- التربية الإسلامية
- /
- ٠2مدارج السالكين
ما ذكر سابقاً :
أيها الأخوة الأكارم, مع الدرس الواحد والثلاثين من دروس مدارج السالكين, في مراتب إيّاكَ نعبد وإيّاكَ نستعين، الحقيقة: في دروسٍ سابقة عِدّةَ, تحدثنا عن أنواع الذنوب، تحدثنا عن الإِثمِ والعدوان، وعن الفحشاء والمنكر، وعن أنواع الفِسق، وعن أنواع الشِرك، وعن أنواعِ الفجور، وعن أنواع الكُفر، وتحدثنا عن أعظم هذه الذنوب وهيَ: أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم, واليوم ننتقلُ إلى موضوعٍ جديد, من سلسلةِ هذه الموضوعات التي نقدّمها لكم, تمهيداً لأخطرِ موضوعٍ في حياة المؤمن, ألا وهوَ التوبة.
من مراحل التوبة :
ذكرتُ لكم سابقاً: أنَّ الإنسانَ لا يتوبُ من ذنبٍ لا يعلمهُ ذنباً، فأولُ مرحلةٍ من مراحل التوبة: أن تعرف ما الذنب؟ ما الشِرك الخفي؟ ما الكُفر؟ ما الفجور؟ ما الإثم؟ ما العدوان؟ ما الفحشاء؟ ما المُنكر؟ ما هذا الذنب العظيم: أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم؟ فلن يتوبَ الإنسانُ من شيء, هوَ عِندَ اللهِ ذنبٌ عظيم, إلاّ إذا عَلِمَ خطورةَ هذا الذنب, وما يؤولُ إليه صاحبهُ, من عذابٍ في الدنيا, وشقاءٍ في الآخرة.
ففي سلسةِ هذه الموضوعات التي تنتهي إن شاء الله تعالى بموضوع التوبة, نحنُ اليوم مع موضوع الكبائر، وقبلَ أن أخوضَ في تفاصيل هذا الموضوع, لا بُدَ من بعض الأمثلة:
ترتكب مخالفة سير، العملية تتراوح بين مبلغٍ يسير, أو حجز السيارة أسبوع أو أسبوعين, أو سحب شهادة, أو ما إلى ذلك ....., لكن حياتك سليمة, ترتكب مخالفة تُكلّف شهرين سجن، ترتكب مخالفة ثلاث سنوات، تزوير وثيقة رسمية ست سنوات, كتم معلومات ست سنوات، جريمة قتل خمس وعشرون سنة، خيانة عظمى إعدام, أليسَ كذلك؟ .
في كُل مجتمع بشري أنظمة وقوانين, بعضُها خفيف بعضُها جنحة، بعضها جناية وبعضها جريمة، وفي مخالفات مدنيّة وفي مخالفات جزائية، هكذا, كذلك: من السذاجة أن تظنَ أنَّ كُلَ معصيةٍ معصية، هُناكَ معصيةٌ تستطيع أن تقول: يا رب ندِمتُ على فِعلِ هذا, تشعر أنَّ اللهَ غفرَ لك، هُناكَ معصيةٌ لا تستطيع أن تتوب منها بهذه السهولة, لا بُدَ من دفعِ مبلغٍ كبير, لا بُدَ من ترميم, لا بُدَ من فعلٍ كبير يُغطي هذه المعصية، لكن أخطر فكرة أتمنى عليكم أن تكونَ بينَ أيديكم: هوَ أنهُ من السذاجةِ أن تظن أنكَ إذا عَصيت تتوب, بابُ التوبةِ مفتوح, واللهُ غفورٌ رحيم:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
والقضية سهلة, هُنا الخطورة, كُلما كَبُرَ الذنب صَعُبَ عليك أن تتوبَ منه, بالضبط: كُلما كَبُرَ الذنب صَعُبَ عليك أن تتوبَ منه, لا تظن أنَّ الذنب كما لو أنكَ تمشي على الرصيف نزلتَ من على الرصيف ثمَ عُدتَ إليه, لا, هذه فِكرة ساذجة، هُناك معاصٍ تُبعِدُكَ عن الله إبعاداً كبيراً، هُناك معاصٍ يُحسُ صاحِبُها أنهُ ملعون وبعيد عن رحمة الله، هذه الفِكرة الخطيرة هيَ مِحورُ هذا الدرس, هُناك كبائر، وهُناك صغائر، الصغائر التوبةُ منها سهلة.
على مستوى مركبة: هُناك حادث يُصلّح في ساعة يُكلّفُكَ مئة ليرة, في حادث يُكلّف مئتي ألف، في حادث تُصبح المركبةُ قطعتين، أو تُصبحُ مسطحةً تحتاج إلى مئات بل إلى قريب من مليون ليرة إصلاح, مِثلُ هذه السيارة كُلهُ حوادث, لا, في حادث طفيف، حادث أكبر، أكبر، فالكبائر محور هذا الدرس.
من الكبائر :
﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾
يظلُ المُسلمُ بخير ما لم يسفك دماً، الزِنا كبيرة، شُربُ الخمرِ كبيرة، السرقةُ كبيرة، القتلُ كبيرة، قذفُ امرأةٍ محصنةٍ كبيرة، فلذلك موضوعُ هذا الدرس: الكبائر, لا شك أنَّ هذا الموضوع خِلافي, معنى خِلافي: أي أنَّ السلفَ الصالح اختلفوا في تحديد الكبائر من سبعة إلى سبعين إلى سبعمئة.
على كُلٍ؛ في كتاب مشهور اسمهُ: الكبائر للإمام الذهبي, عد فيهِ سبعين كبيرة طبعاً استنبطها من كتاب الله ومن سُنةِ رسولِ الله ومن الآثار الصحيحة، نحنُ الآن مع النصوص المُحكمةِ مع كتاب الله, ومع سُنّةِ رسولِ الله في الصحيحين, وهوَ أعلى أنواع الحديث.
1-اليمين الغموس:
من حديثِ الشعبيّ: عن عبدِ الله بن عَمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:
((الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ))
اليمين الغموس: أن تحلِفَ باللهِ عن قضيةٍ سابقةٍ أنكَ ما أخذتَ هذا المبلغ وقد أخذتهُ ، يعني حينما تحلِفُ باللهِ لتأكُلَ حقَ مُسلِمٍ, فهذا اليمين اسمهُ: اليمين الغموس, وسُمي غموساً: لأنهُ يغمِسُ صاحبهُ في النار, وهذا اليمين الغموس لا كفارةَ لهُ, لأنكَ إن حلفتهُ خرجتَ من الإسلام, تحتاج إلى تجديد إسلامِك, وإلى تجديد إيمانِك.
2- عقوق الوالدين:
روي عن أنس رضي اللّه عنه قال:
((ذكر عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الكبائر، فقال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين))
لذلك أنصحكم جميعاً: ألاّ تُشارك عاقّاً لوالديه, لأنهُ لا خيرَ فيهِ لوالديه, أيمكنُ أن يكونَ فيه خيرٌ لكَ؟ من باب أولى: أقربُ الناسِ إليه والداه, أولُ من أسدى لهُ معروفاً والداه, فإذا كانَ الإنسانُ عاقّاً لوالديه فلا خيرَ فيه، لذلك: ليعمل العاقُ ما شاءَ أن يعمل, فلن يدخُلَ الجنة، الإشراكُ بالله, وعقوق الوالدين, وقتلُ النفسِ طبعاً, قتلُ النفسِ بغير حق, لمّا القاضي يُمضي حُكماً بإعدام القاتل, هذا قتل نفس, لكن هذا بالحق, والقتلُ -كما قيل- أنفى للقتل:
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
3- الإشراك بالله وقتل النفس بغير الحق:
أمّا إذا قُلنا: القتل نقصد بهِ بغير الحق, طبعاً قتلُ النفسِ بالحق من خصائص الحاكم فقط، قتلُ النفسِ بالحق من اختصاص أُولي أمرِ فقط, ولا يستطيع آحادُ المسلمين أن يُقيموا هذا الحد، لا حد القتل, ولا حد الرجم، ولا أيّ حد من الحدود، الحدود منوطةٌ بالحاكِمِ المُسلم دفعاً للفوضى.
إذاً: الإشراكُ بالله، عقوق الوالدين، قتلُ النفسِ، اليمين الغموس.
في الصحيحين معطوفة على في الصحيحين، وفيهما عن عبدِ الرحمن بن أبي بكرَ, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ, عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ, وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ, وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا, فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ, قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ))
لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام لا يُحب أن تضيعَ الحقوق ولا يُحبُ الذُل.
وقد وردَ في الأثر:
((أنَّ عدل ساعةٍ خيرٌ من عِبادةِ سبعينَ عاماً))
سبعون سنة تعبد الله خيرٌ من كُلِ هذه العِبادة, أن تَعدِل, لأنَّ اللهَ هوَ العدل, ويُحب العدل.
وقد شكا حجرٌ إلى اللهِ عزّ وجل, قال:
((يا ربي عبدُتكَ خمسينَ عاماً, وتضعني في أُسِ كنيف –بيت الخلاء وضعتني يا ربي-, فقيلَ له: تأدب يا حجر, إذ لم أجعلكَ في مجلسِ قاضٍ ظالم))
يعني في هذا المكان في الكنيف, أشرفُ لكَ ألفُ مرة من أن تكونَ في مجلسِ قاضٍ ظالم، وكُل واحد منا قاضٍ، أحياناً قاضٍ بين أولادك، بينَ شركائك، بينَ جيرانك، ليسَ شرطاً أن يكونَ في الحياةِ منصِبُكَ القضاء, لا, حينما يُحتكمُ إليك فأنتَ قاضٍ.
عدلُ ساعةِ خيرُ من عبادةِ سبعينَ عاماً.
وهذا الذي دخلَ إلى بيت, وقتلَ الرجل, وقال لزوجتهِ: أعطني كُلَ ما عِندكِ, أعطتهُ سبعة دنانير ذهبية, فقتلَ ابنها الأول, فلما رأتهُ جاداً في قتل الثاني, أعطتهًُ مذهبةً, أعجبتهُ جداً, فإذا عليهُما بيتان من الشعر قرأهُما فأُغميَ عليه:
إذا جارَ الأميرُ وحاجبـاهُ وقاضِ الأرضِ أسرفَ في القضاءِ
فويـلٌ ثمَ ويـلٌ ثمَ ويـلٌ لقاضِ الأرضِ من قاض السمـاءِ
وأنا أقول لكم هذا الكلام: p
ويلٌ ثمَ ويــلٌ ثمَ ويـلٌ لقاض الأرضِ من قاض الســماءِ
ويلٌ لإنسانٍ ظلمَ مخلوقاَ ضعيفاً.
((اتقوا دعوة المظلوم ولو كانَ كافراً))
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ, وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ, وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا, فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ, قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ))
عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ, قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ, ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ, قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ))
أن تقول: فُلان يُعطيني، وفُلان يؤذيني، وفُلان يُبعدني، وفُلان كُل آمالي مُعلّقةٌ عليه:
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
4- الزنا:
لأنَّ الزِنا كبيرة, أما أن تزني بامرأةِ جارِك, فهذا من أكبر الكبائر، لذلك: النبي عليه الصلاة والسلام بلغهُ أنَّ رجلاً سافر, وأوصى جاره بأهلهِ, فزنا بزوجةِ جارهِ, ومن أغربِ الصُدف: أنَّ كلبَ جارهِ قتلهُ, فقالَ عليه الصلاة والسلام: خانَ صاحبهُ, والكلبُ قتلهُ, والكلبُ خيرٌ منه.
عنترة العبسي في الجاهلية كان يقول:
وأغضُ طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
فأنزلَ اللهُ تعالى تصديقَ قول النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾
وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرةَ رضيَ اللهَ عنهُ, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ, قلنا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ, وَالسِّحْرُ, وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ, وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ, وَأَكْلُ الرِّبَا, وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ, وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ))
((من سحرَ فقد كَفر))
((من أتى ساحراً فلم يُصدّقهُ, لم تُقبل لهُ صلاةُ أربعين صباحاً, ولا دعاءُ أربعينَ ليلة, من أتى كاهناً فصدقهُ فقد كفر بما أُنزلَ على محمد))
ربنا عزّ وجل يقول في آية رائعة جداً, في سورة التكوير:
﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾
يعني كُل مخلوق يُقتل بِلا سبب حتى العصفور, لو قتلتَ عصفوراً لغير مأكلةٍ, جاءَ يومَ القيامةِ ولهُ دويٌ كدويّ النحل, يقول: يا ربي سلهُ لِم قتلن؟
لذلك: الصيدُ دونِ حاجةٍ إلى طعامٍ مضطرٍ لهُ حرام, لأنهُ قتلُ نفسٍ بغير حق, وإتلافُ مالٍ, ومخالفةُ أمرٍ.
5- أكل أموال اليتامى:
اللهُ عزّ وجل لم يقُل: ولا تأكلوا أموال اليتامى, قال:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً﴾
تقربوا أبلغ, يعني إيّاكَ أن يختلط مالكَ بمالهِ، فإذا اختلطَ مالهُ بمالك, ربما أخذتَ منهُ وأنتَ لا تشعر, وأنتَ لا تدري, فافرز ماله جانباً, ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن, وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ: الهروب من لقاء العدو هذه كبيرة، "وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ: قذفُ مُحصنةٍ يهدمُ عملَ مئة سنة، الإشراك، عقوق الوالدين، قتلُ النفس، اليمين الغموس، أُضيفَ لها في الحديث الثاني: قولُ الزور، أُضيفَ لها في الحديث الثالث: أن تُزاني حليلة جارك، وأن تقتلَ ولدكَ مخافةَ أن يأكلَ معك، أُضيفَ لها في الحديث الرابع: الشِركُ, وأكلُ الرِبا, وأكلُ مال اليتيم, والتوليّ يومَ الزحفِ, وقذفُ المحصنات الغافلات المؤمنات.
6- أن يسب المرء والديه:
وروى شُعبة, عن سعدِ بنِ إبراهيم, سمعتُ حميدَ بنِ عبد الرحمن يُحدّثُ عن عبدِ الله بن عمرٍ رضيَ الله عنهُما, عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذَّنْبِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ, قَالُوا: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ, وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ))
طبعاً: أن يَسُبَ الرجلُ والديه كبيرة جداً, لكن وكأنَ للنبي عليه الصلاة والسلام يوجهها توجيهاً آخر, قال: وكيفَ يَسُبُ الرجل والديه؟ الأب مُقدّس جداً, حتى إن أكبرَ سُبّةٍ في الأدب العربي في الجاهلية, أن تقول لخصمِكَ: لا أبا لك.
سئمتُ تكاليفَ الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لكَ يسأمِ
يعني إذا أردتَ أن تَسُبَ إنساناً, قُل لهُ: لا أبَ لك, أنتَ بِلا أب, لمّا ربنا عزّ وجل قال:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
بدأَ بالأب, لأنَّ الأب موطن الاعتزاز الاجتماعي.
((أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ, قَالُوا: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ, وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ))
يعني: إذا أسأتَ للناس حتى حملتهم على أن يَسُبوا الأب, فكأنكَ أنتَ سببتَ أباك, كلام واضح كالشمس.
7- النهش في أعراض الناس:
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَمِنَ الْكَبَائِرِ السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ))
نهش في أعراض الناس، تتحدث عنهم بغير حق، دون دليل، دون تثبّت، دون تأكد، قصة تُروّجها للتسلية، تتهمهُ في دينهِ وهوَ بريء، تتهمهُ في ذِمتهُ وهوَ بريء، تتهمهُ في عِرضهِ وهوَ بريء هكذا ....., خطب من عِندنا, وتزوج من أخرى, لا بُدَ من أن نُجرّحهُ, يا أخي هذا لا يجوز, نتهمه بدينه، وندعي أنهُ يشرب, أمتأكدٌ أنهُ يشرب؟ لأنَّ الخطبة لم تنجح, زعمنا أنه يشرب، يُجرّح بِلا سبب، بِلا دليل، بِلا تأكيد، بِلا بينّة، يُتهمُ في عقلهِ، يُتهمُ في دينهِ، يُتهمُ في أخلاقهِ, هذه من أكبر الكبائر. والمشكلة أيها الأخوة: هذا الذي اتهمتهُ وهوَ بريء, اسمعوا مني: في عِندك حل واحد في الدنيا, حل واحد: أن تذهبَ إليه, وأن تعتذرَ منهُ, وأن تطلبَ منهُ السماح, وأن تعقِدَ جلسةً أخرى كالتي عقدتها من قبل, وأن تذكُرَ ذلكَ للناس حتى تنجوَ من عذاب الله, وإلا يأتي يومَ القيامة, فيأخذ من حسناتك, ويعطيكَ من سيئاتهِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ, قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي, مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا, وَقَذَفَ هَذَا, وَأَكَلَ مَالَ هَذَا, فَيُقْعَدُ, فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا, أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ, فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ, ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))
أقول لكم هذا الكلام, وأنا أعني ما أقول: إذا كان سبقَ وأن اغتبتَ, سارع إليه, واعتذرَ منهُ, واعقد جلسةَ مشابهةً للذي تكلمتَ فيها, واذكر للناس أنك تكلّمت بحق فُلان كلاماً غيرَ صحيح, وأنك تعتذر منهُ, وهوَ منهُ بريء, وإلا سوفَ يأخذُ من حسناتِك, وسوفَ يطرحُ عليكَ سيئاته, انتبه.
إنَّ من أكبر الكبائر: استطالة الرجل في عِرضِ أخيه المسلم بغير حق.
لستَ متأكداً, فكيفَ إذا كفّرتهُ بِلا سبب؟ كُلما خالفَ رأيهُ رأيكَ تُكفرّهُ، كُلما خالفَ اجتهادهُ اجتهادكَ تُكفّرهُ، يعني إذا قُلتَ: يا رسولَ الله, فأنت مُشرك.
إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
8- الأمن من مكر الله:
الآن: عن الصحابة, وعن عبد الله بن مسعود قالَ: أكبر الكبائر: الشِركُ بالله، والأمن من مكرِ الله.
مُقيم على معصية، مُقيم على دخل حرام، مُقيم على اختلاط لا يُرضي الله، لكَ علاقاتٌ من وراءِ زوجتك لا تدري بها، وتُصلي, أنتَ ماذا تفعل؟ أنتَ آمنٌ من مكرِ الله؟ يعني الله عزّ وجل هكذا يدعُكَ تَغُشُ الناس!:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
هكذا ببساطة: تزور هذا البيت, وليست زيارتك بريئة, وتدّعي أنكَ مُسلم, وأنكَ تُصلي, والمسبحة بيدك، تُتمتم دائماً: لا إله إلا الله, سبحان الله!؟ لا بُدَ من أن تُكشف, ولا بُد من أن تُفتضح.
9- القنوط من رحمة الله:
لذلك: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ, أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الْجَنْبِيَّ, حَدَّثَهُ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
((ثَلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ, وَعَصَى إِمَامَهُ, وَمَاتَ عَاصِيًا, وَأَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَبَقَ فَمَاتَ, وَامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا, قَدْ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الدُّنْيَا فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ, فَلا تَسْأَلْ عَنْهُمْ, وَثَلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ نَازَعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رِدَاءَهُ, فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ, وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ, وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ, وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ))
يوجد أمل, ألا يقدر الله عزّ وجل أن يُخلّصكَ مما أنتَ فيه؟ أي هذا المرض: ألا يستطيع الله عزّ وجل أن يشفيكَ منهُ؟ هذا هوَ المرض الخطير، ليسَ مرضهُ العُضال, لكنَ المرضَ يأسهُ من رحمة الله, أين؟:
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
واليأسُ من روحِ الله، اليأسُ والقنوطُ من الكبائر، لا أمل في الزواج, لا يوجد عِندي بيت ودخلي لا يكفيني، هل هذه المشكلة تستعصي على الله عزّ وجل؟ أو يفهم الأمور أنهُ جِهاد بالعالم, يفعلون ما يريدون, وكُلُ هذه الشعوب لِخدمتهم, أينَ الله عزّ وجل؟ هذا كلام فيه يأس, هذا فيه قنوط، القنوط من رحمة الله، واليأسُ من روح الله، والأمنُ من مكر الله، والشِرك من الكبائر.
10- الإصرار على الصغائر يحولها لكبائر:
قالَ سعيد بن جبير: سألَ رجلٌ ابن عباس عن الكبائر: أسبعٌ هُم؟ قالَ: هُنَ إلى السبعمئة أقرب, إلا أنهُ لا كبيرةَ مع الاستغفار, ولا صغيرة مع الإصرار.
يعني: إذا كُنتَ مُصرّاً على مصافحة امرأةٍ أجنبيةٍ, دائماً ليسَ فيها شيء, معَ أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((إني لا أُصافح النساء))
مُصافحة المرأة الأجنبية إذا أصررتَ عليها, وأكّدتَ إباحتها, وهيَ محرّمةٌ بنص الحديث الشريف, هذه كبيرة، والكبيرة نفسها لو تُبتَ منها أصبحت صغيرة.
لا كبيرةَ مع الاستغفار, ولا صغيرة مع الإصرار.
يعني مثل سريع أضرِبهُ كثيراً: الطريق عريض, وعلى يمينهِ وادٍ سحيق, عرضهُ ستون متر, وأنت في الوسط, وتقود مركبة، حرفُ المِقودِ تسعونَ درجةً فجأةً, هذه كبيرة, لماذا؟ لأنها تودي إلى الوادي بسرعة, أمّا لو انحرف سنتيمتراً واحداً, وثبتَ هذا السنتيمتر بعد مئة متر, سيقع بالوادي, إذا أصررتَ على الصغيرة, انقلبت إلى كبيرة.
سُميت صغيرة؛ لأنهُ يسهُل الاستغفار منها مباشرة, عادت إلى مكانها، لكن إذا أصررت, وما دام مُصِر, ففي الآخرة على الوادي.
لا صغيرة مع الإصرار, ولا كبيرةَ مع الاستغفار.
وقالَ هذا الصحابي الجليل: كُلُ شيء عُصيَ اللهُ بهِ فهوَ كبيرة. الدليل: لا تنظر إلى صِغر الذنب, ولكن انظر على من اجترأت.
كُلُ شيء عُصيَ اللهُ بهِ كبيرة.
من عَمِلَ شيئاً منها فليستغفر اللهَ, فإنَّ اللهَ لا يُخلّدُ في النارِ, إلا من كانَ راجعاً عن الإسلام, أو جاحداً فريضةً, أو مُكذباً بالقدر.
أمّا كُل ذنب يمكن أن تتوبَ منهُ.
وقد قالَ عبد الله بن مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه: ما نهى اللهُ عنه في سورة النساء من أولِها إلى قولِهِ تعالى:
﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾
كيفَ استنبط العلماء الكبائر؟ :
الآن السؤال الكبير: كيفَ استنبطَ العلماء الكبائر؟ فهذا الجواب, جواب أحد العلماء قالَ: كُل ذنبٍ ختمهُ اللهُ بنارٍ, أو بغضبٍ, أو لعنةٍ, أو عذابٍ.
اقرأ أنتَ القرآن:
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
كبيرة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً﴾
كبيرة:
﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
كبيرة:
﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
كبيرة, أيُّ ذنبٍ خُتمَ بنارٍ, أو بغضبٍ, أو لعنةٍ, أو عذابٍ هوَ كبيرة.
تعريف الكبيرة :
في تعريف آخر للكبيرة: هي ما أوعدَ اللهُ عليه حداً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة:
﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
أيُّ ذنبٍ في القرآن الكريم, أوعدَ اللهُ به حدّاً في الدنيا, أو عذاباً في الآخرة, فهوَ كبيرة.
تعريف ثالث: ما سمّاهُ اللهُ في القرآن كبيراً فهوَ كبيرة:
﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً﴾
﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً﴾
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾
﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾
﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً﴾
أيّةُ كلمةٍ في القرآن عظيم كبير، كبير عظيم، فهذا يعني أنَّ هذا الذنبَ من الكبائر.
11- الابتداع في الدين:
ومن أكبر الكبائر: أن تبتدعَ في الدينِ ما ليسَ فيه، لأنَّ المُذنب يتوب من الذنب, أمّا المُبتدع يرى أنهُ على صواب، المُبتدع الذي جاءَ بعقيدةٍ لا أصلَ لها، أو بسلوكٍ لا أصلَ لهُ، أو نهى عن شيء أباحهُ الله، أو أمرَ بشيء حرّمهُ الله، أو حَرَفَ العقيدة وفقَ أهوائهِ ومصالحهِ, كُلُ من جاءَ بشيء ليسَ من الدينِ فهوَ مُبتدع, والمُبتدع هوَ من أكبر الكبائر, هوَ نفسهُ كبيرة, التعليل, قال: لأنَّ البِدعة لا يُتابُ منها, والمعصيةَ يُتاب منها.
إذا إنسان يعتقد أنَّ هذا العمل غلط ونفسهُ غلبتهُ, أغلب الظن أنهُ يتوب منه إن عاجلاً أو آجلاً, لكن إذا اعتقد أنه لا يوجد شيء, كيفَ يتوب منه؟ إذا اعتقدَ اعتقاداَ قطعيّاً أنَ هذا الشيء مُباح, أو أنَّ هذه الفكرة صحيحة, هذا لا يتوب منها:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
لذلك: المُبتدع لا توبة لهُ, لأنهُ لن يتوب.
قال: كلُ ذنبٍ عليه عقوبةٌ في الدنيا مشروعةٌ محدودةٌ؛ كالزِنا, وشُربِ الخمرِ, والسرقةِ, والقذفِ, أو عليه وعيدٌ في الآخرة كأكلِ مال اليتيم:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾
هذه كبيرة, والشربُ في آنية الفضةِ والذهبِ، وقتلُ الإنسانِ نفسهُ كبيرة، وخيانته أمانتهُ ونحو ذلك, هذه كُلُها كبائر.
عَرفنا ما الكبيرة؟ فيها كلمة عظيم، فيها لعن، فيها غضب، فيها وعيد بالنار، والذي جاء في الحديث الشريف، الإمام الذهبي جمعها سبعينَ كبيرة, وأتمنى على الله عزّ وجل أن يحتاطَ الإنسانَ, وأن يعرفَ بالضبط ما الكبائر حتى لا يقعَ فيها.
قال: المُحسن من إكرام الله لهُ: إذا زلّت قدمهُ, حسناتهُ تشفعُ لهُ.
فإذا الإنسان وقع في مأزق, النبي علّمنا الدعاء: يا رب, إن كُنتُ فعلتُ هذا العمل خالصاً لوجهك ففرّج عني الآن, معناها الإنسان: لهُ أن يتوسل إلى اللهِ عزّ وجل بأعمالهِ الصالحة السابقة.
قالَ لي تاجر من تجّار الغنم الكِبار: كُنتُ في البادية مع قطيع غنم اشتريتهُ -قصة قديمة-, قالَ لي: وضللنا الطريق, وأصابنا عطشٌ شديد, كِدتُ أهلكُ أنا ومالي, فصليت ركعتين, وقُلتُ لهُ: يا رب, مرة راودتني امراةٌ عن نفسها فعففت وخفتك, يا رب إن كُنت تركتها خشيئةً منك فأنقذنا الآن, وما هوَ إلا وقتٌ قصير, حتى رأى بدوياً, دلّهُ على مكانٍ فيه ماء.
فمنَ السُنّة الإنسان أن يتوسل إلى الله عزّ وجل بصالح عملهِ.
12- عدم الخوف من الله والاستهانة مع الصغيرة تلحقها بالكبيرة:
في نقطة مهمة جداً سأقرؤها لكم بدقة, قال: الكبيرة التي يقترن بها حياءٌ وخوفٌ واستعظامٌ، -إذا اقترنَ بها حياءٌ من الله وخوف واستعظام لِما فعل, قال-: هذه الكبيرة تُلحق بالصغائر, والصغيرةُ إذا اقترنَ بها قِلةُ حياءٍ, وعدم مبالاة, وترك الخوف والاستهانة, تُلحق بالكبائر.
وهذه الكلمة يقولها معظم الناس: ماذا فعلنا يا أخي؟ إذا نظرنا ماذا يحصل؟ أكلناها. الله عزّ وجل قال:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
أنتَ حينما نظرت, ونفسكَ غَلبَتَكَ, واستحييت من الله, وبادرتَ إلى التوبة, وتصدقت, فالله يجعلُها صغيرة، أما إذا قُلت: ماذا صنعت؟ أين نذهب بأعيننا؟ هذا استخفاف بأمر الله عزّ وجل, معَ أنَّ اللهَ عزّ وجل لا يُكلّفُ نفساً إلا وسعها، استخفاف بأمر الله.
الكبيرة مع الحياء تلحق بالصغائر:
فإذا الكبيرة اقترنت بالحياء, والخوف, والاستعظام تُلحقُ بالصغائر، فإذا الصغيرةُ اقترنت بقلةِ الحياءِ, وعدم المبالاة, وترك الخوف, والاستهانة بها تُلحقُ بالكبائر.
سيدنا يونس -كما تعلمون-, حينما ضَجِرَ من قومِهِ وتركهم, فكأنهُ بشكل أو بآخر تخلّى عن رسالتهِ, فربُنا عزّ وجل جعلهُ في بطن الحوت, لكن بعدَ أن أنقذهُ, قال:
﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
إذاً: تسبيحهُ السابق شَفعَ لهُ هذه الذلّة, أرجو الله أن أكونَ مصيباً في قولي, يعني المؤمن غالٍ على الله, إذا لكَ سابقة فضل، لكَ ماضٍ مجيد معَ الله، لكَ جهادك في سبيل الله, جِهاد نفسك وهواك، تُبذل، تُنفق من مالك، فإذا عثرت, فالله سبحانهُ وتعالى يجبرُ عثرات الكِرام؛ ماضيك المُشرّف، طاعتكَ المديدة، حُبك لله عزّ وجل، إنفاقك في سبيل الله، هذا يشفعُ لكَ عِندَ الله, بمعنى أنهُ يُقيلُ عِثارك إذا زلّت قدمُك -لا سمح الله-, لا يتخلى الله عنك, هذا الماضي الطيب, يدعو إلى أن يتولى اللهُ معالجتك معالجة دقيقة.
أحياناً: الإنسان يغلط, فيسوق الله من الشدائد ما يحملهُ على التوبة, ليسَ ذلكَ إلا لكرامة العبد على ربه.
إذا أحبَّ اللهُ عبدهُ عدّلَ لهُ بالعقوبة.
يعني أنتَ إمّا أن تكون مُهملاً من قِبل الله عزّ وجل, وإمّا أن تكونَ في العناية المشددة، فإذا لك ماضٍ طيب، فيه صدق مع الله، فيه عبادة إلى الله، فيه خدمة الناس، فيه معرفة كتاب الله, هذا الماضي, هذا الذي يدعو إلى أن تكونَ في العناية المشددة, ليسَ معناها لا تُعاقب, لكن الله عزّ وجل لا يتخلّى عنك، ما دُمت قد سبقت منكَ الحُسنى, فلا بُد من أن يتولى اللهُ معالجتك, هذا استُنبط من قوله تعالى:
﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
قول لا إله إلا الله دون عمل لا تدخل الجنة:
في نقطة مهمة جداً, أتمنى على الله عزّ وجل أن تنكشفَ لنا جميعاً.
يوجد أحاديث كثيرة مُفادُها: أنهُ من قال لا إلهَ إلا الله دخلَ الجنة.
ففي أشخاص مُغرِضون, يفهمون هذا الحديث على غير ما أرادهُ النبي، يفهمونَ هذا الحديث أنهُ قُل: لا إلهَ إلا الله وانتهى الأمر, فكُل الذنوب مغفورة، كُلُّ الانحرافات مستورة، لا , المعنى أعمق بكثير.
المعنى: كلمة لا إلهَ إلا الله نور, نور ساطع, بشكل مادي: إنسان معهُ مصباحٌ منير, والطريق مُظلم, في بالطريق حُفر, وفي أكمات، في أفاعٍ، في ثمرات، في أحجار، في أشواك ، إنسان سوي, وعاقل, وبالغ, وراشد, ومُدرك, وبصرهُ حاد, ومعهُ مصباحٌ منير, أيُعقل أن أن يقعَ في الحفرة وهوَ يراها؟ لا يُعقل، أيُعقل أن يُمسكَ بالأفعى وهي أفعى؟ مستحيل، بمصباحِكَ المنير تتقي الحفرة، وتأكُلُ الثمرة، وتبتعدُ عن الشوك، وتقتلُ الأفعى.
إذاً: من قال لا إلهَ إلا الله نوّرت قلبهُ، فكيفَ يُغفرُ لأهلِ لا إلهَ إلا الله؟ لأنهم إذا قالوها فِعلاً لا يرتكبونَ ذنباً بهذا المعنى, ليسَ معناها أن ترتكبَ الذنوب, وأن تقول: لا إلهَ إلا الله, لا, هذا فهم ساذج، يعني:
لا إلهَ إلا الله حِصني, من دخلها أمِنَ من عذابي، لا إلهَ إلا الله نور في القلب.
الله ماذا قال؟ قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
قال: هذا النور يُحرِقُ الشهوات والشُبُهات، كُلما اشتدَ النور أضاءَ ما حولهُ, ورأيتَ الحقَ حقاً والباطلَ باطلاً, رأيتَ كُلَ شيء.
يعني الإنسان مفطور على حُبِ ذاتهِ، سائق السيارة: أيُعقل أن يجد حفرة, والطريق مُعبّد, والحفرة عميقة أن ينزل فيها؟ مستحيل, إذا رآها فعلاً فهيَ لا إلهَ إلا الله, هذا التوحيد، نور في القلب، نورٌ يقذفهُ الله بالقلب, فإذا غُفر لأهل لا إله إلا الله, لأنهم وَقوا أنفسهم بهذا النور من أن يقعوا في ذنب, هذا هوَ المعنى.
كل حديث فيه "من قال" يعني من قال وعمل:
الشيء الثاني: الذي أتمناهُ عليكم: هوَ أنَّ كُلَ حديثٍ تقرؤونهُ فيه كلمة قال، من قالَ, من دعا، إيّاكم أن تظنوا أنكَ إذا قُلتَ بلسانك, قطفتَ ثِمارَ هذا الحديث، القول باللسان لا يُقدّمُ ولا يؤخّر, ولا يُغير شيئاً, ما لم يكن القلبُ حاضراً, والقلبُ خاشعاً، ما لم تكن في مستوى الحديث, في مستوى الدعاء, لن يؤثرَ الدعاء, ولن يؤثرَ القول, هذه حقيقة, مثلاً يقول لكَ: أنا عِندي وساوس, تأتيني كوابيس في الليل, أقول لهُ: ليسَ عِندي إلا حل واحد:
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
تقول: قلتها كثيراً ولم أستفد, أنتَ قُلتها بلسانك, إن لم تقلها وأنتَ حاضر القلب، وأنتَ مُدرِكُ لمعناها، إن لم تقلها وكأنها تجري في دمك, لن تقطفَ ثِمارَ هذا القول، فحيثما قرأتَ في السُنةِ, أنهُ من قال: لا إلهَ إلا الله دخلَ الجنة، من قال: سبحانكَ اللهم مئة مرة غُفرَ له.
يعني إذا سبحّتَ الله فعلاً, الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر, اذكرهن مليون مرة لا يحدثُ شيء، أمّا لو سبحّتَ اللهَ فعلاً, أي نزهّتهُ ومجدّتهُ, ولو وحّدتهُ سبحان الله، ولو حَمِدتهُ والحمدُ لله، ولو كبرّتهُ، أنتَ سبحّتهُ وحَمِدتهُ ووحّدتهُ وكبرّتهُ, فأنت تعرفه, وما دُمتَ تعرفهُ:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾
فالكلامُ يبقى كلاماً ما لم يكن القلبُ مواطئاً لهُ، وما لم يكن الخشوع ملامساُ لهُ، وما لم يكن الإدراك معنيّاً بهِ، فكل قول تقرؤهُ في الكتاب والسُنّة لا قيمةَ لهُ إلا إذا حضرَ القلبُ معك.
مثلاً: من قالَ في يومٍ: سبحانَ اللهِ وبحمدهِ مئة مرة, حُطت عنهُ خطاياه, أو غُفرت ذنوبه.
الكلام صحيح بمعنى, وغلط بمعنى آخر، صحيح ما دُمت قد سبّحتَ الله فِعلاً, انتهى كُل شيء, فأنتَ عرفتهُ، أما إذا قُلت: سبحانَ الله, سُبحانَ الله, ومرّت امرأة ونظرت إليها, قلها مليون مرة لن تُقدّم ولن تؤخر، لا تكن شكليّاً أيها الأخ, ديننا أعظم من ذلك.
مستحيل أن تقبل جامعة, أن تعطيك إجازة بأن تقول إجازة مئات المرات، إجازة الليسانس أربع سنوات دراسة, وكل سنة فيها اثنتا عشرة مادة, وكل مادة فيها ثلاثون كتاب, ومراجع, وحلقات بحث, تحس وكأنك ذُبت ذوباناً بعد أربع سنوات، جامعة عادية لا بد فيها من دراسة, ومن مناهج, ومن كُتب, ومن امتحانات, معقول أن تقول: سبحان الله, ولم يعد هُناكَ ولا ذنب؟ هذا والله عمل سهل.
كُل مال حرام, وافعل ما تشاء, واذهب إلى أي مكان يُغضب الله عزّ وجل, وفي المساء يكفي أن تقول مئة مرة: سبحان الله, تحتاج إلى ربع ساعة, فالدين أعظم من ذلك، إذا وردَ معكَ بالسُنة كلمة من قال: سبحان الله, يعني قلبه تفطّر من تعظيم الله عزّ وجل، سبحان الله ودموعهُ على خدهِ، سبحان الله وجلدهُ مقشعّر، سبحان الله وقد عَزَمَ على التوبة فعلاً، من قالَ: سبحان الله, وفي معها توبة, ومعها خشوع, ومعها خشية لله, غُفرت لهُ كُلُ ذنوبهِ, فإيّاكم أن تفهموا هذه الأحاديث على ظاهرها، الأقوال وحدها لا قيمة لها، فبإمكان أيِّ إنسان مهما كانَ بعيداً عن الله أن يقولها.
كلما ارتفعت مرتبة الإنسان تصبح الصغائر في حقه كبائر:
بقيَ بحثٌ أخير: بالنسبة لكل إنسان لهُ ذنوب, يعني سيدنا ابراهيم أُمرَ أن يذبحَ ابنهُ, ماذا فعل؟ كُلما ارتفعت مرتبة الإنسان, تُصبحُ الصغائر في حقهِ كبائر, هُنا في نقطة جديدة:
يجوز أن أجد رجلاً في الأساس عاصياً, شارب خمر، زانياً، عندما تركَ الزِنا وترك الخمر, أُراه أصبح ولياً، هذا وليّ, لأنهُ ترك الزِنا والخمر فقط! لكن كُلما سِرتَ إلى الله, يمكن المؤمن الراقي يُعاتب على كلمة قالها، يُعاتب على نظرة نظرها؛ لذلك قالوا: حسناتُ الأبرار سيئات المُقرّبين.
سيدنا ابن رواحة ماذا فعل؟ عيّنهُ النبي عليه الصلاة والسلام قائداً رقم ثلاثة في معركة مؤتة, وأول قائد سيدنا زيد قُتل, وثاني قائد قُتل سيدنا جعفر, وجاء دور سيدنا عبد الله بن رواحة, الموت سريع جداً تريّث, كانَ شاعراً قال:
يا نفسُ إلا تُقتلي تموتي هذا حِمامُ الموتِ قد صليتِ
إن تفعلي فعلهُما رضيتِ وإن توليـتِ فـقد شـقيتِ
أخذَ الراية وقاتلَ بها حتى قُتل, ماذا عمل؟ ماتَ في سبيل الله، النبي عليه الصلاة والسلام قال: أخذَ الرايةَ أخوكم زيد, فقاتلَ بها حتى قُتل, وإني لأرى مقامهُ في الجنة, ثم أخذَ الرايةَ أخوكم جعفر, فقاتلَ بها حتى قُتل, وإني لأرى مقامهُ في الجنة, ثمَ سكتَ النبي عليه الصلاة والسلام, فلما سكتَ النبي, قَلِقَ أصحابهُ على عبد الله, قالوا: ما فعلَ عبدُ الله؟ قالَ: ثمَ أخذَ الراية أخوكم عبد الله, وقاتلَ بها حتى قُتل, وإني لأرى في مقامهِ ازوراراً عن صاحبيه، درجتهُ هَبَطت.
مرة تكلّمتُ قصة نصفُها وقع, ونِصفُها أكملتهُ من عِندي, الذي وجدَ بالحاوية كيساً أسود يتحرك, فإذ به طفل مولود حديثاً, فأخذهُ وربّاه ... إلى آخره, أنا أكملتُها, خرجّهُ طبيباً, وقد زوجّهُ ابنتهُ, وأخذ له عيادة, صار من ألمع أطباء دمشق, فهذا الطبيب مرةً, رأى عمهُ يمشي في الطريق على قدمين, قالَ: يا فُلان أوصلني إلى البيت, ففكرَ أربع ثوانٍ, وقالَ لهُ: تفضل, هذه الأربع ثوانٍ بحق هذا الطبيب جريمة, أليسَ كذلك؟ كُنتَ في الحاوية, وانتشلكَ من الحاوية, وخرّجكَ طبيباً, تقول له: تفضل لكي أُوصلكَ, بعد تردد, التردد جريمة؛ فالإنسان كُلما علا مقامهُ, تصبح الصغائر في حقهِ كبائر.
ما الدرس الذي يجب أن نأخذه من غزوة حنين؟ :
ما فعلَ أصحاب رسول الله في حنين؟ هم كانوا ثلاثمئة, انتصروا بأُحد, بالخندق, الآن أصبحوا عشرة آلاف, أكبر قوة ضاربة في الجزيرة, فقالَ أحدهم: لن نُغلبَ اليومَ من قِلّة, فقط هذه الكلمة, قال:
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾