وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 4 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 07 - حقوق العباد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، السلام عليكم ورحمة الله مستمعينا الأكارم أينما كنتم ، كل عامٍ وأنتم بخير ، ورمضان كريم للجميع ، وباسمكم ننقل هذه التحية لفضيلة المربي العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي . 
السلام عليكم شيخنا وكل عامٍ وأنتم بخير . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وكل عامٍ وأنتم بألف خير ، وبلادكم بخير . 
المذيع :
حفظكم الله وأكرمكم ، وأنتم كذلك شيخنا الحبيب . 
حقوق العباد المادية والمعنوية هو عنواننا لهذا اليوم ، نبدأ حلقتنا بقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :  قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ كانت عنده مظلِمَة لأخيه ، مِنْ عِرضِهِ أو شيء منه ، فلْيَتَحلَّلَهُ منه اليومَ ، من قبلِ ألا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أُخذَ منه بقدر مَظلِمتِهِ ، وإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبه فَحمِل عليه  ))

[ أخرجه البخاري والترمذي ]

شيخنا الحبيب ؛ أهلاً وسهلاً بفضيلتكم ، نريد أن نتحدث عن حقوق العباد في ميزان الشريعة الإسلامية .
 

حقوق العباد في ميزان الشريعة الإسلامية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
مقولتان خطيرتان في هذا اللقاء الطيب : حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة  وحقوق الله مبنيةٌ على المسامحة ، أول حقيقة .
أما الحقيقة الثانية فهناك ذنبٌ يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنبٌ لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، وذنبٌ لا يغفر أصلاً هو الشرك بالله ، هاتان مقولتان خطيرتان يلقيان ضوءاً كاشفاً على هذا اللقاء الطيب ، فالإنسان مذنب لكن يتوب باب التوبة مفتوح ، إن الله يُحب أن يتوب عليكم .

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾

[ سورة البقرة ]

و : 

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[ أخرجه الترمذي ]

فالتوبة باب إلى الله ، حبل النجاة التوبة ، التوبة هي أجمل شيء في هذا الدين ،  لو لم يكن هناك التوبة كان هناك يأس ، واليأس ، والقنوط ، والتشاؤم ، والسوداوية ، تقترب من الكفر ،  ورحمة الله واسعة ، والله عز وجل رحمته تتسع كل الذنوب .

﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ   (156) ﴾

[ سورة الأعراف ]

وأنت أيها الإنسان شيء من هذه الأشياء . 
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ، إذاً شيخنا ؛ الأصل في المسألة أن حقوق الناس في رقبتي كإنسان ، إما أن يسامحوني ، أو أن أؤديها ، لكن غير ذلك لا ينفع . 
 

حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله مبنية على المسامحة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بالأداء ، حقوق العباد مبنية على المشاححة ، يوجد كلمة دقيقة جداً : صحابيٌ جليل خاض مع الرسول الكريم كل الغزوات توفي ، دُعي النبي ليصلي عليه قال : أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، حديث واضح ، جامع ، مانع ، قاطع ، فواحد من إخوانه الكرام قال له : عليّ دينه يا رسول الله ، فصلى عليه ، سأله في اليوم الثاني : أديت الدين ؟ قال : لا ، سأله في اليوم الثالث : أديت الدين ؟ قال : لا ، سأله في اليوم الرابع : أديت الدين ؟ قال : نعم ، قال : الآن ابترد جلده ، هذا من ؟ صحابيٌ جليل ، حقوق العباد مبنية على المشاححة  وحقوق الله مبنية على المسامحة . 
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ، هل هذا الكلام شيخنا ينطبق على الحقوق المادية والمعنوية أم فقط على الحقوق المادية ؟ 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
على كليهما ، جلسة يوجد فيها ثلاثون شخصاً ، اغتبته بشيء هو بريء منه ، لا يغفر لك هذا الذنب إلا إذا جمعت هؤلاء وأبلغتهم أنني كنت خاطئاً في هذه التهمة ، أما يعتذر منه فلا ، أين تكلم هذا الكلام ؟ في مجموع ، فإذا اعتذر منه شخصياً لا يقبل هذا العذر ، أنت شوهت سمعته أمام ثلاثين شخصاً ، يجب أن تجمعهم ، أو أن تنتظر لقاء ثانياً دورياً قد يكون ، تبلغهم أنني كنت مخطئاً ، وهذا الرجل إنسان نظيف وشريف ، هذا التبرير .  
المذيع :
شيخنا الكريم ؛ لو لم يستطع الإنسان أن يعود لهذا الجمع من جديد ، لو اتصل بهم فرادى ، قال لهم : أنا باليوم الفلاني ذكرت فلاناً بسوء وأنا أبرئ ذمتي ، وأذكره بخير . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ممكن ، بارك الله بك على هذا الاقتراح ، ممكن جداً ، اتصال هاتفي لواحد واحد . 
المذيع :
سيدنا الكريم ؛ هل هذا يعني أنني مضطر أن أذكر هذا الإنسان بخير فقط أم أيضاً ضروري أن أستسمحه ؟ أي لو لم أتحدث إليه ذكرته بين عشرةٍ من الأشخاص بسوء ثم راجعت نفسي وذكرته بخير أمام العشرة ، وهو لا يدري أنني أسأت إليه ، ولا يدري أنني أعدت مدحه ، هل هذا يكفي ؟ 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنت حققت الهدف ، وانتهى الأمر ، في مكان شوهت سمعته ، المكان نفسه غيرت هذه التهمة ، هو لا يوجد عنده علم ، لا يوجد داع لتبلغه ، لأن القضية الإنسان لا يغفر ، عندنا قاعدة الله عزَّ وجل يُسامح ، الإنسان لا يغفر . 
المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، هذه نقطة مهمة جداً .  
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والبطولة ألا تقول أصلاً ، لست مضطراً . 
المذيع :
وإذا ذكرت إنساناً بسوء فعليّ أن أذكره بخيرٍ أمام من ذُكر أمامه هذا السوء ، وهذا يكفي . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عندي حل وسط دقيق ، يكون قد اقترف ذنباً عليه معصية كبيرة ، وله آثار سلبية ، لو الإنسان فعل كذا لفعل كبيرة بالإسلام ، لا يوجد أسماء ، أنا أتكلم كل شيء بلا أسماء ، لكن ليس بلا قرائن واضحة ، يوجد مكان ، وزمان ، وصفات ، أنا أحياناً إذا كنت أريد أن أنصح شخصاً بالجلسة ، أقول : حدثني أخ في المغرب - أنقل الموضوع لأقصى البلاد - فعل كذا والعمل غلط ، سألني عنه بالهاتف ، يجب أن تبعد عنه الشبهة ، لأن هذا الستر من صفات الله العظيمة ، والمؤمن يتخلق بأخلاق الله ، الله ستير ، وأنت يجب أن تستر .
النقطة الدقيقة إذا إنسان اعتذر لك الموضوع يُلغى نهائياً ، عليك ألا تقول : والله فلان اقترف ذنباً واعتذر مني ، لا ، لا ، البطولة أن هذا الموضوع يطوى ، إذا لم يطو يوجد مشكلة . 
المذيع :
لنقل شيخنا أنني أسأت بحق أحد من الناس ثم قمت بتصويب هذا الأمر ، لكنه لم يقبل المسامحة ، ولم يغفر ، هل هنا قد أديت ما عليّ أمام الله أم أن الأمر مربوط بعفوه ؟ 

  على الإنسان أن يؤدي ما عليه ويطلب من الله الذي له :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أدّ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك ، فقط . 
المذيع :
أضرب لفضيلتكم مثالاً : لنفترض أن إنساناً أو إنسانةً ما أساؤوا لعرض امرأة ما متزوجة ، وهذا أدى إلى خلافات كبيرة بينها وبين أهلها وزوجها ، من افترى عليها هذه التهمة ، قام في المستقبل وصوب ، وقال : أنا افتريت عليها ، صحيح أنه رفع التهمة عنها ، لكن كيف سيعوضها عن هذه الشهور من الإساءة العائلية ؟ 
الدكتور محمد راتب :
أحياناً الهدية تؤكد الاعتذار ، قدم هدية ثمينة تنسى ، يوجد شيء يغطي شيئاً ، إذا كان هناك شيء مؤلم ، أنا أعتذر أمام من تكلمت أمامهم ، أقدم لها هدية لعلها تسامحني بهذه الهدية .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا نساءَ المؤمناتِ لا تَحْقِرنَّ جَارَة لجارتها ، ولو فِرْسِنَ شَاة . أخرجه البخاري ومسلم . وفي رواية الترمذي : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : تَهَادَوْا ، فإن الهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ   ولا تحْقِرَنَّ جَارَة لجارتها ولو شِقّ فِرْسِن شاة  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

دقق بهذا الكلام : (( تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ )) وتهادوا تحابوا .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم .
 شيخنا الحبيب ؛ هل هذا الإثم حتى يسقط من رقبتي أنا بحاجة لمن أسأت لعرضها أن تعفو هي عني أم أنني مجرد أن أكون برأت ذمتها هنا قد أسقطت ما عليّ من آثام ؟ 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله إذا أبلغتها وعفت عنك أقوى بكثير ، يوجد درجات ، الذي فعلته عمل جيد ، أما إذا أبلغتها وقلت لها : أنا أخطأت خطأ كبيراً بحقك ، وجمعت الناس مرة ثانية ، وأبلغتهم أنها بريئة من هذه التهمة فإبلاغها أفضل .
المذيع :
جميل ! إذاً أحياناً الإنسان لا يلتفت شيخنا لمثل هذه الحقوق المعنوية للعباد ، أي يعتبرها شيئاً يسيراً من لغو الكلام ، لكن سيحاسب على كل كلمة يلفظها بالسوء عن الآخرين . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا أحدهم قال لشخص : لقد اغتبتني ؟ قال له : ومن أنت حتى أغتابك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي ، لأنهما أولى بحسناتي منك ، فالذي يُغتاب يأخذ حسنات   المغتاب ، قال له : ومن أنت حتى أغتابك ؟ من حضرتك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي لأنهما أولى بحسناتي منك . 
المذيع:
شيخنا ؛ هل الإساءة المعنوية للآخرين مرتبطة بسوء القصد أم حتى لغو الكلام يؤاخذ الإنسان عليه ؟ 
 

كل إنسان محاسب عن كلامه بغض النظر عن النوايا :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي ؛ الخطأ خطأ ، النوايا موضوع ثان ، هي مع الله ، أنا إذا ضربت شخصاً  وآلمته نيتي أصلحه ، لا ، النوايا يضبطها الله وحده ، هذا إدعاء . 
المذيع :
إذاً الكلمة أنت محاسب عليها بغض النظر عن النوايا . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أبداً ، النوايا لا تقلل من قيمة الخطأ ، ولا تلغي الخطأ . 
المذيع :
أضرب لفضيلتك مثالاً ، لو أنا أتحدث عن أحد من الناس ولم يعرفوه ، قلت     لهم : فلان وذكرته بصفةٍ سيئة ، مثلاً فاشل ، أو ضعيف ، أو قصير ، هل أؤاخذ حتى في وصفي له للناس ؟ 
 

على الإنسان تجنب الوقوع بآثام اللسان :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
انظر يا سيدي ؛ قالت : قصيرة عن ضرتها ، العداوة بين الضرائر شيء طبيعي من بنية المرأة ، قالت : قصيرة ، قال لها : يا عائشة لقد قلتِ كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ، ما قولك ؟ هذا كلام النبي سيدي . 

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) ﴾

[ سورة النجم ]

ومن ؟ زوجته ، زوجته الأولى ، قال لها : يا عائشة لقد قلت كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته . 
المذيع :
شيخنا ؛ كيف نصوب ؟ لنفترض أنني ذكرت إنساناً بهذه الصفات السيئة ، هل أذهب وأصارحه ، الأمر ليس سهلاً ، حينما يعرف الناس أنني ذكرتهم بسوء قد يولد المزيد من الخلافات والمشاكل . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هنا يوجد قاعدة دقيقة جداً قالها سيدنا عمر : ليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما ، دائماً حياتنا الآن ليست بين خير وشر ، بين شرين ، فالبطولة أن أختار أهون الشرين . 
المذيع :
الله يفتح عليكم شيخنا ؛ أقترح فكرة على فضيلتكم شيخنا قرأتها ، لو أن الإنسان مثلاً استغفر ودعا بالخير لمن أساء لهم ، لكنه لا يستطيع أن يواجههم بالكلام ، خوفاً من مزيد من الخلافات والخصومات ، هل يمكن أن يجزئ ؟ 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخذ أهون الشرين ، قاعدة قلت لك الآن قبل قليل ، أهون الشرين ، حياتنا الآن ليست بين خير وشر ، بين شرين ، والبطولة أن تختار أهونهما . 
المذيع :
وأُذكر بما ذكرت فضيلتك ، الأصل على المسلم أن يجنب نفسه الوقوع بكل آثام اللسان ، وحقوق العباد ، من البداية فلا يذكرهم بهذا السوء ، كلام مهم ، وكلام جميل شيخنا الكريم في هذا الموضوع . 
سيدي بالنسبة للحقوق المادية ، مثلاً الأموال والرواتب وما شابه هل تسقط بمجرد أدائها شيخنا أم إذا الإنسان أخرها مثلاً على الأشخاص الآخرين أصبح الخلل بأمرين ؟
 

الابتعاد عن الاستهزاء بالشرع :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سقط حق العباد وبقي حق رب العباد . 
المذيع :
وما هو دكتور ؟ 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الله له حق ، أنت أخطأت مع إنسان وسامحك ، لكن أنت عندما أخطأت مع الإنسان تجاهلت ربك ، الذي نهاك عن ذلك ، فأنت أخطأت بحق الإله ، الأغلب أن الله يسامح، لكن لو فرضنا جعلها عادة ، أي أنا أغلط وأعتذر ، لا ، دائماً إذا شخص نوى عملاً بالمستقبل تأملاً بمغفرة الله فهذا أكبر ذنب ، أنا أستغفر عما مضى ، عندما أفعل شيئاً أعلم أنه خطأ وسوف أفعله وأشفي غليلي ثم أستغفر هذا ضحكٌ على الشرع ، وهذا له عقاب كبير جداً ، هذا اسمه استهزاء بالشرع . 
المذيع :
والعياذ بالله ، الله يفتح عليكم شيخنا . 
الدكتور محمد راتب النابلسي :
المغفرة لما مضى ، لا لما سيكون ويمضي بعد ذلك . 
المذيع :
الله يفتح عليكم شيخنا ؛ شيخنا الكريم ، الذين يماطلون عمداً بأداء الحقوق مثل إنسان عليه دين ، وهو يقدر مالياً لكنه يتعمد المماطلة ، شركة تتعمد المماطلة بدفع رواتب موظفيها ، هل زمن المماطلة وإن أداه بعد حين يؤاخذ عليه ؟ 
 

الظلم ظلمات يوم القيامة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أولاً : الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ، الآن : 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : مَطْلُ الغَنيِّ ظُلْمٌ   ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك ]

حديثٌ واضحٌ ، جامعٌ ، قاطع (( مَطْلُ الغَنيِّ ظُلْمٌ )) والظلم ظلمات يوم القيامة  يعني من الكبائر  .
المذيع :
أنا إذا كان عندي القدرة ، وتعمدت أن أؤخر الرواتب ، سداد الدين ، قسط لمكان معين وأنا أمتلك القدرة هنا أنا مؤاخذ للمماطلة المتعمدة ، فهو آثم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
ظلم شديد ، والظلم ظلمات يوم القيامة .
المذيع :
من ماطل شيخنا ليس عن رغبة ، أي لم يكن يملك القدرة ، كان موعد أداء دينه واحد الشهر لم يستطع إلا بعد عشرين يوماً ؟
 

التيسير على المعسر :


الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) ﴾

[ سورة البقرة ]

قرآن ، ارحمه ، معسر انتظره .
المذيع :
الله يفتح عليكم ، شيخنا الحبيب ؛ أحياناً بعض الناس يتستر بسيف الحياء يحرج صاحب الحقوق ، مثلاً لي على شخص مبلغ من المال فيقول لي : أنت شخص جيد وأنت تعرف الظروف ، يحرجه ليس بطيب خاطر هذا مستساغ ومقبول بشرعنا ؟
 

أخذ الأشياء بالحياء حرام :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أقدم لك قواعد ، أخذ الأشياء بالحياء حرام ، استغل قيمة أخلاقية ، الحياء من الإيمان ، الحياء يرفع قيمة المؤمن ، استغل هذا الخلق الراقي فجعله نقطة ضعف في شخصية المؤمن ، أما هو :

﴿  وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) ﴾

[ سورة الشورى ]

صار هذا بغياً .
المذيع :
الله يفتح عليكم شيخنا ، سيدنا ؛ أداء الحقوق لإنسان قد جاء أمر الله سبحانه وتعالى ومات كيف نؤديها مثلاً ؟ بعض الحقوق المادية أو المعنوية ؟
 

كيفية أداء الحقوق المادية والمعنوية لمن توفي :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الورثة ، الورثة يملكون أموال المتوفى .
المذيع :
هذا للحقوق المادية دكتور ، ماذا عن المعنوية ، لو أساء لإنسان بكرامته وسمعته ومات كيف يؤديها ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله بإعلان ، الرجل المرحوم كان كذا وكذا وهو خلاف ما كان ، ممكن بالتواصل الاجتماعي ، أي ما دام القلب ينبض يوجد ألف حل ، فإذا مات على هذه المعصية فالقضية كبيرة جداً .
المذيع :
شيخنا الحبيب ؛ هنالك بعض الحقوق القديمة التي أهملها أصحابها في الماضي اليوم حَسُن إسلامهم ، وباتت التوبة عنواناً لهم ، لا يذكرون هذه الحقوق ، ماذا يفعلون ؟
 

حلول لمن أكل أموال الناس بالباطل :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
يوجد حل ، ذكر لي أخ مقيم بحلب - هي بالشام - أنه قبض رشاوى من الناس بأرقام فلكية ، ماذا يفعل ؟ اقترحت عليه اقتراحاً ، والاجتهاد يصيب ويخطئ ، الدولة مكلفة وملزمة بمساعدة الجمعيات الخيرية ، فإذا أنت قدرت الرقم بشكل عادل ، وقدمته للجمعيات الخيرية هذا حل مقبول جداً .
المذيع :
باعتبار أن هذا المال يصب بخدمة الصالح العام .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لأن الدولة مكلفة بالقانون أن تمد الجمعيات الخيرية بالمساعدات ، فهو ناب عن الدولة وقدم هذه الأموال للجمعيات الخيرية الرسمية ، فيها إيصالات ، وفيها برامج ، وفيها حساب دقيق ، وكأنه دفع لهذه الجمعيات من الدولة ما له عليها ، أو ما لها عليه .
المذيع :
هذا شيخنا باعتبار أنه أكل جزءاً من المال العام عن طريق الرشوة ، ماذا عن الحقوق الفردية دكتور ؟ إذا أكل مال جاره أو كذا لكنه لا يعرف له طريقاً اليوم ، ولا يذكر قيمة المبلغ استيقظ ضميره متأخراً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
يتصدق عنه ، والصدقة تسجل لحساب صاحب الحق ، هذا حل ثان .
المذيع :
هذا إذا تعذر الوصول لصاحب المال ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم .
المذيع :
الله يفتح عليكم فكرة طيبة شيخنا الحبيب .
شيخنا الكريم ؛ بعض الأشخاص يستهينون بالحقوق الصغيرة ، وأضرب لفضيلتك مثالاً : لو أن إنساناً يسير في مركبته ارتطم بمركبة مجاورة في الطريق لكن الضربة كانت بسيطة  ليست كبيرة وهناك كسر ، هل هو مأمور أن يستسمح صاحب المركبة أو يصلح هذا الخدش البسيط ؟
 

أداء الحقوق ولو كانت بسيطة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا ، يضع له رسالة على البلور ، ورقة ، يدخلها ضمن البلور ، أنا رقم هاتفي كذا  وأنا مستعد أن أصحح ، وأكثر حالة وجدتها عندما أنت تقدم اعتذارك ورقم الهاتف يقول لك : مسامح ، يكون جمع بين الحسنيين .
المذيع :
البعض يقول لك : هذه قضايا بسيطة ، وتصليحها بسيط لا يكلف الكثير ، ما من داع للالتفات لها ، ما رأى فضيلتكم ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) ﴾

[ سورة البقرة ]

هذه آية واعظة تسحب على كل شيء ، شيء بسيط ، الحق حق ، والباطل باطل .
المذيع :
أعود إلى مسألة جديدة شيخنا في قضية توثيق هذه الحقوق ، البعض يخجل  وخاصة إذا كان هناك صلة قوية بينه وبين الطرف الآخر ، يوجد شراكة تجارية ، يوجد دين أن يوثق هذه الحقوق ، ما رأي فضيلتكم ؟
 

ضرورة توثيق الحقوق : 


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أي حقوق لا تكتب تزول ( وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ) قرآن واضح كالشمس للعيان ، الموضوع خرق للنظام ، خرق للمنهج ، صغير أو كبير صار هناك خرق .
المذيع :
شيخنا الحبيب ؛ اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، والنشر الموجود ، هنالك فئة من الناس يسيئون ويشهرون بالآخرين سواء ذكروهم بالاسم الصريح ، أو لمحوا لكن يفهم عمن يكون هذا التلميح .

  الابتعاد عن الإساءة أو التشهير بالآخرين :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله سمعت عن رد رادع لهذا ، يحاسب حساباً عسيراً ، ممكن يكتب ، أو يلمح ،   أو يشير ، هناك جهات يمكن أن تحاسبه .
المذيع :
هذا في القانون .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا بد من إصدار قانون حديث بتجريم الذي يشهر بالآخرين البرآء عن طريق هذه الوسائل .
 المذيع :
شيخنا البعض يعتبرها من باب الفكاهة ، مثلاً أن معلماً ، أو مذيعاً ، أو مسؤولاً ما قد يكون أخطأ بكلمة ، وقع في الطريق وهو يسير ، يتندرون ويضحكون ، هل هذا يدخل من باب الإساءة المعنوية لحقوق هؤلاء ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم يدخل يضحكون ، جعل الناس يسخرون منه ، طبعاً .
المذيع :
يدخل في هذا الباب دكتور ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم .
المذيع :
نصيحتكم شيخنا في ختام هذه الحلقة حتى يبقى الإنسان في رقبةٍ نظيفة من خطايا وحقوق العباد ، ماذا تنصح المستمعين الكرام في علاقتهم مع الآخرين ؟
 

نصائح حول علاقة الإنسان بالآخرين :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا اغتاب الإنسان شخصاً بجلسة وأذن العشاء هل يستطيع أن يعقد مع الله صلة ؟ هذا المقياس ، الحساب دقيق مع الله ، بمجرد أن تعصيه نشأ حجاب لك بينك وبينه ، وأكبر عقاب عن المؤمن أن يحجب عن الله ، والدليل :

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾

[ سورة المطففين ]

حتى المؤمن إذا ارتكب ذنباً حُجب عن الله ، أما حتى يكون له خط ساخن مع الله يستطيع أن يصلي ، ويبكي بالصلاة ، ويناجيه ، ويدعوه ، عليه أن يكون مستقيماً ، ما لم يستقم على أمر الله الخط الساخن مع الله يقطع ، وأكبر عقاب القطع .
المذيع :
سؤالي لفضيلتكم شيخنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً  : أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع  قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار  ))

[ أخرجه مسلم والترمذي ]

من لا يؤدي الحقوق في الدنيا هل تؤدى يوم القيامة من حسناته ؟
 

من لم يؤد حقوق العباد في الدنيا سيؤديها يوم القيامة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا بد من أن تؤخذ من حسناته ، وتطرح في حصيلة الذي اغتبته ، الحقيقة إن لم تؤد في الدنيا لابد من أن تؤدى في الآخرة قطعاً ، بالدنيا أهون ، يموت : أعليه دين ؟ قال : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، من هذا ؟ صحابي ، كان مع سيد الخلق ، وغزا معه غزوات، أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، قال له : عليّ دينه ، فصلى عليه ، سأله في اليوم الثاني ثم في اليوم الثالث ثم في اليوم الرابع : أديت الدين ؟ قال : نعم ، قال : الآن ابترد جلده ، حديث صريح ، قاطع ، دقيق جداً .
المذيع :
نسأل الله أن يعيننا على أداء حقوق العباد .
شيخنا نختم حلقتنا بالدعاء ، تفضل .
 

الدعاء :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ،  وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ،  وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات ، كانت حلقتنا مستمعينا الكرام عنوانها : "حقوق العباد" .
نلتقي بحوله تعالى الخميس المقبل بذات الموعد .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحميل النص

إخفاء الصور