- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠5إتحاف المسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
امتحان الإنسان في الحياة الدنيا :
أيها الأخوة الكرام:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إِن الدنيا: حُلْوةٌ خَضِرَة، وإن الله مُستَخْلِفُكم فيها، فناظرٌ كيف تعملون؟ فاتَّقُوا الدنيا، واتَّقوا النساء))
فاتقوا الدنيا, واتقوا النساء؛ أما أن الدنيا حُلْوةٌ خَضِرَة فالله عز وجل أودع في الإنسان شهوات, وهذه الشهوات تدفعه إلى أن يرويها, وأن يمارسها من خلال حركته في الحياة الدنيا؛ فالمال محبب, والبيت محبب, والمركبة محببة, والمرأة محببة, هذه شهوات الدنيا محببة للنفس؛ كالنبات الأخضر الريَان, خضرة أي نضرة النضر المتألق, وإن الله مُستَخْلِفُكم فيها؛ من معاني خضرة أنها محببة, ومن معاني خضرة أنها سريعة الذبول, الشيء الأخضر سريع الذبول, لا يستمر طويلاً؛ الربيع قصير, الأزهار قصيرة العمر, الأشياء الجميلة لا تدوم طويلاً, فأولاً: سريعة الانقضاء, وثانياً: محببة.
الحقيقة الإنسان ممتحن في الدنيا, قد تعرض له شهوة, لا ترضي الله عز وجل, فالإنسان يمتحن بمال يأتيه وفيراً من طريق غير مشروع؛ فإما أن يتقي الله, ويقول: الله غني, معاذ الله! وإما أن تضعف نفسه, فيأخذ هذا المال ـ امتحن بالمال ـ قد يسكن بيتاً: القانون معه؛ فإما أن يغتصبه, ويتمتع بمساحته, وميزاته, ويغضب الله عز وجل, وإما أن يدعه لصاحبه, ويسكن بيتاً أقل منه ـ امتحن ببيت ـ قد يمتحن بمركبة, تأتيه بطريق غير مشروع, وقد يرفضها, أي الشهوات التي أودعها الله في الإنسان:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾
هذه الشهوات: إما أن يسلك في تحقيقها منهج الله عز وجل؛ ولا شيء عليه, وإما أن يتجاوز منهج الله؛ فيأخذ ما ليس له, ويستمتع فيما لا يحل له, ويغتصب ما لا يملكه,
((وإن الله مُستَخْلِفُكم فيها، فناظرٌ كيف تعملون؟ فاتَّقُوا الدنيا، واتَّقوا النساء))
المال والمرأة نقطتا ضعف في حياة الإنسان :
الحقيقة يبدو أن الشهوات المتغلغلة في أعماق الإنسان هي شهوة النساء؛ فلذلك: الإنسان قد يترفع عن السرقة, لكن قد لا يستطيع أن يغض بصره, أو أن يمد يده؛ فهذا توجيه نبوي: "إن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
المال والمرأة نقطتا ضعف في حياة الإنسان؛ فإذا حصّن نفسه في هاتين النقطتين نجا، فاتَّقُوا الدنيا أي اتقوا زينة الدنيا, اتقوا مال الدنيا, اتقوا مباهج الدنيا, اتقوا الشهوات التي في الدنيا, واتَّقوا النساء ـ عطف الخاص على العام ـ والنساء في الدنيا، لكن لأهمية هذا الشيء خص بكلمة مستقلة:
((فاتَّقُوا الدنيا، واتَّقوا النساء))
؛ وفي روايات كثيرة: "إن فتنة بني إسرائيل: كانت في النساء"؛ فالإنسان عندما يكون عفيف النفس؛ يستعمل غض البصر, ولا يخلو بامرأة, ولا يمد عينه إلى ما متع الله به أزواجاً غيره ينجو، لأن:
((من غض بصره عن محارم الله ـ أو عن محاسن امرأة ـ أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه))
فالصفة الأساسية للمؤمن هي العفة.
من يؤمن بقضاء الله وقدره وبحكمة الله المطلقة يقنع باليسير :
وعن أبي عبد الرحمن الحبلي قال:
((سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ، وسأَله رجل، فقال: ألست من فقراء المهاجرين؟ ـ أي ألست فقيراً؟ ـ فقال له عبد الله: أَلك امرأةٌ تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكنٌ تَسْكنُهُ؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإنَّ لي خادماً، قال: فأَنت من الملوك))
انظر إلى أساسيات الحياة؛ مسكن يأوي إليه؛ له أهل, له أولاد, وله دخل يغطي نفقاته, وعنده خادم, قال له: أنت من الملوك, أين الفقر إذاً؟ هذا مصداق النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))
((قال له: ألست من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: أَلك امرأةٌ تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكنٌ تَسْكنُهُ؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإنَّ لي خادماً، قال: فأَنت من الملوك))
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه, أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((قد أفْلَحَ مَنْ أسلم، ورُزِقَ كفافاً، وقَنَّعه الله بما آتاه))
أحياناً الدنيا تغر, وتضر, وتمر, فالذي آتاه الله رزقاً كفافاً يغطي حاجاته, والله عز وجل متعه بصحة, وقَنعه بما آتاه، فقد أفلح، هناك إنسان على مال كثير؛ لكنه غير قانع, يتطلع إلى مال الآخرين, على مال وفير؛ لكنه غير قانع, يتطلع إلى مال الآخرين, وإنسان الله عز وجل رزقه حلالاً طيباً, قد يكون قليلاً؛ لكنه قانع فيه، العبرة بالقناعة؛ حينما تؤمن بقضاء الله وقدره, وحينما تؤمن بحكمة الله المطلقة, وحينما تؤمن بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان, حينما تؤمن بهذا الإيمان عندئذ تقنع باليسير.
من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر :
القاعدة الشهيرة: "خذ من الدنيا ما شئت, وخذ بقدرها هماً, ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه, وهو لا يشعر"
هناك مئات القصص عن إنسان غني غنى فاحشاً, يُبلغ أن عليه ضريبة, فيصاب بالجلطة, ويقع ميتاً, يبلغ بالضريبة فقط, هذا شهيد الضريبة؛ "فخذ من الدنيا ما شئت, وخذ بقدرها هماً, ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه, وهو لا يشعر".
الإنسان عندما يكبر حجمه كثيراً تأتيه هموم لا يعلمها إلا الله, وهو ماذا يأكل؟ لقيمات؛ ينام على سرير واحد, ويلبس رداء واحداً, ويأكل لقيمات, وما سوى ذلك خادم, وعبد لهذا المال, لا ينام الليل؛ فأنا دائماً أقول: في حدّ بالمادة خط أحمر, دونه: هو في خدمتك, وهو من هذا الخط أنت في خدمته, وإذا كنت في خدمته ضيعت الدنيا والآخرة، لذلك:
((قد أفْلَحَ مَنْ أسلم ، ورُزِقَ كفافاً ، وقَنَّعه الله بما آتاه))
من رزق كفافاً و راحة فهو ملك من ملوك الدنيا :
وعن أبي هريرة قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((اللَّهمَّ اجعَل رِزقَ آلِ محمدٍ قُوتاً , وفي رواية: كَفَافاً))
أي المنتمي إلى هذا النبي العظيم, المتبع لهذا النبي, الذي يحب هذا النبي, "اجعل قوته رزقاً" أي يكفيه, يعيش ليس عنده هموم.
الآن هناك إنسان لا ينام مساء؛ البناء الفلاني, والمبلغ الفلاني, والاستثمار الفلاني, والشركة الفلانية, إذا فكر في كل جهة خمس دقائق لا ينام .
((اللَّهمَّ اجعَل رِزقَ آلِ محمدٍ قُوتاً, أي: كفافاً))
والعادة إذا كان رزق الإنسان كفافاً, أي مستور اليدين، لا يوجد شيء يضايقه, فقد ملك الدنيا، لأنه أحياناً تأتي على بعض التجار أيام, يقول لك: أشتهي أن آكل خبز و زعتر عند الظهيرة لكن لا أقع في مشكلة, تأتيه مشكلات لا ينام الليل؛ خوف, وقلق, واضطراب, هناك كثير من أمراض العضال تأتي فجأة من أخبار سيئة؛ فراحة البال لا تقدر بثمن؛ الذي ليس عنده مشكلة كبيرة, لا يوجد مشكلة صحية كبيرة, لا يوجد مشكلة مالية كبيرة, ليس ملاحقاً, ليس متهماً, لا يوجد عليه محكمة, لا يوجد إذاعة بحث, لا يوجد تقرير طبي مزعج جداً, يريد عملية في أمريكا، أموره العامة جيدة، هذه نعمة كبيرة جداً؛ هذا الذي رزق كفافاً, ورزق راحة البال, هذا ملك من ملوك الدنيا.
العاقل من أعدّ لآخرته قبل دنياه :
وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((يَتْبَعُ الميتَ ثلاث: أهلُه، ومالُه، وَعَمَلُه؛ فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهلُه ومالُه، ويبقى عَمَلُه))
مشى الأهل, وقد يمشي معه بعض ماله, سيارته تمشي في الجنازة مثلاً, ابنه سائق السيارة؛ قد يمشي بعض ماله إلى القبر, وبعض أهله، يصل إلى القبر, يوضع في القبر وحده مع عمله, ويرجع الباقي.
أي عملت ببيت, بعد أن انتهت الترتيبات الأخيرة, كل شيء انتهى؛ أي: أفخر أنواع الكسوة, أفخر أنواع البلور, أفخر أنواع الجبصين, أفخر أنواع المطابخ, أفخر أنواع الأجهزة الكهربائية، البيت أصبح منظماً, يريد أن يسكنه صاحبه غداً، في اليوم الثاني كان خبره، جاء أهله, سكنوا, نسوا، و انتهى كل شيء، هكذا الإنسان تجده دائماً ينسى.
الآن انظر: أول يوم وفاة؛ شيء لا يحتمل؛ صراخ, وقتل, وضرب, هؤلاء الجهلة, بعد شهر تجد لا يوجد شيء؛ صار هناك غناء بالبيت, وضحك, تمضي سنة لا تجد شيئاً؛ كأن الرجل ما كان موجوداً, البيت يعمر, والذي أمّن البيت, والذي أمّن للأولاد أعمالاً؛ كل الجهود هذه أصبح شخصاً عادياً, الأهل عاديون جداً؛ أكلوا, وشربوا, وسافروا, ورجعوا, وهكذا.....
فالعاقل إذا جاءت منيته يضحك وحده, ويبكي من حوله, والأقل عقلاً يبكي, ويبكون, والمجرم يعامل أقسى معاملة بعد الموت, وأهله يقولون: وجهه منور, ويمدحونه مدحاً خرافياً؛ مدحاً ليس له أي معنى؛ لم يصلِّ وقتاً في حياته, وجهه ممتلئ نوراً ـ هؤلاء النسوة يبالغن كثيراً ـ هو يتعذب, والناس يمدحونه؛ فهذه مشكلة كبيرة.