- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (015)سورة الحجر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
للآية التالية ثمانية اتجاهات :
1 ـ الله سبحانه وتعالى علم الذين خلقوا من قبل ويعلم الذين لم يخلقوا بعد :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الخامس من سورة الحجر ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
2 ـ الله سبحانه وتعالى علم الأموات والأحياء :
المعنى الثاني أن الله سبحانه وتعالى علم الأموات ، وهم المستقدمون ، وعلم الأحياء وهم المستأخرون ، الأموات مستقدمون والأحياء مستأخرون ، الله سبحانه وتعالى علم المستقدمين وهم الأموات وعلم المستأخرين وهم الأحياء . هذا الاتجاه الثاني .
3 ـ علم الله من تقدم من الأمم عن أمة محمد ويعلم من يتأخر :
والاتجاه الثالث : علم الله سبحانه وتعالى من تقدم من الأمم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويعلم من يتأخر عن هذه الأمة من الأمم ، أي أن يأتي بعد أمة هذا النبي أمم ، وشعوب ، وحضارات ، وحروب ، وفتن ، ودنيا مبهرجة ، وصراعات ، ومصائب ، هذا الذي سيكون يعلمه الله سبحانه وتعالى .
4 ـ المستقدمون في الطاعة والمستأخرون عنها :
والمعنى الرابع : الله سبحانه وتعالى يعلم المستقدمين في الطاعات والخيرات ، فلان تقدم إلى الطاعة ، تقدم إلى الخير ، وفلان تأخر عن الطاعة ، تأخر عن الخير ، وقع في المعصية ، وقع في الضرّ والأذى ، التقدم إلى الطاعة وإلى الخير يعلمه الله ، والتأخر عن الطاعة إلى المعصية ، وعن الخير إلى الشر يعلمه الله سبحانه وتعالى ، وهذا هو المعنى الرابع .
5 ـ المتقدمون في الجهاد في سبيل الله والمستأخرون :
وأما في صفوف الحرب الله سبحانه وتعالى يعلم المتقدمين الذين يضعون أرواحهم على أكفهم ، الذين لا يهابون الموت ، الشجعان ، الذين يبيعون أنفسهم في سبيل الله ، ولقد علمنا المستقدمين منكم في الحرب ، ولقد علمنا المستأخرين الذين يخشون الموت .
هذا الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن رواحة حينما جاء دوره في قيادة الجيش ، صاحباه قتلا فلما جاء دوره يبدو أنه تهيب ، تردد ثلاثين ثانية ، فقال :
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
إن تفعلي فعلهما رضيــت وإن توليت فقــــــــــد شقيـــت
***
وركب فرسه ، وقاد الجيش ، وحمل الراية ، وقاتل بها حتى قتل ،
(( أخذ الراية أخوكم زيد فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه في الجنة ، ثم أخذ الراية أخوكم جعفر فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه في الجنة ، ثم سكت النبي عليه الصلاة السلام ، فقلق أصحابه على أخيهم عبد الله بن رواحة ، فقالوا : يا رسول الله ! ما فعل عبد الله ؟ قال : ثم أخذ الراية أخوكم عبد الله فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى في مقامه ازورارا عن صاحبيه . ))
(( لقد رُفِعُوا إلى الجنةِ – فيما يرى النائمُ – على سررٍ من ذهبٍ ، فرأيتُ في سريرِ عبدِ اللهِ بنِ رواحةَ ازورارًا عن سريريْ صاحبيْهِ ، فقلتُ : ممَّ هذا ؟ فقيل لي : مَضَيَا ، وتردَّدَ عبدُ اللهِ بعضَ التردُّدِ ، ثم مضى))
أي هبط مقامه درجة بهذا التردد ،
6 ـ المستقدمون في الصلاة والمستأخرون عنها :
المعنى السادس : ولقد علمنا المستقدمين في الصلاة ، هذا الذي يلبي نداء المؤذن ، ويصلي الصلاة في أول الوقت ، أو هذا الذي يصلي في أول صف ، أو هذا الذي يصلي قرب الإمام ، فمن أدرك الصلاة في أول الوقت ، وفي الصف الأول ، وقرب الإمام فقد حاز ثلاث فضائل : فضيلة تلبية النداء ، والصلاة في أول الوقت ، وفضيلة الصلاة في الصف الأول ، وفضيلة الدنو من الإمام ،
7 ـ أول الخلق وآخرهم :
والمعنى الأخير: المستقدمون هم أول الخلق ، والمستأخرون هم آخر الخلق ، كما قال الإمام علي كرم الله وجهه :
أفضل وقت للصلاة هو أن تصلى في أول الوقت :
لكن مرة قال لي أحدهم : لم لا تذكر لنا بعضاً من أسباب النزول ؟ أنا أتمنى أن أقدم لكم أجمل ما في الكتب ، وأوجه ما في الكتب ، لكن سبباً من أسباب النزول إن لم يصح سنده ، ولم تثبت روايته ، وربما أفسد المعنى ،
شيء آخر ؛ تدل هذه الآية على أن أفضل وقت الصلاة أن تصلى في أول الوقت ، وقد قرأت أنه من أخّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره ، أي إن كنت غير مشغول الأولى أن تصلي الصلاة في أول الوقت ، أن تلبي نداء المؤذن ، يقول لك : حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، أي : أقبل ، حيّ اسم فعل أمر معناها أقبل ، أي أيها الإنسان أقبل على الصلاة ، أقبل على الفلاح ، الله سبحانه وتعالى يدعوك لتقف بين يديه ، لتتصل به ، لتقبل عليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا . ))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثَلَاثًا ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ. ))
أي هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول يجب أن يكونوا من النخبة ، من صفوة القوم ، لأن هذا المكان القريب له أهله ، من هنا يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يقول لفلان : تقدم ، ولفلان تأخر .
الإنسان كيفما تكون ميتته لابدّ من أن يحشره الله سبحانه وتعالى للحساب :
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس وإن تمنعت بالحجّـــــــــاب والحـــــــرس
فما تزال سهام المــــــــــــــوت نــــافذة في جنب مدرع منها و متّـــــــــــــــــرس
أراك لســــــــــت بوقـــــــــاف ولا حــــذر كالحاطب الخابط الأعواد في الغلس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكــــــها إن السفينة لا تجري على اليــبـــــــس
***
مدلول كلمة الرب :
الله تعالى خلق آدم عليه السلام وخلق الإنسان من تراب الأرض :
(( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا فَخْرَ ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ ، وَلَا فَخْرَ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ، وَلَا فَخْرَ . ))
فهم أن النبي عليه الصلاة والسلام أول خلق الله رتبة في الفضل ، وأن آدم عليه السلام يليه في المرتبة ، أي سيدنا آدم أفضل الناس كلّهم إلا أن يكون النبي عليه لصلاة والسلام ، النبي في الأول ، وسيدنا آدم بعد النبي ، آدم ومن دونه تحت لوائه يوم القيامة ولا فخر ، وسمي آدم آدمَ لأنه خلق من أديم الأرض ، وأديم الأرض ترابها ،
الله تعالى خلق الجن من النار التي لا دخان فيها :
﴿
كيف عرفوا ذلك ؟ معنى ذلك :
خلق الإنسان في أحسن تقويم :
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)﴾
معنى سويته أي أن الأيدي مسواة ، المفاصل في الأماكن المناسبة ، هذا الرسغ مكانه مناسب ، وحركته مناسبة ، في ثماني عظام مسوى ، وهذا المفصل يقف عند هذا الحد يقفل هنا ، أما الركبة فتقفل نحو الأمام ،
وأن هذه العين جعلها الله في مغارة ، حصن حصين ، لو تلقى الإنسان لكمة ، لو وقع على الأرض عينه في مأمن ، هذه العين خطيرة جداً جعلها الله في مأمن ، وهذا الدماغ خطير جداً جعله الله في حجرة وبينه وبين الجدار سائل يمتص الصدمات .
وهذا القلب الخطير جداً جعله الله في القفص الصدري ، وهذا النخاع الشوكي الخطير جداً جعله الله في العمود الفقري ، وهذا الرحم الخطير جداً جعله الله في الحوض في مكان مكين ، ومعامل كريات الدم الحمراء خطيرة جداً جعلها الله داخل العظام .
وعظام الفخذ تنتهي برقبة ، هذه الرقبة تتحمل مئتين وخمسين كيلو ضغط ، أي الإنسان يتحمل نصف طن ضغطًا من الأعلى ، ولا تنكسر هذه العظام ، هذه الغضاريف ، هذه المفاصل ، محافظ المواد السائلة الهلامية ، الروابط ، العضلات .
صنع الإنسان آية كبرى على عظمة الله سبحانه وتعالى :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ﴾
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
إتقان الصنعة دليل على وجود الله عز وجل المتقن ،
حدثني أخ في بيروت أيام الحوادث أن شخصاً توفي في بيته ، والطرقات كلها مقطوعة ، والقنص على أشده ، والحركة واقفة ، تحمّله أهله يومين ، ثم ألقوه من الشرفة إلى الأرض ، أب يملأ البيت أنساً وسعادة ، فلما سحبت منه الروح ، ماذا فعل أقرب الناس إليه زوجته وأولاده ؟ ماذا قرروا ؟ أن يلقوه من الطابق الرابع ، من الشرفة ، هكذا على الأرض ، لأن الطرق مقطوعة ، لم يتحملوا رائحته بعد الموت .
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)﴾
تكريم الإنسان وتشريفه من قبل الله عز وجل :
﴿
فلما حملها الإنسان استحق أن يكون مكرماً .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾
أنت مكرم ، ليتك تعرف نفسك ، ليتك تعرف شأنك عند الله ، ليتك تعرف المهمة التي خلقت من أجلها ، ليتك تعرف أنك في وقت كيف تمضيه طريقة تمضية هذا الوقت سيحدد مصيرك ، إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو إلى نار محرقة تنضج الجلود ، وتلفح الوجوه لا ينفد عذابها ، ليتك تعرف من أنت ؟
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ؟
***
طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة ؟
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
أي أنساهم نسيان الله أنفسهم ، لما نسيت الله جهلت نفسك من أنت ؟ قد يقول لك : الإنسان حيوان ناطق ، من قال لك : إن الإنسان حيوان ؟ الإنسان إنسان مكرم ، هذه الحيوانات أمام عينيك ، نوع القردة ، نوع الدواب هل تغيرت حياتهم ؟ هل أعطوا هذا الفكر الذي أعطيته ؟ هل طوروا حياتهم ؟ هل سكنوا في البيوت ؟ هل ارتدوا الثياب ؟ هل نظموا حياتهم ؟ الإنسان ليس حيوانًا ناطقًا ، وليس حيوانًا اجتماعيًّا ، الإنسان إنسان ،
سجود الملائكة لآدم بأمر من الله سجود التحية والتكريم وليس سجود العبادة :
(( خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ . ))
والإمام علي كرم الله وجهه يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾
إما أن يكون الإنسان خير البرية ، وإما أن يكون شر البرية ، والإنسان إما أن يكون براً تقياً كريماً على الله ، وإما أن يكون فاجراً شقياً هيناً على الله ،
لا ينبغي للمؤمن أن يجعل بينه وبين الحق حجاباً :
أحياناً يكون مال الإنسان حجاباً له عن اتباع الحق ، هذا الذي يتكلم فقير ، وأنا غني ، أيعقل أن أجلس في مجلسه ؟ هذا الذي يتكلم ضعيف ، وأنا قوي ، أيعقل أن أستمع له ؟ لا يكن المال ولا الجاه ولا القوة حجاباً يحجبك عن الحق ، إبليس ما الذي أهلكه ؟ أنه نظر إلى النار وتوهمها أنها خير من الطين فكيف يعقل أن يسجد له ؟ أما المؤمن سيدنا العباس عم رسول الله ، سئل مرة : أيكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ فقال رضي الله عنه : هو أكبر مني بلا شك ، وأنا ولدت قبله ، أي المؤمن الصادق لا يجعل من السن حاجزاً ، ولا من المال حاجزاً ، ولا من الجاه حاجزاً ، ولا من النسب حاجزاً ، ولا من القوة حاجزاً ، اسمعوا ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( اسْمَعُوا ، وَأَطِيعُوا ، وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ. ))
أنت عبد للحق ، أينما كان الحق فأنت تابع له .
أحياناً الإنسان بحكم نسبه يقول لك : أنا منسوب ، منسوب لكن عملك غير طيب.
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
هذه الآية مغزاها أن الإنسان قد يهلكه نسبه ، أو ماله ، أو علمه ، يحمل شهادة عليا ، هذه الشهادة جعلته يتوهم أنه أعظم الناس ، وهو ليس كذلك ، شهاداته أو نسبه أو أمواله أو وظيفته أو قوته أو صحته أو وسامته أو شأنه هذه كلها أقنعة مزيفة .
(( عن أبي ذر رضي الله عنه : لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ ، وعليه حُلَّةٌ ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ ، فَقالَ : إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ. ))
هذه جاهلية ، أن تعتد بنسبك ، أو بمالك ، أو بقوتك ، أو بصحتك ، أو بشكلك ، أو بوسامتك ، أو بشأنك ، أو بمنصبك ، أو باختصاصك ، أو بشهادتك ، هذه كلها حجب .
ذكر حجاباً واحداً وأنت قس على هذا الحجاب كل الحجب ، يا عبد الله إياك أن تغترّ بهذه الأقنعة المزيفة ، هذه كلها تنتهي عند الموت .
لا تقل : أصْلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل
ليس من يقطع طرقاً بــــــطلاً إنما من يتقـــــــــي الله البـــطل
***
تحريم السماء على إبليس بأمر من المولى سبحانه :
الله تعالى خلقنا ليرحمنا :
﴿
وهذا إبليس يقول : بما أغويتني ، مع أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ليسعدنا .
﴿
خلقنا ليرحمنا .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
ليعبدون ليتعرفوا إليّ فيستقيموا على أمري فأسعدهم .
هدف الشيطان :
(( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا . ))
وَفِي رِوَايَة :
هذه دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
نسب كل شيء إلى الله فعلاً :
أيها الإخوة الأكارم ، كلمة
طالب في صف يقصر ، لا يدرس ، لا يكتب ، لا يذاكر ، لا يحفظ ، يأتي الامتحان يأخذ علامة الصفر ، يستحق الرسوب ، فيأتي المعلم ويكتب على جلائه : رسب في صفه ، من الذي رسبه ؟ المعلم ، لماذا رسبه ؟ لأنه كسول ، فالرسوب كسباً من الطالب وفعلاً من المعلم ، فإذا قال الطالب للمعلم : لقد رسبتني ، كلامه صحيح ، المعلم هو الذي رسبه ، ولكن لماذا رسبه ؟ لأنه كسول ، فكل شيء ينسب إلى الله فعلاً ، من فعل هذا ؟ الله سبحانه وتعالى ، لماذا فعله ؟ وفق العدل والاستحقاق ، هذا أوضح مثال يفسر هذه الآية ،
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ﴾
من أخلص في طاعته لله طهر الله قلبه بنوره فأصبح مخلَصاً له :
نسب العبد إلى الله نسبة معرفة بعبوديته وطاعة له واهتداء بهديه :
﴿
الشيطان لا يضلّ أحداً بل يزين للإنسان الدنيا ويغريه بالسيئات والمعاصي :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
غوى فاتبع الشيطان ، غوى أولاً فاتبع الشيطان ثانياً ، إذاً الشيطان لا يضلّ أحداً ، لا يضلّ إلا الضال ، إذا ضلّ الإنسان عن الله عز وجل يأتي الشيطان فيضله بمعنى يزين له الدنيا ، ويغريه بالسيئات والمعاصي ، لا يستطيع الشيطان أن يصل إليك إلا إذا كنت ضالاً من قبل .
للنار سبع دركات والمنافقون في الدرك الأسفل منها :
﴿
أي يوجد خارجي ووسطاني وداخلي بالحمامات ،
وفي الدرس القادم إن شاء الله تعالى نتحدث عن المتقين الذين هم :
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين