- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (033)سورة الأحزاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مساواة المرأة مع الرجل في التكليف والتشريف:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس التاسع من سورة الأحزاب.
في الدرس الماضي وصلنا إلى قوله تعالى:
وفي الوقت نفسه، المرأة لها خصائص، والرجل له خصائص، هذا مستنبط من قوله تعالى:
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
للمرأة وظيفة، وللرجل وظيفة، فكان محور الدرس الماضي أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الذكر والأنثى، وضع للذكر والأنثى منهجاً.
من لوازم منهج الأنثى أن تقر في بيتها:
من لوازم منهج الأنثى أن يَقْرَرْنَ في بيوتهن، معنى:
الأصل في مكان استقرار المرأة بيتها، وأيُّما امرأةٍ قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة..والمرأة التي تهز سرير ابنها بيمناها تهزُّ العالم بيسراها، لأنه كلما كانت اللبنة الأولى وهي الأسرة صحيةً، متوازنةً، منتظمةً، مستقيمةً كان الإنتاج خارج البيت مُضاعفاً، فنجاح الرجل في عمله، أساسه نجاحه في بيته، إنتاج الرجل أساسه راحة قلبه من طرف بيته.
فلذلك حينما أمر الله سبحانه وتعالى الإناث، أو نساء النبي بخاصة، والنساء بعامة أن يقررن في بيوتهن فلأن البيت هو مكان تربية الأولاد، هو مكان العناية باللبنة الأولى ألا وهي الأسرة، وهذا تمّ شرحه في الدرس الماضي، وليس معنى:
﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا
أي هناك ضرورة، على كل هذا تمّ شرحه في الدرس الماضي:
البيت هو المكان الطبيعي الفطري للمرأة:
كما أن مكان العمل هو مكان العامل، كما أن الدائرة هي المكان الطبيعي للموظف، وكما أن العيادة هي المكان الطبيعي للطبيب، وكما أن المكتب هو المكان الطبيعي للمحامي، وكما أن المَتْجَر هو المكان الطبيعي للتاجر، وكما أن الحقل هو المكان الطبيعي للمُزارع، كذلك البيت، الخلية الأولى، اللبنة الأولى هو المكان الطبيعي للمرأة، وحينما يُرْزَقُ الرجلُ امرأة صالحةً تحفظه إذا غاب عنها، تطيعه إذا أمرها، تسره إذا نظر إليها فقد حاز الخير الكثير، هذا تمّ في الدرس الماضي.
من ضوابط خروج المرأة: وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليةِ الأُولَى:
لكن حينما تخرج المرأة من بيتها لتزور أباها أو لتزور أمها، أو حينما تخرج من بيتها لضرورة؛ توفي زوجها وأولادها صغار، فخرجت من بيتها لتشتري بعض حاجاتها، وليس لها أخٌ يقضي لها هذه الحاجة، ولا ابنٌ في سنٍ مؤَهَّل أن يقضي لها هذه الحاجة، حينما تخرج المرأة لواجبٍ، أو لمباحٍ، أو لمندوبٍ شرعي، أي حينما تخرج المرأة من بيتها لسبب أقره الشرع وسمح به الآن إذا خرجت:
نهي المرأة عن إظهار مفاتنها في الطريق:
ما معنى بَرَجَ في اللغة؟ معنى بَرَجَ في المُعْجَم ظهر وارتفع، والبُرْج أعلى مكان في البناء، البرج أعلى مكان وأظهر مكان في البناء، والبروج، بروج السماء التي تحدث عنها القرآن فقال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)﴾
هي بُرج الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، الأرض في دورتها حول الشمس تمرُّ باثني عشر بُرْجَاً، في كل فصلٍ تمر بثلاثة بروج، فحينما قال الله عزَّ وجل:
وجوب التبرُّج في البيت:
عثرت على نصٍ رائعٍ للسيدة عائشة رضي الله عنها، قيل لها:
مرة ثانية.. يا أم المؤمنين، ما تقولين في الخضاب؟ وفي الصباغ؟ وفي التمائم؟ وفي القرطين؟ وفي الخلخال؟ وخاتم الذهب؟ ورقاق الثياب؟ فقالت:
إذاً: يجب على المرأة أن تتزين لزوجها، ويجب عليها في الوقت نفسه أن تُخفي هذه الزينة عن غير زوجها، فإذا فهمت المرأة المسلمة أن النهي عن التبرج يعني نهياً عن التبرج مطلقاً فهذا فهمٌ أعرج، إنها أُمِرت أن تتزين لزوجها لتحفظه من أن يَخْطِفَ بصره، أمرها الشرع أن تتزين لزوجها لتكون سكناً له كما أراد الله عزَّ وجل، أمرها الشرع أن تتزين لزوجها لتُعينيه على طاعة الله عزَّ وجل، أمرها الشرع أن تتزين لزوجها لئلا تحدثه نفسه الضعيفة أن ينظر إلى غيرها.
لكن إذا خرجت المرأة من البيت لعلةٍ شرعيةٍ، لضرورةٍ شرعية، لعذرٍ شرعي:
من معاني التبرج:
نعود إلى الآية، بعضهم قال: لا تُظهرن ما يُسْتَدْعَى به شهوة الرجل، أيْ أنّ أيّ شيءٍ أظهرنه استدعى به شهوة الرجل فهذا محرَّم، هذا مقياس دقيق، دعونا من التفاصيل، ودعونا من الخِلافيات، أي شيءٍ يلفت نظر الرجال ممنوعٌ أن تظهره المرأة.
﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
ظهر عن غير قصدٍ منها، كأن تكون طويلة القامة، ماذا تفعل بطولها؟ كأن تكون ممتلئة الجسم، كأن ترتدي ثوباً أسود اللون، هذا اللون أي لونٍ إذا اختارته بعنايةٍ قد يكون لوناً دقيقاً، ماذا تفعل بطولها أو بامتلاء جسمها أو بلون معطفها؟ هذا الذي ليس بإمكانها ألا تظهره..
على كل سأريكم من خلال ما ورد في التفاسير كيف كانت المرأة في الجاهلية تتبرج.
صورة التبرُّج في الجاهلية:
قال الإمام مجاهد: "كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال"، أن تمشي بين الرجال نوعٌ من أنواع التبرُّج، ألم يقل الله عزَّ وجل في قصة سيدنا شعيب:
وقال قتادة:
ومنهيةٌ أيضاً أن تظهر من أعضائها، ومن خطوط جسمها، ومن ملامحها، ومن شكلها، ومن لونها، ما يلفت النظر إليها، كلام واضح كالشمس، من قوامها، ومن خطوط جسمها، ومن حجم أعضائها، ومن لَوْنِهَا، ومن شكلها، ومن ملامح وجهها، ما يلفت النظر إليها، فالتبرج إظهار ما يجب إخفاؤه، إظهار كل زينةٍ طبيعيةٍ منحها الله للمرأة أو غير طبيعية.
الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية:
وقال ابن حيان: "كانت تُلقي الخمار على رأسها ولا تشده، فتظهر قلائدها وقرطها، ويظهر قرطُها وعنقها" هذا التبرج الذي كان في الجاهلية الأولى.
وقال ابن كثير:
هذا الوصف الذي ورد في كتب التفاسير عن تبرج الجاهلية الأولى، وسبحان الله! لحكمةٍ أرادها الله عزَّ وصف هذه الجاهلية بأنها جاهليةٌ أولى، ومن وصف الجاهلية بأنها أولى يستنبط أن هناك جاهليةٍ ثانية، ربما كانت أشدّ من الأولى، نساءٌ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: عن أبي هريرة:
(( صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا. ))
إما لأن الثوب شفاف يشفُّ عما تحته، أو لأنه ضيق يصف حجم أعضائها، فهن
(( سيكونُ في آخِرِ أُمَّتي رجالٌ يَركَبونَ على سُروجٍ كأشباهِ الرِّحالِ، يَنزِلونَ على أبوابِ المسجدِ، نساؤُهم كاسياتٌ عارياتٌ على رؤوسِهِنَّ كأسنِمةِ البُختِ العِجافِ، العنوهُنَّ فإنَّهُنَّ ملعوناتٌ، لو كانت وراءَكم أُمَّةٌ منَ الأممِ لَخدَمَهُنَّ نساؤُكم كما خَدَمَكم نساءُ الأممِ قَبلَكم. ))
وقد ورد:
كلما ارتقى ذوق الإنسان يعجبه في المرأة حياؤها وحشمتها:
بعضهم قال: إن للحشمة جمالاً، وإن للتبذُّل ولكشف الأعضاء جمالاً، لكن الإنسان كلما ارتقى يُعجَب بجمال الحشمة لا بجمال التبذُّل، كلما ارتقى ذوق الإنسان يعجبه في المرأة حياؤها وحشمتها، هكذا ورد في القرآن الكريم حينما قال الله عزَّ وجل:
إياكم والدياثة:
ورد:
الجاهلية التي وصفت في القرآن الكريم:
الآن يوجد سؤالٌ دقيق: ما هي الجاهلية التي وصفت في القرآن الكريم ؟
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ
لا تعرفون حقيقة الألوهية، لا تعرفون من ربكم، ولا من إلهكم، ولا من خالقكم، لا تعرفون حقائق التوحيد، لا تعرفون عظمة الله عزَّ وجل. إذاً: الجاهلية هنا بمعنى الجهل بحقائق الإيمان.
ومرة ثانية جاء الوصف على لسان سيدنا يوسف حينما قال:
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
فالجاهلية في القرآن إما جهلٌ بحقائق الدين، أو انحرافٌ عن منهج الدين، فالإنسان إذا كان مسلماً وخالف منهج الله عزَّ وجل فهو جاهلي، والإنسان إذا كان أخلاقياً، وما عرف منهج الله عزَّ وجل فهو جاهلي، يدلنا على ذلك مقالة النبي عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه في ساعة ضعفٍ، وقد تشادَّ مع صحابي آخر، وكان أسود اللون، فقال هذا الصحابي لذاك العبد الأسود: "يا بن السوداء"، فما كان من نبيِّنا عليه الصلاة والسلام إلا أن قال له:
(( لقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ. ))
أراد هذا الصحابي أن يُكفّر عن ذنبه، فوضع خدَّه على الأرض، ولم يرض إلا أن يطأ خده هذا الذي عيره بسواد لونه، إذاً: الجاهلية أن تجهل، والجاهلية أن تنحرف، إذاً ليست الجاهلية فترةً زمنيةً، ولكنها حالةً اجتماعية.
الجاهلية الأولى أحياناً أهون من الجاهلية المعاصرة:
قد نكون نحن الآن في جاهليةٍ جهلاء، لأن عنترة العبسي عاش في الجاهلية وقال:
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
* * *
فهذا الشاعر الجاهلي الذي عاش في عصر الجاهلية غضّ بصره عن جارته، فإذا كان إطلاق البصر، والتلصُّص على عورات المسلمين من سمات هذا العصر فنحن في جاهليةٍ جَهْلاء.
وأم سلمة فيما أذكر أرادت أن تلحق بزوجها في المدينة، فركبت ناقتها بعد أن بقيت عاماً أو أكثر بين مشادّةٍ بين أهل زوجها وأهلها حول ابنها سلمة، وحينما رَقَّ قومها وقوم زوجها لها، وسمحوا لها أن تنطلق إلى زوجها في المدينة، ركبت ناقتها، شاهدها أحد المشركين، وكَبُرَ عليه أن تسافر وحدها إلى المدينة فرافقها، ولها وصفٌ دقيٌق لا يُصَدَّق، كلما أرادت أن تستريح أناخ جملها، وابتعد عنها كثيراً، وتركها تستريح، فإذا حان وقت المسير عاد إليها، وغضّ بصره، وأركبها الجمل، وقاده اثني عشر يوماً إلى المدينة دون أن يراها، هذا في الجاهلية وقد كان مشركاً.
الجاهلية حالة مَرَضية وليست فترةً زمنيةً:
لذلك الجاهلية ليست فترةً زمنيةً؛ بل هي حالةٌ مرضية، قد تكون في أي عصر، فحينما ينطلق الناس نحو شهواتهم، وحينما تخرج النساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، فنحن في جاهلية، وحينما يختلط الرجال بالنساء، وينشأ عن هذا الاختلاط الفتن، وخراب البيوت، ومشكلات الأُسَر، هذا أيضاً من الجاهلية، فلذلك الموضوع خطيرٌ جداً، فأنت كمسلم هناك منهج رسمه الله لك، فإما أن تعرفه فأنت مؤمن ومسلم؛ وإما أن تجهله فأنت جاهلي، الآن عرفته، إما أن تسير عليه فأنت مسلم ومؤمن؛ وإما أن تخالفه فأنت جاهلي، كما قال عليه الصلاة والسلام: لأحد أصحابه:
ليست الآية التالية خاصة بنساء النبي فانتبهوا:
إذاً:
نهي المرأة عن إيذاء الشباب:
المرأة المؤمنة لا تقول مثلاً: أنا حينما أسير في الطريق لا يجرؤ أحدٌ أن يخاطبني بكلمة، نقول لها: أيتها الأخت الكريمة إذا كان في مظهركِ ما يلفت النظر إليكِ فقد آذيتِ المسلمين، وأنتِ لا تدرين، إذا كان في مظهرك ما يؤذي الشباب، أو يؤذي العُزاب، أو يؤذي المتزوجين فقد ساهمتِ في خراب البيوت، وأنت لا تدرين، وأنتِ في أعلى درجات الإباء والعِزَّة، إن مظهركِ هذا يؤذي المسلمين، يؤذي الشباب، يؤذي المحرومين، يؤذي من ليس له زوجة، فما هذا القول بأنكِ شريفة؟! وبأنكِ عزيزة؟! وبأنكِ صارمة؟! وبأنكِ شديدة؟! إن هذا المظهر الذي يلفت النظر إليكِ فيه أذىً وأي أذىً، إنكِ إن نظر إليكِ شابٌ وتحَسَّر، أو نظر إليكِ متزوجٌ وتألَّم فقد ساهمتِ في خراب بيته وأنت لا تدرين، إذاً المرأة المؤمنة لا تؤذي الناس بشكلها، ولا بقِوامها، ولا بزينتها.
ومرةً ثانية: الزينة الطبيعية التي أودعها الله في المرأة، والزينة المجلوبة التي تصنعها بأيديها، لا هذه ولا تلك، لذلك العورة قد تظهر لا بلونها ولكن بحجمها من خلال ضيق الثياب، وقد تظهر بلونها من خلال رِقَّةِ الثياب، فالثياب الرقيقة والضيقة هذه لا يمكن أن تكون مباحةً في الإسلام، فكل ما يبدي مفاتن المرأة منهيةٌ أن تظهره،
مِن طرق عدم التبرج إقامة الصلاة بشكل صحيح:
إذاً:
الإنسان دائماً عنده في حياته عوض، مثلاً يقولون: إن عملية البيع لا تتم إلا بحالة نفسية، عملية الشراء وعملية البيع لا تتمان إلا بحالة نفسية، فأنت كشاري لا يمكن أن تشتري هذا الكتاب إلا إذا رأيته أثمن من مالك، من ثمنه، قال لك: ثمنُه عشرون ليرة، ما لم تر أن قيمة الكتاب أثمن من عشرين لا ينعقد البيع، والبائع لا يمكن أن يبيع الكتاب إلا إذا شعر أن ثمنه أغلى منه.
هذه المرأة التي تقبل أن تتحجب، وأن تطبق شرع الله عزَّ وجل، وأن تستقر في البيت، وأن تبتعد عن كل زينةٍ تلفت النظر، ما الذي يعينها على ذلك؟ أن تتصل بالله عزَّ وجل، إذا ذاقت حلاوة القُرب، إذا ذاقت معنى أن يرضى خالق الكون عنها، إذا ذاقت أن الله يحبها، ويحب أمثالها، وأن الله راضٍ عنها، إذا ذاقت هذه المرأة طعم القُرْب طبقت أمر الله بقَضِّهِ وقضيضه، من ألِفِهِ إلى يائِهِ. إذاً:
معنى إتيان الزكاة:
طاعة الله ورسوله:
بيت النبي مقدس جداً ولو لم يكن في مستوى الرسالة لاضطرب الناس:
أما هنا فشيءٌ جديد، أهل بيت النبي نساؤه، هم أهل البيت، إذاً: بيت النبي شيءٌ مقدس جداً، لأن الناس لو رأوا النبي في أعلى درجة، ولم يروا نساءه في المستوى اللائق بهن تتزلزل نفوسهم، يختل توازنهم، فليس من المعقول أن تفصل إنساناً عن بيته، هذه زوجته لِمَ لا تكون على وضعٍ مقبول؟ هؤلاء أولاده، هؤلاء بناته، فإذا دعا الإنسان إلى الله عزَّ وجل فلينتبه إلى البيت، لأن خللاً في البيت يُضعِف الدعوة إلى الله عزَّ وجل، إذاً ربنا عزَّ وجل في عليائه، خالق السماوات والأرض قال:
وقياساً على هذا إنك إن أردت أن تدعو إلى الله عزَّ وجل فالناس يتتبعون بيتك، يتتبعون أهل بيتك، يتبعون بناتك، يتبعون أولادك، هل هذا الذي تدعونا إليه مطبقٌ في بيتك أم أن الدعوة ارتزاق؟ هل هذا الذي تدعونا إليه مطبَقٌ في حياتك الخاصة؟ لأن الناس لو رأوا خلافاً ومسافةً بين ما هو كائن وما يجب أن يكون تزلزلوا، واضطربوا، إذاً:
قصة وعبرة:
كتبت امرأةٌ قصةً قصيرةً تقول فيها: مرضت مرضاً شديداً بعد خلع ضرسٍ، قاسيت منه آلاماً مبرحة حرمتني طعم النوم والأكل شهراً كاملاً، إذ لم يكن يكفّ طعم الألم لحظةً ليلاً أو نهاراً، وزاد الورم حتى كاد خّدِّي ينفجر، وامتد إلى عنقي ورأسي، وأغلق جَفْنَيْ عينَيّ، فحار في أمري الجرَّاحون والأطباء، وعجز الطب وعزّ الدواء، وقُطع الأمل بتاتاً من الشفاء، وإذا بيد الله الكريمة تمتد وتمسح المرض والورم، وتمحو على مهلٍ الجرح، وتصرف الورم، فوقف الأطباء مدهوشين من هذه المعجزة، وقالوا خاشعين: حقاً إن الله القدير الرحيم يحيي العظام وهي رميم، فعاينت تفاهةَ الخَلق، وعجْزَ من ادّعى العلم، وأدركت أن الخالق سبحانه أبر وأرحم بعبده من كل إنسان.
قالت: وفي أثناء مرضي عادتني سيدةٌ فاضلة، وقالت لي مجاملة: إنكِ لا تستحقين كل هذا العذاب، أنت السيدة المؤمنة المُصَلِّيَة الحاجة لبيت الله الحرام، فماذا اقترفتِ من آثام حتى تُعاقبي بهذه الآلام؟! قالت: فصرخت قائلةً: لا تقولي ذلك، فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، إنني آثمة أستحق كل هذا العذاب، هذا الفم الذي أدَّبه الله بالمرض والألم كان يُصْبَغ، وكان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وهذا الوجه الوارم كان يتجمَّلُ بالمساحيق، وهذا الجسم الطريح كان يتبرَّج بالثوب الأنيق، وهذه الرأس المتألمة المتأججة بنار الحمى كانت لا تحجب بالنقاب كما أمر الله، وهي الآن تحجب قهراً باللفائف الطبية، لم أختمر بخمار الاحتشام فخمرَني الله بخمار الآلام، جَمَّلْتُ فمي ووجهي بالأصباغ والأدهان فصفعهما الله صفعة العذاب والهوان، هي أديبة أيضاً.
قالت: إنكِ لم تفعلي إلا ما يفعله غيركِ؛ بل وأقل مما يفعله غيركِ، فكل النساء يتبرجن ويتجملن أكثر منكِ، وهاهُن يرتعن في بحبوحة الصحة، ويرفُلْنَ في حُلَلِ السعادة! فقلت: هذا من فضل ربي عليّ، وحبه لي، ورحمته بي، فإذا أحبّ الله عبداً ابتلاه وطهَّره بعذابه وربَّاه، ثم إذا أراد ساق له العافية ونَجَّاه، ففاز بجزاء الصبر، وحظي بفضيلة الشكر، وسعد بالتوبة والطهر، فشكراً لله على هذا الدرس النافع، وهذا الألم الشافي الناجع، وهذا العقاب المؤدِّب الرادع، وهذا المرض المُهَذِّب اللاذع، إن الله سبحانه وتعالى يأمرني بعمله، بفعله بهذا المرض، بعد أن أمرني بكتابه، إن لم تستجب لكتابه استجبت لفعله، فكيف لا أشكره على هذه العناية؟ وكيف لا أطيع من يرعاني هذه الرعاية؟ وهكذا شُفيت من مرضي ضعيفة الجسم قوية الإرادة، ضعيفة الهوى قوية الصبر، وفهمت ما قاله الله لي بهذا المرض، وما سكبه في قلبي بلا ألفاظ، وما صوره لعيني فرآه عقلي جلياً واضحاً.
فهمت كيف يجب أن يُحاط رأسي ووجهي بالخمار، كما مثله الله لي، وأن يدعو فمي ولساني بالشكر خوفاً وطمعاً، فكنت بعد مرضي غير ما كنت قبله، وكانت أعظم نعمةٍ عليّ جعلتني أقهر هوى نفسي وصبرت يومي، وأصبحت أغنى وأقنى من أمسي.
هذا درس، أي هذا الوجه، هذا الجمال الذي منحه الله للمرأة، إن لم يحجب بالنقاب ربما حُجِبَ باللفائف الطبية، والله سمعتُ عن امرأةٍ متبذلة تعادي كل امرأةٍ تضع الحجاب، تعاديها، وتكيدُ لها، وتوقع بها الأذى، أصاب رأسها مرضٌ عُضال، فاضطرت لحلق شعرها كله، وأشار عليها الطبيب أن تضع الحجاب ليتسرَّع شفاء المرض، فتوسلت إليه أن تضع الباروكة قال: لا، لا، الحجاب ضروري، الباروكة تؤذي الجلد، فرأتها امرأةٌ وقد تنقَّبت بالحجاب، لم تصدق، لكنه ليس حجاب الإيمان، ولكن حجاب المرض، فإذا آذت المرأة عباد الله بشكلها، وزينتها، وحركتها، وصوتها، إن كانت مؤمنةً، وإن كان فيها بقيةٌ من يقينٍ وعقيدة، ربما ساق الله لها من الآلام ما يردعها، وهذه قصةٌ واقعية، هذه المرأة التي أصابها مرضٌ شديد، وحينما تابت إلى الله عزَّ وجل عاد إليها شفاؤها وثقتها بالله عزَّ وجل.
في الدرس القادم أرجو الله سبحانه وتعالى أن نفسر قوله تعالى:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين