- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠5إتحاف المسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
على الإنسان أن يعرف الله المعرفة التي تحمله على طاعته :
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة, بعد أن يعرف المؤمن ربه، المعرفة في حدها الأدنى التي تحمله على طاعته؛ أية معرفة بالله لا تحمل المؤمن على طاعته لا قيمة لها, ولا تنجيه من عذاب النار, ولا من عذاب الدنيا, كل إنسان قال: لهذا الكون إله؛ فهو مؤمن, وقد يمضي في جهنم ألوف الملايين من الأعوام, فإذا شخص قال: إن للكون إلهاً؛ صار مؤمناً، دخل في دائرة الإيمان, لكن الإيمان لا يجدي إطلاقاً, ولا يغني, ولا ينجي, ضمن هذه الدائرة الكبيرة جداً، هناك دائرة أصغر منها؛ إذا دخل الدائرة الثانية حمله إيمانه على طاعة الله.
لذلك: أية مشكلة؛ الإنسان حينما يعصي, حينما يشذ, حينما ينحرف, حينما يقع في المخالفات، يجب أن يتهم إيمانه, والدليل: دعاء النبي: "اللَّهمَّ اقْسِم لنَا من خَشْيَتِكَ, ما يَحُولُ بيننا, وبين معاصِيك"؛ الخشية غير كافية, الخشية من الله غير كافية, أي إذا إنسان شهر عليك مسدساً؛ وقال لك: إن فعلت هذا أطلقت النار عليك, المسدس أمام عينك, ولا يوجد فيه رحمة, ولا يعبأ لو أنه أطلق النار، مستحيل أن تعصيه؛ فما دام هناك معصية فالخشية ضعيفة؛ الخشية ضعيفة, المعرفة ضعيفة؛ معرفة, خشية, طاعة, ضعف معرفة, ضعف خشية, معصية.
فالإنسان لا يجديه إيمانه إن لم يحمله على طاعة الله؛ الآن: بعد أن حمله إيمانه على طاعة الله, ما هو أعظم عمل يفعله على الإطلاق؟ أن يتحرى الحلال والحرام، انظر إلى المرحلة المكية، مرحلة معرفة الله, في المدينة تشريع، اتفقنا أن لهذا الكون إلهاً عظيماً, خالقاً حكيماً, رباً مسيراً, إلهاً قديراً, وهناك جنة ونار, والحياة إعداد للآخرة؛ الآن هناك حركة، تريد أن تأكل, تريد أن تعمل, تريد أن تبيع, تشتري, هناك حركة يومية يلابسها الكذب, والصدق, والاستقامة, والانحراف, والغش, والتدليس, والإيهام؛ يلابس هذه الحركة.
بطولة الإنسان أن يفرق بين برّ الوالدين و طاعتهما :
الآن: بعد المعرفة بالله الكافية لحملك على طاعته, أعظم عمل أن تعرف الحكم الشرعي؛ لأنك بالكون عرفته لكن بالشرع تعبده, الآن: أريد أن أعبد الله, أريد أن أتقرب منه بتنفيذ أمره, وترك نهيه، من هنا جاء هذا الحديث:
((إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات))
عقوق الأمهات بعد الإشراك بالله, أكبر جريمة أن تعق الذي كان سبب وجودك, أن تعق الذي كان يجوع لتأكل, ويعرى لتكتسي, ويسهر لتنام, ويفتقر لتغتني, هذا الذي كان سبب وجودك, الإساءة إليه مشكلة كبيرة جداً:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
أي رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادة الله عز وجل:
((إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات))
قد يقول أحدنا: والآباء؟ والآباء طبعاً, لكن الأم أكثر اهتماماً, وأكثر بذلاً, وتضحية من الشاب؛ فأمك, ثم أمك, ثم أمك, ثم أباك، أحياناً يختلط هذا البر, ينقلب إلى طاعة؛ فلو أن أماً أمرت ابنها بمعصية لا طاعة لها, هناك أولاد عندهم بر شديد؛ هذا البر يسوقهم إلى أن يعصوا إرضاء لأمهاتهم, هذا خطأ كبير, أنا لا أعتقد أن على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة, رجلاً أحب رجلاً كحب سيدنا الصديق لرسول الله, أما حينما مات, قال: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
أروع ما في هذا النص كيف استطاع أن يميز؟ كيف أن هذا الحب الشديد لم يحمله على أن يشرك؟ سيدنا رسول الله، سيد الخلق, قال: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً ـ لم يقل: رسول الله, نص ثابت ـ قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
هنا البطولة: أن تفرق بين بر الوالدين, وبين طاعة الوالدين, أحياناً أبناء من أجل أن يبر أمه يظلم زوجته، من أجل أن يبر أمه يحرم أخوته البنات من الميراث, من أجل أن يبر أمه يرتكب المعاصي, وهو لا يشعر؛ فالتطرف سهل جداً, أما التوازن يحتاج إلى بطولة, تعرف حق الأم, قالت له: "إما أن تكفر, وإما أن أدع الطعام حتى أموت, قال لها: يا أمي, لو أن لك مئة نفس, فخرجت واحدة واحدة ما كفرت بمحمد, فكلي إن شئت, أو لا تأكلي " أنا أواجه في الأسبوع عدة فتاوى, المشكلة أن أماً ظالمة, وتحمل ابنها على الظلم, يقول لك: أمي, وإذا أمك! الله فوق أمك, والحق فوق أمك, وإعطاء الناس حقوقهم فوق الأم, ليس المعنى: أن تكون قاسياً, لا, كن لطيفاً:
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾
دائماً إذا كنت ليناً سهلاً, إذا كنت قاسياً صعباً, أما أن تجمع بين اللين والقسوة فهنا البطولة، أن تجمع بين أن يرجوك الناس وأن يهابوك القضية ليست سهلة, حتى إنك تجد أحياناً آباء على درجة كبيرة من اللين, و آباء على درجة كبيرة من العنف؛ صار كلاهما على خطأ, أن تجمع بين اللين ـ عند اللين ـ والشدة ـ عند الشدة ـ.
الابتعاد عن وأد البنات بالمعنى الضيق و الواسع :
((إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات))
الحقيقة من يقبل أن إنساناً عنده طفلة جميلة جداً, بعمر الزهور, يعمل لها حفرة, وينزلها فيها, و ويهيل عليها التراب!، والله الذي لا إله إلا هو الإنسان الحضاري الآن, إنسان القرن العشرين، المتنور, الذي يطلق لابنته العنان لترتدي الثياب الفاضحة, تثير الشباب في الطريق, تؤذي كل من نظر إليها, هذا وأدها لكن بشكل بآخر, هذا وأدها في النار, إلى أبد الآبدين, هذه الطفلة الصغيرة الجميلة, لما وضعتها في الحفرة, وأهلت عليها التراب, في ربع ساعة مزعجة حتى تختنق، مصيرها إلى أين؟ إلى الجنة, أما هذه الفتاة الكبيرة, التي أطلقت لها العنان, واستمرأت الفسق, والفجور, والمعصية, وإثارة الشباب, والأب مرتاح، ليس عنده مشكلة أبداً, مرتاح أن الفتاة ترتدي هذه الثياب, يطلق لها العنان في السهر, والسفر, هذا يوأدها, وهو لا يشعر, أريد الدليل القرآني, قال تعالى:
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾
إذا قتلت إنساناً يذهب شهيداً ـ قتلته ظلماً ـ, أما إذا فتنته يذهب لجهنم؛ أيهما أهون؟ إذا قتلته يذهب شهيداً, إذا أفسدته يذهب إلى جهنم أبد الآبدين, لذلك:
((إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات))
بالمعنى الضيق انتهى هذا, لا أعتقد إنساناً يئد ابنته, لكن يمكن أن يرسلها لتعمل في دول شرق آسيا, تعمل في الخليج, قال لي إنسان ـ كان على ما أعتقد في الخليج ـ: هناك شخص ينتقي فتيات بارعات في الجمال, خمس فتيات أو ست موجودات في البيت, وعنده شباب؛ المقصود صار هناك انحراف آخر, ليس موضوع خدمة.
الإنسان عندما يدرك عواقب الأمور يسعى للآخرة :
لذلك: ووأد البنات، عندما تفسد البنت كأنك وأدتها, كان هناك وأد بالمعنى الضيق؛ أفق ضيق, قلب قاس, بنت جميلة جداً, يضعها في حفرة, ويهيل عليها التراب, والآن هناك وأد من نوع ثان.
الإنسان عندما يدرك عواقب الأمور؛ يرى الخط مبكراً, الإنسان يرى الآخرة, الكافر يرى الدنيا, فالكافر إذا لقي ابنته جميلة, ويلبسها أجمل الثياب, ويزهو بها أمام الناس، يرى الدنيا, أما المؤمن يرى الآخرة, هذه معتدية، الفتاة التي تبرز مفاتنها في الطريق هذه معتدية.
((إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات))
ثياب الرجل ليس لها علاقة بدينه, أما ثياب المرأة كل سنتيمتر من ثوبها له علاقة بدينها, إذا كان فضفاضاً له وضع، ضيقاً له وضع آخر، سميك، رقيق, معنى هذا أن كل سنتيمتر في اللباس له علاقة بدينها, وورعها, تجد امرأة ثيابها فضفاضة, ساترة إلى الأرض, لا تثير فتناً إلا الاحترام, تمشي في الطريق, شعورك تجاهها الاحترام, ولا تثير فيك أي معنى جنسياً؛ لأنها لم تظهر شيئاً:
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾
أبداً, طبعاً إلا استثناء, أما في الأصل هذا الجمال لزوجها فقط, ليس بالعمومي, بالخصوصي ـ خاص لزوجها ـ.
من يمنع الحقوق أن تصل إلى أصحابها أو يأخذ ما ليس له فهو في النار :
((إن الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات، ووأد البنات، ومنعَاً وهات))
منع الحقوق أن تصل إلى أصحابها.
أعرف شخصاً ترك عشرين مليوناً بالدولارات, عنده ابن, وخمس بنات, صار هناك حرمان تجاه البنت، أي إذا أعطيتها ذهب المال للصهر, ما معنى منعاً: منعت الحق أن يصل لصاحبه, كأن الله عز وجل تشريعه غير مقبول عند الناس, إله شرع, أنا أعرف شخصاً الأب ترك لهم بيتاً فخماً جداً, الوريث أخ وأخته فقط, والابن ساكن في البيت, ومتزوج, وأمه معه, والأخت تسكن في بيت زوجها, يأتي الأخ يقيّم البيت وهو فارغ بالملايين, ويعطي أخته نصيبها بالتمام والكمال, عداً ونقداً؛ هذا الحق, أما هناك ألف شاب إذا أرادت الفتاة أن تأخذ حصتها من بيت أهلها الذي يسكن الأخ فيه يقول لها: هذا بيت العائلة تعالي و اسكني! يستهلك هذا البيت لنفسه, ومتزوج, وأخته لا تستطيع أن تأتي إلا ضيفة.
(مَنْعاً وهاتَ): منعت الحق أن يصل لصاحبه, وأخذت ما ليس لك, والدين هنا يظهر؛ أكثر الناس يقول لك: ابتعد عن أهل الدين, لأن عنده تجارب مرة؛ الذي يصلي يكذب, يصلي يأكل حراماً, ربطهم مع بعضهم, شخص ضيع خمسين ليرة ذهباً, قال: يا رب أرجوك ألا يجدها صاحب دين؛ لأنه يجد لها فتوى فيأخذها, صار عند الناس الدّين يحتال, الدّين يأخذ ما ليس له، هذه من تجارب الناس المريرة.
(مَنْعاً وهاتَ): أن تأخذ ما ليس لك, هذا الشيء: ليس لي, ومنع :أمنع الحق أن يصل إلى صاحبه.
الابتعاد عن القيل و القال :
((وكره لكم قيل وقال))
في التعبير الدارج العيب.
هناك ألف موضوع في الإسلام لا يلزم, لا تحتاجه أبداً, انظر إلى الصحابة كيف وصلوا؟ انظر إلى الموضوعات التي لم يعالجها الصحابة أبداً, ولا طرقوها, ولا فكروا فيها, ولا اهتموا فيها, ووصلوا إلى أعلى عليين:
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
هناك تعبير حديث اسمه عملي؛ هناك إنسان عمل،: تجد قضية مشروحة بمئة صفحة, وقال فلان, وقال فلان, وقال فلان, وأعرض فلان, وانتقد فلان, وفصل فلان, والقضية كلها غير واقعية, وليس لنا علاقة بها إطلاقاً؛ مثلاً: يوجد عندنا شيء اسمه عتق العبيد، في كل حياتنا لا يوجد عندنا عبد، لا يوجد هذا الموضوع, فهل من الممكن أن تقضي فيه سنوات؟
شخص أحب أن يسلم فأسلم, جاء ليتعلم الدين على يد شيخ بمصر, ستة أشهر و هو يعلمه أنواع المياه, حتى خرجت نفسه من جلده, فترك الدين, التقى صدفة مع عالم ثان, قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه, قال له: تمضمض, لماذا تتمضمض؟ هذا الماء تستسيغ أن تضعه في فمك, واستنشق له رائحة, أنت لما وضعته في فمك مضمضة, واستنثرته استنشاقاً, معنى هذا أن الماء جيد, فالماء الذي تشربه توضأ منه؛ كن عملياً, ركز جهودك على أشياء واضحة, هناك كثير من الأشياء الآن لا نحتاجها.
على الإنسان أن يضع لنفسه دائرة حمراء لئلا يتدخل فيما ليس له به علم :
لذلك في الفقه تجد مسائل لن تقع في كل الحياة ولا مرة واحدة, تجد الإنسان يريد أن يحفظها, ويعلق عليها, فهذه القيل والقال، تدخل القرآن مخلوق, ما معنى مخلوق؟ أي موضوع, أي آلاف مؤلفة دخلوا السجون في العصور العباسية, وصار قهر, وصار مشكلات لا تنتهي, والموضوع كله الصحابة لم يعالجوه أبداً, والنبي لم يتكلم فيه؛ هذا القرآن فيه إعجاز, والإعجاز دليل أنه كلام الله, أما قديم, حادث، لا يهمنا هذا الموضوع, دخلنا في ذات الله في الموضوع, ضع لنفسك منطقة حمراء, ممنوع التفكير في ذات الله؛ لأنه لا يوجد إنسان يستطيع أن يصبر دقيقة, مخلوق, حادث, يريد أن يحيط بخالق أزلي, أبدي، هذا صعب جداً, لذلك أنا أقول لشخص: أنت تفكر في القضاء والقدر جداً لماذا تخاف؟ أن يكون الله ظالماً! الله عز وجل نفى عن نفسه الظلم في مئات الآيات, ألا تصدقه؟ قل لي: ما هو موقفك؟ لست مصدقاً, لن تستطيع أن تثبت عدالة الله في عقلك إلا أن يكون لك علم كعلم الله, وهذا الشيء مستحيل, لذلك: صدق عدالته بالإخبار، أخبرك أنه عادل, قال:
﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾
العلم الذي لا يبنى عليه شيء لا قيمة له :
يوجد عندنا قاعدة مهمة: العلم الذي لا يبنى عليه شيء لا قيمة له، ابحث عن مسألة, يبنى عليها حكم شرعي, أو نهي, مباح, حلال, حرام, مستحب, مكروه, ابحث عن قضية يبنى عليها حكم, أما هناك آلاف القضايا لا يبنى عليها حكم, أنا أدخل في هذه الخلافات بين الصحابة, أنا ليس لي شأن, قد تكون مبالغ فيها, قد تكون ليس لها أصل, إذا كان لها أصل الله عز وجل قال:
﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾
لم ينف عنهم الإيمان, الله عز وجل قال:
﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾
أنا لا أستخدم مشكلة في التاريخ, وأجعلها سبباً للفرقة, الآن: إذا شخص أخذ هذه الآية:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾
الآية يلغى فيها ثلاثة أرباع الموضوعات المطروحة على بساط البحث.
الإنسان إذا اتصل بالله استنار قلبه :
((وكره لكم قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعة المال))
إضاعة المال كرهها الله عز وجل, إذاً: حرّم الله عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات، ومَنْعاً وهاتَ ـ أي أن تمنع الحق أن يصل إلى أصحابه, وأن تأخذ ما ليس لك ـ وكره لكم قيل وقال ـ عمل غير مجدي, متعب, يستهلك الوقت, ولا يوجد ثمرة منه ـ وكثرة السؤال ـ حينما يكثر السؤال هو ليس مستنيراًـ.
الإنسان إذا اتصل بالله يستنير قلبه, تجد عنده شعوراً؛ هذا الشيء غلط, وهذا الشيء صواب, إذا كان مقطوعاً عن الله لا يجد عنده إلا السؤال؛ سؤال, سؤال, الله ماذا قال عن الصحابة, قال:
﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾
أصبح عنده نور في قلبه؛ تجد الشيء الغلط يبتعد عنه, والصحيح يطبقه, وعندما تأتي الآية تحرم الغلط الذي عنده يفرح, عنده مقياس فطري صحيح, تطابق القياس الشرعي مع القياس الفطري عنده.
وإذا صار الإنسان مع الله يقول لك: لم يعجبني شيء, لم أحبه، عنده مقياس فطري, فرح الصحابة الكرام بما نزل من آيات القرآن الكريم دليل أن مقياسه صحيح.
الابتعاد عن التبذير و الإسراف :
أما إضاعة المال أنقل لكم ما قاله العلماء: " إن المراد به: الإسراف في إنفاقه؛ الإسراف متعلق بالمباحات" .
أحياناً يأتي شخص بفواكه كثيرة أكثر من الحد المعقول, أو يشتري ألبسة أكثر من الحد المعقول؛ هذا إسراف, لكن اللباس شراؤه مباح, والطعام شراؤه مباح, التبذير في المعاصي والآثام, الذي يشتري خمراً مبذر:
﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾
قال تعالى:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾
فقال الجمهور: "المراد بإضاعة المال الإسراف في إنفاقه, وقيده بعضهم بالتبذير، أي إنفاقه في المعصية".
سمعنا من يومين: حصل عرس بخمسة وثمانين مليوناً، هذا أعلى رقم؛ عرس وحده بليلة كلف ذلك المبلغ, طبعاً بالمعاصي, والآثام, قال لي أخ: عندي قطعة أرض صغيرة في الغوطة, رأى عامل باطون, قال له: سأعمل لك غرفة, ومنافعها, سعر المواد بخمسة وخمسين ألفاً, لتسكن, فإذا قسمنا خمساً وثمانين مليوناً على مئتين؛ كم شاب يتزوج بهذا المبلغ؟ كم أسرة تنشأ؟ الكافر إذا أنفق المال أنفقه إسرافاً وتبذيراً, وإذا منعه بخلاً وتقتيراً.
الشيء الثاني في تبذيرها تفويت لتلك المصالح؛ إما في حق مضيعها, أو في حق غيرها.
لا إسراف في الخير والشر كله في الإسراف :
يستثنى من ذلك: إنفاق المال بكثرة في وجوه البر؛ بالبر لا يوجد إسراف، لا إسراف في الخير, والشر كله في الإسراف, أما في الخير لا يوجد إسراف, أي يمكن أن يصل الإنسان بماله إلى أعلى مستوى؛ الناس يقولون: ما شاء الله! العلماء موفقون, وشخص لا يتحدث بكلمة, ليس عنده إمكان أن يعطس، فإذا أنفق ماله سبق العالم, لأن المال شقيق الروح، ليس كل شيء بالكلام, أحياناً بالفعل، حل مشكلة فقراء, زوج إنساناً, أمن عمل, سهل قضية, ولا يستطيع أن يتكلم.
أنا أعرف إنساناً ـ توفي رحمه الله ـ لا يستطيع أن يتكلم كلمة، إنسان ضعيف لم يدرس إطلاقاً؛ لكن قلبه طيب جداً, ويحب الله كثيراً, ومعه أموال، فحل الكثير من المشاكل, إنسان ليس عنده مشكلة, ما دام إنسان عنده حاجة خذ, هذا قد يصل إلى الجنة إلى أعلى مراتبها بماله وهو لم يطلب العلم, طلب العلم بشكل عام, أما بالتفاصيل لا يوجد عده إمكانية؛ لا يتكلم, ولا يفهم, لكن بماله ارتقى؛ فهنا يمكن أن تصل بهذا المال إلى أعلى درجة عند الله عز وجل, حديث جامع مانع:
((إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات، ومَنْعا وهاتَ, وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإِضاعة المال))