وضع داكن
29-03-2024
Logo
حياة المسلم 4 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 13 - المحافظة على الإيمانيات
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، وأنعم وأكرم على نبينا المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه .
 السلام عليكم ورحمة الهم تعالى وبركاته مستمعينا الأكارم عبر أثير إذاعتكم حياة fm في حلقة جديدة ، ومجلس علم وإيمانٍ جديد مباشرة مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الكريم أهلاً بفضيلتكم معنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
 حفظكم الله وأكرمكم شيخنا .
 حلقتنا لهذا اليوم عنوانها : " المحافظة على الإيمانيات "، بعد هذا الشهر الفضيل ، بعد شهر رمضان المبارك ، ولا زلنا في ثنايا شهر شوال العظيم أيضاً ، كيف يمكن للإنسان أن يحافظ على هذه الإيمانيات أن تزيد وألا تنقص في حياته ؟
نبدأ حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) ﴾

[ سورة الأنفال]

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا أن نكون من أهل الإيمان يا رب العالمين .
 شيخنا الحبيب ؛ بدايةً هل لنا أن نوضح المصطلح لمستمعينا الأكارم حينما نتحدث عن المحافظة على الإيمانيات ، ما هو الإيمان في حياة الإنسان ؟

انتقال شهر رمضان من شهر عبادة ورقي إلى الله إلى عادة من عوائدنا :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 لكن يوجد تعقيب صغير على ما تفضلت به في هذا المقدمة .
المذيع:
 تفضل سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا عاد الإنسان بعد رمضان كما كان قبل رمضان ، والله لا أبالغ ولا أحنث كأنه ما صام رمضان ، أصبح رمضان من عاداتنا وتقاليدنا ، لا عبادة كبيرة جداً ننتقل فيها نقلةً نوعيةً إلى الله ، فإذا عدنا بعد رمضان كما كنا قبل رمضان كأننا ما صمنا رمضان ، انقلب هذا الشهر من شهر عبادة ورقي إلى الله إلى عادة من عوائدنا .
 مع الأسف الشديد والحقيقة المرة أنا أراها أفضل مرة من الوهم المريح ، في بعض المجتمعات الإسلامية - لا أستطيع أن نقول في معظمها - أصبح رمضان شهر ولائم ، وشهر مسلسلات ، وكأنه فرغ من مضمونه ، فلابد من أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان على مدى العام ، ما الذي يفطر ؟ أفواهنا فقط ، لكن لا يوجد غيبة ، ولا نميمة ، ولا شاشة مفتوحة ، ولا تفلت ، ولا سهرة مختلطة ، علينا أن نتابع ما كنا عليه في رمضان بعد رمضان ، وإلا انقلب إلى عاداتٍ من عوائدنا ، فلذلك البطولة لا أن تبلغ القمة ، ولكن أن تبقى فيها .
المذيع:
 الله يفتح عليكم ، سيدنا ؛ ننتقل إذاً إلى سؤالنا الأول ما هو الإيمان ؟

الإيمان في حياة الإنسان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإيمان جانب فكري ، وجانب حركي ، الفكري أن تؤمن أن الله معك ، أن الله هو الخالق ، هو الرب ، هو المسير ، ومنهجه تعليمات الصانع ، بندود كثيرة جداً بالإيمان ، إذا آمنت بها ولم تتحرك وفقها كأنك لم تنتفع منها .
 مثلاً إنسان معه مرض جلدي خطير ، علاجه الوحيد أن يتعرض لأشعة الشمس ، جلس بغرفة قميئة مظلمة ، باردة ، فيها رطوبة عالية ، وقال : يا لها من شمسٍ ساطعة ! ما أعظم هذه الأشعة الشافية ! كلامٌ بكلام لا يقدم ولا يؤخر .

(( عن ابن عباس رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : خيرُ الصحابةِ : أربعةٌ وخيرُ السرايا : أربعُمائةٍ ، وخيرُ الجيوشِ : أربعةُ آلافٍ ، ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي]

 فإذا كنا مليارين ، وللطرف الآخر علينا ألف سبيلٍ وسبيل ، عندنا مشكلة كبيرة ، الدليل :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[ سورة النور]

 لسنا مستخلفين هذه ي الحقيقة المرة ( وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ) ولسنا ممكنين ، لذلك : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) ولسنا آمنين ، لسنا مستخلفين ، ولا ممكنين ، ولسنا آمنين ، الجواب بكلمة واحدة : ( يَعْبُدُونَنِي ) فإذا قصر المسلمون في عبادة الله ، والعبادة الإلهية تعني الخضوع لمنهج الصانع، نحن نتوهم خطأً العبادة صلاة ، صوم ، حج ، زكاة ، هذه عبادة شعائرية ، العبادة التعاملية تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، كسب المال ، إنفاق المال ، إمضاء وقت الفراغ ، النزهة المختلطة ، الشاشة المفتوحة ، الغيبة ، النميمة ، خذ شارعاً ببلد إسلامي ، الشارع كله لا يوجد به جريمة قتل ، ولا زنا ، لكن يوجد تقصير ، وتفلت .
 بيت فيه كل أجهزة الكهرباء بأعلى مستوى لكن لا يوجد كهرباء ، لا قيمة لهذه الأجهزة إطلاقاً ، كلها قطع بلاستيكية ، الآن قطع التيار ميلي متراً أو متراً مثل بعضها ، المآل واحد .
 لذلك لابد من رجوعٍ لهذا الدين ، وصلحٍ مع الله ، وتطبيق منهج الله ، بدءاً من فراش الزوجية ، وانتهاءً بالعلاقات الدولية ، أي المسلمون وضعهم صعب جداً الآن ، لا يحسدون عليه ، ومع ذلك ليس هنالك بشائر صارخة ، هناك ظلماتٌ بعضها فوق بعض ، لأنه لم يتحقق منهج الله بتفاصيله ، تحقق بعبادته الشعائرية .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ حينما نتحدث عن هذا الإيمان وكما قال بعض العلماء : إنه ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وتفضلتم بأن الإنسان يستقيم في قلبه ، ويستقيم في سلوكه وجوارحه ، هل هذا الإيمان شيخنا ثابت ولا يمكن أن يزيد إيمان الإنسان وأن يقل في فترة من الفترات ؟

الإيمان كفكر ثابت أما كمآل فيتغير :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإيمان كفكر ثابت ، أما كمآل - إقبال على الله- فيتغير ، بحسب الطاعة والمعصية ، أي الإيمان تصديقٌ وإقبال ، والكفر تكذيبٌ وإعراض ، الإيمان آمنا بالله خالقاً ، وآمنا به رباً رحيماً ، ومسيراً حكيماً ، أسماؤه حسنى ، صفاته عُلا ، لكن هل طبقت هذا المنهج؟ هل دخلي حلال ؟ هل الإنفاق حلال ؟ علاقتي مع النساء في محل نسائي حلال ؟ يا ترى الشاشة منضبطة أم مفتوحة غير منضبطة ؟ اللقاءات فيها غيبة ؟ فيها نميمة ؟ منهج الإسلام منهج تفصيلي ، يبدأ ألف مرة أقولها من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع :
 إذاً شيخنا عفواً ، الإيمان الفكري كما تفضلت يوجد إيمان الإنسان بالله وملائكته وكتبه هذا ثابت ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ثابت ، تصديقٌ وإقبال ، والكفر تكذيبٌ وإعراض .
المذيع:
 الله يفتح عليكم ، إذاً هذا الإيمان الفكري معتقداته ثابتة سلوكه متذبذب .

الإيمان الفكري معتقداته ثابتة وسلوكه متذبذب :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا إنسان ما طبق نصيحة والده ، لكن والده ملء السمع والبصر ، ما أنكر وجوده لكنه لم يطبق نصائحه ، فنحن لو وضعنا في البيت سورة الكعبة ، والمسجد النبوي ، وآية الكرسي ، ووضعنا في السيارة مصحفاً صغيراً ، هذه لا تقدم ولا تؤخر ، منهج تفصيلي ، كسبك، إنفاقك ، اختيار حرفتك ، هناك حرف لا ترضي الله ، التعامل مع الزبائن ، مع الموظفين ، مع من دونك ، مع من فوقك ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، تمضية أوقات فراغك ، منهج تفصيلي يبدأ من أخص الخصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، نطبق نجد الثمار اليانعة ، والله لا أبالغ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا رب شيخنا .
 شيخنا الحبيب ؛ سنتوقف نحن وإياكم إلى فاصل قصير بإذن الله رب العالمين بعد قليل ، لكن قبل دعنا نناقش شيخنا الحبيب ؛ قضية علامات الإيمان حينما نتحدث عن الإيمان، هل هنالك علامات محددة يمكن للإنسان أن يحكم فيها أنه اليوم هو مؤمن إيمانه مرتفع أم لا ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نعم إن شاء الله .
المذيع:
 نأخذ السؤال ثم نتوقف للفاصل شيخنا ، علامات الإيمان ؟

علامات الإيمان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الحقيقة يوجد منهج تفصيلي ، البطولة أن أكون صريحاً مع نفسي ، أن أكون واضحاً معها ، يا ترى دخلي إسلامي ؟ إنفاقي إسلامي ؟ اختيار حرفتي إسلامي ؟ أثناء الحرفة يوجد معاص وآثام ؟ يوجد تفلت وعدوان ؟ أما قضية نحن عندنا مظاهر ، أنا أسمي المظاهر إسلاماً فولكلورياً ، القرآن قرئ في باريس على أنه فولكلور شرقي ، فولكلور ، عادات ، تقاليد ، ثقافة ، الإسلام وحي السماء ، الثقافة في الأرض ، المشروع الثقافي أي العلم ، والأدب ، الفن منتج أرضي ، والأديان منتج سماوي ، الإسلام منتج سماوي ، وأنا عليّ أن أفرق بين ثقافة وبين دين، الفرق كبير جداً ، الثقافة منتج أرضي ، يوجد أخطاء ، ومبالغات ، وتقصير ، أما منهج السماء فمنهج تفصيلي من عند المطلق وهو الله .
 لو أن قاضياً حكم أربعين سنة ، وأصدر ثمانية آلاف حكم ، إذا كان هناك حكم أو ثلاثة أو أربعة ، نقصته معلومات لم تأته فكان حكمه خلاف الأولى يسمى عند أهل الأرض : القاضي العادل ، أما الإله فلا ، لا يمكن أن يكون في أفعاله ولا واحد بالمليار غلط ، الله عز وجل إلهٌ عظيم ، فلذلك البطولة أن تأخذ منهج الخالق على أنه مطلق الكمال .

ملك الملوك إذا وهب  قم فاسألن عن السبب
***

 لذلك القضية مع الدين شيء آخر ، الأرض لها وحل ، ولها ثقافة ، العلوم الأرضية كلها ثقافة بشرية ، ووحول أرضية ، أما الإله فله منهج ، له دين قديم ، صراط مستقيم ، مآل رائع .
 الحقيقة أهل النار يتمتعون بالحياة تمتعاً يفوق حدّ الخيال ، ومع ذلك إذا جاءهم الحساب والعذاب يقولون : لم نرَ خيراً قط ، بينما أهل الإيمان قد يُمتحنون ، وقد يعذبون بالسجون ، وقد ، وقد ، فإذا رأوا مقامهم في الجنة يقولون : لم نرَ شراً قط ، فالبطولة في المقال، هذا فقه المآل .
 بعد عمر سبعين سنة أكل ، وشرب ، وعمل نزهات ، واشترى بيتاً ، وعنده بيت على البحر ، وبيت على الجبل ، ويملك سيارتين أو ثلاث ، ثم جاء ملك الموت .
 "عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت" .
 والله الذكاء ، والنجاح ، والتوفيق ، والتفوق ، أن تعرف الله قبل فوات الأوان ، لكن يوجد سؤال : الإنسان معه مليون خيار رفض ، هذا البيت لم يعجبه لم يشتره ، هذه المخطوبة لم تعجبه أخلاقها لا يتزوجها ، هذه الحرفة دوامها طويل دخلها قليل تركها ، معك مليون خيار رفض ، إلا مع الإيمان خيار وقت ، أكفر كفار الأرض فرعون الذي قال :

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾

[ سورة النازعات ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾

[ سورة القصص ]

 ماذا قال حينما أدركه الغرق ؟ قال :

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ﴾

[ سورة يونس]

 فأنت خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط ، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب وتنتفع من إيمانك ، في كسب مالك ، في إنفاق مالك ، بطلب العلم ، باختيار زوجتك ، بتربية أولادك ، بنود طويلة بالآلاف ، الإسلام منهج تفصيلي ، أو أن تتجاهل هذه الإيجابيات وتعيش مع الناس بثقافتهم ، بعاداتهم وتقاليدهم .
أنا كنت بأمريكا عندما رجعت إلى الشام قال لي أحدهم : ماذا رأيت ؟ قلت له : رأيت شيئاً واحداً أنهم يعيشون لحظتهم فقط ، لا يوجد عندهم شيء اسمه موت ، وقبر ، وبعث ، ونشور ، وجنة ، ونار ، يعيشون لحظتهم ، همهم الأول الرفاه ، وهذا ما تنهجه معظم المجتمعات الآن ، همه أن يعيش لحظته ، همه الرفاه ، فنحن خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض .

(( عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : شَهِدْتُ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجْلساً وصفَ فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سَمِعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ))

[أخرجه البخاري]

 مخلوق للجنة ، إلى أبد الآبدين .
المذيع:
 الله يفتح عليكم شيخنا ، سنستأذن فضيلتكم شيخنا ، نقف إلى فاصل قصير ثم نعود معكم ، ومعكم أيضاً مستمعينا الكرام لمواصلة حلقتنا في المحافظة على الإيمانيات من بعد شهر الرحمة والغفران ، فاصل ونعود .
 شيخنا الحبيب ؛ كنا نتحدث عن الإيمان ، قبل أن نتوقف بالفاصل ، الآن نريد أن نبدأ ببعض الخطوات والحلول العملية ، لو أن إنساناً أراد أن يحافظ أو أن يزيد من إيمانياته ماذا يفعل ؟

أنواع اليقين :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أولاً الإله العظيم يقول :

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) ﴾

[ سورة التكاثر]

 ما هو علم اليقين ؟ يوجد مقدمة مهمة جداً نحتاجها جميعاً ، هناك يقين حسي لشيءٍ ظهرت ذاته وآثاره ، أداة اليقين به الحواس الخمس ، أمامي طاولة ، تلمس باليد ، لها طول ، عرض ، ارتفاع ، وزن ، حجم ، هذا اليقين الحسي ، أدواته الحواس الخمس ، واستطالاتها ، فالميكروسكوب استطالة لما دق عن النظر ، والتلسكوب استطالة لما بعد عن النظر ، فاليقين الحسي أدواته الحواس الخمس واستطالاتها ، كالميكروسكوب والتلسكوب ، هذه قضية لا يختلف عليها اطلاقاً ، أي البقرة بقرة ، والدابة دابة ، والمركبة مركبة ، والطائرة طائرة نراها بالعين ، إن كان اليقين حسياً فأدواته الحواس الخمس ؛ بصر ، سمع ، نطق ، رائحة ، ملمس ، واستطالاتها الميكروسكوب لما دق عن النظر ، والتلسكوب ، هذا اليقين الحسي لا يوجد عليه خلاف إطلاقاً لكن ذكرته للترتيب ، اليقين العقلي لشيءٍ غابت ذاته ، بقيت آثاره ، أنا واقف بمكان فيه جدار عال ، وراءه دخان ، عقلي يقول : لا دخان بلا نار ، أنا أقول : هناك نار وراء الجدار مع أني لم أرها ، رأيت آثارها ، هذا هو الإيمان بالله ، الكون كله ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، والله هذا الموضوع يحكى عليه حوالي عشرين سنة ، الخلية ، الحيوانات ، حيوان أليف ، جمل ، وزنه خمسة أطنان يقوده طفل صغير .

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) ﴾

[ سورة يس]

 أما العقرب فلا تستطيع أن تقف إذا رأيته ، البقرة مذللة لنا ، تعطيك باليوم أربعين أو خمسين كيلو ، لكن أصابها مرض ببريطانيا قتل ثلاثين ألف بقرة .
المذيع:
 جنون البقر .
الدكتور محمد راتب :
 نعم جنون البقر ، الله قال : ( وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ) .

آيات الله هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفته سبحانه :

 لذلك :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

[ سورة الجاثية]

 الآيات ، القنوات الوحيدة التي لابد منها لمعرفة الله ، آيات كونية خلقه ، الموقف الكامل التفكر ، آيات تكوينية أفعاله ، الموقف الكامل النظر .

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾

[ سورة الأنعام]

 آية ثانية :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) ﴾

[ سورة النمل]

 واحدة فاء ، وواحدة ثم ، واحدة ترتيب على المتابعة ، والثانية ترتيب على التراخي ، فالآيات الكونية خلقه ، والتكوينية أفعاله ، والقرآنية كلامه .

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ﴾

[ سورة محمد ]

 إذاً الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله عز وجل ، بالكونيات تتفكر .

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران]

 أما التكوينية فهي النظر : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ) فاء ، للترتيب على التعقيب ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) .
 والآية الثانية : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ) للترتيب على التراخي ، هي الكونيات ، هي التكوينات ، الطريق إليها النظر ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ) أما القرآنيات فكلام خالق الأكوان ، الموقف الكامل التدبر ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
نحن إذا سلكنا في الآيات الكونية التفكر ، وفي الآيات التكوينية النظر ، والقرآنية التدبر عرفنا الله .
 " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء " ، فلذلك لا يوجد حل وسط سيدي ، إما أن نعرف الله " ابن آدم اطلبني تجدني " أنا بانتظارك .
 " والله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد " .
المذيع:
 ما هي نواقض هذا الإيمان ؟ ما الذي يدفع هذا الإيمان شيخنا ليتلاشى أو يتناقص عند الإنسان ؟ ما هي أعداء ونواقض الإيمان ؟

نواقض الإيمان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 المعصية ، حينما نعصي الله ينشأ حجاب بين الإنسان وربه ، الدليل :

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾

[ سورة المطففين]

 ما دام هناك طاعة لله ، معك خط ساخن مع الله ، وإذا اتصلت مع الله ولم تقل : ليس على وجه الأرض كلها من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة كبيرة ، أنت تتصل بالصلاة بأصل الجمال والكمال والنوال ، بالذات الكاملة ، بصاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، بالذي يسعدك إذا اتصلت به ، فلذلك عندنا بالتاريخ أشياء لا تصدق ، إنسان لا علاقة له بالدنيا إطلاقاً ، قد يكون بيته ستين متراً لكن هو أسعد الناس .
 الآن يوجد كلام دقيق جداً : ما الفرق بين اللذة والسعادة ؟ اللذة حسية تحتاج إلى صحة ، وإلى مال ، وإلى وقت ، بالبدايات يوجد صحة ، ووقت ، لكن لا يوجد مال ، بالوسط يوجد مال ، وصحة ، لكن لا يوجد وقت ، بالمآل الأخير يوجد وقت ، ومال ، لكن لا يوجد صحة ، هذه هي اللذة ، ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بلذة متصاعدة ، مستحيل ، ولا مستوية بل متناقصة ، بيل غيتس قال : ماذا أفعل بهذا الرقم ، ثلاثة وتسعون مليار دولار ؟ قال : ماذا أفعل به ؟ اللذة غير السعادة ، السعادة بمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة فتقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد .

فــــــــلو شاهدت عيناك من حسننا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنــــا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولـــــــــو ذقت من طعم المحبة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
ولــــــــو نسمت من قربنا لك نسمة  لمت غريب واشتياق لقربنـــــــــــــا
فـــــــما حبنا سهل وكل من ادعـى  سهولته قلنا له قد جهلتنـــــــــــــــا
***

 فلذلك أن تصل إلى الله وصلت إلى كل شيء .
 "ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء " فلذلك النقطة الدقيقة الله أرحم بعبده من الأم بولدها .
المذيع :
 الله يفتح عليكم ، إذاً شيخنا الحبيب ؛ أكبر عدو للإيمان وللحفاظ عليه هو المعاصي التي يرتكبها الإنسان .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 المعاصي ، تكون حجاباً بينك وبين الله ، والدليل : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) الحجاب أكبر عقاب يناله الإنسان .
المذيع :
 شيخنا ؛ كيف نربط هذا الكلام بأن المعاصي هي سبب في نقصان الإيمان وكل بني آدم خطاء .
 لكن بعد الفاصل نتوسع في هذه النقطة مع فضيلتك ، لأننا بشر ، ولأننا نذنب ونخطئ ، كيف لنا أن نصلح بعدما قصرنا وعصينا فتناقص الإيمان من حياتنا ؟
مستمعينا فاصل قصير ثم نعود .
 شيخنا ؛ قبل الفاصل كنتم تتحدثون أن من أشدّ أعداء الإيمان ونواقضه الذنوب التي يقع فيها الإنسان فيعاقب بأن تكون حجاباً بينه وبين الله فلا يشعر بإيمانه ، ولا بحلاوة الإيمانيات فيه .

((عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[أخرجه الترمذي]

 هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام ، كيف ندمج بين المفهوم الأول والثاني دكتور ؟

العقيدة الجبرية تلغي الإيمان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، أولاً الحقيقة الصارخة :

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) ﴾

[ سورة الكهف]

 أنت مخير ، الثانية :

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)﴾

[ سورة الإنسان]

 الآن ماذا يقول أهل الضلال ؟

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام]

 لذلك العقيدة الجبرية تلغي الإيمان ، تلغي الجنة والنار ، تلغي المسؤولية ، تلغي التكليف ، إن أردت أن تلغي الدين كله اعتقد أن الله أجبرك على الطاعة أو المعصية .
 يقول سيدنا علي : لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعصَ مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً .
فأنت مخير ، فإذا توهمت أيها الإنسان - لا أقول أيها المؤمن - أيها الإنسان أنك مسير ألغيت الدين كله .
 إنسان أخذنا عرض كتفيه فكان الناتج سبعة وعشرين سنتمتراً ، بنينا جدارين بفارق هو سبعة وعشرون سنتمتراً ، مشى بين الجدارين ، قلنا له : خذ اليمين أين اليمين ؟ التغى اليمين .
 لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، لو أنه أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً .

الله تعالى خلق الإنسان ليرحمه في الدنيا والآخرة :

 ولكن ؛ أنا ما اخترت أمي وأبي ، ولا مكان ولادتي ، ولا كوني ذكراً أو أنثى ، الجواب الدقيق : الأشياء التي لم تخترها ، لم تختر أمك وأباك ، ولم تختر كونك ذكراً أو أنثى ، ولم تختر مكان ولادتك ، ولا نوع ولادتك ، هذه التي لم تخترها ينكشف لك عند قرب الأجل أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، مكان ولادتك ، الأب ، الأم ، ذكر ، أنثى ، القدرات العامة ، تكتشف للحظةٍ دقيقة ليس في الإمكان أبدع مما كان ، عدلها الإمام الغزالي فقال : ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني ، أي الله عز وجل لا يمكن أن تُخلق للرحمة ويعذبك ، الدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾

[ سورة هود]

 خلقهم ليرحمهم في الدنيا والآخرة ، الدليل :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46) ﴾

[ سورة الرحمن]

 جنة الدنيا جنة القرب من الله ، وجنة الآخرة الخلود ، فنحن خلقنا للرحمة ، وأقوى دليل : ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) خلقنا ليرحمنا ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) جنةٌ في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد .
المذيع:
 الله يفتح عليكم ؛ إذاً إذا وقع الإنسان ببشريته في هذه المعصية دكتور لا يصلحها إلا بإعادة ترميمها أي إعادة التوبة كما تفضلتم قبل قليل .
الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) ﴾

[ سورة النساء]

 التائبون أحباب الله ، والله يحب أن يتوب عليكم ، تواب رحيم .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ الآن ما الذي تنصح به مستمعينا الأكارم حتى يحاول الإنسان أن يحافظ على بيئة وأجواء تعينه دوماً أن تكون إيمانياته مرتفعة ؟ ما هي نصائحكم دكتور ؟

طلب العلم فريضة على كل مسلم :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 حتى تعمل بطاقة تكتب اسمك بالمنتصف تضع قبل الاسم حرف الدال ، د. فقط أي أن معك دكتوراه ، يجب أن يكون معك ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، ولسانس بالآداب ، أو بكالوريوس في العلوم ، ودبلوم عامة ، ودبلوم خاصة ، وماجستير ، ودكتوراه ، ثلاث وعشرون سنة دراسة من أجل د. ، وتريد جنة عرضها السموات والأرض ولا يوجد لديك وقت لدرس دين ؟ لتسمع درس دين ، لتقرأ القرآن ، لتقرأ تفسيره ، مشكلة كبيرة جداً سيدي ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ، الهواء فريضة على وجودك ، والماء فريضة ، والطعام فريضة ، وطلب العلم فريضة على كل مسلم .
 " إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً "
 ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) جنة الدنيا جنة القرب ، وجنة الآخرة جنة الخلد .
المذيع :
 الله يفتح عليكما دكتور ، هل تنصح المستمعين الكرام مثلاً دكتورنا بإيجاد بيئة معينة من أصدقاء من معارف بنفس المقدار إيماناً ؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 طبعاً ، هذا أهم سؤال تسألني إياه .

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾

[ سورة الكهف]

 ليست جعلناه غافلاً ، وجدناه غافلاً ، هذا المعنى الدقيق : (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً )
 آية ثانية :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

 بالمصطلح العلمي الآن أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، نزهة مع مؤمنين ، سهرة مع مؤمنين ، عمل مع مؤمنين ، أما علاقات العمل فليس لها علاقة بالموضوع ، العلاقات الحميمة نزهة ، سفر طويل ، انضمام لشيء مصيري ، لابد من أن تكون مع المؤمنين : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) .
المذيع :
 ونعم بالرحمن ، الله يفتح عليكم ، شيخنا الحبيب ؛ سؤال منهجي فكري في هذا الجانب هل الإيمان هو عطاء إلهي يكتسبه الإنسان بشكل فطري أم هو عبارة عن جهود مكتسبة من عبادات فيصل فيها لمرحلة الإيمان والإيمانيات المرتفعة ؟

الإيمان عطاء إلهي :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أجمع بينهما عطاء إلهي بشروط :

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

[ سورة العنكبوت]

 فإذا أردت الدنيا فلك الدنيا ، وإن أردت الآخرة فلك الآخرة ، هو حركة دقيقة تفصيلية تبدأ من أخص خصوصياتنا وتنتهي بأكبر قضايانا ، وهذا منهج الله عز وجل ، لابد من أن تكون واعياً لسر وجودك ، وغاية وجودك ، الدليل :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات]

 والعبادة طاعةٌ طوعية ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية ، أساسها معرفةٌ يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
المذيع :
 جميل ! الله يفتح عليكم شيخنا الحبيب ؛ حينما نتحدث عن الإيمان وقد ودعنا شهر رمضان المبارك منذ أيام معدودة ، ونحن في شهر شوال ، هل هذه الأجواء الإيمانية من العبادة، من التراويح ، لا زالت تحوم في الأجواء ، كيف للإنسان أن يستثمر بركة هذا الزمان وهذه الأجواء في تعزيز إيمانياته دائماً ؟

كيفية استثمار بركة الزمان في تعزيز الإيمان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أربع كلمات :

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أَخرجه أبو داود ، والترمذي]

 من أصدقاؤك ؟ مع من تسهر؟ مع من تذهب إلى نزهة ؟ إن اكتفيت بالمؤمنين يدعمونك ، أهل الدنيا يبعدونك عن الله عز وجل ما الضابط ؟ لعبة شد الحبل ، إن جلست مع أُناس كائناً من كانوا ، واستطاعوا أن يجروك إليهم ، إلى ترك الصلاة ، أو إطلاق البصر ، شاشة مفتوحة ، ابتعد عنهم بنعومة ، أما إذا جلست مع أُناسٍ شدوك إلى الدين ، إلى الصلاة ، إلى معرفة الله ، إلى التقرب إليه ، إلى العمل الصالح ، فابقَ معهم ، هذه اسمها لعبة شد الحبل، وأنت خبير بهذه القضية ، أي إنسان خبير بهذه الجلسة اشتهى المعصية ، اشتهى مالاً حراماً ، اشتهى علاقة مع المرأة غير شرعية ، بهذه الجلسة اشتهى أن يكون مؤمناً كبيراً ، أن يكون صالحاً ، يصلي قيام الليل ، يقرأ القرآن ، فهذه لعبة شد الحبل ، دائماً وأبداً الإنسان بصير بأحواله :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) ﴾

[ سورة القيامة]

 بهذا المكان اشتهيت المعصية ابتعد ، انسحب بنعومة ، بهذا المكان اشتهيت الطاعة ابق معهم ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا ) معنى أغفلنا ؛ وجدناه غافلاً ، عاشرت القوم فما أبخلتهم ، ما وجدتهم بخلاء .
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا رب ، ويجزيكم عنا خير الجزاء ، نختم هذه الحلقة بالدعاء ونسأل الله القبول .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا، واجعل البلاد آمنةً مطمئنة وسائر بلاد المسلمين جميعاً .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور