- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (015)سورة الحجر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من معاني قوله تعالى : وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ :
1 ـ الإهلاك مقدر بزمن معلوم من قِبل الله عز وجل :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثاني من سورة الحجر ، بسم الله الرحمن الرحيم وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
المعنى الأول لهذه الآية أن هذا الإهلاك مقدر بزمن معلوم من قِبل الله عز وجل ، وأن هذا التقدير له أساس ، الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحكيم ، ومن أسمائه العليم ، ومن أسمائه السميع البصير ، ومن أسمائه القوي ، فهذا الأجل الذي أجلها الله إليه بتقدير عزيز عليم ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ ، و ما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه ، وما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه . ))
كل شيء بقضاء وقدر ، والإيمان بالقضاء والقدر يذهب الهمّ والحزن .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ . احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ ، فلا تَقُلْ : لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ))
هذا هو المعنى الأول ، أي إن هذا الإهلاك لم يكن صدفة ، لم يكن مرتجلاً ، لم يكن من غير حكمة ، لم يكن من غير علم ، لم يكن اعتباطاً ، لم يكن تعسفاً ، إنما هو إهلاك بتقدير عزيز عليم ، في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، وللأسباب المناسبة ،
2 ـ لكل إنسان كتاب فيه عمله :
المعنى الثاني : كيف أن لكل إنسان أو لكل موظف في الذاتية إضبارة فيها حسناته وسيئاته ، إنجازاته وعقوباته ومكافآته ، كل حركة ، كل سكنة ، كل عمل طيب ، كل عمل سيئ ، كل شيء يقوله ، كل شيء يفعله مسطر في هذا الكتاب ، يؤيد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) ﴾
وقال :
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ - والمقصود به كتاب الأعمال - لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) ﴾
أي هذه القرية إن كانت تتعامل بالربا ، إن كانت تستبيح المحرمات ، إن كان الفقير فيها مظلوماً ، إن كان الغني فيها بخيلاً ، إن كان الأمير فيها قاسياً ، هذه القرية إن كان كسبها حراماً ، إن أباحت المنكرات ، إن فعلت الفواحش ، اضطهد الفقير ، استعلى الغني ، هذه القرية لها عندنا كتاب معلوم ، أعمالها ، انحرافاتها ، تقصيراتها ، معاصيها ، تجاوزاتها ، طغيانها ، كل هذا في الكتاب المعلوم ،
أي هذه القرية ، أو هذا المجمع السكاني ، هذا الحي ، هذه البلدة ، هذه المدينة ، هذه لها عند الله كتاب معلوم ، يتقرر إهلاكها في ضوء هذا الكتاب ، تستحق الهلاك في ضوء معطيات هذا الكتاب ، في ضوء ما سطر عليها في هذا الكتاب.
الإهلاك إذاً ليس اعتباطياً ، ولا عشوائياً ، ولا صدفة ، ولا مزاجياً ، ولا مرتجلاً ، إنما إهلاك من تقدير عزيز عليم .
3 ـ لكل أمة أجل ووقت مسمّى :
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) ﴾
للإهلاك قانون عند الله عز وجل :
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) ﴾
أخرجنا هذا البيت ، وأهلكنا الباقين .
الله تعالى لا يهلك قرية إلا بعد أن يستنفذ كل وسائل الهداية :
إذاً يمكن أن نستنبط من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى لا يهلك قرية إلا بعد أن يستنفذ كل وسائل الهداية ، حينما ترد الحق ، حينما تضطهد الحق ، حينما يضطهد الفقير ، حينما يستعلي القوي ، حينما تنتهك الحرمات ، حينما يأكل القوي الضعيف ، حينما تفجر فإنها تستحق الهلاك .
﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)﴾
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)﴾
اتهام كفار قريش النبي الكريم بالجنون :
لذلك وقد يقع الإنسان في حيرة ، كيف يكون المؤمن أبلهَ وهو الكيس الفطن الحذر ؟ كيف ؟ لا بدّ أن يكون أبلهَ في نظر الناس ، إذا أتيح لإنسان أن يأخذ مليوناً من الليرات بحركة بسيطة ، بملاحظة يكتبها ، بغض بصر يغضه عن شيء ما ، فإذا ترفع ورفض ، ورضي بدخله اليسير ، مؤثراً هذا الدخل اليسير على هذا المال الوفير ، لأنه من حرام ، إن هذا الإنسان الورع النزيه ذو القيم ، ذو المبادئ ، يتهم في نظر زملائه ومن حوله بأنه مجنون أو أبله ، نعم إنه أبله في نظر البله ، ويا حبذا أن يكون المؤمن أبله في نظر البله من أهل الدنيا ، أي هم غارقون في شهواتهم ، في حفلاتهم ، في متعهم الرخيصة ، نظروا إلى هذا النبي النظيف ، العفيف ، الطاهر ، الحامد ، المحمود ، نظروا إليه نظرة شهوانية ، نظرة منطلقة من قيمهم الأرضية ، من خلودهم إلى الدنيا ، فقالوا :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( عن عبد الله بن عمرو : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ ، ونحن عندَه:
وهؤلاء الأحباب أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوّه بهم النبي عليه الصلاة والسلام :
مثلاً حينما يزمع التاجر أن يطبق شرع الله في تجارته يصبح أضحوكة بين الناس ، مجنون أتبيع بضاعة نسيئة بسعر غير نسيء ؟ إذا أراد التاجر أن يكشف عيب البضاعة يصبح أضحوكة بين زملائه ،
﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾
قال تعالى :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾
إذا منحك الله رحمة عمّيت على من حولك ، هم في وادٍ ، وأنت في واد ، هم لهم أذواق ، وأنت لك ذوق ، هم يسعدهم الطعام والشراب ، وأنت يسعدك القرب من الله سبحانه وتعالى ، هم تسعدهم الدنيا ، وأنت يسعدك العلم ، ورتبة العلم أعلى الرتب ،
العقل أصل الدين :
العقل أصل الدين ، من لا عقل له لا دين له ، من لا دين له لا عقل له ، تبارك الذي قسم العقل بين عباده أشتاتاً ، إن الرجلين ليستوي عملهما وبرهما وصومهما وصلاتهما ويختلفان في العقل كالذرة جنب أحد ، وما قسم الله لعباده نصيباً أوفر من العقل واليقين ، ازدد عقلاً تزدد من ربك قرباً .
الشيء الوحيد الذي يميز الإنسان عن الحيوان عقله ، ذكر الواقدي في المغازي في قصة خالد عند دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فأسرعت المشي فطلعت عليه -أي على النبي صلى الله عليه وسلم - فما زال يبتسم إلي حتى وقفت عليه وسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى الخير.
لمَ لم تستخدمه ؟ العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، فالمجنون من التفت إلى الدنيا على حساب الآخرة ، فالإنسان أحياناً حينما يسلم ، حينما يسير في طريق مستقيم ، حينما يلتزم الإسلام التزاماً صحيحاً قد يثور عليه أهله في البيت ، قد تتعبه زوجته ، قد يتعبه أبناؤه ، قد يعارضه أبوه ، قد تعارضه أمه ، تقول له : غيرت خطة حياتنا ، نشأنا على غير هذا ، فرقت الأسرة :
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾
أم سعد قالت لابنها سعد : يا بني ، إما أن تكفر بمحمد وإما أن أصوم حتى أموت ، فقال : يا أمي ، لو أن لك مئة نفس فخرجت واحدة وَاحدة ما كفرت بمحمد فكلي إن شئت ، أو لا تأكلي .
﴿
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
من لم يؤمن بآيات الله فلن يؤمن بخرق العادات :
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
﴿
أي هذه المثانة تتسع للتر ونصف من البول ، من جعلها بهذا الحجم ؟ من الممكن أن تمضي ثماني ساعات في عمل دون أن تحتاج لإفراغها ، هذا يحفظ لك شأنك بين الناس ، يحفظ لك مكانتك ، جالس في اجتماع ، راكب سيارة ، علماً بأن الكليتين تقذفان في هذه المثانة في كل دقيقة نقطتين ، فلولا المثانة لكانت حالة الإنسان لا تطاق ، ولكانت كرامته مهدورة ، من زود هذه المثانة بالعضلات ؟ لو لم يكن فيها عضلات والماء إن لم يكن فوقه ضغط هوائي لا ينزل ، والدليل مستودع الوقود لو كان محكم الإغلاق من أعلى الصنبور من الأسفل لا يسمح للوقود أن ينزل منه تحتاج إلى إعطائه بعض الهواء من فوق ، فهذه المثانة لولا هذه العضلات لا تفرغ ، مزودة بعضلات .
هذه المثانة كيف تفرغها ؟ هناك أعصاب في جدرانها تتحسس بالضغط ، فإذا امتلأت بالبول ضغط البول على جدران المثانة فتنبهت أعصاب الحس ، فأرسلت إشارة إلى النخاع الشوكي أن قد امتلأت ، يأتي النخاع الشوكي فيعطي أمرين ، أمراً لعضلات المثانة بالتقلص ، وأمراً للفتحة التي في أسفلها المضبوطة بعضلة بالاسترخاء ، هذه العضلات تتقلص كي تدفع البول ، وهذه العضلة المحكمة تسترخي كي تفتح الصنبور ، هل هذا الفعل منعكس شرطي أي يتم في النخاع الشوكي ؟ لو كان كذلك لفتح الصنبور وهو لا يشعر ، وهو في أحرج الأوقات ، لا ، هذا الأمر بإفراغ المثانة لا ينفذ إلا إذا صدّق من المراجع العليا ، من الدماغ ، في منطقة الوعي والمحاكمة والإدراك تأتي الموافقة على إفراغها في الوقت المناسب ، أما إذا تعنتت هذه المراجع العليا ، ولم توافق على إفراغها ، وأصرت على قرارها ، عندئذ يقع الإنسان في خطر التسمم بالبول ، يعود البول من الحالبين إلى الكليتين فيختلط بالدم عندئذ تكون المصيبة كبرى ، في هذه الحالة المركز العصبي في النخاع الشوكي يعطي أمراً بإفراغ المثانة من دون أن يرجع إلى المراجع العليا تفرغ المثانة .
تصميم من ؟ هذه آية ، القلب آية ، المعدة آية ، خمسة وثلاثون مليون عصارة هاضمة في المعدة ، العين آية ، مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط في الشبكية ، العدسة آية ، عدسة مرنة يزداد تقعرها وتحدبها من أجل أن يبقى الخيال على الشبكية ، وهذه العملية المعقدة تسمى المطابقة ، هذه آية ، الدماغ آية ، الجمجمة مشدودة إلى الداخل بقوة تساوي أربعمئة كيلو ، لو أنك أردت أن تفتح هذه الجمجمة فتحاً ، أن تفكها من مفاصلها ، وتمكنت من أحد سطوحها لاحتجت إلى أربعمئة كيلو كي تشدها بها ، من جعل بين الجمجمة وبين الدماغ سائلاً يقيه الصدمات ؟ يوزع هذا السائل الصدمة على كل السطح على مبدأ الهيدروليك تماماً ، يأتي الضغط من جهة فيوزع على كامل السطح فلا يؤذي الدماغ ، هذه كلها آيات .
هذه الأصابع آية ، هذه الخطوط ، التجاعيد في الجلد آية ، لولا هذه التجاعيد لما كان بإمكانك أن تثني أصابعك ، بطن الكف خال من الشعر آية ، لو كان الشعر هنا لأصبحت الحياة لا تطاق ، لاضطررت أن تحلق ذقنك وباطن كفك كل يوم بالشفرة ، ليس في الفم شعر ، هذا آية ، ليس في الشعر أعصاب حس ، آية ، لو أن في الشعر أعصاب حس لاضطررت أن تذهب إلى المستشفى ليجرى لك تخدير ، وبعد التخدير يأتي الحلاق ليحلق لك ، هذه آيات ، كل هذه الآيات التي لا تعد ولا تحصى ما رآها الإنسان ، أرنا الملك الذي يهبط عليك يا محمد حتى نؤمن لك ؟ إن لم تؤمن بكل هذه الآيات فلن تؤمن بخرق العادات ، إن لم تؤمن بهذه الآيات المعجزات فلن تؤمن بخرق نظم الكون .
تولي الله سبحانه وتعالى حفظ القرآن الكريم بنفسه :
المستعمرون حينما كانوا هنا طبعوا خمسين ألف نسخة من كتاب الله ، وحذفوا كلمة واحدة مؤلفة من ثلاثة أحرف :
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) ﴾
حذفوا كلمة( غير ) ، العملية كشفت في وقتها ، وأتلفت المصاحف ، وأحرقت .
شيء عجيب ، إذا تولى الله سبحانه وتعالى حفظ هذا الكتاب يوفر له أناساً مخلصين يحفظونه ، يهتمون به ، بدقائقه ، بمحكمه ، بمتشابهه ، بآياته ، مكيه ، مدنيه ، فربنا عز وجل تولى حفظ هذا القرآن .
طبعاً هناك قصص كثيرة ، يروى أن أحد الخلفاء التقى برجل من أهل الكتاب ، وكان يهودياً ، دعاه إلى الإسلام فأبى ، بعد عام رآه قد أسلم ، قال : يا هذا ما حملك على إسلامك ؟ قال : أخذت التوراة ، ونسختها ، وبدلت ، وزدت ، وأنقصت ، وبعتها في كنُسِ اليهود ، فاشتروها مني ، وقبلوها ، وجئت بالإنجيل فبدلت وغيرت وحذفت وأضفت وبعته في كنائس النصارى فاشتروه مني ، وقبلوه ، ثم جئت بالقرآن وعدلت فيه ، وبدلت ، وغيرت ، ولما أردت أن أبيعه للوراقين تصفحوه ، فعرفوا كل ما فعلته فيه ، فعلاً
﴿
إذاً : ليحذر الإنسان من أن يقرأ تفسير آية أو حديث لمغرض ، كادوا في تفسيره ، كان في الكتاب الإسرائيليات وهي قصص اليهود عن أنبيائهم ، ما أنزل الله بها من سلطان ، تتناقض مع كتاب الله تناقضاً كبيراً ، فسيدنا داود مثلاً أحب تسعاً وتسعين امرأة ، وتزوجهن ، ثم علم أن أحد قواده له زوجة جميلة فدفعه إلى القتال ، وأمرهم أن يقدموه كي يموت فيأخذ زوجته ، هذه بعض الإسرائيليات.
ربنا عز وجل ينفي عن هذا النبي الكريم هذه القصص ، تقوَّلوا على سيدنا يوسف أقوالاً هو منها بريء ، تقوّلوا على سيدنا موسى ، على سيدنا عيسى ، لذلك الحفظ في نص القرآن ، أما في تفسيره فيجب أن يكون الإنسان يقظاً لئلا يدخل عليه من تفسير المغرضين والكائدين للإسلام والمسلمين .
التبديل والتغيير في كتاب الله مغلق ولكنه مفتوح للتأويل وللحديث :
أمّا الحديث الشريف فهناك وضّاعون كثر وضعوا في الحديث مئات ألوف الأحاديث الباطلة ، وضعوها ، حرموا بها الحلال ، حللوا بها الحرام ، أضافوا ، غيروا ، بدلوا ، لذلك يجب أن ننتبه انتباهاً جيداً حينما نقرأ الحديث ، أهو متواتر ؟ أهو صحيح ؟ أهو حسن ؟ أهو ضعيف ؟ أهو موضوع ؟ أما أن نقرأ الحديث هكذا من دون تصحيح ، من دون تخريج ، من دون تمحيص ، من دون تدقيق ، فهذا قد يدخل على الإسلام ما ليس فيه ، أي باب التبديل والتغيير في كتاب الله مغلق :
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) ﴾
من معاني قوله تعالى : كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ :
1 ـ الله تعالى أفهم المجرمين كتابه ووضح لهم الحق :
﴿
هذا الكافر مستهدف من الله عز وجل ، مطلوب أن يؤمن
2 ـ المجرم الغارق في شهواته لو قرأ القرآن يفهمه فهماً معكوساً :
المعنى الثاني : أن المجرم الغارق في شهواته ، لو قرأ القرآن يفهمه فهماً معكوساً ، لأن فيه قيوداً ، فيه حدوداً يرفضها ، يرفض القيود ، يرفض الحدود ، لذلك إذا قرأ الظالم القرآن كان عمىً عليه .
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) ﴾
قبلها :
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) ﴾
الظالم لنفسه ، البعيد ، الشهواني ، المنحرف ، لو قرأ القرآن هو عمىً عليه ، يفهمه فهماً معكوساً ، يزيده ضلالاً ، هذا المعنى الثاني ، كذلك يستخفون به ، يستهزؤون به .
سنن الله وقوانينه نافذة في خلقه :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124 ﴾ ﴾
شيء قطعي ، إما أن تؤمن بهذه الآية فتذكر الله عز وجل ، فتسعد بقربه ، وإما أن تتجاهلها فتشقى .
إن لم يكن الإيمان نابعاً من اختيار الإنسان ومن إرادته فلا فائدة منه :
آيات كثيرة أي لن يهتدي الإنسان إلا إذا سلك الطريق التي رسمه الله سبحانه وتعالى ، فإذا اقترح هذا الإنسان على الله طريقاً للهدى فإن هذا الطريق لا يجدي ، هم اقترحوا ، و :
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ﴾
القرآن الكريم لا يهتدي به إلا المستقيم :
أما معنى قوله تعالى :
﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) ﴾
لا يهتدي به إلا المستقيم ، أما المنحرف فإن الله سبحانه وتعالى يسلكه في قلبه كما يسلكه في قلوب المنافقين ،
كل إنسان على وجه الأرض مستهدفٌ من قِبل الله عز وجل :
كلمة على قوله تعالى :
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ﴾
إذاً كل إنسان على وجه الأرض مهما يكن كافراً ، مهما يكن منحرفاً ، مهما يكن مجرماً ، مستهدفٌ من قِبل الله عز وجل ، فلا بدّ من أن يتوضح لهذا المجرم بشكل أو بآخر حقيقة هذا الكتاب ، بعد أن يعرف الحقيقة هو إما أن يستجيب أو لا يستجيب ، وإن لم يستجب فبعد أن عرف الحقيقة الحجة عليه ، وليست له ، هذا التفسير وجدته في تفسير محاسن التأويل.
والمعنى الأولي : أن المجرم لإجرامه ولبعده وانغماسه في شهواته وإصراره على معاصيه إذا سمع آيات القرآن يستهزئ بها ، لماذا ؟ لأنه لو لم يستهزئ بها لحاصرته نفسه ، لوقع في حرج داخلي ، لاختل توازنه الداخلي ، هو يخطط أن يعيش في الدنيا فقط ، الدنيا عنده هي كل شيء ، فإذا سمع آيات القرآن تنقله للآخرة ، وما فيها من عذاب أليم ، أو نعيم مقيم يختل توازنه الداخلي ، فيرد على هذا الاختلال بإنكاره هذا الكتاب أو الاستخفاف به ، المعنيان دقيقان .
إما أن الله سبحانه وتعالى الفعل فعله والكسب كسب العبد ، كأن تقول : رسّب المعلم الطالب ، الفعل فعل المعلم ، والكسب كسب الطالب ، تنفيذ الترسيب كان من قِبل المعلم ،
أما في تفسير محاسن التأويل فيرى أن الله سبحانه وتعالى يسلك هذا القرآن في قلوب المجرمين كما يسلكه في قلوب المؤمنين ، يوضح لهم كل شيء ، أحياناً المنحرف يوضع في ظرف يستمع إلى الحق ، يكون مدعواً إلى كتاب مثلاً ، حفلة قران ، يقوم شخص ، ويتكلم كلمة ، الله يسمعه الآيات ـ يسمعه الإنذار ، الوعيد ، يسمعه أن هناك آخرة ، فربنا عز وجل الآية تحتمل المعنيين
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين