- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠4برنامج حياة المسلم 4
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، السلام عليكم مستمعينا الكرام على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة fm .
حياكم الله شيخنا ، وكل عام وأنتم بخير إن شاء الله .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وكل عام وأنتم بألف خير .
المذيع :
وأنتم بخير ، نتحدث عن استقبال شهر رمضان المبارك ، نبدأ حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
هذا هو شهر رمضان ، هذا هو شهر الرحمة والغفران ، نبدأ مع فضيلتكم شيخنا ونحن نتحدث عن استقبال هذا الشهر الفضيل ، آياتٌ عديدة ، وأحاديثٌ نبوية عديدة تتحدث عن فضل رمضان ، والسؤال : ما هو فضل شهر رمضان المبارك شيخنا ؟أصل العبادة في الإسلام :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن لابد من مقدمةٍ موجزة جداً حول أصل العبادة في الإسلام ، قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾
العبادة طاعةٌ طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي لسعادة أبدية على مدى العام ، كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الزوجة ، تربية البنات ، تربية الأولاد، علاقتك بعملك ، بأسرتك ، بكل شؤون حياتك ، فالعبادة العامة أن تخضع لتعليمات الصانع ، وهو الخالق ، وهو الخبير ، وهو الرحيم ، وهو العليم ، بدءاً من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، هذه العبادة العامة تغطيها آيةٌ كريمة : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .عندنا عبادة خاصة ، استثنائية ، متميزة هي شهر رمضان ، هذه العبادة فيها قيام ليل ، فيها تراويح ، فيها صلاة الفجر في المسجد ، والأصل أن تكون دائماً في المسجد ، أما هنا فالتركيز على المسجد ، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح .
يوجد غض بصر في الطريق للنساء الكاسيات العاريات ، على الشاشة لابد من ضبط الشاشة ، ضبط المواقع ، مواقع إسلامية ، مواقع إخبارية ، أما المواقع الثالثة فلا يجوز أن تكون مدرجة في برنامجك إطلاقاً .
الصيام ، هذا الصيام في رمضان هكذا ، ويجب أن يستمر بعد رمضان إلى نهاية العام هكذا ، إلا أن بالعيد يفطرُ الفم فقط بالطعام والشراب ، فالله عز وجل أذاقك طعم القرب ، القرب من الله ، الإقبال على الله ، الثقة بالله ، صلاة قيام الليل ، صلاة الفجر ، غض البصر ، ضبط الشاشة ، زيارة الأقارب ، صلة الأرحام ، دفع الزكاة ، كل هذه الأعمال تتم برمضان ، دفع الزكاة برمضان ، معظم الصدقات برمضان ، جبر الخواطر برمضان ، ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر ، لك أخت بطرف المدينة قم وزرها ولو كان زوجها متواضعاً، جبر الخاطر، ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر .
فرمضان نقلة نوعية إلى الله ، نقلة عبادية ، نقلة تعاملية ، نقلة إنفاقية ، نقلة من جميع الشؤون ، أما مع الأسف الشديد الشديد إذا انقلب رمضان عند معظم الناس إلى عادات ، إلى ولائم ، وإلى مسلسلات ، فُرغ هذا الشهر من مضمونه ، وأصبح شهراً كأي شهر .
المذيع :
شيخنا الكريم ، في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
((عن أبي هريرة : من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))
بدايةً ممكن نوضح المصطلح ما المقصود إيماناً واحتساباً ؟العبادات الشعائرية من دون استقامة لا تقدم ولا تؤخر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هناك إنسان يقول لك : أنا وزني زائد ، في رمضان ينزل وزني ، نسي أنه عبادة بصرف النظر عن آثار الصيام الصحية ، هذا عبادة ، والعبادة طاعةٌ طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، رمضان شهر القرب ، شهر القرآن ، شهر صلة الأرحام ، شهر التألق ، شهر أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، أنت اتصلت مع أصل الجمال والكمال والنوال ، مع العليم الحكيم ، مع الرحمن الرحيم ، مع من بيده خلائق البشر كلهم .
عفواً ؛ أحياناً إنسان يتاح له أن يزور ملكاً لا ينام الليل من فرحه ، ويحدث الناس بزيارته له ستة أشهر ، أنت أُتيح لك أن تتصل بملك الملوك ، ومالك الملوك ، برب العالمين ، بالرحمن الرحيم ، بصاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، هل هذا الاتصال قليل ؟ هذا الاتصال ثمنه الاستقامة ، إن كنت ذكياً وتضع لوحة آية الكرسي في البيت ، والمصحف بغرفة الضيوف ، إذا الدخل له إشكال ، كل هذه الشكليات لا تقدم ولا تؤخر ، إذا بالدخل يوجد إشكال، بالإنفاق يوجد إشكال ، بالسهرات يوجد إشكال ، هناك اختلاط ، بكسب المال يوجد أسعار لا ترضي الله ، المنهج الإسلامي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، وكل وهم الناس أن الإسلام صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ، هذه عبادات شعائرية ، من دون استقامة لا تقدم ولا تؤخر .
المذيع :
شيخنا الكريم ، لماذا خص الله شهر رمضان المبارك بهذه الميزات ؟ أي الحديث:
(( من صام رمضان ))
أو :(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ))
لماذا لرمضان كل هذه الميزات ؟رمضان نقلة نوعية لإنعاش الإيمان في نفس المسلم والمسلمة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أعطى هذا الشهر ميزة ، أعطاه خصيصة ، أعطاه نقلة نوعية لك ، إذا الإنسان أحياناً ملّ من حياته الرتيبة ، غداء وعشاء ، وعمل ، وحديث بالسياسة ، وحديث على الناس ، وحديث غيبة ونميمة ، هنا لم يعد نقلة نوعية ، طبعاً يجب ضبط طعامه وشرابه ، ضبط لسانه ، ضبط أذنه ، لا يوجد أغان ، لا يوجد مسلسلات ، لا يوجد فضائيات لا ترضي الله ، لا يوجد سهرة مختلطة ، هذه زوجة فلان ، والله أنا ما توفقت بزوجتي انظر هذه ما أجملها مثلاً ، هذه أشياء لها مشكلات كبيرة ، أخي لو أخذت شارعاً عند المسلمين طوله كيلو متراً ، وفيه بيوت على اليمين واليسار ، وكل بناء عبارة عن عشرة طوابق ، وكل طابق أربع شقق ، لا يوجد بيت فيه خمر في الأعم الأغلب ، ولا بيت فيه قتل ، ولا بيت فيه زنا ، إلى آخره ، لكن نحن ما هي مشكلتنا ؟ بالصغائر ، الصغائر تثبت وتتراكم تنقلب إلى كبائر .
إذا بيت فرضاً فيه كل الأجهزة الكهربائية من أعلى مستوى ، لكن لا يوجد كهرباء ، كل هذه الأجهزة لا تقدم ولا تؤخر ، أما حينما تأتي الكهرباء فكل شيء صار يعمل ، كل تفاصيل الدين معطلة بعدم الاستقامة ، معطلة بالبعد عن الله ، كل ذنب حجاب يحجب الإنسان عن ربه .
المذيع:
إذاً يأتي شهر رمضان لينعش الإيمان في نفس المسلم والمسلمة من جديد دكتور ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
كي تذوق طعم القرب حقيقةً ، فإذا ذقت طعم القرب لا تفرط في هذا القرب طوال العام .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
شيخنا الحبيب ؛ كثير من الناس يظن أن شهر رمضان المبارك يحمل في طياته مغفرةً للذنوب دون أن نقوم بجهد ، هل هكذا تغفر الذنوب وحدها سواءً مع الله أو مع حقوق العباد بمجرد قدوم رمضان ؟
أنواع الذنوب :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الذنوب ثلاثة أنواع ؛ ذنبٌ يغفر ما كان بينك وبين الله ، يوجد تقصير بالصلوات ، تقصير بغض البصر ، شاشة لا ترضي الله ، ما كان بينك وبين الله هذا الذنب يغفر بالتوبة .
المذيع :
ما المطلوب حتى يغفر دكتور ؟ التوبة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
التوبة لها ثلاثة أركان ؛ الندم على الفعل الماضي ، والإقلاع في الفعل الحاضر ، وعزيمة قاطعة في المستقبل ألا نعود لهذا الذنب ، هذه أركان التوبة ، سماها القرآن : التوبة النصوح ، التوبة النصوح الإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، هذه هي التوبة النصوح .
المذيع :
هذه بين العبد وربه .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أما إذا كان حقوق فلا يمكن أن تقبل التوبة إلا بأحد شرطين ؛ الأداء أو المسامحة.
عفواً ؛ شخص عاش مع النبي عمراً مديداً ثم توفي ، فلما طُلب من النبي أن يصلي عليه ، قال : أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، ما صلى عليه وهو صحابي جليل ، غزا مع النبي غزوات طويلة ، أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، له صديق حميم قال له : عليّ دينه يا رسول الله ، فسكت النبي ، سأله في اليوم الثاني : أديت الدين ؟ قال : لا ، سأله في اليوم الثالث : أديت الدين ؟ قال : لا ، سأله في اليوم الرابع : أديت الدين ؟ قال : نعم ، قال : الآن ابترد جلده .
أخي الكريم الغالي ؛ حقوق العباد مبنية على المشاححة ، وحقوق الله مبنية على المسامحة ، ما دام مع الله فالقضية سهلة جداً ، لكن يوجد دين عليك لا يمكن أن يسامح الله إلا إذا سامح الدائن ، حقوق الله مبنية على المسامحة .
المذيع :
إذاً شيخنا ذنوبٌ بيننا وبين الله تجبها التوبة النصوح ، الندم ، والتوقف ، والعزم الصادق على عدم العودة للذنب ، وحقوق العباد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد شيء ثالث .
المذيع:
نعم ، بالأداء والمسامحة ، والثالث .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
تهمني كثيراً ، أخ كريم قال لي : أنا عملت موظفاً في بلد معين ، وكنت أقبض رشاوى بالآلاف ، كيف أؤدي الحقوق ؟ والله فكرت أنا فيه ، خطر في بالي أن الدولة مكلفة بدعم الجمعيات الخيرية في أي بلد ، فأنت اعمل حساباً معقولاً ، حساباً تقريبياً ، كم قبضت بهذه السنوات العشرة ؟ مبالغ لا ترضي الله ، عشرة آلاف ، ادفعهم لجمعية خيرية ، وكأنك دعمت هذه الجمعية من قبل الدولة ، التي هي الغريمة ، يوجد حل ، ما دام القلب ينبض يوجد حل ، المشكلة إذا جاء ملك الموت وكنت لست تائباً .
المذيع :
شيخنا ؛ حتى نكمل معنا إذاً ذنوبٌ بيننا وبين الله ، ذنوبٌ بيننا وبين العباد ، والذنب الثالث دكتور ، الشرك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الشرك لا يغفر .
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) ﴾
المثل : إنسان معه احتشاء بقلبه يجب أن نأخذه إسعافاً إلى المستشفى ، المستشفى فيها شعبة قلب ، فيها عملية قلب مفتوح ، لو أخذناه إلى مصيف يموت هناك .الشيء الدقيق جداً في النهاية إذا لم تكن المعادلة حقيقية يوجد موت ، فذنبٌ يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنبٌ لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، وذنبٌ لا يغفر وهو الشرك بالله : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) حتى أكون دقيقاً : إذا مات على هذا الذنب .
المذيع :
هذا سؤالي لفضيلتكم ، إذا مات مشركاً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا مات على هذا الذنب مصراً ، ليس نادماً ، مصراً ، هذا انتهى .
المذيع:
أما أي إنسان شيخنا كان مشركاً وأسلم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
حتى قبل الغرغرة ، إذا قال له : يا رب أنا تبت ، كأن الله عز وجل يقول : وأنا عبدي قد قبلت ، لذلك :
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾
يحبهم ، ومن لم يدعني أغضب عليه ، إن الله يحب الملحين في الدعاء ، وينتظرنا أن يتوب علينا ، انظر : " لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ؟ "خلقنا ليرحمنا ، والدليل :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾
وأركل بقدمك مليون نظرية تحت قدمك ، خلقنا للتعذيب ، من قال لك ذلك ؟ هذا قرآن ، القرآن : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) وكل إيجابيات حياتنا فضل من الله ، والسلبيات من صنع أنفسنا .المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ، طيب الله أنفاسكم وكلامكم .
شيخنا الكريم تحدثت عن أن رمضان هو هدية من الله سبحانه وتعالى لتزداد صلة الإنسان قرباً وخشوعاً بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، وليتحقق ذلك لابد له من الاستقامة والتوبة، والتوبة بذنوبٍ بيننا وبين الله بالندم ، وبالتوقف ، وبالعزم بعدم العودة إليها ، أيضاً الذنوب بيننا وبين الناس بالأداء أو المسامحة ، والذنوب التي لا قدر الله يشرك فيها الإنسان فعليه أن يسلم ، فالإسلام يجب ما كان قبله .
شيخنا الكريم ؛ نعود إلى فضيلتكم من جديد ، شهر رمضان هو شهر القرآن ، أنزل الله سبحانه وتعالى فيه القرآن ، فيه ليلة القدر ليلة القرآن ، لماذا جعل الله هذه المكانة المرتبطة بين رمضان وبين القرآن ؟
من عرف الله عرف كل شيء :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لأن الإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء "ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء" أما القدر فيستشف معناه من قوله تعالى :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) ﴾
إن عرفته وقدرته حق قدره أطعته ، إن عرفته وقدرته حق قدره أحببته ، إن عرفته وقدرته أقبلت عليه ، خضعت لأمره ، دعوت إليه ، بالمناسبة :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
لا يوجد إنسان أفضل عند الله قطعاً - بنص هذه الآية قطعية الدلالة - ممن دعا إلى الله بلسانه ، بخطابه ، بإلقاء درسه ، بعلاقاته ، بتجارته .الآن حركته اليومية بكسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، اختيار حجاب بناته، تربية أولاده ، علاقاته مع من حوله ، مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، شبكة علاقات تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، هذه الشبكة وفق منهج الله ، بالتفاصيل .
التعاون قوة ومنعة وتفوق :
الآن يوجد نقطة ثانية : (دَعَا إِلَى اللَّهِ) بلسانه ، بقلمه ، بلقاءاته ، بمحاضراته ، بسهراته ، بندواته ، بسفراته ، بإقامته ، ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) حركته اليومية التي تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية وفق منهج الله ، لا يكفي ، أحياناً الإنسان يتوهم نفسه أنه أول داعية ، وقال : (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) للتبعيض .
لذلك العلماء أخي الكريم ؛ يمكن أن يكونوا جميعاً في دائرة واحدة ، لأنهم جميعاً على حد معقول من فهم فروع الدين ، وبعض هؤلاء العلماء توفقوا باختصاص معين ، هذا بالإعجاز ، هذا بالتفسير ، هذا بالحديث ، هذا بالدعوة إلى الله ، هذا بالأعمال الطيبة المحسنة، التفوقات بالمثلثات ، الذي أقوله بدقة بالغة : هذه المثلثات متكاملة فيما بينها ، نحن كل عالم يبرع في شيء ، وبحاجة إلى عالم آخر ، هذا التعاون ، العالم الغربي يتعاون تعاوناً مذهلاً ، تعاوناً يلفت النظر ، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، والمسلمون مع الأسف الشديد الشديد لا يتعاونون ، أو يتنافسون ، أو يتقاتلون ، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة ، فالتعاون فضيلة ، التعاون قوة ، التعاون منعة ، التعاون تفوق ، والتعاون فيه أمر قطعي الدلالة .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) ﴾
البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة .المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
شيخنا ؛ المسلم والمسلمة ماذا يفترض أن تكون علاقتهم بالقرآن الكريم في شهر رمضان ، هل يكون القرآن هو العبادة الأكثر قضاءً للوقت معها ؟
المرأة مساويةٌ للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
انظر أخي الكريم ، النقطة الدقيقة : المرأة مساويةٌ للرجل تماماً في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية ، تماماً في التكليف ، مكلفةٌ كما هو مكلف ، ومشرفةٌ كما هو مشرف ، ومسؤولةٌ كما هو مسؤول ، ولكن إذا قال الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ﴾
كلام دقيق جداً وعميق ؛ خصائص الرجل الجسدية ، والفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية كمالٌ مطلقٌ للمهمة التي أنيطت به ، وخصائص المرأة الجسدية ، والفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية كمالٌ مطلقٌ للمهمة التي أنيطت بها .للتقريب : يا ترى أيهما أفضل ، بولمان لنقل ركاب أم شاحنة ؟ كلام غير معقول ، إن كنت تريد نقل خمسين راكباً من هنا إلى هناك تحتاج إلى بولمان ، إن كنت تريد نقل بضاعة تحتاج إلى شاحنة ، فموضوع المقابلة غير مقبول ، خصائص المرأة تختلف عن خصائص الرجل ، عندها عاطفة جياشة لتربية أولادها ، عندها صبر عجيب على زوجها أحياناً ، عندها تألق من نوع ثان ، فكل امرأة تتألق بما خصها الله به من خصائص تتميز بها .
(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتَشَبِّهِينَ من الرجال بالنِّساء ، والمتَشَبِّهَاتِ من النِّساءِ بالرِّجال ))
أنت الله عز وجل خلقك رجلاً كن بطلاً .المذيع :
شيخنا الكريم ؛ كيف يمكن للإنسان أن يحافظ على حياته ، وأعماله ، مثلاً ضربتم مثالاً على الزوجات والأمهات ، منهن من تعمل ، ومنهن من لديها أعباء في البيت ، والإفطار، وما شابه ، وألا يكون هذا الجهد والعمل الكبير يأخذ من حصة ونصيب عبادتها كيف يمكن التوازن ؟
بطولة الإنسان أن يعطي كل ذي حق حقه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
البطولة أن تعطي كل ذي حق حقه ، حق الزوج لا يلغي حق الأولاد ، وحق الزوج لا يلغي حق الوالدين ، وحق الزوج لا يلغي حق الزبائن ممن يتعاملون معك ، أعطِ كل ذي حق حقه هذه هي البطولة ، البطولة أن تعطي كل ذي حق حقه ، والوقت كاف سيدي .
النقطة الدقيقة : أحياناً يوجد موضوعات لا يكفيها العمر ، لو أنا أحببت مثلاً أن أقول لك : أعطني دراسة مطولة عن بلد إسلامي ، عن ماليزيا مثلاً ، تحتاج إلى أطروحة دكتوراه ، أما الله فما طالبك إلا بالتبحر بالدين فقط ، منهجك ، طريق سلامتك ، طريق سعادتك، طريق تألقك ، والباقي أنت لست بحاجة له .
فلذلك أنا أقول : هذا المظلي هبط من مظلته ، يا ترى ما شكل المظلة ؟ لا يعرف يا ترى دائرية أم بيضوية أم مربعة أم مستطيلة ؟ لا يعرف ، ما نوع خيوطها ؟ لا يعرف ، يا ترى خيوط حديثة أم طبيعية ؟ لا يعرف ، ما ألوان المظلة ؟ لا يعرف ، كم حبل ؟ لا يعرف ، قد يجهل مئة معلومة ، إلا معلومة واحدة طريقة فتحها ، إذا جهل هذه المعلومة نزل ميتاً ، هذا سماه العلماء : ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، أركان الإيمان ، أركان الإسلام ، الأحكام الشرعية التفصيلية في حرفتك ، أنت تاجر ، أنت معلم ، هكذا .
المذيع :
أبقى معكم شيخنا الكريم ، في ظلال القرآن الكريم ، ما هي نصيحة فضيلتكم شيخنا الكريم لمن يقرأ القرآن في رمضان ؟ هل يختم عدة ختمات لكن ستكون قراءته نوعاً ما سريعة ليختم المصحف مرتين وثلاث وأكثر أم يكون هناك ختمات متأنية ؟
قراءة القرآن قراءة تعبد وتدبر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا أتمنى عليك أن يكون لك ختمتان فقط ، ختمة تعبد ، وختمة تدبر ، التدبر تحتاج في اليوم أحياناً إلى آية واحدة ، العبرة ليست بالكم هنا ، بالعمق ، الآية ما مدلولاتها ؟ ما التطبيق العملي لها ؟ متى تطبق ؟ هنا العلم .
المذيع :
شيخنا ، ممكن توضح أكثر ، كيف تكون ختمة التدبر ، وختمة التعبد ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أن تقرأ من المصحف كل يوم جزءاً ، قراءة صحيحة ، مجودة إن أمكن ، أن تفهم المعاني العامة فقط ، هذه ختمة التعبد .
المذيع:
والتأمل والتدبر ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾
كلمتان تنظمان العلاقة بينك وبين خالق الأكوان ، يا عبادي تتفاوتون عندي بصدقكم ، وأنا أعدل بينكم ، كلمتان انتظمتا العلاقة بين العباد وربهم : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) يوجد فهم عميق جداً ، والفهم العميق تعيش أحواله ، القرآن لا تبلى جلدته ، السماء مثلاً يصعد إليها بخار الماء .﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾
واضحة ، عندما تقدم العلم صار رجع الصدى ، الموجات الكهرطيسية ، لولا طبقة الأثير لا يوجد إذاعة ، ولما كان هذا الدرس ، ولا كان هناك تلفاز : ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ) طبقة الأثير ترجع البث الفضائي .الآن : ( ذَاتِ الرَّجْعِ ) لها معنى آخر ؛ ما من نجمٍ في الكون إلا يدور حول نجم آخر ، ويرجع إلى مكان انطلاقه الأول ، فالقرآن حمّال أوجه لا تنقضي عجائبه .
المذيع :
إذاً النصيحة شيخنا ، ختمة تعبد يقرأ فيها الإنسان ويختم المصحف ، وختمة تدبر وتأمل .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والآيات مع التدبر ابحث عن تفسيرها ، اقرأ تفسيرها ، اقرأ تفسيراً آخر .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
شيخنا الكريم في الدقائق القليلة المتبقية معنا بعد هذا الكلام الجميل عن القرآن وعن رمضان ، ما هي نصيحتكم للأخوة في الأيام القليلة المتبقية من شهر شعبان للتهيؤ لاستقبال رمضان ؟
نصيحة للتهيؤ لاستقبال رمضان :
الدكتور محمد راتب النابلسي :والله يوجد نصيحة مهمة جداً : إذا كان مشكلة اجتماعية ، اقتصادية ، بعملك ، بمكان معين ، حاول أن تحلها قبل رمضان كي تتمتع بالصفاء في رمضان ، أما مشكلة كبيرة جداً فأخرها لبعد رمضان ، اجعل رمضان شهر الصفاء ، شهر القرب ، إما أن تحل هذه المشكلة قبل رمضان ، أو بعد رمضان ، يوجد خصومة أحياناً ، ومسامحة أحياناً أخرى ، إذا أنت جئت إلى بيت من تخاصمه مسامحاً فلك أجر كبير ، دائماً أسوأ شيء بالحياة سوء العلاقة بين الأقارب ، سوء العلاقة البينية ، هذه أخطر شيء ، أي أولاده ، أصهاره ، كنائنه ، إخوته ، أهل زوجته ، ما دام في الحلقة الأولى يوجد علاقات طيبة فهناك سعادة كبيرة .
لي كلمة دقيقة : إذا بالحلقة الضيقة جداً أي بيتك ومن يلوذ بك ، أولاد ، وأصهار، وكنائن ، وبنات ، الحلقة الضيقة إذا فيها سعادة تخفف تسعين بالمئة من الأخبار السلبية الخارجية ، نحن نعاني مشكلات كبيرة جداً أولها الكورونا مثلاً ، وثانيها مشكلات لا تعد ولا تحصى ، إذا كانت العلاقة الداخلية جداً في هذا البيت بأضيق علاقة يوجد مودة ومحبة عالية جداً هذه تخفف أكثر من تسعين بالمئة من سلبيات ما حولنا ، هذه هي العلاقة الداخلية ، فإذا تكاملت وصفت انطلقت بالتعاون ، وأنا هذا الذي أتمناه على إخوتي المستمعين .
المذيع :
شيخنا الحبيب ، في ظل أجواء الحظر وفايروس كورونا ، وإغلاق المساجد ، والإعلان عن عدم وجود جماعة لصلاة التراويح ، هذا يؤلم كثيراً من المسلمين والمسلمات ماذا تقول فضيلتك ؟
الاتصال بالله مع تطبيق تعليمات أولي الأمر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أقول : أنا أعبد الله كما يريد لا كما أريد ، أراد الله هذا الفيروس ، أنا أحترم هذه الإرادة ، أتفاعل معها ، أطبق تعليمات أولي الأمر .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) ﴾
إنسان مسلم غيور على بلده ، وعلى مصلحته .المذيع :
لكن الناس حزينة شيخنا لعدم صلاتها في المساجد ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا سيدي ، ممكن أن تصلي بالبيت مع زوجتك ، وبناتك ، وأولادك ، وأصهارك أحياناً ، أو كنائنك ، وتشعر بسعادة لا توصف .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
العبرة الاتصال بالله ، صدق ولا أبالغ ، كان أثناء الحظر السنة الماضية هناك علاقات بينية من أعلى مستوى .
المذيع:
الحمد لله .
شيخنا الكريم ، تبقى معنا نصف دقيقة للدعاء تفضلوا ؟
الدعاء :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلّامة المربي ، الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وكان حديثنا عن استقبال شهر رمضان ، اللهم بلغنا رمضان .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته