وضع داكن
30-06-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة المدثر - تفسير الآيات 16-30 معاندة الله جزاؤه القصم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

ردّ الكافر للحق:


 أيها الإخوة الكرام: مع الدرس الرابع من سورة المدَّثر، ومع الآية السادسة عشرة وهي قوله تعالى:

﴿ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾

[ سورة المدثر ]

هذا الكافر عنيد، معنى عنيد أي يُعاكس الحق، يَرُدُّ الحق بلا سبب، الآية التي قبلها:

﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)﴾

[ سورة المدثر ]

أي الخط البياني يصعد أحياناً للكافر، أما الصعود غير مستمر، هذه حقيقةٌ خطيرة، الكافر أحياناً يتوَهَّم أن خطه البياني صاعد في نمو مستمر، يزداد مالاً، يزداد مكانةً، يزداد قوةً، يزداد انغماساً بملذَّاته، هذا الخط البياني الصاعد بعده انتكاسةٌ خطيرة، لا يطمع أن يزداد ماله، ولا أن تزداد لذائذه، لابدَّ من تأديبٍ، أو لابدَّ من قصمٍ، ﴿كَلَّا﴾ كلا ليست حرف نفيٍّ فحسب، كلا حرف نفيٍّ وردعٍ، أي يردع الله هذا الإنسان السادر في أحلامه، ﴿كَلَّا﴾ الأمور ليست على ما هي عليه إلى ما شاء الله، يؤكِّد هذا كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بادِروا بالأعمالِ سبعًا، هل تنتِظرونَ إلَّا مرضًا مُفسدًا؟ أوهَرمًا مُفندًا؟ أو غنًى مطغيًا؟ أو فَقرًا مُنسيًا؟ أو موتًا ُجهِزًا؟ أو الدَّجالَ؟ فشرُّ مُنتظَرٍ ، أو السَّاعةُ؟ والسَّاعةُ أدهَى وأمَرُّ . ))

[  السلسلة الضعيفة : خلاصة حكم المحدث : ضعيف  ]

 

المؤمن خطه البياني في صعود مستمر:


أنت لا تستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله، لا، أقول لكم بإخلاص وبثقة: المؤمن خَطُّه البياني صاعد صعوداً مستمراً ولا ينزل أبداً حتى عند الموت، هذه حقيقة مذهلة، خطك البياني صاعد صعوداً مستمراً، والموت نقطة على هذا الخط، والصعود مستمر، والدليل:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾

[ سورة التوبة ]

كتب لنا، لنا للتملك من الخير، من السعادة، من الرُّقي.
حدثني أخ قال لي: رجل في المسجد، دخل المسجد صلى ركعتين وقرأ القرآن في رمضان هذا، فلمَّا أقيمت الصلاة للفرض وُجِد ميتاً، في المسجد، في عبادة.

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)﴾

[ سورة يس  ]

 

الكافر العاصي جزاؤه القصم:


اطمئن أيها الأخ ما دمت على منهج الله، مادُمت مراقباً لله فخطك البياني صاعد أبداً مستمر، أما الكفَّار فيصعد خطهم صعوداً مذهلاً ليسقطوا من عَلٍ، هذا هو القصم.
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا﴾ أداة ردعٍ ونفيٍّ، يوجد قصم، يوجد بطش.

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[  سورة البروج ]

يوجد إهلاك، يوجد تدمير.

﴿ فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)﴾

[ سورة الفرقان  ]

 

سقوط الكافر الفاجر سقوطاً مروعاً:


﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾

[ سورة الدخان  ]

فإذا كنت مع الله لا توجد مفاجأة إطلاقاً، مفاجآت كلها سارَّة، خطَّك البياني صاعد صعوداً مستمراً وحتى عند الموت يُكشف لك مقامك في الجنة فتقول: لم أر شراً قط، وأما الكافِّر المُعرض، العاصي، الفاجر فهذا يصعد صعوداً حاداً ليسقط سقوطاً مريعاً: ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا﴾ قال علماء التفسير: "هذه الأداة لقطع رجاء الكافر عما يطمع فيه من الزيادة" ،  ﴿كَلَّا﴾ لماذا هناك قَصْمٌ؟ وهناك تدميرٌ؟ وهناك بطشٌ؟ 

﴿ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾

[ سورة المدثر ]

 أي يرفُضها كِبراً. 
 

المعصية نوعان:


إخواننا الكرام؛ هناك من يعصي الله، ونقول لهذا العاصي: تاب الله عليك وألهمك رُشْدَك، هناك من يعصيه غلبةً، وهناك من يعصيه كِبراً، المعصية عن غلبة أهون عند الله ألف مرة من أن تعصيه كِبراً.
الذي يعصيه كِبراً لا توبة له، مصيره إلى النار، أما الذي يعصيه غلبةً فتاب العبد، وتذلل، وبكى، ومرَّغ جبهته في مصلاه، وقال: يا رب اعفُ عني، هذا يُرجى له المغفرة، يوجد فرق كبير، المصيبة واحدة، إنسانان لا يصومان، واحد تغلبه شهوته، والثاني يحتقر الصوم، فرقٌ كبيرٌ بينهما، قال له: ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾ أي أبت نفسه أن يطيع الله، تأبَّى على الله، استكبر على الله كإبليس تماماً.

﴿عَنِيداً﴾ كلمة لها معان عدة: 

 

1 ـ الجاحد:

العنيد هو المُعانِد كجَليس ومُجالس ﴿إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾ وفي أصل اللُّغة البعير العاند والعنيد هو الذي يحيدُ عن الطريق، ويشرُدُ عن الصواب، بعضهم قال: "العنيد هو الجاحد" الجحود؛ تكرمه، تتلطف له، تعطيه، تقنعه، هو يرفض رفض الأحمق، رفض اللئيم. 

2 ـ المُعرض:

وقال بعض العلماء: "العنيد هو المُعْرِضْ" الجاحد أو المُعْرِض، أو المنحرف، أو الذي يرُدُّ الحقّ كبراً، هذه معاني عنيد، يردُّ الحق كبراً، أو ينحرف عن جادة الصواب، أو يجحد الفضل، أو يُعرِض عن الله عزّ وجل. 

3 ـ المجاهر بعدوانه:

وقال ابن عباس: "العنيد المجاهر بعدوانه، المجاهر بعداوته" يوجد إنسان عدو لكنه يُظهِرُ خلاف ذلك، يوجد إنسان يُظهِر أنَّه عدو، العنيد المجاهر بعداوته، والعنيد المجانب للحق، والعنيد المُعرض عن الله، والعنيد الذي تجاوز قَدْرَهُ، أي جعل نفسه نداً لله عزّ وجل، رفض أن يطيعه، والعنيد هو المَعْزول عن الناس الذي لا يُخالط الناس، ولعل هناك علاقةً بين العند وبين الانعزال، الإنسان إذا اعتزل الناس ضاق أفقه، وعاش في أوهامٍ باطلة فوقف مواقف مضحكة.
أيها الإخوة الكرام؛ العنيد لها معان كثيرة أولها: المُعْرِض عن الله، والجاحد، والمتكبِّر، والمتأبِّي، والذي يُظهر عداوته ولا يخفيها: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾ .
 

العذاب الشديد لمن يعاند الله عز وجل:


الآن:

﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾

[ سورة المدثر ]

سأحْمِله على ما لا يطيق، نعوذ بالله من هذا. 

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾

[ سورة البقرة ]

والله أيها الإخوة؛ توجد آلام بالأمعاء عَقِب أمراض خبيثة، يقول لي بعض الإخوة الأطباء: الآلام لا تحتمل، مهما كان الإنسان عنده جلَد يفقد صوابه، ويعلو صياحه إلى درجة غير معقولة، توجد آلام بالأعصاب، آلام بالأحشاء، ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾ كلمة واسعة شاملة جامعة مانعة، أي قد نُحَمِّلُه ما لا يطيق، أحياناً الإنسان يرى نفسه في بيته مفضوحاً، والفضيحة لا تُحتمل، إنسان يرى امرأته تخونه، أحياناً يضربه ابنه، أحياناً يفقِدُ حُرِّيته، أحياناً يُعَذَّب عذاباً لا يطاق، هل تحتمل أيها الإنسان؟ هذا الذي يعاند الله عزّ وجل، يتأبَّى على الله، يجاهر عداوته لله، يريد أن يطفئ نور الله، هل تحتمل فعل الله فيك؟ ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾ أي سأكَلِّفُهُ ما لا يطيق، أحياناً -والعياذ بالله-توجد أمراض مزدوجة، دواء هذا المرض يزيد هذا المرض، ودواء هذا المرض يزيد هذا المرض، يقف الأطباء مكتوفي اليدين، لا يوجد حلّ، تسمعون لا شك من الناس أن هناك أمراضاً آلامها لا تحتمل، هناك حالات من الذُّل لا يحتمل، الإنسان أحياناً يُهان، أحياناً يُهان في بيته، يُهان في عمله، كان عليه الصلاة والسلام يعوذ بالله من غلبة الدَيْنِ وقَهْرِ الرجال.

﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾

[ سورة الشعراء  ]

فالإنسان حينما يُعاند الحق قد يتحَمَّل ما لا يطيق: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾ .
 

الوليد بن المغيرة وكلامه عن القرآن الكريم:


قال:

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾

[ سورة المدثر ]

طبعاً هذه الآية لها أسباب نزول ولها عموم، خصوص السبب لا يُلغي عموم القصد، عندنا قاعدة: خصوص السبب لا يلغي عموم القصد، لعلَّ هذه الآيات عن الوليد الذي فكَّر وقدَّر، قال: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾ قال بعض علماء التفسير: "هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن المغيرة الذي فكَّر في شأن النبي وفيما جاء به من القرآن"
قال: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾  معنى قدَّر أي هيأ كلاماً، قال الوليد: والله لقد سمعت منه كلاماً -دققوا فهو ذكي جداً وفصيح-قال: "والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس -أي القرآن-ولا هو من كلام الجِن، وإنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمُثمر، وإنَّ أسفله لمُغدِق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما يقوله هذا بشر" ، كأنه آمن، كأنه بقي بينه وبين الإيمان ومضة.
 

الإنسان العاقل أقرب إنسان إلى الحق:


المشكلة أن الإنسان المفكِّر العاقل هو أقرب إنسان إلى الحق، لأن عقله يعينه على ذلك، الإنسان المثقف العاقل الذكي الذي أُوتيَّ قدرة على الإدراك هذا أقرب الناس للحق، والدليل: أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أسلم سيدنا خالد قال له: "عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً؟!" لماذا تأخَّرت إلى هذا الوقت وأنت مفكِّر؟ فالوليد كان ذكياً جداً، وعاقلاً، قال: "والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمُغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما يقول هذا بشر" ، فقالت قريش: صبأ الوليد، والله إن صبأ الوليد لتصبأ قُريشٌ كُلُّها.
هو زعيم قائد، من علية القوم، نجم من النجوم، هؤلاء الكبراء الناس أتباعٌ لهم، فإذا اهتدى إلى الله إنسان كبير في مكانته، في عقله، في علمه، في شخصيَّته، في حجمه، هذا الذي يهتدي إلى الله له أتباعٌ كُثُر، فقالوا: "والله لقد صبأ الوليد ولئن صبأ الوليد لتصبأ قريشٌ كلها" .
 

الحوار الذي دار بين أبي جهل والوليد بن المغيرة:


كان يُقَال إن الوليد ريحانة قريش، أي من أوجه رجالها وقاراً وعلماً وعقلاً، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فمضى إلى الوليد حزيناً - أي يُظهر الحزن-فقال له الوليد: ما لي أراك حزيناً يا أبا جهل؟ قال له: وما لي لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقةً يعينونك بها على كبَرِ سنك، ويزعمون أنَّك زيَّنت كلام محمد ودخلت عليه وعلى ابن أبي قحافة لتنال طعاماً من فضلهما، أعوذ بالله!! فغضب الوليد وتكبَّر وقال: "أنا أحتاج إلى كسرة خبزٍ من محمد وصاحبه؟ فأنتم تعرفون قدر مالي، واللات والعُزَّى ما بي حاجةٌ إلى ذلك -أي استفزه استفزازاً رخيصاً والمعرض مهما كان ذكياً ليس بعاقل-وإنما أنتم تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنِق -هذه حالات الجنون-قالوا: لا والله
 

الاتهام الكاذب الذي وجّهه الوليد للنبي الأمين:


الآن يوجد مناقشة: 

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾

[ سورة المدثر ]

إنكم تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه قط يخنِق؟ قالوا: لا والله، قال: وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بالشعر؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كذَّاب فهل جرَّبتم عليه كذباً قط؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهَّن قط ولقد رأينا للكهنة أسجاعاً و تخارجاً فهل رأيتموه كذلك؟ قالوا: لا والله.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى الصادق الأمين من كثرة صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو إذاً؟ لا مجنون، ولا شاعر، ولا كذَّاب، ولا كاهن فمن هو إذاً؟ ففكَّر في نفسه فكَّر فكَّر فكَّر، تأمَّل لعله حكَّ رأسه ثم نَظَر، ثم عبس فقال: ما هو إلا ساحر، بالنهاية خرج منه أنه ساحر، أما رأيتموه يُفرِّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فهذا قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾ إنه فكَّر في أمر محمدٍ وأمر القرآن وقدَّر في نفسه ما يمكن أن يُقال، وقال:

﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾

[ سورة المدثر ]

أي ساحر تعلَّم السحْرَ من غيره.
 

الابتعاد عن الله أكبر خسارة تصيب الإنسان:


قال تعالى: 

﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾

[ سورة المدثر ]

أنت في اليوم تتخذ مئات القرارات، قررت أن تذهب في نزهة فلم تسر فيها، قررت أن تأكل هذا الطعام فلم يعجبك، ليست مشكلة، تتخذ ألف قرار غلط، أما يوجد قرار واحد تتخذه غلطاً يدمِّرك، ليس كل قرار مثل الثاني، في شأن للطعام والشراب، والحركة، اقتناء مركبة، شراء بيت، الإنسان يصيب ويخطئ والخطأ يُصَحَّح، أما الإنسان أحياناً فيرتكب خطأ أحياناً في جسمه أي يأخذ معالجة من دون رأي الطبيب فيُشَل، هذه غلطة كبيرة، أحياناً يتكلَّم كلمة فيفقد حريته عشر سنوات، وهي كلمة واحدة، أحياناً يشتري بضاعة غير نظامية يُحكم بضرائب تفوق كل أملاكه فيُفلِّس، فما كل خطأ خطأ، فقال: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾ ، ﴿قُتِل﴾ أي لُعن، أي أبعد نفسه عن الله، أي أكبر خسارة تصيب الإنسان أن يبتعد عن الله بعمله السيئ، أكبر خسارة ينالها إنسان أن يبتعد عن الله نظير عمله السيئ، ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾ أي لُعِنَ، وهناك تفسير آخر: أي قُهِرَ وغُلِب .
 

التفكير الأعمى يؤدي إلى الغلبة والقهر:


إخواننا الكرام؛ زوال الكون أهون على الله أن تتخذ قراراً بطاعته وتخسر، وأن تتخذ قراراً بمعصيته وتربح، هذه الأيام أمامكم، إنسان يتخذ قراراً بطاعة الله لابدَّ من أن يربح، لابدَّ من أن يرفع الله شأنه، إنسان آخر ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى، الإنسان يفكِّر في كل شيء إلا أن يكون في خندقٍ مُعادٍ للدين، حارب أي إنسان إلا أن تُحارِبَ الله ورسوله، حارب كل شيء إلا أن تحارب الدين، من هو الطرف الآخر؟ الله، يتوازى طفل رضيع مع عِملاق في الصراع مثلاً؟ لا يتوازى، يتوازى إنسان صغير مع دولة عُظمى؟ إنسان وحيد مع دولة عُظمى؟ ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾ قال بعضهم: "قُهر وغُلب" ، وقال بعضهم: "عُذِّب" ، قال: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾ ، ﴿ كَيْفَ﴾ تَعَجُّبِيَّة، أي كيف هداه تفكيره إلى هذا الحكم؟ نحن أحياناً كثيرة نرى موقف فيه حمق من إنسان ذكي نقول: كيف فكَّر؟ ما الذي خطر في ذهنه؟ كيف وقف هذا الموقف؟ توجد كيف تعجبيَّة، هذه كيف تعجبية.
 

التفكير الخاطئ عقابه اللعن:


﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)﴾

[ سورة المدثر ]

 أي لُعن لعناً بعد لعن، أخت أرادت أن تغتصب بيت أخيها، هي قوية أقوى منه، دافع ثمنه وليس معه إيصال، اشترى البيت وأخته معاً، فاستطاعت أن تأخذ الحكم لصالحها وأن تخرجه من البيت وأن تنتصر عليه، وعنده أربعة عشر ولداً وهي عزباء، بعد حين أصيبت بمرضٍ خبيث في أمعائها، في الشهر التالي ماتت، وريثها الوحيد أخوها، عاد إلى البيت مع أولاده، أنا أقول: لعنها الله ولعنتها الملائكة إلى يوم القيامة.
أحياناً الإنسان يأخذ موقفاً يلعنه اللاعنون، يلعنه من في الأرض جميعاً، هذا نوبل اخترع البارود، شعر بخطأ فاحش أنه الآن كل ما يقع في الأرض عن طريق التفجير والألغام في صحيفته، فجعل كل أملاكه جائزة لمن يقدِّم بحثاً في الإنسانية ينفعها، ومع ذلك كل هذه الجوائز لا تُكَفِّرُ ما فعله حينما اخترع هذه المواد المتَفَجِّرة، ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)﴾ أي لُعِنَ لعناً بعد لعنٍ بعد لعنٍ، أو عُوقب مرةً بعد مرة...إلخ.

﴿ ثُمَّ نَظَرَ (21)﴾

[ سورة المدثر ]

﴿ نَظَرَ﴾ أي فكَّر. بالمناسبة إياك أن تظن أن العقل لا يخطئ، العقل يرتكب أكبر الخطأ، العقل كالعين تماماً، الآن ائتِ بإنسان أعمى كلياً وإنسان بصره اثنتي عشرة على عشر، ضع الاثنين في غرفة مظلمة ألا يستويان؟ مئة بالمئة يستويان، فالعين لا قيمة لها من دون ضوء، من دون نور، والعقل لا قيمة له من دون وحيٍّ يهديه، لابدَّ من وحيٍّ يهدي العقل إلى الصواب، من دون وحي:

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)﴾

[ سورة المدثر ]

 أي قَطَّب بين عينيه.
 

الاستكبار عن الإيمان يؤدي إلى الكفر:


﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾

[ سورة المدثر ]

استكبر عن الإيمان، فقال بالنهاية صمت دهراً ونطق كفراً: 

﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾

[ سورة المدثر ]

 هذا النبي ساحر وقد أخذ السحر عن غيره، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾ أي الإنسان له أن يفكر، وأن يتأمَّل، وأن يقلِّب الأمر على وجوهه، أما أن ينتهي بنتيجة مضحكة أنه ساحر، ﴿عَبَسَ﴾ أي قطَّب بين عينيه في وجوه المؤمنين.
 

تجبر اللئيم مع الضعيف وتذلله مع القوي:


مَرَّ الوليد نفسه على جماعةٍ من أصحاب رسول الله فدعوه إلى الإسلام فعبسَّ في وجوههم: ﴿عَبَسَ وَبَسَرَ (22)﴾ أي حينما دعاه النبي عبسَّ في وجهه، حينما دعاه أصحابه عبس في وجوههم، يوجد أشخاص ـسبحان الله! للطيبين مُتَجَهِّمون، للمنحرفين منبسطون، وهذا من أشدّ حالات اللُّؤم، للشخص الطيب الطاهر المتواضع تراه مستعلياً ومستكبراً، مع إنسان آخر ذليل كالشاة أمام ذابحها، المؤمن بالعكس:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة  ]

من لؤم اللئيم أنه متجبِّر على الضعيف، متذلل أمام القوي، مع من دونه في منتهى الجبروت، ومع من فوقه في منتهى الخضوع والذل والاستكانة، أما المؤمن مع المؤمن ذليل، مع غير المؤمن عزيز.
 

السحر وتعريفه:


﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾

[ سورة المدثر ]

 ولّى وأعرض ذاهباً إلى أهله واستكبر عن أن يؤمن، أدبر عن الإيمان واستكبر حين دُعي إليه، فقال: 

﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾

[ سورة المدثر ]

 أي أخذه عن غيره، والسحر هو الخديعة، تعريف السحر: إظهار الباطل في صورة الحق. 

﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)﴾

[ سورة المدثر ]

أي ما هذا إلا كلام المخلوقين تُخدع به العقول كما تُخدع بالسحر.
 

توعد الوليد بالنار الشديدة:


الله عزّ وجل قال: 

﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)﴾

[ سورة المدثر ]

إله يقول: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)﴾ أي سأدخله جهنم كي يصلى حرَّها.

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)﴾

[ سورة المدثر ]

هذه مبالغة، أي لا تعلم ما هي سَقَر. 

لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ: آية فيها معان عدة:


1 ـ لا تترك للكافر شيئاً إلا وتحرقه:

﴿ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾

[ سورة المدثر ]

استمعوا إلى تفسير هذه الكلمة قال: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾ أي لا تترك لهم عظماً ولا لحماً ولا دماً إلا أحرقته، وقيل: لا تبقي منهم شيئاً ثمَّ يعادون خلقاً آخر، أي لا تذر أن تُعاود إحراقهم مرةً بعد مرة.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)﴾

[  سورة النساء ]

2 ـ لا تبقي من فيها حياً ولا تذره ميتاً:

قال بعض العلماء: "لا تبقي من فيها حياً ولا تذره ميتاً" وهذه أصعب حالة -لا موت ولا حياة-مات انتهى، يحيا مستريح، لا حياة ولا موت، لا تُبقي من فيها حياً ولا تذره ميتاً. 

3 ـ تحرقهم كلما تجدد جلدهم:

بعضهم قال: "تحرقهم كلما تجدد جلدهم"  

4 ـ لا تبقي لهم لحماً ولا عظماً:

قال بعضهم: "لا تبقي لهم لحماً ولا تذر لهم عظماً"
 

 لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ: آية فيها معان عدة: 


1 ـ تلوح جهنم لهم من بعيد فتسود جلودهم ويزدادون عطشاً:

﴿ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)﴾

[ سورة المدثر ]

أي تلوح لهم من بعيد، هذا معنى، ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)﴾ تغيِّر لون جلودهم، تَسودُّ جلودهم، قال بعض العلماء: "تلفح وجوههم لفحةً تدعها أشدَّ سواداً من الليل" بياض الوجه له معنى وسواده له معنى، لاحه البرد والسقم والحزن أي غيَّر لون وجهه، الإنسان أحياناً يصفر وجهه، أحياناً يسود وجهه.
 وقال بعضهم: "يشتَدُّ عطشهم" لأن اللوح شدة العطش، هذه كل معاني: ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)﴾  وتوجد قراءة لواحةً للبشر. 

2 ـ تلوح للبشر من مسافة بعيدة:

المعنى الثاني: تلوحُ للبشرية من مسيرة خمسمئة عام. 

3 ـ تلوح لهم جهنم حتى يروها رأي العين:

يوجد معنى ثالث: تلوح لهم جهنم حتى يروها عياناً وهذا يؤكِّده قوله تعالى: 

﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)﴾

[ سورة الشعراء  ]


الملائكة الموكلون بتعذيب الناس في جهنم:

 

﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾

[ سورة المدثر ]

قال: أي على سَقَر تسعة عشر من الملائكة يلقون الناس فيها، هؤلاء زبانية، ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾ .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾

[  سورة التحريم  ]

هؤلاء الملائكة التسعة عشر هم خزنتها موكَّلون بتعذيب الناس فيها وإلقائهم في لهيبها.
أيها الإخوة الكرام؛ قال بعض العلماء: نُقِل عن أحد الكفار في عهد النبي أنه قال: لا تخافوا من التسعة عشر أنا أدفَعُ بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة ومنكبي الأيسر التسعة ثمَّ تمرُّون إلى الجنة، يقولها مستهزئاً، كانوا يضحكون من المؤمنين، يقول الله عزّ وجل:

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾

[ سورة المطففين  ]

 

إدعاء الكفار بأن التدين سلوك بدائي أساسه الضعف:


الآيات اليوم: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾ يغلب على التفسير الطابع المتعلِّق بأسباب نزول هذه الآيات، لكن كما تكلَّمت في أول الدرس: لو تحررنا من خصوص السبب إلى عموم القصد، كل نظرية إلحادية الآن تنضوي تحت هذه الآية، كل دعوة إلى التفلُّت من الدين، كل تصغير لشأن الدين، كل طعن في أحقية الدين، كل محاولة لإلغاء الدين من حياة البشر، كل محاولة لإحلال الفكر العلماني مكان الفكر الديني تحت هذه الآيات: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾ يقول لك: التدَيُّن سلوك بدائي أساسه الضعف والخوف، فلما قوي الإنسان وسَخَّر الطبيعة له ليس بحاجة إلى الدين، وعلى هذا فَقِس، آلاف النظريات تُطرح لإلغاء الدين من حياة الإنسان: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
 

الوقوع في الضلالات عندما يبتعد العقل عن الوحي:


العقل حينما يتحرك بعيداً عن الوحي يقع في ضلالةٍ عمياء، العقل بحاجة إلى الوحي كما أن العين بحاجة إلى النور: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾ هذا كلام المتكلمين، المفكرين، أعداء الدين، العلمانيين، الإلحاديين، والعوام لهم كلام قريب، يقول لك: من هنا إلى يوم الله يفرجها الله، هذه نوع من أنواع الفلسفة (الفلسفة التفلتية) يقول لك: من مات ورجع قال لك ماذا صار معه؟ الله أعلم، هذا تشكيك، يقول لك أحد الشعراء الجاهليين: 

فإن كنت لا تستطيع دفع منيَّتي         فدعني أبادرها بما ملكت يدي

[ طرفة بن العبد ]

* * *

 قال له: غُب على قدر ما تقدر، انبسط، أي اكسب شبابك، هذا كله كلام أيضاً مشابه لهذا الكلام: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾ .
 

استخدام الفكر للوصول إلى الدين:


أَخْطَر تفكير أن تفكِّر في المعصية، أن تفكِّر في ترك الدين، أن تفكر في الدنيا فقط، أن تفكر أن تنغمس في الملذَّات على حساب طاعتك لله عزّ وجل، فسواءٌ فسَّرنا هذه الآيات بحسب خصوص السبب أم بحسب عموم القصد كلاهما على حق.
على كل هذا الفكر أداة إيَّاك أن تستخدمه لغير ما خُلِق، إياك أن تستخدمه لترك الدين، ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)﴾ والذين فكَّروا هذا التفكير أين هم الآن؟ نُبِشَت قبورهم بعد مئة عام وأُحرقت، الذين ناهضوا الدين، الذين ألحدوا، الذين أنكروا هذا الدين أين مصيرهم؟ إلى مزبلة التاريخ، وهؤلاء الذين ناهضوا الدين أصبحت فكرتهم سخيفة ومرفوضة، لذلك إيَّاك ثمَّ إيّاك ثمَّ إيَّاك أن تقف في خندقٍ معادٍ لدين الله لأن الطرف الثاني من هو؟ هو الله.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور