الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس السادس والعشرين من دروس مدارج السالكين، في مراتب إيّاكَ نعبُد وإيّاكَ نستعين، والحقيقة مرتبة اليوم هي مرتبة التوبة، ومرتبة التوبة بابها كبيرٌ جداً، لا يكفيها لا درسٌ ولا درسان ولا أكثرُ من درسين، ولكن أردتُ كتقديمٍ لهذه المرتبة أن يتعرّفَ الإنسان إلى أنواع المعاصي، أنواع الجنايات، كيفَ يتّقي الإنسان الشيء إن كانَ جاهِلاً به.
أي كُلكم سمعتم إمّا سمعتم مباشرةً أو بالوساطة أنَّ هذه المواد البلاستيكية حينما تترافق مع الحرارة أو مع الدهنيات تنحلُّ في الطعام، وأنَّ هذه المادة المُنحلّةَ في الطعام مهما قلّت إنها تُسببُ تراكماتٍ في الجسم، تُفضي في أغلب الأحيان إلى أورامٍ سرطانية، وهو حديث البلد اليوم، لا ينبغي أن يقترنَ الحَرُّ مع هذه المادة، ولا الدهنيات مع هذه المادة، لا ينبغي أن يُسخّنَ الخُبزُ على النارِ مباشرةً، إلى آخر ذلكَ الموضوع الخطير.
الآن مثلاً الناس يتقونَ هذه الأخطار، متى بدؤوا يتقنونها؟ حينما عرفوها، لا يمكن أن تتوب قبلَ أن تعرف، لما الإمام الغزالي رضي الله عنهُ جعلَ من أركان التوبة العِلم والندم والسلوك، ما من توبةٍ إلا وأولها عِلم وأوسطها ندم وآخرها سلوك، ذو ثلاثِ شُعَب، شُعبةٌ متعلقةٌ بالماضي، الإصلاح، شُعبةٌ متعلقةٌ بالحاضر، الإقلاع، شُعبةٌ متعلقةٌ بالمستقبل، العزيمة، يُصلِحُ ما مضى، ويُقلِعُ من فورِهِ عن الذنب، ويَعزِمُ في قلبهِ ألا يعودَ إليه أبداً، هذه الشُّعبُ الثلاثة شُعبُ السلوك وقبلَ السلوك حالة الندم الشديد، وقبلَ الندم الشديد العِلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( عن عبد الله بن مسعود: الندمُ توبةٌ فقال له أبي أنت سمعتَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ الندمُ توبةٌ قال نعم))
[ صحيح ابن ماجه: خلاصة حكم المحدث : صحيح ]
فسّرَ العُلماء هذا الحديثَ الموجز الجامعَ المانع بأنهُ لا ندمَ من دونِ عِلم، لابدَّ للندمِ من عِلمٍ سببهُ، ومن سلوكٍ أوجبهُ، النبي كلامهُ موجز عليه الصلاة والسلام،
(( عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي. ))
قال: ((الندمُ توبة)) الإنسان متى يندم؟ يندم حينما يعلم، وإذا نَدِم ماذا يفعل؟ يُقلع، ويُصحح، ويعزم.
التوبة أكبر شيء في حياة المؤمن:
إذاً أيها الإخوة؛ هذه الموضوعات موضوعات خطيرة، وكلمة خطيرة في اللغة لها معنيان، تقول: القمح مادة خطيرة في حياة الأمة، أي إذا فُقِد القمح كانت المجاعة، وإذا وجدت المجاعة وجدت مشكلة كبيرة جداً، لكن إذا فقدت الأزهار لتقدّم في الأفراح، لو مُنِعَ استيرادُ الأزهار، لو مُنِع استيرادُ العطورات، الأمة تبقى كما هيَ، فنقول: القمحُ مادةٌ خطيرة، ليسَ معنى هذا أنها تتفجر، لا، أي وجودها مُهمٌ جداً في حياتِنا، فالمؤمن مُذنب توّاب، أي أكبر شيء في حياة المؤمن التوبة، لأنهُ مُذنِبٌ توّاب، لأنهُ لا يخلو من ضعفٍ، ومن صحوةٍ، ومن علمٍ، ومن ندمٍ، إذاً موضوع التوبة موضوع خطير جداً، ولأنهُ موضوع خطير يجبُ أن يشغل مِنّا حيّزاً كبيراً، فباب التوبة كبيرٌ جداً، قد نحتاجُ فيه إلى أربعة دروس، ولكن أردتُ أن أبدأ بالعِلم، لن تتوبَ من الذنب إلا إذا عَلِمتَ أنهُ ذنب، صح، لن تُقلِعَ عن معصيةٍ إلا إذا عَلِمتَ أنها معصية، لن تبتعِدَ عن إثمٍ إلا إذا عَلمتَ أنهُ إثم.
لذلك كما قلت البارحة في درس الأحد في جامع النابلسي: لا يمكن أن تتحرك بِلا عِلم، الحركة بِلا علم حركة طائشة، حركة غير مُجدية، حركة قد تكون مؤذية، حركة قد تكون مُدمّرةَ، تماماً كسيارةٍ لها مُحرّكٌ فعّال، ولكنها بِلا مقود، المِقودُ هو العِلم، والحركةُ هيَ المُحرك، فالحركة بِلا عِلم حادث، تدهور، سقوط في وادٍ، تصادم، أما العِلم يقود الحركة إلى الوجهة الصحيحة، فلذلك يمر معنا بالقرآن الكريم مثلاً كلمة فِسق، كلمة شِرك، كلمة كُفر، كلمة إلحاد، كلمة إثم، كلمة عدوان، كلمة معصية، كلمة كذب على الله، يا ترى هذه المعاصي الكبيرة التي تكثر في القرآن الكريم، أنا والله الذي لا إله إلا هو لا أرى موضوعاً أخطر في حياتِنا من أن نعرفَ بالضبط ماذا تعني كلمة كُفر؟ وماذا تعني كلمة شِرك؟ وماذا تعني كلمة فِسق؟ وماذا تعني كلمة إلحاد؟ وماذا تعني كلمة إثم؟ وماذا تعني كلمة فجور؟ وماذا تعني كلمة عُدوان؟ وماذا تعني.. هذه كلماتٌ خطيرة مُهلِكةَ، أي إنسان يتعامل مع مواد متفجرّة لا يعرِفُ خواصّها، قد تودي بحياتهِ، يجب أن تعرف ما معنى قنبلة؟ ما معنى قنبلة نُزِعَ أمانُها؟ ما معنى قُنبُلة أُشعِلَ فتيلها؟ ما معنى قُنبُلة قد انفجرت؟ لو رأيت بقايا قنبلة قد انفجرت لا يوجد منها خطر، فما دام تعامل الإنسان في الحياة مع شهوات، مع علاقات، فمِثلُ هذه المصطلحات خطيرةٌ جداً جداً.
خطرَ في بالي والله هو الموفق أن نبدأَ بأكبرِ معصيةٍ في الدين، أكبر معصية، أكبر إثم، أصلُ الآثام، أصلُ أنواع الشِّرك، أقول: أصل الشِّرك، أصل الإثم، أصل العدوان، أصل الفِسق، أصل الفجور، أصلُ الكفر، ما هوَ هذا الذنب؟ لا هو زِنا، ولا هو خمر، ولا هو قتل، ذنبٌ كبيرٌ كبير، ويبدو في نظر الناسِ صغيراً صغيراً، قلت: أصل الشرك إذاً ليس شركاً، الجهل، الإلحاد، عدم العلم، نحن الحَكَم هو كتاب الله، لِنَعُد إلى كتاب الله، قال:
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)﴾
قال هذه محرّمات، قال: ثم انتقلَ إلى ما هو أعظمُ منها، بالتسلسل بالقرآن الكريم، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ قال: ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منهُ، أعظم من الفواحش والزِّنا فاحشة، من اللِواط واللِواط فاحشة، من شربِ الخمر وشُربِ الخمر فاحشة، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ أعظمُ من الفواحش ما ظهرَ منها وما بطن، ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ وأعظمُ من الشِّركِ باللهِ الأكبرُ منهُ والأصغر ﴿وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ تطاوُل على الخلق، ثم انتقلَ إلى ما هو أعظم، ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ لأنكَ إذا قُلتَ على الله ما لا تعلم حرّمتَ الحلال أو حللتَ الحرام، وصفتَ اللهَ بِما لا يليقُ بهِ، نفيتَ عنهُ ما أثبتهُ لنفسهِ، أثبتَ له ما نفاهُ عن نفسهِ.
أعظم المحرمات وأشدها إثماً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ في نظرِ علماء التفسير أعظمُ المحرمات وأشدُّها إثماً، فإنهُ يتضمنُ الكذبَ على الله، وأن تنسِبَ إلى الله ما لا يليقُ به، وأن تُغيّرَ دينهُ، وأن تُبدِّلَ دينهُ، وأن تنفي ما أثبتهُ، وأن تُثبِتَ ما نفاه، وأن تُحققَ ما أبطلهُ، وأن تُبطِلَ ما حققهُ، وأن تُعادي من والاه، وأن تُوالي من عاداه، وأن تُحِبَّ ما أبغضه، وأن تُبعِضَ ما أحبه، وأن تصفهُ بما لا يليقُ به في ذاتِهِ وصفاته وأفعالِهِ وأقوالِهِ.
أخطرُ شيء في الكتاب الكريم أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم، فقبلَ أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم عُدّ إلى المليون، قبلَ أن تقول: هذا حلال، قبلَ أن تقول: الرِبا لم يُحرَّم منهُ إلا النِّسب المرتفعة، إذا كُنتَ واقعاً في هذه المعصية أينبغي أن تجعلها طاعة؟ إذا كُنتَ مُبتلى بهذه المعصية أينبغي أن تجعلها تشريعاً؟ إذا كانت المرأةُ قد ابتُليت بتقصيرٍ في حِجابِها أينبغي أن تجعلَ هذا التقصيرَ شرعا؟ً ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ فرقٌ كبير أن تعصي الله وأن تجعلَ هذه المعصية مُباحةً بين الناس، فرقٌ كبير أن تعصي الله وأنتَ نادم، أن تعصي الله وأنتَ وَجِل، أن تعصي الله وأنتَ مستحيي، وأن تجعلَ من هذه المعصية تشريعاً، تجعلها مباحةً لا شائبةَ فيها، لأنَّ كُلَ من اتبعّكَ، وصدّقكَ، وسارَ في هذا الطريق، فكُلُّ معاصيهِ في ذِمَتِك، وفي رقبتك، وسوف تُحاسُبُ عنها.
لذلك سُبحانكَ يا ربي كيفَ تدرجتَ بهذه المعاصي والمحرمات إلى أن وصلتَ إلى أعلاها حُرمةً؟ قالَ: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ المشكلة أنَّ الإنسان إذا عصى ربهُ، وعَرَفَ أنهُ يعصيه، طريق التوبةِ سالك، وبابُ التوبةِ مفتوح، ورحمةُ اللهِ واسعة، ولكن إذا أقنعتَ الإنسان أنَّ هذه ليست معصية، لو فعلها مئة عام لا يتوبُ منها، يلقى اللهَ عاصياً، يلقى اللهَ تائهاً، يلقى اللهَ شارِداً، يلقى اللهَ آِثماً، يلقى اللهَ مُعتديّاً، فلذلك هؤلاء الذين يلعبون بدين الله، يُحرّمون ما أحلّهُ الله، أو يحللون ما حرّمهُ الله، أو يسمحون ببعض التجاوزات، وطبيعة النفس طبيعةٌ دقيقة، لمجردِ أن تخرج عن فِطرتها وقعت في حِجابها مع الله عزّ وجل، هؤلاء الذين يلعبون بدين الله لهم حِسابٌ عسيرٌ في الدنيا والآخرة.
فيا أيها الإخوة الأكارم؛ جاء الإمامَ أحمدَ ابنَ حنبل وفدٌ من مغرب العالم الإسلامي من الأندلس، والسفر قبلَ مئتي عام أو قبلَ ألف عام ليسَ كاليوم، أربعةُ أشهر في الطريق، وفدٌ جاءَ إلى المشرق ليسألَ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبل، العالِمَ الأول، والفقيه الأول، عن ثلاثين سؤالاً، ما كانَ من هذا الإمام الجليل إلا أن أجابَ عن سبعة عشر سؤالاً، فلمّا قيل: وأينَ الإجابات المتبقية؟ قالَ: لا أدري، قالوا: الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل لا يدري؟ جئناكَ من أقاصي الدُنيا وأنتَ العلَم الأول، قالَ: قولوا لأهل المغرب: الإمام أحمد بنُ حنبل لا يعلم، لأنهُ لو قالَ وهوَ لا يعلم وقعَ في إثمٍ كبير.
وهذه نصيحتي لِكُلِ أخ، كل واحد منكم، بينَ أهلهِ، بينَ جيرانهِ، بينَ زملائهِ، في المعمل، في السكن، في النزهة، مظنة صلاح، أنتَ تحضر مجالس عِلم، أنتَ من طلاب العِلم، أنتَ عالِم، أنتَ شيخنا يا سيدي، ما حُكمُ هذه القضية؟ إيّاكَ أن تُفتي، إيّاكَ أن تتسرع، تبَصّر، عُدْ إلى كتاب الله، عُدْ إلى سُنّةِ رسول الله، عُدْ إلى فهمِ كتاب الله كما ينبغي، عُدْ إلى فهمِ السُّنّةِ كما ينبغي، استأنس، اسأل، دقق، تأمّل، تحقق، طالع قبلَ أن تقول لهُ: هذه حرام وهذه حلال، أنا لم أكن أتصور أن أعظم شيء حرّمهُ الله فوق الزِنا، وفوقَ شرب الخمر، وفوقَ القتل، وفوق الشِّرك، وفوقَ الكُفر، لأنهُ أصلُ الشِرك، أي ماذا قالَ عُبّاد الأصنام لمن دعوهم إلى أن يعبدوا الله؟ قالوا:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
هكذا عُلِّموا، عبدوا الأصنام وهُم في ذهنهم أنهم ما فعلوا شيئاً.
الخطأ في العقيدة ذنب عظيم:
إذاً أيهُما أخطر أن تعبُدَ الصنم أم أن تعتقدَ أن عبادة الصنم شيء مُباح وشيء مقبول؟ الخطأ في العقيدة أخطر بكثير، لأنكَ إذا أخطأتَ في العقيدة لن تتوبَ أبداً مهما امتدَّ بِكَ العُمر، أمّا إذا أخطأتَ في السلوك أغلبُ الظن أنكَ سوفَ تتوب، ما دُمتَ تعلمُ أنهُ ذنب، وأنهُ إثم، وأنهُ عُدوان، وأنهُ معصية، فأنتَ لابدَّ من أن تتوب عاجِلاً أو آجِلاً، لكنكَ إذا علِمتَ أنها ليست بمعصية، لذلك أخطرُ شيء في الدين أن تصلَ إلى ينابيعهِ، أن تضعَ يدكَ على جوهرهِ، أن تصلَ إلى أُصولهِ، أن تصلَ إلى خطهِ الصحيح، من هُنا قيل: ابنَ عُمر دينكَ دينك، إنهُ لحمُكَ ودَمُك، أي إنه وجودك، خُذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا، من هُنا قيل: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ.
تصوّر الذين يُروّجونَ المعاصي، شخص فتح نادياً ليلياً، تُرتكب فيه كُل الموبِقات، وشخص آخر ألّف كتاباً، أثارَ فيه شُبُهاتٍ على الإسلام، وجعلَ من السلوك المُعاصر تشريعاً، أن تقفَ المرأةُ بثياب السباحة أمامَ أبيها وزوجها وأخيها وابنها، لا شيء عليها، أي هذا الذي يفتتح نادياً ليلياً، تُرتكبُ فيه كُلُّ المعاصي الكبيرة، والله الذي لا إله إلا هو لو وُزِنَ هذا العمل مع من تكلّمَ على اللهِ ما لا يعلم، فحلّلَ حراماً أو حرم حلالاً، أو أثارَ شُبُهةً، أو نفى عن اللهِ ما أثبتهُ عن نفسهِ، أو أثبتَ لهُ ما نفاهُ عن نفسهِ، أو غيّرَ سُنّة النبي، أو جاءَ بأحاديثَ موضوعة ليُضللَ الناسَ بها، والله الذي لا إله إلا هو إثمُ الذي ألّفَ كتاباً، وهو قابِعٌ في بيتهِ، أنيقُ المنظر، لطيف المعشر، بيتهُ نظيف، لهُ زوجة، ولهُ أولاد، ما فعلَ هذا؟ والله الذي لا إله إلا هو لو كُشِفَ الغطاء لرأيتم هذا الذي ضلّلَ الناس، وأفسدَ عقائدهم، وحرّمَ عليهم الحلال، وأحلَّ لهم الحرام، وسوّغَ لهم انحرافات العصر، وجعلها مغطاةً بآياتٍ قرآنية، وافترى على الله الكذب، وافترى على النبي الكذب، ووجّهَ النصوص توجيهاً شهوانيّاً، هذا والله إثمهُ عِندَ اللهِ أضعافٌ مضاعفةٌ تصِلُ إلى المليون عن هذا الذي افتتحَ ناديّاً ليليّاً، تُرتكبُ فيه كلُّ الموبقات، ما الدليل يا أستاذ؟ هذا كلام خطير، الدليل قوله تعالى:
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)﴾
أي أنت لا سمح الله ولا قدر لو أن إنساناً قتلَ فتاةً، هذا قاتل، يُحاكم بجريمة القتل، ويُساقُ إلى المِشنقة، فإذا تابَ قبلَ أن يُقامَ عليه الحد، كانَ هذا الحدُّ كفّارةً له، أمّا إذا أفسدَ فتاةً، ودلّها على طريق المُنكر، وجعلها فتاةً بغيّاً، وأمضت حياتها في البغي والدعارة والانحراف، وأنجبت فتيات ساروا على نهجِها، وماتت، وخلَفَتها ذريّة إلى يوم القيامة، تعدُّ بمئات الألوف، بل بمئات الملايين، كُلُهنَّ فاسدات، واللهِ هذا الذي أفسدَ تِلكَ الفتاة، وسبّبَ هذا الجيلَ من الفاسِدات، أي لو أنهُ قتلها لدخلت الجنة، هذا معنى قول الله عزّ وجل: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ﴾ يا أخي العرب في الجاهلية كانوا يئِدونَ البنات، نعم والله هذه جريمة كبيرة، والله معك حق، لأنهُ ربنا عزّ وجل قال:
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾
لكنكَ إذا أفسدت ابنتكَ، وقلت للناس: أنا أُحب أن أُربي بناتي تربيةً استقلالية، أنا لا أُعارِضُها أبداً، لها أن تخرُج كما تشاء، ولها أن تُصاحب من تشاء، ولها أن تأتي إلى البيت متى تشاء، هكذا التربية الحُرة، نحنُ في عصر النور، نحن في عصر، والله لو وأدتها لكانَ خيراً لها من هذا العمل، لو وأدتها ماتت إلى الجنة، أما حينما أفسدتها فسدت وأفسدت، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن مشاهد يوم القيامة: إن الفتاة التي فسدت، وكان أبوها سبباً في فسادها، تقول: يا ربي، لا أدخُل النار حتى أُدخِلَ أبي قبلي، الأُبوة مسؤولية يا إخوان، مسؤولية خطيرة جداً، الأبوة، هذا الابن أنتَ القدوة، أنتَ القدوة، فلذلك أنا لا أُبالغ هذا قرآن كريم، أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم، أن تقول للناس: لماذا حرّمَ اللهُ إطلاقَ البصر في النساء لو أنَّ الوجهَ عورة؟ هذا استنباط غير صحيح، هذا استنباط فاسد، أنتَ إذا قُلتَ هذا ماذا فَهِمَ الناسُ مِنك؟ فهم الناس أن وموطن الجمالِ كُلِّهِ في الوجه، والوجهُ أكبرُ فِتنةٍ في المرأة، فحينما تقول: هذا مسموح، وهذا مُباح، وهذا خيال ليسَ حقيقة، إذا نظرتَ إلى شيء يُثير على هذه الشاشة الصغيرة، هذه ليسَت حقيقة يا أخي، هذا خيال، وإذا سمعتَ الصوتَ من المذياع فهوَ صدى وليسَ حقيقة، الغناء صدى، ومنظر الإشارة خيال، لم يعد هناك شيء بالدين، ماذا بقي من الدين؟
مرة شخص قال في بلد إسلامي: لم يبق في هذا البلد-بلد إسلامي لكنه مقصر جداً في تطبيق أحكام الشريعة-لم يبق في هذا البلد إلا الصلاة، ويعني الصلاة الشكليّة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، إذاً أن تقولَ على اللهِ ما لا تعلم أكبرُ معصيةٍ في الدين، لأنكَ أصبحتَ مُضللاً، لأنكَ أفسدتَ العقائد، لأنكَ أفسدتَ السلوك.
ضرورة الابتعاد عن المعاصي التي تحجب عن الله عز وجل:
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)﴾
قالَ لي أخ من إخواننا الكِرام؛ سأل رجلاً وهو مظنةُ عِلم، قال له: ما معنى اللمم؟ قال لهُ: كلُّ ذنبٍ ليسَ عليه حدّ، والله شيء جميل، النميمة ليسَ عليها حدّ، والنبي يقول:
(( عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ». ))
[ صحيح البخاري ]
معناها إطلاق البصر، والكذب، والغش، والنميمة، الحد أي القتل والجلد فقط، والآية تقول:
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ فإذا فَهِمنا اللمم كُلُّ معصيةٍ ليسَ عليها حد، لم يعُد هناك شيء بالدين، انتهى الدين، طبعاً لو التقيت مع مليون مسلم، لا تجد فيهم قاتلاً واحداً، القاتل والزاني قلائل جداً، ماذا قالَ عليه الصلاة والسلام؟
(( حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ. ))
أي بعدَ أن جاءَ النبي، بعدَ أن جاءَ القرآن، أن ترى صنماً يُعبد من دون الله، هذا شيء غير موجود إطلاقاً، ولن يحدث إلى يوم القيامة، لكن إن الشيطان يَئِسَ أَنْ يُعْبد في أرضكم، ولكن رضي مما دونَ ذلك، مما تحقِرونَ من أعمالِكم، وهذه مُشكلةُ المسلمين، يقول لكَ: أخي أنا لا أزني، ما أجملك أن تزني؟! لا أشرب خمراً يا أخي، لا أسرق، هذه ليسَ عليها خِلاف، هذه كبائر، هذه كبائر مُهلِكة، النظر، والمصافحة، وأكل المال الحرام، والغش، والتدليس، والكذب، والاحتكار، والمواقف المزدوجة، والمقاييس المزدوجة، والنِّفاق، ووجهان، وموقف مُعلن وموقف مُبطّن، يوجد مليون معصية، مليون معصية كُلُّها تحجُبُكَ عن اللهِ عزّ وجل، فهذا الذي لا يسرق أو لا يزني أو لا يكذب ماذا فعل؟ هذه أشياء بعيدة عن حياة المُسلم بُعداً كبيراً.
المُسلم وقّافٌ عِندَ كتاب الله:
ربنا عزّ وجل قال:
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)﴾
تقول لي: أخي ضعها في رقبتي، من حضرتك أنت؟ من أنت حتى تقول ضعها في ذمتي؟
يقولونَ هذا عِندنا غيرُ جائزٍ فمن أنتم حتى يكون لكم عِندُ؟
من أنتم؟ ما حجمُكَ عِندَ الله؟ النبي عليه الصلاة والسلام لا يستطيع أن يأتي بشيء من عِندهِ:
﴿ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)﴾
وقال تعالى:
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
النبي الكريم مُبلّغ، فمن أنت؟ فلذلك المُسلم وقافٌ عِندَ كتاب الله، قالَ بعَضُ السلف: ليحذر أحدكم أن يقول: أحلَّ اللهُ كذا وحرّمَ كذا، فيقول اللهُ: كذبت، لم أُحِلَّ كذا ولم أُحرّم هذا، أي التحليل والتحريم بالرأي المُجرّد بِلا بُرهان من اللهِ ورسوله ذنبٌ كبيرٌ جداً، قد يفوقُ الشِّرك، قد يفوقُ الكُفُر، لأنهُ أصلُ الشِّرك وأصلُ الكُفر،
(( عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ فُلانٌ وَفُلانٌ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. ))
لماذا؟ قال: لأنَّ كُلَ شيء أُضيفَ إلى الرسول فهوَ حُكماً مُضافٌ إلى المُرسِل، إذا أضفتَ إلى الرسولِ شيئاً هذا مُضاف إلى المُرسِل، أي إذا كان وزير خارجية وقف في مؤتمر، وتكلّم بكلام، هذا الكلام ليسَ من عِندهِ، هذا مُكلّف بهِ، والذي أرسلهُ مُقِرٌّ بهِ، فإذا أضفتَ إلى الرسول شيئاً ما قالهُ فكأنما أضفتهُ إلى الله عزّ وجل، لذلك ماذا قال الله عزّ وجل؟
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)﴾
من أظلم؟ أظلم اسم تفضيل، أي ليسَ في البشرِ كُلِّهم إنسانٌ أشدُّ ظُلماً ممن افترى على اللهِ كذباً، قال: أنّى بالتوبةِ لمن لم يعلم أنها بِدعة، كيفَ يتوب الإنسان إذا لم يعلم أنَّ هذا الذي يفعلهُ بِدعة؟ إذاً الافتراء على اللهِ عزّ وجل يُغلِقُ باب التوبة، فأنتَ قبل أن تسأل، اسأل من تَثِقُ بِعلمهِ، وقبلَ أن تتكلم تكلم عن عِلم، لا تسأل إلا أهلَ العِلم، ولا تنطِق إلا عن عِلم، وإلا الإثمُ كبير، لأنهُ دينُ الله، لأنَّ الدينَ هو الشيء المصيريُّ في حياة الإنسان.
الإثم والعدوان من ألوان المحرمات أيضاً:
الآن من ألوان المُحرمات الإثمُ والعُدوان، كُلُّكم يعلم أنَّ الإثم والعدوان وردَا في القُرآنِ كثيراً، قالَ تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾
قالوا: البِرُّ صلاحُ الدنيا، إذا تساعدَ الناس بإنشاء مساكن للشباب هذا بِرّ، إذا اتفقوا على تخفيف المهور هذا بِرّ، إذا اتفقوا على تأمين أعمال للعاطلين هذا بِرّ، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ﴾ صلاحُ الدُنيا، والدُّعاء الشهير: اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عِصمةُ أمرِنا، وأصلح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ البِر صلاح الدُّنيا والتقوى صلاحُ الآخرة، قال: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ كُلُّكم يعلم من قبل أنَّ في القرآنِ كلمات تأتي مثنى مثنى، وعُلماء التفسير يقولون: إذا جاءت مثنى مثنى، فلِكُلِّ كلمةٍ معنىً دقيق، أمّا إذا جاءت فُرادى ربما تعني الواحدة معنى الكلمتين معاً، والدليل على ذلك:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)﴾
قالَ بعضُ العلماء: إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، أي إذا قُلت: للفقراءِ فقط، أي الفقراء والمساكين، وإذا قُلت:
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)﴾
أي الفقراء والمساكين، فإذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا صار للمسكين تعريف دقيق، وللفقير تعريف دقيق، المسكين من يعجزُ عن العمل، عاجز، أمّا الفقير من دخلهُ أقلُّ من حاجتهِ، فالفقير شيء والمسكين شيء آخر، هذا تمهيد، ﴿الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ إذا قُلتَ: الإثم فقط، يعني الإثمَ والعدوان، وإذا قُلتَ: العدوانَ فقط، يعني الإثمَ والعدوان، لأنَّ العدوان هوَ في أصلِهِ عدوانٌ على أمر الله، قال لكَ: افعل، لم تفعل، قال لكَ: لم تفعل فعلت، تركُ الأمرِ أو فِعلُ النهي هو العُدوان، أنتَ اعتديت على الشرع، تحديتَ الشرع، خرقتَ حدودَ الشرع، لم تُبال بالأمر ولا بالنهي، فالعدوانُ هو عُدوانُ على أمر الله، وكلُّ عدوانٍ على أمرِ الله صاحِبُهُ آثم، الإثم عدوان، والعدوان إثم، وإذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، لكن الإثم قال: تحريمُ جِنس أمّا العدوان تحريم قدر، أي أنتَ اشتريت أرضاً، فلمّا أردتَ أن تُسوّرها زِدتَ مِتراً من أرضِ جارِك، هذا عدوان، تملّكُ الأرضِ في الأصلِ جائز، أنتَ تملّكتَ الأرضَ التي دفعتَ ثمنها، وأخذتَ من جارِكَ مِتراً ليسَ لكَ، فتحريم الجِنس الزِّنا إثم، كُلُّ أنواع الزِنا مُحرّمة، الخمر إثم، اللِواط إثم، شرب الخمر إثم، لكن لو أخذتَ ما ليس لك، لو بِعتَ الحاجة بثمن مرتفع، وراعيتَ فيه الأجل، صار هناك معصية قدر لا معصية جِنس، فالإثمُ تحريمُ جِنسٍ كالكذب والزِّنا والخمر وما إلى ذلك، والعدوان تحريمُ قَدْرٍ، الزيادة عدوان، مثلاً بالبيع والشراء، بيعُ الغرر، التدليس مثلاً، الغبن الفاحش، هذا عدوان، لأن أصل البيع حلال، فلمّا أخذتَ فوقَ ما ينبغي صارَ عدواناً.
العدوان نوعان؛ نوعٌ في حقِّ الله، ونوعٌ في حقِّ العِباد، فمن أباحَ الزِنا فقد اعتدى على شرع الله، من أباحَ ممن أُبيحَ لهُ، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)﴾
من أتى حائضاً، الزوجة مُباحة، لكنَّ إتيانها في أيام الحيض هذا عُدوان على شرع الله، فالعدوان إمّا على شرع الله، أو على حقوق العِباد، أي أُبيحَ للطبيب أن ينظُرَ إلى مريضته، فإذا نظرَ إلى قَدْرٍ آخر ليسَ محتاجاً إليه تجاوزَ الحد، فتحريمُ الجِنسِ إثم، وتحريمُ القدرِ عُدوان، عندنا الفحشاء والمُنكر، الإثم والعدوان، الإثم تحريم جنس، والعدوان تحريم قدر، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
أما الفحشاء والمنكر قال: الفحشاءُ صِفةٌ لموصوفٍ قد حُذِفَ تجريداً لقصدِ الصِّفة، أي الفعلةُ الفحشاء، والخصلةُ الفحشاء، وكُلُّ ما ظهرَ قُبحُها لِكُلِ أحد، واستفحشهُ كُلُّ ذي عقلٍ سليم، وفِطرةٍ سليمة، كُل شيء الطبع ينفِرُ منه، والعقل السليم ينفِرُ منه، كُل شيء ظَهَرَ قُبحهُ فهو فحشاء، خصلة، سلوك، فعل.
أمّا المُنكر صِفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أيضاً؛ أي الفِعلُ المُنكر الذي تستنكِرهُ العقول والفِطر، أي الفحشاء عمل قبيح شائن، لا يشُكُّ اثنان في أنهُ شائن، أمّا المُنكر العقل السليم والفِطرة السليمة تستنكر هذا الأمر، فالفحشاء والمُنكر أيضاً كالإثمِ والعدوان، إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، أي هذه التسميات، أو هذه التعاريف الدقيقة، فيما يتعلّق بالمحرمات مهمة جداً، مثلاً الفرق بين المعصية والفجور، الفجور إعلان المعصية، لو خالفَ أحدهم أمرَ الله في رمضان وأفطر، هذا عاصٍ، ومعصية كبيرة جداً، لكن إذا أفطرَ أمامَ الناس فقد فَجر، على كُلٍّ إن شاء الله نحنُ في دروسٍ قادمة سوف نُحاول أن نُتابع هذه المصطلحات الدقيقة، وأن نقفَ عِندَ التعاريف وعِندَ المدلولات التي أرادها الله سبحانهُ وتعالى من هذه المصطلحات، ولكن كلمة تُعدُّ خاتمة الدرس.
مرةً ثانية أقول لكم: إنَّ هذا العِلمَ دين فانظروا عمن تأخذونَ دينكم، الإنسان يميل إلى الرُّخَص، إلى الفتاوى التي تُيسّر الأمر، لكن حينما يأتي مَلَكُ الموت، وحينما نصلُ إلى وقت الحساب، قد نُفاجأ أنَّ هؤلاءِ الذينَ أفتوا لنا، وسمحوا لنا ببعض المعاصي على أنها مُباحات لم يكونوا مُحقين في هذا، والمصيبة كبيرة جداً، ليسَ هُناكَ إصلاح، قال تعالى:
﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)﴾
وليسَ الحينُ حينَ فِرار، الإنسان في الدنيا قد يتلافى بعض الشر، قد يتلافى العِقاب بطريقةٍ أو بأخرى، ولكنَّ الإنسانَ إذا لَقي اللهَ عزّ وجل وقد أقامَ على معصيةٍ، وتعلّقَ بحبالٍ من عنكبوت، بفتاوى من أُناسٍ مُغرضين، فقبلَ أن تقول: هذا حلال أو هذا حرام، هذا يجوز، هذا لا يجوز، لا تنطِق بغيرِ عِلم، ولا تسأل إلا أهلَ العِلم، لا تسأل إلا من تَثِقُ بِعلمِهِم، لا تستفت إلا من تَثِقُ بورعهِم، لا تطلب شيئاً إلا بالدليل، لا ترفض شيئاً إلا بالدليل، لأنَّ هذا العِلمَ دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
أيها الإخوة الأكارم؛ أنا أقول لكم الآن كلمة والله أقولها مُخلصاً لكم بها: ما لم تستقم على أمر الله، ما لم تترك المُنكر كُليّاً، ما لم تترك المعاصي جميعها، فالطريق إلى الله ليست سالكة، ممكن أن تحضر موالد، وأن تطربَ طرباً شديداً، ممكن أن تقرأ كتاباً، وأن يملأَ الكتابُ عقلَك، ممكن أن تكون طليق اللسان، وأن تُؤثّر في الحاضرين، هذا كُلُّهُ ممكن؛ ممكن أن تتكلم، وأن تستمع، وأن تقرأ، وأن تؤلف، وممكن أن تطرب بالمديح النبوي، وأن تقوم بِكُلّ ما يُسمى بالتقاليد الإسلامية، ويُمكن أن تدعو الناسَ إلى البيت، وأن تُقيم مولداً، وأن تأتي بأرقى فرقة مُنشِدة، وأن تأتي بأطيب طعام، وأن تدعو وجهاء المجتمع، وأن تدعو كِبارَ العُلماء لإلقاء الخُطب، كُلُّهُ ممكن؛ ولكنَّ الشيء الذي لا يُقبلُ تركهُ أن تُقيمَ على معصية، ما دُمتَ مُقيماً على معصيةٍ، أو على مخالفةٍ، أو على انحرافٍ، أو ما دُمتَ استبحتَ مُنكراً بفتوى معيّنة، أو ما دُمتَ قَبِلتَ تقصيراً وأصررتَ عليه فالطريق إلى اللهِ ليست سالكة، لا والله، يقول لك أحدهم: أنا أحضر يوم الجمعة، والسبت، والأحد، والاثنين، والخميس، والخطبة الفولانية، وأقرأ كُتباً، وعِندي مكتبة، ولي لقاءات مع إخوان كِرام، ولي نشاط ديني، ولي مؤلفات، ما دُمتَ مُقيماً على معصيةٍ فالطريقُ إلى اللهِ ليست سالكة.
وكُنتُ أذكرُ مثلاً لعلّهُ شطحة أو لعلّهُ مُبالغة، أي لو أنت لكَ مئة مؤلَف إسلامي في السوق، مئة مُؤلَّف، وكُل مُؤلَّف يتحدثُ بهِ الرُّكبان، وأنتَ مُقيم على معصية، مُصِرّ على معصية، وإنسان آخر لا يقرأ ولا يكتب، وقد عافاهُ اللهُ من هذه المعصية، هوَ أعلمُ مِنك، لا أبالغ هو أعلم منك، والدليل لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ. ))
أنا أقول لكَ: قد تعرِفُ أمرَ الله، تعرِفُ الحلال، والحرام، والواجب، والمُباح، والمُستحب، والمندوب، والمكروه، والمكروه كراهية تحريمية، وكراهية تنزيهية، والحرام المُطلق، وقد تتحدثُ عنها بطلاقة، ولكن معرِفة الأمرِ شيء، ومعرِفةَ اللهِ شيء آخر، معرِفة الأمرِ علامتها أن تَعرِفَ الأمر، العالِم بأمر الله اسأله، إذا سألتَ هذا العالِمَ بأمرِ الله مئة سؤال، فأجاب مئة إجابة صحيحة، فهوَ عالِم بأمر الله، لكن إذا رأيتهُ يُخالف أمرَ اللهِ في واحدة، معرفتهُ باللهِ ضعيفة، ونرجو لهُ أن تزداد، فحتى نكسب الوقت، وحتى يكون مجيئنا للمسجد مُثمراً، وذهابنا للبيت مُثمراً، حتى يكون هذا الوقت الثمين، كل واحد منكم تركَ أهلهُ، زوجتهُ، أولادهُ، بيتهُ، مكان جلوسه في غرفة الجلوس، له غرفة جلوس، لهُ أولاد، لهُ أصدقاء، تركَ الكل وجلسَ على الأرض، فإذا استمع، وصار يستمع، وأُعجِب بالدرس، ولم ينطلق إلى التطبيق، إلى الالتزام التام، إلى محاسبة النفس حساباً دقيقاً، إذا لم ينتقل إلى هذا الطور أقول لهُ: نمت ثقافتكَ الدينية نمواً كبيراً، ولكنَّ معرِفتكَ بالله لم تنمُ، لأنَّ معرفة الله عزّ وجل أساسُها طاعتهُ، ولا تعرفُ الله إلا إذا جاهدتَ نفسكَ وهواك، فنحنُ وأرجو اللهَ سبحانهُ وتعالى أن تكونوا كذلك وأن نتعاونَ جميعاً على البِرِ والتقوى، وأن نتعاونَ على بلوغِ الهدفِ الكبير من معرفة الله، ومعرفةِ منهجهِ، وتطبيق منهجهِ، ولكن ما لم يُحاسب أحدكم نفسهُ حساباً دقيقاً دقيقاً في كُلِّ شيء.
هُناك دعوات تُعطي الأخ بحبوحة، شخص رأى سيئاتهِ مدّ البصر، ثمَّ غفرَ الله لهُ بكلمةٍ قالها، صارت القضية سهلة، هذا الحديث لهُ تفسير، لهُ تفسير دقيق، هذا الحديث كما يفعل الفُقهاء يوضع على الطاولة، وإلى جانبهِ عشراتُ الأحاديث المُشابِهة، من الخطر الكبير أن تفهمَ حديثاً وحدهُ على انفراد، خطر كبير، الحديث الثاني: من قالَ: لا إله إلا الله بحقها دخلَ الجنة، قالوا: وما حقُها؟ قالَ: أن تحجزه عن محارم الله، فأحياناً الإنسان يتعلّق بحبل من العنكبوت، أخي هكذا قال الشيخ، قال: إذا إنسان قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، والله قضية سهلة، والله لا يوجد أهون منها، تصوروا أنَّ الجامعة قال: كل واحد يقول كلمة جامعة دمشق ثلاث مرات نُعطيه دكتوراه بالطِّب مثلاً، لا تحتاج إلى جهد، لا تحتاج إلى علامات عالية، ثلاث مرات يقولها بصوت مرتفع، جيد نصيح بها، ممكن إنسان يصل إلى الجنة بكلمة قالها، الله عزّ وجل قال:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
وقال: لا إله إلا الله حِصني، من دخلها أمِنَ من عذابي، وقال: لا إلهَ إلا الله لا يسبِقها عمل، أي قبلَ أن تقولها لا يوجد عمل صالح، لأنه يوجد شِرك، وإذا قُلتها ولا تتركُ ذنباً، هذه أحاديث، اجعل هذا الحديث مع هذه الأحاديث بشكل منظومة، فأنا أخوفُ ما أخاف على الإخوة الأكارم أن يتعلّق بحديث سَمِعهُ، ويُعطيه حرية كاملة بالحركة، ويتساهل بالطاعات، شيئاً فشيئاً إذا الطريقُ إلى اللهِ مسدود، صلاتهُ شكلية، صيامهُ شكلي، حجهُ شكلي، صارت ثقافتهُ إسلامية، عواطفهُ إسلامية، مِثل هذا التُّركي الذي يوجد عِندهُ كيلو لحمة، وعِندهُ هِر أكل الكيلو سَرِقةً طبعاً، وجلسَ القِط يعمل وِرداً لوحده، القِط له وِرد، نظرَ التركي إليه وكان مغتاظاً كثيراً، قالَ له: أوراد شوك أي ممتازة، لكن أمانات يوك.
تجد ثقافة، عواطف، موالد، مجالس، سرور، ثياب فضفاضة، مسواك، مصاحف مُعلّقة، كلهُ مذهّب، لكن لا يوجد استقامة، وما دام لا يوجد استقامة الطريق إلى الله غير سالك، الصلاة شكلية، حتى لا نقع بهذه الأمراض، مرض الشكلية، حتى لا يكون الدين أحياناً تجد برتقالة يتم تقشيرُها بعناية، ثم يعودون ويطبّقونها ككرة ويضعونها على الطاولة، هيَ برتقالة منظرها، لكن لا يوجد فيها شيء، هيَ فارغة، لِئلا يُفرّغَ الدين من مضمونهِ، حتى لا يُصبح الدين شكلاً بلا مضمون، الاختلاط موجود، كسب مال حرام موجود، إطلاق بصر موجود، سماع غِناء موجود، مشاهدة ما لا يُرضي الله موجود، كُلّ شيء موجود ومع ذلك ثقافة إسلامية، ومكتبة إسلامية، وأناشيد، وتفاسير، ولقاءات، وموالد، أنا أخوفُ ما أخاف أن يُفرّغَ الدينُ من مضمونه، أمّا والله ساعة صِدق مع الله عزّ وجل ترفعُكَ إلى أعلى عليين، فالاستقامةَ الاستقامة، ابن عُمر دينكَ دينك، إنهُ لحمُك ودمُك، خُذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.
أنا أقول: الموالد، والله أنا مُغرم بالموالد، وحضرتُ في هذا الشهر بِضع عشرات إلى خمسين أو سبعين مولداً، والله تأثرت تأثُراً كبيراً، أنا أقصد ألا يكون الإنسان شكلياً، احتفلنا وجلسنا وطربنا، هل بقي شيء علينا؟ لم تعمل شيئاً بعد، يجب أن نقوم بطاعة اللهِ عزّ وجل، أي جميل جداً أنَّ المستقيم يعمل مولداً، ويدعو إخوانه، وأقرباءه، وأصحابه، وفرقة إنشاد، ويتوزع المُلبّس، والحلويات، ويُتلى ذِكر اللهِ عزّ وجل، ونستمع إلى شمائل النبي، هذا كُلّهُ جيد، لكن نبقى على الموالد فقط؟ موالد فقط واحتفالات وأشرطة وكُتب ولا يوجد استقامة، لا تُدقق، ما هذه لا تدقق؟ هذه حرام.
أكثر المسلمين في الشام يصير العرس، يصعد العريس، ويجلس أمام مئة امرأة كاسية عارية، يقول لكَ: العريس آدمي، كيف آدمي؟ هذا البارود آدمي، لا يوجد بارود آدمي كله ينفجر، كُل البارود مع النار ينفجر، هل يوجد عندنا بارود بالكيمياء آدمي لا ينفجر؟ لا يوجد عندنا، فنحنُ نُريد الالتزام، نُريد واحداً كألف، لا نُريد ألفاً كأُف، لا نُريد كثرة كثيرة، نريد قِلة قليلة لكن مستقيمة، ملتزمة.
الملف مدقق