وضع داكن
03-02-2025
Logo
حياة المسلم 4 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 20 - جنات القرب
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، وأنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
مستمعينا الكرام أينما كنتم عبر أثير إذاعتكم حياة fm ، في مجلس علمٍ وإيمان    وحلقة جديدة مباشرة كل يوم خميس من الثالثة وحتى الرابعة بحوله تعالى ، وبإمكانكم متابعتنا بالصوت والصورة أيضاً من خلال صفحة إذاعة حياة fm على الفيس بوك .
نرحب بفضيلة المربي العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا الحبيب أهلاً بكم .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وبلدكم .
المذيع :
جميعاً إن شاء الله ، حلقتنا مستمعينا ، ومتابعينا الكرام لهذا اليوم هي تحت عنوان : جنات القرب ، نتحدث بها عن القرب بيننا وبين الله سبحانه وتعالى ، نبدأ حلقتنا بقول الخالق عز وجل :

﴿   وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ 186  ﴾


[  سورة البقرة ]

وفي قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى :
 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى : أَنا عند ظَنِّ عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي ، وإِن ذكرني في مَلأ ذكرتُه في مَلأ خيرٍ منه ، وإن تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْرا تَقَرَّبتُ إِليه ذِراعاً ، وإن تقرَّب إِليَّ ذِرَاعاً اقْتَرَبتُ إِليه باعاً ، وإِن أَتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَة ))

[ أخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي  ]

شيخنا الحبيب هل لنا أن نبدأ بتوضيح المصطلح ، ماذا يعني قرب الله ؟
 

الدعاء أصل العبادة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد  الصادق الوعد الأمين .
لكن قبل أن أجيب عن هذا السؤال الطيب ، هناك مقدمة متعلقة بعنوان هذا اللقاء الطيب ، هناك آيات كثيرة تزيد عن عشر آيات  :

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ   219  ﴾

[   سورة البقرة  ]

عشر آيات أو أكثر بين السؤال والجواب كلمة قل ، إلا هذه الآية الوحيدة :  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي  لا يوجد فقل  فَإِنِّي قَرِيبٌ  إلغاء كلمة فقل في هذه الآية الفريدة في القرآن الكريم أي ليس بين العبد وربه حجاب ، ليس بين العبد وربه حاجز ، ليس بين العبد وربه وسيط بالمعنى المطلق 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ  ﴾

قريب منهم أستمع إلى دعائهم ، أعلم بحالهم ، إذا تكلم يسمع ، وإن صمت يعلم ، وإن غاب عنه الشيئان يعلم ما يصلح له ، فعلم الله مطلق : 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

من لوازم هذا القرب : 

﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  ﴾

والإنسان قد يدعو بلسانه ، وقد يطلب من دون لسان ، بقلبه ، وكلا الحالين عند الله محقق 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي  . ﴾

والحقيقة أن الدعاء هو العبادة ، والدعاء مخ العبادة ، والدعاء أصل العبادة ، الإنسان كائن حادث ، ليس قديماً خائفاً .

﴿   إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً 19  ﴾

[   سورة المعارج ]

حريص على سلامته ، وسعادته ، واستمراره ، عنده متطلبات لا تعد ولا تحصى : 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  ﴾

الدعاء هو العبادة ، الدعاء مخ العبادة ، الدعاء أصل العبادة ، ومن لا يدعوني أغضب عليه .

((  عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : لِيَسْألْ أَحَدكمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا ، حتى يسأَلَ شِسْعَ نَعلِهِ إذَا انْقَطَعَ  ))

[ أخرجه الترمذي ]

هل يمكن أن تتغطى العبادة كلها بالدعاء ؟ ممكن ، كائن حادث ، ليس قديماً ، الله عز وجل قديم ، كائن حادث ، في الأصل خائف .
 

خصائص الإنسان السلبية كلها لصالحه :


الآن :

﴿   وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً 27 يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً 28  ﴾

[   سورة النساء ]

خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه : 

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً  ﴾


﴿   خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ 37  ﴾

[   سورة الأنبياء ]

فخصائص الإنسان السلبية لصالحه ، لو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره ، أما القرب فهو قرب الروح سيدي .
عندنا شيء فيزيائي ، قرب الروح ، الإنسان عقل يدرك ، من هو الإنسان ؟ عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب الذي يسمو به ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإن غذى الإنسان عقله بالعلم ، وغذى قلبه بالحب ، وغذى جسمه بطعام وشراب أشتري بمال حلال .

((  عن  عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : تليت الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً } فقام سعد بن أبي وقاص   فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال رسول الله صلى الله عليه   وسلم : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[ أخرجه الطبراني  ]

((  أطب مطعمك ))

  أي يكون هناك لحم زائد ؟ لا ، يكون من مال حلال 

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة  . ))

فالإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك .
مرة ثانية : غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا غذى عقله بالعلم ، وقلبه بالحب  وجسمه بطعام حلال تفوق ، وإن فقد إحداها تطرف ، والتطرف نوعان : تطرف تفلتي إباحية ، وتطرف تشددي التكفير ثم التفجير .
المذيع :
الله يفتح عليكم .
شيخنا الحبيب ؛ ربطتم الأمر أو حديثنا عن القرب بين العبد وبين خالقه سبحانه وتعالى كثيراً بملف الدعاء ، هو أصلاً في الآية الكريمة : 

﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾

  هل قرب الله هو لزام أن يكون الإنسان يدعو الله ، أي من علامة القرب أن يكثر من الدعاء ؟ ما الرابط بين عبادة الدعاء وبين قرب الإنسان من الله دكتور ؟ 
 

الرابط بين الدعاء وقرب الإنسان من الله :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله الدعاء يعني القرب ، والقرب يعني الدعاء ، كالطفل ؛ أي مشكلة : ماما ،  يخاطب أمه ، ملاذه الوحيد ، أما المؤمن فالله وحده ملاذه ، يخاف منه ، ويرجو رحمته ، ويخشى عذابه ، ويعمل له .

((  ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء  ))

عند الله عز وجل :
 

﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 117  ﴾

[   سورة البقرة ]

تسأل القوي ، الرحيم ، الحنّان ، المنّان ، العلّام ، علام الغيوب ، تسأل من علم ما كان ، وما يكون ، وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، الذات الإلهية خالق السماوات والأرض ، الذات الكاملة ، أصل الكمال ، والجمال ، والنوال ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا .
عفواً ؛ بشركة عملاقة خمسمئة ألف موظف ، إذا دخلت إلى صاحب الشركة كل شيء بيده ، المال بيده ، المناصب بيده ، كل شيء بيده ، للتقريب ، أنت إذا عرفت الله عرفت كل شيء ، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء .
 ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء  ؟
المذيع :
الله يفتح عليك دكتور ، شيخنا الحبيب ؛ حينما نتحدث ونقول عن قرب العبد من الخالق سبحانه وتعالى هل معنى القرب أن الإنسان مستقيم ففتح الله له وأذن له بباب القرب منه أم معناها إنسان منكسر الجناح وهو قريب من ربنا ؟ من هو القريب دكتور ؟
 

من آمن بوجود الله فهو قريب منه سبحانه :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أي إنسان مؤمن بوجود الله قريب من الله ، أما الملحد فمشكلته كبيرة جداً ، تعليق سريع : هناك من يأتي بسكين يطعن بها نفسه ، هذا مات منتحراً ، واضحة ؟ هناك من يصر على معاصيه كلها ، ولا يتوب منها ، وغادر الدنيا وهو على معصية ، والمعاصي مصر عليها هذا نحر نفسه ، أما الملحد فنحر عقله ، بين أن ينحر الإنسان جسمه بمدية ، أو أن ينحر نفسه بمعصية كبيرة مات عليها مصراً ، أو أن ينحر عقله بالإلحاد .
المذيع :
لماذا دكتور حينما ينكسر الإنسان أحياناً في الحياة ، أو يشعر بالضعف يشعر أنه أقرب إلى الله سبحانه وتعالى ؟ ما الرابط بين ضعف الإنسان وبين قربه من الله ؟
 

الرابط بين ضعف الإنسان وبين قربه من الله :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
الله عز وجل قال :  وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً  لأنه ضعيف يفتقر إلى الله ، ولو خلقه قوياً لاستغنى عن الله بقوته ، فشقي باستغنائه ، خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، القصة من الآخر ، أكبر معين على الإيمان والاستقامة هو الضعف .
الآن ؛ إنسان دخله كبير ، وعنده بيت ، وزوجة ، وأولاد ، ومكانة اجتماعية ، وبيت بالعاصمة ، وبيت بالجبل ، وبيت على البحر ، ونزهات ، وولائم ، ولقاءات ، جلطة ، خثرة دم تتجمد في دماغه ، انتهت حياته ، الإنسان على غلطة ، على نقطة دم لا ترى بالعين تتجمد في عرق من عروق الدماغ ، خثرة بالدماغ ، جلطة بالقلب ، فشل كلوي ، يوجد حوالي خمسين أو ستين مرضاً يهدون الجبال ، والإنسان معرض لذلك في أي ثانية ، فإن كنت مع الله كان الله معك .

﴿  وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 81 الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ 82﴾

[ سورة الأنعام ]

 

الأمن والسلامة :


ما الأمن ؟ السلامة غير الأمن ، قد تعيش عمراً مديداً لم تعان من أية مشكلة ، لا اجتماعية ، ولا نفسية ، ولا جسمية ، ولا مرض ، هذه سلامة ، أما الأمن فهو عدم توقع السلبيات : 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ  ﴾

لهم الأمن صياغة دقيقة جداً ، لو أن الآية فرضاً ؛ أولئك الأمن لهم ولغيرهم 

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

  قصر وحصر ، نحن بالصلاة لو قلنا : نعبد إياك ، الصلاة باطلة ، ما ألغيت شيئاً من الفاتحة لكن الترتيب نعبد إياك لا تمنع أن نعبد غيرك .

﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5  ﴾

[  سورة الفاتحة  ]

فيها قصر وحصر .
 

الدين يقوّم السلوك والمشاعر :


﴿  فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

الظلم أنواع ، قد تظلم نفسك ، تبعدها عن الله ، قد تظلم زوجتك ، أولادك، بناتك ، أصهارك ، أعمامك ، كنائنك ، قد تظلم الموظفين عندك .
كنت مرة بمحل تجاري عنده صانع صغير الجسم ، أهله فقراء ، والده متوفى ، حمله أول ثوب ، والثاني ، والثالث ، قال له : لم أعد أتحمل ، قال له : أنت شاب ، زجره أعطاه خمسة أثواب ، والله أنا واقف ، حمل ابنه ثوباً واحداً ، قال له : انتبه على ظهرك يا بني ، هذا إنسان حقير ، فلذلك الدين يقوّم السلوك ، يقوّم المشاعر .
المذيع :
أحياناً الإنسان قد ينكسر في هذه الحياة ، قد يشعر بضيق ، بفقر ، بمرض ، لكن هذا يبعده عن الله تبارك وتعالى ، ما نقطة التحول التي على الإنسان أن يلتفت لها حتى يحول من هذه المحنة التي يعيشها ، من الضيق ، من الفقر ، من المرض ، إلى بوابة القرب إلى الله  وليس لا قدر الله بوابة غضب ، أو إلحاد ، أو ابتعاد عن الله تبارك وتعالى ؟ ماذا يفعل   الإنسان ؟
 

معرفة الله مهمة الإنسان الأولى في هذه الحياة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا كان مؤمناً ، ويقرأ القرآن ، يقول الله عز وجل : 

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً 147  ﴾

[  سورة النساء  ]

أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعذب بلا سبب ، ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة ، اعتقد يقيناً من خلال كتاب الله ، وهذه الآية أدق آية : 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ ﴾

  أي بتعذيبكم 

﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

  معنى ذلك أن مهمتك الأولى أن تعرف الله ، لك إله عظيم ، تواب ، رحيم ، أسماؤه حسنى ، صفاته علا ، أصل الجمال والكمال والنوال ، خلقك ليسعدك فقط ، أي كلام آخر اركله بقدمك .
 

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 119﴾

 

[   سورة هود ]

إذا ساق لك مشكلة لها سبب ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
شيخنا ؛ لكل شيء موجبات ، ما هي موجبات القرب من الله سبحانه وتعالى ؟ ما الذي يمكن للإنسان أن يصنعه ليتحقق فيه كرم الله سبحانه وتعالى وينال مرتبة القرب ؟
 

موجبات القرب من الله سبحانه وتعالى :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
ما دام الإنسان مقيماً على معصية ، مخالفة ، هذه المعصية تنشئ حاجزاً بين العبد وربه ، فلابد من الاستقامة ، الاستقامة واسعة جداً ، الدخل ، الإنفاق ، العلاقات ، تمضية أوقات الفراغ ، النزهات ، الحفلات ، اللقاءات ، النشاط الواسع ، هذا ينبغي أن يكون وفق منهج الله  والله عز وجل ما حرم علينا شيئاً ينفعنا :
 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ  14  ﴾

[   سورة آل عمران ]

الكلمة الدقيقة : ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، أي لا يوجد بالإسلام حرمان إطلاقاً ، ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، الإنسان يحتاج إلى أن يأكل ، كم نوع من الطعام حلال ؟! والمحرمات بنود تعد على أصابع اليد ، لحم الخنزير ، الخمر ، يوجد أنواع منوعة من الطعام، أنواع منوعة من الشراب ، المرأة ؛ يوجد زواج ، أي لا يوجد شهوة قطعاً أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناةً نظيفة طاهرة عالية .
مثلاً ؛ لي جار في الشام ، قال لي : عندي سبعة وستون حفيداً ، كلهم من حفاظ كتاب الله ، وأكثرهم أطباء ، أنا خرجت من عنده قلت في نفسي : تمت علاقة بيولوجية بين ذكر وأنثى ، أنجب أولاداً ، جاؤوا له بالكنائن ، أنجب بنات ، جاؤوا له بالأصهار ، أنجب أحفاداً ،  ستون حفيداً ، هذا المشروع الإلهي ، مشروع يرقى بالإنسان ، العلاقات الزوجية رائعة جداً ، علاقات متنامية ، العلاقات المحرمة والعياذ بالله مؤلمة جداً ، ما من شهوة أودعت بالإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة ، هذا منهج خالق الأكوان ، منهج رب العالمين ، منهج خالقنا ، مربينا،      مسيرنا ، فلذلك الطاعة فيها كل شيء يسعد الإنسان ، والمعصية فيها كل شيء يشقي الإنسان .
المذيع :
والعياذ بالله ، شيخنا الحبيب ؛ ماذا تنصح مستمعينا من نقاط عملية كخطوات يمكن للإنسان أن يصنعها ؟ ذكرتم قبل قليل بأن المعصية تحجب عن قرب الله ، الآن استقامة الإنسان وابتعاده عن المعصية والتوبة منها يمكن أن نقول : إن هذه المعصية الأولى حتى ينال الإنسان مرتبة القرب ؟ ماذا أيضاً تنصحنا دكتور لننال هذه المرتبة نحن وإياكم إن شاء  الله ؟
 

الله تعالى خلق الإنسان ليرحمه ويسعده وسعادته تكون بالجنة :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أمامي طاولة ، هذه جماد أخي الكريم ، لها وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع، أما النبات فيزيد على الجماد بالنمو ، أما الحيوان فيزيد عليهما بالحركة ، أما الإنسان فقد أودع الله فيه قوة إدراكية ، العقل ، هذه القوة الإدراكية ما لم تلبَّ بطلب العلم الإنسان هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، ولنستمع معاً إلى كلام الله :

﴿  أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 21  ﴾

[   سورة النحل ]

الذين شردوا عن الله أموات ، نبضه 80 مثالي ، ضغطه 8 ـ 12 عند الله ميت ، ما عرف سرّ وجوده ، ولا غاية وجوده ، ولا آمن بالآخرة ، ميت 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ  ﴾

مثل آخر : 

﴿  وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 4  ﴾

[   سورة المنافقون ]

خشبة ، الثالث :

﴿  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً  44﴾

[   سورة الفرقان ]

الرابع أقسى واحد :

﴿  مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5  ﴾

[   سورة الجمعة ]

فأنت خلقت لمعرفة الله والدليل :

﴿   إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 119  ﴾

[   سورة هود ]

خلقهم ليرحمهم ، ليدخلهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها :

((  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

والله الذي لا إله إلا هو إن لم يقل الإنسان ، بأدنى مستوى معيشي ، لكنه مؤمن : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده إشكال بإيمانه .
خلقنا ليرحمنا ، ليسعدنا ، جعل السعادة المطلقة في الجنة ، وجعل الدنيا مدرسة لدفع ثمن الجنة ، نحن الآن في دار الدنيا ، اسمها دنيا وليس عليا ، العمر محدود ، والإنسان بلمحة يصير خبراً ، كان شخصا ملء السمع والبصر صار خبراً ، وسيشيع مساء من داره إلى مقبرة كذا ، هل يستطيع الإنسان أن ينكر ذلك ؟ الموت ينهي كل شيء .
المذيع :
شيخنا الحبيب ؛ في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى في الحديث القدسي : 

(( وإن تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْرا تَقَرَّبتُ إِليه ذِراعا ، وإن تقرَّب إِليَّ ذِرَاعا اقْتَرَبتُ إِليه باعا وإِن أَتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَة))

  نحن نحتاج الله سبحانه وتعالى فلماذا إذا تقربنا من الله شيئاً يسيراً تقرب الله سبحانه وتعالى منا أكثر من ذلك ؟
 

الله تعالى خلقنا للأبد :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
هو ينتظرنا ، أخي الكريم :

((  لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ))

هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ؟ 
هو رحمن رحيم ، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، بعث بنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن الجنة ، نحن في دار دنيا مؤقتة ، الموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، ينهي كل شيء ، الدنيا ندفع بها ثمن الجنة ، وثمن الجنة كلمتان : استقامة ترك المعاصي ، وعمل صالح .

﴿  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 3  ﴾

[ سورة العصر ]

فأنت متاح لك أن تصل لجنة إلى أبد الآبدين ، ما معنى الأبد ؟ مثال للتقريب : واحد بالأرض وأصفار للشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، ليس كل كيلو متر صفراً ، ليس كل ألف متر ، كل ميلي صفر ، هذا الرقم إذا نسب للانهاية صفر ، أكبر رقم تتخيله واحد بالأرض وأصفار للشمس .
المذيع :
لا يساوي شيئاً أمام اللانهاية .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نحن خلقنا للأبد .

﴿  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلّاً ظَلِيلاً 57  ﴾

[ سورة النساء ]

هل من المعقول أن نضيع السعادة الأبدية المتنامية بكم سنة كلها متاعب ، وكلها شقاء ، وكلها قلق كما ترى ؟
المذيع :
شيخنا الحبيب ؛ من سار على درب الله سبحانه وتعالى واستقام وجنب نفسه المعاصي وتاب إن وقع فيها بدأ يشعر بشيء من القرب بينه وبين الله ، هل لهذا أثر في الدنيا مثلاً له علاقة بالرزق ؟ بتيسير الأمور ؟
 

التوفيق والحفظ والسكينة أكبر عطاء من الله للإنسان :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
أكبر عطاء إلهي في الدنيا التوفيق .

﴿  قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ 88  ﴾

[ سورة هود ]

يوفق في زواجه ، في عمله ، في أولاده ، في بناته ، في أصهاره ، في كنائنه 

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

آية وحيدة ، هذه أكبر ثمرة .
الثانية ؛ الحفظ ، أنت محفوظ .

﴿    إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ 38  ﴾

[ سورة الحج ]

لك أعداء لا تعرفهم ، إذا الله عز وجل تولى حفظك ما قولك ؟ الله يدافع عنك ، السكينة ؛ ما هي السكينة ؟ تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، أنا عندي مئات القصص عن أناس بلغوا الذروة في الغنى وانتحروا ، لِمَ انتحروا ؟ ما عرفوا الله عز وجل ، لأن الإنسان مصمم ليعرف الله ، فهو مصمم بنفس لانهائية ، أي شيء عندما تشتريه صار عادياً ، لم يكن عندك سيارة ، عندما تشتري سيارة أول أسبوعين لا تنام ، تقود السيارة ، بعد فترة أصبحت عادية ، لم تتزوج وأنت متشوق لذلك بعد الزواج صار الزواج عادياً ، قبل أن تستلم منصباً رفيعاً أنت متشوق لذلك ، بعد استلامه يصبح منصباً عادياً ، ما سمح للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة ، بل متناقصة ، أما الآخرة فهي سعادة متنامية ،  فالبطولة والذكاء والنجاح والفلاح أن تعرف الله .
 ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء  .
 إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم  .
البطولة أن نعرف الله سيدي .
المذيع :
ونعمة بالله .
الآن نريد أن نتحدث عن أكثر ما يهلك هذه العلاقة بين العبد وربه علاقة القرب ، فهي للأسف أحياناً لا تدوم ، يشعر الإنسان بلحظة من القرب ، يشعر بها بتجلي العبادة ، يشعر فيها بلذة حلاوة الإيمان عند القرآن ، عند القيام ، لكن في لحظة من اللحظات ما تنفك هذه العقدة ، ولا يبقى الحال على حاله دكتور ، ما الذي يجعل قرب الإنسان من ربه ينهار في لحظة من اللحظات دكتورنا الكريم ؟
 

العمل الصالح أداة فعالة للقرب من الله :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
العمل الصالح أداة فعالة للقرب من الله ، أنت إذا أردت القرب ، الإقبال على الله ، أن تشعر بأنك قريب من الله ، تستمد من أنواره ، من توفيقه ، من محبته ، لا بد من طاعته ، لذلك :

﴿  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً 71  ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 
طفل صغير جاء العيد وأخذ من أقربائه مبلغاً بالنسبة له هذا شيء كبير ، قال لك : أنا معي مبلغ عظيم مئة دينار مثلاً ، لكن مسؤول كبير بالبنتاغون قال : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ، تقدر هذا المبلغ بمئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿   وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً 113  ﴾

[   سورة النساء ]

لذلك أعظم شيء بالحياة أن تعرف الله .
 ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء  .

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــا لغيرنــــــا

ولو سمعت أذناك حسن  خطابـنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

ولو ذقت مـن طعــــــم المحـبة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــــة           لمــــت غريباً واشتياقــــــــــاً لقربنـــــــا

       

 ولو لاح مـن أنوارنا لك لائـــــــــــــح     تــركت جميع الكائنــات لأجلنـــــــــــا

   

     فما حبنا سهل وكل مــــن ادعـــــى    سهولته قلنا له قـــــــــــد جهلتنــــــــــا

***

أنت تتقرب من الذات الإلهية ، من أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، من صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، الدين شيء كبير جداً ، وأنت خلقت لتعرف الله .

﴿   إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 119  ﴾

[   سورة هود ]

خلقهم ليرحمهم ، ليسعدهم في جنتين ، جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد ، نضيع هذا من أجل أشياء تافهة تشغلنا ؟ وما من شهوة أودعت فينا إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة .
المذيع :
إذاً جنة الدنيا دكتور هي جنة القرب من الله سبحانه وتعالى .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
طبعاً القرب من الله ، من ذاق عرف ، أنت بالصلاة الصحيحة التي تسبقها استقامة وعمل صالح تتصل بأصل الجمال في الكون ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، بالذات الإلهية ، بصاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا .
الواحد منا أحياناً يكون له صورة مع شخص مهم يختل توازنه فيها ، انظر أنا مع من    تصورت .
المذيع :
شيخنا الحبيب ؛ أحياناً يسعى الإنسان للاستقامة يسير على درب الله ، يصلي ، يصوم ، لكن بلا روح ، بلا حلاوة الإيمان ، كيف له أن يحقق هذا القرب ؟
 

حاجة المؤمن إلى حاضنة إيمانية :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
سؤال دقيق جداً :

﴿   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 119  ﴾

[   سورة التوبة ]

الإنسان المؤمن بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، بحاجة إلى أن يسهر مع مؤمنين ، أن يتنزه مع مؤمنين ، أن يصاحب مؤمنين 

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

  كأن الآية تقول الوسيلة وهي : 

﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . ﴾

آية ثانية : 

﴿   وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً 28 ﴾

 

[   سورة الكهف ]

أنا أقول بكل وضوح وصراحة : المؤمن بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، أما أنه يسهر مع أناس متفلتين ، لا يصلون ، يقترفون المعاصي جهاراً  نهاراً فلا يستطيع ، الصاحب ساحب ، عندنا لعبة اسمها شدّ الحبل ، جلست مع أناس كائناً من كانوا ، سهرة ، لقاء ، نزهة ، إذا استطاعوا أن يجروك إلى المعصية ، أو إلى التفلت ، أو إلى إهمال الصلاة ، ابتعد عنهم بنعومة ، أما إذا أمكنك أن تشد من حولك إلى الصلاة ، إلى طاعة الله ، إلى الانضباط فابقَ معهم ، إن شدوك إليهم انسحب بنعومة ، وإن استطعت أن تشدهم إليك فابقَ معهم ، هذه اللعبة اسمها : شدّ الحبل ، إما أن تشدهم إليك فابقَ معهم ، أو إن شدوك إليهم فابتعد عنهم لكن بنعومة ، أنا لا أحب الأعمال العنيفة ، عندنا خط قائم ؛ هذا عنيف ، وخط مائل ، اقترب منهم بخط مائل صعوداً ، وابتعد عنهم بخط مائل هبوطاً وهكذا .
المذيع :
الله يفتح عليكم  دكتور .
وصلنا إلى نهاية الوقت نختم حلقتنا بالدعاء ، ونسأل الله القبول .

  الدعاء :


الدكتور محمد راتب النابلسي :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ،  وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .
 

 خاتمة وتوديع :


المذيع :
بارك بكم فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة ، نلتقي بحوله تعالى بإذن الله ، كانت حلقتنا لهذا اليوم عن جنات القرب ، رزقنا الله وإياكم قلباً سليماً ، وعبادة سليمة لنحظى بقرب الله سبحانه وتعالى .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور