وضع داكن
28-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الجن - تفسير الآيات 1-17
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... مع الدرس الرابع من سورة الجن ومع الآية الأولى من هذه السورة وهي قوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (2) اً﴾

( سورة الجن )

أيها الإخوة الكرام... لقد قال تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ﴾

إلى ماذا استمع الجن ؟ لقد استمعوا إلى القرآن الكريم، والنفر: ما بين الثلاثة والعشرة، وقد تستخدم هذه الكلمة للتعبير عن الرهط وهم الأربعون.
لمحة عن ماهية الجن:
لقد وصف أحد العلماء أجناس المخلوقات بوصفٍ جميل فقال: " قد مرَّ أن في الوجود نفوساً أرضيةً قوية هي الجن، لا في غلظ النفوس السبعية والبهيمية وقلة إدراكها كالحيوانات، ولا على هيئات النفوس الإنسانية واستعداداتها، ولا في صفاء النفوس المجردة ولطافته ".
فهؤلاء المخلوقات ليسوا كالحيوانات، ولا كالملائكة، ولا كالبشر، فالحيوانات نفوسٌ سبعيةٌ بهيميةٌ قليلة الإدراك، والملائكة نفوسٌ صافيةٌ مجردةٌ لطيفةٌ متصلّة بالعالم العلوي، أما عالم الإنس فهو نفوسٌ إنسانيةٌ لها استعداداتها الكبيرة جداً، فهؤلاء المخلوقات هم لا من هؤلاء ولا من هؤلاء ولا ومن هؤلاء، فقد غلبت عليها الصفات الهوائية أو النارية أو الدُخانية و هم من طبيعةٍ ناريةٍ ودُخانية على اختلاف أحوالها، كما أن لهم علومٌ وإدراكاتٌ من جنس علومنا وإدراكاتنا، ولما كانت قريبةٌ بالطبع إلى الملكوت السماوي أمكنها أن تتلقى من عالمه بعض الغيب، فقد تلقت من قبل بعض الحقائق التي استرقتها من الملائكة، فلا يستبعد أن ترتقي إلى أفق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة، ثم تنزل إلى الأرض ومعها من بعض من أوامر الملائكة، ولأنها مخلوقات أرضية ضعيفة بالنسبة إلى القوى السماوية فقد تأثَّرت بهذه القوى، فرُجِمَت ومُنعت عن بلوغ مرادها، وإدراك مداها من العلوم.
لقد كانت هذه لمحة عن حقيقة الجن، فهم مخلوقاتٌ ليسوا كالبشر في استعداداتهم العالية وفي الجمع بين النفخة الروحية والبضعة الأرضية، ولا هم كالملائكة في أجسامها النورانية المتصلّة بالعالم السماوي، ولا كالحيوانات البهيمية السبعية ذات الإدراك القليل، بل هم بين هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء.
النبي صلى الله عليه وسلم لم تعلمه الجن:
أيها الإخوة، قال تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ﴾

( سورة الجن )

إن هذه الآية أكبر دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرهم ولم يقرأ عليهم ولم يعلمهم، بل إن الله جلَّ جلاله أخبره أنهم استمعوا إليه وآمنوا به، فقد اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته صلى الله عليه وسلم، فسمعوا الآيات، فأخبره الله بسماعهم وإيمانهم، فمن خلال هذه الآية نستدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ير الجن ولم يعلِّمهم، لكن الحقيقة أنه قد اتفق حضورهم مجلسَه مع تلاوته، فسمعوها وآمنوا بهذا القرآن الذي جاء به، فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: إنا سمعنا قرآناً ؛ أي: كتاباً جامعاً للحقائق الإلهية والكونية والأحكام والمواعظ وجميع ما يُحتاج إليه في أمر الدارين ؛ الدنيا، والآخرة:

﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ﴾

عجباً ؛ أي: إن أسلوبه فوق أسلوب البشر، فهو ليس من كلام البشر بل من عند خالق البشر، قال تعالى:

﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ﴾

أي: جامعاً للحقائق الإلهية والكونية وللحِكَمِ والأحكام والمواعظ، فهذا القرآن فيه كلُّ ما يحتاجه الإنسان في الدارين في دار الدنيا ودار الآخرة، عجباً ؛ أي: غريباً، فهو ليس في مستوى عبارة الخلق، بل في مستوى عبارة خالق الأكوان:

﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾

( سورة الجن: آية " 2 " )

أي إلى الحق والصواب و سبيل السعادة والسلامة في الدنيا والآخرة:

﴿ فَآمَنَّا بِهِ ﴾

( سورة الجن: آية " 2 " )

فهم إذاً مكلفون بالإيمان:

﴿ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً﴾

( سورة الجن )

أي: لن نشرك أحداً من خلقه في عبادته، إذاً:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾

( سورة الجن )

لاشيء يمنع من الإيمان:
إن الإنسان حينما يؤمن بالله عزَّ وجل ويستقيم على أمره يكون قد اهتدى إلى رشده، فحينما يشعر الإنسان أنه على صواب ومنهجٍ واضح، وأنه في طريقه إلى سعادةٍ أبدية، وأن الجنة هي دار القرار التي خُلِقَ الإنسان من أجلها، فإنه يشعر بسعادةٍ لا توصف، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال:

(( انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ ))

فقد كان الجن والشياطين يسترقون السمع من أخبار السماء، بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، ثم حيل بعد ذلك بين الشياطين وبين خبر السماء، إلا من استرق السمع فأتبعه شهابٌ ثاقب

((: فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلا مَا حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ. فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا))

( من صحيح البخاري رقم " 4540 " )

إننا نستفيد من هذه الآية أن الإنسان إذا قامت أمامه الحجج والأدلة والبراهين على أن هذا الدين حق، و أنه الصراط المستقيم وعلى حبل الله المتين و طريق السلامة والسعادة فلا شيء يمنعه من أن يتمسك به، فما الذي يمنعك من أن تتمسك بهذا الدين و تحاول الحفاظ عليه ؟ ما الذي يمنعك أن تصطلح مع الله والإسلام في بيتك و عملك ؟ ما الذي يمنعك أن تنطلق إلى الله تفر إليه ؟ ((ففروا إلى الله))، ما الذي يمنعك أن تُقْلِع عن كل ما لا يرضيه ؟ إن الجن قد استمعوا في جلسة واحدة إلى آيات من فم النبي عليه أتم الصلاة والتسليم،فقالوا:

﴿ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً﴾

( سورة الجن )

فكم من خطبة دينية يسمعها المسلم، و كم من درس تفسير أو حديث أو سيرة أو فقه يُلقى عليه، وما أكثر الأدلة الناصعةً كالشمس، و البراهين القوية كالجبال التي قامت عليه، فما الذي يحول بينك وبين أن تكون مهتدياً، ما الذي يحول بينك وبين أن تكون مع الله دائماً، لتستظل في ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إن القضية بيدك، فقد قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾

( سورة الإنسان )

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

( سورة الكهف: آية " 29 " )

صدق نبوة محمد عليه الصلاة والسلام:
قال تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ﴾

لقد صلى النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه الفجر، فاستمع الجن إلى قراءته، ولم يعلم ذلك إلا بعد أن أعلمه الله عز وجل، فهل يعقل أن تكون الجن هي التي علَّمت النبي صلى الله عليه وسلم كما يدَّعي المشركون ؟ إنه لم يرهم ولم يسمع بوجودهم إلا بعد أن أخبره الله عزَّ وجل.
لقد زاد الإمام مسلم على هذا الحديث فقال:

((مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَلارَآهُمُ))

فهو ما قرأ عليهم وما رآهم ولكن الله أخبره، و يقول أحد العلماء: "إن الجن آمنوا عند سماع القرآن، والإيمان بالقرآن يقع بالعلم بحقيقة الإعجاز "، فحينما تضع يدك على إعجاز القرآن، وعلى أن هذا الكلام لا يستطيعه أحد من بني الإنسان لأنه كلام خالق الأكوان فإنك عندئذ تؤمن به، فإذا آمنت أنه كلام الله آمنت أن الذي جاء به هو رسول الله، والأدلة على إعجاز القرآن كثيرةٌ و قاطعة، وهناك ثلاثة ثوابت في الحياة تدل على الله، وهي:
1- الكون.
2- إعجاز القرآن الذي يدل على أن القرآن كلام الله.
3- إعجاز القرآن يدل على أن الذي جاء به هو رسول الله.
فإذا آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، وآمنت أن هذا القرآن كلامه، وأن الذي جاء بهذا الكلام وفسَّره وبينه لك هو رسوله، فقد استكملت الإيمان العقلي، و بقي عليك أن تستكمل الإيمان الإخباري، وهو أن تؤمن بكلُّ شيءٍ أخبرك الله به في القرآن، أو أخبرك به النبي عليه الصلاة والسلام في السنة، وهو الجانب الآخر المسموع من الوحي.
يقول الإمام الرازي: " إنه عليه الصلاة والسلام بُعِثَ إلى الجن كما بعث إلى الإنس"، وقد قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

( سورة الأنبياء )

ففد بُعِثَ رسول الله إلى الإنس كما بعث إلى الجن، بل إن كل المخلوقات سعدت ببعثته لأنه صلى الله عليه وسلم نشر الهدى في الأرض.
لقد قرأت مرةً هذا الحديث الشريف:

(( إن الملائكة في السماء والحيتان في البحر لتصلي على معلمِ الناس الخير))

فما علاقة الحوت في البحر بمعلِّم الناس الخير كي يصلِّي عليه ؟
إنك إن علّمت الناس الخير ترفَّقوا بالحيوانات وذبحوها وفق منهج الله فلم يعذبوها، فما من مخلوقٍ إلا ويحمد الله على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام لأنها خيرٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصلحةٌ كلّها، و صوابٌ كلها، وكمالٌ كلُّها.
حقائق مستنبطة من هذه السورة:
1- الشيء الأول الذي نستنبطه هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث إلى الجن كما بعث إلى الإنس.
2- والشيء الثاني: أن الله جلَّ جلاله أراد أن يُعْلِمَ قريشاً أن الجن لما سمعوا القرآن عرفوا إعجازه فآمنوا به وبرسوله وذلك رغم تمرُّدهم، فما بال هؤلاء الفصحاء البلغاء يكذِّبون القرآن الذي جاء بلغتهم ؟ قال تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

( سورة الحشر: آية " 21 " )

إن الإنسان مخلوق من المخلوقات المتميزة التي أعطاها الله قوةً إدراكية، فالجن استمعوا إلى القرآن فآمنوا به ولم يشركوا بربهم أبداً، كما أن كل من في السماوات والأرض يسبِّح الله عزَّ وجل، أما هذا الإنسان الذي سُخِّرَ له الكون كله فهو الغافل وحده.
3- وهذه السورة تؤكِّد لنا أن الجن مكلَّفون كالإنس تماماً، قال تعالى:

﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) ﴾

( سورة الرحمن )

لقد أراد الله عزَّ وجل من هذه السورة أن يُعْلِمَ القوم أن الجن مكلفون كالإنس تماماً، كما أراد الله جلَّ جلاله أن " يعلمنا أن الجن يستمعون كلامنا ويفهمونه، ويفهمون لغاتنا كلها " وذلك كما قال الإمام الرازي.
4- والشيءٌ الآخر الذي نستنبطه هو أن بعض الجن المؤمنين يدعو غيره من قبيلته إلى الإيمان قال تعالى:

﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (2) ﴾

( سورة الجن )

5- إن هؤلاء الجن لما سمعوا القرآن ووُفِّقوا للتوحيد والإيمان تنبَّهوا إلى الخطأ الذي وقع فيه كفرة الجن من تشبيه الله بخلقه، واتخاذه صاحبةً وولداً، فاستعظموا ذلك ونزَّهوا الله عز وجل، فليس كل ما قالته الجن صواباً، وهذه ناحية دقيقة جداً، فما كل شيء تسمعه صحيح، و ما كل كتاب تقرأه صحيح، فهناك كتب و قصص فيها ضلالات، وهناك مقولات كلها خطأ، فالإنسان عليه أن يختار الحق و يصطفي ويتخذ مقياساً لتلقِّي الحقائق، فلا يقبل كل ما يسمع، " بحسب المرء من الشر أن يحدث بكل ما سمع "، لأن الذي تسمعه قد لا يكون صواباً، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ﴾

( سورة الجن )

فقد كان الشيطان سفيه الجن يقول على الله شططاً، فيتأوَّل ما لم يكن، و يقول إن الله اتخذ من الجن زوجةً، وأنجب من هذه الزوجة ملائكةً، و هذا شيءٌ لا أصل له، لذلك قالت الجن:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ﴾

الافتقار إلى الجنس الآخر دليل على الضعف:
إن الإنسان مفتقر إلى الطرف الآخر، فكل طرف من بني البشر مفتقر إلى الجنس الآخر، فالمرأة مفتقرةٌ إلى زوج، والزوج مفتقرٌ إلى زوجة، و لا يتمُّ كيانه إلا بالزواج، كما لا يتمُّ كيان المرأة إلا بالزواج، وهذا من ضعف الإنسان، فالإنسان لا يستغني عن زوجة، والزوجة لا تستغني عن زوج، أما الإله جلَّ جلاله فلا يمكن أن يكون محتاجاً إلى زوجةً، فحينما تقول: الإله اتخذ صاحبةً وولداً ؛ فهذا يعني أنه ليس إلهاً ولا خالقاً، فالله جلَّ جلاله وجوده ذاتي، قال تعالى:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) ﴾

( سورة الإخلاص )

إن الإنسان حينما يتخذ زوجةً يسكن إليها، و معنى يسكن إليها؛ أي: يكمِّل نقصه بها، والزوجة حينما تسكن إلى زوجها فتكمِّل نقصها به، فهي مفتقرة إلى الحماية، وإلى رجل يقودها إلى الصواب، فهي تحتاج إلى رجل يحميها و يُسْعدها لتكون تحت جناحه، أما هو فتنقصه أنثى يرتاح و يطمئنُّ و يسكن إليها، فالرجل والمرأة متكاملان، والإنسان يحتاج إلى زوجة تؤنسه وذلك بسبب ضعفه، كما أن المرأة تحتاج لضعفها إلى رجل يسعدها، فكلاهما مفتقرٌ إلى الآخر، هذا لا يليق لله عزَّ وجل:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ﴾

الجَد: الحظ، نقوا: إن فلاناً ذو جدٍ في هذا الأمر إذا كان له حظٌ كبيرٌ فيه، والمعنى في الآية أن الله سبحانه وتعالى جلَّ جلاله وعزَّ نواله، حظه من الملك والسلطان والقدرة لا حدود له، فهو الذي بيده الأمر، وهو على كل شيءٍ قدير، فيعلم السرَّ وأخفى، و لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾

( سورة الجن: آية "3 " )

أي: تعالى في كل شيء ؛ من القوة و الغنى و العلم و القدرة و الرحمة و الحكمة:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾

إن الإله العظيم الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا يليق به أن يتخذ صاحبةً وولداً:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ﴾

لقد أودعت في الإنسان شهوة، فهو يشعر أنه بحاجةٍ إلى تلبيتها، فيبحث عن زوجة و يلبي هذه الشهوة فيتزوج، وهذا ضعفٌ فيه، لأن الذي ينطلق بدافعٍ من شهوةٍ ليلبيها هو كائن ضعيف، أما الإله جلَّ جلاله فلا يليق به أن تكون له زوجة ولا ولد، فالولد قد يأتي ثمرةً لهذا الزواج، وربنا عزَّ وجل منزَّهٌ عن أن يتخذ ولداً وعن أن يتخذ زوجةً، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾

إن أسماء الله الحسنى و ذاته الكاملة التي لا يليق بها أن تتخذ زوجةً، فقد ينشب خلاف بين الزوج و زوجته، فيبتعد عنها أسابيع فيتضايق، كما قد تبتعد عنه أسابيع فتتضايق، فهي مفتقرةٌ إليه وهو مفتقرٌ إليها، وهذا من شأن الإنسان، أما الله الواحد الديان فليس هذا من شأنه، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ﴾

قال بعض العلماء في تفسير هذه الآية: " علا مُلك ربنا وسلطانه وقدرته وعظمته عن أن يكون ضعيفاً ضعف خلقه الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة، أو وقاعٍ إلى شيءٍ يكون منه الولد " فهذا لا يليق بالله عزَّ وجل.

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً﴾

( سورة الجن )

سفيههم ؛ أي: مضلهم و مغويهم، والشطط: القول ذو الشطط ؛ أي: القول المنحرف عن الحقيقة، كالكلام الكاذب غير الصحيح، الذي فيه افتراء ولا يطابق الواقع، فهذا من الشطط، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً﴾

أصل الشطط مجاوزة الحد، فالكلام إذا جاوز الحد الصحيح صار شططاً:

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾

( سورة الجن )

ضرورة امتلاك مقياس التلقي:
لقد كان الجن يعتقدون أن كلَّ شيءٍ يقال هو الصحيح، وإن اعتقاد الإنسان أن كل شيء قرأه أو سمعه صحيح هو مرضٌ خطير، لأن الإنسان في هذه الحالة يكون إمَّعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((لا يكن أحدكم إمَّعة))

أي: وعاء يستقبل كل شيء، فكثير الناس في لقاءاتهم وسهراتهم و اجتمعاتهم وولائمهم، ينقلون كل شيء سمعوه كالآلة، و لا يوجد عندهم تدقيق و فحص و تمحيص و ميزان دقيق، فلا يقولون:هذه القصة غير صحيحة، و هذا الخبر كاذب، و هذا الرقم فيه مبالغة، وهذا الشيء لا يليق بكمال الله، فتجدهم يلقون قصصاً ما أنزل الله بها من سلطان، أو خرافات ليس لها قيام، أو كلاماً ليس له دليل، ومع ذلك يصدقه الناس، وهذا مرض خطير.
وهناك ضخُّ معلومات كثيف جداً في هذا العصر إن صح التعبير، فمن الممكن أن تسمع أخبار العالم في ربع ساعة، وقد تسمع تحليلات وأحياناً تكون هذه التحليلات غير صحيحة، وقد تكون هذه الدراسات تهدف إلى خلق شعور معين عند المستمع، فقد تقرأ كتاباً كلُّه ضلالات و كذب وافتراء، كما أنك قد تستمع إلى محاضرة في ناد أو مكتبة، فيكون كل ما قيل في هذه المحاضرة لا ينتمي إلى الحقيقة بصلّة، فالإنسان العظيم هو الذي يملك مقياس التلقي، ويكون معه ميزان دقيق، فيقبل به ما كان صواباً، و يردُّ به ما كان خطأً، فلا ينبغي على الإنسان أن يكون وعاءً للتلقي، وهذا شأن معظم الناس، فترى أحدهم يسمع، فيقول لك ما سمع بلا تمحيص و لا دراسة و لا تحليل ولا دليل أحياناً، فإن جلست جلسة - وما أكثر هذه الجلسات – فجاء فيها موضوع الجن، استمعت إلى قصص ما أنزل الله بها من سلطان !! إنك تشعر من كلام الناس أن الجن آلهة يفعلون ما يريدون و لا يعجزهم شيء، وهذا شيء غير معقول، لذلك كانت هذه السورة مهمة جداً لئلا يقع المسلمون في أوهام و مبالغات و تُرُّهات، فقد جاءت هذه السورة لتضع حداً لهؤلاء المخلوقات ( الجن )، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) ﴾

إن هذا من سذاجة الجن، فإذا قال الإنسان: هكذا سمعت و هكذا قالوا لي كان ساذجاً، وقد يقرأ أحدهم مقالة جاء فيها أن الربا لا شيء فيه، فيقول: إن فلاناً قال ذلك، وهو عالم كبير في مصر، فهذا شخص هو وعاء يقبل كل شيء يصبُّ فيه، وقد قيل: " لعالمٌ واحد أشد على الشيطان من ألف عابد "، كما قيل: " كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك ".

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) ﴾

اعلموا علم اليقين أن هناك من يكذب على الله و على رسول الله، وأن هناك من يُعْطي أفكاراً لا أصل لها في الواقع، واعلموا أن الضلالات منتشرة في كل مكان، وأن السعيد هو الذي يوفَّق إلى الصواب ولو كان قليلاً، فلا تفرح باعتقادك الباطل وتقول: إن معظم الناس يعتقدون بهذا، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾

( سورة الأنعام )

﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) ﴾

(سورة النجم من الآية 28)

إن الله عزَّ وجل في هذه الآية الكريمة القاطعة في دلالتها يبيِّن أن أكثر أهل الأرض في ضلالاتٍ ما بعدها ضلالات، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ))

( من صحيح مسلم عن أبي هريرة )

أناسٌ صالحون في قوم سوءٍ كثير.
استعاذة الجاهليين بالجن:

 

﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾

روى ابن جرير عن ابن عباس قال:
" كان رجالٌ من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثماً " لأن هذا شرك، وقد كان هناك وادٍ في الجزيرة اسمه وادي عبقر فزعمت العرب في جاهليتها أن الجن تسكنه، فكانوا إذا رأوا من أحدٍ ذكاءً وألمعيةً سموهُ عبقري، أي هو كالجني، وهذا هو أصل كلمة عبقري، كما كان أحدهم إذا نزل الوادي يقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثماً، وكان العرب يعتقدون في جاهليتهم أن الوديان مقرُّ الجن، وأن رؤساء الجن تحميهم منهم، وكانوا إذا نزلوا الوادي يقولون: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضراً ولا نفعاً!!".
و هذه هي الحقيقة، فالجاهل يقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، و أعوذ بسيد هذا الوادي، والجن يقولون: لا نملك لكم ولا لأنفسنا ضراً ولا نفعاً، فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق يقول: " لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً "، بل إنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فمن باب أولى أنه لا يملك لغيره شيئاً.
وعن الربيع بن أنس أنهم كان يقولون: " فلان من الجن ربُّ هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل هذا الوادي يعوذ برب هذا الوادي من دون الله، فيزيدهم ذلك رهقا ً" ؛ أي: خوفاً وقد قال تعالى:

﴿ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾

أي: إن الخوف رَهَقهم ؛ أي: أتعبهم وتغشَّاهم.
الاستعاذة بالله في الإسلام:
فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) َ﴾

( سورة الفلق )

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ﴾

( سورة الناس )

فقد حلت المعوَّذتان محل كل استعاذةٍ يستعيذها العرب في الجاهلية، ولا نملك _ نحن المسلمين - حيال الجن إلا أن نستعيذ بالله منهم، واستعاذتُك بالله سلاحٌ ماضٍ فتَّاك، لا تحتاج معه إلى شيءٍ آخر، فلا تحتاج إلى شيخ ولا إلى إنسان خبير ليخرج لك الجن، ولا إلى إنسان يبطل السحر، إنك لا تحتاج إلا إلى هاتين الآيتين:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾

( سورة الفلق)

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾

( سورة الناس )

قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا ﴾

( سورة الأعراف: آية " 201 " )

أي: ذكروا الله.. وقال:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ ﴾

( سورة الأعراف: آية " 200 " )

فهناك آيتان و سورتان لعلاج الجن، وهذا سلاحٌ فتاكٌ ضد الجن، و ليس في الإسلام غير هذين السلاحين ن فقد روى مسلمٌ:

((عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ))

فإذا كنت في السفر فدخلت بيتاً لا تعرف أهله، أو نزلت في فندق، أو ركبت مركبة، فقلت: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق لَمْ يَضُرَّك شَيْءٌ حَتَّى ترْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِك ذَلِكَ.
أيها الإخوة الكرام...لقد قال تعالى:

﴿ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾

أي: زادوهم ضعفاً و خوفاً و حيرة و قلقاً و شقاءً، قال:

﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾

 

﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً ﴾

( سورة الجن )

تلازم الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر:
إن إنكار الآخرة موجود في عالم الجن كما هو في عالم الإنس، والحقيقة أنه لا يوجد من أركان الإسلام ركنان متلازمان كتلازم الإيمان بالله والإيمان اليوم الآخر، لأن الإنسان إن لم يؤمن باليوم الآخر لم يستقم على أمر الله، وإن المفصل الأساسي لاستقامته على أمر الله هو أن يؤمن أنه محشورٌ إلى يومٍ يحاسب فيه على كل شيء، ثم يقول الله تعالى:

 

﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً ﴾

إن الإنسان إذا أنكر الدار الآخرة، تفلَّت من منهج الله، فهناك علاقة بين الإنكار والتفلت:

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) ﴾


( سورة الماعون )

إنك لن تستقيم على أمر الله استقامةً تامة إلا إذا علمت علم اليقين أن الله سيحاسبك على كل شيء، وأنك واقفٌ بين يديه، وأنك لن تستطيع التفلُّت من بين يديه، وأنه يعلم وسيحاسب، فإما أن يكون الإنسان في جنةٍ لا ينتهي نعيمها، أو في نارٍ لا ينفد عذابها.
استماع الجن لأخبار السماء قبل البعثة:

﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ﴾

و هذا قبل البعثة..

﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ ﴾

( سورة الجن: آية " 9 " )

أما بعد البعثة..

﴿ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً ﴾

( سورة الجن )

أي: مُلئت السماء بالحرس والرواجم، فإذا اقترب الجني من السماء جاءه شهابٌ فيحرقه:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي ﴾

فهذا الحادث الذي مُنعوا به هو من خبر السماء، وهذا الحادث هو امتلاء السماء بالحرس والشهب:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾

( سورة الجن )

و هذا كلام في منتهى الأدب، لأن الشر ليس إلى الله عزَّ وجل، فقد قالوا:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ ﴾

فالفاعل هنا مجهول..

﴿ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾

فقد أراد الله جلَّ جلاله بخلقه رشداً حينما بعث لهم نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أراد بكم رشداً حينما سمح لكم أن تستمعوا إلى الحق، لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

( سورة الأنفال: آية " 23 " )

فقد يكون في هذه الساعات المباركات أناسٌ في الملاهي أو في دور السينما أو النوادي الليلية، أو في جلسات عائلية مختلطة يلعبون النرد، أو في كلام غيبةً ونميمة، فإذا سمح الله جلَّ جلاله لك أن تستمع إلى الحق، فشرح صدرك لدخول المسجد وسماع الدروس فيه، فهذه نعمةٌ عظمى:

﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾

( سورة الجن: آية " 10، 11 " )

والجن أنواع، فهناك جن مؤمنة وهناك جن كافرة، وهناك جن ضالة مضلة، وهناك جن مسلمة..

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً ﴾

أي متفرقة..

﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً ﴾

أي: أيقننا أننا في قبضة الله وأن الأمر بيد الله يفعل بنا ما يشاء، وهذا هو التوحيد..

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً ﴾

( سورة الجن )

إن هذا الذي يعصي الله، ويأكل المال الحرام، ويعتدي على خلق الله، فيبتز أموالهم، ويذلُّهم على أي شيء يعتمد ؟ كأنه اعتمد على قوته الذاتية، لكنه لم ينتبه لحظة إلى أنه في قبضة الله...

﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ ﴾

( سورة الجن: آية " 13 " )

أنواع الهداية:
1- الهداية البيانية:
إخواننا الكرام... إن أرقى أنواع الهداية هو الهداية البيانية، فإذا كنت صحيحاً معافىً ولا يوجد عندك مشكلة، ثم حضرت مجلس علم أو استمعت إلى خطبة واضحة فيها آيات وأحاديث، فاستجبت إلى الله عزَّ وجل كانت هدايتك هداية بيانية، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الأنفال: آية " 24 " )

أريد أن أقول لكم في نهاية هذا الدرس كلاماً دقيق جداً.
إن أرقى أنواع الهداية هو الهداية البيانية، ففي هذه الهداية منطق ودليل وحجة وبرهان، والطريق فيها واضح، كما أن الهدف واضح أيضاً.
2- التأديب التربوي:
إن لم يستجيب الناس بالهداية البيانية، فعسى أن يستجيبوا بالتأديب التربوي.. " عجب ربكم من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل "، أي: بالابتلاءات، وأنواع الأمراض والعذابات 3- الإكرام الاستدراجي:
فإذا جاء الإنسانَ التأديبُ التربوي فعليه أن يتوب، فإن لم يتب فهناك حل ثالث له، وهو الإكرام الاستدراجي، لعله يشكر و يفهم عن طريقه، فإن لم يفهم ولم يتب ولم يشكر، قُصم، قال تعالى:

﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾

( سورة سبأ: آية " 19 " )

إن هذا كلام دقيق، فالدعوة البيانية فهم، والتأديب التربوي توبة، والإكرام الاستدراجي شكر، فإما أن تفهم، وإما أن تتوب، وإما أن تشكر، فإن لم تفهم -لا سمح الله- ولم تتب ولم تشكر، فقد بقي القصم والتدمير، قال تعالى:

﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

( سورة البروج )

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) ﴾

 

فنحن في قبضته...

﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ﴾

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) ﴾

و الآن دققوا..

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ﴾

أي: لن يضيع عليك شيء، و لن تُبْخَس أجرك الذي وعدك الله به، ولن يُضل الله عملك، ولن يترك ولن يدعك، فإذا كنت طائعاً لله فأنت في حفظ الله ورعايته وتأييده ونصره وتوفيقه، و زوال الكون أهون على الله من أن يخيِّب ظن عبدٍ مؤمن فيه..

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ﴾

فإذا غض الإنسان بصره مثلاً فلن يضيع عليه شيء، بل ستأتيه الدنيا وهي راغمة، وسيملأ الله قلبه غنىً، فيسعده بزوجةٍ صالحة، تسره إذا نظر إليها، وتحفظه إن غاب عنها، و تطيعه إن أمرها، فكل شيء بحسابه، وهذه آية دقيقة جداً..

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً ﴾

فلا تخف أن تضيع الدنيا من يدك إن نفذت أوامر الله، إنها ستأتيك وهي راغمة، ولا تخف أن تكون أقل حظاً من غيرك، فأنت المتفوِّق السعيد المتوازن المطمئن الآمن الموفَّق المنتصر، هكذا..
(( لا يستوون )):

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً ﴾

أي: أن يبخسه الله بعمله، فإذا ضحيت وطلبت العلم، وطلب غيرك الجهل، وآثرت الاستقامة وكان غيرك متفلِّتاً، وآثرت الإنفاق ن و أمسك وغيرك، فإنه من سابع المستحيلات أن تستوي مع هذا المفرط..

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

( سورة الجاثية )

فاستواء المستقيم مع المنحرف، والصادق مع الكاذب، والأمين مع الخائن، والمحسن مع المسيء، يتناقض مع وجود الله، وعليك عندئذٍ ينبغي أن تؤمن بالعبثية، والله عزَّ وجل ينفي العبثية بقوله:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) ﴾

( سورة المؤمنون )

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾

( سورة القيامة )

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ﴾

هذا كلامٌ لنا جميعاً..

﴿ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ﴾

بخساً: أن يظلم، ولا رهقاً: أن تأتيه شدة، فإن آمنت بالله فلن يضيع عليك شيء، قل دائماً هذه الكلمة: ( يا ربي ماذا فقد من وجدك ؟) ما فقد شيئاً، (وماذا وجد من فقدك ؟) ما وجد شيئاً، فإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، لعل هذه الآية من أبرز ما في هذه السورة..

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ﴾

فإذا تعففت عن مال حرام فلن تكون فقيراً، لأنك قد تعففت عن هذا المال ورعاً وطاعةً لله،

(( ما ترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

وإذا تعففت عن الحرام، فلن تكون شقياً بزوجتك، وإذا تعففت عن عملٍ لا يرضي الله فلن تكون مُهاناً في مجتمعك، فأنت الفائز و الرابح و الناجح و المتفوّق و المفلح في طاعتك لله:

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ﴾

القاسطون: الظالمون.

﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ ﴾

 

أي: منا..

﴿ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ﴾

فقد بحثوا عن الحقيقة فوجدوها..

﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾

( سورة الجن )

فالجن مكلَّفون كالإنس، ويدخلون إلى الجنة، وإلى النار..

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ﴾

هناك معنى دقيق أريد أن أذكره: لا يمكن للمسلم أن يكون ظالماً، فإما أن تكون مسلماً، وإما أن تكون قاسطاً، فهناك ضوء وهناك ظلام، فالضوء والظلام متناقضان فأحدهما ينقض وجود الآخر، فإن كنت مسلماً فلن تكون ظالماً، وإن كنت ظالماً فليس هذا من شأن المسلم..

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ﴾

عرفوا الحقيقة...

﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ ﴾

أي: الظالمون.

﴿ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾

فالظلم ظلماتٌ يوم القيامة..

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾

أي: على المنهج الصحيح، و صراط الله، فتمسَّكوا بحبل الله، و أطاعوا رسول الله..

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

أي خيراً كثيراً..

﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾

( سورة الجن )

الخيار الصعب:
إذا أعرض الإنسان عن ذكر الله أتته المشكلات والمضايقات والصعوبات والمصائب، والأزمات والخوف والإرهاق والقلق.
قال أعرابي لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: عظني ولا تطل، قال له:

(( قل آمنت بالله ثم استقم ))

قال: أريد أخف من ذلك، قال له:

(( إذاً فاستعد للبلاء ))

الخيار صعب: فإما أن تستقيم وإما أن تستعد للبلاء، وهذه الآية:

﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (17) ﴾

( سورة الجن )

أي: إن الله عزَّ وجل سيسيِّره في طريق كلُّه متاعب و ألغام و انفجارات و هموم وأحزان و إحباطات و قلق، فإن ذكرت الله كنت في أمنٍ ودعةً

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾

وإن أعرضت عن ذكر الله فإن الله يسلك بالإنسان عذاباً صعداً، فمن صعوبة إلى أشد، وذلك كما يفعل الطبيب مع المريض، فإذا أعطاه دواء عيار خمسين فلم يستفد قال له: تناول عيار مائة، فإن لم يستفد يتناول خمسمائة ثم ينتقل إلى ألف.. وهكذا، فتأتيه شدة كي تردعه، فإن لم يستجب لهذه الشدة جاءته شدة أكبر، و هذا كلام دقيق واضح كالشمس، فإما أن نستقيم على أمر الله، وإما يأتينا العذاب صعدا ً، و هذا كلام رب العالمين، وهو حل حقيقي.

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ﴾

أي: بحثوا عن الصواب فأصابوه، و بحثوا عن الحقيقة فأدركوها، و بحثوا عن سبل السعادة فوصلوا إليها..

﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) ﴾

أي: يأتيهم التوفيق، والدعم، والنصر، والحفظ، والأمن، وهذا كلّه من نتائج الاستقامة..

﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾

إياك أعني واسمعي يا جارة:
أيها الإخوة الكرام... هذه آياتٌ كريمة تحدثت عن الجن.... كقوله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾

فهل هي للجن فقط أم لنا أيضاً ؟ إن هذه آياتٌ لنا أيضاً، أي (إياك أعني واسمعي يا جارة)، فربنا عزَّ وجل يتحدث عنهم، ولكننا نحن المعنيون بهذا الكلام، فإذا آمن الإنسان فلن يبخسه الله عمله ولن يَتِرَكهُ...

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور