وضع داكن
24-04-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 01 - النهي عن خص الإنسان نفسه قبل القسمة أي لا يأخذ ما ليس له.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أحاديث عن الغلول :

 عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال:

((كان على نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ النفل: هو الأنفال, أي الغنائم التي تؤخذ في الحرب من دون قتال ـ رجل يقال له: كركرة فمات, فقال عليه الصلاة والسلام: هو في النار, فذهبوا ينظرون إليه, فوجدوا عباءة قد غلها ـ غلها: أخذها قبل اقتسام الغنائم))

[أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 نتابع الأحاديث:
 وعن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: حدثني عمر قال:

((لما كان يوم خيبر, أقبل نفر من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد, حتى مروا على رجل, فقالوا: فلان شهيد, فقال عليه الصلاة والسلام: كلا, إني رأيته في النار في بردة غلها, أو في عباءة غلها, ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا بن الخطاب! اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون))

[أخرجه مسلم والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 ارتبط الموضوع بالاستقامة، فلما غلّ عباءة ـ أي أخذها ولم يدخلها في الغنيمة, أخذها قبل أن تقسم الغنائم, خصها لنفسه ـ فقال: هو في النار، هذا الحديث الثاني.

 

التعريف الفقهي للغلول :

 وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:

((قام فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم فذكر الغلول ))

 التعريف الفقهي للغلول: نحن في حرب, إنسان خصّ نفسه بدرع, أخفاها لنفسه, ما أدخلها في الغنيمة, ما الذي يشبه الآن هذا الوضع؟ أي إنسان له أب توفي وهناك شيء ثمين أخذه, وجعله لنفسه, ليس له شأن في القسمة, خصه لنفسه قبل أن يعطيه للورثة, هذا اسمه غلول, شريك مثلاً باع بيعة وضعها في جيبه, هذه ليست نازلة في الحساب، هناك شريك, وصار هناك بيع على المحل, جاءه مبلغ عن طريق المحل نفسه الذي له فيه شريك, أليس لهذا دخل في الحسابات؟ أي شيء ينجو من القسمة؛ هذا اسمه غلول, تنوعت الأسباب:

((.... فذكر الغلول فعظمه, وعظم أمره حتى قال: لا ألفين ـ أي لا أجدن ـ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ـ بعير له صوت ـ فيقول: يا رسول الله! أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً, قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة, فيقول: يا رسول الله! أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً, قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء, فيقول: يا رسول الله! أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً, قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ـ يعني دجاجةـ , فيقول: يا رسول الله! أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً, قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ـ رقاع: أي وثيقة فيها حقوق, وصل أحياناً, سند أخفاه, لما أخفاه ضاع صاحبه ـ فيقول: يا رسول الله! أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً, قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ـ المال ناطق أو صامت, الغنمة لها صوت, الشاة لها صوت, الديك له صوت, الناقة لها صوت, الحصان له صوت, يوجد شيء ليس له صوت: الذهب والفضة ـ على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله! أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً, قد أبلغتك))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 معنى ذلك: دين, عبادات, صلوات, حضور خطب, حضور الجمع والجماعات, التزي بالزي الديني, ولا يوجد ورع, ولا استقامة, لا قيمة له عند الله إطلاقاً، نادى يا بن الخطاب إن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون.
فالذي أخذ عباءة, وهو في ساحة المعركة, وهو في الجهاد, وهو مع رسول الله, قال: هو في النار؛ لأنه لم يدمج الدين بالاستقامة, ظن الدين لوحده, وهذا أكبر مرض مستشر؛ يصلي, له جامع, يرتاد المساجد, و عند المحاككة بالدرهم والدينار ليس منصفاً مع شريكه, و ليس منصفاً بتوزيع الإرث, و ليس منصفاً بالعلاقات التجارية، يأخذ ما ليس له, بأدق التعابير: يأخذ ما ليس له؛ هذا الشيء للورثة, هذا الشيء للشركاء, هذا الشيء للمجموع, يخص نفسه بشيء, هذا لا يجوز.

 

ارتباط الدين بالاستقامة :

 وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:

((خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خيبر, ففتح الله علينا, فلم نغنم ذهباً, ولا ورقاً, غنمنا المتاع, والطعام, والثياب, ثم انطلقنا إلى الوادي ـ أي وادي القرى ـ ومع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد له، وهبه له رجل من بني جذام, يدعى رفاعة بن زيد ـ من بني الضبيب ـ فلما نزلنا الوادي, قام عبد رسول الله يحل رحله, فرمي بسهم, فكان فيه حتفه, فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: كلا والذي نفس محمد بيده, إن الشملة لتلتهب عليه ناراً, أخذها من الغنائم, لم تصبها المقاسم, ـ هذا حديث رابع ـ قال: ففزع الناس, فجاء رجل بشراك, أو شراكين, فقال: أصبت يوم خيبر, فقال عليه الصلاة والسلام: شراك من نار, أو شراكان من نار))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 عندما قال ذلك: خاف الصحابة, فردة حذاء صغيرـ نعل ـ وضعه مع الغنائم, فهذا الحديث الرابع: أنا أعده يقصم الظهر, وخطير جداً؛ هناك صلاة, و صوم, و حج, و زكاة, و حضور جمع وجماعات, و مظاهر دينية صارخة, لكن لا يوجد استقامة, النبي قال: إلى النار, لا يوجد دين منفصل عن الاستقامة, كل الدين يظهر بالتعامل المادي, كل الدين يظهر بالعفة عن النساء اللاتي لا يحللن لك, فإذا تساهل الإنسان في موضوع النساء, تساهل في موضوع المادة, يدخل أحياناً بتحكيم في خصومات مالية, يأخذ الملايين, ولا يعترف بها, ويأكلها حراماً, ومحسوب على المسلمين؛ ومحسوب من رواد المساجد, ومحسوب أنه يصلي, ومحسوب صاحب دين, فلذلك: الناس إذا قلت لهم: صاحب دين, يقولون لك: لا, ليس صاحب دين, ربط صاحب الدين بإنسان يؤدي العبادات, لكن بالمعاملات غير جيد.
 فالنبي نفى عنه الإيمان كلياً, لا تقل صاحب دين عن إنسان يصلي بالمسجد, قل صاحب دين عن إنسان ورع, لا يأكل درهماً حراماً, وقل هذا صاحب دين إن كان لا يأخذ ما ليس له, والإنسان يوضع في امتحانات كثيرة جداً, فإذا قال: لا تدقق, الله لن يحاسبك الآن, أنا عندي أولاد, وأمر بضائقة مالية و لهذا سأقبل, يكون قد وضع صلاته, وصيامه, وحجه بالحاوية وانتهى.

 

الدين أن يترفع الإنسان عن الحرام :

 دينك ورعك, دينك استقامتك, دينك أن تترفع عن الحرام, أعرف أحد أخواننا له أخت, توفي والده, ترك بيتاً بأرقى أحياء دمشق، ساكن فيه الابن, والأخت متزوجة ـ خذ من هذه الحالة مئة حالة ـ دائماً عندما تطالب بحقها يقول لها: تعالي و اسكني إذا كنت تريدين, فعليك أن تقيّمه فارغاً, وتعطي أختك نصيبها من هذا البيت بالتمام والكمال, هذا الحق.
 لي قريبة, توفي زوجها, عندها أولاد زوج, له زوجة سابقاً توفيت له منها أربعة أولاد كبار, ثم تزوج قريبتي وتوفي, أول شيء قال لها زوجها: لي خمسمئة ألف عند التاجر الفلاني, هذه الأموال لك إذا توفيت, ولا يوجد ورقة, ولا قلم, ولا تصريح منه, ولا شيء, فكان أول موقف أن الأولاد ذهبوا للتاجر, وقالوا له: اعمل تنازلاً من والدنا لخالتنا, الخالة تفاجأت، كلمة تكلمتها, قال لي: الخمسمئة ألف لك, كان مهرها خمسة عشر ألفاً, أعطوها المهر بالتمام والكمال, ثم سألوا عالماً جليلاً, قال: تسعون ألفاً على السعر الجديد ـ على القيم الثابتة ـ أعطوها تسعين ألفاً, طبعاً هذا الحق لأنه نادر يلفت النظر؛ هو ليس نادراً, هذا هو الحق، التصريح يقوم مقام الكتابة, إذا كان هناك صدق ببساطة أعطوها نصف مليون, ومهرها كان خمسة عشر ألفاً, صار تسعين ألفاً، وكل حاجاتها مؤمنة, ولم يزعجوها إطلاقاً, هذا الدين.
 الآن تجد إذا مات الأب, وكان للأولاد خالة ـ امرأة أب ـ يطردونها من البيت فوراً, ولا يعطونها شيئاً, أحد الأولاد يقول: هذه من رائحة أبي, يأخذ الساعة, هذه من رائحة أمي, يأخذ السجادة, هذا من دون توزيع الإرث, يقول لك: نحن أصحاب دين, نحن نصلي بالجامع, قضية الدين قضية خطيرة جداً.
 النقطة الدقيقة أن قضية الدين قضية دقيقة جداً, لماذا الناس كرهوا الدين؟ لماذا كفروا بالدين؟ شخص أضاع خمسين ليرة ذهباً, فقال: يا رب أسألك ألا يجدها رجل دين؛ لأنه يأخذها ـ أصبح في طرفة ـ كيف تستطيع أن تتوازن؟ كيف تقدر أن تنام الليل؟ كيف تقدر أن ترتاح ويوجد مال ليس لك أنت أخذته؟

 

الورع يجد الطريق إلى الله سالكاً :

 المستقيم يجد الطريق إلى الله سالكاً, إذا أحب أن يصلي لا يوجد حجاب؛ لأنه لم يأكل مالاً حراماً, أنت بإمكانك أن يكون دخلك وسطاً، ليس شرطاً أن تكون مرفهاً كثيراً في الدنيا, ولكن الشرط أن تكون مرفهاً مع الله؛ لأنك لم تأكل مالاً حراماً, هذه الأحاديث موجودة في البخاري ومسلم .
 فإذا أكل الإنسان دجاجة, شاة, حصاناً, جملاً, فضة, ذهباً, أخذها وليست من حقه, طبعاًً الغلول له معنى واسع, ينطلق من غنائم الحرب، الذي يخص نفسه بشيء من غنائم الحرب قبل أن توزع؛ هذا غلول.
 فكل شيء يأخذه الإنسان ليس له وحده هذا غلول، مثلاً هذا المحل؛ زبون جاء للمحل, وأنت مثلاً دللته على بضاعة معينة, أعطاك صاحب البضاعة مبلغاً, هذا ليس لك وحدك, لك ولشريكك, جاء إلى المحل زبون, يريد بضاعة, لا يوجد عندك, قلت له: فلان يوجد عنده, فلان بعث لك عشرة آلاف ليرة مساء, هذه إكرامية لك مقابل أنك دللته, هذه لا نضعها في الجيبة, رأساً تدخل في الحسابات, هذا هو الدين:

((ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام))

[ورد في الأثر]

 مرة قرأت: الوحي تأخر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال للسيدة عائشة: يا عائشة لعلها تمرة كانت على السرير أكلتها من تمر الصدقة.
 تمرة واحدة، وجدها على السرير, فأنت بقدر ما تكون ورعاً, تكون عاقلاً, وكلما كنت ورعاً أكثر تجد الطريق إلى الله سالكاً, وكلما كنت ورعاً أكثر تجد للصلاة طعماً, وللصوم طعماً, وللحج طعماً, وللزكاة طعماً, تجد الدين له انسجام؛ انسجمت مع الحقائق, و اسمك يتألق, واسمك نظيف, والناس يحمدون هذا الدين.

 

الدين ليس عبادات فحسب بل انضباط مالي و اجتماعي أيضاً :

 أنا أذكر قصة ـ سبحان الله ـ أحد أخواننا موظف بسيط جداً بمؤسسة حكومية, لها مدير عام, قدم لمعلمه طلب إجازة ستة أيام, قال له: نحن بضائقة, لا يوجد إجازة, فقال له: لا, أنا مستهلكها, فقال له: كيف تستهلكها ولم تأخذ إذناً مسبقاً؟ فقال له: أنا أصلي الظهر, وأسمع درساً كل يوم عشر دقائق، جمعتهم فأصبحوا ستة أيام، حتى لا آكل مالاً حراماً، فدهش هذا المدير أنه هل يوجد إنسان بهذا الشكل! ترك كل يوم ثلث ساعة صلاة, ودرس عشر دقائق, جمعهم فكانوا ستة أيام, فقال لي: المدير ليس رجل دين، و أكبر مفاجأة أنه سألني أين تحضر؟ فقلت له: في الجامع الفلاني، فتفاجأ لأنه لقي المدير العام في الجمعة الثانية جالساً في المسجد نفسه، قال لي: والله لا يوجد قوة تأتي به إلى الجامع, بعيد كثير البعد عن الدين.
 و هكذا نجد أن ورع هذا الإنسان هو الذي شده إلى الدين:

((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))

[الجامع الصغير عن أنس]

 أنت عندما تكون ورعاً, يقال لك: صاحب دين؛ أصبح للصلاة طعم, للحج طعم, أما إذا أديت العبادات, ولا يوجد ورع؛ الطريق إلى الله غير سالك, أما الأحاديث: شيء مخيف؛ في جهنم, هو في النار في عباءة أخذها, في شملة أخذها, فالإنسان لا يظن الدين عبادات, الدين انضباط مالي, والدين انضباط اجتماعي, و الدين انضباط بعلاقته بالنساء, فالإنسان إذا انضبط بهاتين النقطتين الدقيقتين يجد الطريق إلى الله سالكاً, وهذا الشيء مهم جداً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور