وضع داكن
29-03-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 050 - ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة - حديث لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ عقد الإمام النووي رحمه الله تعالى باباً في كتابه رياض الصالحين, سماه:

باب ستر عورات المسلمين، والنهي عن إشاعتها، وبدأ فصله وبابه ببعض الآيات الكريمة، وقبل أن أذكر أول آية, لا بد من تمهيد.

في الأصل: الله جل جلاله لا يحاسب الإنسان إلا على عمله، أما خواطره، وتمنياته، وأحلامه, فهذا شيء لا يحاسب عليه الإنسان، وهذا من رحمة الله علينا، أما إذا استرسل الإنسان في خواطره فيما لا يرضي الله, يخشى أن تنقلب هذه الخواطر إلى أعمال، فالأولى للإنسان إذا فكر في معصية، أو فكر في مخالفة، أو فكر في شهوة محرمة, أن يمنع تفكيره، وأن يسد على الشيطان الباب, لئلا ينمو هذا التفكير، و لئلا تشتد هذه الخواطر, فتنقلب إلى عمل، وهذا من رحمة الله بنا.

 

موضعين اثنين في كتاب الله يحاسب المرء على خواطره.


أيها الإخوة؛ لا تحاسب إلا على الأعمال، إلا في موضعين اثنين في كتاب الله:

  الموضع الأول: 

هو أن الإنسان إذا كان في الحرم المكي، وأراد به سوءًا، ولم يفعل شيئاً, يحاسب على إرادته، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)﴾

[ سورة الحج ]

الإرادة فقط، ما فعل شيئاً، ولا تكلم بكلمة، إلا أنه تمنى, أو أراد أن يؤذي الحجاج، أو أن يؤذي الحرم، لحرمة هذا البيت، لأن هذا البيت مهوى أفئدة المسلمين، لأن هذا البيت فيه يعبد الله عز وجل، فيه تنعقد التوبة, فيه يصطلح مع الله، لا بد من توفير جو الأمن له.

وكلكم يعلم: أن الحاج ممنوع أن يقطع نباتًا.

قام واحد إلى جانبي في عرفات بحركة ليس لها معنى إطلاقاً، بحركة لم يفكر بها إطلاقاً، قطع ورقة من شجرة قال لي: ما حكمها؟ قلت له: عليها صدقة.

ممنوع أن تقطع ورقة من نبات، لو أن إنساناً دهس جرادة عليه كفارة، كل جرادة تمرة يتصدق بها، ممنوع تقتل حيواناً، ممنوع أن تقطع نباتاً, ممنوع أن تجادل مسلماً، ممنوع أن تفكر بمقدمات اللقاء مع النساء، قال تعالى:

﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)﴾

[ سورة البقرة ]

وكلكم يعلم محظورات الإحرام؛ ألاّ تقطع نباتاً، وألاّ تقتل حيواناً، والأبلغ من ذلك: أنه ممنوع أن تفكر بالإساءة للحرم، هذا الموطن الأول.

  الموضع الثاني: 

الآية الثانية، وهي محور درسنا، قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)

سورة النور

لا تكلم, ولا نطق، ولا أشار، ولا غمز، ولا لمز، وما فعل شيئاً من هذا القبيل، إلا أنه أراد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

يعني: فرح إذا افتضحت دعوة إلى الله، فرح إذا افتضح إنسان مؤمن، فرح أن تشيع الفاحشة.

لذلك محور هذا الدرس: هو أن المؤمن إذا سمع قصة, قد تكون صحيحة، وقد يتأكد من صحتها، لكنه إذا رواها, ماذا يفعل؟ يضعضع ثقة الناس بالدين.

 

ما الهدف من رواية القصص؟.


أيها الإخوة؛ من يومين زارني شخص, قال لي: عندي مشكلة بالقضاء، تحتاج إلى شاهد، أتينا بالشاهد, قال: عشرة آلاف، لأني ما رأيت، سأشهد بما لم أر، فلما علم أن هناك حلف يمين, قال: أريد عشرين ألفًا، دفع عشرين، ووضع يده على المصحف، وحلف.

طبعاً هذه القصة إذا ذكرناها، تضعضع ثقة الناس بالدين.

قلت له: زارنا شخص من أمريكا قبل أسبوع، سائق تكسي سيارة أجرة، وجد في سيارته, محفظة فيها عشرة آلاف دولار، وفيها ذهب وألماس، وقدمها إلى رئيس الشرطة في واشنطن، مدير الشرطة اتصل بحاكم الولاية، وحاكم الولاية أحب أن يعرف هذه الطبقة الشابة البريئة الذي سوف تكون المستقبل، جمع طلاب الثانويات مع المدرسين، وعرض عليهم هذه المشكلة؛ إنسان وجد في سيارة محفظة، هذا المبلغ، وهذه الأساور، وهذه الحلي، ماذا يفعل؟ المفاجأة كانت أن الجميع بلا تردد وبعفوية أجابوا: بأنه يأخذها، فقال حاكم الولاية: لكن هناك رجل مسلم ردها، ولم يأخذها، الذي حصل أن حاكم الولاية, أقام حفل تكريمي لهذا الإنسان.

أنت تقول: إن إنسان باع دينه بعشرة آلاف، يوجد إنسان خمسمئة ألف لم يأخذ منها قرشاً واحداً.

أحد إخواننا الكرام قال لي: يوجد عامل عندي, وجد في حقيبة ثمانمئة ألف، وردها إلى صاحبها.

هناك قصة ترفع من معنوياتنا، وثمة قصة تهدم من معنوياتنا، فأنت كونك مسلمًا, إذا ذكرت قصة عن مسلم, باع دينه بعشرة آلاف, ماذا تستفيد؛ إلا أنك ضعضعت ثقة المسلمين؟.

أنا مهمتي: أن أقوي الإيمان، مهمتي: أن أقول قصة أرفع المعنويات، مهمتي: أن أقوي الثقة بالدين، فالذي يحب أن تشيع الفاحشة بالمسلمين.

قبل أيام زلت قدم إنسان، ويعمل بالحقل الديني, أكبرت جداً الأسلوب الذي عولجت به هذه المشكلة، أسلوب رائع جداً, ستره ولم يشع هذه الفاحشة بين المسلمين، بقيت أيام عديدة، وأنا أكبر هذا التصرف الحكيم، أولاً: ستره، وثانياً: أعطاه مهلة، وثالثاً: ما أشاع هذه الفاحشة.

فالذي أنا أتمناه عليكم من خلال هذا الدرس: تسمع من القصص الشيء المعقول، والشيء غير المعقول، فلا بد من مقص رقابة، ليس كل شيء يدخل إلى القطر مسموح نشره ، وهذه لحكمة بالغة, هناك قصص منحطة، هناك أفلام فيها انحطاط شديد، يوجد رقابة، يوجد مقالات هدامة, ممنوع نشرها، وأنت أيضاً.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))

[ أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه ]

أن تكون ناقلاً عشوائيًّا، والحقيقة: هناك عدد كبير من القصص لا أصل لها، والسبب أن الكافر, العاصي, الشارد, مختل توازنه، متى يستعيد هذا التوازن؟ إذا كشف فضيحةً لإنسان ينتمي إلى الدين، تموج هذه الأفكار, وهي ليس لها أصل، مستحيل.

الحديث بالأثر:

من أساء الظن بأخيه كأنما أساء الظن بربه

إنسان يحضر دروسًا من ثلاثين سنة، وهو يعرف الحلال والحرام، وتتهمه في أمانته ، معنى هذا أن الدين باطل، كل هذا الوعي والتدريس.

أولاً: أنا أطمئنكم أن قصصاً كثيرةً جداً تلصق بالمؤمنين، وهم منها براء، إلا أن الذي يلصقها بهم يرتاح، يحقق التوازن مع نفسه، لأنه منحرف، إذا أقام إنسان مستقيم عليه الحجة، أما حينما يروج هذه القصص, معنى ذلك: هو لم يكن مخطئاً في انحرافه، لا يوجد أحد على الصواب.

والشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لكم: هو أن الله هو الحق، ولا بد من أن يحق الحق.

 

 الله سبحانه وتعالى يكشف الحقيقة وينصر المظلوم.


البارحة في درس الأحمدية.

قال لي أخ: عندنا موظف, كان عند جدي، ثم عند والدي ، ثم عندي الآن, عمره سبعون سنة.

قال لي: أنا غادرت المحل، وجاء إنسان ليشتري، يبيع سجادًا، اشتروا حاجات، وقال لي: الصندوق نقص خمسمئة ليرة، مشكلة. 

فقال له: الصندوق نقص منه خمسمئة ليرة، ما هي القصة؟. 

قال له: جاء إنسان صرف خمسمئة ليرة، لعلي أنا نسيت أعطيته الخمسمئة من الصندوق، ووضعتها في جيبي, هذه خمسمئة ليرة، وأنا آسف.

بعد دقيقتين يأتي الزبون الذي اشترى السجاد, قال: أنا أخطأت مع هذا الأخ الموظف, له معنا خمسمئة ليرة تفضل.

عندما قال له: الصندوق نقص منه خمسمئة ليرة, لم يتحمل, فغطى الموضوع، وقال: 

لعلي أنا أخطأت، ووضعتها في جيبي، الله عز وجل أرجعه ليظهر الحق حتى كان نقياً .

 

إياك وسوء الظن.


أحد إخواننا رحمه الله توفي، وكان عنده معمل حلويات, قال لي: 

طلبت مئة قالب زبدة ، عدّهم, فوجدهم تسعة وتسعين، اقترب من معطف أحد الصناع, فوجد في جيبه قالب زبدة، الأمر واضح.

فقال لي: ألجمني الله عز وجل، ثاني يوم زرت المعمل, لأدفع له الثمن.

قال له : البارحة بعثت لك مئة قالب، اشترى صانعك واحدًا، أعطن ثمن التسعة والتسعين.

الله هو الحق، فإذا كان الإنسان مظلومًا, ينصره الله، يكشف الحقيقة، ولو بعد حين، لكن إياك أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

أنا أنصح إخواننا الكرام؛ عدّ إلى المليون قبل أن تتهم أخاً مؤمناً، قبل أن تفضح مؤمناً, المؤمن غاليًا على الله، هناك من يلبس مؤمنًا تهمة بغير ما اكتسب، هذا عمل كبير جداً عند الله.

قال تعالى:

﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)﴾

[ سورة النور ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾

[ سورة النور ]

فلذلك أنا أقول لكم الحقيقة: أي شيء تحدث به نفسك, لا تحاسب عليه إلا في حالة الحج، والحالة الثانية في بلدك: إذا رغبت أن تشيع الفاحشة في الذي آمنوا.

سمعت قصة راجعها، تأكد منها، تأكدت من صحتها، ولكن لا يوجد فائدة من الحديث عنها, إلا أن تضعضع الثقة بالدين، ممكن أن تسكت، الله ستّير، فالآية الكريمة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾

[ سورة النور ]


الستر من صفات المؤمنين.


كان عندنا قاض في الشام, من كبار القضاة الأولياء، جاءت امرأة من الريف، صحتها جيدة، يوجد درج، يبدو أنه ظهر منها صوت قبيح، فخجلت خجلاً ليس معقولاً، قالت: سمعنا, وعندما وصلوا إليه قال: ما اسمك يا أختي؟ قالت له: فلانة، فقال لها: ما سمعت, ارفعي صوتك، أنا سمعي ضعيف، رفعت صوتها، قال لها: ما سمعت, ارفعي صوتك أيضاً، فقالت لها: معنى هذا: أنه ما سمعنا.

هذا الأدب، لا تحمروا الوجوه، لا تخجل إنسانًا، إنسان استحى منك, أنت أدر وجهك إلى جهة أخرى، لا تحدق فيه, أخطأت خطأ.

أحياناً: يكون للواحد عمل مثلاً, يحب أن يدخن، شاهدك, فألقاها على الأرض، وداسها بقدمه، أنت أدر وجهك, طالما استحى منك، لا تؤكد، دع ماء وجهه محفوظاً، وهذا من الحكمة، طالما يوجد خجل, فاحفظ له خجله، استحى منك, احفظ له حياءه منك، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)) أحياناً يتكلم إنسان كلمة لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً.

إنسان أخطأ، أنت اتهمته أمام الناس بهذا الاتهام، فحطمته، أنشأت له عقدة، لكن هكذا ورد ببعض الكتب، أنه جيء للنبي بسارق فقالوا: ((هذا سارق، فغضب النبي قال: هلا قلتم رأينا يده في جيب فلان؟)) لعله لم يسرق، اذكر ما رأيت, لا تتهم، الإنسان غال على الله عز وجل، الإنسان لما تعطيه فرصة إلى أن يتوب، ويتوب على يدك.

هناك قصة: الإنسان الذي تزوج زوجة، وبعد مضي خمسة أشهر من زواجه بها, كانت في الشهر التاسع، طبعاً الولد ليس منه، واعترفت له أنها أخطأت، وتابت إلى الله، يقول هذا الرجل: بإمكاني أن أسحقها، يفضحها، يطلقها، ينهيها.

 

التجارة مع الله سبيل دخول الجنّة :


خطيب مسجد جامع الورد، رأى النبي الكريم في المنام, قال له: 

قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة.

وهو الخطيب، وليس له البشارة، خطيب، ومدرس، وخاطف الأضواء كلها، والبشارة ليست له، لجاره السمان.

طرق بابه، وقال له: لك عندي بشارة، والله لن أقولها لك, إلا إذا قلت لي: ماذا فعلت مع ربك؟.

فذكر له القصة، ولما اعترفت، وتابت, جاء بولادة في الليل، ولدت، وحمل الغلام، ودخل إلى المسجد في صلاة الفجر، بعد أن نوى الإمام صلاة الفجر, وضع الغلام وراء الباب ، ولما انتهت الصلاة, بكى الغلام، فحلق المصلون حوله.

جاء هو كإنسان غريب قال ما القصة؟. 

قالوا: انظر هذا الغلام.

قال: أنا سوف أربيه, أعطوني إياه، أخذه ورده إلى أمه.

 

الهدف من هذه القصص.


في هذه الدروس, أبحث عن موضوع, نحن في أمس الحاجة إليه، لاحظت في قصص الآخرين نفرح بها، هذه القصص كلما كثرت سقطات المسلمين, تتضعضع الثقة بهذا الدين، إذا المؤمن هكذا، القصة التي تضعضع ثقة المؤمنين لا تروها، والقصة التي ترفع معنويات المسلمين، يوجد قصص تزكي الحماس فيهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

 

أحاديث تتعلق بالستر:


يروى أن سيدنا عمر, له صديق, ذهب إلى بلاد الشام, وعاقر الخمر, وكفر, فبعث له كتاب لطيف, وقال له: أحمد الله إليك, غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو, إليه المصير، يا رجل تب إلى الله، فقرأ الكتاب, وبكى، وبكى, حتى تاب إلى الله توبةً نصوحاً، فقال: هكذا افعلوا مع أخيكم، كونوا عوناً له على الشيطان، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليه.

لا تكن فضّاحاً، كن ستاراً، الله عز وجل ستار, أنت تتقرب إليه بالستر، الله عز وجل غفار, فتقرب له بالمغفرة، اغفر للناس، خذ العفو، خذ, لا أحد يعطي طعامًا متفسخًا، تقدم له قطعة حلويات، تقدم له هدية ثمينة، تقدم له قطعة ألماس، قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) شيء ثمين، وكلما ارتقيت تسمو عن أن تنتقم، تسمو عن أن تفضح, تسمو عن أن تشيع هذا الخبر والعياذ بالله، تسمع قصصًا تنتقل من إنسان إلى إنسان، وكلها تزعزع الثقة بين المؤمنين، فأنت كن عامل بناء لا عامل هدم، يوجد كلمة تهدم, ويوجد كلمة تبني.

  الحديث الأول:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ أخرجه مسلم ]

والمؤمن مربي, والذين حوله قد يخطئون، قد يتجاوزون، أعط فرصة للتوبة، يوجد شخص إذا بطش بَطش جباراً.

قال لي رجل: مؤسسة حركتها بمئات الملايين, شيء لا يذكر, أعطه فرصة للتوبة, وخبر عنه الأمن الجنائي, وفُضح، وتعذب، قال لك: لا أعيدها، أعطه فرصة, استر.

هذا الذي أتمناه, أنك سمعت قصة: لا تكن ناقل أمين, هنا الأمانة غلط، اعمل مراقبة، هذه القصة إذا رويتها, لا ينتفع بها أحد، بل يتأذى بها المسلمون، اخزن ولا تروها، ليس كل شيء سمعته يلقى.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))

[ أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه ]

لا بد من مراقبة, لذلك: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) حينما تستر أخاك, يسترك الله يوم القيامة، فما حساب هذا الذي يفضح نفسه, هذه أقبح.

 الحديث الثاني: 

(( عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى, إِلا الْمُجَاهِرِينَ, وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ, أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً, ثُمَّ يُصْبِحَ, وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ, فَيَقُولَ: يَا فُلانُ, عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا, وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ, وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

مرة كنا في نزهة, أخ قال: أنا كنت أفعل كذا قبل أن أتوب، كبائر كلها, قلت له: ليس لك مصلحة أن تتكلم هذا الكلام، طالما أنك تبت إلى الله، وأقلعت عن شرب الخمر، لمَ تفضح نفسك أمام الحاضرين؟ هل أنت تتباهى, لأن الحاضرين لا يعرفون عنك شيئاً؟ قال: لأظهر فضل الله علي, قلت له: هذا خطأ، لا يجوز أن تتكلم عن جاهليتك، الله عز جل تفضل عليك بالستر الجميل, فاقبل ستر الله عز وجل.

نحن في الإسلام, لا يوجد عندنا اعتراف للشيخ أبداً، نحن عندنا قبول بستر الله عز وجل، الله سترك, فاقبل ستر الله، واسكت عن كل شيء, حصل قبل ذلك، والعبد لا يغفر.

قال لي شخص: أسر له شخص عن فاحشة فعلها بالجاهلية، قال لي: مضى على هذه القصة عشرين سنة, كلما أراه, أذكر فاحشته.

الإنسان لا يستر، الله عز وجل ستار، إذا رجع العبد إلى الله، إذا تاب العبد توبةً نصوحة, أنسى الله حافظيه، والملائكة، وبقاع الأرض كلها, خطاياه وذنوبه، هذا ستر الله عز وجل.

عندنا الآن نقطتان: 

1- ممنوع أن تتكلم كلمة عما قبل توبتك ، لا قصة، ولا عملنا، ولا سافرنا، ولا دخلنا إلى محل معين، ولا ارتكبنا، ولا شربنا، لا تتكلم كلمة عن الماضي, هذا ستر الله عز وجل فاقبله. 

2- وإذا سمعت قصة عن المؤمن لا تليق, لا تذكرها.

بالمناسبة: الإمام النووي في كتابه أيضاً بين استنباطاً من أحكام الفقه: 

أن هناك ست حالات, أنك يمكن أن تقول شيئاً سيئاً.

قال تعالى:

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148)﴾

[ سورة النساء  ]

1- في القضاء.

فإذا رفعت أمرك إلى قاض، وقال لك: ماذا فعلت يا بني؟ تقول: لا أستطيع أن أتكلم يا سيدي، لكي لا أغتابه، قال لك: اذهب، لا بد من أن تعرض قضيتك على القاضي، فهنا رخصة عند القاضي. 

2- الرخصة الثانية.

إذا أيقنت أن هذا الإنسان قوي، وبإمكانه أن يزيل هذا المنكر، هذا البيت فيه دعارة، وتعرف شخصًا يغار على الدين، وهو قوي، تقول له: فلان له بيت دعارة, من أجل أن تزيل المنكر. 

3- الحالة الثالثة.

في الفتوى، تستفتي، إذا لم تتكلم بالحادثة، لأن الفتوى على قدر الوصف ، لكن ثمة ترتيب بالفتوى.

قل لي: صديق صار معه كذا، كلفني أن أسألك، فيها ذكاء، وفيها حكمة، إذا كانت القضية مزعجة، وفيها فضيحة، وأنت مضطر, أن تبحث عن حكمها الشرعي, تقول: لي صديق, جرى معه ما جرى، وكلفني أن أسألك، قد يكون فعلاً، وقد يكون معك, صارت هذه الحادثة. 

4- موطن النصيحة.

موضوع زواج، هنا لو طلب ابنتك تعطيه، طبعاً أعطية, وأنت لا تفعل ذلك.

في موضوع الشراكة؛ شراء بيت، البيت فيه مشكلة, في أمر بإخلائه، معروض على الدلال، وتعرف أناسًا, همهم أن يبيعوا، والبيت خمسة طوابق، يصعد المشتري، ويهلك من التعب، ماذا يفعل الدلال؟ عند كل طابق يتكلم، له قصة، لا يشعر على نفسه المشتري، هو خبير في هذه المسألة، كلمه قصة ممتعة، الطابق الثاني قصة ثانية، الطابق الثالث وهكذا، وعندما يصل إلى الخامس يقول له: انظر إلى هذه المناظر الجميلة، ودلال ثان صلى العشاء باتجاه الشمال, حتى أقنعه أن هذه قبلة، يوجد أساليب كثيرة.

فأنت بحاجة إلى نصيحة في شراء بيت، في زواج، يجب أن تنصح، إلا أنه يوجد نقطة مهمة جداً جداً، وأنا أعيدها، وأكاد أن أقول: جريمة, أن أعطي ابنتي إلى فلان، فقال له : لا تعطه، ولما جاؤوا إليه ليرد الجواب, يقولون: قال فلان: إنك ليس بجيد.

لي أخ يعمل بالمالية، قال لي: جاءت شكوى على إنسان, أن عنده مستودعات، وعنده بضائع، أغلقنا الموضوع، شكوى ثانية، أغلقنا الموضوع، شكوى ثالثة، أغلقنا الموضوع، شكوى للوزير، هل هذا معقول؟ وراء الموضوع, شخص يجب أن يحطم هذا الشخص, إلى درجة, يريد أن يسحقه سحقًا، فكان هذا الموضوع: أن هذا الرجل, سأل عنه أشخاصًا, نصحوهم ألاّ يزوجوه، وبلغه من قال لهم .

 أنا قلت كلمة: تكاد تكون جريمة, إذا سألك إنسان، واستنصحك في موضوع زواج، أنت سألت، وأخذت جوابًا، وانتهى الأمر، أما أنا أقول: من الذي بلغني, فلا.

(( عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ, فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَذَا يُبَلِّغُ الأمَرَاءَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ, قَالَ سُفْيَانُ: وَالْقَتَّاتُ النَّمَّامُ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

من أكبر الكبائر: إذا استنصحك رجل, أن تبلغ الشخص, ماذا قال عنه فلان؟ هذه قضية المالية, كان السبب أن هناك سؤالاً عن زواج، والمسؤول نصح، والسائل بلغ الشخص أن فلانًا, قال عنك كذا، وصارت القضية كيدًا. 

5- في التعريف.

من قال هذه الأبيات؟ من قال هذا النص؟ الجاحظ، الجاحظ عيونه جاحظة، أما لأن اسمه جاحظ, لم تعد غيبة، من قال هذه الأبيات؟ الأعمش، الأعمش يعني بصره ضعيف، التعريف.

وأضافوا أن تذكر مبتدعاً: رجل مبتدع, يأتي بأفكار ليست من الدين، رأيت كتابًا فيه شبهات، وأنت فندت هذا الكتاب، إذا طرح عقيدة زائغة، طرح تفسيراً لآيات غير صحيح، فهذا الذي مسموح به. 

6- المجاهر بالمعصية، الفاسق فاجر.

وأناس كثيرون يفعلون هذا، يرتكب الزنا، ويقول، ويشجع الناس على الزنا، ويشجع الناس على المنكرات، يشرب الخمر ويقول، فإذا جاهر إنسان بالمعصية, فلا غيبة له.

هذه الرخص التي يمكن أن تعد رخص بالغيبة التي نهانا الله عنها. 

  

متى يعفو الإنسان عن المخطئ ومتى لا يعفو؟.


وفيما رواه الإمام البخاري: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ, قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ, وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ, وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ, فَلَمَّا انْصَرَفَ, قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لا تَقُولُوا هَكَذَا, لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ))

لا للضغط الكثير، دع للصلح مكانًا، أخطأ إنسان, فلا تسحقه حتى العظم، أعطه فرصة يتوب.

لذلك عندنا قاعدة: سألني أخ من يومين, أنه دخل إلى بيتي لص، وبإمكاني أن أسقط حقي، وبإمكاني أن أطالب بحقي، فتتضاعف العقوبة، فماذا تأمرني أن أفعل؟ فقلت له القاعدة، قال تعالى:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) ﴾

[ سورة الشورى ]

هذا عائد إليك، إذا غلب على ظنك, أن عفوك عنه يصلحه, فيجب أن تعفو عنه، وإذا غلب على يقينك, أن عفوك عنه يزيده إجراماً, فيجب ألاّ تعفو عنه، أنت بريء من الحقد، بريء من الانتقام، لكن المصلحة، مصلحة المسلمين.

شاب أرعن, طائش, وقح, دهس بنتًا، لو عفونا عنه, سوف يستمر في غيه، لا نعفو عنه، أما إنسان يقود مركبة، ويسير على سرعة ثلاثين، قفز طفل أمامه, ومات، الرجل بريء ، إذا عفوت عنه, ترفع ثقته بالمسلمين.

إذا كان القانون معك، والحادثة بسيارته، لكنه كان يسير في سرعة معقولة، وبشكل أصولي، والطفل جاء أمامه، ومات الطفل، ولم يتمكن من أن يوقف السيارة، إذا كان عفوك عنه, يقربه من الله, فيجب أن تعفو عنه.

 

سؤال من ورائه حكمة.


أنا أسأل هذا السؤال كثيراً في موضوع الصدقات: له قريب لا يصلي, نعطيه جزءاً من زكاتنا.

أقول لهم: إذا أعطيته، وقربته من الله, أعطه، وقليل دين، وغير ملتزم, جاء رجل دين أكرمه.

يقولون: شخص كان يشرب الخمر، وكان طريح الأرض، ويلفظ اسم الله عز وجل من فم نجس، مر الإمام مالك بن دينار، وهو من كبار العلماء, فغسل فمه بيده، فلما استيقظ قيل له: أتدري من غسل فمك؟ قال: لا، قالوا: الإمام مالك، من شدة خجله, تاب إلى الله.

 يقولون: وهذه قصة رمزية.

أنه سمع الإمام مالك في المنام صوتاً من السماء, يقول له : يا مالك, طهرت فمه من أجلنا, فطهرنا قلبه من أجلك.

فجاء إلى المسجد صباحاً, رأى رجل يصلي، ويبكي، قال له الإمام مالك: من أنت يرحمك الله؟ فقال له: الذي هداني أخبرك بحالي.

إذا أنت رأيت شخصاً منحرفاً، واحتويته، وعطفت عليه, فلك أجر كبير.

أبو حنيفة النعمان, كان له جار مغنٍّ، لا يريحه، ولا يدعه ينام الليل، وهو يغني، ويقول:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا.

فلما سجن, ذهب, وتوسط له لدى مدير الشرطة وقتها، فأطلق سراحه إكراماً لأبي حنيفة، وفي الطريق قال له: يا فتى, هل أضعناك كما كنت تقول؟ فتاب على يده.

الإنسان العاصي محطم نفسياً، إذا رأى مؤمناً احتواه، وأحاطه برعايته, يذيبه خجلاً، وإذا ضغطت عليه زيادة, تكفره، قد يسب الدين، الأمر يحتاج إلى حكمة، فقَال: ((لا تَقُولُوا هَكَذَا, لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ)) .

 

الخلاصة:

أنا أتمنى أن تكون محاور هذا الدرس واضحة: 

أول محور:

إياك أن تنقل قصة تشيع بها الفاحشة بين المؤمنين، أولاً إن لم تكن متأكداً منها, تأكدت منها صحيحة، هل هناك جدوى من ذكرها؟ لا يوجد جدوى, تسكت ستراً لسمعة المسلمين، ستراً لحالهم. 

ثاني محور:

أما الذي ارتكب بعض المعاصي في الجاهلية, فممنوع أشد المنع, أن يذكر منها شيئاً إطلاقاً، ستره الله عز وجل, احتواه, فقبل ستره. 

ثالث محور:

في الغيبة المباحة، في النصيحة, إذا استنصحك إنسان، ونقلت.

أيها الإخوة؛ في هذا المسجد مع الأسف، ومعي صارت، واحد استنصحني بشراكة، والشخص صعب جداً، فنصحته فبلغه، تصبح لا تستطيع أن تنصح، تقول له: اسأل غيري.

أنا متأكد, أن هذا الإنسان صعب جداً، وذمته قليلة، بلغه، فقال له: سألت الأستاذ, فقال عنك: إنك لست جيداً.

أنت قطعته عني وانتهى، الإنسان يدع هذا الذي يدرس, آخر ورقة بيد الشخص، وهي تسمى أوراق رابحة، هكذا يسمونها، أنا أتكلم كلامًا من حرقة، وأتمنى إذا أردت أن تنقل نصيحة إنسان لصاحب الموضوع, فأنت ارتكبت جريمة، قطعت الخير، وتنشأ عداوات لا تنتهي، آلاف العداوات بين الأسر, سببها نصحه، ونقل النصيحة لصاحبها، وهو يظن أنه لم يعمل شيئاً.

قل له: الموضوع صرفنا عنه نظر، قدم لك نصيحة ثمينة جداً، هذه أشياء أنا أحاول بفضل الله, أن أضع يدي على جراحات المؤمنين، هذه الأشياء يقع بها المسلمون، المسلمون مجتمعاتهم ممزقة، عداوات ضمن الأسرة الواحدة، فإذا اتقينا أن نشيع الفاحشة في الذين آمنوا لاستنصحنا بعضنا، ولم ننقل إلى الشخص صاحب الموضوع تتماسك الأمة، وفي تماسكها نقوى على أعدائنا.

أنا سوف أنقل لكم قصة: أحياناً شركة إذا خلافات داخلية تنتهي، الآن أعضاء هذه الشركة, يضعفون عن مواجهة متاعب التجارة، أمّا إذا كان فيها تماسك داخلي, من السهل أن تنحل كل مشاكل الشركة، فلما يكون المسلمون بأسهم بينهم, فهذه مشكلة كبيرة جداً، طاقاتنا، جهودنا, كلها داخلية، وبالريف أيضاً: يوجد مثل هذه المشكلات، عداوات، وثأر، كلها من الغيبة.

رجل قال لي: عندنا لقاء أسبوعي، قلت له: شيء جميل، نخبة من المثقفين، قال لي: أستاذ, ماذا تظن عمر هذه السهرة؟ قلت له: لا أعرف، قال: سبع عشر سنة، لم نغب أسبوعًا، قال: مرة سألنا بعضنا, ما سر هذه السهرة؟ قالوا كلمتين: لا يوجد فيها اختلاط، ولا غيبة، إذا ألغيت الغيبة والاختلاط تستمر، صار غيبة, صار عداوات, صار في امرأة، نظرت إليه، لا, لم أنظر إليه، انتهى الأمر.

فالغيبة تفتت المجتمع تفتيتاً، إذا استنصحك إنسان, فلا تنقل نصيحته إلى صاحب العلاقة، اعتذر بشكل أو بآخر.

إذا أكرمك الله عز وجل بالتوبة, فإياك أن تفضح نفسك، إياك، ثم إياك، ونحن لا يوجد عندنا في الإسلام اعتراف، سترك الله, فاقبل ستره فقط، ومن أكبر الكبائر أن يسترك الله عز وجل, وأن تفضح نفسك.

هذا الباب الذي عقده الإمام النووي في رياض الصالحين, وسماه: باب ستر عورات المسلمين، والنهي عن إشاعتها لغير الضرورة, وبدأه بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) طبعاً هذه الآية: جاءت في سورة النور.

السيدة عائشة قيل عنها: إنها زنت، وهي زوجة رسول الله, والمؤمنون ضعاف الإيمان، روجوا هذه القصة, والمؤمنون الكبار قالوا: هذا بهتان عظيم، ظنوا بأنفسهم خيراً.

أيها الإخوة؛ مئات المرات, أسمع قصة عن إنسان, له دعوة، له أخوان, أقول: مستحيل، هذه القصة باطلة، لا أقبلها، أحسن الظن بأخوانك، نقبل أي قصة بلا تحقق، بلا دليل ، بلا تحقق، فكرنا أن نشوه سمعة فلان، لا تقبل أي قصة، بنص هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) تندم أشد الندم.

هذه محاور الدرس: قبول ستر الله عز وجل، لا تذكر قصة إلا بعد المناقشة, يوجد فائدة منها، ترفع المعنويات أم تهبط بها.

قال لي: من دون يمين بعشرة آلاف مع يمين بعشرين.

أنا ذكرت له ثلاث قصص: رجل ثمانمئة ألف أرجعها، والثاني بأمريكا عملوا له حفل تكريم، وآخر كتب لي, ورقة لا أعلمه, أعتز بها.

قال لي: حضرت درس الاثنين، درس الأمانة، وأعدت إلى الورثة عشرين مليون ليرة ، لا يعلمون عنها شيئاً، ولا وثيقة, ولا شهادة، أخذتها من والدهم، ومات بحادث.

إذا ذكرت قصة, تريد أن تضعضع معنويات المسلمين, فأنت ممن يحب أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا، وأذكر قصة أخرى, أرفع بها معنويات المسلمين، وقصة لا تعرف أولها لا تتكلم بها.

كنت مرة عند أحد أقربائي بالعيد، يوجد أمامنا بناء، فقال لي: ترى هذا البناء ثلاثة طوابق، صاحبه تزوج امرأة شابة، بعدما توفيت زوجته، والشابة ببالها أمواله، تحببت إليه حتى كتب لها البناء كله، وبعد أن طوب لها البناء طردته، وهي تحب واحدًا غيره، إنسان بقي بلا بيت.

قلت له: هذه القصة آخر فصل، نريد الفصل الأول، وقلت له: هذه القصة ليست مضبوطة، والشخص هو ابن عمي، فقال لي: نعم, هذا كان أخًا أكبر، ومات أبوه، وأخذ المال كله له من أربع أخوات، الآن هذه القصة مضبوطة، أما من دون هذا الفصل الأول, فمن الصعب أن أصدقها بكل هذه البساطة, إلا أن يكون مغتصبًا لهذا المال.

إذا كنت لا تعرف كل فصول القصة, فلا تروها، تعرف كل فصولها اروها، لأنك إذا رويت آخر فصل, تنشأ مشكلة وظلم.

إنسان فقد كل ماله بلا سبب، وهذا الذي أتمناه: أن كلامك محاسب عليه.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالا، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالا، يهوي بها في جهنم ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ومالك ]

ويجب أن تعد كلامك من عملك، أما أن أتكلم من دون شروط، إذا رويت قصة, وليس متمكن منها, تفضل وصلّ، الصلاة مقياس، استقامتك علامتها: إقبالك في الصلاة، إذا كنت محجوباً في الصلاة, معنى هذا أنك محجوب.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور