المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلِّ وسلم ، أنعم وأكرم على النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .
سلامُ الله عليكم مستمعينا الأكارم أينما كنتم ، وأينما وصل إليكم هذا الأثير، أثير حياة fm .
ولمن يتابعنا بالصوت والصورة عبر صفحة إذاعة حياة fm على الفيس بوك أيضاً نحييكم ، والتحية موصولة لفضيلة العلّامة المُربِي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
كل عام وأنتم بخير وأهلاً وسهلاً بفضيلتكم شيخنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وقدركم .
المذيع :
حفظكم الله دكتور .
عنوان هذا اللقاء مستمعينا الأكارم : " قليلٌ من الحرام" ، حيث يستسهل البعض بالحرام فيقول : إنً قليلاً من الحرام قد لا يؤاخذ عليه الإنسان ، أو لا يضر ، وكأننا تناسينا أن الخالق سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم قد قال لنا :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) ﴾
شيخنا الحبيب بدايةً لنبدأ بالتأصيل الشرعي، حينما نقول : إنَ هذا الشيء حرام، بغض النظر كان حراماً كبيراً ، صغيراً ، سنتطرق إلى كل هذه المصطلحات ، كيف يُحكم على الأمر في الشريعة الإسلامية إن كان مستساغاً مقبولاً أو إن كان مرفوضاً حراماً ؟
الإنسان هو المخلوق الأول المُكرم والمُكلَف :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطبيين الطاهرين ، وعلى صحابته الغُر الميامين ، أُمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين .
بادئ ذي بدء ؛ هناك مقدمات لا بد منها ، الإنسان هو المخلوق الأول والمُكرم والمُكلَف .
الأول رُتبةً ، لأن الله عز وجل حينما عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، فلما قَبِل الإنسان حمل الأمانة كان المخلوق الأول ، والمُكلفُ تكليفاً افعل ولا تفعل ، يوجد لدينا شرع ، حرام وحلال ، هناك واجب وسُنة ومكروه كراهة تحريمية وكراهة غير تحريمية . عندنا منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، ولأن الله هو خالقنا ، بتعبيرٍ معاصرٍ هو صانعنا ، فلا بد من أن نتبع تعليمات الصانع بصرف النظر عن حجم المعصية كبيرة أو صغيرة .
يوجد مثل دقيق جداً أسوقه للأخوة المستمعين والمشاهدين : هناك منزل يوجد فيه أغلى أدوات الكهربائية على الإطلاق ، وفيه تيار كهربائي ، قطعنا التيار ميليمتراً واحداً كل هذه الأجهزة توقفت ، لا مكيف ، ولا ثلاجة ، ولا ميكروويف ، ولا غسالة ، جميعها توقفت . الآن يستوي في التوقف قطع السلك إن كان ميليمتراً واحداً أو متراً ، فالحساب بالآخرة .
أما في الدنيا عندما وُجدت معصية انقطع التيار ، انقطع التيار أصبحت الدنيا ظلاماً ، الإنسان المؤمن يمشي بنور الله ، والدليل لو إنسان كفيف البصر وُجد في الغرفة في النهار لا يرى شيئاً ، يستوي الكفيف في الغرفة إن كان هناك نور أو ظلام .
أيضاً إن العين تحتاج إلى وسيط بينها وبين المرئيات ، العقل يحتاج إلى وسيط بينه وبين المدرَكات . ما هذا الوسيط ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) ﴾
كما أن العين التي في رأس كل إنسان لا ترى المرئي إلا بوسيط وهو النور ، لو وقفت في غرفةٍ فيها شيء رائع جداً ولا يوجد نور لا تراه ، كذلك العقل لا بد من وسيط نور عقلي ، والآية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾
فالمؤمن يتحرك بنور الله من خلال اتصاله بالله ، هذا الاتصال بالله الحقيقي مبني على معرفة بالله ، وعلى استقامة وعمل صالح . المعرفة عرفتَ من هو الله ، هو خالقنا ، مُربينا ، ومسيرنا ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، الكامل كمالاً مطلقاً ، أصلُ الجمال والكمال والنوال .
حديث طويل ورد في الأثر القدسي الشريف : " إن عرفت الله عرفت كل شيء " لكن : " ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدتَ كل شيء ، وإن فِتُك فاتك كل شيء ، وأنا أَحبُ إليك من كل شيء " .
النقطة الدقيقة بارك الله بكم أن إذا عَرفتَ الآمر ثم عَرفتَ الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، هذا ما كان عليه الصحابة الكرام ، والتابعون ، وتابعو التابعين ، أما إذا عرفت الأمر كحالنا اليوم ولم نعرف الآمر تفننا في معصيته .
أي إذا عرفت الآمر ثم الأمر تفانيت في طاعته ، إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته ، وضعت يدي على المشكلة الأولى في حياتنا عرفت الآمر .
الآمر هو الخالق ، هو الرب ، هو المسير . يوجد في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، آية الأمر تقتضي أن نأتمر ، آية النهي تقتضي أن ننتهي ، آية القصة تقتضي أن نعتبر ، لماذا هي موجودة ؟ كي تعرف الله ، والدليل :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾
الحديث الوحيد أن تعرف الله عن طريق الآيات هو الطريق الوحيد
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ . ﴾
الآيات ثلاثة أنواع ؛ كونية تكوينية وقرآنية :
الآيات أنواع ثلاث ؛ آيات كونية خلقهُ ، آيات تكوينية أفعاله ، آيات قرآنية كلامه ، أي الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وعندما يقول الله :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1) ﴾
أي أن الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، كنت في أمريكا رأيت هذا البرج بخيمة فلكية ، وضعوا خطوطاً بين نجومه كالعقرب تماماً، يوجد في هذا البرج نجم صغير متألق اسمه : قلب العقرب ، يتسع للشمس وللأرض مع المسافة بينهما ، لذلك هذا الإله العظيم يُعصى ؟ ألا يُخطب وِده ؟ ألا ترجى جنته؟
فالذين سبقونا من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أمضوا في مكة عشر سنوات يتعرفون على الخالق ، لذلك الآيات المكية كلها إيمان بالله وباليوم الآخر فقط ، التشريع جاء في المدينة فنحن في مرحلة مكية ، إذا أغفلناها من حياتنا ما قطفنا من ثمار الدين شيئاً .
نعيد مرة ثانية : إن عرفت الآمر من خلال آياته الكونية تفكُر ، والتكوينية نظر ، والقرآنية تدبر ، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر .
المذيع :
إذاً شيخنا فضيلتكم تحث الناس بدايةً على أن يسير الإنسان في حياته الشخصية كما بدأت الدعوة الإسلامية بالمرحلة المكية بالتعرف على الله ، بالغيبيات ، بالإيمان ، بعظمة هذا الخالق ، فإن عَظُم الله في قلبه هانت الدنيا وابتعد عن المعصية ، لكن إن سلَط على نفسه معرفة الأحكام قد يتفلت منها بسبب ما لديه من نزعات أو شهوات بسهولة .
التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق إلى الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
آية حاسمة :
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ﴾
لأهل النار..
﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (30) ثمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (31) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾
معنى ذلك ضع تحت كلمة عظيم أربعة خطوط، أي إنسان آمن بالله، حتى إبليس آمن بالله حيث قال له :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ﴾
العبرة أن تؤمن بالله العظيم ، للتقريب ؛ إذا كان هنالك طفل في العيد أعطاه أقاربه أي عمه ، خاله ، أخوه الكبير ، أعطاه مثلاً كل واحد عشرة دنانير ، صار يملك خمسين ديناراً بالأردن مثلاً . يقول الطفل : معي مبلغ عظيم . عظيم بالنسبة لقائل هذه الكلمة ، الطفل .
إذا قال مسؤول كبير بدولة عظمى : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ، معنى ذلك أعددنا مئتي مليار دولار . فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ( 113) ﴾
أي أعظم شيء أن تعرف الله . الحديث القدسي : "يا بن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدتَ كل شيء ، وإن فِتُكَ فاتك كل شيء ، وأنا أَحب إليك من كل شيء ".
أردت من خلال اللقاء أن يعتقد الأخوة المستمعين والمشاهدين أن أصل هذا الدين أن تعرف الله ، لذلك أول كلمة بأول آية بأول سورة "اقرأ" أي اطلب العلم . هناك قراءة بحث وإيمان ، وقراءة شكر وعرفان ، وقراءة وحي وتطبيق ، والأخيرة عدوان وطغيان . أربع قراءات : قراءة البحث والإيمان اقرأ من أجل أن تؤمن .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾
هناك آيات عن الإنسان لا تنتهي ؛ خلقه ، طعامنا ، شرابنا ، الشمس ، القمر، النجوم ، الكون ، الأرض ، إلى آخره . فالتفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق نصل به إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأنه يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله .
المذيع :
شيخنا الحبيب هنالك عدة أبواب يدخل منها الإنسان إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، منها باب الترغيب ؛ أن يرغب في الجنة وبنعيمها ، باب الترهيب أن يخاف من عذاب الله ، وعذاب الله شديد ، منها باب الحياء أن يستحيي أن يعصي الله سبحانه وتعالى ، وهو ذو الفضل العظيم عليه .
أنتم اليوم في هذه الخطاب تركزون على باب الحياء أن يستحي الإنسان من الله سبحانه وتعالى الذي أنعم عليه ، وتفضل عليه ، وخلق كوناً عظيماً ، من أن يراه وهو يعصي ، والله يرانا ، ويعرف أحوالنا في كل وقت ، لماذا دكتور هذا الباب تريد أن تدخل إليه أكثر إلى المستمعين في حيائهم من الله ؟
من عرف الله خدم عباده وأحسن إليهم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
في الحقيقة إذا أحسن إنسان لك إحساناً كبيراً ، وله ابن صغير ضربته على وجهه ، هل هذا ممكن ؟ هل تقوم بذلك ؟ مستحيل . أعطاك بيتاً ، وأعطاك سيارة ، وأكرمك إكراماً شديداً ، ورأيت ابنه في الطريق فإكراماً له تقوم بإكرام ابنه ، فإذا أنت عرفت الله خدمت عباده، إن عرفت الله صدقت مع عباده ، إن عرفت الله أكرمت عباده ، لأن العبد الصالح قريب من الله عز وجل ، أنت عندما تحمل ابناً صغيراً أمام أبيه وتقبّله وتعطيه مبلغاً في العيد هذا في الحقيقة إكرام للأب ، فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباده ، فالدين متشابك ، عندما تعرف الله تخدم عباده ، عندما تعرف النبي تطبق سنته ، عندما تعرف الآخرة تتقي أن تعصيه ، كل معرفة لها مؤدى .
المذيع :
كثير من الناس يقولون : إن هذه من الصغائر . أنا لم أرتكب حراماً كبيراً ، لا سحر، ولا قتل ، ولا زنى ، ولا ربا ، ولا عقوق الوالدين ، ماذا لو قام الشخص بكذبة صغيرة أو أخر صلاته أو لم يغض بصره أو قام بالغيبة والنميمة ؟ ما رأي فضيلتكم لمن يراها صغائر لا بأس بها ؟ وهو عنوان حلقتنا : "قليل من الحرام" .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إن الصغائر في المؤدى كالكبائر . ذكرت مثلاً بسيطاً ؛ عندما يكون لديك جميع الأجهزة من أعلى مستوى ، ولكن لا يوجد كهرباء انقطع التيار ، لو انقطع ميليمتراً واحداً هذه الصغائر ، لو قطعه متراً هذه الكبائر، المؤدى واحد . لكن سأوضح لك أكثر ، أثناء ركوبك سيارة على طريق أوتوستراد دولي ، عرضه ستون متراً، وأنت تقود في المنتصف على سرعة ثلاثين ، وفي الجهة اليمنى واد سحيق ، وعلى الجهة اليسرى واد سحيق ، الصغيرة تحريك المقود سنتمتراً واحداً على اليمين ، لو ثبته لهويت إلى الوادي بعد دقيقتين ، والكبيرة تحريكه حوالي تسعين درجة لكن لو ندمت ترجعه . فلا صغيرة مع الإصرار، الصغيرة إذا أصررت عليها انقلبت كبيرة لأنها ساهمت بقطع العبد عن ربه .
مثل واقعي ؛ عواصم المسلمين في إسطنبول ، في عمان ، في دمشق ، في بغداد ، في القاهرة ، خذ مئة بيت تقريباً ، بالمئة بيت لا يوجد قتل ، القتل كبيرة ، لا يوجد خمر ولا زنى لكن يوجد شاشة غير منضبطة ، اختلاط فيه مزاح لا يرضي الله ، فالإنسان عندما يخالف الشرع يُقطَع عن الله ، إما لسبب صغير اسمه صغيرة ، أو لسبب كبير اسمه كبيرة .
المذيع :
إذاً دكتور ما الفرق بين الصغائر والكبائر إذا كان أثرها على علاقة العبد بربه ذات الأثر ؟
أثر الكبائر و الصغائر على علاقة الإنسان بربه :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا ، طبعاً أثرها في الآخرة ، القاتل له حساب عسير جداً . إنسان يمزح فيحرج شخصاً هذه صغيرة . الصغائر لها حساب ، والكبائر لها حساب ، أما الصغائر فلها مؤدى أنها تقطعك عن الله ، من هنا قال النبي الكريم : " لا صغيرة مع الإصرار " كما قلنا : البيت الذي يوجد فيه عشرون أو ثلاثون جهازاً كهربائياً من النوع الغالي جداً عندما قطعت التيار ميليمتراً واحداً هذه هي الصغيرة ، المؤدى غير الحساب في يوم القيامة ، المؤدى انقطع ، لم أنتفع من كل هذه الأجهزة، أليس من خطئه الكبير أن يقطع نفسه عن الله بالصغائر .
المذيع :
نعم شيخنا أتأكد أني فهمت على فضيلتكم إذاً الآن الصغائر وكبائر الذنوب كلاهما معصية لله ، وتؤدي إلى أن تحجبك عن الله تبارك وتعالى ، لكن يوم القيامة حساب الكبائر حساب شديد أكبر من الصغائر .
حساب الكبائر يوم القيامة حساب عظيم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إنسان بنى مجده على تحطيم الآخرين ، بنى حياته على موت الآخرين ، بنى قوَته على إضعاف الآخرين ، بنى أمنه على إخافة الآخرين ، بنى غناه على إفقار الآخرين ، عمله السيئ امتد إلى آلاف مؤلفة أو إلى ملايين ، الدول القوية تستعمر الدول الصغيرة وتعاملها معاملة قاسية جداً وتدمر شعوبها أليس لها حساب ؟
المذيع :
شيخنا الحبيب في المثال الذي ذكرتموه إذا قُطع التيار الكهربائي لمسافة بسيطة كان إصلاحه أسرع وأسهل بينما لو قطع التيار لمسافة طويلة كان أصعب واحتاج إلى معدات إضافية ، كيف يمكن أن نفهم هذه في صغائر وكبائر الذنوب ؟
الفرق بين الكبيرة والصغيرة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الصغيرة صدقة صغيرة ، الصغيرة استغفار يا رب سامحني فقط ، تعود الصلة وتنعقد مع الله من جديد .
طبعاً الصغيرة الرجوع سهل ، المسافة قصيرة ، أما الكبيرة فيوجد دم مثلاً . ما من قطرة دمٍ تراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة - أعطينا أطول بُعد زماني- من آدم ليوم القيامة - والبعد المكاني بالأرض بالقارات الخمس - ما من قطرة دمٍ تُراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا وسوف يتحملها إنسان كائناً من كان إلا دم مقتول بحدّ فيتحمله الله .
أكرر مرة ثانية مهمة جداً : ما من قطرة دمٍ تُراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة - أعطينا البعد المكاني القارات الخمس ، والبعد الزماني من آدم ليوم القيامة - إلا وسوف يتحملها إنسان كائناً من كان إلا دم المقتول بحدّ فيتحمله الله ، لذلك يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً . لذلك : "لا توبة لقاتل" هذا الكلام لابن عباس ، كلام دقيق جداً وخطير جداً ، يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً .
المذيع :
والمقصود هنا شيخنا ليس فقط الدم وإنما الكبائر عموماً وليس فقط الدم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
طبعاً الكبائر تُبعد أكثر عن الله .
المذيع :
شيخنا في قول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ(32) ﴾
ما المقصود بمصطلح اللمم بهذه الآية القرآنية وما هو سياق الآية في تفسيرها ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هناك ذنب يغفر - كلام النبي الكريم - وذنب لا يُترك ، وذنب لا يُغفر ، ورد بالأثر .
الذنب الذي يُغفر ما كان بينك وبين الله ، الصلحة بلمحة ، الذنب الذي يغفر قطعاً ما كان بينك وبين الله ، أي يوجد تفصير بالعبادات ، يا ربي لقد تبت إليك ، كأن الله يخاطبك : وأنا قد قبلت يا عبدي . هذا ذنب يغفر، ما كان بينك وبين الله .
أما الذنب الذي لا يُترك فما كان بينك وبين العباد ، صحابي جليل له مع النبي تاريخ طويل ، لكن هذا الصحابي مات ، والنبي من عادته أنه يزور أهل المتوفى في بيته قبل أن ُيدفن ،
(( طلب النبي أن يصلي عليه ، قال : أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، فقال : صلوا على صاحبكم ، يبدو أن هناك صديقاً له فقال : عليً دينه يا رسول الله ؟ فصلى عليه ، فسأله في اليوم التالي : أأديت الدين ؟ قال : لا، في اليوم الثالث : أديت الدين ؟ قال : لا، في اليوم الرابع: أديت الدين ؟ قال : لا، في اليوم الخامس قال : أديتُ الدين ؟ قال : الآن ابترد جلده . ))
حقوق العباد مبينة على المشاححة بينما معاصي الله عز وجل مبنية على المسامحة، علاقتك فقط مع الله ، الصلحة بلمحة ، لكن مع العباد الذنب مع العباد لا يُغفر إلا بإحدى حالتين بحالة الأداء أو المسامحة . وفاء الدين أو المسامحة .
أما الذنب الذي لا يُغفر فهو الشرك بالله . للتقريب : أحدهم أُصيب بجلطة قلبية ، بحاجة ماسة خلال عشر دقائق إلى مستشفى ، أخذناه إلى مكان جميل حيث يوجد مقصف وطعام لذيذ ، سيموت هناك ، هذا هو الشرك بالله ، هو اتجه لغير الله ، ذنبه لا يُغفر ، هذا الشخص المصاب بجلطة بحاجة إلى مستشفى جراحي ، إلى عمل جراحي في قلبه فوراً ، حيث يوجد أمل للشفاء بدلاً من ذلك ذهب لمنتزه أو لمقصف .
فذنب يُغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يُترك ما كان بينك وبين العباد ، وذنب لا يُغفر وهو الشرك بالله .
المذيع :
شيخنا الحبيب في قول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا(32) ﴾
هل المقصود هنا أن الإنسان إذا تجنب الكبائر ووقع في الصغائر يكفرها الله سبحانه وتعالى إذا وقع فيها بمعنى من بشريته أم إن وقع فيها متعمداً أيضاً تُغفر دكتور ؟
الصغائر تغفر سريعاً إن تاب الإنسان منها :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ما أكل مالاً حراماً ، ولم يقتل نفساً ، ولم يزن ، ولم يساهم بإفساد المجتمع ، هذه كبائر ، أما إذا فاته فرض صلاة مثلاً ، أو شخص قال كلمة فيها سخرية أحرجته ، فالصغائر تُغفر سريعاً ، يا ربي اغفر لي ، كأن يقول الله له : وأنا يا عبدي قد قبلت . فلذلك عندما تمتد المعصية إلى الآخر صار هناك مشكلة ، لو بقيت علاقتك مع الله سهلة جداً لأن الصلحة بلمحة .
المذيع :
شيخنا الحبيب إذا الإنسان تعمد أن يتجنب الكبائر ووقع في بشريته وضعفه في بعض الصغائر لعلَ الاستقامة وتجنب الكبائر تجبر وتمحو عنه هذه الصغائر هل هذا هو المراد؟
من تعمد فعل الصغائر فقد استهزأ بالله عز وجل :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا(32) ﴾
يا ربي تبت إليك ، يا رب سامحني ، لم أكن أعرف .
المذيع :
شيخنا الحبيب السؤال هنا لو أن إنساناً يعرف هذا ، لكنه تعمد الصغائر باعتبار أنها سوف تُمحى تلقائياً لأنه ليس من أهل الكبائر ، أي تعمد أن يسخر ليس وقع فيها دون انتباه تعمد ألا يغض بصره ، تعمد أن يسيء بالكلام لأحد من الناس ، ما رد فضيلتكم لمن يتعمد هذه الصغائر ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
استهزاء بالله ، لا يمكن أن تغفر الصغيرة إلا بعد أن تقع بها . أما مثلاً يقول أحدهم: تعال لنشرب في الملهى ومن ثم تتوب بعد ذلك . كل توبة مُفترضة بعد المعصية غير مقبولة لما مضى .
المذيع :
ممكن توضح دكتور العبارة الأخيرة أكثر ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
شخص أخطأ أخطاء كثيرة ومن ثم تاب إلى الله عز وجل ، تاب بعد أن فعلها وانتهى الأمر . أما بسبب أن الله كريم فسأعصي الله ومن ثم أتوب فهذا استهزاء بالله .
المذيع :
إذاً التوبة تكون لإنسان ندم على فعل في الماضي ، وليس الإنسان الذي يريد أن يرتكب المعصية وكأنه يستهين بذلك ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أركان التوبة أولاً : الندم . ثانياً : الإقلاع الفوري . ثالثاً : عقد العزيمة ، ألا أعود لهذا الذنب .
أولاً الندم : الندم توبة من قال نعم ، ثم الإقلاع الفوري ، ثم عقد العزيمة على ألا أفعل هذا الذنب مرة ثانية .
قد يُخطئ يتوب مرة ثانية لا يوجد عدد للتوبات ، الله توّاب رحيم ، توّاب صيغة مبالغة لاسم الفاعل أي كثير التوبة .
الكثرة نوعان : معنى نوعي ومعنى كمي . أي يتوب على مئة ذنب وعلى ذنب كبير، ما دام هنالك توبة نصوحة .
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ..
شيخنا الكريم في الدقائق القليلة المتبقية معنا الله سبحانه وتعالى في بعض الآيات لم يحث الناس فقط على تجنب الحرام ، بل على الطريق والمقدمات التي تؤدي إلى هذا الحرام ، مثلاً في قوله تعالى :
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) ﴾
ليس فقط ألا تقعوا فيه لماذا دكتور ؟
من تمسك بالقرآن والسنة ابتعد عن الفتن والمغريات :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أي يوجد مقدمات تؤدي لنتائج حتمية . إطلاق البصر أحد مقدمات الزنا ، الاختلاط أحد المقدمات ، متابعة موضوعات لا ترضي الله أحد المقدمات . فالإنسان إذا اقترب من الحرام أغلب الظن يقع فيه ، أما إذا أقام بينه وبين الحرام جداراً سميكاً فهو في مأمن ، أي إذا وقف إنسان على شاطئ بحر قد تأتي موجة عالية عاتية جداً تأخذه إلى البحر فيغرق . أما لو جلس برأس الجبل أكبر موجة عاتية في البحر لا تصل إليه ، فكلما تمسَك بالكتاب والسنة كان في مكان عال بعيد عن الفتن والمغريات ، مثلاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي " ))
دليل أقوى :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28) ﴾
يوجد لدينا لعبة شهيرة جداً اسمها : شد الحبل ، فإذا تواجدت في سهرة ، أو في نزهة ، أو في لقاء ، أو في رحلة ، إذا استطاع من حولك أن يشدوك إليهم ، إذا كان هناك تقصير في أداء الصلوات ، أو في إطلاق البصر ، أو في الاختلاط ، أنصحك بالابتعاد عنهم بنعومة ، أما إذا أمكنك أن تشدهم إليك فابق معهم ، هذا مقياس .
لعبة شد الحبل إن أمكنك أن تشدهم إلى الصلاة ، أو إلى غض البصر ، أو إلى ضبط اللسان ، أو إلى العمل الصالح ، إن أمكنك أن تشدهم إليك ، إلى استقامتك ، إلى عملك الصالح ، إلى التزامك ، إلى طاعتك ، إلى الخط الساخن مع الله فابق معهم . أما إذا أمكنهم أن يقللوا من شأن الصلاة أو من شأن الاستقامة فأنصح بالبعد عنهم .
هنالك حركة أنا لا أحبذها ، الحركة الأفقية ، القطيعة الفجائية والانضمام الفجائي، اصعد بخط مائل وابتعد بخط مائل ، هذا هو التدرج . ما دليله بالقرآن ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) ﴾
قرآن عربي ، ومعنى الآية السكر مقبول بين الصلوات ، هذه الآية طبعاً نُسخت حُكماً بقيت تعليماً للدعوة ، المقصود التدرج لا الطفرة .
المذيع :
شيخنا الحبيب في الدقيقة الأخيرة المتبقية قضية قد يأتي إنسان ويقول لفضيلتك : نحن اليوم لسنا نعيش بزمن الصحابة ، النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيننا ، الوحي لا يهبط من السماء ، كيف للإنسان أن يستقيم ويتجنب حتى هذه اللمم والصغائر في هذه الذنوب ؟ ما المانع من قليل من الحرام من بعض الذنوب التي يقوم بها الإنسان أحياناً ؟ هكذا قد يقول البعض .
الاستقامة حدية والعمل الصالح نسبي :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال : إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ البقرة :172، ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر . أي ذكر النبيُّ الرجلَ يُطيل السفر ، أشعث ، أغبر، يمد يديه إلى السماء : يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، ومشربه حرام ، وغُذي بالحرام ، فأنَّى يُستجاب لذلك ؟! ))
سأقول كلمة دقيقة : مستودع للوقود السائل فيه ألف لتر، لو ملأته وأغلقته وسافرت لمدة سنة هل يقل ميليمتراً واحداً ؟ لا . هذا اسمه الإحكام ، الاستقامة مُحكمة ، والعمل الصالح نسبي ، قد تملؤه مئة لتر ، وسعته ألف لتر ، قد تملؤه أربعمئة لتر , تسعمئة لتر ، الإملاء نسبي والإحكام حتمي وقطعي ، الاستقامة لا يوجد نصف استقامة ، الكذب كذب ، الغش غش:
(( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غشنا فليس منا ، والمكر والخداع في النار ))
إطلاق البصر :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
فالاستقامة حدية لا يوجد حل وسط ، ولا يوجد نصف استقامة أو ربع استقامة ، أما العمل الصالح فنسبي .
المذيع :
وصلنا إلى ختام الحلقة شيخنا الحبيب بارك الله بكم ونختم حلقتنا بالدعاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تُهنا ، آثرنا ولا تُؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا، واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان ، والحمد لله رب العالمين .
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة ، أما أنتم مستمعينا على أمل لقاء الأسبوع المقبل بذات الموعد من الثالثة حتى الرابعة بتوقيت الأردن نستودعكم الله .
كانت حلقتنا لهذا اليوم بعنوان : " قليل من الحرام " ووضح فضيلة الشيخ بأن الإنسان إذا عرف الله فإنه دخل إليه حيياً ، يستحي أن يعصيه ، ولا يتجرأ لا على صغيرة ولا كبيرة من المعصية ، وأن صغار الذنوب وكبارها قد تحجب الإنسان عن الله ، لكن الصغائر يصلحها الإنسان بتوبة سريعة ، بينما كبائر الذنوب قد تحتاج منه إلى عمل أكبر من ذلك .
يمكنكم متابعة الحلقة وبكل التفاصيل .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .