- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠5إتحاف المسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الله عز وجل عدل يحب كل امرئ منصف عادل :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله, على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ ـ وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ـ: الَِّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهمْ وَمَا وَلُوا))
الله عز وجل عدل, ويحب كل امرئ منصف عادل, والعدل من أسماء الله الحسنى, ولا يوجد مؤمن له صلة بالله إلا وهو منصف, والإنسان يتعرض في اليوم إلى مئات المواقف, الوهم الذي يتصوره الناس أن العدل للقضاة, للقاضي؛ أنت قاض بين أولادك, قاض بين بناتك وأزواجهن, قاض بين أخوتك, قاض إذا كان هناك ورثة, قاض إذا كنت محكماً تجارياً.
كل مسلم مهما كان شأنه قليلاً لا بدّ من أن يقف موقف القاضي, لابدّ من أن يحكم في موضوع معين؛ فالإنسان إذا كان منصفاً كان قريباً من الله:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾
الظلم ظلمات يوم القيامة :
أنت مكلف أن تعدل مع عدوك, من هو عدوك؟ الكافر المشرك, أنت مكلف أن تكون عادلاً معه؛ فكيف مع المؤمن؟ فلذلك: أنا أعاني من حكم العمل في الدعوة, أجد هناك مشكلة سببها أن الأب جاءت ابنته تشكو زوجها, أخذ موقفاً, ولم يخطر في باله أن يسأل الطرف الآخر إطلاقاً, عدّ كلام ابنته قطعياً, ولا يحتاج إلى دليل, وما كلف نفسه أن يسأل زوجها, لعلها ظلمته, ما الذي يزعجك منها؟ ما الذي تأخذه عليها؟ ليس منصفاً.
أحياناً الإنسان لا ينصف بين ابنته وبين كنته؛ المرأة لا تنصف بين ابنتها وبين زوجة ابنها, ابنتها لها معاملة, وزوجة ابنها لها معاملة؛ فما دام هناك ظلم الإنسان عند الله محجوب, وما دام محجوباً لن يقطف من ثمار الدين شيئاً؛ لا يسعد, ولا يطمئن, ولا يتفاءل, ولا يؤيد من قبل الله عز وجل, ولا ينصر فالظلم ظلمات عند الله عز وجل.
سمعت منذ أيام عن إنسان غني, تعرف على امرأة, والعلاقات نمت بينهما, إلى أن تزوجها من دون عقد, صار هناك حمل, طالبته فطردها, ركلها بقدمه, بعد أيام معدودة أصيب بمشكلة في تجارته, الرقم الأولي المكلف بدفعه يقدر بمئة و ثمانين مليوناً, والله أنا ربطت هذه بهذه, الظلم ظلمات يوم القيامة, مع أنه نُبه أن هناك مشكلة عنده, وكان بإمكانه أن ينجو لو استجاب للنصيحة, و لكنه أخرج بضاعة مخالفة للتعليمات, فكان له أحدهم بالمرصاد, فدفع مئة مليون ثم دفع مئة و ثمانين مليوناً؛ امرأة تعدها بالزواج, تتزوجها بالحرام, تمنيها أنها زوجتك, بعد أن استفدت منها تركلها بقدمك, الله كبير، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
عدل الله عدل مطلق :
أحياناً الإنسان يسمع قصة يرى عدل الله صارخاً، والله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))
كم إنسان دمر من دعوة شخص مظلوم, أعرف رجلاً في غير أوقات الدوام يمشي في الطريق, وجد سيارة حديد, أراد أن يتسلى, لمن هذا الحديد؟ سائق هذه الشاحنة أخذه من عند فلان إلى عند فلان, أي أخذه إلى المصدر, قال: ليس من عندي هذا الحديد لما عرف أن القضية قضية جمرك، من صار المسؤول؟ صاحب السيارة وهو رجل متعيش, عنده اثنا عشر ولداً, لا يعرف تعقيب القوانين, فقال له: ليس لي علاقة, قال له: أنت المسؤول، طبعاً الأنظمة النافذة تصادر, فصودرت السيارة، فانكب الرجل على رجليه يقبلهم و يقول له: أنا لا يوجد عندي غير هذه السيارة, أنا ليس لي علاقة بالموضوع، وهو يعلم علم الغيب أنه ليس له علاقة, لكن مالك السيارة هو المسؤول إذا كان هناك بضاعة غير نظامية, بعد ثلاثين يوماً من الحادثة هذا الإنسان المعتدي له مزرعة بدروشا, ابنه مريض ذهب به إلى عند الطبيب، فقال له: أرجعه إلى البيت, واذهب أنت وحدك؛ عنده سهرة في المزرعة, في الطريق يمشي وراء سيارة حديد, وهناك سيارة مازوت تسرب منها هذا السائل فأصبح الطريق زلقاً, هو ليس منتبهاً, يمشي وراء الشاحنة, وقفت, توقف, لم يستجب المكبح, فدخل في السيارة, دخل بالحديد, فقطع رأسه ـ أي هذا الحادث حادث نادر جداً ـ إنسان رأسه قي المقعد الخلفي قطع شطرين, ولا تزال السيارة حتى الآن في الحرم الجمركي، هو ظالم فمات بالحديد نفسه, بالذي صادره قطع رأسه, وله أعمال كثيرة جداً فيها ظلم, الله عز وجل انتقم منه أشد الانتقام؛ لأنه يعرف أنه ليس له علاقة.
فالإنسان قبل أن يظلم عليه أن يعد للمليون, يمكن دعوة طفل, أحياناً طفل يدعو فيدمر الإنسان, وربنا عز وجل إذا أراد أن يبطش بالإنسان انتهى, تأتيه من كل النواحي:
(( إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله, على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ - وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ -: الَِّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ, وأَهْلِيهمْ, وَمَا وَلُوا))
الإسلام منهج موضوعي كل من أخذ به قطف ثماره :
وعن العياض رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((أهلُ الجنة ثلاث : ذو سلطان مُقْسِط ـ مُتَصَدِّق, مُوَفّق ـ ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قُرْبَى مسلم، وعفيف مُتَعَفِّف ذي عيال))
مسلم عفيف، ذو عيال, و ورجل رحيم، رقيق القلب لكل ذي قُرْبَى, و ذو سلطان مُقْسِط, مُتَصَدِّق, مُوَفّق، أي هو العدل, أجمل ما في الحاكم العدل.
العدل حسن, وهو في الأمراء أحسن, والتوبة حسن, لكن في الشباب أحسن, والحياء حسن, لكن في النساء أحسن, والسخاء حسن, لكن في الأغنياء أحسن, والورع حسن, لكن في العلماء أحسن ـ أي كل إنسان له صفة ـ والصبر حسن, لكن في الفقراء أحسن.
الفقير يحتاج إلى الصبر, والغني إلى السخاء, والعالم إلى الجوع, والحاكم إلى العدل, والمرأة إلى الحياء.
فذو سلطان مقسط, متصدق, موفق، مثلاً ملك مصر, الذي كان عنده العزيز, كان عنده سيدنا يوسف؛ انظر إلى الآية, قال:
﴿َماكَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾
أي نظام الملك لا يسمح لرئيس وزارة أن يحجز حرية إنسان من دون بينة:
﴿َما كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾
لذلك, قالوا: "الكفر يدوم, لكن الظلم لا يدوم" أي إذا أنصف الإنسان بين الناس, الله عز وجل يوفقه؛ لأن الإسلام منهج موضوعي, كل من أخذ به قطف ثماره.
من وليّ أمر المسلمين و ساعدهم حفظه الله و رحمه و نصره :
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئا، فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ منْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئا فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُق بهِ))
قيل: هناك مطوف في الحجازـ موسم الحج كان شديداً جداً ـ عنده زريبة حيوانات من التنك, الحرارة ست و خمسون درجة, و الزريبة من التنك أي الحرارة داخلها تقدر بسبعين أو ثمانين درجة، وضع الحجاج في هذه الزريبة, وقبض مبلغاً كبير ـ القصة قديمة جداً ـ الآن هناك أنظمة دقيقة جداً, هناك شروط للبيت: من تكييف, من براد ماء, من عدد غرف, من عدد الحجاج في كل غرفة, الترتيب اختلف؛ الآن: الله عز وجل أصابه بمرض خبيث لأنه شق على أمة محمد, فالله عز وجل عاقبه, الذي له علاقة مع الناس يتعبهم, يخيفهم, يبتز أموالهم, يلحق بهم الضرر؛ هذا عمله مخيف, والله عز وجل بالمرصاد:
((مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئا، فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه))
أحياناً الإنسان يلعب لعبة, فيرفع السعر, والمواد أساسية؛ مثلاً إنسان بضاعته أساسية في حياة الناس, يلعب لعبة ليضاعف السعر, فيقلل من القيمة الشرائية بين أيدي الناس, كم مشكلة تنشأ بين الناس؟ إنسان له معاش كان بهذا المعاش فرضاً يشتري مئة كيلو لحم, بقي المعاش يساوي عشرة كيلو.
فكلما لعب الإنسان لعبة, ورفع السعر، الله عز وجل يشق عليه؛ لأنه زعزع استقرار الأسر, زعزع ارتباط الأبناء بأبيهم, الأب صار فقيراً, لم يعد ابنه معه, خرج عنه, إذا له رفيق غني, الابن يعيش على حسابه, وينضم لرفيقه.
فكل إنسان يقلل القيمة الشرائية بدخل الموظف, الله عز وجل يشق عليه؛ لأنه شق على أمة محمد, أحياناً موظف ضرائب يقول له: مليون, بإمكانه أن يضع الضريبة مئتي ألف, فيعطيه أعلى رقم, غير معقول! يعمل له هزة, صدمة قوية كبيرة, هو لم يتأثر, هو أعطى رقماً, وذهب؛ كم إنسان مات بالجلطة من الضريبة؟ كن منصفاً معه, لم يربح, يعطيه أكبر شريحة.
لنا أخ من أخواننا, ذهب لأمريكا ثم رجع, أحب أن يأخذ تأشيرة خروج, نريد براءة ذمة من المالية, ذهب فإذا عليه سبعمئة ألف؛ لماذا!؟ قالوا له: أنت غادرت بجواز سفر تاجر, معنى هذا أنك تاجر, فحملوه ضريبة التجارة, والاغتراب, يمكن أن يدفع ثلاثين ألفاً, بعد ذلك دفع ثلاثين ألفاً بواسطة, هو كان يعمل موظفاً, أعطاهم الثبوتيات أنه موظف عند طبيب, وهذا راتبي, وهذا عقد العمل؛ فلم يصدقه أحد, لما جاءه واسطة من إنسان أعلى منه صدقوه.
أنت كلفته بسبعمئة ألف، شاب في مقتبل حياته ماذا فعلت به؟ كل إنسان له وظيفة, لا يظن أن المشكلة سهلة, الله لن يحاسبه, يقول لك: أنا عبد مأمور, لا, أنت لست عبداً مأموراً, إذا كان هذا الشخص صديقك تجد له حلاً رائعاً جداً, معنى هذا أنك تستطيع أن تخدمه, و هناك أشخاص لا تخدمهم لأنهم غرباء لا تعرفهم، أو أردت أن تبتز ماله.
هذا حديث مخيف:
((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئا، فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ منْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئا فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُق به))
الذي في قلبه رحمة الله عز وجل يرحمه, ويحفظه, ويؤيده, وينصره, ويعطيه.
المال مال الله و هو لكل المسلمين :
آخر حديث: عن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب، ونحن بأذَرْبِيجانَ، مع عُتْبَةَ بن فرقد:
(( يا عتبةُ, إنه ليس من كدِّك، ولا كدِّ أبيك، ولا كدِّ أُمِّك ـ أنت الآن: معك أموال؛ ليست من كدك ، ولا كدِّ أبيك ، ولا كدِّ أُمِّك ـ فأشبِع المسلمين في رحالهم مما تشْبَعُ منه في رَحْلِكَ ، وإياكم والتنْعُمَ, وزِيَّ أهل الشرك، ولبُوسَ الحرير))
الإنسان له ميزات ليست من جهده, ولا من تعبه, وليس مالاً ورثه, بحكم عمل استلمه؛ فهذا المال ليس لك, لكل المسلمين.
قال له:
((أشبع المسلمين في رحالهم مما تشْبَعُ منه في رَحْلِكَ، وإياكم والتنْعُم,َ وزِيَّ أهل الشرك، ولبُوسَ الحرير))
((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ, وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّة))
إذا لم يكن ناصحاً, لم يكن أميناً, لم يكن رحيماً, حرمك الله عليه الجنة.
ابدأ من معلم صف ثم اصعد أحياناً يكون رئيس دائرة, عنده ثمانية موظفين, لم ينصف بينهم, له أقرباء منهم, حاباهم, وغير القريب ضغط عليه؛ هذا أعطاه ميزات, هذا لم يعطه شيئاً, هذا أعطاه مهمات, هذا لم يعطه شيئاً, هذا تذكره بعدة مهمات, وتعويضات, هذا لم يعطه شيئاً؛ فما كان منصفاً, وما كان عادلاً:
((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ, وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ: إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّة))