وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة الحجر - تفسير الآيات 45 – 77 المتقون.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . 

 

من اتصل بالله امتلك رؤية صحيحة يميز بها الحق من الباطل :

 

أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس السادس من سورة الحجر ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(45)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ(46)وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47)لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ(48)نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ .. ربنا سبحانه وتعالى لحكمته كلما ساق لنا وصفاً أو مشهداً من أهوال يوم القيامة ساق لنا صورة مشرقة من أحوال أهل الجنة ، فكما أن هناك صورًا مخيفة مرعبة فهناك صوراً مشرقة محببة . 

ففي الدرس الماضي ربنا سبحانه وتعالى وصف أحوال أهل النار ، وفي هذا الدرس يقول ربنا عز وجل : ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ .. من هم المتقون ؟ اتقى الشيء أي : تجنبه ، كيف تتقي الأخطار ؟ لا بدّ من نور يكشف لك الطريق حتى تتقي به الأخطار ، وهذا النور هو نور الله سبحانه وتعالى ، قال عليه الصلاة والسلام : 

(( عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم : الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ ، والصَّلاةُ نُورٌ ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ ، والصَّبْرُ ضِياءٌ ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ ، أوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها ، أوْ مُوبِقُها. ))

[ صحيح مسلم ]

إنك إذا اتصلت بالله سبحانه وتعالى قذف الله في قلبك النور ، بهذا النور تنكشف لك الحقائق ، ترى الخير خيراً والشر شراً ، الحق حقاً والباطل باطلاً ، الضر ضراً والنفع نفعاً ، المسعد مسعداً والمشقي مشقياً ، قال تعالى : 

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾

[ سورة الحج  ]

هناك البصر ، وهناك البصيرة ، فمن وهبه الله سبحانه وتعالى بصيرة فقد سعد في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : 

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة  ]

من أين تأتي الحكمة ؟ من الرؤية الصحيحة ، لماذا قال يوسف عليه السلام : 

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)  ﴾

[ سورة يوسف ]

لأنه كان يملك الرؤية الصحيحة ، من أين جاء بهذه الرؤية الصحيحة ؟ من الله سبحانه وتعالى عن طريق الصلاة : ((الصَّلاَةُ نُورٌ )) كيف يقف الإنسان في الدنيا مواقف مشرفة ؟ كيف يكون عفيفاً ؟ كيف يترفع عن المال الحرام ؟ كيف يستقيم على أمر الله ؟ كل هذا بسبب رؤيته الصحيحة ، من أين جاءت هذه الرؤية الصحيحة ؟ من النور الذي قذفه الله في قلبه ، من أين جاء هذا النور ؟ من الصلاة ، كيف اتصل بالله عز وجل ؟ لأنه استقام ، كيف استقام ؟ لأنه فكر ، تفكر تهتدي إلى أن لك رباً عظيماً ، وهذا أمره ، تستقيم على أمره ، وتعمل الصالحات تقبل عليه ، فإذا أقبلت عليه قذف الله في قلبك نوراً ، بهذا النور ترى الحق من الباطل والخير من الشر ، عندئذ تصبح متقياً ، المتقي هو الذي اهتدى بنور الله . 


 مرتبة التقوى فوق مرتبة الإيمان :


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة ]

 يا من أقبلتم على الله ارتقوا إلى درجة أعلى ألا وهي الرؤية . 

﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)  ﴾

[ سورة الأنعام  ]

﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)  ﴾

[  سورة الإسراء  ]

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي – أي انقطع عن الله عز وجل -  فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) 

[ سورة طه  ]

إذاً ... المعول عليه أن تمتلك رؤية صحيحة ، وهذه الرؤية الصحيحة تحتاج إلى نور إلهي .

 

من اهتدى بنور الله فإنه يرى الخير خيراً والشر شراً :


أيها الإخوة الأكارم ؛ كيف أن هذه العين ثمينة جداً ، ولكن ما قيمتها من دون هذا الضوء ؟ لو أنك تملك عينين براقتين حادتين من أعلى مواصفات العين ، ودخلت إلى غرفة مظلمة ما قيمتها ! كذلك الفكر ما قيمته إن لم يكن معك نور من الله عز وجل ، الفكر وحده يضل ، ويزل ، أما الفكر إذا دعمه النور الإلهي فإنه يرى الحق حقاً والباطل باطلاً ، فهؤلاء المتقون الذين تعرفوا إلى الله في الدنيا ، فكروا في ملكوت السماوات والأرض ، فكروا في خلقهم ، فكروا في طعامهم ، فكروا في شرابهم ، فكروا في خلق السماوات والأرض ، فكروا في كل شيء حولهم ، فاهتدوا إلى الله عز وجل ، طبقوا أمره ، أقبلوا عليه ، قذف الله في قلبهم النور ، بهذا النور رأوا الحق حقاً ، والباطل باطلاً ، فصاروا متقين . 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ مثلاً كيف أن المجرم حينما يقدم على قتل رجل في هذه اللحظة يكون أعمى ، لو أنه رأى أنه لا بدّ من أن يقبض عليه ، ولا بد من أن يساق إلى المشنقة ما أقدم على هذا العمل ، إذاً هو في عمى ، وعلى هذا فقس ، ما من معصية يقترفها الإنسان إلا بسبب عمىً في قلبه ، وما من طاعة يفعلها الإنسان إلا بسبب أن الله سبحانه وتعالى قذف في قلبه النور ، فمواقف الإنسان خطيرة جداً ، البشر جميعاً من بنية واحدة ، ومن طبيعة واحدة ، مفطورون على حب الكمال مفطورون على حب السلامة ، مفطورون على طلب السعادة ، ولكن الأعمى منهم يضل سواء السبيل ، والذي اهتدى بنور الله يرى الخير خيراً ، والشر شراً . 


النفس تواقة دائماً إلى التجديد :


لذلك : ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ من معاني الجنات أنها ليست جنة واحدة ، لو أن الجنة التي وعدنا الله بها جنة واحدة تمل ، ما من شيء مهما بلغ مرتبة الإتقان إلا ويمل لكن النفس تواقة إلى التجديد ، فربنا عز وجل قال : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ﴾ جنة تلو جنة ، وحالة فوق حالة ، وسعادة بعد سعادة ، هناك تطور ، وتجدد مستمر ، لولا هذا التجدد في الجنة لانقلبت الجنة جحيماً ، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ كيف أن جهنم لها سبعة أبواب ، الجنة لها عيون ، عين الماء ، ماء فرات عذب ، وأنهار من عسل مصفى لذة للشاربين ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، أنهار من أنواع متباينة ، ومختلفة ، وفوق هذا كله نظرة إلى وجه الله الكريم ، لذلك قال تعالى : 

﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)  ﴾

[ سورة الرحمن  ]

من دون هذه الحالة الراقية جنة في الدنيا وجنة في الآخرة . 

 

نعمة الأمن لا يعرفها إلا من فقدها : 


﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ .. ادخلوا الجنة بسلام ، بعضهم قال : يسلّم عليكم ، يتلقون السلام من السلام ، والسلام اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ، الله عز وجل يلقي عليهم السلام ، والسلام من أسمائه .

 وبعضهم قال : يدخلونها سالمين من كل عيب ، لو أن فيهم عيباً لجعلهم في النار ، لا يدخلون الجنة إلا إذا سلمت نفوسهم من السوء . 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

[ سورة الشعراء ]

حالة السلام التي في أنفسهم هي حالة لا توصف ، والأمن : ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ أهل الدنيا إذا حصلوا منها ما يشاؤون إن في أعماقهم قلقاً ، إن في أعماقهم وجلاً ، إن في أعماقهم خشية من أن تزول عنهم الدنيا ، من أن يموتوا ، يخافون الموت ، ويخافون زوال هذه النعم ، ويخافون أن يزحزحوا عن مكانتهم ، ويخافون أن يفقدوا هذا الدخل الكبير ، ويخافون أن تصاب زوجاتهم بأمراض وبيلة ، إن قلقاً عميقاً في نفوسهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى حينما يسمح للمؤمنين الأتقياء بدخول الجنة يدخلونها بسلام آمنين ، ونعمة الأمن لا يعرفها إلا من فقدها . 

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 

من فضل الله على المؤمنين في الجنة أنه نزع ما في قلوبهم من غلّ وحسد :


﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ﴾ .. الغل هو الحقد ، مما يعكر صفاء الدنيا المشاحنات والبغضاء والحسد والغيبة والنميمة والحقد ، هذه كلها صفات تجعل من الحياة جحيماً لا يطاق ، أما في الجنة : ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ﴾ الحقيقة أحياناً الإنسان  يسعد بنزهة ، لا لأن المكان جميل ، ولا لأن الطعام جيد ، ولكن لأن الذين معه محبّون ، الإنسان يسعد بصفاء إخوانه ، وطيب طويتهم ومحبتهم ، فمن فضل الله على المؤمنين في الجنة أن الجنة إضافة إلى ما فيها من عيون وجنات من تحتها الأنهار ، ومن متع فيها لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، إضافة إلى كل ذلك هؤلاء الذين هم في الجنة نزع الله ما في قلوبهم من غل ، لا حسد ولا غيرة ، ولا حقد ولا شحناء ، ولا استعلاء ولا ترفع ، ولا بغضاء ، ولا اتهام ، ولا ازورار ، كل هذه الأمراض التي يعاني الناس منها في الدنيا ، إن أهل الجنة في الجنة مبرؤون منها ، ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ﴾ حتى إنك إذا سعدت في الدنيا فبسبب أن الذين من حولك يحبونك وتحبهم ، ويثقون بك وتثق بهم ، ويؤثرونك على أنفسهم وتؤثرهم على نفسك ، هذا من أبرز أسباب السعادة في الدنيا ، أما في الآخرة فهذه محققة تحقيقاً كاملاً . 

 

المؤمنون في الجنة يحتلون مراتب متساوية :


﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ﴾ الغل هو الحقد والحسد والبغضاء والشحناء ، ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ في الدنيا هناك مراتب ، قد يكون هذا أعلى من هذا ، إن فرق المرتبة تسيء للصغير ، وتعطي الكبير حجماً فوق حجمه ، لكن المؤمنين في الجنة يحتلون مناصب أو مراتب متساوية ، أحوالهم في داخلهم ، مراتبهم في إقبالهم ، وإقبالهم في جنة عن الآخرين ، أما هم ﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾  حتى إن بعض المفسرين قال : لا يرى بعضهم ظهور بعضهم الآخر ، دائماً متقابلين ، هذا الوجه المقبل ، الوجه المشرق ، الوجه المنير هو الذي يواجه الأخ في الجنة﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾

 

أنواع التعب منفي عن أهل الجنة :


﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ﴾ .. ليس هناك تعب ، أي أنواع التعب منفي عن أهل الجنة ، في الدنيا لو أن الإنسان حقق نجاحاً في الدنيا قد يقول : والله بذلت جهداً كبيراً ، ها أنا أسهر طوال الليل على إجراء الحسابات ، لا بدّ من بذل الجهد حتى مع النجاح في الدنيا ، لا بدّ من النصب ، لا بدّ من التعب ، هكذا طبيعة الحياة الدنيا ، لكن الجنة لا نصب فيها ولا تعب ، ﴿ لَا يَمَسُّهُمْ ﴾ أي حتى أبسط أنواع المس ملغي في الجنة . 

 

الجنة ليست بالتمني ولكنها بالعمل ورحمة الله في وقت واحد :


﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ .. أبداً ، عندما يكون الإنسان في مكان جميل فإنه يقلق حين تركه ، أما أهل الجنة إذا دخلوا الجنة ما هم منها بمخرجين ، هذه طمأنينة ما بعدها طمأنينة . 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)  ﴾

[ سورة الإنسان  ]

 الله عز وجل سمّى الجنة التي ينالها الإنسان ملكاً كبيراً ، بفضل طاعته لله في الدنيا ، دفع ثمن الجنة ، استقامته في الدنيا ، وعمله الطيب هو ثمن الجنة ، لذلك طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب . 

 من الذنوب أن تطلب الجنة من غير عمل ، والمسلمون اليوم يتمنونها بالأمل ، والله سبحانه وتعالى يقول : 

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾

[ سورة النساء ]


ليست الجنة بالتمني ولكنها بالعمل : 


﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) ﴾

[ سورة النحل  ]

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[  سورة الحجر  ]

لكن لا ينبغي لكم أن تفهموا من كلامي هذا أن الجنة ليست برحمة الله ، إنها بالعمل وبرحمة الله في وقت واحد ، فالتوفيق بين المعنيين بسيط ، أي إذا وعد الأب ابنه أن يشتري له دراجة ثمينة إذا نجح بدرجة أولى ، إن مجرد النجاح لا يكفي للحصول على دراجة ، لو أن هذا الابن أمسك جلاءه ، وتوجه إلى بائع الدراجات هل يعطيه البائع دراجة لأنه نجح ؟ لا بدّ من أن يدفع الأب الثمن ، فهذه الدراجة باجتهاد الابن وبفضل الأب ، والمعنيان لا يتناقضان ، فإذا قلت في بعض الدروس : ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ، لا ينقض هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : 

(( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ  ؟ قَالَ : لَا ، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ. ))

[ صحيح البخاري ]

أي ادخلوا الجنة بفضل الله ، واقتسموها بأعمالكم ، العمل والفضل يتكاملان ، ولا ينقض أحدهما الآخر ، إذاً : ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ(46)وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ ..  يستنبط من هذه الآية أن سرّ سعادة المؤمنين في الدنيا أنهم إخوان ، هناك أخوة بينهم ، هناك محبة ، هناك تفان ، هناك إخلاص ، هناك تضحية ، هناك مودة ، الإنسان قد يواجه متاعب الحياة كلها عن طريق مودته مع إخوانه المؤمنين ، وقد تقسو الحياة على أحدهم ولو وجد في بحبوحة ولكن وحيداً مشرداً طريداً ، لا يعرف قيمة الأخوة بالله إلا من ترك إخوانه المؤمنين ، وسافر إلى بلد بعيد ، يحس بوحشة ما بعدها وحشة ، يحس أن أثمن ما في الدنيا أخ في الله يمحضك المحبة والمودة .

 

الله تعالى غفور رحيم يتجلى على قلوب عباده المتقين فيذوقوا طعم القرب :


ثم يقول الله عز وجل : ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾. . الحقيقة الغفور الرحيم اسمان من أسماء الله سبحانه وتعالى ، الله سبحانه وتعالى هو الذي يشفي النفس من أمراضها ، فإذا كان الإنسان يعاني من أمراض نفسية يقول لك : أنا أحقد ، أنا أحس أني فوق الناس ، أنا أحب كل شيء لنفسي ، هذه الأمراض الحسد ، الغيرة ، الاستعلاء ، الكبر ، الأنانية ، هذه الأمراض لو أقبلت على ربك لشفاك الله منها فهو الغفور يغفرها لك ، أي يشفيك منها شفاءً أصيلاً . 

 أما الرحيم فيتجلى عليك بأنواره فتغدو من أسعد الناس ، لا بدّ من أن تقول إذا كنت مؤمناً حقاً : أنا أسعد الناس إلا أن يكون الآخرون أتقى مني ، فإن لم يكونوا أتقى مني فأنا أسعد الناس جميعاً ، ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ .. هذه النفس إذا بعدت عن ربها تمتلئ شهوات خبيثة ، تمتلئ أمراضاً وبيلة ، لو أنك اطلعت على إنسان مقطوع عن الله هذا إنسان مريض ، حقده مرض ، استعلاؤه مرض ، حسده مرض ، كبره مرض ، قسوة قلبه مرض ، لؤمه مرض ، شحه مرض ، بخله مرض ، جبنه مرض ، نفاقه مرض ، هذه كلها أعراض الإعراض ، إذا أقبلت على الله غفر لك هذه الأمراض ، أي شفاك منها ، وإذا أعرضت عنه ظهرت أمراض ما بعدها أمراض ، لذلك لو كان المرء ذكياً ، لو كان محصلاً ، لو كان مثقفاً ثقافة عالية ، لو كان في بحبوحة إذا حاككته ترى البخل ، ترى الشح ، ترى الأثرة ، ترى الأنانية ، ترى الاستعلاء ، ترى الكبر ، ترى القسوة ، فإذا أقبل الإنسان على الله عز وجل طهره من كل هذه الأمراض، ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ أقبل تر ، أقبل تطهر ، أقبل تسعد : 

إلى متى وأنت باللذات مشغول       وأنت عن كل ما قدمت مسؤول 

***

﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ أنا الرحيم ، أتجلى على قلوب عبادي المتقين فيذوقوا طعم القرب ، ومن ذاق طعم القرب عرف ، والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف ، والسعادة تتناسب طرداً مع إقبالك على الله ، وإقبالك على الله يتناسب طرداً مع استقامتك وعملك الصالح ، واستقامتك وعملك تتناسبان طرداً مع معرفتك ، اعرف طبق أقبل تسعد. 

﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ أي كل هذه الأحوال السيئة ، أحياناً الإنسان متشائم ، يعيش بوحشة ، سوداوي المزاج ، يرى الشر في كل شيء ، يرى الدنيا مظلمة ، يرى المستقبل مغلقاً بسبب البعد عن الله عز وجل ، لو أنه عرف الله لما تشاءم ، لو أنه عرف الله ما كان سوداوي المزاج ، ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ أغفر لهم ذنوبهم أي أشفيهم منها ، وأرحمهم أي أتجلى عليهم فيسعدوا ، وإذا تجلى الله على الإنسان اصطبغ بصبغته ،  فكما أن الله عز وجل من أسمائه الرحيم لا بدّ للذي يقبل عليه من أن يشتق شيئاً من هذه الرحمة ، علامة المصلي رحيم ، إذا أقبلت على الكريم لا بدّ من أن تكون كريماً ، إذا أقبلت على الحليم لا بدّ من أن تكون حليماً ، إذا أقبلت على اللطيف لا بدّ من أن تكون لطيفاً ، إذا أقبلت على العدل لا بدّ من أن تكون عدلاً ، أبداً ، فلذلك الإيمان ليس بهذه الصلاة والصيام ، ولكن بهذا الخلق الرفيع الذي يشتقه المصلي من جناب الله سبحانه وتعالى . 

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

الصلاة تنهى ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :

(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً . ))

[ ضعيف الجامع: حكم المحدث : ضعيف  ]

الصلاة في جوهرها تطهر النفس من أدرانها ، وتزكيها إلى خالقها .

 

الله سبحانه وتعالى إما أن تأتيه في سلام أو يأتي بك قسراً :


ولكن يا ترى هذا الرب الكريم الغفور الرحيم ماذا يفعل بعباده المعرضين الذين ابتعدوا عن جادة الصواب ، الذين أداروا ظهورهم لهذا القرآن الكريم ، الذين نبذوه وراء ظهورهم ، الذين سخروا من دين الله سبحانه وتعالى ، الذين قصروا ، الذين اقترفوا المعاصي ، ماذا يفعل الله بهم ؟ قال تعالى : ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ إما أن تأتيني طوعاً فأغفر لك ذنوبك ، وأطهرك ، وأتجلى على قلبك ، وأسعدك ، وإما لا بدّ من أن أحملك على أن تأتيني ، إما أن تأتيني في سلام ، وإما أن تأتيني بعد العذاب الأليم ، إما أن تأتيني وأنت معافى ، وإما أن تأتيني بعد المصيبة الأليمة ، ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ لكنك أيها العبد إن لم تأتِه طواعية ، إن لم تأتهِ من تلقاء نفسك ، إن لم تأتهِ مبادرة منك ، إن لم تأتهِ كذلك حملك على أن تأتيهِ ، ﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ أي ممكن أن يساق للإنسان مرض عضال يجعله يتوب توبة نصوحاً ، ممكن أن يفقد الإنسان ماله الحرام فيحمله على التوبة ، ممكن أن يقذف الله في قلبه الخوف فلا ينام الليل ، ممكن أن يصيبه بأعز أولاده ، إن لم تأته طوعاً أتيته كرهاً ، إن لم تأته تلقائياً أتيته فسراً . 

﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ أيها الإخوة الأكارم ، والله الذي لا إله إلا هو إن الله عز وجل عنده من الأدوية ما لا يعد ولا يحصى ، تقول : مليون دواء ، مليون مليون ، مليار  مليار مليون ، أي هو كل شيء بيده ، ممكن جهاز بأجهزتك يتعطل ليس له حل ، يمكن حياتك الزوجية أن تفسد ، علاقتك مع رؤسائك تسوء ، دخلك يقل إلى درجة دون الخط الأحمر كما يقولون ، كل شيء بيده ، جسمك بيده ، أجهزتك كلها بيده ، قلبك بيده ، الشرايين بيده ، الدسامات بيده ، المعدة والأمعاء والكبد والشرايين والأوردة والعظام والعضلات والسمع والبصر والأذن والنطق واللسان والدماغ ، إذا تعطل شيء في الدماغ ، وبينما أنت تمشي في الطريق تفقد توازنك صار عندك تخريش بالدماغ ، تحذر من أن تمسك بآلة لأنه لو جاءتك هذه النوبة والآلة في يدك قتلت نفسك ، هناك أمراض وبيلة ، أمراض تصيب الدماغ ، تصيب القلب والشرايين ، العضلات والرئتين ، الأجهزة جهاز الهضم ، أمراض تصيب من حولك ، وأنت عنهم مسؤول .

بالعمل ، بعلاقتك بمن فوقك ، بمن دونك ، فالله عز وجل أدويته ناجعة وفعالة ، ولا يوجد عنده فقط دواء الدواء دائم متوافر ، وعندما الإنسان ينحرف يأتيه الدواء من الله عز وجل ، ﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ هكذا معنى الآية ، أي عذاب الله عز وجل عذاب أليم بمثابة الدواء لمن أعرض عن الله عز وجل . 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾

[  سورة طه  ]

 

قصص تؤكد أن الله غفور رحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم :


﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ .. الآن ربنا عز وجل سوف يورد لنا مجموعة من القصص ، كل هذه القصص تؤكد أنه غفور رحيم ، وأن عذابه هو العذاب الأليم . ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ(51)إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ﴾ .. طبعاً هذه القصة وردت في أماكن أخرى ، في سورة هود وردت بالتفصيل ، دخلوا عليه فقدم لهم طعاماً فلم يأكلوا ، لما امتنعوا عن الأكل وجل منهم ، وخاف ، ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ﴾ أي خائفون ، لماذا لم تأكلوا ؟ قالوا : ﴿ قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ سيدنا إبراهيم بلغ من الكبر عتياً ، بلغ سناً في المألوف والعادة لا ينجب فيها الأولاد ، وبلغت امرأته سناً لا تنجب فيها الأولاد ، ومع ذلك بشروه بغلام عليم ، هو يتعجب قال : ﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ هذا استفهام مع تعجب ، أي كيف يكون ذلك ؟ أنا تجاوزت السن التي أنجب فيها الأولاد وامرأتي كذلك فكيف تبشرونني بغلام عليم ؟ ﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(54)قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ ﴾ أي ربنا عز وجل الذي خلق الأجهزة التناسلية في الإنسان هو الذي جعل لها حداً ، هو نفسه قادر على أن يرفع لها هذا السقف ، أي ربنا عز وجل وضع في مبيض المرأة عدداً محدوداً من البيوض ، كل شهر تنطلق بيضة من المبيض وتشكل الدورة الشهرية إلى أن يأتي سن اليأس تنقطع الدورة ، ما معنى انقطاع الدورة ؟ أن هذه البيوض التي في مبيض المرأة قد انتهت ، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى ، لو أن للمرأة بيوضاً تتوالد كالرجل تماماً إذاً إنها تنجب في أي سن ، تصور امرأة في سن التاسعة والتسعين حاملاً ، شيء صعب ، تريد أن ترضع وعندها مخاض وطلق شيء فوق التصور ، لكن ربنا عز وجل لحكمة بالغة ورحمة منه بالأمهات جعل في مبيض المرأة عدداً محدوداً من البيوض ، هذا العدد يستهلك يستهلك ، في سن معينة ؛ تسع وثلاثون ، اثنتان وأربعون ، ثمان وثلاثون ، ثلاث وأربعون تنتهي البيوض ، يقال : إن المرأة وصلت إلى سن اليأس ، أي البيوض انتهت ، الذي خلق هذه البيوض قادر أن يخلق مزيداً منها في أي سن ، فبالعقل القضية سهلة ، ممكن عقلاً ، الذي صمم هذا التصميم يغير هذا التصميم ، الذي رسم هذه الخطة يعدلها : ﴿ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ ﴾ قال سيدنا إبراهيم هذه والله آية لو عقلناها لسعدنا ، قال سيدنا إبراهيم : ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ ..وأنا أقول لكم هذا الكلام : أي إنسان يقول لك : الأمور صعبة ، نحن مقبلون على أزمات ، طبعاً العالم كله مقبل على كساد ، مقبل على ارتفاع أسعار ، مقبل على تضخم نقدي ، هذا كلام ، الله عز وجل يخلق من الضعف قوة ، ومن الضيق فرجاً. 

 وربنا عز وجل قال في آية دقيقة : 

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)  ﴾

[ سورة الطلاق  ]

كلمة( مخرجاً ) معناها كان الأمر مغلقاً ، إذا كان هناك أبواب مفتحة تقول : أين المخرج ؟ متى تصيح : أين المخرج ؟ إذا كانت الأبواب كلها مغلقة ، فربنا عز وجل لحكمة بالغة أحياناً يغلق لك الأبواب كلها ، من أجل ماذا ؟ من أجل أن تفتح باب السماء ، أنت أرضي ، نزعتك أرضية ، هناك شرك خفي يغلق هذا الباب ، هذا الباب ، إلى أن تقول : الأبواب كلها مغلقة ، عندئذ تنظر إلى السماء تقول : يا رب ، ليس إلا أنت .

أساساً يروى أن رجلاً راود امرأة عن نفسها ، وغلّق الأبواب ، فقالت له كلمة جعلته يخر مغشياً عليه ، قالت له :  إن هناك باباً لا تستطيع أن تغلقه ، إنه باب السماء ، الله مطلع عليك .

فربنا عز وجل حباً بنا يغلق الأبواب الأرضية كلها في وجوهنا من أجل ماذا ؟ من أجل أن نفتح بأيدينا باب السماء ، من أجل أن نصطلح معه ، أي لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، إن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخط والنقمة . 

﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ مغلق ، كلمة ( مخرجاً ) تعني أن هناك شيئًا مغلقًا ، كلها مسدودة ، الآمال كلها معدومة ، إلى أن تقول : يا رب ، فيقول لك الله : لبيك يا عبدي ، لذلك إذا رجع العبد إلى الله عز وجل نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .

أيها الإخوة الأكارم ؛ والله الذي لا إله إلا هو لو كان الصلح مع الله على مستوى أيّ واحد منكم لو أنه اصطلح مع الله تماماً ، تخلى عن كل المخالفات والتقصيرات والمعاصي ، وأخلص قلبه لله لحلت كل مشكلاته الأرضية لقوله تعالى : 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾

[ سورة النساء ]

لمصلحة من يعذبك الله عز وجل ؟ لا لمصلحة أحد إذا كنت على أمره مستقيماً ، ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من حيث لا يحتسب . 

ورب نازلة يضيق بها الفتـــــى        ذرعاً وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها        فرجت وكان يظنها لا تــفرج

***

كن عن همومك معرضاً          وكِلِ الأمور إلى القضــــــا

وابشر بخير عاجــــــــــــــل          تنسَ به ما قد مـضــــــــى

فـــــــــلرب أمـــــر مسخـــــط          لك في عواقبــــــه رضـــــــا

ولربما ضاق المضيــــــــق          ولربما اتسع الفضــــــــــــا

اللــــه يفعــــل ما يشــــــــاء          فلا تـــــــــــكن معـــترضـــــا

الله عــــــــــودك الجمـــيــــــل         فقس على ما قد مضـى

***

 ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ(56)قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾ .. ما مهمتكم ؟ ما شأنكم ؟ ﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ﴾ لنهلكهم ، لندمرهم عن آخرهم  ﴿ إِلَّا آلَ لُوطٍ ﴾ هؤلاء المؤمنون سيدنا لوط ومن حوله من أتباعه الذين آمنوا معه ، واستقاموا على أمر ربهم هؤلاء مستثنون من هذا البلاء ، وهذه عقيدة أصيلة ينبغي أن تعتقد أن الله سبحانه وتعالى إذا أرسل بلاء عاماً ، وكنت أنت مستقيماً على أمره ينبغي أن تثق بأنه سوف ينجيك من هذا البلاء :

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)  ﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ قاعدة مطردة ، مبدأ ثابت ، الله عز وجل ينجي المؤمنين من كل كرب :

كن مـع الله ترّ الله معك واتـرك الكل وحاذر طمعـــــك

وإذا أعطـاك من يمنعـــه ثم من يعطـي إذا ما منعك؟

***

هذه الآيات القرآنية التي تأخذ شكل قواعد ثابتة وعامة ، هذه الآيات مطبقة في كل مكان وزمان ، أي مجتمع فيه اختناقات ، فيه أزمات . 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

وعد إلهي ، هذا الوعد الإلهي يعطل ؟ يلغى ؟ يؤجل ؟ يبطل ؟ مستحيل ، الوعد الإلهي محقق في كل مكان على وجه الأرض ، كن في أي مكان شئت لا بدّ من تنفيذ وعد الله.

﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ تشح السماء بالأمطار ، سنة تلو سنة ، تنشأ نظريات مضحكة، هناك تصحر ، هناك انتقال لخطوط المطر ، أين هذا التعديل لنظرية الأمطار  ؟ كلها تلاشت .

 

تدمير قوم لوط عن آخرهم إلا آل لوط لأنهم عرفوا ربهم واستقاموا على أمره :


 ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(58)إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ(59)إِلَّا امْرَأَتَهُ ﴾ أي قوم لوط سيدمرون عن آخرهم ، إلا آل لوط ، لأنهم عرفوا ربهم ، واستقاموا على أمره ، ﴿ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ(59)إِلَّا ﴾ استثناء مركب ، لك عندي عشرة دراهم إلا ثلاثة دراهم ، إلا درهماً ، كم لك عندي ؟ لك عندي ثمانية دراهم ، لأن الاستثناء الثالث من الثاني ، فامرأة لوط مدمرة مع قومها لماذا ؟ أعمال هؤلاء أي أعمال الفاحشة الشاذة ، فما علاقة امرأة لوط إنها لا ترضى هذا العمل بحكمها امرأة ؟ قال : لأنها تعاطفت مع قومها ، ودافعت عنهم ، وأحبتهم ، لذلك عن جابر بن عبد الله : 

(( كلُّ نَفْسٍ تُحْشَرُ على هَوَاها ، فمَن هَوِىَ الكفرةَ فهو مع الكفرةِ ، ولا يَنْفَعُهُ من عملِه شيئًا. ))

[ ضعيف الجامع : خلاصة حكم المحدث : ضعيف ]

((  عن جَريرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: مَن أقامَ معَ المُشرِكينَ فقد بَرِئَتْ مِنه الذِّمَّةُ؟ ))

[ أبو حاتم الرازي : علل ابن أبي حاتم: خلاصة حكم المحدث : الكوفيُّونَ -سِوى حجَّاجٍ- لا يُسنِدونَه، ومُرسَلٌ أَشبَهُ. ]

إذا كان قلبك معلقًا بالكفار ، هاوياً لهم ، مشيداً بإنجازاتهم ، متعلقاً باختراعاتهم ، تراهم أناساً يستحقون الحياة ، إذا كان هذا حالك فهذا حال خطير ، انظر إلى انحطاطهم الخلقي ، انظر إلى انتشار الفحش عندهم ، إلى تبادل الزوجات فيما بينهم ، انظر إلى الخمور ، إلى المخدرات ، إلى تفسخ العلاقات الاجتماعية ، إلى انهيار الأسرة ، انظر إلى الوجه الآخر من الصورة ، لا تكتف بالأبنية الشاهقة والمترو والمواصلات والمعامل والبضائع والسيارات ، انظر إلى شيء آخر ، انظر إلى الوجه الآخر من الصورة . 

لذلك امرأة لوط استحقت الهلاك ، لا لأنها تفعل فعل قوم لوط ، إنها امرأة ، هذا يتناقض مع طبيعتها ، بل لأنها أحبت قومها ، ودافعت عنهم ، وهويتهم ، ووالتهم ، وانتمت إليهم ، استحقت الهلاك معهم ، ﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ ﴾ معنى الغابرين أي أصابها غبار قومها ، تقول : هذا شيء غابر ، أي قديم ، من أين جاء هذا المعنى ؟ جاء هذا المعنى من أن الشيء القديم يعلوه الغبار ، فإذا رأيت شيئاً تعلوه الغبار فهذا شيء قديم . 

 المعنى المستنبط من هذه الآية أن محبتها لقومها جعلتها تصاب بغبارهم ،﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ ﴾ أي أصابها غبار قومها لمحبتها لهم .

﴿ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ(61)قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾ معنى منكرون أي ما عرفنا من أنتم ، لأنهم لم يأكلوا ما عرف هويتهم ، ﴿ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾  نحن أتينا لنحقق الوعيد الإلهي الذي وعدهم به ، وكانوا منه يضحكون ، والآن تعد المرابي بهلاك ماله يضحك ، يسخر من هذا الوعيد ، حينما يأتي هلاك المال يعرف أن الله حق ، ﴿ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ ، هذا الوعيد الذي أوعدتهم به على لسان الله سبحانه وتعالى كانوا به مستهزئين ، كانوا به ممترين .  

﴿ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ ﴾ .. سر بهم بعض الليل ، سر وراءهم ، احفظهم ، لاحظهم ، ولا تدع أحداً يفوتك منهم ، ﴿ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ﴾ إياكم أن تلتفتوا إلى أرضكم إنها سوف تدمر عن قريب ، ﴿ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ﴾ الله عز وجل أطلعه على أن قوم لوط سوف يهلكون عن آخرهم مصبحين ، مع أول خيوط الفجر ، عندما أقرأ مقالات عن تدمير هيروشيما مثلاً شيء مذهل ، مدينة مطمئنة ساكنة لمع في السماء ضوء شديد فقضى على ثلاثمئة ألف شخص في ثماني ثوان ٍ كذلك ﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾.

 

الطريق القذر الذي كان يسلكه قوم لوط عليه السلام :


﴿ وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ .. تروي كتب التفسير أن امرأة لوط حينما رأت الملائكة على شكل شبان جميلي الصورة ، ممشوقي القوام ، أرسلت إلى قومها تدعوهم إليهم ، ﴿ وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ – أن هناك صيداً ثميناً - (67)قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ﴾ جاؤوهم ليفترسوهم . 

 قال : ﴿هَؤُلَاءِ ضَيْفِي – الضيف مقدس- فَلَا تَفْضَحُونِ(68)وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي(69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ الْعَالَمِينَ ﴾   ألم نحذرك أنه يجب ألا تحول بيننا وبين ما نريد ، ﴿ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ الحقيقة هناك أشخاص أساؤوا فهم هذه الآية ، لا يعقل لنبي كريم أن يقدم بناته ليفجر بهن أناس فجار فسقة ، هذا شيء مستحيل لا يليق بالأنبياء ، لكن العلماء حملوا هذه الآية على أن هناك بديلاً مشروعاً ، أي من أراد هذه الشهوة من طريق منحرف فهذا عمل إجرامي ، هناك طريق مشروع ، طريق الزواج ، الخالق الذي أودع في الرجال هذه الشهوة جعل لها طريقاً نظيفاً ، الزوجة ، أما هم يريدون طريقاً آخر طريقاً قذراً منحطاً مخجلاً ، ﴿ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ﴾ بمعنى أن المرأة هي الطريق المشروع لتحقيق هذه الشهوة ، أي الزواج ، وبعضهم يقول : ﴿ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ﴾ النبي الكريم يحس أن كل النساء الفتيات في مجتمعه بمثابة بناته ، أي توبوا إلى الله ، واستقيموا على أمره ، ثم تزوجوا من النساء الطيبات المؤمنات ، هذا كلامه ، إما أن البنات حملت على معنى أن كل فتيات قوم لوط هن بمنزلة بنات هذا النبي الكريم ، أو بمعنى أن بناته كناية عن أن المرأة الزوجة هي الطريق المشروع لتحقيق هذه الشهوة أما هذا طريق منحرف ، ﴿ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ .

 

قسم الله عز وجل بعمر النبي إشارة إلى أنه سيد الخلق :


عندئذ جاء القسم الوحيد في القرآن الكريم قال الله عز وجل : ﴿ لَعَمْرُكَ – يا محمد - إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ .

خالق السماوات والأرض يقسم بعمر النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا العمر الثمين الذي ما ضيع منه ثانية واحدة ، انظروا إلى أعمارنا هناك أعمار تافهة ، هناك أوقات طويلة يمضيها الناس في اللهو ، في كلام لا طائل منه ، في سفاسف الأمور ، قال عليه الصلاة والسلام : عن الحسين بن علي بن أبي طالب: 

(( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ  ، و أَشرافَها  ، و يَكرَهُ سَفْسافَها . ))

[ صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

العلماء قالوا : ما من مخلوق ، ما من نبي في القرآن كله أقسم الله بعمره إلا النبي عليه الصلاة والسلام ، من هنا استنبط بعضهم أن هذه إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق وحبيب الحق . 

﴿ لَعَمْرُكَ ﴾ الواحد منا ألا يغار ؟ هذا العمر كيف تمضيه ؟ هل تسهر إلى الساعة الثانية في الليل تلعب النرد ؟ هذا العمر الثمين ! لا والله ، هل تمضي أياماً طويلة في مشاحنات لا طائل منها ؟ هل تدخل مع مسلم القضاء لتمضي ثماني سنوات في الخصام السخيف من أجل أن تمرغ أنفه في التراب ؟ أهذا هو الإسلام ! أهذا هو العمر الثمين ! هل تقرأ قصة لا طائل منها ؟ هل تقرأ كتاباً لا يقدم ولا يؤخر ؟ اقرأ عن تاريخ أصحاب رسول الله ، هناك كتب غير مجدية..

﴿ لَعَمْرُكَ – يا محمد - إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾. .  لو أنك رأيت إنساناً مندفعاً بدراجة في طريق منحدر شديد ، وفي نهاية الطريق حفرة سحيقة مليئة بالوحوش ، هل تقول : هنيئاً له على هذا الاندفاع ؟ تقول : الويل له ، ﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ هؤلاء العصاة ، هؤلاء المجرمون ، هؤلاء المنحرفون ، هؤلاء المقصرون ،هؤلاء الزناة ، هؤلاء المرابون ، هؤلاء شاربو الخمر ﴿ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ أمامهم يوم تشيب لهوله سود النواصي ، أمامهم يوم تشيب لهوله الولدان ، البطولة أن تصل إلى هذا اليوم وأنت معافى . 

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)  ﴾

[  سورة آل عمران  ]

والله إنه كلام يؤثر في الإنسان ، هذا العمر كيف تمضيه ؟ لك صلاتك ، لك وردك ، لك ذكرك ، لك قراءة القرآن ، هل تمضي وقتاً في معرفة الله ؟ هل تفكر في آيات الله ؟ هل تدعو إلى الهك ؟ ماذا تعمل ؟ نخوض ونلعب كما يخوض الناس ويلعبون ؟ 

 

من يفعل فعل قوم لوط فعليه أن يعاقب بطريقتهم :


﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72)فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ(73)فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ .

 لا تقل : هذه قصص ما سمعناها ، تسمعها كل يوم ، ثار بركان واندفع بكولومبيا ، مات خمسة وثلاثون ألف إنسانٍ في ليلة واحدة ، ثار البركان ، وذابت معه الثلوج ، تشكلت الفيضانات ، والحمم تتساقط من أعلى ، إما أن يموت المرء غرقاً أو حرقاً ، بين الحين والحين نسمع أخبار الفيضانات والبراكين والزلازل والصواعق وما شابه ذلك ، وربنا عز وجل قال : ﴿ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ(73)فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ .. لذلك الفقهاء استنبطوا أن الذي يفعل فعل قوم لوط يجب أن يقتل بهذه الطريقة ، لذلك في كتب الفقه كلها حكم مشابه لهذا ، الذي يفعل فعل قوم لوط يلقى به من شاهق ، أو يلقى فوقه الحجارة كما جاء في هذه الآية ، ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ الذين يبحثون عن الحق ، يتوسمون الحق ، هذه آيات دالة على الحق ﴿ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ(76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ(77)وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ﴾   ، وأصحاب الأيكة نتحدث عنهم في الدرس القادم إن شاء الله تعالى .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور