الدرس : 6 - سورة المدثر - تفسير الآيات 32-37 البطولة الحقة طاعة الله لا عصيانه
- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (074)سورة المدثر
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الكفار في قبضة الله عز وجل وسوف يحاسبهم:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السادس من سورة المدَّثر، ومع الآية الثانية والثلاثين:
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)﴾
أولاً: كلمة ﴿كَلَّا﴾ ليست أداة نفيٍّ فحسب بل هي أداة نفيٍّ وردعٍ، أي توهُّمُكُم أنه بإمكانكم أن تقضوا على الملائكة الذين أوكلهم الله عزّ وجل بجهنم ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ فدعوى أبي جهل الساذجة أن كل مئة يقتلون واحداً وينتهي الأمر فلا تخافوا، هذا جهلٌ مطبق، وهذه سذاجةٌ ما بعدها سذاجة، وأن الكافر لن يسبق الله عزّ وجل، بمعنى أنه في قبضته، وأنه سيُحَاسب، بل إن خطة الكافر تستوعبها خطة الله عزَّ وجل، الإنسان قد يرى بعينه أن هذا الكافر فعل شيئاً؛ قتل إنساناً، أعطى إنساناً، إرادته تستوعبها إرادة الله، خطته تستوعبها خطة الله، تدبيره يستوعبه تدبير الله، فهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا إذا أذِن الله به.
طغيان الإنسان عند شعوره بالاستغناء عن الله:
إذاً: هو لن يسبق الله عزّ وجل، كما أنه لن يستطيع أين يتفَلَّت من عقابه، فالكفار يتوهَّمون أن بيدهم فِعل، وهذا شأن كل كافر في كل عصر، الإنسان يطغى متى يطغى؟
﴿ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
حينما يشعر أنه مستغنٍ عن الله يطغى، لذلك أيها الإخوة؛ الإنسان القوي يحتاج إلى علم، وإلى فهم، وإلى صبر أضعاف ما يحتاجه الضعيف، والغني يحتاج إلى علم وإلى صبر أضعاف ما يحتاجه الفقير، السبب؟ الفقير خياراته محدودة، إنسان له دخل محدود من عمله إلى بيته، أما الغني عنده ألف خيار وخيار، لو سافر إلى بلد أجنبي بإمكانه أن يمضي الليل في أي مكان، في أي ملهى، في أي نادٍ، في أي مُنْتَجَع، ومعه مال يُمَكِّنه أن يفعل ما يشاء، فمن هو الذي يحتاج الصبر؟ الغني، من هو الذي يحتاج الصبر؟ القوي، لأن قوته أو غناه تتيح له أن يفعل أشياء كثيرة جداً، بينما الضعيف والفقير خياراته محدودة، فالإنسان بحاجة إلى معرفة وإلا يُعَدُّ غناه وبالاً عليه.
أكبر المصائب الغنى المطغي:
هل تصدِّقون أن النبي عليه الصلاة والسلام عدَّ الغنى المُطغي أحد أكبر المصائب؟ بل إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما خيَّره جبريل قائلاً: يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً؟ قال: بل نبياً عبداً أجوع يوماً فأذكره وأشبع يوماً فأشكره.
(( حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ، قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ:
طبعاً كل إنسان له وضع هو في حقه خير، وفي حقه حكمة، ولكن كل إنسان بحاجة للعلم، بل إن الأقوى والأغنى أشد حاجةً من الأضعف والأفقر، فالإنسان يطغى، ﴿أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾ حينما يرى نفسه مستغنياً عن الله يطغى، وهذا حال الكفار في العالم كلَّه، امتلكوا القوة النووية، تحكَّموا بمصائر الشعوب، قهروا الشعوب، نهبوا ثرواتهم، تحكموا بمقدَّراتهم، خططوا مصيرهم، إذاً الآية الكريمة: ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾ .
قوة الكافر لا تبعده عن قبضة الله:
كل ما قاله الكفَّار كلامٌ سخيف، كلامٌ مردود، الكافر مهما كان قوياً في قبضة الله، والحقيقة عندنا يتدخل الله عزّ وجل ويبطش، كل الخَلق يرون الحقيقة، لكن الإنسان القوي والغني أحياناً مربوط بحبل مرخى لجهله يظن أنه طليق لكنه مُقَيِّد إلا أن الحبل مُرخى، متى يُشَد الحبل؟ لا يعلم، فجأةً يُشد الحبل فإذا هو في قبضة الله عزّ وجل.
يوجد رجل قال: إذا حمل هذا الصفصاف إجاصاً أنا أخسر ما أنا فيه، أي من باب التحدي، من باب المستحيل، بعد يومين كان في قبضة الله عزَّ وجل وانتهى، فالإنسان يجب أن يعلم حتى يعرف حدَّه فإذا تجاوز حدَّه قصمه الله عزّ وجل: ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾ أي كلا ليس كما تزعمون، ليس كما تتوهَّمون، ليس كما تتصورون، ليس كما يحلو لكم، ليس كما تتمنون، الحقيقة الإنسان العاقل لا يعيش في وهم مريح، يعيش في الحقيقة المرَّة، دائماً وأبداً هناك خيار صعب بين الوهم المريح والحقيقة المرَّة، لو شخص معه شيك في جيبه بمئة ألف دولار لكنَّه مزوَّر، إذا توهَّم أنه صحيح يشعر بالغنى والقوة، لكن لو أراد أن يستخدمه لوضِع في السجن وشعر بالفقر والخيبة، يا تُرى الأولى له أن يبقى بهذا الوهم المريح أم أن يعرف الحقيقة المرَّة؟
الإنسان الذكي من يجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة:
والله أيها الإخوة؛ معظم الناس يفضّلون الوهم المريح على الحقيقة المرَّة، ما دام في قوة، وفي منعة، وفي غنى، وفي صحَّة، يرتكب كل المعاصي والآثام ولا يتأثر بها إطلاقاً، أما حينما يأتيه المرض، حينما يأتيه شبح الموت، عندئذِ يصيح كالكلاب، فأنت بطولتك أن تبقى الحياة مستمرَّة بخطّ صاعد، لا أن يكون الصعود حاداً ثم السقوط مريعاً، المؤمن خطه صاعد صعوداً ثابتاً، دائماً في حال أعلى، وأنا أؤكِّد لكم والله ولا أبالغ إن المؤمن الصادق المستقيم حتى الموت يُعدّ نقطةً على خطِّه الصاعد، والآيات كثيرة:
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾
من هو الذكي؟ هو الذي يجعل من نِعَمِ الدنيا متصلة بنعم الآخرة، في الدنيا في عز، في سلطان، في غنى، في طمأنينة، في راحة، في سعادة، جاء الموت في سعادةٍ ما بعدها سعادة، هذا الذي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يَخُصَّ به المؤمنين.
تقبل الحقيقة المرَّة:
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾
حتى في العلاقات الاجتماعية الإنسان يحاول أن يهرب من الواقع المرّ، لا، هذه غير صحيحة، أحياناً يُكذِب النبأ، أحياناً يقول لك ثم يفاجأ بأنه وقع في شرِّ عمله، العبرة أن تقبل الحقيقة المرَّة، إنَّك إن قبِلتها تلافيت خطرها أما إن رفضتها وقعت في شرِّها: ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾ .
القمر من آيات الله الدالة على عظمته:
القمر من آيات الله الدالة على عظمته، كلكم يعلم أن الله جعل القمر تقويماً، الأرض هكذا والقمر حولها يدور، إلا أن الشيء الذي يلفت النظر هو أن الأرض تدور حول نفسها، والقمر يدور حول الأرض، لو أن سرعة دورة القمر حول الأرض مكافئة لدورة الأرض حول نفسها التغى القمر، بقي مع الأرض في مكانٍ واحد هكذا، في مكان بدر، في مكان محاق إلى أبد الآبدين، إلا أن هناك تفاضلاً بين سرعة دورة القمر حول الأرض ودورة الأرض حول نفسها، هذا التفاضل بالسرعتين هو الذي يعطي القمر وظيفة التقويم، فيكون هلالاً، ثم أعلى من هلال، ثم بدراً، ثم يتراجع، تسلسل رؤيته من هلال، إلى بدر، إلى هلال، السبب أن سرعته حول الأرض أقل من سرعة الأرض حول نفسها، هذا التفاضل في السرعة يسبب أن يكون القمر تقويماً:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ
بالمناسبة: السنة القمرية حُكْمية أما أصلها الشهر القمري، أما الشهر الشمسي حُكمي أصله السنة الشمسية، لأن السنة الشمسية هي تمام دورة الأرض حول الشمس، هذه الدورة مقسَّمة إلى أبراج، فالشهر حكمي في التقويم الميلادي والسنة حقيقية، بالقمر بالعكس؛ الشهر حقيقي والسنة حكمية، وتوجد لفتة لطيفة أنه:
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)﴾
هذا هو الفرق بين ثلاثمئة سنة قمرية تساوي ثلاثمئة وتسع ميلادية بالضبط، هذه الآية أشارت إلى التقويم القمري والتقويم الشمسي، فهناك تقويمين: تقويم أساسه حركة الأرض حول الشمس، مقسمة إلى اثنتي عشرة مرحلة، ودورة القمر حول الأرض مضروب باثنتي عشرة مرحلة، هذه السنة الشمسية والسنة القمرية.
تناسب العلاقة بين الشمس والقمر والإنسان:
الليل والنهار من آيات الله الدالة على عظمته:
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)﴾
قضية الليل والنهار أيضاً من آيات الله الدالة على عظمته، هذه الأرض تدور حول نفسها لو أنها توقَّفت لأصبحت الأرض وجهين؛ وجه نهار أبدي ووجه ليل أبدي، والله نبَّهنا قال:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)﴾
معنى هذا لو كان الليل سرمدياً تصبح حرارة الأرض المظلمة مئتين وسبعين تحت الصفر، تنتهي الحياة، ولو أن النهار سرمدي فإن الحرارة تصبح ثلاثمئة وخمسين فوق الصفر إلى أبد الآبدين، تنتهي الحياة، أي لمجرد أن تقف الأرض عن الدورة حول نفسها فإن الحياة تنتهي، هذا شيء خطير، فبين بردٍّ مُميت وحرٍّ مُميت.
رحمة الله بالإنسان:
لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لدورتها حول الشمس هكذا، والشمس من هنا كأنها واقفة، سيكون هناك وجه نحو الشمس دائم أبدي، ووجه مظلم دائم أبدي، إذاً لا يكفي الدوران، لابدَّ من دورانٍ بمحور متعامد مع مستوى دورانها، لو كان المحور موازياً فدورتها كوقوفها، تدور هكذا والشمس من هنا نصف الأرض متَّصل بالشمس، نصفه منقطع عنها، هنا موت من الحر وهنا موت من القَرْ.
الآن: لو دارت الأرض هكذا بمحور عمودي على مستوى دوران الأرض ما الذي يحصل؟ أبدية الفصول، إذا كان المحور عمودياً الشمس من هنا، أشعتها هنا عمودية، هنا مائلة، ففي خط الاستواء صيفٌ إلى أبد الآبدين، وفي المنطقة المعتدلة ربيعٌ أو خريفٌ إلى أبد الآبدين، وفي المنطقة الباردة شتاءٌ إلى أبد الآبدين، لكن حكمة الله عزّ وجل أن الأرض تدور بمحور مائل ثلاثاً وثلاثين درجة عن عمودية المحور هكذا، فالدورة هكذا، فالأرض هنا والشمس هنا، الأشعة عمودية على القسم الجنوبي والأشعة مائلة على القسم الشمالي.
ميل محور الأرض:
يوجد بعض الأصدقاء سافروا إلى أمريكا، أمريكا القارَّة الوحيدة المتصلة بين الشمال والجنوب، فقال لي: انتقلنا من بلد الناس على الشواطئ يسبحون والحر لا يُحتمل، إلى بلدٍ الثلج خمسة أمتار، في يومٍ واحد، لأنه لو كان المحور عمودياً على مستوى الدوران لثبتت الفصول، أما كونه مائلاً، الأرض هنا الأشعَّة عمودية نحو الأسفَّل وللأعلى مائلة، عندما انتقلت الأرض إلى هذا الوضع هنا هكذا صارت عمودية على القسم الأعلى ومائلة على الأسفل، إذاً حكمة الدوران، وحكمة المحور، وحكمة مَيل المحور، آياتٌ دالَّة على عظمة الله عزَّ وجل.
الجاذبية والمد والجزر:
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)﴾
بالمناسبة إخواننا الكرام: النبي عليه الصلاة والسلام من سنته صيام الرابع عشر، والخامس عشر، والسادس عشر، ثلاثة أيام التي يكون فيها القمر بدراً، الحقيقة أنهم وجدوا في بعض الإحصاءات، أخذوا محاضر وضبوط المخافر في بلد غربي، وقعوها على الشهر القمري فوجدوا أن الجرائم والسرقات والاغتصاب يزداد ستين بالمئة في هذه الأيام الثلاث، لأن هناك علاقة بين دورة القمر وبين طبيعة الإنسان، فهذه الأيام أيام فورة الدَّم فالنبي أمرنا أن نصومها، أي القمر له علاقة بنا، كذلك المد والجَزْر، البحر أحياناً يرتفع إلى عشرين متراً بالمد، وينخفض عشرين في الجَزْر بفعل القمر، جاذبية القمر.
الآن توجد بحوث تؤكِّد حتى القشرة اليابسة تتجه نحو القمر بمقدار سنتيمترات بين المد والجَزْر.
العلاقة بين الأرض والقمر:
القمر له علاقة بالأرض متينة جداً؛ علاقة مد وجَزْر، علاقة جذب، وله علاقة إعطاء إضاءة، القمر يُعطي ضوءاً في أيام البدر تساوي ثمانية عشر بالمئة من إضاءة الشمس، ليلة مقمرة مضيئة للناس، فالقمر من آيات الله الدَّالة على عظمته.
توجد نظرية تقول: إنَّ الكواكب كانت كوكباً واحداً، من شدة الدوران والقوة النابذة تفلَّتت من بعضها، هذه النظرية ينبغي بناءً عليها أن تكون طبيعة تربة القمر كطبيعة تربة الأرض، فلما ذهبوا إلى القمر وجاؤوا بعيِّنات إلى الأرض وجدوا العكس تماماً، ليس هناك علاقةٌ بين تربة القمر وتربة الأرض، فيها بلُّورات عاكسة، أبلغ شيء في تربة القمر أنَّ هناك مواداً لها وضع بلوري عاكس، فأنت ترى القمر منيراً متألِّقاً، لو ذهبت إلى هناك لوجدت تربةً قذرةً تُنَفِّر من ينظر إليها، هذا كلُّه عن القمر.
كروية الأرض:
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)﴾
الليل والنهار؛ الأرض لأنها كرة تدور حول نفسها، الله عزّ وجل جعل الشكل الكروي يتداخل فيه الليل والنهار، لو أن الأرض مكعبة وتدور فإن الليل يأتي فجأةً والنهار يذهب فجأةً، أما لأنها كرة فإن الليل والنهار يتداخلان، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
فأحد الأدلَّة على أن الأرض كرة أن الشكل الهندسي الوحيد الذي تتداخل به أشعَّة الشمس مع الظلام هو الكرة، فالليل جعله الله سكناً، الليل من نعم الله الكُبرى، الإنسان إذا لم ينَم يختل توازنه، النوم يحتاج إلى سكينة، فالله جعل الليل سَكَناً، وجعل النهار معاشاً، وجعل الليل والنهار متناسبان مع طبيعة الإنسان، النهار اثنتا عشرة ساعة، يعمل ثماني ساعات، يرتاح أربع ساعات بين طعام، بين صلاة، والليل اثنتا عشرة ساعة ينام ثماني ساعات وأربع ساعات مع أهله بين الفجر والعشاء، أما لو كان الليل مئة ساعة أو النهار مئة ساعة لاختَلَ نظام الحياة، فربنا يُلفت نظرنا إلى هذه الآيات آية القمر وآية الليل.
النهار أنس ونشاط والليل سكن وسكون :
تجد أن النهار فيه أنس، فيه رؤية مديدة، فيه إشراق، فيه نشاط، فيه عمل، فيه حركة، الليل للسكن، لكن طبيعة الحضارة الحديثة قلبت ليل الناس نهاراً ونهار الناس ليلاً، وهذا من أسباب بعض الإرهاق الجسمي لأن الله صمَّم الليل للنوم، الآن أكثر الناس المتفلتين طوال الليل يسهرون للساعة الواحدة، والثانية، والثالثة، وقت الراحة، وقت النوم الصحي ساهرون، ووقت العمل والنشاط نائمون، أي غيَّروا خلق الله عزّ وجل.
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)﴾
دائماً توجد عندنا آيات كبيرة ؛ الشمس آية، القمر آية، الليل آية والنهار آية، من آياته الليل والنهار، من آياته الشمس والقمر، فالشمس والقمر آيتان، والليل والنهار آيتان دالَّتان على عظمة الله عزّ وجل.
حركة النجوم:
هذا الثبات العجيب أي الأرض بعد مئة سنة، أو بعد ألف سنة، أو بعد مئة ألف سنة يوم الثالث والعشرين من أيلول تشرق الشمس الساعة الخامسة والثلاث عشرة دقيقة، لا تتغير، ثبات عجيب، أحياناً أدق ساعة في الأرض الآن بيك بن، مشهورة، ، هذه تضبط على حركة نَجْم، قد تقدِّم هذه الساعة ثانية في السنة وقد تؤَخِّر ثانية، دقَّة هذه الساعة مرتبطة بضبطها على نجم، أحياناً يقول لك: قطار بين طوكيو وأوساكا يجب ألا يتأخر دقيقة عن موعد وصوله، هذه يعدونها رُقِياً ما بعده رقي، ستة آلاف كيلو متر أو ألفا كيلو متر يجب أن يصل القطار بالدقيقة وقد يتأخر دقيقة، أما النجوم العملاقة بحركتها المديدة الطويلة تصل بمواعيد بواحد بألف بالثانية، لذلك أدق ساعات العالَم تضبط على حركة النجوم، ثبات عجيب، الله ثَبَّت أشياء وحرَّك أشياء.
النار مصير كل كافر:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾
العلماء قالوا: "هذه النار التي أعدَّها الله للكفَّار إنها لإحدى الكُبر" ، المشكلة أنَّ هؤلاء الناس المنحرفين في الحياة يغيب عنهم أن هناك شيئاً اسمه النار، أكثر الناس لا يعبؤون، لا يتخذون النار أساساً في عقيدتهم، النار محرقة، وهذه مصير كل كافر، كل عاصٍ: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾ أي النار التي خلَّقها الله ردعاً لعباده من أن يعصوه.
حرمان الإنسان الكافر نفسه من السعادة:
بعضهم قال: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)﴾ أي تكذيبكم بالنبي عليه الصلاة والسلام شيءٌ كبير، أي حرمتم نفسكم السعادة الكبرى.
﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36)﴾
الله جعل النار نذيراً، وجعل هذا الكتاب نذيراً، وجعل النبي نذيراً لقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)﴾
﴿ نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)﴾
أنتم أحرار، أنتم مخيَّرون، إما أن تتقدَّموا إلى طاعة الله، أو أن تتأخَّروا عنها، إما أن تتقدموا للعمل الصالح، وإما أن تحجموا عنه، إما أن تتقدم لأداء العبادات وإما أن تحجم عنها، أنت مخيَّر، وقال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إذاً هذه الآيات: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)﴾ .
البطولة الحقة طاعة الله لا عصيانه:
نحن الآن في بحبوحة الحياة، والقلب ينبض، وكل شيءٍ ممكن وأنت حي؛ التوبة ممكنة، والصلح ممكن، والاستغفار ممكن، والإصلاح ممكن، والتكفير ممكن، كل شيء ممكن، أما حينما يأتي الأجل انتهى كل شيء: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)﴾ الله جعل الطاعة تقدُّماً، معرفة الله تقدم، العمل الصالح تقدم، طلب العلم تقدم، الإحجام عن العلم تأخُّر، فبهذه الآية يجب أن نقيِّم كل أمورنا، فالتقدم ليس أن نركب الفضاء، ولا أن نغوص في أعماق البحار، التقدم أن نطيع الواحد الديَّان، والتخلف لا أن نكون أمة زراعية ولسنا صناعية، لا، التخلف أن نعصي الله عزّ وجل، فهذه الآية يجب أن نقيّم بها كل شيء، التقدم في طاعة الله، التخلُّف في معصية الله، التقدم في العلم، والتخلف في الجهل، التقدم في الإحسان، والتخلف في الإساءة.
وفي درسٍ قادمٍ إن شاء الله تعالى نتابع شرح هذه الآيات:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين
الاستماع للدرس
00:00/00:00
تحميل النص
إخفاء الصور
