- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (015)سورة الحجر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
التفكر في الآيات الكونية هو طريق معرفة الله سبحانه وتعالى :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الرابع من سورة الحجر ، بسم الله الرحمن الرحيم :
وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن بعض الآيات في السماء ، ثم أتبعها الله سبحانه وتعالى بآيات في الأرض ، كيف أن:
عالم الجن مغيب عنا ، والدليل قوله تعالى :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا
إذاً عالم الجن مغيب عنا ، السبيل إلى معرفة هذا العالم هو الخبر الصادق ، والله سبحانه وتعالى أخبرنا أن الجن مكانهم في الأرض ، والملائكة مكانهم في السماء ، فإذا أراد الجن أن يجاوزوا الحدود ليسترقوا السمع ، ليعرفوا أخبار السماء ، يأتي شهاب ثاقب فيحرق هذا الجني الذي سولت له نفسه أن يسترق السمع ، كل ما نملك من معلومات حول هذا الموضوع هذه الآيات ، لذلك لا أنا ولا غيري يستطيع أن يزيد عليها شيئاً ، إلا أن الذي قلته في الدرس الماضي : إن الشهب لها تفسير علمي ، وهذا التفسير العلمي لا يتناقض مع ما في كتاب الله بل يتكامل معه .
الشهب كويكبات خرجت من مدارها ، فسقطت في جو الأرض ، في أثناء احتكاكها بالطبقة الهوائية تشهبت وتلاشت ، النيازك تصل إلى الأرض ، لكن الشهب تتشهب في جو السماء ، هذا التفسير العلمي للشهب ، وهذا لا يمنع أن يكون الشهاب هو شهاب ثاقب يرصده الله سبحانه وتعالى لكل من الجن الذين أرادوا تجاوز الحدود .
على كلٍّ هذا الموضوع لا نملك عنه إلا ما قال الله عز وجل ، موضوع الجن ، موضوع الملائكة ، موضوع عالم الأزل ، موضوع عالم الآخرة ، هذه العوالم مغيبة عنا بذواتها وبآثارها ، إذاً لا نعرفها إلا من طريق الخبر الصادق ، لكنك إذا فكرت في الكون فإنه تحت سمعك وبصرك .
التفكر في ذات الله باب محظور :
المجال في البحث والدرس والتأمل والتبحر والاستقصاء والمشاهدة والاستنباط والملاحظة مجال واسع جداً ، تفكروا في المخلوقات ولا تفكروا في الخالق فتهلكوا .
باب آخر محظر علينا أن نخوض فيه التفكر في ذات الله ، لأن العبد عبد والرب رب ، لا يعرف الله إلا الله ، نحن سمح لنا أن نفكر في الكون كي نتعرف إلى طرف من أسماء الله الحسنى ، أما أن نفكر في ذاته كيف يرى ؟ كيف يسمع ؟ كيف يحاسب الناس دفعة واحدة ؟ هذا من باب التفكر في ذات الله وقد نهينا عنه .
معاني كلمة معايش :
1 ـ الله سبحانه وتعالى أودع في هذه الأرض ثروات لا يعلمها إلا هو :
أما بقية الآيات الدالة على عظمة الله سبحانه وتعالى ، والتي وردت في هذه السورة الكريمة قوله تعالى :
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) ﴾
جعل في الأرض المعادن : الحديد ، النحاس ، الفضة ، الذهب ، القصدير ، الرصاص ، وجعل أشباه المعادن ، هذه كلها يستخرجها الإنسان ، يصنعها ، يعيش بها وعن طريقها ، يعيش بها أي تصبح هذه المعادن وأشباه المعادن مجالاً للعمل.
خلق الأخشاب ، استخدم الخشب لصناعة الأبواب ، وصناعة الأثاث ، وصناعة ما لا يحصى من مصنوعات ، لولا الخشب لتوقفت كل الصناعات المعتمدة عليه ، لولا الحديد لتوقفت كل النشاطات البشرية المعتمدة على الحديد .
وهذه ، هناك نباتات دوائية ، وهناك نباتات تزيينية ، وهناك نباتات غذائية ، والغذاء أنواع ؛ محاصيل ، وخضراوات ، وفواكه ، لكل نوع من هذه النباتات مواسم وطباع وأشياء دقيقة جداً يتعامل بها الإنسان ، عالم النبات من المعايش .
وعالم الأسماك من المعايش ، كم من البشر يعيش على صيد الأسماك ؟! كم من البشر يعيش على تصنيع الثروة البحرية ؟! كم من الإنسان يعيش على النباتات ؟! كم من البشر يعيش على المعادن ؟! الله سبحانه وتعالى جعل الأرض بجبالها ، بسهولها ، بمعادنها ، بثرواتها ، بحيواناتها ، بأطيارها ، بأسماكها ، بكل شيء أودعه فيها جعلت هذه الأشياء معايش ، أي مجالات للعمل .
ارتفاع الحرارة ، كم من البشر يكسب رزقه من التبريد ؟! المكيفات والمراوح والألبسة الحريرية والمرطبات والثلج ، كم من البشر يكسب رزقه من التدفئة ؟! المدافئ والبسط والسجاد والألبسة الصوفية والطعام الذي يناسب الشتاء .
كم من البشر يعيش على صحة الإنسان ، لولا المرض كم مليوناً يموتون جوعاً ؟ بناء المستشفيات ، تأثيثها ، الموظفون الإداريون ، الأطباء ، الممرضون ، كم من البشر يعيش على موضوع المرض ؟! فالمرض سبب للرزق ، والحرارة سبب للرزق ، والبرودة سبب للرزق ، والحشرات النباتية سبب للرزق ، والمعادن التي أودعها الله في الأرض سبب للرزق ، وأشباه المعادن والعناصر والأسماك والأطيار والحيوانات والجراثيم والعصيات والفيروسات ، إذاً الله عز وجل أودع في الأرض كل شيء ، وجعل هذه الأشياء مجالاً للعمل ، وهذا الموضوع لا ينتهي في هذا الدرس ، هذه نماذج ، أي فكّر .
أحياناً الرياح العاتية تُكسب الناس أرزاقهم ، أحياناً بعض النكبات مصائب قوم عند قوم فوائد ، سبحان الله كيف يرزق عباده ، هذه معايش .
2 ـ الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان إمكانات كسب الرزق :
الشيء الثاني والأخطر أن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان إمكانات كسب الرزق ، أعطاه الفكر ، أعطاه قدرة على التعلم ، أعطاه قدرة على أن ينمي خبراته، التعلم والخبرات والمعارف والمهارات والأعمال اليدوية ذات الصناعة الفائقة ، هذا كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، كلما شاهدت إنساناً يتقن عمله ، أقول في نفسي : سبحان من أعان كل امرئٍ على صنعته ! يبدو لك هذا العمل مستحيلاً ، لكنه على صاحبه سهل جداً ، هذا يعمل في الأقمشة ، وهذا يعمل في اللحوم ، وهذا يعمل في الخياطة ، وهذا يعمل في الحلاقة ، وهذا يعمل في المناجم ، وهذا يعمل في تقطيع الرخام ، أي تقطيع الرخام من الجبال شيء يكاد يكون مستحيلاً ، لكن على أصحابه وأربابه شيء سهل ، وهذا يغوص في أعماق البحر ليصطاد اللؤلؤ ، وهذا يطير في الجو ، وهذا يخترع ، وهذا يكتشف ، أعطى الإنسان قدرات ، قدرات عامة ، وقدرات خاصة ، وإمكانات التعلم ، وإمكانات الاستفادة من التجارب ، أعطاه القدرة على الإبداع ، هذا كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، هذا يدخل في قوله تعالى :
3 المعايش جميع المواد التي يتعامل معها الإنسان والتي يكسب بها قوته :
شيء آخر ؛ خلق الله الرزق ، هذا هو المعنى الثالث ، المعايش جميع المواد التي يتعامل بها الإنسان ، والتي يكسب بها قوته ، والمعايش الإمكانيات التي أعطاها الله للإنسان ، بئر للنفط في بعض البحار ، تصور كيف غاص الإنسان ؟ كيف عرف النفط في هذا المكان ؟ وكيف وصل إليه ؟ وكيف أنشأ هذه البئر في قاع البحر ؟ وكيف استخرجه ؟ كيف حفر البئر في قاع البحر ؟ من أعطاه ذلك ؟ الله سبحانه وتعالى .
لذلك حتى هذه الإمكانات التي زود الله بها الإنسان هي من خلق الله سبحانه وتعالى ، ومن توفيق الله ، ومن إلهام الله ، حتى الفكرة التي يكشفها العلماء هي إلهام من الله عز وجل ، يعترف بهذا جميع العلماء يقولون : إشراق ، قفزة في المجهول ، اكتشاف .
المعنى الثالث للمعايش أن الله خلق هذا النبات لنأكله ، خلق القمح ، خلق الشعير ، خلق العدس ، خلق الفاصولياء ، خلق كل أنواع المحاصيل ، خلق كل أنواع الخضراوات ، خلق كل أنواع الفواكه بشكل وحجم وطعم ورائحة وقوام مناسب للإنسان ، وقد فصلنا في الدرس الماضي قوله تعالى :
كيف يقطع الحديد ؟ كيف ينحت الصخر ؟ كيف يصنّع القماش ؟ كان قطناً كيف غزله ؟ كيف جعله خيوطاً ؟ كيف نسجه ؟ كيف صبغه ؟ كيف زينه ؟ كيف خاطه ؟ إمكانات أعطاها الله للبشر .
كل حاجة في الإنسان لها ما يقابلها في المخلوقات :
والمعنى الثالث : أنه خلق الطعام والشراب ، وخلق الماء ، وخلق لكل حاجة في جسمك شيئاً في الأرض ، قد تحس أن هناك مغصاً معوياً خلق لك الكمون ، قد تحس أن هناك التهاباً في حلقك خلق لك الزهورات ، قد تحس أن هناك كتماً في أمعائك ، خلق لك بعض الملينات ، هناك مواد تهدئ ، ومواد تلين ، ومواد تسكن ، وما هذه الأدوية التي تراها عينك في الصيدليات قد يسبق الوهم إلى خاطرك أنها من صنع البشر ، لا والله ، إن تعليبها من صنع البشر ، ولكنها مواد خلقها الله في الأرض ، كشفها الإنسان ، وعرف خصائصها ، وعرف استطباباتها ، وصنّعها ، وحفظها ، وباعها .
الصيدلية على اتساع أنواع الأدوية فيها ، إن هذه الأدوية كلها أساسها مواد نباتية أو كيميائية خلقها الله سبحانه وتعالى ، هذه المادة توسع الشرايين ، هذه المادة تنظم ضربات القلب ، هذه المادة تعين على إدرار البول ، هذه المادة تغلف المعدة من الداخل بغلاف يمنع عنها تقرحها ، هذه المادة تهدئ الأعصاب ، هذه المادة مرممة لقرنية العين ، سبحان الله ! اقرأ الأدوية ، اقرأ نشرات الأدوية ، من ميزات هذه المادة الفعالة كذا وكذا ، من أودع فيها هذه الميزات ؟ الله رب العالمين ، كل شيء تراه عينك ينطق بحمده ، ويسبح بعظمته ، هذه معايش .
هذا البلد الأمين كل شيء فيه ، قد تحتاج إلى شجرة تظلك أمام البيت ، هناك أشجار مهمتها الوحيدة أن تكون مظلة لك ، أوراقها دائمة الخضرة ، حجمها مناسب ، دوحتها مناسبة ، منظرها جميل ، هناك أشجار مهمتها أن تعطيك عود الأراك كي تنظف به أسنانك ، سبعون مادة أودعها الله في السواك ، معطرة ، ومطهرة ، ومقوية للثة ، هناك نبات خلق من أجل أن تنظف فيه ما بين أسنانك ، الخلة ، هناك نبات خلق من أجل أن تنظف بثمرته جلدك ، هذا الليف الطبيعي ، هناك نبات جُعل لك من أجل إمتاع العين ، أنواع الأزهار ، أنواع الأبصال ، ألوان تأخذ بالألباب ، أنواع لا تعد ولا تحصى ، نبات يعيش في الصالونات من أجلك ، إذا جلست في غرفة الجلوس فهناك نباتات خاصة لهذه الغرفة من أجل أن تمتع عينيك بها ، وتسبح الذي خلقها ، وهناك نباتات تعيش في الصحراء ، ونباتات تعيش في الأنهار ، وفي البحار ، وفي كل مكان هناك نباتات لها طباع تتآلف مع جو الأرض ، هذه معايش .
والله الذي لا إله إلا هو هذا غيض من فيض ، أحس أن قدرة اللغة عاجزة عن توضيح كل شيء ، وأن ضيق الوقت لا يكفي لتوضيح كل شيء ، وأن كل كلمة في كتاب الله مشحونة بطاقات تعبيرية لو أمضينا كل حياتنا لما استنفذناها ، وهذا يؤكده قوله تعالى :
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)﴾
أي بحار الأرض ، البحار المحيطة والمحاطة ، البحار في الأرض أربعة أخماسها ، أربعة أخماس مساحة الأرض بحار ، وما القارات الخمس آسيا ، أوروبا ، إفريقيا ، أستراليا ، أمريكا إلا خمس الأرض ، وهذه البحار تزيد أعماقها في بعض الأماكن عن اثني عشر كيلو مترًا تحت الأرض ، لو أن البحار كلها ومثلها أيضاً كانت مداداً أي حبراً لكلمات الله سبحانه وتعالى ما نفدت ،
تولي الله عز وجل رزق جميع الحيوانات :
أما
﴿
الدابة جاءت نكرة ، وهذا التنكير تنكير الشمول ، و(من) لاستغراق أفراد كل نوع على حدة ، ما من دابة إلا على الله رزقها حصراً ، أي حصراً وعلى الله على سبيل الإلزام ، هذه الأعضاء التي في جسدك الله يرزقها ، البنكرياس له رزق خاص يأتي به الدم ، وقرنية العين لها رزق خاص ، وخلط العين الزجاجي له رزق خاص ، والأشعار لها رزق خاص ، والعظام لها رزق خاص ، والعضلات لها رزق خاص ، والأمعاء لها رزق خاص ، والغدة النخامية لها رزق خاص ، وكل عضو وكل جهاز وكل غدة في جسدك لها رزق خاص يأتيها عن طريق الدم وأنت لا تدري .
تقنين الله تقنين حكمة وتأديب وليس تقنين عجز :
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)﴾
(( أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، خُذُوا مَا حَلَّ ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ . ))
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، اصبر عن الحرام يأتك الحلال ،
(( عن أبي ذر الغفاري قال اللهُ تعالَى : يا عبادي ! إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُه مُحرَّمًا فلا تَظالموا ، يا عبادي ! إنَّكم تُخطِئون باللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا ولا أُبالي فاستغفروني أغفِرْ لكم ، يا عبادي ! كلُّكم جائعٌ إلَّا من أطعمتُ فاستطعِموني أُطعِمْكم ، يا عبادي ! لم يبلُغْ ضُرٌّكم أن تضُرُّوني ولم يبلُغْ نفعُكم أن تنفعوني ، يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم اجتمعوا وكانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منكم لم يُنقِصْ ذلك من مُلكي مثقالَ ذرَّةٍ ، ويا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإنسَكم اجتمَعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني جميعًا فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه لم يُنقِصْ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا غُمِس في البحرِ ، يا عبادي ! إنَّما هي أعمالُكم تُرَدُّ إليكم ، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه . ))
ذلك لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام ،
لذلك من اتكل على حسن اختيار الله له ما تمنى حالة غير الحالة التي هو فيها ، لأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، أي ليس في إمكانك أيها الإنسان أبدع مما أعطاك الله سبحانه وتعالى .
عجز الإنسان عن تخزين المياه :
الآلام التي يعانيها من تعطلت كليتهم عن إفراز البول ، نرتفع الأوريه في الدم فيصاب الإنسان بأمراض لا توصف ، يصبح شرساً كالوحش ، ارتفاع الأوريه في الدم يسبب اضطرابات نفسية ، واضطراباً في السلوك لا يوصف ، أي قد يضرب كل شيء ، قد يحطم كل شيء إذا ارتفعت نسبة الأوريه في الدم ، حتى الذين تتعطل كليتهم عن العمل ويذهبون لغسلها في الأسبوع مرتين ، تبقى نسب قليلة من الأوريه في الدم لا تستطيع المصافي الصناعية أن تصفيها ، هذه النسبة القليلة تغير نفسياتهم وأخلاقهم .
هذه الكأس من الماء ماذا تفعل إذا منع إخراجه ؟ آلام حصر البول لا توصف ، آلام الكليتين لا توصف ، آلام انسداد المستقيم لا توصف ، لذلك :
إن تحلية الماء فقط بلغني أن لترًا من الماء الذي يحلى من مياه البحر يكلف الدولة أربعة ريالات ضرب ستة ، أي كل لتر ماء يحلى من ماء البحر يكلف ما يقارب الخمسة والعشرين ليرة سورية ، فهذه الكأس من الماء كم يكلف ؟ بعض السذج يتوهم أنه دفع ثمن الماء ، لا يا أخي ، هذا الذي تدفعه لمؤسسة مياه عين الفيجة هذا ليس ثمن الماء ، هذا ثمن بعض الخدمات ، ثمن حفظ هذه الينابيع وإيصالها إلى المدينة وفتحها على شكل صنابير ، ثمن الماء لا يقدر بثمن ، فإذا شربت كأس ماء فقل : الحمد لله رب العالمين ، لو أن الماء كله ملح أجاج ماذا نعمل ؟ هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج.
الأرض لله يرثها هي ومن عليها :
التفكر في آيات الله :
أيها الإخوة ، هذه الآيات التي ساقها الله سبحانه وتعالى لتكون دالة على عظمته يجب أن نفكر فيها ، يجب أن نتدبرها ، لما قال ربنا عز وجل :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾
غافلون ، هناك من يتعامل مع الآيات تعامل البهائم ، وهناك من يتعامل معها تعامل الإنسان ، الحيوان يشرب الماء ، والإنسان يشرب الماء ، فإذا شرب الإنسان الماء ، ولم يفكر فيه ، من الذي أنزله من السماء ماءً طهوراً ؟ من الذي أودعه في الجبال ؟ من الذي فجره ينابيع ؟ من الذي جعله أنهاراً ؟ هذا الذي يشرب ، ولا يشكر ، ولا يعرف هو كالبهيمة .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
فكلمة :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين