وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة المدثر - تفسير الآيات 38-56 طاعة الله سبب مغفرته لك
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون: مع الدرس السابع من سورة المدَّثر، ومع الآية الثامنة والثلاثين وهي قوله تعالى:

تذكير بما سبق ربطاً باللاحق:

﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)﴾

( سورة المدثر )

القمر من آيات الله الدالة على عظمته:

 الله عزَّ وجل يقول:

 

﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾

 

﴿ كلا﴾

 لا كما تتوهمون، لا كما تفكِّرون، لا كما تعتقدون.

﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾

 القمر أحد آيات الله الكبرى الدالة على عظمته.

﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)﴾

 جواب القسم.

 

﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾

 

الدين أخطر و أعظم موضوع في الدنيا:

 أي أن أعظم موضوع في حياتك، أخطر شيء في حياتك هو دينك، دينك دينك إنه لحمك ودمك، هناك قضايا ثانوية، وهناك قضايا أساسية، فمثلاً طالب في المدرسة أخطر شيء في حياته الامتحان، الامتحان سيحدد مصيره ناجح أو راسب.
 التاجر أخطر شيء في حياته ميزانية الشركة (الربح أو الخسارة)، فإذا كان يخسر فلا معنى لهذه التجارة.
 طبيب وهو في الجامعة أهم شيء في حياته نجاحه في الجامعة، فبكل حقل، بكل مكان، بكل نشاط، بكل اتجاه، في قضية كبيرة جداً، حرب قائمة بين دولتين أخطر شيء فيها النصر والهزيمة، يجوز أن يكون هناك أشياء تَلِفت لا قيمة لها، فيجب أن يكون هناك أولويات في حياتك، أنا متأكِّد أن أناساً كثيرون يضعون الدين في آخر اهتماماتهم، اهتمامه كسب المال، اهتمامه تحقيق الرغبات، اهتمامه العلو في الأرض، والدين يتابعه صدفةً، أو لماماً دون تركيز.

 

﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾

 أي أن الذي خلق السماوات والأرض هو الذي أنزل هذا القرآن ومعرفة القرآن وما جاء فيه أحد أكبر القضايا الكُبرى في حياة الإنسان.

 

 

مصير الإنسان يتحدد بعلاقته بربه:

 أيها الإخوة الكرام: هناك شيء اسمه مصيري، فمصير الإنسان يتحدد في علاقته بالله عزَّ وجل، فالتعليم الثانوي، في سابع، ثامن، تاسع، عاشر، حادي عشر، أما الشهادة الثانوية، علاماتك تحدد طبيباً، أو مهندساً، أو صيدلياً، أو طبيب أسنان، أو فرع أدبي، أو معهد متوسِّط، أو ليس لك مكان بالجامعة إطلاقاً، أو لم تنجح، هذا الصف بالذات يحدد مصيرك، هذا في الدنيا فقط، لكن هذا الدين هو مصيرك للأبد، نحن نعيش، نحن في الدنيا، كل الناس يأكلون ويشربون، ويسكنون في بيوت، ويتزوجون، وينجبون، ويتنعَّمون، ويتنزهون، لكن عند الموت يُفرز الناس، إما إلى جنةٍ يدوم نعيمها أو إلى نارٍ لا ينفد عذابها، فالقضية مصيرية، لا يمكن أن تضع الدين بالمرتبة الثانية، إذا كنت تملك وقتاً تحضر مجلس علم، هذا أهم شيء في حياتك، تبرمج حياتك على دروس العلم، تبرمج حياتك على فهم كتاب الله، لأن الله عزَّ وجل قال:

 

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

( سورة الفرقان )

معرفة تعاليم الله من أولويات الأمور:

 معرفة هذا القرآن، معرفة أمره ونهيه، حلاله وحرامه، وعده و وعيده، معرفة آياته الكونية، معرفة أخبار الأمم السابقة، معرفة مستقبل البشرية، في هذا الكتاب معرفته وتعليمه للناس أكبر أنواع الجهاد كما قال الله عزَّ وجل، بل إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، فدائماً أتمنى على الله عزَّ وجل أن يكون كل أخ منكم أن يكون عنده أولويات، ونحن بحاجة إلى ما يسمى بفقه الأولويَّات، أي أن أول شيء دينك.
 سيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبةٌ قال: " الحمد لله ثلاثاً، الحمد لله إذ لم تكن في ديني "، معنى ذلك أنه إذا أصبت في دينك فالقضية كبيرة جداً، قد تعاني كل أنواع المصائب ودينك سليم فأنت سعيد، قد تعاني كل متاعب الحياة، إذا جاء الموت وكنت من أهل الجنة تقول: لم أر شراً قط، والذي غرق في النعيم ولم يكن يعرف الله عزَّ وجل يأتيه ملك الموت فيقول: لم أر خيراً قط، وسيدنا علي رضي الله عنه يقول: " يا بني ما خيرٌ بعده النار بخير، وما شرٌ بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية "

 

الغنى و الفقر بعد العرض على الله:

 الناس في أغلب الأحيان يتألَّمون إذا رأوا إنساناً شارداً، منحرفاً، عاصياً، قوياً وغنياً، يضطرب ميزانهم ؟ لا.

 

 

﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾

 

( سورة آل عمران )

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

( سورة إبراهيم )

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)﴾

( سورة البقرة)

 الغنى والفقر بعد العرض على الله.

 

الموازنة بين أمتين أساسها ضم الآخرة إلى الدنيا:

 أيها الإخوة: أتمنى عليكم إذا وازنتم بين شخصين، أو بين شعبين، أو بين أُمَّتين، ألا تغفلوا الآخرة، ضموا الآخرة إلى الدنيا وبعد ذلك أجروا الموازنة ترتاحون، أما إذا أغفلت الآخرة، قد تجد أمةً تعيش حياةً تفوق حد الخيال وهي غارقةٌ في المعاصي والرذائل، والإباحية، وكل أنواع الانحراف، وهي من أقوى الدول، أضف الآخرة إلى الدنيا يستقيم الميزان.

 

 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

 

( سورة الأنعام )

 إيَّاك أن توازن بين شخصين دون أن تَضُمَّ الآخرة إلى الدنيا، ضم الآخرة إلى الدنيا ثم وازن يستقيم معك الميزان، لأنه يجب أن تكون واثقاً من عدل الله، واثقاً من رحمته، واثقاً من حكمته، وأسماء الله كلها محققةٌ في الدنيا، إلا اسم العدل، اسم العدل تراه جلياً واضحاً يوم القيامة، يوم الدينونة، يوم الجزاء، يوم الحساب، يوم توفَّى كل نفسٍ ما كسبت، يوم القيامة، يوم:

 

﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾

 

( سورة الواقعة)

﴿الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)﴾

( سورة الحاقة)

الموازنة بين أمتين أساسها ضم الآخرة إلى الدنيا:

 هذه أيها الإخوة معانٍ تُريح النفس، الدنيا هي أصغر من أن تكون دار استقرار، هي دار ممر، ممر سريع، الدنيا أصغر من أن تكون عقاباً للمؤمن، أو جنةً للكافر، لا قيمة لها:

 

(( لو كانت الدنيا تَعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ))

 

( أخرجه الترمذي عن سهل بن سعد )

﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾
﴿ إِنَّهَا ﴾

 أي هذه القضية

﴿ لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾

 أي لا سمح الله ولا قدَّر إذا إنسان عمل عدة فحوص وجد عنده بوادر مرض خبيث، هل يوجد قضية أهم من هذه القضية بعد ذلك ؟! فهل من الممكن أن يفكر بشراء باقة ورد مثلاً ؟ أو أن يفكر بزيارة صديق نسيه ؟ دخل بقضية كبيرة جداً (هذا مثل)، أحياناً الإنسان تأتي قضية تنسيه كل القضايا، والحقيقة الدين هكذا، الدين أكبر قضية في حياتك، مصيرك في الدين، مصيرك الأبدي في الدين.

﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾

عدم المبالاة بالدين يؤدي إلى الكفر:

 كما أن النجاح في الجامعة أهم شيء فيها، وكما أن الربح في التجارة أهم شيء فيه، وكما أن النصر في المعركة أهم شيء فيها، جيشان يتحاربان أخطر ما في الموضوع النصر، طالب في الجامعة أخطر شيء النجاح، تاجر أخطر شيء الربح، مريض أخطر شيء الشفاء.

 

﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾

 

 إحدى أكبر قضايا حياتك لا تجعلها في الدرجة الثانية، والله أيها الإخوة هناك أناسٌ كثيرون يجعلون الدين في الدرجة العاشرة، فلا يعبأ، لا يطلب العلم، مع أنك إذا تعاملت مع الناس تكون واضحاً جداً، الإمام الغزالي قال: " يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلةٍ تحبينها لا شك أنك تمتنعين، يا نفس أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟! إذاً فما أكفركِ، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟! إذاً فما أجهلكِ ".
 فعندما يقترف الإنسان معصية باختياره دون أن يبالي هذا يقع في حماقةٍ وفي كفرٍ شديدين.

﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)﴾

الموت نهاية كل شيء:

 أكثر الناس يظنون أن التقدُّم أو بالتعبير الاقتصادي النمو هو في المال، مع أن الموت ينهي كل المال، الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وغني الغني، وفقر الفقير، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، وصحة الصحيح، ومرض المريض ينهي كل شيء، يبقى بعد الموت العمل الصالح، هذه آيات الدرس الماضي.

 

﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)﴾

 

حركة الإنسان بالحياة إما صالحة أو طالحة:

 أنت إنسان، لك عمل، سوف نُسَمِّية حركة الحياة، لو أن إنساناً مقعداً في البيت لا يتكلم، ولا يتحرك، ولا يأكل، ولا يشرب هذا ليس له عمل، أما إنسان خرج من بيته، له عين، له أذن، له لسان، له يد، كيف كسب المال ؟ كيف أنفق المال ؟ كيف خاطب الناس ؟ كان خاطباً أو كاذباً ؟ مستقيماً أو منحرفاً ؟ مراوغاً أو مخلصاً ؟ أعطى أم لم يعط ؟ أنصف أو لم ينصف ؟ حركتك بالحياة هذا هو عملك، حركتك، تزوجت، لماذا تزوجت ؟ كيف عاملت الزوجة ؟ كيف عاملت الأولاد ؟ كيف عامل الجيران ؟ كيف عاملت زبائنك ؟ صدقت معهم ؟ كذبت معهم ؟ هل نصحتهم أم لم تنصحهم ؟ احتلت عليهم أم كنت ناصحاً لهم ؟ عملك، عملك في بيتك، عملك في السوق، عملك في الطريق، عملك في مهنتك، هذه الحركة في الحياة ما هي ؟ ممكن كل هذه الحركة أن توصف بوصفٍ واحد عمله صالح أو عمله سيئ، ضمن بيته، ضمن تربية أولاده، ضمن علاقاته بجيرانه، ضمن الأخذ والعطاء، المحاككة بالدرهم والدينار، في أثناء السفر، في أثناء الإقامة، حركتك بالحياة، يمكن أن توصف بوصفٍ واحد: صالحة أو طالحة.

 

علاقة الإنسان بالآخرين:

 كيف أن الطالب بالجامعة يقدِّم اثني عشر مادة، وكل مادة عشرين سؤالاً، وكل سؤال علامات، تصحيح، وتدقيق، وسُلَّم، النهاية تكون بتقدير امتياز، أو تقدير جيد جداً، أو تقدير وسط، مقبول، أو جيد، بالنهاية كل حركتك بالحياة توصف بكلمة.
 والناس أحياناً يموت بعض الأشخاص، يذكر اسمه في مجلس يتكلمون عنه كلمة واحدة: الله يوفقه (كلمة)، وإنسان آخر يقال: ابن حرام، من دون تفاصيل، عمله سيئ، كذَّاب، منافق، دجَّال، خدَّاع، مغتصب لأموال الآخرين، فأنت لك عمل، عملك ضمن بيتك، عملك بعلاقتك مع جسمك، عملك بعلاقتك مع ربَّك، عملك بعلاقتك مع البهائم، عملك بعلاقتك مع من حولك، مع جيرانك، عملك بعلاقتك مع من تعمل، مع من هم فوقك، مع من هم تحتك، علاقتك مع والدتك، مع والدك، مع إخوتك البنات والذكور أولاد عمك، عملك هو علاقاتك مع من دونك ومع من في مستواك ومع من فوقك، هذا العمل يوصف بكلمة واحدة، إما أنه صالح أو أنه سيئ.

 

 

علاقة الإيمان بالعمل:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

( سورة البينة: آية " 7)

 اقترن العمل الصالح مع الإيمان بمئتي آية، ولا قيمة للإيمان إطلاقاً من دون عمل، فدائماً تفَحَّص عملك كيف ألقى الله ؟ هل بكسبك شيء من الحرام ؟ هل فيه إيهام للناس من أجل ابتزاز أموالهم ؟ هل هناك مبالغة حتى تخوِّفهم ليعطوك مثلاً ؟ هل تستخدم مكانتك الأدبية من أجل أخذ مال ليس لك ؟ هل من الممكن أن تأخذ شيئاً ليس لك ؟ عملك عملك كلمة واسعة كثير، لك دعوة إلى الله: هل تنصح المسلمين ؟ هل تطلب العلم ؟ هل تعلِّم العلم ؟ هل تربي أولادك تربية عالية ؟ هل ترعى من حولك ؟ هل تعرف ما لك وما عليك ؟ هل تؤدِّي الذي عليك ؟ عملك.

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)﴾

 

( سورة المدثر )

 أنت مرهون لعملك، كلام واسع جداً، قضية العمل كبيرة جداً، ملخَّص حركتك في الحياة هو عملك، إن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، أنت رهين عملك، أي محبوس.

 

القيد الذاتي للإنسان ينتهي إلى الحرية:

 الآن العمل يُفْحَص، إما أن يُطْلَق، وإما أن يُقَيَّد،، أحياناً إنسان مرتكب أعمالاً خسيسة فاسمه على الكمبيوتر ( إذا وجدت أي مشكلة يحضروه )، أنت رهين عملك حتى في الدنيا، حتى مع أولي الأمر، فإذا إنسان سارق، إنسان محتال، إنسان له عمل سيئ، يبيع بضاعة ممنوعة كالمخدرات، واسمه مسجَّل فما الذي جعلهم يقبضون عليه ؟ سوء عمله، والمستقيم طليق يتحرَّك أين ما شاء.

 

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)﴾

 الذين عرفوا الله، بالمناسبة هناك فكرة رائعة وتبدو فيها مفارقة كبيرة، المؤمن كل حياته قيود، بَصره مُقَيَّد بالمحارم، سمعه مقيد بذكر الله فلا يستمع للأغاني، لسانه مقيد بالصدق والنصيحة والتواضع، فلا يستطيع أن يتكلم بكلمات فيها كبر واستعلاء، يده مقيدة بالعطاء فلا يستطيع أن يبطش بها، رجله مقيدة بالذهاب إلى المساجد وإلى دور العبادة وإلى زيارة الأصدقاء وإلى الدعوة إلى الله، فكل أعضاؤه مقيدة بالشرع، لأنه مقيَّد فهو طليق، غير المؤمن حر حرية البهائم، يأكل ما يشاء، يأخذ من أموال الناس ما يشاء، يعتدي كيفما يشاء، فإذا هو يُقَيَّد، فالقيد الذاتي ينتهي إلى الحرية، والحرية البهيمية تنتهي إلى القيد، والله عزَّ وجل قال: أولئك المؤمنون الذين تقيَّدوا بالكتاب والسنة، ضبطوا جوارحهم، ضبطوا أعضاءهم، ضبطوا دخلهم وإنفاقهم، ضبطوا بيوتهم، المؤمنون:

 

 

﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾

 

( سورة البقرة: آية 5)

 الله رفع شأنهم.

 

الحرية المتفلتة للإنسان تنتهي إلى القيود:

 

 والطرف الآخر لأنهم تفلتوا، وكانوا أحراراً من كل شيء.

﴿ أُولَئِكَ فِي ﴾

وفي تفيد شيئاً ضمن شيء:

﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)﴾

( سورة الزمر )

 فالحرية البهيمية تنتهي إلى القيود، أحدها قيود نفسية (الكآبة)، الكآبة قيد:

 

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

 

( سورة طه )

 إذا وجدت في الأرض كلها، وفي القارَّات الخمس، إنسان معرض عن ذكر الله وهو يتمتع بسعادة كبيرة، فالقضية خطيرة جداً عندك فراجع القرآن مرة ثانية، هذا كلام خالق الأكوان قال لك:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

المعرض عن الله له معيشة ضنكى:

 لا يمكن لأي إنسان على وجه الأرض يكون مُعرضاً عن ذكر الله إلا وله معيشة ضنكاً، أما الضنك أنواع ؛ أحياناً هم، أحياناً قلق، أحياناً خوف، أحياناً سقم، أحياناً ضجر، أحياناً ضيق القلب، عصرة القلب، أحياناً ملل.
 و لا يوجد إنسان يذكر الله وإلا في قلبه طُمأنينة، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، والحياة الطيبة حياة يعرفها من ذاقها، فلذلك:

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) ﴾

 

الدين هو تطبيق لمنهج الله الكامل:

 افحص عملك، افحص مهنتك، افحص كسبك للمال، افحص إنفاق المال، افحص بيتك، فيه خلل ؟ افحص تربية أولادك، افحص بناتك كيف أنشأتهم هل تربيتهم ترضي الله أم لا ترضي الله ؟ افحص تجارتك فيها مادة محرمة ؟ فيها طريقة تعامل محرَّمة ؟ فيها إيهام، فيها غش، فيها احتيال ؟ افحص وظيفتك هل تنصح هؤلاء المراجعين ؟ هل تلبِّي حاجاتهم ؟ أم تماطلهم ؟ أم تعقِّد عليهم الأمور من أجل أن تضطرهم إلى دفع مبلغٍ من المال ؟ انظر إلى عملك، إياك أن تظن أن الدين هو صلاةٌ وصيامٌ فحسب، الدين هو تطبيقٌ لمنهج الله الكامل.
 الصوم والصلاة هي مناسبة تقطف ثمار استقامتك، فإذا لا توجد استقامة لا يوجد معنى للصوم والصلاة، الصوم والصلاة كساعات الامتحان فالدارس يكتب، والذي لم يدرس ليس لها معنى الساعات الثلاثة لم يقرأ ولا كلمة، دخل إلى الامتحان معه ستة أقلام وأسبرين، وشطيرة ( سندويش ) لكنه لم يقرأ شيء، فلا قيمة لهذه الساعات الثلاث.

 

الكافر محجوب بعمله عن الله:

 هذا الذي يقيم شعائر الله من دون استقامةٍ على أمر الله يجد الملل والسقم والضجر، ولا معنى لهذه العبادة عنده لأنه محجوبٌ بعمله، والإنسان له عمل طيب يقبل به على الله وعمل سيئ يحجبه عن الله، وأكثر الناس تألُّق وجهه وبراءة وجهه دليل صلاح عمله، والذين لهم أعمال سيئة يغشى وجوههم غبرة.

 

 

﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)﴾

 

( سورة عبس )

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)﴾

 طلقاء.

 

جزاء المؤمن يوم القيامة:

 

﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40)﴾

 وهم في جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، مضت الدنيا، هي الدنيا كلها ساعة اجعلها طاعة، تمضي، فهذا الموت لا يدع شيئاً، كم من إنسان بنى ولم يسكن، حقق جزءاً من أهدافه ولم تتم.

 

﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)﴾

 ما الذي أوصلكم إلى هنا ؟

 

 

أسباب دخول النار:

 الآن اسمعوا جواب إنسان يحترق في النار وسُئل ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ هذا أخطر جواب:

 

 

1 ـ عدم الصلاة:

 

﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)﴾

( سورة المدثر )

 لذلك:

 

(( لا خَيْرَ فِي دِينٍ لا رُكُوعَ فِيهِ ))

 

( مسند أحمد رواه: عثمان بن أبي العاص )

 لذلك الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، أصل هذا الدين الصلاة، والصلاة هي الفرض المتكرر التي لا تسقط بحال، لا تسقط بحالٍ إطلاقاً، تؤدي الشهادة مرَّة واحدة، يسقط عنك الحج عند الفقر والمرض، يسقط عنك الصيام عند المرض والسهر، تسقط عنك الزكاة إذا كنت فقيراً، أما الصلاة فرضٌ متكررٌ لا يسقط بحال، الدين هو الصلاة، والصلاة صلة والصلة تحتاج إلى استقامة، وكل إنسان تلبَّس بظلمٍ محجوب عن الله.

 

الاستقامة أكبر دوافع المؤمن:

 لذلك لا تبحث عن أداء حركات الصلاة بقدر ما تبحث عن تأكُّدك من أن الطريق إلى الله سالك، ولا يكون الطريق إلى الله سالكاً إلا باستقامتك على أمره وخدمتك لعباده، فتجد المؤمن حريصاً على خدمة الخلق وعلى الاستقامة لأنه حريصٌ على اتصاله بالله، كلهم عباده فإذا آذيتهم، أو غششتهم، أو خوَّفتهم، أو ابتززت أموالهم، العمل السيئ يكون حجاباً بينك وبين الله، فأحد دوافع المؤمن الاستقامة، أحد أكبر دوافعه أنه يحافظ على اتصاله بالله فيستقيم مع عباد الله، وهذا الدين لولاه لا تُحَقَق سعادة على وجه الأرض، فدائماً وأبداً العلاقة بين اثنين بينهما الله.

 

 

الخوف من الله سبب استقامة الإنسان:

 في عالَم المسلمين الله بين كل اثنين، فأنت تتحرك مع الطرف الآخر وتخاف الله، أو تخدمه وترجو الله، فأعظم ما في الدين أنه كل إنسانين في بلاد المسلمين الله بينهما، فكل إنسان يعامل الثاني بحالتين بخوف ورجاء، يخاف الله أن يظلمه، يخاف الله أن يعتدي عليه، يخاف الله أن يَغُشَّه، يخاف الله أن يكذب عليه، يخاف الله أن يؤذيه، يخاف الله أن يأخذ ما ليس له، ويرجو رحمة الله بخدمته، ويرجو رحمة الله بمعاونته، ويرجو رحمة الله بتطمينه، إذاً ما دام الله بين كل اثنين فنحن في سعادة كبيرة.
 أما المجتمعات الشاردة الله ليس بين كل اثنين (علاقة مباشرة)، فالأقوى يأكل الأضعف، مادام هناك مصلحة توجد علاقة، لا توجد مصلحة انتهى كل شيء، فالحياة من دون دين لا تطاق لأن القوي يأكل الضعيف، والغني يبتز الفقير، والأقوى يجلب الخير لنفسه وحده.
 يا أيها الإخوة الكرام: هذه الحقيقة أن الله بين كل اثنين هذه أروع حقيقة في عالم المسلمين، وهذه لا تُعرف إلا بالاطلاع على بيئات أخرى أو على مجتمعات أخرى، المجتمع الإسلامي على ما هو عليه من تقصير لكن هناك خوفٌ من الله، يقول لك: أخاف من الله، تجد شخصاً يرجو رحمة الله ويخشى عذابه إذاً يستقيم، إذاً:

 

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ﴾

 أي ما أدخلكم ؟

 

 

﴿فِي سَقَرَ (42)﴾

 في النار.

 

 

2 ـ عدم القيام بالأعمال الصالحة:

 

﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)﴾

 أي ليس لنا عمل صالح، طبعاً يوجد عندما مثل وعندنا قاعدة، إطعام المسكين عمل صالح، أي ليس لنا أي عمل صالح، لا اتصلنا بالله ولا خدمنا عباده.

 

3 ـ التقليد الأعمى للآخرين:

 

﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)﴾

( سورة المدثر)

 نحن مع هؤلاء الناس، ركَّبوا صحوناً فركبنا صحون، مع الناس، مع الأكثرية، تكشَّفت عوراتهم كشفنا عوراتنا، فعلوا كذا فعلنا كذا، هذا الإنسان الذي يسير مع الناس بلا فهم وبلا ضوابط هذا إنسان سخيف، لذلك دائماً العظماء هم الذين يحدثون تغيرات في البيئة، أما الضعفاء يتأثَّرون بالبيئة، وأنت ترى بعينك امرأة ترتدي ثياباً فاضحة فلماذا ؟ فتقول لك: هكذا أصبحت الموضة، فأين أصبح الدين ؟ أين منهج الله عزّ وجل ؟ أين طاعة الله ؟ أين من أنك مسلمة من أب مسلم وأم مسلمة ؟

 

﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)﴾

 

 ماذا يفعل الناس يفعلون.

(( لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ فِيهِ ))

( سنن ابن ماجة عن أبي هريرة )

 وطبعاً مصمم أزياء في فرنسا هو الذي يتحكم بنساء المسلمين، بيده لباس النساء كلَّهن، يكشف كل العورات ونحن نتبعه شبراً بشبر، فكيف ينصرنا الله عزّ وجل ؟

 

﴿وَكُنَّا نَخُوضُ﴾

 هذا كلام أهل النار، وهذا شيء دقيق جداً أنه أتيح لنا بعلم الله عزّ وجل أن نستمع إلى رجل يحترق في النار ونسأله: ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ يقول:

 

 

﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)﴾

 

4 ـ التكذيب بيوم الدين:

 الآن أكثر الناس يقول لك: ( من هنا إلى يوم القيامة الله يفرجها )، أي إنه كذَّب بيوم الدين، ( من مات ورجع فقال لك: في آخرة )، هكذا يقولوا العوام من الناس، هذه كلمات كفر وهم لا يشعرون ( لا تدقق ) أي أنه لا توجد آخرة، هذه الكلمات يقولها الناس بشكل مداعبة أما هي خطيرة جداً.

 

﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)﴾

 والتكذيب يا إخوانا الكرام أنواع: يوجد تكذيب قولي، لن تجد في العالم الإسلامي إنسان يكذِّب بيوم الدين فيقول لك: لا توجد آخرة. لكن لو فحصت عمله لا تجد أبداً أنه يعمل للآخرة، الذي يأكل المال الحرام يخاف يوم الدين ؟ أبداً بل إنه يكذِّب به، الذي يعتدي على حقوق الناس يكَذِّب بيوم الدين ؟ الذي يأخذ ما ليس له يكذِّب بيوم الدين ؟ الذي يحتال يكذِّب بيوم الدين ؟ كل إنسان يعصي الله هو في الحقيقة يكذب بيوم الدين، فإذا قلت لإنسان من باب الطرفة: يوجد على كتفك عقرب، فابتسم وبقي هادئاً ومرتاحاً تماماً وقال لك: أنا شاكر لهذه الملاحظة وإن شاء الله يجب أن أكافئك عليها، إنه لم يفهم ما قلت له لأنه لو فهم لكان قفز من مكانه.

 

 

ما جاء في القرآن ستعرفه معرفة يقينية عند الموت:

 جاء اليقين قال:

 

 

﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)﴾

 

( سورة المدثر )

 اليقين هو الموت.

 

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾

 

( سورة الحجر )

 والحقائق التي جاء بها الأنبياء سوف يعرفها كل البشر عند الموت.

 

﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

 

( سورة ق: آية " 22)

 أي إن أكثر كفَّار الأرض (فرعون) عندما أدركه الغرق قال:

 

﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾

 

( سورة يونس: آية " 90)

المعرفة النافعة هي المعرفة قبل الموت:

 إذاً مشكلتك مع الإيمان مشكلة وقت، كل شيء جاء بالقرآن وجاء به النبي عليه الصلاة والسلام سوف تعرفه معرفةً يقينيةً قطعيةً ثابتةً أكيدةً عند الموت، إن عرفته الآن استفدت منه، أما عند الموت لا قيمة لهذه المعرفة.

 

﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ(158)﴾

 

( سورة الأنعام )

 فكل عمل، كل معرفة تكون عند الموت يقينية ولكن لا قيمة لها، المعرفة النافعة هي المعرفة التي تعرفها وأنت في أوج حياتك.

 

﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)﴾

 قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( يا بني عبدِ المطلب، أنِقذُوا أنفُسَكم مِنَ النَّارِ، يا فَاطِمَةُ، أنِقذُي نفُسَكِ مِنَ النَّارِ، فإنَّ لا أملك لكم من اللّه شيْئا، غير أنَّ لكم رَحِما، سَأبُلُّها بِبَلالِها ))

 

( أخرجه الترمذي عن أبي هريرة )

﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾

( سورة الزمر)

شفاعة النبي لا تنال الشارد عن الله:

 أما الذي يموت موحِّداً، مخلصاً، غير مشركٍ بالله تناله شفاعة النبي، شفاعة النبي حق لكنَّها لأهل التوحيد، لأهل الإيمان، لأهل الطاعة، لأهل الاستقامة أما أن يتوهَّم الإنسان أن يشرد عن منهج الله وأن يفعل كل الموبقات وأن يتعلَّق بشفاعة النبي فهذه سذاجةٌ ما بعدها سذاجة.

 

﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)﴾

 

 أي اثني عشرة مادة والناجح في المواد كلها عدا مادة واحد آخذ فيها خمسة وأربعين من خمسين أي لازمك خمسة علامات تنالك شفاعة النبي، أما يوجد تقصير شديد فإن هذا موضوع خارج شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام.

إعراض الكافر عن الإيمان:

﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)﴾

( سورة المدثر)

 تُذَكِّرُهم فيعرضون، تدعوهم فلا يستجيبون، تنصحهم فلا ينتصحون، قال:

 

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)﴾

 

( سورة المدثر )

 والعوام يقولون: ( مثل الحمير التَرَّابة )، عمل مستمر إلى لا هدف، يأتي الموت فجأةً فينهي كل شيء.

 

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)﴾

 القسورة الرُماد، والحُمُر الوحشية إذا رأت الرماة وبيدها أقواس النبل فرَّت فراراً مخيفاً.

 

 

الإنسان الغير مؤمن يريد ديناً خاصاً به:

 

﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52)﴾

( سورة المدثر)

 أي كل إنسان يريد ديناً خاصاً له، يريد أن يأكل الربا وأن يُصلي، أن يصلي وأن تبدو زوجته سافرة، يريد أن يفعل هذا العمل السيئ وأن يكون ديناً، الدين منهج إلهي ثابت، أما أن تأخذ ما يُعجبك وتدع ما لا يعجبك وتقول: أنا هكذا رأييَّ، من أنت ؟

 

يقولون هذا عندنا غير جائزٍ  فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
* * *

 

الإنسان المؤمن يعلم أن ما جاء به الله هو الحق:

 الآن أكثر الناس الغير ملتزمون بدروس علمية دينية يقول لك: أنا أرى كذا، يقول لك: أنا، فمن أنت ؟ قرآن، سنة، نبي معصوم أعطى توجيهات ولك رأي مع كلام الله عزّ وجل ؟

 

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾

 

( سورة الأحزاب: آية " 36)

 إذا الله عزّ وجل حكم بشيء انتهى الأمر، سألوا إنسانة في برنامج إذاعي حول التعدد، أنه ما رأيك في تعدد الزوجات ؟ فأجابت إجابة مذهلة وقالت: رأيي في التعدد وقد سمح الله به غير معقول أن أتكلم أنا برأييَّ في التعدد ما دام الله سمح به، إذا كان شيئاً أعطى الله فيه حكماً انتهى الأمر، ليس لك رأي أبداً، فكل إنسان يريد دين على مزاجه فيأخذ ما يُعجبه، الصلاة لا توجد مشكلة، أما إطلاق البصر فغض البصر صعب يقول لك: غير معقول، هذه الآية ليست لهذا الزمن، فهو يريد ديناً خاصاً، لا بدَّ من أن آكل هذا المبلغ، هكذا الحياة الآن يوجد تعامل ربوي، فإنه يجعل ظروف الحياة هي الدين، أما المؤمن يعلم علم اليقين أن ما جاء في الكتاب والسنة هو حقٌ وأنه في طاقة البشر، وأن الله لا يكلِّف نفساً إلا وسعها لذلك ينصاع لأمر الله.

 

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً(52)﴾

 كل واحد يريد دين مِزاجي خاص.

 

 

﴿كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)﴾

 

( سورة المدثر )

 هذا كلام.

 

مشيئة الله قيد فضل لا قيد جبر:

 

﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾

( سورة المدثر )

 أي لولا أن الله شاء لكم أن تشاؤوا لما شئتم، هذا الربط بمشيئة الله ربط فضل وليس ربط جبر، أكثر الناس يتوهَّمون أنه وما تشاؤون إلا أن يشاء الله أي القضية بيده، إذا الله يريد فيهديني، وإذا لا يريد لا يهديني، لا هذا معنى جبري لم يرده الله أبداً، هذا المعنى الجبري أنت اخترعته، أي إذا سعدت باختيارك هذا اختيارك من فضل الله، ما كان لك أن تختار إلا لأن الله سمح لك أن تختار، أي إذا أدخلناك إلى محل صياغة وقلنا لك: تفضَّل وانتقي، فانتقيت أكبر ألماسة وثمنها مليون ليرة، ماذا نقول لك ؟ لو لم نسمح لك أن تختار ما كنت أخذتها، أدخلَّناك إلى محل صياغة يوجد ألماس حقيقي غالي جداً ويوجد ألماس تقليد، ويوجد ذهب رخيص، ويوجد ذهب ستة عشر، ويوجد نحاس ملمَّع، قلنا لك: اختار ما تشاء خيَّرناك فانتقيت أكبر خاتم ألماس ثمنه مليون، ماذا قلنا لك وأنت ذاهب ؟ لو لم نسمح لك أن تختار ما كنت اخترته، لو قيَّدناك ما كنت اخترته، فإذا أنت شئت الخير فإن هذه المشيئة لولا أن الله شاء لك ما تشاء لما شئتها، فهذا قيد فضل وليس هو قيد جبر.

 

طاعة الله ثمن سعادة الإنسان:

 

﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾

 لولا أن الله أعطاهم حرية الاختيار، لولا أن الله أعطاهم فكراً يذكرون به لما ذكروا ولما عرفوا الحقيقة، ولما سعدوا بالله عزّ وجل، آخر آية:

 

﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)﴾

 

( سورة المدثر)

 لا توجد في الكون جهة أهلٌ أن تطيعها إلا الله، لا توجد في الكون جهة أهلٌ أن يفنى شبابك من أجلها إلا الله، أي لا يليق بك أن تكون لغير الله، أنت حينما تكون لإنسان أو لجهة تحتقر نفسك، أنت إنسان غالي على الله.

 

(( خلقت الخلق ولم أعيا بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك كل حين ؟ لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزَّتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً))

 

((خلقت السماوات والأرض ولم أعيا بخلقهن، خلقتها من أجلك فلا تتعب وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ))

طاعة الله و تقواه سبب مغفرة الله لك:

 أي أنَّك لله وحينما تكون لغير الله تحتقر نفسك، لا يليق بك أن تكون لغير الله، الله كرَّمك جعلك مخلوقاً أول وقال لك: أنت لي، الماء للأرض، الأرض للنبات، النبات للحيوان، الحيوان للإنسان، والإنسان لمن ؟ للواحد الديَّان، أنت لله، لا تكون لغير الله فتحتقر نفسك، فهل من الممكن أن تستخدم مثلاً سبيكة ذهب لصنع مجرور أو قدُّوم ؟! أنت بذلك احتقرت الذهب، فأنت مخلوقٌ لله وهو وحده أهلٌ أن تطيعه، أهلٌ أن ترجوه، أهلٌ أن تطلب رضاه، أهلٌ أن تعبده، أهلٌ أن تضع كل طاقتك في خدمة عباده، أهلٌ أن يكون الله هو الأول والآخر عندك، هو أهل التقوى، أي أهلٌ أن تتقيه وإذا اتقيته هو أهلٌ أن يغفر لك، هذه الكلمتين في الأخير.

 

﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) ﴾

 

رفض الدين سبب في احتقار نفسك:

 أي لا توجد جهة مؤهَّلة أن تكون أنت لها إلا الله، وكل إنسان كان لغير الله فقد سَفِهَ نفسه، توجد أشياء كثيرة تعرض عنها احتقاراً لها، رأيت بيتاً صغيراً فتقول: لا أريده لأنه لا يعجبني، رأيت وظيفة دخلها قليل رفضتها، أنت قد ترفض أشياء كثيرة احتقاراً لها إلا شيئاً واحداً إن رفضت الدين فإنك تحتقر نفسك.

 

﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾

 

( سورة البقرة: آية " 130)

 حينما ترفض الدين تحتقر نفسك فقط.

 

﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) ﴾

 

 أما إنسان لو أفنيت كل حياتك من أجله، فهو ضعيف مثلك، لو إنسان أصيب بشيء خطير هل أحد يخلِّصه ؟ لا أحد يخلِّصه إلا الله، لذلك لا يليق بك أن تكون لغير الله هو وحده أهلٌ أن تطيعه، هو وحده أهلٌ أن تُخْلِص له، هو وحده أهلٌ أن تتقيه، هو أهل التقوى، وإذا فعلت هذا هو أهلٌ أن يكرمك وأن يغفر لك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور