- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (033)سورة الأحزاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
صيغة (وما كان لمؤمنٍ) ليست لنفي الحَدَث بل لنفي الشأن وهو أبلغ من نفي الحدث:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الحادي عشر من سورة الأحزاب.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
إذا قلنا: فلان لم يسرق هذه الليرة، نفينا عنه السرقة، ليس معنى هذا أنه ليس من عادته أن يسرق، هذه لم يسرقها، قد يكون أكبر سارق، أما هذه الليرة ففلانٌ لم يسرقها، نفيت عنه سرقة هذه الليرة فقط، أما إذا قلت: ما كان لفلان أن يسرق، أي هذا مستحيلٌ في حقه، هذا بعيدٌ عن مقامه، هذا ليس من شأنه، لا يفكر في هذا، ولا يرضى هذا، ولا يريد هذا، ولا يُعْقَلُ أن يفعل هذا، أي أشد أنواع النفي نفي الحدث، ونفي الرغبة، ونفي الإرادة، ونفي القبول، ونفي الشأن، كل هذه منفيةٌ بهذه الصيغة.
قالوا:
المرأة مساويةٌ للرجل تماماً في التكليف والتشريف:
ما هذا الشيء الذي نفاه الله عن المؤمنين أصلاً، قال:
قضاء الله في القرآن وقضاء النبي في السُّنة:
﴿
هذا أمر الله عزَّ وجل، قضى الله من خلال منهجه أن تغض بصرك، فإذا أنت لم تعبأ بهذا الأمر فلست مؤمناً، ما دمت مؤمناً هذا أمر الله، وينبغي أن تتقيد به.
أن تختار أن تنفذ أمر الله أو ألا تنفذ هذا ليس من صفات المؤمن:
أنت قبل الإيمان مخيَّر؛ تؤمن أو لا تؤمن، أما إذا آمنت فلست مخيراً في أن تنفذ أو ألا تنفذ، إنسان مخير إما أن يقبل التطوع في الجيش أو ألا يقبل، فإذا قَبِل الطاعة ملزمة للجيش، فلا يستطيع أن يقول: هذه لم تعجبني، لا يوجد لم تعجبني بالجيش، ما دمت اخترت هذا السلك، ما دمت اخترت أن تكون في سلك الجيش فالطاعة فيه لابدَّ منها.
مثل للتقريب: أنت ما دمت اخترت أن تكون مؤمناً فلابدَّ من أن تطيع الله عزَّ وجل، لو أن طالباً اختار أن يدخل مدرسة، اختار أن يكون مثقفاً فهناك دوام، وهناك وظائف، وهناك تدقيق، وهناك متابعة، وهناك مراقبة، فكلمة بذيئة يُعاقب عليها، تأخُّر يعاقب عليه، فلو أن طفلاً آخر، أو لو أن شاباً آخر لا علاقة له بالتعليم إطلاقاً، هو حر طليق، فاختال على هذا الطالب: أنا لا يوجد من يحاسبني، أنا حر طليق، أنت خارج المدرسة كلياً، أنت كمؤمن اخترت أن تكون مؤمناً، ما دمت اخترت أن تكون مؤمناً فالإيمان له التزامات، فأنت مخير أن تكون مؤمناً أو ألا تكون، لو لم تكن مؤمناً لخاطبك الله بعموم الدين، بكليات الدين قال تعالى:
﴿
أما إذا آمنت بالله عزَّ وجل خالقاً، وآمنت به رباً، و آمنت به مسيِّراً، و آمنت به واحداً، و آمنت به كاملاً، و آمنت به حكيماً، و آمنت به عليماً، و آمنت به خبيراً، و آمنت به قديراً، لا يمكن أن تختار أن تنفِّذ أو ألا تنفذ فهذا أمر الله، تختار لوناً من ألوان الطعام، تختار لوناً لملابسك ترتديه، تختار بيتاً تسكنه، تختار زوجة تقترن بها، تختار حرفة تحترفها، أما أن تختار أن تنفذ أمر الله أو ألا تنفذ فهذا ليس من صفات المؤمن أبداً.
الإنسان بعد أن عرف الله يأتيه أمره وهو الكمال المطلق والعدل المطلق:
هذا شرع الله، كماله مطلق، عدله مطلق، ليس هذا كلام البشر، بل كلام خالق البشر، كلام الصانع، كلام الخالق، كلام المدبِّر، كلام المربي، كلام الخبير، كلام العليم، كلام الغني، كلام القدير.
علامة معرفة الله عزَّ وجل طاعتك له:
إذاً حينما تتردد في تنفيذ أمر الله عزَّ وجل فأنت لا تعرف الله قولاً واحداًً، أما حينما تعرف الله معرفةً بالقدر الذي يكفي لطاعته فإنك تبادر مباشرةً إلى تنفيذ أمر الله عزَّ وجل، إذاً ضع في ذهنك أنك مخير في أن تسلك طريق الإيمان أو ألا تسلك، أما إذا سلكت في طريق الإيمان فلست مخيراً أن تنفذ أو ألا تنفذ، هذا من لوازم الإيمان الطاعة، بل إن علامة معرفة الله عزَّ وجل طاعتك له، إذاً:
قصة زيد بن حارثة رضي الله عنه:
زيد بن حارثة يصفه الواصفون بأنه كان قصير القامة، شديد السمرة، في أنفه فَطَسٌ، أما نبأه وخبره ومكانته فعظيمةٌ جداً، هذه المفارقة بين شكله وبين مكانته عند الله، بل إنه الصحابي الوحيد الذي ورد اسمه في القرآن، سيدنا زيد كان غلاماً للسيدة خديجة بنت خويلد زوج النبي عليه الصلاة والسلام، فلما تزوج النبي بخديجة رضي الله عنها، قدمت له هذا الغلام هديةً منها إليه، ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ أعتقه فوراً وضمه إليه، هذا الغلام حينما ضمه النبي إلى بيته، لم يكن النبي قد بُعِثَ بَعْد، ولا يزال النبي في مكة فتىً من فتيانها، وكلكم يعلم أن فقد الابن شيءٌ عظيم، لذلك فُجِعَت أمه وأبوه بفقده، لأنه اختطف إثر غزوةٍ وبيع في سوق العبيد، وهكذا كان العرب في الجاهلية، والحق يقال: إن تاريخ العرب يجب أن يبدأ مع ظهور الإسلام، لأنه في الجاهلية كان الغزو، وكان السلب، وكان النهب، وكانت الحمية الجاهلية، وكانت العصبية، وكان وأد البنات، وكانت الحروب التي تقوم لأتفه الأسباب، يقتل فيها عشرات بل مئات الألوف لأسبابٍ طفيفةٍ وسخيفةٍ وحقيرةٍ، لذلك سمَّاها الله الجاهلية قال:
في موسمٍ من مواسم الحج قصد البيت الحرام نفرٌ من قوم زيد، من أهله، وفيما كانوا يطوفون بالبيت العتيق إذا هم بزيدٍ وجهاً لوجه، فعرفوه وعرفهم، وسألوه وسألهم، ولما قضوا مناسكهم وعادوا إلى ديارهم أخبروا أباه بما رأوا، وحدَّثوه بما سمعوا، ماذا قال زيد لأقربائه حينما لقيهم وجهاً لوجه؟ قال: أخبروا أبي أني مع أكرم والد.
عظمة الإسلام تجعل المسلمين لا فرق عندهم بين إنسانٍ وإنسان:
سوف ترون بعد قليل كيف أن عظمة الإسلام أنه في عالم المسلمين لا فرق بين إنسانٍ وإنسان:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
هذا الغلام العبد الأسير الذي أشتري من سوق العبيد، وقُدِّم لخديجة بنت خويلد، وقدمته للنبي عليه الصلاة والسلام، عامله النبي عليه الصلاة والسلام كأحد أولاده تماماً؛ بل إنه عامله معاملةً تفوق معاملة الأم والأب لابنهما، قال: أخبروا أبي أني مع أكرم والد.
ما أسرع أن عاد حارثة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أَعَدَّ راحلته، وحمل من المال ما يفدي به فلذة كبده، وقرة عينه، وصحب معه أخاه كعباً، وانطلقا معاً يَغِزَّانِ الطريق نحو مكة، فلما بلغاها دخلا على محمد عليه الصلاة والسلام، وقالا له: يا بن عبد المطلب أنتم جيران الله تفكون العاني، تطعمون الجائع، تغيثون الملهوف، وقد جئناك في ابننا الذي عندك، وحملنا إليك من المال ما يفي به - اطلب ما شئت- فامنن علينا وفاده لنا بما تشاء، فقال عليه الصلاة والسلام:
إكرامُ زيدٍ الذي فقد نسبه إلى النبي كان بذكر اسمه في القرآن:
النبوة كمال مُطْلَق، الحقيقة النبوة شيء يصعب تصوره، إنسان جاء أبوه وعمه ليفكاه من الأسر، ويؤثر على أمه وأبيه وعمه النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يكن نبياً بعد، لو أن هذه القصة وقعت بعد الرسالة يقول: هذا نبي عظيم، وسوف يكون له شأنٌ كبير، وسوف أنتفع منه نفعاً كبيراً، لا، هذا كان قبل الرسالة، قبل البعثة، كان النبي أحد فتيان قريش.
فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام من زيدٍ ما رأى، أخذه بيده وأخرجه إلى البيت الحرام، ووقف به بالحجر على ملأٍ من قريش، وقال:
قصة زواج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة:
الآن زينب هذه من شريفات قريش، بنت عم النبي عليه الصلاة والسلام، حينما بَلَغَ زيدٌ سن الزواج – دققوا- أية اعتبارات طبقيةٍ في هذه القصة؟ زيد عبد تبنَّاه النبي، نسبه إليه، قال: يرثني وأرثه، فلما شَبَّ عن الطوق، وصار في سن الرجال، زوجه النبي عليه الصلاة والسلام من أشرف فتيات قريش، زينب بنت جحش بنت عمته صلى الله عليه وسلم، لكن زينب - هذا الشيء واقع - زينب التي كانت تعتز بنسبها، وتعتز بجمالها، وتعتز بعقلها، وتعتز بمكانتها، آلمها أن تكون زوجاً لزيد، فكرهت وكره أخوها أن تُزَفَّ هذه الشريفة - وهذه بالطبع من مخلفات الجاهلية- إلى مولىً من الموالي، وفزعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ألا يلحق بهما العار، فما كانت بنات الأشراف ليتزوجن من موالٍ وإن أعتقوا، وقالت زينب فيما قالت: لا أتزوجه أبداً وأنا سيدة أبناء عبد شمس، النبي عليه الصلاة والسلام حدَّثها عن زيد، وعن إسلامه، وعن مكانته، وعن علوِّ مقامه عند الله عزَّ وجل، عندئذٍ بقيت مترددةٍ إلى أن نزل قوله تعالى:
الحكمة من زواج النبي من زينب إلغاء عادة التبنِّي:
لكن كما تروي السيرة الحياة لم تكن لتستقر بينهما، يبدو أنها ترى نفسها أكبر، وأشرف، وأعرق، وتتوهم أن هناك شخصاً عظيماً يجب أن يكون زوجاً لها، على كل هذا شأن النساء جميعاً، قاسى زيدٌ من صَدِّهَا، وقاسى من ترفُّعِهَا، وقاسى من اعتزازها بنسبها، فشكا ذلك إلى النبي، طبعاً ربنا عزَّ وجل ذكر هذا وقال:
﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ
هذا الابن، هذه ليست أمه وهو ليس ابنها، لأن علاقة الدم بين الأم وابنها علاقةٌ ثابتة في العلم، أما هذا فمتبنَّى، مثلاً قد يشتهيها، قد تقع مفاسد كبيرة، قد تختلط الأنساب، إذا سمحنا أن نعامل المتبنى كما يعامل الابن، فالله سبحانه وتعالى أراد أن يربي المجتمع الذي عاش فيه النبي عليه الصلاة والسلام فجعل النبي عليه الصلاة والسلام كما يقال كبش الفداء، أمر زيداً أن يطلِّق زينب، وأمر النبي أن يتزوجها، لذلك جاءت الآية:
قصة زواج النبي الكريم من زينب بنت جحش رضي الله عنها:
النبي عليه الصلاة والسلام تحمَّل من أجل هذه الدعوة الشيء الكثير، تحمَّل من أجل هذه الدعوة العَنَت قال: عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
(( لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ، ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ، ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ. ))
زينب هذه حينما زُفَّت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيما تروي الكتب، حينما بشرت بهذا الزواج تركت عملها، واتجهت إلى مُصَلاها وصلت ركعتين شكراً لله عزَّ وجل، أي قرت عينها، وارتاحت نفسها، ورأت أنها في مقامٍ عظيم شرَّفَهَا الله به، ولكن هذه المرأة يجب أن نتحدث عنها ملياً لأنها في المستوى الذي تطمح إليه، قالوا: بشرتها امرأةٌ اسمها سلمى، وقيل: بشرها زيد زوجها، أي هذا أمر الله عزَّ وجل.
لكن من هي زينب؟ النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن بشرها بأمر الله عزَّ وجل أَوْلَمَ، وكانت وليمة العرس كما تروي كتب السير حافلةً، ذبح النبي الشياه، وأمر صلى الله عليه وسلم خادمه أنس بن مالك أن يدعو الناس إلى الوليمة، فترادفوا أفواجاً، يأكل فوجٌ إثر فوج، إلى أن قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أنس هل دعوت الناس جميعاً؟ فقال أنس: يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحداً أدعوه، أي كانت وليمةً حافلةً وهذه من السنة النبوية المطهرة، أن توْلِم عند الزواج.
وأقام المدعوون عند النبي، وأطالوا في مقامهم، حتى نزلت آياتٌ سوف نأخذها بعد أسبوعين، تؤَدِّب أصحاب رسول الله في ألا يبقوا عند النبي وقتاً يزيد عن الوقت المألوف، فهو يستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق.
مكانة السيدة زينت عند رسول الله وحديث عائشة عنها:
على كل كانت تقول زينب: أنا أكرمكن ولياً، وأكرمكن سفيراً، من وليها الذي زوجها؟ هو الله عزَّ وجل، كل زوجات النبي تزوجن عن طريق أهلهن، إلا زينب فقد أمر الله بتزويجها من النبي عليه الصلاة والسلام.
السيدة عائشة أدركتها الغيرة، فكانت تقول:
قالت عائشة مرةً:
وصف لبعض خصال السيدة زينب رضي الله عنها:
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)﴾
أي شهد النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الزوجة بأنها منيبةٌ أوَّاهة.
من خصالها العظيمة أنها كانت كريمةً خيّرة، تصنع بيديها ما تحسن صنعه ثم تتصدَّق به على المساكين، المرأة التي تتقن حياكة القماش، أو حياكة الصوف، أو الخياطة، تعمل، تَجِد، تكد، ثم تنفق من هذا المال على الفقراء والمساكين، كان هذا شأن زينب.
بعد أن توفي النبي عليه الصلاة والسلام قالت السيدة عائشة: كانت زينب مُعْجِبَةً للنبي عليه الصلاة والسلام، وكان يستكثر منها، وكانت صالحةً قوَّامةً، تعمل بيديها، وتتصدق على المساكين.
(( وقالت أيضاً: ذهبت زينب حميدةً متعبِّدة مفزع اليتامى والأرامل، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: عن عائشة أم المؤمنين أنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلْنَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَيُّنَا أَسْرَعُ بكَ لُحُوقًا؟ قالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، فأخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أنَّما كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا به وكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ. ))
قالت: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام نَمُدُّ أيدينا على الجدار، نتطاول، نرى من التي تموت أول واحدة، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذٍ أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل عطاءها عشرة آلاف فقالت: اللهم لا يدركني هذا المال في قابل فإنه فتنة، أنفقته كله على الفقراء والمساكين، ووقف عمر ببابها مرةً وقال: بلغني ما فرَّقت، فأرسل إليها ألفاً آخر، والألف الآخر وزَّعته أيضاً على الفقراء والمساكين، هذه زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، كانت كريمةً، شريفةً، خَيِّرَةً، عابدةً، أوَّاهةً، وهذه العادة عادة التبني التي كانت سائدةً في الحياة الجاهلية أبطلها الله عزَّ وجل عن طريق هذه الحادثة، حيث تزوج زيد بن حارثة زينب وهي ابنة عمة النبي، وبعد حينٍ أمر الله عزَّ وجل النبي عليه الصلاة والسلام أن يتزوج من زينب، وهذا الزواج أبطل إلى الأبد عادة التبَنِّي التي كانت سائدة.
جوهر الدين طاعة الله عزَّ وجل:
الآن إلى الآيات، قال تعالى:
الآية بخصوص لفظها ولكن يجب ألا نغفل عن عموم معناها وكلماتها:
إذا كان هناك أمر بالنهي عن الربا، تقول: والله يا أخي توجد ضرورة، والأمر الآن غير معقول، وأين نذهب بمالنا؟ الآن الآية واسعة جداً، وإن كان نزلت في حادثة زينب رضي الله عنها، حين أمرها الله عزَّ وجل، أو حين أمر النبي أن يتزوجها، هذه الآية بخصوص لفظها لا نغفل عن عموم معناها وكلماتها، العبارة لها عموم، من عموم العبارة أن المؤمن إذا وجد أمر الله عزَّ وجل، أو أمر النبي عليه الصلاة والسلام فلا خيار له في التطبيق أو عدم التطبيق، وليس هذا من شأن المؤمن.
من يحيد عن طريق الحق فقد ضلّ ضلالاً مبيناً:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.
من ادّعى أن المتبني ابنه فهذا تضليل وتزوير ولعبٌ بدين الله:
تطبيق الشرع تماماً وإن كان مخالفاً للأعراف والتقاليد:
ربنا عزَّ وجل جعل النبي يدفع الثمن ليبطل عادة التبني:
الآن استنباطاً من هذه القصة، ليس للإنسان الحق في أن يقول: فلانة مثل أختي، وهذه مثل أمي، أم رفيقه مثل أمه، وهذه مثل أختي، وهذه تخاوينا بالله، وهذه مثل ابنتي، وهذه مثل أختي، وهذه مثل أمي، هذا كله كلام فيه ضلال، ربنا عزَّ وجل جعل النبي عليه الصلاة والسلام وهو أعزُّ الخلق عليه، جعله يدفع الثمن، ويقف هذا الموقف الحرج، ليبطل هذه العادة المتفشية في المجتمع الجاهلي، فنحن إذا عدنا إلى مثل هذه العادات فقد عدنا إلى جاهليةٍ أخرى، فالمحارم محارم، الأجنبيات أجنبيات، الأجنبية تشتهى، لو كان هناك صداقة، لو كان هناك جوار، لو كان هناك قرابة بعيدة، لو كان هناك علاقات حميمة، الأجنبية تُشْتَهَى، لو أن بنتاً صغيرةً تبنيتها ونشأت في حجرك، وأنت أبوها بالتبني، وهذا أخوها بالتبني، هذا ليس أباً، وهذا ليس أخاً، ربما وقعت الفواحش في البيت الواحد من عادة التبني فلذلك سيدنا عمر كما يقال: كان وقّافاً عند حدود الله.
إذاً ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها علل السبب، لماذا كانت هذه القصة؟
المؤمن ليس عبداً للعادات والتقاليد التي تعارف الناس عليها وليست في الشرع:
شيء آخر؛ قد تأتي العادات موافقةً للشرع، فمرحباً بها، لا يوجد مانع، أي من العادة أن نزور بعضنا، بعض الزيارات، بعض المساعدات، أي عادةٍ اجتماعيةٍ يقرها الشرع أكرم بها من عادة، أما حينما تنفصل العادات عن الشرع فيجب أن نركلها بأقدامنا وأن نتبع الشرع، لذلك المؤمن ليس عبداً للعادات والتقاليد، أي شيء تعارف الناس عليها وليس في الشرع فهذا مرفوض، أي هذا الاختلاط في الأسر، نحن بيت واحد وهكذا ربينا، وهكذا نشأنا، وهكذا أبونا علمنا، مائدة واحدة، هناك أصهار متعددون، هناك زوجات متعددات، كلهن يبدين محاسنهن أمام الأجانب بحكم العادات والتقاليد هذا كله ليس من الدين في شيء، وما هذه القصة التي جعلها الله قرآناً إلا من أجل ألا نقع في هذه المتاهات مرةً ثانية، وقد نعود إليها بسبب ضعف الإيمان، وضعف اليقين، وضعف معرفة أمر الله عزَّ وجل.
الحق لا يستحيا منه:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين