وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 03 - سورة الأحزاب - تفسير الآيات 6 - 8 الشرع المقياس الأكمل - حكم التبني وزوجات النبي أمهات للمؤمنين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الإسلام دين الفطرة:


أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الثالث من سورة الأحزاب.

وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(5)﴾ ..

أيها الأخوة الأكارم؛ دين الإسلام كما يقال: دين الفطرة، فقد ورد في السيرة المُطَهَّرة أن سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة رضي الله عنها، قالت: "يا رسول الله إن كنا ندعو سالماً ابناً- سالم مولى أبي حذيفة- إن كنا ندعو سالماً ابناً، وإن الله قد أنزل ما أنزل، وإنه كان يدخل عليّ، وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً - هو ليس ابناً لكنه متبنى - فإذا دخل عليّ نظرت في وجه أبي حذيفة فأرى في نفسه شيئاً من دخوله عليّ. 

هذا الشاهد يؤكِّد أن الدين الحنيف هو دين الفطرة، فالتطابق تامٌ وشاملٌ بين أحكام الدين وبين طبيعة النفس البشرية، لذلك يمكن أن نوَجِّهَ الأنظار إلى قوله تعالى:  

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾  

[ سورة الروم ]

أي أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تتطابق مع النفس السليمة الطيبة النقية تطابقاً تاماً، فالشيء الذي يُنْكِرُهُ قلبك إذا كنت صافي الفطرة، سليم السريرة، نقياً من كل زَيْغ، الشيء الذي ينكره قلبك تراه في الدين محرماً، والشيء الذي ترتاح إليه تراه في الدين حلالاً، وحينما سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن البِر قال عليه الصلاة والسلام: عن وابصة بن معبد الأسد: 

(( أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال : جئتَ تسألُ عن البرِّ والإثمِ؟ قال : نعم، فقال : استفتِ قلبكَ : البرُّ ما اطمأنتْ إليهِ النفسُ، واطمأنَ إليهِ القلبُ، والإثمُ ما حاكَ في النفسِ وترددَ في الصدرِ، وإن أفتاكَ الناسُ وأفتوكَ. ))

[ الأربعون النووية: خلاصة حكم المحدث: حسن ]

 

العقل السليم مقياس:


الله عزَّ وجل أعطاك مقياس العقل، وأعطاك مع مقياس العقل مقياس الفطرة، مقياس العقل من أجل أن تعرف الله عزَّ وجل، لأن مبادئ العقل متوافقةٌ مع مبادئ الكون، فإذا أعملته في الكون هداك إلى الله، العقل أداة معرفة الله، والعقل مناط التكليف، والفطرة مقياسٌ نفسي، ما من إنسان يسأل عالماً عن قضيةٍ أقلقته، مجرد سؤاله عن هذه القضية معنى ذلك أن نفسه لم ترتح إليها، لماذا سأل؟ ما سأل إلا حينما شعر باضطراب، ما سأل إلا حينما شعر بالقلق، ما سأل إلا حينما أنكرت نفسه هذا التصرُّف، إذاً حينما قال عليه الصلاة والسلام لِوَابِصَةَ: 

(( جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ: اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ، ثَلاثًا، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ))

[ الأربعون النووية : خلاصة حكم المحدث : حسن ]

هذا حديثُ صحيح، لكن لئلا نستخدم هذا المقياس بتوسُّع، العلماء حينما شرحوا هذا الحديث قالوا: الإنسان سليم الفطرة، نقيّ القلب، نقيّ اليدين، هذا يمكن أن يكون قلبه من دون زيغٍ، أو خللٍ، أو اضطراب مقياساً يتوافق مع الشرع. 

 

الشرع مقياس على كل شيء:


ولكن دائماً وأبداً المقياس الإلهي هو شرعه الحنيف، اعرض ميزان عقلك على أحكام الشرع فإن توافقا فاحمد الله عزَّ وجل على أن كان ميزان عقلك سليماً، اعرض ميزان فطرتك على أحكام الشرع فإن توافقتا فاحمد الله عز‍َّ وجل على أن ميزان فطرتك سليم، فالعقل ميزان والفطرة ميزان، ولكن العقل قد يضل، والفطرة قد تشوَّه، لا يصح أن يكون العقل ميزاناً، والفطرة ميزاناً إلا إذا تبرَّأ العقل من الحظوظ والمنافع، لأن أهل الدنيا يستخدمون عقولهم لتبرير شهواتهم، يستخدمون عقولهم يفلسفون انحرافاتهم، يفلسفون طغيانهم، يفلسفون أكلهم لأموال الناس بالباطل، يفلسفون اعتداءهم على أعراض الناس، فعقل الشهواني في خدمة شهوته، لكن عقل الحر شهوته منضبطة بمقاييس عقله، فلئلا يضل العقل، لئلا يزل العقل، لئلا ينحرف العقل، كان الشرع ميزاناً على ميزان العقل، فالعقل ميزان؛ لكن هذا الميزان قد يعتريه خطأ، وقد يفقد حساسيته بفعل المصالح، والشهوات، والضغوط، والأهواء، يأتي ميزان الشريعة ليضبط ميزان العقل.

القضية تماماً كما لو أعطينا طالباً في الصف الثانوي مسألة في الرياضيات، وقلنا له: حُلَّ هذه المسألة وَفْقَ عقلك، وهذا هو الجواب، فإذا انتهى حلك بهذا الجواب فاعلم أن حلك صحيح، وإن لم ينته حلك بهذا الجواب فاعلم أن حلك باطل، فمهما فكرت، إذا هداك تفكيرك إلى ما يوافق كلام الله عزَّ وجل فهذا التفكير سليم، وجيِّد، وسديد، وهنيئاً لك عليه، أما إذا فكر..  

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾

[ سورة المدثر ]

فكر، تأمل، اطلع، درس. 

﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27)لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ(28)﴾

[ سورة المدثر ]

لذلك مقياس فلاحك عند الله، مقياس رُقِيَّكَ عند الله شيءٌ واحد هو اتباعك لأمر الله، واجتنابك لنهيه، ووقوفك عند حدوده، والدليل: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

مقياس الرفْعَةَ عند الله هو مدى التزامك بما أمر الله عزَّ وجل، فما دام عقلك يهديك إلى طاعة الله أنعم بهذا العقل، فإذا هداك إلى معصيته، إذاً: هذا العقل ليس سليماً، عقل مريض، وفي أعلى التفسيرات نقول: هو عقلٌ مسخرٌ للشهوة، أحياناً تجد إنساناً مصراً على الشهوات، إذا حدثته أعطاك أجوبةً مُضحكة، يسخّر ذكاءه لتبرير شهواته، هذا المنطق سمَّاه المناطقة: المنطق التبريري، منطقٌ ساقط لا قيمة له إطلاقاً. 

 

الاختلاط تجاوز لحدود الله:


هذه الفطرة السليمة؛ هذه سهلة بنت سُهَيْل امرأة أبي حذيفة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله، إن كنا ندعو سالماً ابناً، وإن الله قد أنزل ما أنزل، وإنه كان يدخل عليّ، وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك. أشعر أنه ينزعج، لأن هذا ليس ابناً، هذا أجنبي، فالاختلاط الذي تسببه الصداقات أحياناً، والجوار، والزمالة في العمل، والسهرات المختلطة، هذه كلها فيها تجاوز لحدود الله، وينتج عنها أخطارٌ وبيلة، كثيراً ما ذهب أناسٌ في نزهةٍ مختلطة، وعادوا منها بجحيمٍ عائلي، بل إن بعضهم فَكَّرَ في تطليق زوجته إثْرَ هذه النزهة المختلطة. 

حينما آثر زيدٌ- سيدنا زيد بن حارثة - حينما آثر النبي عليه الصلاة والسلام على أبيه وأمه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا زيد بن محمد، أرثه ويرثني، فلما نزل قوله تعالى:﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ (5)﴾ عاد يسميه باسمه الحقيقي، ونسبه إلى أبيه زيد بن حارثة. 

 

لا إثم على الخطأ:


شيءٌ آخر، قال الله عزَّ وجل: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ(5)﴾ قال عليه الصلاة والسلام عن عبد الله بن عباس:

(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. ))

[ صحيح الجامع: سنن ابن ماجه  ]

والدين أساسه حينما يعقد القلب على أن يخالف الله عزَّ وجل، على أن يعصيه، هنا الإثم، أما الإنسان فقد يخطئ، قد يسبقه لسانه، قد يتوهَّم شيئاً، ما دامت نيته سليمة وسريرته طاهرة فلا إثم عليه، لأن الله سبحانه وتعالى رفع عن أمة النبي عليه الصلاة والسلام الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، وليست عنكم ببعيدٍ قصة الأعرابي الذي ضلّ الطريق وفقد راحلته، فلما أيقن بالهلاك، وعادت إليه، فقال من شدة الفرح: عن أنس بن مالك:

(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ. ))

[ صحيح مسلم ]

 

حُكم خطاب الرجل ابن غيره بلفظ البنوّة:


لكن أحياناً المدرّس في المدرسة يخاطب طالبه يقول له: يا بني، هذا الخطاب ليس حكماً شرعياً، ليس هناك حرجٌ من أن تخاطب طالباً لك، من أن تخاطب ابن أخيك، من أن تخاطب ابن زميلك، ابن جارك، تقول له: يا بني لا تفعل كذا، هذا خطاب تَحَبُّب، وليس حكماً شرعياً ينتج عنه اختلاط أنسابٍ، واختلاطٌ في العلاقات، لأن النبي عليه الصلاة والسلام خاطب بعض أبناء أصحابه وقال: عن عبد الله بن عبا: 

(( قَدَّمَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزدَلِفةَ أُغيلِمةَ بني عبدِ المطَّلِبِ على حُمُراتٍ فجَعَل يَلطَح أفخاذَنا، ويقولُ: أُبَيْنِيَّ لا ترموا الجَمْرةَ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ. ))

[ سنن أبي داود : خلاصة حكم المحدث : سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح ]

رأى شاباً يرمي الجمرة قبل طلوع الشمس، فقال: (( يا بني لا ترمِ الجمرة قبل أن تطلع الشمس ))

فأجاز العلماء أن تخاطب صغيراً أو شاباً، بأن تقول له: يا بني، وليس هذا من التَبَنِّي في شيء.

 

من معاني قوله: النَّبيُّ أَوْلَى بالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ:

 

1 ـ النبي أرحم الخلق بالخلق:

الآن يقول الله عزَّ وجل: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(6)﴾ ..

العلماء أجمعوا على أن النبي عليه الصلاة والسلام أرحم بالخلق من أنفسهم، وأحرص على مصالحهم من أنفسهم، وأقرب إليهم من أنفسهم. أحياناً يكون للإنسان إيمان، لكن إيمانه لم يَكْمُل، له مع إيمانه مصالحه، أما النبي عليه الصلاة والسلام فكله رحمةٌ، وكله عطفٌ، وكله شفقةٌ على المؤمنين، فأمره لا يمكن أن يفسر تفسيراً في غير صالح المؤمنين. 

2 ـ ليس في أوامر النبي مصلحة شخصية:

لو قلت لإنسان: فلان اتبع كلامه كلمةً كلمة، قد يكون له مصلحة، قد يأمرك بأمرٍ ليس في صالحك، ولكن في صالحه، فالذي يأمرك بأمرٍ ليس في صالحك، هذا لا يُتَّبع، هذا له مصلحة، له حظوظ، يريد شيئاً من حظوظ الدنيا المادية والمعنوية، فإذا أمرك بأمرٍ فهذا الأمر مشوب بمصلحته الفردية، مشوب بحظوظه النفسية، لكن النبي عليه الصلاة والسلام بَرَّأَهُ الله عزَّ وجل من كل حظّ نفسي، ومن كل مأربٍ شخصي، فإذا أمر المؤمنين فإنما يأمرهم لصالحهم المَحْض، من هنا أمرنا الله عزَّ وجل أن نتبع ما أمر النبي، وأن ننتهي عما عنه نهى وزجر. 

أنت دائماً تطيع من يحبك، تطيع من يحرص عليك، تطيع من لا تأخذه في الله لومة لائم، تطيع من إذا أمر تخلَّى عن ذاته، وتخلى عن حظوظه، وتخلى عن شهواته، وتخلى عن مصالحه، مثل هذا الإنسان أمره مُطاع، هل في البشر كلهم رجلٌ تنزَّهَت نفسه عن الأغراض الدنيوية، وعن الحظوظ القريبة، وعن المصالح المادية كرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لهذا ورد: "والله ما آمن والله ما آمن والله ما آمن" قال عليه الصلاة والسلام عن أنس بن مالك:

(( لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين. ))

[ صحيح مسلم  ]

لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به.

الحقيقة الإسلام له مظاهر مادية كلكم يعرفها، الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، لكن هذه المشاعر النفسية التي غفل عنها المسلمون اليوم هي أساسٌ في الإيمان، أي هل تؤثر النبي عليه الصلاة والسلام على كل مصالحك؟ سيدنا عمر كلكم يعلم ذلك، قال: عن عبدالله بن هشام:

(( كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ. ))

[ صحيح البخاري ]  

3 ـ ليس في دعوة النبي حظوظ ولا نصيب لذاته:

إذا أردت أن ترى شخصاً شَفَّافَاً، ليس لذاته نصيبٌ في أقواله وأفعاله، وليس لحظوظه مكانٌ في دعوته فهو النبي عليه الصلاة والسلام، لا يمكن أن يأمرك بأمرٍ ليس في صالحك، أو أن ينهاك عن شيءٍ هو في صالحك، لا يمكن، وإلا لما كان في هذا المقام الرفيع، وإلا لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

معنى ولاية النبي للمؤمنين:


إذا كان لك حظوظ، ومصالح، ومآرب، ونفس تحب الاستعلاء، لن تكون في الحياة كلها باباً لله عزَّ وجل، لن يسمح الله لك أن تكون باباً له، لن يسمح الله لك أن تكون هادياً إليه إلا أن تتخلى عن حظوظك، وعن مصالحك، وعن نزواتك، وعن رغباتك، هذا معنى قول الله عزَّ وجل: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (6)﴾ ..بعض التفاسير قالت: أي في كل شيءٍ من أمور الدين والدنيا، قد يقول بعضهم: في أمور الدين أمر صحيح، أما في أمور الدنيا فلماذا لا نفعل كذا وكذا؟ لمَ حظر النبي علينا ذلك؟ بهذه الطريقة نصبح فقراء، بالعكس في طاعة الله عزَّ وجل وطاعة النبي تكون غنياً. من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى، فقال بعض العلماء: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أي في كل شيء من أمور الدين والدنيا، فيجب عليهم أن يكون النبي أحبّ إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقته عليهم أجدى لهم من شفقتهم على أنفسهم، وأن يبذلوا أنفسهم دونه، ويجعلوها فداءه ووقاءً له إذا لقحت الحرب، وألا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم، ولا ما تصرفهم عنه، ويتبعون كل ما دعاهم إليه النبي عليه الصلاة والسلام، فإن كل ما دعا إليه هو إرشادٌ لهم إلى نيل النجاة، والظفر بسعادة الدارين في الدنيا والآخرة". 

فلذلك كل هذه الصفات أَهَّلَت النبي عليه الصلاة والسلام ليكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

 

الإنسان كلما اقترب من الله تخلَّق بأخلاقه واصطبغ بصبغته:


الحقيقة أن الإنسان كلما اقترب من الله عزَّ وجل تخلَّق بأخلاقه، كلما اقترب من الله عزَّ وجل اصطبغ بصبغة الله عزَّ وجل، ماذا يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي؟ يقول: 

(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا ، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))

[ صحيح مسلم ]

الله عزَّ وجل يدعونا إليه، لأن دعوتنا إليه لا تزيد في مُلْكِهِ، فإذا آمنا لا يزداد ملكه، وإذا كفرنا لا ينقص ملكه، دعوةٌ خالصةٌ لسعادتنا. 

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)﴾

[ سورة الفرقان  ]

لولا أنه خلقكم كي تعرفوه، لولا أنه خلقكم كي يسعدكم، ما يعبأُ بكم آمنتم أو كفرتم. 

 

تحريم الزواج بنساء النبي بعد موته:


﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6)﴾ ..الآن دخلنا في حكم شرعي، تكريماً للنبي عليه الصلاة والسلام، وتقديساً له، حرم ربنا عزَّ وجل على المؤمنين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجوا نساءه، من جهةٍ تكريماً للنبي عليه الصلاة والسلام، ومن جهةٍ ثانية أن هذه المرأة التي كانت مع النبي عليه الصلاة والسلام رأت من كماله، ومن حلمه، ومن شفقته، ومن عطفه، ومن تواضعه، ومن علمه، ومن أنواره القُدسيّة الشيء الذي لا يوصف، فكيف تعيش هذه المرأة مع إنسان آخر؟ مع رجلٍ دون النبي بآلاف الدرجات، أي هذه المرأة التي عاشت مع النبي لا تستطيع أن تعيش مع إنسان آخر، فمن جهةٍ هذا التحريم هو تكريمٌ للنبي عليه الصلاة والسلام، فقد رفع مرتبة نساء النبي إلى مرتبة أُمَّهَاتِ المؤمنين، و الإنسان أحياناً إذا كان يُقَدِّسُ امرأةً ينعتها بأنها كأمه، أحياناً يكون مثلاً شاب عند رجل راقٍ، أخلاقه عالية، دَيِّن، يشعر أن امرأة هذا الرجل كأمه، يرفعها إلى مرتبة الأم، والحقيقة أن في الحياة بنتًا، وأختًا، وزوجة، وأمًّا، أعلى مرتبة على مستوى النساء مرتبة الأم، قلبها كبير، وعطفها الكثير، وشفقتها التي لا نهاية لها، هذه أبرز صفات الأم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (6)﴾ .

 

وجوب الاستسلام التام لأحكام النبي عليه الصلاة والسلام:


أحياناً ربنا عزَّ وجل حينما قال:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾

[ سورة النساء  ]

بلغ حبّ أصحاب رسول الله، وبلغت ثقتهم بالنبي، وبلغ استسلامهم لأحكامه، وبلغت طاعتهم له درجةً أنه لو حَكَّموهُ في خلافٍ وفي شجارٍ بينهم، الذي حكم عليه موقفه من النبي كالذي حكم له، الآن هذا لا يصح، لو أن القاضي نزيهٌ جداً، لو أصدر حكماً يُجَرِّمُ فلاناً، ويُبَرِّئ فلاناً، الذي وقع الحكم عليه يتبَرَّم، ويقول: هذا قاض إما جاهل، وإما ظالم، وإما مُنحاز، وإما قبض من خصمي مبلغاً كبيراً، فيكيل له التهم جُزافاً، لكن حالة المؤمنين الصادقين مع رسول الله عليه وسلم الاستسلام التام، لماذا؟ لأنه معصوم أولاً.

يا رسول الله، إنك بشر تغضب وترضى، فإذا غضبت أنكتب عنك؟ إذا كنت في حالة غضب شديد أنكتب عنك الأحاديث؟ عن عبد الله بن عمرو:

(( كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ: اكْتُبْ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلا حَقٌّ. ))

[ خريج المسند لشاكر :حكم المحدث :إسناده صحيح ]

لا ينطق لسان النبي إلا بالحق في الغضب والرضا، ذات مرةٍ أعرابي قال له: اعدل يا محمد، فقال عليه الصلاة والسلام وكان حليماً: عن جابر بن عبد الله:

(( إنَّ  رسولَ اللَّهِ جعلَ يقبضُ للنَّاسِ يومَ حنينٍ من فضَّةٍ في ثوبِ بلالٍ فقالَ لهُ رجلٌ : اعدِل يا نبيَّ اللَّهِ فقالَ لهُ رسولُ اللَّهِ ويحَكَ فمَن يَعدلُ إن لَم أعدِلْ؟ قد خِبتُ وخسَرتُ إن كنتُ لا أعدِلُ قالَ: إنَّ هذَا وأصحابَهُ يخرجونَ فيكُم، يقرؤونَ القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم يمرُقونَ منَ الدِّينِ مروقَ السَّهمِ منَ الرَّميَّةِ فقالَ عمرُ : يا رسولَ اللَّهِ ألا أضربُ عنقَهُ، فإنَّهُ منافقٌ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ : معاذَ اللَّهِ أن يتحدَّثَ النَّاسُ أنِّي أقتلُ أصحابي. ))

[ تخريج كتاب السنة: حكم المحدث: صحيح ]

 

قصة وعبرة:


القصة التي تعرفونها جميعاً حينما جاءه سعد بن عبادة وقال: يا رسول الله، إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم - أي متأثرون منك - من أجل هذا الفيء الذي قسمته بين أحياء العرب ولم تجعل للأنصار منه نصيباً؟ النبي عليه الصلاة والسلام حكيم، فقال عليه الصلاة والسلام: يا سعد، أين أنت من قومك؟ قال سعد بن عبادة: ما أنا إلا من قومي، أي أنا أيضاً في نفسي شيء، بعض كتاب السيرة قالوا: إن الأنصار حينما وجدوا على النبي في أنفسهم لا حباً بالمال والغنائم، ولكن عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدّ ذاته شرفٌ عظيم، لقد فاتهم هذا الشرف فتألموا، فتهامسوا فيما بينهم، هذا التهامس أصبح شعوراً عاماً، أدركه زعيمهم سعد بن عبادة، فجاء النبي فقال له: يا رسول الله إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم، هذه القصة فيها من كمال النبي، ومن تواضعه، ومن رحمته، ومن وفائه، ومن حكمته ما لا يوصف. 

مرة ذكرت في خطبةٍ هذه القصة وقلت: أعان الله كُتَّابَ السيرة، هذه القصة أين يضعونها؟ إن وضعوها مع حلمه فالأولى أن تكون مع رحمته، أو مع عفوه، أو مع وفائه، أو مع حكمته وحسن سياسته، قال: اجمع لي قومك ، جمع قومه، فقال عليه الصلاة والسلام: يا معشر الأنصار! مقالةٌ بلغتني عنكم - أي شيءٌ تحدثتم فيما بينكم - وجدةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم، يا معشر الأنصار. .. هنا النبي عليه الصلاة والسلام حينما نشأت هذه المشكلة في أي وقت؟ بعد فتح مكة، وبعد معركة هوازن، أي كان النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات قوته، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، أي كلمته أمر، وسمع أن هناك من ينتقده، أو من يتحدث عن أن هذا الفيء وزِّع بشكل أو بآخر، ولم نأخذ حقنا من هذا الفيء، لو أن إنساناً قوياً سمع بهذه المقالة لألغى حياتهم بكلمةٍ واحدة، النبي عليه الصلاة والسلام بماذا بدأ؟ بدأ بأن ذَكَّرَهُم بفضلهم عليه، قال: يا معشر الأنصارّ أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدِّقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك - ذكرهم بفضلهم، ذكرهم بما يجيش في نفوسهم- أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم - أنتم صادقون في هذا الكلام، وإذا تحدثتم بهذا الكلام أنتم مصدَّقون، صادقون مصدَّقون- أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدِّقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، يا معشر الأنصار! ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ - لم يقل لهم: فهديتكم، انظر إلى التواضع- ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ - لو قال: فهديتكم كلام فيه ادعاء- قال: يا معشر الأنصار، ألم تكونوا ضلالاً فأهداكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله؟ وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ - ألا توفّي معكم هذه؟- اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ، قال: فبكوا حتى أخضلوا لحاهم- نزل الدمع من لحاهم- وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً. 

هذه القصة خلاصتها تواضع تواضع، عفو عفو، وفاء وفاء، ما نسي الذين نصروه في ساعة العسرة، وهو الآن في أعلى درجات القوة، إنسان بهذا الكمال لا يمكن أن يصدر منه أمر أو نهي لمصلحته، بل لصالح المؤمنين، لهذا قال الله عزَّ وجل: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (6)﴾ أنت في الدنيا إذا كنت قد وثقت أن الأب لا يمكن أن يتخلى عنك، وكل تفكيره لمصلحتك، تتقبل أمره ونهيه بطيب نفس، والحقيقة أن الإنسان لا يستسلم لإنسان، إلا إذا أيقن بحكمته، وعلمه، ورحمته، وحرصه، ووفائه، وحبه، إنسان يُسَلِّم قياده لإنسان بلا سبب؟ بلا دراسة؟ بلا امتحان؟ مستحيل، لن تجد إنساناً يقدِّم لإنسان كل شيء إلا أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام.

 

معنى قوله تعالى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ:  


لذلك: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6)﴾ لكن لا يصح أن يقال: النبي أبو المؤمنين. 

هنا نقطة، إذا كانت أزواجه أمهات المؤمنين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حُرْمَةً له وتكريماً، وتقديساً، وتعظيماً من قِبل الله عزَّ وجل، جعل نساءه من بعده بمنزلة أمهات المؤمنين لا يجوز لمؤمنٍ بعد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينكح أزواجه من بعده، هم بمرتبة الأمهات. 

والتفسير الثاني أن هذه المرأة التي عاشت مع النبي، ورأت من كماله الشيء الكثير، مع من تعيش؟ إنها تعيش مع سيد الخلق. 

السيدة عائشة جاءها طبق طعام من ضرتها صفية، أصابتها الغيرة فأمسكت بالطبق وكسرته، هذه الأيام يقول الزوج الظلوم لزوجته: والله أكسر رأسك إذا كسرته، أحياناً كلمات يقولها الأزواج قاسية جداً في منتهى القسوة، أما النبي فما زاد على أن لَمَّ أشتات الطبق وقال: غضبت أمكم، غضبت أمكم، كان حليماً عليه الصلاة والسلام، حلمه، ورأفته، ورحمته، وتواضعه، وصبره، وإيناسه لزوجاته كان شيئاً لا يوصف، أيعقل أن تعيش هذه المرأة التي رأت من كمال النبي أن تعيش مع رجل آخر؟ مستحيل. 

﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6)﴾ لكن إذا قلنا: النبي أبو المؤمنين فأصبحت بنات المؤمنين بنات له، هذا الشيء لا يصح أن يكون، لأنه هو سيتزوج، فإذا صحّ أن نقول: إن نساء النبي أمهات المؤمنين فلا يصح أن نقول: النبي أبٌ للمؤمنين، والدليل هناك آية كريمة تقول:  

﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)﴾

[  سورة الأحزاب: ]

والحقيقة أن هنا نقطة دقيقة، أن المرأة أعلى مرتبة تصلها أن تكون أماً، أما بين الأبوة والرسالة مسافةٌ شاسعة، تكريم النبي لا أن يكون أباً للمؤمنين، أن يكون رسول الله، ولكن رسول الله وخاتم النبيين. 

 

التوارث بسبب الموالاة والمؤاخاة في أول الإسلام:


﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(6)﴾ ..الآن هذه الآية فيها حكم شرعي دقيق جداً، أصحاب النبي الذين اتبعوه في ساعة العُسْرَةَ، والذين هاجروا معه من مكة إلى المدينة، تركوا بلادهم، تركوا ديارهم، تركوا أموالهم، تركوا عشيرتهم، تركوا أهلهم، تركوا أقاربهم، تركوا كل شيء وجاؤوا المدينة فقراء؛ بلا مأوى، بلا أرض، بلا جذور، النبي عليه الصلاة والسلام آخى بينهم، فجعل مؤاخاة الولاء بمستوى مؤاخاة النَسَب، فكان أصحاب رسول الله المهاجرون والأنصار يرثُ بعضهم بعضاً، وبعضهم أولى ببعض.

 

إبطال ونسخ التوارث بسبب الموالاة والمؤاخاة:


أما حينما استقرَّ الدين، واستقر الإسلام، وأصبح لأصحاب النبي موردُ رزقٍ، واستقرت الحياة استقراراً عائلياً أُسَرِياً طبيعياً، عاد الحكم إلى أن أولي الأرحام كما قال الله عزَّ وجل: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ (6)﴾ صار التوارث أساسه نظام القرابة، في أول عهد الصحابة بالهجرة كان نظام المؤاخاة هو أساس التوارث، وهناك سبب، هناك سبب مرحلي، هؤلاء الأصحاب تركوا كل شيء ؛ تركوا ديارهم، بلادهم، أموالهم، أزواجهم، أولادهم، تركوا موطن رزقهم، تركوا مكان رزقهم وجاؤوا إلى المدينة فقراء، فالأنصار آخاهم النبي مع المهاجرين، وصار التوارث فيما بينهم، الآن بعد مضي عشرات السنين، صار هناك استقرار، صار هناك كسب للأرزاق، صار هناك أعمال، صار هناك حياة أساسها الأسرة، إذاً عاد الأصل إلى أصله، عاد التوارث بين الناس على أساس القرابة، قال:  ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين(6)﴾ باعتبار أن الكل صاروا مؤمنين، عندما كان هناك أسرة مشتتة، بعضها في مكة كافرة، بعضها في المدينة، في مكة قسم منها كافر، وفي المدينة مؤمن، الأب بعض أولاده في مكة، وبعضهم الآخَر في المدينة، فهناك تشتت، فصار الوضع المرحلي أن يكون التوارث على أساس المؤاخاة والولاء، فلما فُتِحَت مكة، وجُمع شمل الأسر، وأصبحت الأسرة بكاملها مؤمنة، لم يعد هناك كفر ونفاق، الكل مؤمن، فلم تعد حاجة لتكون علاقات الوراثة علاقة ولاء، يجب أن تعود العلاقات علاقات قرابة، لأن المجتمع كله مؤمن. 

لو فرضنا الآن أن شخصاً ترك دينه، حًرِم من الإرث لاختلاف الدين، أما لو كانت الأسرة كلها مجتمعة على أب واحد، وأم واحدة، ودين واحد فليس من داعٍ لأن تكون هناك تفرقة في الميراث، صار هناك نظام القرابة، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(6)﴾ .

 

بقاء جواز الإحسان بالوصية إلى مَن له ولاء:


أما إذا أراد الإنسان أن يحسن إلى من له ولاء، إلى من له علاقة، هذا لا يمنع، أحكام الإرث شيء، والوصية والإحسان شيء آخر، فأنت يدك طليقةٌ في الوصية، وفي الإحسان إلى كل الناس، لكن علاقات الإرث تعود علاقات القرابة بعد أن جُمِعَ شمل الأسر، وبعد أن دخل الناس جميعاً في دين الله أفواجاً، وبعد أن انتظمهم الشرع الحنيف. 

 

أخذُ اللهِ العهدَ على النبيين بتبليغ رسالاته:


﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(7)﴾ ..أي هؤلاء النبيون أُخِذَ عليهم العهد أن يَبَلِّغوا رسالات الله، أُخِذ عليهم العهد أن يؤدّوا أمانات الله، أُخِذ عليهم العهد أن ينصحوا أمتهم، أُخِذ عليهم العهد أن يوافق بعضهم بعضاً، أي لا نفرق بين أحدٍ من رسله..﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ (7)﴾ قال بعض المفسرين: كلمة: ﴿وَمِنْكَ﴾ تقديم النبي على سائر الأنبياء دليل أنه النبي الأول، والمخلوق المفضَل..﴿وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ ..الترتيب زمني، نوح، إبراهيم، موسى، وعيسى، الترتيب زمني من جهة، وهؤلاء الأنبياء هم أولو العزم من الرسل، أي هؤلاء الرسل العظام منهم مجموعةٌ بذلت وتحملت ما لا سبيل إلى تَحَمُّلِهِ، فربنا عزَّ وجل بدأ بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم ثنىَّ بالأنبياء أولي العزم، كسيدنا نوحٍ، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم. 

﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)﴾ ..أي ميثاق شديد، وكل إنسان يتعلَّم العلم الشريف الله عزَّ وجل أخذ عليه الميثاق ليبينه للناس، ما قيمة أن تحضر مجلس علم؟ القضية فيها مسؤولية، تعلمت هذه الآية، تعلمت هذا الحديث، ماذا فعلت بهذا العلم؟ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((  لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ، وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟ ))

[  صحيح الترغيب: حسن صحيح ]

 

سؤال الله الصادقين يوم القيامة:


﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)﴾ ..(الصادقين) الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، سوف يُسألون: ماذا قلتم للناس؟ هل بلَّغتموهم الحق؟ ماذا فعلتم؟ كيف وقفتم من المؤمنين؟ كيف وقفتم من أعداء الله؟ ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ (8)﴾ وليسأل أيضاً الذين دعوهم إلى الله عزَّ وجل، أي الذي تكلم يُسأل، والذي تُحُدِّثَ إليه يُسأل، المتكلم يُسأل: ماذا قلت؟ قلت: كذا وكذا، هل فعلت ما قلت؟ نعم، هناك مجموعة أسئلة يَسألها الله عزَّ وجل لمن تصدَّى للدعوة إلى الله، والمستمعون المدعوون أيضاً يسألون: ماذا سمعتم؟ أكان الحق واضحاً؟ ماذا فعلتم فيما علمتم؟ فالذي يتكلم له سؤال، والمستمع له سؤال، وكلنا مسؤولون، ولا ينجو من عذاب الله عزَّ وجل إلا من كان في مستوى هذا السؤال.

﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا(8)﴾ إن شاء الله في درسٍ قادم سوف نبدأ بقصة غزوة الأحزاب، والحقيقة هذه الغزوة فيها من الدلائل والعِبَر الشيء الكثير، فيها أشياء كثيرة جداً.  

 

تمهيد لدرس غزوة الأحزاب:

 

1 ـ للإسلام جانبان نظري وعملي:

الحقيقة أن الإسلام له جانب نظري وجانب عملي، الجانب النظري هذه المبادئ، وهذه الأوامر، وهذه النواهي، وهذه الأحكام الشرعية، والأحكام التكليفية، والآيات الكونية، هذا الجانب النظري، القرآن والسنة جانباه النظريَّان، ولكن الأحداث التي وقعت في عهد النبي تعد من الجانب العملي. 

2 ـ أهمية القصة وتأثيراتها:

والحقيقة لماذا تعد القصة مؤثرةً؟ لأنها حقيقةٌ مع البرهان عليها، ما قيمة المنطلقات النظرية إذا بقيت حبراً على ورق؟ ما قيمة المبادئ السامية إن لم ترها مطبقةً في الحياة؟ لذلك ربنا عزَّ وجل دائماً يدعم الشيء النظري بالشيء العملي، يدعم القول بالفعل، فغزوة الأحزاب فيها من الدلائل الشيء الكثير، أي احتمال النصر كان في هذه الغزوة صفراً بالضبط..﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)﴾ يجب أن تؤمن أنك مؤمن لا يمكن إلا أن تبتلى، ولا يمكن إلا أن تُهَزّ. 

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾

[  سورة العنكبوت  ]

 

تقديم موجز لقصة الأحزاب:


بعض المؤمنين قالوا: ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)﴾ ..تبين لنا أن كل هذه الدعوة خلط في خلط، هذه مقالة المنافقين، طبعاً حينما رأوا الأحزاب قد تحزبوا من كل جانب، ما اجتمع في الجزيرة العربية جيشٌ يَعُدُّ عشرة آلاف مقاتل إلا في غزوة الأحزاب، وظهورهم من بني قريظة، بنو قريظة نقضت العهد، انكشفت ظهور المسلمين، وتألَّبت عليهم القبائل كلها، وأصبح الإسلام مشكلة وقت، وما جرت معركةٌ في الجزيرة العربية هدفها استئصال المسلمين إلا هذه المعركة، استئصال كامل، أن يستأصلوهم من شأفتهم كما يقال، ومع ذلك أظهر الله قدرته، وكيف أنهم هُزِموا على أتفه سبب، وكيف أن الله كفى المؤمنين القتال، ورجع الكفار حيارى، ندامى، خزايا، لأنهم أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم. 

إن شاء الله الدرس القادم بأكمله حول غزوة الخندق، ويجب أن نقف عند كل حدثٍ من أحداثها ونستنبط الموعظة، والقرآن كما أقول لكم دائماً: ليس كتاب تاريخ إنه كتاب واقع، أي هذه الغزوة فيها دلائل وعِبَر تفيدنا جميعاً في حركاتنا اليومية.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور