِ ويحَكَ فمَن يَعدلُ إن لَم أعدِلْ؟ قد خِبتُ وخسَرتُ إن كنتُ لا أعدِلُ قالَ :إنَّ هذَا وأصحابَهُ يخرجونَ فيكُم، يقرؤونَ القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم يمرُقونَ منَ الدِّينِ مروقَ السَّهمِ منَ الرَّميَّةِ فقالَ عمرُ: يا رسولَ اللَّهِ ألا أضربُ عنقَهُ، فإنَّهُ منافقٌ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ: معاذَ اللَّهِ أن يتحدَّثَ النَّاسُ أنِّي أقتلُ أصحابي. ))
النبي الكريم بلغ من الكمال والرحمة والعدل ما يؤهله لأن يفعل ما يشاء:
كل زواجٍ للنبي فيه من الكمال والحكمة ما لا سبيل إلى وصفه:
أنت أيضاً حينما تشعر أن زيداً من الناس في أعلى درجات النزاهة، وفي أعلى درجات الحكمة، وفي أعلى درجات العلم، وفي أعلى درجات العدل، تقول له: افعل ما تشاء، فهذا التخيير، وهذا الإطلاق أساسه ما تمتَّع به النبي عليه الصلاة والسلام من قلب رحيم، ومن حرصٍ بالغٍ على هداية الناس، ومن حرصٍ أبلغ على خاطر نسائه المؤمنات، فكان يطيِّب خاطرهن، لو كان هناك وقت ودققت في زواجه من زوجاته واحدةً واحدة، لوجدت أن كل زواجٍ فيه من الكمال والحكمة ما لا سبيل إلى وصفه، إذاً:
على الزوج أن يكون وفياً لزوجته إلى أبعد الحدود:
بقي مع السيدة خديجة أم المؤمنين خمسة وعشرين عاماً وكانت تكبره بخمسة عشر عاماً، وكان وفياً لها إلى أبعد الحدود، وما نسي ذكرها أبداً، حتى إن السيدة عائشة إذا قالت له: ألم يبدلك الله خيراً منها؟ يقول: "لا والله، لا والله، لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها، لقد صدقتني حين كذبني الناس، لقد كانت معي حينما تخلى عني الناس، لقد واستني بمالها". دائماً كان وفياً لها، وكان في ريعان الشباب، تزوجها في الخامسة والعشرين، وكانت هي في الأربعين، وبقي معها خمسة وعشرين عاماً حتى أصبحت في سن الخامسة والستين.
المؤمن العادي لو تزوج امرأةً في سنه يندب حظه طوال حياته، ويقول: أخذناها كبيرة، فهل هذا يعني أنه عليه الصلاة والسلام كان مزواجاً؟ وأكثر نسائه من الأرامل، ولسن في المستوى المطلوب، دون المستوى المطلوب بكثير، وبالطبع كان يتألَّف القبائل بالزواج منهن، هذه سياسة حكيمة وتشريع عال، فمن الذي يعلم الدافع النبيل؟ فهذا الذي قاله الله عزَّ وجل:
النظر إلى الخطيبة تشريعٌ أساسي والذي يرفض النظر إليها فقد خالف السنة والشريعة:
(( اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. ))
لعلك ترى منها ما يعجبك فتزداد المحبة، وتقبل على هذا الزواج، فالنظر إلى المخطوبة تشريعٌ أساسي، وهذا الذي يرفض النظر إلى مخطوبته هو خاطئ، خالف السنة والشريعة، لعل هذا النموذج لا يحبه ولا يعجبه، فإذا عاش مكرهاً معها لم تكن حياته كما ينبغي، فلذلك:
هذه إشارةٌ دقيقة، امرأة خطبها النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت امرأةٌ مُصْبية أي ذات صبية، لها أولاد، فقالت: يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من سمعي، ومن بصري، ومن نفسي، ولكن حقّ الزوج عظيم، فأخشى أن أضيِّع حق الزوج .أي ألا أقوم بواجبك، أي اعتذرت للنبي عليه الصلاة والسلام لما تعلم من عِظَمِ حق الزوج، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قبلها على أولادها الكُثُر.
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بتعدد الزوجات:
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع، يقول العلماء: على الرجل أن يعدل بين نسائه، لكل واحدةٍ منهن يوماً وليلة، هذا قول عامَّة العلماء، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار، ولا يسقط حقّ الزوجة مرضها ولا حيضها، أي من حقها أن تكون هذه الليلة لها بصرف النظر عن مرضها أو عن حيضها، كما أنه عليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته، أي وهو صحيح وهو مريض، وهي صحيحة وهي مريضة، إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض، أين أصابه المرض الشديد؟ عند فلانة، يقيم عندها مستأذناً من ضرتها.
شيءٌ آخر؛ قال: ولا يجمع بينهن في منزلٍ واحدٍ إلا برضاهن، قد يكون وجود الضرائر في بيت واحد سبباً لمشكلات كبيرة جداً، بل إن مالكاً حَدَّثَ عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان، ماتتا في الطاعون، فأسهم بينهما أيهما تُدَلَّى في قبرها قبل الثانية، إلى هذه الدرجة، بالقرعة، حتى لا يقال: فلانة أكرم عليه من فلانة، أي كان الصحابة الكرام يتقصَّون العدالة حتى في أدق الدقائق، والنبي عليه الصلاة والسلام كما علمنا وقال: عن عائشة أم المؤمنين:
(( أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقسِمُ بين نسائهِ فيعدلُ ويقولُ : اللَّهمَّ هذا قَسمي فيما أملِكُ ، فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ. ))
أي أنت إذا تزوجت - إذا قدر الله عليك- ولك أكثر من زوجة، عليك أن تبتغي العدالة شبه التامة، أما قلبك فهذا بيد الله عزَّ وجل هو مقلب القلوب، فكان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. ))
أي هذا صار ظلماً، حتى أن امرأةً جاءت إلى سيدنا عمر رضي الله عنه، وقالت له: "يا أمير المؤمنين إن زوجي صوامٌ قوّام"، يبدو أنه كان مشغولاً بموضوع، قال لها: "بارك الله لكِ بزوجكِ"، كان عنده أحد أصحابه قال: "يا أمير المؤمنين إنها تشكو زوجها"، فانتبه عمر إلى أن هذه شكوى، فقال: "احكم بينهما"، فحكم لها أن يكون عندها يوماً كل أربعة أيام، كما لو أنه متزوج أربع نسوة، لها حق في يوم وليلة، أعجبه هذا الحكم، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن ولّاه قضاء البصرة، الحكم دقيق، لو أن له أربع نساء كان لها الحق في يوم وليلة من هذه الأيام كلها.
ويروى أن لقمان الحكيم قال لابنه مرةً: اذبح شاةً وائتني بأطيب بضعتين فيها، فأتاه باللسان والقلب، ثم أمره بذبح شاةٍ أخرى، وقال له: "أعطني أخبث شيئين فيها"، فألقى إليه اللسان والقلب، أي اللسان والقلب أطهر ما في الإنسان إذا كان تقياً، واللسان والقلب أخبث ما في الإنسان إذا كان خبيثاً.
لما دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفد الحجازيين وتقدمهم صبيٌ صغير، قال: اجلس أيها الغلام، وليقم من هو أكبر منك سناً، فقال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس.
هذه بعض الأحكام التي جاءت في موضوع التعدد.
ملخص لما جاء في درس اليوم:
على كل محور هذا الدرس دقيق جداً؛ هو أن النبي عليه الصلاة والسلام ما أعطاه الله حرية الحركة في أن يؤوي، وفي أن يرجي، وفي أن يقبل، وفي أن يرفض، وفي أن يقبل بعد أن رفض، وفي أن يأخذ ما يريد، إلا بعد أن بلغ من الحكمة، والعلم، والحلم، والرحمة، والعطف، والإنصاف الشيء المطلق، فلذلك:
والشيء الآخر: أما المؤمنون فعليهم أن يتقيَّدوا بما جاء في القرآن الكريم، فلو أن أحداً تزوَّج بامرأةٍ ثانية عليه أن يعدل بين الاثنتين لئلا يكون ظالماً.
الشيء الثالث: أن الطلاق البدعي والطلاق السني شيئان مهمان جداً في حياة المؤمن، فإذا طلق امرأته طلاقاً سنياً جعل الله له طريقاً إلى إعادتها، وإذا طلَّقها طلاقاً بدعياً بأن حلف يميناً بالطلاق ثلاثاً دفعةً واحدة، أو طلقها في حيض، أو طلقها في طهرٍ مَسَّهَا فيه، أو طلقها لمشكلةٍ لا علاقة لها بها، أو طلقها قبل أن يُراجعها، هذه أنواع الطلاق كلها وهذه الأنواع سمَّاها العلماء بدعية، لأنها مبتدعة، وليست كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، الآيات:
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ
هذا بين الشريكين أو بين الزوجين، إذا طغى أحدهما على الآخر، الله عزَّ وجل توعَّدَهُ بالعقاب الأليم، لأن الكفر يدوم لكن الظلم لا يدوم، قالت له: "ويا أبا أمية لقد كان من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجةً على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتقِ الله فيَّ وامتثل قوله تعالى:
قواعد اختيار الزوجات وقبول الأزواج كما وردت في السنة النبوية:
البيت إذا بني على طاعة الله تولى الله التوفيق بين الزوجين، وإذا بني على معصيته تولى الشيطان التفريق بينهما، والزواج شيء أساسي بحياة الإنسان، أخطر حدث بحياة الإنسان هو الزواج، فلذلك كما قيل: "من تزوج المرأة لجمالها أذله الله، ومن تزوجها لمالها أفقره الله، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءةٍ، فعليك بذات الدين تربت يداك"، وقيل: "إياكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء".
هذه قواعد في اختيار الزوجات، وقبول الأزواج، والنواحي المادية كما تعلمون: من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا، وكان عليه الصلاة والسلام ما شكا إليه أحدٌ ضيق ذات يده إلا قال له: اذهب فتزوج.
وكلكم يعلم أنه: "من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمةٍ قالها، وبكل خطوةٍ خطاها عبادة سنةٍ قام ليلها وصام نهارها".
حينما تقيم أمر الله في بيتك يتولى الله التوفيق بينك وبين زوجتك، فإذا كان هناك معصية ومخالفة نشب الخلاف والبغضاء والشحناء وما إلى ذلك، وأصبح هذا البيت مُهَدَّمَاً، فهذه إشارة إلى حكمة النبي عليه الصلاة والسلام.
تكريم نساء النبي لأنهن آثرن الله ورسوله والدار الآخرة:
آياتٌ دقيقةٌ في آداب الاستئذان:
الآيات التالية آياتٌ دقيقةٌ تتحدث في آداب الاستئذان:
وفي درسٍ آخر نتابع تفسير هذه الآيات.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين