- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مكانة الحديث الشريف في الإسلام :
أيها الإخوة الأكارم؛ النص الذي يلي نص القرآن الكريم من حيث: القوة في النَظْم، والقوة في التعبير، ومن حيث المضمون المطلق في صحته، هو نص النبي عليه الصلاة والسلام، ومهما وجدنا متسعاً لفهم كلام النبي عليه الصلاة والسلام, فهماً دقيقاً، واسعاً، شاملاً ، عميقاً، فنحن في أعلى درجات الفوز .
من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام الجامعة المانعة:
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ, وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ))
وفي روايةٍ غير الترمذي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
(( يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ, أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى, فَقَالَ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ, تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ, يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ, وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ, فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا, أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا, وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ, وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ, وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ))
الذي أراه أن هذا الحديث فيه؛ عددٌ من أصول الدين، والأحاديث التي تنطوي على أصول الدين تعد من أركان الأحاديث .
العلاقة بين الطلب والجواب علاقةٌ حتمية :
فكلمة:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
هذه العلاقة والمشاكلة بين فعل الطلب وجواب الطلب، هذه المشاكلة والعلاقة الحتمية, يمكن أن يعبَّر عنها بقانون، فأحياناً بين هذا الشيء وهذا الشيء علاقةٌ ضرورية، فالمعادن تتمدد بالحرارة، هذا قانون، العلاقة بين الحرارة وبين التمدد, علاقة حتمية ضروريةٌ شاملة، التركيب الشَّرطي كقول الشاعر:
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ
لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
هذا تركيب شَرطي، أو اجتهد تنجح، هذا تركيب طلبي جزائي، فإذا ورد في اللغة تركيبٌ كهذا التركيب, فاعلم أن العلاقة حتميةٌ بين المقدمة والنتيجة
المعاني الدقيقة للحفظ :
الآن نريد أن نفهم, ماذا يعني النبي عليه الصلاة والسلام من قوله:
مَن هو ولي الله يا جنيد:
أهو الذي يطير في السماء؟ قال: لا .
أهو الذي يمشي على وجه الماء؟ قال: لا .
أهو الذي يبكي في الصلاة؟ قال: لا .
من هو الولي؟ قال: الذي تجده عند الأمر والنهي .
مقياس واحد يرفعك عند الله، هو أن تكون مطبقاً لأمره ونهيه، احفظ حدوده, قال تعالى:
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
هذا لا يجوز، لا أفعله ورب الكعبة، هذا لا أوافق عليه، هذا العقد لا أوقعه، لأن البضاعة محرمة، هذا اللقاء لا أحضره, فهو مختلط، هذه الطريقة في البيع لا أوافق عليها, فيها شبهة، هذا العمل لن أفعله, فيه إيقاع أذى بمؤمن أو بإنسان، معنى ؛
﴿
هذا التردد: والله معقول أفعل هذا أم غير معقول؟ مَن أنت حتى تقول: معقول أو غير معقول؟ أنت أمام أمر، أمام أمر إلهي، فإذا فكرت في أن تفعله أو ألا تفعله, فلست مؤمناً:
أمرك أن تصلي، أمرك أن تغض البصر، أمرك أن تقول للناس حسناً، أمرك أن تصل رحمك، أمرك أن تنصف الناس من نفسك، أمرك أن تقرأ القرآن، أمرك أن تحسن إلى كل الأنام، هذه أوامر، وعند نواهيه بالاجتناب،
تطبيق الأمر واجتناب النهي، وعند حدوده بعدم التجاوز، فمن فعل هذا, كان من الحافظين، احفظ أوامر الله بالتطبيق، احفظ نواهيه بالاجتناب، احفظ حدوده بعدم التجاوز .
نشب خلاف بينك وبين زوجتك، هذا الخلاف يستأهل أن تعاتبها، أن تعرض عنها، لكن لا يستحق أن تطلِّقها، تجاوزت الحدود، لا تطلق المرأة إلا من ريبة، إذا شككت في أخلاقها، إذا خانتك، هذا العمل يقتضي الطلاق، أما إذا غاضبتك، أو غاضبتها، أو قصرت في حقك، عاتبها، اهجرها، أعرض عنها، أما أن توقع الطلاق لسببٍ لا يوجبه الطلاق, فقد تجاوزت الحدود ، حينما قال الله عزَّ وجل:
﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) ﴾
مَن هو الحفيظ؟ هو الذي يحفظ حدود الله، يحفظ الأوامر فيطبقها، يحفظ النواهي فيجتنبها، يحفظ الحدود فلا يتجاوزها, قال تعالى:
﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ﴾
ما أبرز أوامر الله عزَّ وجل؟
1- الصلاة :
أيها الإخوة؛ ما أبرز أمرار الله عز وجل ؟ أجمع العلماء على أنها الصلاة، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين, لا خير في دينٍ لا صلاة فيه, يقول ربنا عزَّ وجل:
﴿
وقال:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) ﴾
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا, فَقَالَ: مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا, كَانَتْ لَهُ نُورًا, وَبُرْهَانًا, وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا– الصلوات الخمس- لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ, وَلَا بُرْهَانٌ, وَلَا نَجَاةٌ, وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ, وَفِرْعَوْنَ, وَهَامَانَ, وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ))
2- الوضوء :
عندنا أمر آخر: الطهور، لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، المؤمن دائماً متوضئ، خرج من بيته متوضئًا، أَذَّن المغرب دخل وصلى، كان في مجلس الوضوء فيه صعب، فلو قيل: نصلي، فهو متوضئ، فالمحافظة على الوضوء من فروع المحافظة على الصلاة، ما دام يهمك أن تصلي في الوقت المناسب، في الوقت المستحب، وأن تؤدي الصلاة على وجهها، إذاً يجب أن تستعد لها بالوضوء الدائم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ))
وفي قول يرويه أكثر العلماء, وإن كان هناك تحفظ في بعض فقراته: من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن توضأ ولم يصل فقد جفاني، ومن صلى ولم يدعني فقد جفاني، ومن دعاني ولم أجبه فقد جفوته، ولست بربٍ جافٍ، ولست بربٍ جافٍ، ولست بربٍ جاف ، إذاً:
المحافظة على الصلوات، والمحافظة على الوضوء، هذا معنى
3- الحفاظ على الأيمان :
هناك حفظ ثالث, قال تعالى :
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ
لأتفه سبب تحلف، تقسم أربعة أيمان، الله قال:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه, قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الحلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ ))
وعند أبي داود :
4- حفظ الجوارح :
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ, قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ, وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى, وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ, فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ))
1-
ما في الرأس؛ في لسان، وفي عين، وفي أذن، يبدو اللسان لخروج المعاني، والعين والأذن لتلقُّف الصور الصوتية والبصرية، فإذا غضضت بصرك عن محارم الله, فقد حفظت عينك، وإذا كففت عن سماع الغيبة، والنميمة، والمنكر، والفحش، وقول الزور ، وشهادة الزور، والغناء، فقد حفظت أذنك، وإذا لم تنهش أعراض المؤمنين، ولم تتكلم بما لا يرضي رب العالمين, فقد حفظت لسانك .
فالرأس فيه العين، والأذن، واللسان، حفظ اللسان بقول الحق، واجتناب ما نهى الله عنه، وحفظ العين بغض البصر عن عورات المسلمين، وحفظ الأذن بكفها عن سماع ما لا يرضي الله عزَّ وجل .
2- قال:
ماذا في البطن؟ ماذا في أعلى البطن؟ القلب، ما المعصية التي يمكن أن يرتكبها القلب؟ أن يصر على جهلٍ، أو استكبارٍ، أو أن يسيء الظن بالله عزَّ وجل، إذاً:
أن يحفظ قلبه من سوء الظن بالله، أن يحفظ قلبه من أمراض النفس؛ من العجب، الكبر، الاستعلاء، الحقد، الأنانية .
في البطن معدة, وهي أن يحفظ هذا البطن من أكل مالٍ حرام
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ
وورد في الأثر: عبدي؛ طهرت منظر الخلق سنين, أفلا طهرت منظري ساعة؟ الله عزَّ وجل دائماً وأبداً ناظرٌ إلى قلبك، ماذا في هذا القلب؟ فيه حقد، فيه ضغينة، فيه شحناء، فيه بغض لمسلم، فيه قطيعة رحم، فيه استعلاء على خلق الله, قال تعالى:
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
من أغرب ما ورد :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ, وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ, دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
شيئان كافيان لإدخال الإنسان جهنم؛ هما لسانه وفرجه، قال عليه الصلاة والسلام:
(( أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ, فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ, قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا, فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ, وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ, أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ, إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ ))
يدخل إنسان النار من اللسان فقط، إذا قال أحدهم لزوج مازحاً: انتبه لبيتك، فظن الزوج أن في أخلاق زوجته خللاً، فطلقها تعسفاً، وشردها، وشرد أولادها، أسرة تدمرت لأن إنساناً تكلم بكلمة ليس متيقناً منها، لهذا ورد في الأثر عن النبي عليه الصلاة والسلام: قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة ، أن تخوض في أعراض المسلمين، أن تفرِّق بين شريكين، بين زوجين، بين أخوين، بين جارين، بين مؤمنين، هل هذا من أخلاق المؤمنين؟ فلذلك:
﴿ (( مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ, وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ, دَخَلَ الْجَنَّةَ )) ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾
والحقيقة: أن طريق حفظ الفرج هو غض البصر، لأن الله عزَّ وجل قدَّم غض البصر على حفظ الفرج, فقال:
﴿
فتقديم غض البصر على حفظ الفرج, دليل أن طريق حفظ الفرج هو غض البصر, والله سبحانه وتعالى, أثنى على المؤمنين بصفةٍ واحدة، أو بصفاتٍ عدة:
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
شهوة أودعها الله في كل إنسان، وفي الأنبياء، وسمح لك بقناةٍ نظيفةٍ هي الزواج، فضمن المسموح أهلاً وسهلاً، والمحرم ممنوع ، إن إبليس طلاعٌ رصاد, وما هو من فخوخه, بأوثق لصيده للأتقياء من النساء ، فالمرأة في يد إبليس أكبر فخ .
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))
وأنا أعتقد على مستوى الشباب؛ أن يؤتى من أكل المال الحرام أبعد من أن يؤتى من النساء، فهناك شيئان نقطتا ضعفٍ في حياة الإنسان؛ هما المال والمرأة، فإذا كنت محصناً من أن تأكل مالاً حراماً، وإن كنت محصناً من أن تفعل ما لا يرضي الله مع امرأة، فقد حفظت دينك، فتسعة أعشار المعاصي من المال والنساء، لذلك: إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب .
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي تَرَكَ شَهْوَتَهُ, وَطَعَامَهُ, وَشَرَابَهُ, ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ))
(( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَة ))
وكل شيء بحسابه، الذي يعف عن النساء قبل الزواج، أول مكافأةٍ له؛ زواج ميمون، زواج موفق، زواج يسعده طوال حياته، ومن شذَّ قبل الزواج, عاقبه الله بزواجٍ شقي, كل شيء في حسابه الدقيق .
ورد في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم, أن أحد أصحابه سأله: يا رسول الله, كيف أحفظ فرجي؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
قصة شاب ملتزم :
شاب له محل صغير في أحد أحياء دمشق، وفي هذا الحي أبنية شاهقة، وأبنية فخمة، وهذه الأبنية فيها أسر غنية، والفتيات داخلات وخارجات من هذه البيوت، هذا الشاب تاقت نفسه للزواج, ولا يجد ما يملك، طلب من أمه أن تخطب له من هذه البيوتات، سخرت أمه منه ، قال لها: ولكني مستقيم، لا أعرف الحرام في حياتي، هو معتز باستقامته، لكنه لا يملك شيئاً ، فلما ألح عليها, ذهبت إلى بعض هذه البيوت, ولم تطلب شيئاً، لكنها ذهبت مداراةً لابنها, كانت تكذب وهو يصدقها، الأم واقعية, مستحيل أن يزوجوا شاباً لا يملك شيئاً، لكن ثقته بالله عزَّ وجل كانت كبيرة .
جاءه رجل من سكَّان هذا الحي, قال له: يا بني أمتزوج أنت؟ قال له: لا والله يا سيدي، قال له: عندي فتاةٌ عمرها أربعة عشر عاماً تناسبك، أرسل أمك إلينا نحن البيت الفلاني، فأرسل أمه, فوجدتها مناسبة جداً، ولكن ليس معه شي .
فلما جاءه مرة ثانية, قال له: والله يا سيدي البنت مناسبة، أما أنا فلا أملك شيئاً، فقال له: هي والبيت لك، أبت نفسه أن يعصي الله، فأكرمه الله عزَّ وجل، فإذا صدقت في طلب الحلال، وعففت عن الحرام، فالله سبحانه وتعالى لا يمكن إلا أن يكرمك، إذا أردت العفاف فحقٌ على الله أن يعينك، من هنا ورد في الأثر قول عليه الصلاة والسلام: ما شكا إليه أحدٌ ضيق ذات يده, إلا قال له: اذهب فتزوج .
أولاً: طاعة الله رأس مالك، فإذا كنت مطيعاً لله عزَّ وجل تولى الله عنك، اسع قليلاً والله يعينك كثيراً، تحرك والله يوفقك، ابحث والله يهديك، اعمل والله يرزقك، الناس يفهمون التوكل أن يقعد في البيت .
(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ, لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ, تَغْدُو خِمَاصًا, وَتَرُوحُ بِطَانًا ))
في حركة، الحركة فيها بركة، اسع واسأل، أجمل حديث:
(( عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ, أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ, فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ, وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ, فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ, فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
الحديث دقيق جداً، أن تقعد بلا سعي لست مؤمناً، تحرك، اسأل، ابحث عن وظيفة، ابحث عن عمل، ابحث عن بيت، ابحث أنت، دبِّر أمرك، والله المدبِّر، وعلى الله الباقي
عود على بدء؛ المحافظة على الصلاة، المحافظة على الوضوء، المحافظة على الأيْمان، المحافظة على الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، هذه بعض الآيات والأحاديث التي وردت في المحافظة، لذلك:
ما معنى يحفظك؟.
حفظ الله لعبده نوعان، النوع الأول: حفظه له في مصالح دنياه؛ كحفظه في بدنه، وحفظه في ولده، أخطار كثيرة في البيت، ماء يغلي يصيب وجه طفل صغير أو فتاة، يسبب شقاء للأسرة .
إذا حفظ لك الله عز وجل أولادك، الطفل سليم معافى، ثقب بوتان، لو كان مفتوحاً, لسبّب ألماً كبيراً للأسرة، عملية قلب مفتوح, تحتاج إلى ثمانمئة ألف، ونجاحها بالمئة ثلاثون، تجعل الأسرة كلها في حنين وحرج، فإذا حفظ لك الله عزَّ وجل صحتك، وصحة زوجتك, وأولادك، هذا شيء عظيم جداً، كحفظه في بدنك، وولدك، وأهلك, ومالك، احفظ الله يحفظك، يحفظ لك بدنك من الأسقام، والأمراض، والأدواء، ويحفظ لك أولادك، ويحفظ لك زوجتك .
فإذا حفظ الإنسان الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وحفظ أمر الله فلم يعصه، وحفظ نهيه فلم يقترفه، وحفظ حدوده فلم يتجاوزها, ألا تحب أن يحفظك الله عزَّ وجل؟ الحفظ في بدنك، وفي أولادك، وفي زوجتك, وفي أهلك، والمال شقيق الروح .
أحياناً مال يصادر، وبيت تدفع ثمنه مالاً كثيراً، ويظهر أنه مضعضع، يصدر أمر بإخلاء البناء، وأنت لا تملك غيره، وبيت يذهب بأبخس الأثمان، لأنه خاضع للتنظيم، تعطى عشرة آلاف ليرة، وثمنه ثمانمئة ألف مثلاً، أحياناً بضاعة تفسد، تلفت في الطريق، البراد تعطل فيه فواكه، وثمنها ملايين، فألقوها في الصحراء، وذهب المال كله، قصص الإفلاسات كبيرة جداً، لأتفه الأسباب .
أحدهم معه بضاعة بسيارة براد، السائق لجهله, دخل قريته، ونام ثلاثة أيام, فأغلق البراد، تلفت كلها على حساب صاحبها، فاحفظ الله يحفظك .
حديث من أروع الأحاديث:
﴿
المؤمن له مكانة رفيعة عند ربه، لذلك يحفظه من بين يديه ومن خلفه, قال تعالى:
(( عِنِ ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي, وَدُنْيَايَ, وَأَهْلِي, وَمَالِي, اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي, وَآمِنْ رَوْعَاتِي, وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ, وَمِنْ خَلْفِي, وَعَنْ يَمِينِي, وَعَنْ شِمَالِي, وَمِنْ فَوْقِي, وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ))
قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي الْخَسْفَ ، أرأيتم التأكيد؟
من القوانين الثابتة: أنه من حفظ الله في صباه, وقوته, حفظه الله في حال كبره, وضعف قوته، ومتعه بسمعه, وبصره، وحوله, وقوته، وعقله .
كان بعض العلماء قد تجاوز المئة، وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدة، فتعجب الحاضرون من قوته! فقال هذا العالم: هذه جوارح, حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً, عاش قوياً .
رأى بعض السلف شيخاً, يسأل الناس, قال: إن هذا ضعيفٌ, ضيع الله في صغره, فضيعه في كبره .
يعني أروع شيء بالحياة شيخوخة مؤمن، تجده متمتعاً بكرامة، بعزة، بمحاكمة جيدة، بعقل كبير، بمكانة اجتماعية، وهو في الثمانين .
التقيت مع أحد العلماء, قال لي: عمري خمسة وثمانون عاما، فقلت له: كيف صحتك؟ فقال لي: والله ممتازة، عندي متاعب، ولكن بهذا السن ممتازة، يأتي من آخر المدينة إلى مركز عمله، يأتي أحياناً ماشياً، وأحياناً راكباً، وهو في الخامسة والثمانين، تنطبق عليه مقولة: حفظناها في الصغر, فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً, عاش قوياً .
عندنا بشارة أبعد من ذلك، عندما قال ربنا:
﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
معنى ذلك: أن المؤمن يحفظ الله له أولاده، قال سعيد بن المسيب لابنه:
الخلاصة :
إن شاء الله في الدرس القادم, نتابع هذا الموضوع، ولكن أبرز ما في هذا الحديث أوله ، اجعل هذا الحديث، أو هذه الفقرة من الحديث شعاراً :
بقي في الدرس القادم الحفظ الأرقى, وهو أن يحفظ لك دينك، واستقامتك، أي يحفظك من الشهوات المردية، من الشبهات المضلة، في حفظ أرقى، فهذا الحديث من جوامع الكلم، ومن أصول الدين .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في درسٍ قادم إلى متابعة شرحه .
و الحمد لله رب العالمين