الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث من سورة الجن، وهناك مقدمة ثالثة تحدد خصائص هذه المخلوقات التي سُمِّيت بالجن.
أيها الإخوة الكرام، أقول دائماً: الحقيقة وسطٌ بين طرفين؛ فهؤلاء الذين آمنوا بالجن، آمنوا بقدراتهم الخارقة، آمنوا أنهم يعلمون الغيب، آمنوا أنهم ينفعون أو يضرون، آمنوا أنهم يعطون أو يمنعون، هؤلاء تطرّفوا، كما أن هؤلاء الذين نفوا وجود الجن تطرفوا، لكن الحقيقة تقع بين أن تنفي وجود الجن، وبين أن تعطيهم القدرات الهائلة، فقد زعم كفار قريش أن محمداً صلى الله عليه وسلم تُعَلِّمُه الجن، وأنه يستقي علمه من الجن، بل إنهم جعلوا بين الجن وبين الله نسباً، فهم يزعمون أن الله تزوَّج من الجن وأنجب الملائكة، وهذه كلها أفكارٌ وخرافاتٌ وخزعبلاتٌ وأوهامٌ وأساطير تُروى عن الجن في الجاهلية، فجاءت هذه السورة لتضع حداً لحدود هذه المخلوقات.
أيها الإخوة الكرام، لقد كان الواحد من العرب في الجاهلية إذا سار وحده، أو دخل وادياً، أو قطع مفازةً يستعيذ بعظيم الجن الحاكم، ويقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فإذا باتَ بات آمناً، ألّهوا الجن، فإذا دخل وادياً، أو قطع مفازةً يستعيذ بسيد هذه الصحراء، أو سيد هذا الوادي فإذا باتَ بات آمناً لأنه استعاذ بالجن، هذا تطرُّف وهذا شرك.
كما أنهم كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب، وتنبِّئ الكُهَّان به، فإذا أتوا كاهناً عرفوا الغيب من خلاله، لأن الجن تعلِّم الكُهَّان، والكهان يُنبِئون بني آدم.
وكما قلت قبل قليل، لقد جعلوا بين الجِنّة وبين الله نسباً، فكانوا يعتقدون أن لله عزَّ وجل زوجةً من الجن أنجبت الملائكة، فالملائكة بنات الله، وقد ذكر القرآن فعلهم هذا، وما هذا إلا ركامٌ وخرافاتٌ وضلالاتٌ وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان، وقد جاءت هذه السورة لتضع حداً لكل هذه الأوهام والخرافات والأساطير، وإذا كان هذا اعتقاد الجاهليين، فهل تُفاجَؤون إذا علمتم أن في مجتمعاتنا الإسلامية جماعاتٌ كثيرة تؤمن بالجن وبقدراتهم الخارقة، وبعلمهم للغيب، وأن بإمكانهم أن يوفِّقوا بين الزوج وزوجته أو أن يفرّقوا بينهما، وقد جاءت هذه السورة لتنفي الشرك، لتنفي الأضاليل، لتنفي التخرُّصات، لتنفي الأكاذيب، فهذا كلُّه يجب أن ينتهي بعد أن يوضِّح الوحي حقيقة الجن.
فهناك الكثيرون اليوم يعتقدون بالجن من بعض المثقفين، وللأسف الشديد من بعض روّاد المساجد، ويلجؤون إلى أشخاص يتوهمون أنهم يفكّون السحر، ويخرجون الجن من الإنسان، أنا لا أنفي أنّ هناك علاقةً بين الجن والإنس، هذه العلاقة لا يمكن أن تكون مشروعة إطلاقاً؛ لأن الله عزَّ وجل في كتابه كلّه، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام في سنته كلّها لم يأمرنا، ولم يسمح لنا أن نقيم علاقةً مع الجن، أما الذين أقاموا علاقةً مع الجن فقد أُرهقوا وأُتعبوا ولم يجنوا من هذا العمل شيئاً.
شيء آخر، هناك الآن جماعاتٌ دينيةٌ كثيرة منحرفة العقيدة تنفي وجود الجن إطلاقاً، وتزعم أن الجن خرافةٌ لا وجود لها، فهي في اعتقادهم من التخرُّصات، قد تسألهم كيف تفسر آيات الجن؟ فيقولون: كل شيءٍ غاب عن عينك فهو من الجن، فإذا وقف الإنسان وراء الباب ولم ترَه فهو من الجن، فبين هؤلاء الذين ألَّهوا، وبين هؤلاء الذين أشركوا، وبين هؤلاء الذين اعتقدوا بقدرات الجن الفائقة، كما اعتقدوا بالنفع والضر، واعتقدوا بعلم الغيب، وبين هؤلاء الذين أنكروا الجن، جاءت هذه السورة لتعطي كل شيءٍ حقه وحدّه، فأعطت الجن حجمهم الحقيقي، والمقياس الوحيد في ذلك هو الوحي، لأن الوحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المقياس كلام الخالق، المقياس كلام الخبير، المقياس كلام الله الواحد القهَّار.
أيها الإخوة، لن أبدأ اليوم بتفسير هذه السورة بعد، ولكني سأضع لكم بعض الحقائق المستقاة من هذه السورة، ومن بعض الآيات التي وردت عن الجن في سورٍ أخرى.
1_ الحقيقة الأولى:
إن الجن مخلوقاتٌ موجودة، الجن حقيقة، عالم الجن عالمٌ تؤكِّده هذه السورة، فأنت لا تستطيع أن تنفي الجن، لأنك إذا نفيت الجن كذبت القرآن، وتكذيب كلمةٍ من هذا الكتاب كفرٌ صريح، فالحقيقة الأولى: الجن موجودون فعلاً، وقد وصفوا أنفسهم من خلال هذه السورة فقالوا:
﴿ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدًا(11)﴾
إنهم موجودون ومتنوعون، موجودون منهم الصالحون، ومنهم الطالحون، هذه الحقيقة الأولى، كما أن منهم الضالون المضلون، ومنهم السُذَّج الأبرياء الذين ينخدعون، إذاً موجودون بعضهم مهتدٍ وبعضهم ضال، بعضهم صالح، وبعضهم طالح، بعضهم خيِّر وبعضهم شرير.
2_ الحقيقة الثانية:
بعضهم ماكرٌ خدَّاعٌ مُضِل وبعضهم ساذج، والدليل قول الله تعالى:
﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً(4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً(5)﴾
فهؤلاء عندهم سذاجة، فقد ظن هؤلاء الجن أن الإنس والجن لن تقول على الله كذباً، كما ظنوا أن سفيههم (أي الشيطان) كان يقول على الله شططاً.
التقوّل على الله تعالى من أعظم الكبائر:
إن للإمام الغزالي كلمةً رائعة يقول فيها: "لئن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون" .
وحينما تحدث الله سبحانه وتعالى عن المعاصي والآثام ورتبها ترتيباً تصاعدياً، بدءاً من الإثم والفحشاء، وانتهاء بالشرك والكفر، جعل في أعلى هذه المعاصي:
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)﴾
فكم من إنسانٍ ضل الطريق لفكرةٍ سمعها فلم ترقْ له، وكم من إنسانٍ ظن بالله ظن السَّوء وظن الجاهلية فأعرض عنه بسبب فكرة سمعها من إنسانٍ جاهل، وكم من إنسانٍ أعرض عن الدين لأنه ما استقاه من مصادره الصحيحة، وكم من إنسانٍ كفر بسبب ما يرى ويسمع من تجاوزات يفعلها المسلمون، فلذلك قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً*وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ .
أيها الإخوة الكرام، إن من أغرب ما قاله الإمام الشافعي قوله: "لأن أرتزق بالرقص أهون عليّ من أن أرتزق بالدين" ، لأنك إذا ألقيت على الناس أفكاراً غير صحيحة وأضللتهم وأفسدتهم، بل وحملت بعضهم على أن يكفروا بهذا الدين، فأنت أكبر آثمٍ لأن كل انحرافٍ جرى عن طريقك.
أيها الإخوة الكرام، استمعوا إلى هذه الحقيقة: مَن دعا إلى الله بمضمونٍ هزيل سطحي، غير متماسك، وبأسلوبٍ غير تربويٍ وغير علمي، أو دعا إلى الله بمضمونٍ عميق، لكنه لم يكن ملتزماً بهذا الدين، لم يرَ المدعو في الداعية التزاماً بل رأى ازدواجاً، هذا المدعو بهذا المضمون الهزيل، وبهذا التناقض الشنيع، وبتلك الطريقة غير التربوية وغير العلمية، هذا المدعو بهذه الطريقة وبهذا المضمون وبهذه الازوداجية لا يُعَدُّ عند الله مُبلَّغاً، فقد رُكِّب في أعماق الإنسان أن دين الله عظيم، وأن هذا الدين من عند الله العليم الحكيم، من عند الرؤوف الرحيم، من عند علَّام الغيوب، من عند أكرم الأكرمين، من عند رب العالمين، فهذا الدين لا يحتمل أن تجد فيه تناقضاً، ولا ضحالة، ولا خرافة، ولا تجاوزاً، لأن هذا الدين يمثِّل عظمة هذا الإله العظيم.
أيها الإخوة الكرام، في الدين مقولاتٌ لا تعدُّ ولا تحصى، فلا بد لك من مقياسٍ تحدثت عنه في الدرس الماضي وهو منهج التلقي تفرز به هذه المقولات، فتقبل المقولة التي تنطبق على هذا المنهج، وترفض المقولة التي لا تنطبق عليه، فلا بد من منهجٍ دقيق نعتمده في قبول المقولات الدينية وفي رفضها.
إذاً: الجن موجودون، منهم الصالحون ومنهم الطالحون، فهم فِرَقٌ كثيرون: ﴿كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدًا﴾ والجن منهم المضلّون، الخبثاء، ومنهم السُّذَّج ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً*وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ .
3- الحقيقة الثالثة:
الجن لديهم استعدادٌ للهداية، فهم مستعدُّون لإدراك القرآن الكريم سماعاً وفهماً من خلال هذه الآيات الكريمة:
﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً(1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً(2)﴾
فقد استمعوا إلى هذا القرآن الكريم وأُعجِبوا به، وفهموه وأدركوا أبعاده آمنوا به، فصاروا جناً مؤمنين، وهذه حقيقة ثالثة.
إن الجن مكلَّفون، ومعنى ذلك أنهم مسؤولون، ومعنى مسؤولون أي محاسبون، فتقع عليهم أنواع العقوبات، وأنواع الإكرامات، والدليل أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦ ۖ فَمَن يُؤْمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا(13)﴾
﴿فَمَن يُؤْمِنۢ بِرَبِّهِ﴾ ؛ أي: منا، فالجن مكلَّفون.
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ(31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)﴾
أي: سنقصد إلى محاسبتكم، فالملَك غير مكلف، والحيوان غير مُكلَّف، والجماد غير مكلف، لكن الإنس والجن مُكلّفون بحمل الأمانة، وهم مسؤولون، وسيحاسبون وسيُعذَّبون، وسيتنعَّمون، وهذه حقيقة ثالثة.
﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦ ۖ فَمَن يُؤْمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا(13) وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَٰسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَٰٓئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَدًا(14)﴾
4_ الحقيقة الرابعة:
القاسطون: هم الظالمون، هذا الاسم دقيق، فالمُقسِط هو العادل، أما القاسط فهو الظالم، فـ(أقْسَط):َ عَدَلَ، و(قَسَط):َ ظَلَمَ، اسم الفاعل من الثلاثي: قاسط، واسم الفاعل من الرباعي: مُقسِط، فالمُقسط هو العادل، والقاسط هو الظالم.
﴿ وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَٰسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَٰٓئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَدًا(14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً(15)﴾
فالجن مخلوقات مكلفة بحمل الأمانة، فهي مسؤولة عن أعمالها، وبما أنها مسؤولة لا بد من أنها تملك حرية الاختيار، فإذا كانت مسؤولة عن أعمالها وتملك حرية الاختيار، فإن مصيرها إما إلى جنةٍ يدوم نعيمها أو إلى نارٍ لا ينفد عذابها، قال تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾ وهذه أيضاً حقيقةٌ عن الجن.
﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦ ۖ فَمَن يُؤْمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا(13) وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَٰسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَٰٓئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَدًا(14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً(15)﴾
5-الحقيقة الخامسة:
إن هؤلاء الجن لا ولن ينفعوا الإنس إذا لاذوا بهم، فأية محاولةٍ يلجأ بها الإنسان إلى الجن هي محاولةٌ خاسرةٌ يائسة، وقد ورد هذا كله في كتاب الله، فهذا هو حجم الجن الحقيقي، تعريفاتهم الدقيقة، لذلك قال تعالى:
﴿ وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍۢ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا(6)﴾
فلا تستعذ إلا بالله، فالجن لن يقدِّموا لك شيئاً، لن ينفعوك إطلاقاً، لن يخلِّصوك من أية ورطة، أكثر المسلمين اليوم يلجؤون إلى رجال يزعمون أنهم يعرفون الجن ليفكوا لهم السحر، ليخرجوا بعض الجن منهم، فهؤلاء يزدادون ضلالاً وتيهاً ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍۢ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ .
6- الحقيقة السادسة:
إن الجن لا يعلمون الغيب إطلاقاً، فهم ليس لهم أية صلةٍ بالسماء، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً(8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً(9)﴾
﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ﴾ أي: قبل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سأضرب لكم هذا المثال: لو أن (آذناً) أو حاجباً أو مستخدَماً في رئاسة الوزراء كان يطوف على الوزراء ليقدم لهم القهوة أو الشاي، وفي أثناء الاجتماع سمع من أطراف أحاديثهم أن الساعة ستؤخَّر ستين دقيقة قبل شهرٍ من موعد تأخيرها، فأشاع بين الناس أنني أعلم الغيب، فبعد أربعة أسابيع سوف تُؤخَّر الساعة ستين دقيقة، هذا إن كان تأخير الساعة لأول مرة ، فهل هذا الحاجب أو هذا (الآذن) يعلم الغيب؟ لا، فقد استرق السمع من خلال اجتماعٍ مهم، فأوهم الناس أنه يعلم الغيب، الآية الكريمة: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً*وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ أي: لقد كنا نستمع إلى بعض الأوامر الإلهية، وننزل إلى الأرض، فنلقي هذه المعلومات في آذان الكُهَّان، فيأتي هؤلاء الكهان إلى الناس ويدّعون أنهم يعلمون الغيب، فهذا ليس غيباً، ولكنه استراق سمعٍ.
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ بعد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً*وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً﴾ أيها الإخوة، إن المشكلة الدقيقة هي أن تعتقد أن هؤلاء الجن يعلمون الغيب، فهذه مشكلة كبيرة جداً؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، لكن هؤلاء الجن عندهم سرعة تَنَقُّل، قدرتهم على تخطي المسافات مذهلة، فقد يقطعون آلاف الكيلو مترات في لمح البصر، فإذا نقلوا لك معلومة من مكان إلى مكان، توهمت أنهم يعلمون الغيب، وهم لا يعلمون الغيب إطلاقاً، فإذا إنسان مات بظرف غامض مثلاً، هناك من يدّعي أن بإمكانهم تحضير الأرواح، فهم يأتون بقرائنهم من الجن.
أشخاص كثيرون يموتون بظروف غامضة، فيأتي عملاء من الجن، ثم يعرضون على أهل القتيل أن يأتوا بابنهم المقتول ليُسمعهم اسم قاتله، فالهدف من القضية كلها أن يتوهم الناس أن الجن يعلمون الغيب، وهم لا يعلمون الغيب إطلاقاً، هذه حقيقة، واستحضار الأرواح هو أنهم يستحضرون قرين هذا المقتول من الجن، فيعطيهم معلومات دقيقة جداً عن حياته، وعن ملابسات حياته وعن ظروف حياته، مما يوهم الناس أنهم يعلمون الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.
فقد سمعت أن هناك من يزعم أنه استحضر روح امرأة ماتت بحادث، فأخبرت الناس أنها أسلمت وأنها كذا وكذا، وكل هذا خرافةٌ بخرافة، لأن الجن لا يعلمون الغيب إطلاقاً.
﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً(8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً(9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً(10)﴾
لا يعلمون الغيب، لكن: ﴿لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ إن الخير إلى الله، والشر ليس إليه، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))
الخير كله بيدك يا رب، والشر ليس إليك، وهذا أدبٌ رفيع ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ فليس هناك علاقة بينهم وبين الله، ولا توجد علاقة مصاهرة، كما يدّعي العرب في الجاهلية.
﴿ وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةً وَلَا وَلَدًا(3)﴾
لأن المشركين في الجاهلية كانوا يزعمون أن الله تزوَّج من الجن وأنجب الملائكة، فالملائكة بنات الله.
أيها الإخوة، أقول لكم مرةً ثانية، إن هذه الحقائق من كتاب الله تعطي الجن حجمهم الحقيقي، وأية زيادةٍ على ذلك هي زيادة باطلة، كما أن أي إنكارٍ لذلك هو إنكارٌ باطل، لأننا لا نستطيع أن ننكر شيئاً أثبته القرآن، ولا أن نزيد شيئاً ما ذكره القرآن، وهذه السورة إضافة إلى الآيات التي وردت في بقية السور عن الجن هي المقياس الدقيق لموضوع الجن دائماً، فأينما جلست، وحيثما التقيت مع الناس، وجدت من يطرح قضية الجن، فهناك من يعطي الجن حجماً أكبر من حجمهم بكثير، وهناك من يزعم أن الجن يعلمون الغيب عن طريق القرناء وعن طريق غيب الحاضر وسرعة التنقل في الأرض، وهذه كلها خرافاتٌ ما أنزل الله بها من سلطان، فهم لا يعلمون الغيب، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، وأكبر دليل على ذلك، أن رئيسهم الشيطان قال:
﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾
﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ﴾ : آيةٌ حاسمة، قطعية الدلالة ﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ فهذه حقائق ناصعة قد أثبتها الله في كتابه العزيز.
الجن لا قوة لهم مع الله أبداً، لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، لقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُۥ هَرَبًا(12)﴾
فهم في قبضة الله، وليس لهم إرادةٌ مستقلةٌ عن الله عزَّ وجل، كما أنهم ليس بهم قوةٌ يصرفونها في غير إرادة الله عزَّ وجل: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُۥ هَرَبًا﴾ .
وإن من الآيات الأخرى عن الجن التي وردت في غير سورة الجن قوله تعالى:
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُۥ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ(14)﴾
﴿عَلَىٰ مَوْتِهِ﴾ أي: على سيدنا سليمان، ﴿مِنسَأَتَهُ﴾ أي: عصاته، الدابة؛ أي: السوس ﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ سيدنا سليمان كلَّفهم بأعمالٍ شاقة متعبة: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ فأنا هنا أعطيك مقاييس، فإذا كنت جالساً في سهرة مع أصدقائك أو مع إخوانك أو أقربائك أو زملائك في العمل، ثم سمعت قصة مفادها أن الجن يعلمون الغيب، فلا ينبغي أن تبقى ساكتاً، بل يجب أن تنطق بالقرآن الكريم، فتقول: إنهم لا يعلمون الغيب، ولو أنك سمعت قصةً أن الإنسان أُوذي من الجن، فذكِّرهم بقول الله عزَّ وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ﴾ فقد نزلت هذه الآيات من أجل أن تعطي الجن حجمهم الحقيقي، ومن أجل أن تقف مع الناس على الحدود التي جاءت في هذه السورة.
هناك خاصةٌ أخرى من خصائص الجن وردت في سورة الأعراف، وهي قوله تعالى:
﴿ يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَٰتِهِمَآ ۗ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(27)﴾
﴿إِنَّهُ﴾ أي: الشيطان وجماعته، فكِيان الجن غير مرئي، أما كيان الإنس فهو مرئيٌ عند الجن، فهم يروننا ويسمعون كلامنا، ونحن لا نراهم ولا نسمع كلامهم، هذه حقيقة دقيقة وصريحة وواضحة.
حقيقة عن بنيتهم: الجن مخلوقون من النار، والإنس مخلوقون من الطين، قال تعالى:
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ(14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ(15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)﴾
أيها الإخوة الكرام، من خلال هذه الحقائق التي وردت في سورة الجن وفي غير سورة الجن يتضح لنا أن الذين عرفوا الله عزَّ وجل، وعرفوا حقيقة الجن، لا يمكن لهم أن يعتمدوا على الجن ولا أن يلجؤوا إليهم لا في معرفة الحقائق المستقبَلة، ولا في الاستعانة بهم، لأنهم ضِعافٌ كالبشر، ولأنهم لا يعلمون الغيب كالبشر..
شيء آخر، هذه السورة توضِّح حقيقة الألوهية، وحقيقة العبودية، ثم توضِّح أيضاً الصلة بين هذه الخلائق المنوَّعة، فمن الممكن أن تقوم صلة بين الإنس وبين الجن، لكن هذه الصلة ليست مشروعة، فيمكن أن يستعيذ الإنس بالجن، ويمكن أن يتعاون الجن مع الإنس، وهذه حقائق، لكن هذه الصلة ليست مشروعة ولا مطلوبة، ولا مستحسنة إطلاقاً.
في هذه السورة تأكيدٌ على وحدانية الله، وتأكيدٌ على نفي الصاحبة والولد -وهذا تأكيدٌ مهمٌ جداً– وإثبات الجزاء في الآخرة للإنس والجن معاً، وأن أحداً من مخلوقات الله -ولو بدا خارق القدرة على تخطي المسافات- لن يُعجز اللهَ في الأرض ولن يتفلَّت من يده أبداً.
وفي هذه السورة أيضاً بيانٌ لحقيقة الألوهية ولحقيقة العبودية، وبيان أيضاً أن الجن لا يملكون قوةً ولا علماً، فليست لهم إرادةٌ مستقلةٌ عن الله عزَّ وجل، وأنهم في قبضة الله كالإنس:
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّى وَلَآ أُشْرِكُ بِهِۦٓ أَحَدًا(20)﴾
﴿ قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلْتَحَدًا(22)﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في ما يرويه ربه عنه، فيما يأمره الله أن يبلغه للناس:
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً(21)﴾
﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِىٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا(10)﴾
فالغيب موكولٌ إلى الله وحده.
﴿ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِۦ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾
إن الذي يستقيم على أمر الله عزَّ وجل سيجني ثماراً طيبة، قال تعالى:
﴿ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَٰهُم مَّآءً غَدَقًا(16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (17)﴾
إن هذه بعض الحقائق المتعلقة بالجن، فالله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، أما الجن فهم ليس لهم أي شأنٍ، ولا أي فعلٍ، ولا أي علمٍ، فلا يعلمون الغيب، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً مع من يعوذ بهم.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذه الحقائق التي عُرِضت في هذه السورة، وأن نجعلها مقياساً لكل ما يدور في مجالس الناس عن الجن، فهناك آلاف القصص التي ما أنزل الله بها من سلطان يمكنك أن تركلها بقدمك، فحينما تقرأ آيةً من سورة الجن أن تقول: إن هذه الآية تبيِّن أن الجن لا يعلمون الغيب، ولا يستطيعون أن ينفعوا الإنسان إلا أن يزيدوه رهقاً كما قال الله عزَّ وجل، وأنهم مسؤولون ومحاسبون وسيعذبون إن انحرفوا، وسيتنعَّمون إن هم أفلحوا.
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نبدأ تفسير الآيات آيةً آية بحسب التسلسل في الدرس القادم، لكني أردت من هذا الدرس أن تعرفوا حقيقة الجن من خلال هذه السورة ومن خلال بقية السور، فهؤلاء المخلوقات موجودون، وهذا هو حجمهم الحقيقي، وأي تخرصٍ أو تأويلٍ أو زيادةٍ باطلة ينبغي أن لا نأخذ بها.
الملف مدقق