- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (033)سورة الأحزاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
المناسبة بين الآية الأولى وما يليها من الآيات وجوب التقوى والطاعة المقرونة بالإخلاص:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني من سورة الأحزاب.
في الدرس الماضي الآية الكريمة التي هي صدر آية في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى:
أولاً: حينما قال الله عزَّ وجل بعد أن أمر النبي، بل أمر المؤمنين من خلال النبي عليه الصلاة والسلام، بعد أن أمر الله المؤمنين من خلال النبي أن يتقوا الله، وألا يطيعوا الكافرين والمنافقين قال:
(( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. ))
أي الطاعة أيها الأخوة قيمتها بما تنطوي عليه من إخلاص.
﴿
من الظاهر العبادة، من الباطن الإخلاص، المؤمن لو أنه اتقى الله عزَّ وجل يا ترى ماذا ينطوي في نفسه؟ ماذا يخبِّئ في نفسه؟ ما الهَدف الذي يبتغيه السمعة أم طاعة الله عزَّ وجل؟ ما نوع إخلاصه؟ ما درجة إخلاصه؟ فحينما أمرك الله عزَّ وجل أن تتقي الله بمعنى أن تطيعه، أعلمك أنه يعلم نواياك، أكانت هذه الطاعة مُراءاةً للناس، استدراراً لعطفهم، انتزاعاً لإعجابهم، تحقيقاً لمصالحك فيهم أم كانت عبادةً خالصةً لوجه الله عزَّ وجل؟ فكلمة:
تذكير وربط السابق باللاحق:
﴿
الآمرُ ضامنٌ:
أما النقطة الدقيقة:
قد يأمرك إنسان أن تتجرَّع هذا الدواء، وقد يكون هذا الأمر غير صحيح، وقد ينشأ مرضٌ خطير من هذا الدواء، فإذا عاتبته أو سألته يقول لك: ماذا أفعل؟ لا أدري، هذا علمي، لكن الله عزَّ وجل وهو خالق الكون إذا أمر بأمر، الآن مثلاً هناك أناسٌ كثيرون يقترفون المعاصي من أجل رواج تجارتهم، يقول لك: هكذا هذا الشيء يرضي الناس، يرضي الناس أن تكون في المحل امرأة مثلاً تبيع الرجال، يرضي الناس أن تفعل كذا، حينما تسعى لمصلحتك من خلال معصية الله عزَّ وجل فهذا عين الجهل بالله، لأنه: من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى.
اعملْ صالحًا بإخلاص ولا تخش في الله لومة لائم:
إذا توهَّمت لحظة واحدة أن طاعة الله تضرُّك، وأن معصيته تنفعك فهذا هو عين الجهل، لذلك المعنى الذي تنطوي عليه الآيتان معاً:
وهمٌ مرفوضٌ؛ الطاعة تجلب الضر:
الآن أضع يدي على منطقة حسَّاسة في الإنسان، ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ يريدها قد يتراءى لك أن طاعة الله عزَّ وجل سوف تحول بينك وبين خيراتٍ كثيرة، أي عدم الاختلاط يجعلك إنساناً منطوياً على نفسك، عدم المصافحة يجعل لك شخصيَّة محرجاً بها أمام الموظَّفات مثلاً، عدم تعاملك بهذه الطريقة في البيع والشراء يفوِّت عليك ربحاً كثيراً، هكذا شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يجعل منطق الأحداث يوحي إليك أن طاعة الله قد تضرُك، وأن معصيته قد تنفعك، والحقيقة هي العكس، لكن من هو المؤمن؟ هو الذي يقول: والله لا أعصي الله ولو أكلت التراب، والمنافق على أتفه سبب يتَّخذه ذريعةً لمعصية الله عزَّ وجل.
إذاً: الآمر ضامن، أي الذي أمرك أن تحجِّب ابنتك هو الذي يضمن لها زواجاً موفَّقاً، أما لابدَّ من أن تسْفر، لابدَّ من أن يراها الناس، لابدَّ من أن تكون معهم في حفلاتهم، لابدَّ من أن تُظهر مفاتنها كي يعرفها الآخرون، هذا الكلام هو الجهل بعينه، الآمر ضامن؛ في البيع، في الشراء، في التجارة، في الزراعة، في الصناعة، في العلاقات الاجتماعيَّة، في كل حركاتك وسكناتك أمر الله هو الذي معه حفظ الله، ومعصية الله عزَّ وجل هي التي معها الخِذْلان، والتعسير، ومشكلات الحياة.
للإنسان قلبٌ واحد لا يتسع لشيئين متضادين:
الآن هناك آيةٌ دقيقة:
﴿
الحق واحد، والنور مُفرد.
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا
فلذلك القلب الإنساني قلبٌ موحَّد لا يتَّسع لشيئين، طبعاً هذه الحقيقة، أي إذا أحببت الله ورسوله يستحيل أن تحب أهل الفسق والفجور، فإذا رئي أنك تحب هؤلاء وهؤلاء معنى ذلك أن محبَّتك لبعضهم حقيقية، ومحبتك للآخرين دعوى.
أحياناً يقال لك عن شخص: هو ذكي، إن جلس مع أهل الدنيا أحبَّهم وأحبوه، وانسجم معهم انسجاماً كبيراً، وسهر معهم عشرات الساعات، فإذا جلس مع أهل الحق أظهر التواضع، والمحبَّة، والاهتمام، نقول: لك قلبٌ واحد إذا امتلأ حباً لأهل الدنيا، وأهل القوة والحول والطول، لا يمكن أن يكون فيه مكانٌ لمحبَّة أهل الحق، فإذا امتلأ بحب أهل الحق ليس في قلبك مكانٌ لمحبة أهل الدنيا، فإذا رئي أنك تحب الاثنين معاً فاعتقد اعتقاداً جازماً أنك تحب أحد الطرفين حباً حقيقياً، وأن حبَّك للطرف الآخر دعوى، كلام فارغ، في العصر الحديث يوجد "شخصيَّة مرنة"، يقول لك باللغة الدارجة: "معهم معَهم، عليهم عَليهم"، إذا أرضى الناس جميعاً فهو منافق، لكن ربنا عزَّ وجل يقرِّب هذه الحقيقة..
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
﴿
إذاً: هذه قاعدة يجب أن تأخذ بها، لك قلبٌ واحد يتَّسع لشيءٍ واحد، لكن هذا الكلام لا يعني، إذا أحببت الله أحببت رسوله، لأن حبَّ رسول الله فرع من حبّ الله عزَّ وجل، وإذا أحببت الله أحببت المؤمنين، ومحبَّة المؤمنين فرعٌ من حب الله عزَّ وجل، وإذا أحببت الله أحببت الناس جميعاً، وإذا أحببت الله أحببت الخَلق جميعاً، فالحب الذي يتفرَّع عنه مجموعة من أنواع الحب هذا يسمى: حبّ واحد، أنا قلت قبل قليل: لا يمكن أن يجتمع في قلبك متناقضان، والشيئان المتناقضان الذي أحدهما يرفض الآخر، كالظلال والنور، فإذا كان هذا المكان مظلماً إذاً نفينا عنه النور، وإذا قلنا: إنه منير نفينا عنه الظلام، فالظلام والنور شيئان متناقضان، القلب البشري لا يتسع لشيئين متناقضين في وقتٍ واحد.
أحكام الظِّهار:
الولد المتبنَّى ليس ابناً:
إذاً:
بطلان نظرية: في الإمكان التوجه إلى شيئين في آن واحدٍ:
حتَّى قديماً في الستينات كان هناك نظريَّة تقول: إن الإنسان يتمكَّن أن يتوجَّه إلى شيئين في آن واحد، ثم ثبت بطلان هذه النظرية، لكن الذي يتراءى لبعض الناس أنه بإمكانه أن ينتبه إلى أشياء عديدة في وقت واحد، هذا عنده ما يسمى بقدرةٍ فائقة في سرعة التحوُّل من شيء إلى شيء، أما في وقت واحد أن تنتبه إلى شيئين فهذا مستحيل، أن تستغرق في شيئين مستحيل، في وقتٍ واحد لا يمكن أن تنصرف إلا إلى شيءٍ واحد، وهذا مصداق قوله تعالى:
على كلٍّ الذي يحصل أن هناك أشخاصاً كثيرين يقول لك: هذا بيع، وهو في الحقيقة ربا، فالربا ربا، والبيع بيع، هذا مثلاً يانصيب خيري، اليانصيب حرام، أما الخيري فهذه كلمة أُلصِقَت به إلصاقاً، لا تزول حرمته أن تقول: خيري، يبقى كسباً غير مشروع، وطريقة في التعامل غير صحيحة، هذه مثل أخته- زوجةُ صديقه- لا، هذه ليست أختك، هذه زوجة صديقك، وهي امرأةٌ أجنبيَّة، فلو دخلت بيت صديقك، ولم يكن صديقك، وقبلت أن تدخل فقد وقعت في حرمةٍ كبيرة، فالأمور واضحة جداً في الدين؛ الحرام حرام، والحلال حلال، الواجب واجب، السنَّة سنة، الفرض فرض، المكروه مكروه، المباح مباح. أما حينما يُلْعَبُ بدين الله عزَّ وجل فلابدَّ من ألا تنكح هذه المرأة بعد أن طُلِّقَت طلاقاً بائناً
تغيير الاسم لا يُغيِّر من حقيقة المسمى:
يوجد حدود، يوجد قيود، يوجد تعريفات، يوجد اصطلاحات، أما هذا التداخل، وهذا الاختلاط، وهذه المُسمَّيات التي تُعطى أصناف أخرى مثلاً: تغيير اسم الباطل باسمٍ آخر هل يعطيه حقيقة الحق؟ أنت لك عند فلان مئة ألف دَيناً، جاءك وقال: أتأخذها نقداً على أن تخصم لي ستة بالمئة؟ قلت لك: هذا لا يجوز، هذا ربا معكوس، فقال لك: يا أخي سجِّلها سماحًا، هل إذا كتبت (سماحًا) انتفت صفة الحُرمَةِ؟ لا، الاسم لا يغيِّر شيئاً، اكتب على هذه الطاولة: إنها كرسي، هل تصبح كرسياً؟ لا، ستبقى طاولة، اللوحة لا قيمة لها، الاسم لا قيمة له، الإعلان لا قيمة له، لذلك كيف نلعب بدين الله عزَّ وجل؟ حينما نعطي أسماء لغير مسمَّياتها، أخي هذا سماح، وهذا بيع، أي إذا بعت هذه الحاجة نقداً بثمانين لرة، بعتها ديناً بمئة ليرة، واشتريتها منه نقداً بثمانين ليرة، أخي بيع وشراء، صفقة وصفقة، لا، هذا ربا، حقيقة ما تفعله أنك تقرضه بالربا، ولو جعلت هذا الربا على شكل صفقة أولى وصفقة ثانية، فالأولى تبيعه ديناً بمئة ليرة، والصفقة الثانية تشتريها منه نقداً بثمانين ليرة، والفرق هو الفائدة، ولئلا نقع في أخطاء كبيرة في دين ربنا عزَّ وجل قال:
الويل لمَن ظلم زوجته:
جاءت امرأةٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، هي المرأة التي سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، التقت بسيدنا عمر رضي الله عنه، وكان يركب دابَّةً، نزل عن دابته، ووقف متأدِّباً ليستمع إليها، فلمَّا سُئل عن هذا الموقف الغريب؟ قال:
النبي عليه الصلاة والسلام دمعت عينه حينما سمع شكواها، ولا تنسوا أنه ورد:
بين النبي عليه الصلاة والسلام وزيد بن حارثة:
شيءٌ آخر؛ هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قُدِّم له غلام من قِبَل زوجته خديجة بنت خويلد، هذا الغلام هو سيدنا زيد بن حارثة، وكان من أقرب الناس إلى النبي، عاش في كَنَفِ النبي سنواتٍ طويلة قبل البعثة، والنبي عليه الصلاة والسلام بادله وداً بودّ، وحباً بحبّ، إلى أن وصل إليه أهله، هذا الغلام كان قد أُخِذ في غزوةٍ في الجاهليِّة، وبيع في سوقٍ، واشتراه خال السيدة خديجة، ثم أعطاه لخديجة، وخديجة رضي الله عنها أعطته بدورها للنبي عليه الصلاة والسلام، النبي عامله معاملةً تفوق معاملة الأب الرحيم، والأخ الشفيق، فتعلَّق سيدنا زيد بالنبي تعلُّقاً كبيراً، وأحبَّه حبَّاً جمَّاً، فلمَّا جاء أبوه وعمُّه بعد أن عثرا عليه في مكَّة، ليقدِّما المال لسيدنا محمد، المال الوفير، اطلب ما شئت فداء هذا العبد، قال: "لا، خيِّراه، فإذا اختاركما فلست أريد شيئاً، هذا ابنكما" وقف النبي موقفاً رائعاً، أي لو أنه اختاركما فهو لكما، ولا أريد شيئاً، لكن سيدنا زيداً رأى من قلب النبي الكبير، ومن عطفه الجزيل، ومن أخلاقه الرضية، ومن إشراقات النبوَّة فيه ما جعله يؤثر النبي على أبيه وأمِّه وعمّه. فقالا: يا زيد أتؤثر محمَّداً على أبيك وأمِّك؟ فقال: لقد رأيت منه ما أنساني أبي وأمي، عندئذٍ قال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا زيد بن محمَّد يرثني وأرثه، هكذا قال النبي، وكان اسمه قبل نزول هذه الآيات: زيد بن محمد، عليه الصلاة والسلام، فالذي يعيش مع النبي هل يذكر أحداً من أهله؟ ينسى كل شيء.
إبطال عادةِ التبنِّي:
الله سبحانه وتعالى أراد أن يُبطل عادة التبني التي فيها اختلاطٌ للأنساب، فأمر زيداً أن يطلِّق زوجته، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يتزوَّج زينب، وعاتبه الله عزَّ وجل وقال:
﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ
أي فعل شيئاً فوق طاقته إحقاقاً للحق، وإظهاراً إلى أن التبني عادة مرذولة، تجعل في الحياة الاجتماعيَّة اختلاطاً وانحرافاً وتدهوراً.
فلذلك أما ما يرويه بعضهم وهي رواياتٌ ساقطة لا تقف على قدمين من أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى زينب، وهي تغتسل، وقعت في قلبه، فتمنَّى الزواج منها، فجاء الله عزَّ وجل كما يقولون، وأمر زيداً بتطليقها، وأمر النبي بالزواج منها، فهذه رواياتٌ مكذوبةٌ ساقطةٌ لا تليق بالنبي عليه الصلاة والسلام، وليس لها أساس من الصحَّة، إنها من الدّسِّ على الإسلام، فالنبي فوق هذا، بالعكس لو أراد الزواج من زينب لتزوجَّها قبل أن يخطبها زيد، لكن النبي بهذا الأمر الإلهي أبطل عادة التبني، لذلك:
أردت من هذه الأمثلة أن أبيِّن لكم أن الأسماء لا تغير في حقائق الأشياء، تسمي النفاق لباقة يظل كما هو نفاقاً، تسمي الانحراف (سبور) يظل انحرافاً، الآن هناك كلمات متداولة، إذا شخص غير ديّن يقول لك: (هذه سبور)، هذه فتاة (سبور)، هذه الكلمة هل تغيِّر من أنها فاسقة؟ فاجرة؟ منحرفة؟ لا تغيرها، الفسق فسق، والفجور فجور، والزنا زنا، والاختلاط اختلاط. فالذي أريده منكم أن نقف عنده قليلاً هو أنك إذا سميت الرذيلة فضيلة تبقى رذيلة، إذا سميت الاختلاط انفتاحاً، عقليَّة مرنة، يبقى الاختلاط اختلاطاً، تداخل أنساب، تطلُّع إلى نساء الآخرين، عدوان على الأعراض، هذه حقيقته، تسميه اختلاطاً، والإنسان عقله مفتوح، وعنده مرونة، وذكي، هذه كلها كلمات فارغة، تسمي المنافق لبقاً هو منافق، تسمّي الكافر متحرِّراً وهو كافر وليس متحرِّراً، هذه الأسماء الحديثة: الفسق تحرُّر، والنفاق لباقة، والاختلاط انفتاح، وهذه مرونة، هذه كلها كلمات فارغة، الفسق فسق، والفجور فجور، والانحراف انحراف، يقول لك: هذه صداقات بريئة، أي صداقة هذه؟ هل هناك صداقة بريئة بين رجل وامرأة أجنبيَّة عنه؟ كيف تقول: هذه صداقة؟ ما من رجلٍ خلا بامرأةٍ إلا اشتهاها، وهناك أخطاء يقع فيها الجُهَّال تعود عليهم وبالاً كبيراً في حياتهم الدنيا.
أردت من هذا الكلام أن نتوسَّع لمعالجة الموضوع، إيَّاك أن تسمي المعصية اسماً آخر، إنها معصية، الربا ربا، والبيع بيع، هناك من يُخَلِّط..
﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
إضفاء المجتمعات المنحرفة التي لها خلفيَّة دينيَّة أسماء برَّاقة على معاصٍ كبيرة:
دائماً المجتمعات المنحرفة والفاسقة التي لها خلفيَّة دينيَّة، يتَّجه أصحابها إلى إضفاء أسماء برَّاقة لطيفة على معاصٍ كبيرة، هذه الأسماء لا تغيِّر، ولا تبدِّل، تبقى المعصية معصية، والاسم لا قيمة له، تماماً كما لو جئت بلصاقة على كيلو حديد صلب، وكتبت: "ذهب خالص"، هل تستطيع أن تبيع هذا الكيلو بخمسمئة ألف؟ كيلو حديد صلب، اكتب عليه بلاصقة فخمة جداً: ذهب خالص عيار أربعة وعشرين، وانزل على سوق الصاغة، هل تستطيع أن تبيعه بخمسمئة ألف؟ إنه يساوي ثلاثاً وعشرين ليرة، هذا ثمنه، وإذا جئت بكيلو ذهب خالص، وكتبت عليه: "حديد"، هل قلَّت قيمته؟ لا، فقيمته هيَ هي، هذا معنى قوله تعالى:
على الله بيانُ سبيل الحق:
لكن الله سبحانه وتعالى يقول الحق:
آيةٌ دقيقةٌ جداً أرجو أن نستوعبها جميعاً:
﴿
قال عليه الصلاة والسلام: عن أميمة بنت رقيقة:
(( جئتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في نِسوةٍ نُبايعُهُ ، فقالَ لَنا : فيما استَطعتُنَّ وأطَقتُنَّ ، إنِّي لا أُصافِحُ النِّساءَ.))
هكذا قال النبي، ليس عندنا حالات أخرى.
احفظ حدود الله يحفظك:
قلت في درسٍ ماضٍ: احفظ الله يحفظك، إذا حفظت أمر الله عزَّ وجل بأن نفَّذته، وحفظت نهيه بأن اجتنبته، وحفظت حدوده بأن وقفت عندها، الآن حَفِظَ الله لك دُنياك ودينك، حفظ دنياك بمعنى أنه يحفظ لك بدنك، وأهلك، وأولادك، ومالك، وحفظ دينك من الشبهات المُضلَّة، والشهوات المهلكة، لا شبهات مضلَّة ولا شهوات مهلكة، إذا حفظت دينك، لذلك كلمة الجنيد- رحمه الله تعالى- حينما سُئل: من وليُّ الله؟ فقال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾
أي كل المظاهر زائغة، لو تكلَّمت كلاماً طيِّباً، لو كان لك تطلُّعات، ولو دمعت عينُك..
أحبابنا اختاروا المحبَّة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحبِّ شرعنا
* * *
حُكمُ التبني وتفصيلاته:
ليس في الخطأ إثم ولكن على ما عزم القلب وتعمد:
(( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ. ))
و عن عبد الله بن عباس :
(( إنَّ اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ، والنسيانَ، وما اسْتُكرِهوا عليه. ))
أما المشكلة فأن ينبعث في القلب باعثٌ إلى المعصية، أن يريد الإنسان أن يعصي الله عزَّ وجل، أن يعرف الحق ويخالفه، أن يعرف الباطل ويمشي فيه، هنا المشكلة، فإذا ارتكب الإنسان ذنباً عن جهل فتوبته تكون سريعة جداً، يشعر أن الله بكلمةٍ واحدة، بإنابةٍ سريعة، يقبله، ويعفو عنه، ما دام قلبه لم يتعمَّد المعصية، أما إذا صمَّم أن يعصي، وقصد أن يعصي، عندئذٍ يكون الحجاب بينه وبين ربه سميكاً، وليس من السهل تخَطِّي هذا الحجاب، إذاً:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين