- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (010)سورة يونس
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تذكير بما سبق :
بدأنا في الدرس الماضي تفسير سورة يونس ، وقلنا في قوله تعالى : ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ﴾ أي كيف يعجب الناس أن يرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً يبين لعباده طريق سعادتهم ، من عَجِب هذا العجب فكأنه ينكر رحمة الله سبحانه وتعالى ، مَن عجب ذلك العجب فكأنما ينكر أن لخلق الله سبحانه وتعالى هدفاً سامياً ، خلق الخلق ليسعدهم ، خلقهم ليعرفوه ، خلقهم ليتجلَّى عليهم ، خلقهم ليسعدوا سعادةً أبدية ، فإذا تاهوا عنها ، وحادوا عنها ، لابدَّ من أن يرسل إليهم رسولاً ، أيعجبون ؟! أما أن يكون الرسول ملكاً فهذا شيءٌ غير واقعي ، لا يستجيب له أحد ، لا يصدقه أحد ، لا يأخذ بكلامه أحد ، لأن الحجة الكبرى أنت ملك ونحن بشر ، الذي تقوله لا نستطيع تطبيقه لأنك لست مثلنا ، لكن الله سبحانه وتعالى أرسل رسولاً منهم ، رجلاً منهم ، ولو كان هذا الرجل من غير قبيلتهم ، من بلدٍ بعيد لشكوا به ، وظنوا فيه الظنون ، رجلٌ نشأ بين أظهرهم يعرفون صدقه ، ونسبه ، وأمانته ، وعفافه ، ويعرفون طهارته ، وهو إنسانٌ يحس بما يحسون ، ويغضب لما يغضبون ، يدعوهم لعبادة الله سبحانه وتعالى ، أتعجبون ؟!
في القرآن الكريم إنذار وبشارة :
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾
الرحيم ، العليم ، الغني ، القدير يقول لك : انتبه وراءك يومٌ عسير .
﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
ساعة اللقاء ، ساعة نهاية الحياة ، ساعة كشف الغطاء ، ساعة رؤية الحقيقة .
﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)﴾
من علامات العقل الاستجابة للقرآن في دعوته للحياة الحقيقية :
﴿
أنت الآن مدعوٌ للحياة ، قد تقول : ألست حياً ؟ نقول لك : لا ، جسمك حي ، حياتك حياة جَسَد ، حياة دمٍ ولحم ، حياة شرايين وأوردة ، لكن القلب له حياة ، حياته بمعرفة الله سبحانه وتعالى ، حياته بالإقبال عليه ، حياته بالاستنارة بنوره ، حياته بالتقرُّب إليه ، حياته بالاستهداء بهديه ، حياته بالالتجاء إليه ، حياته بالاعتصام بكتابه ، هذه الحياة ، لذلك ربنا عزَّ وجل قال :
﴿
ميت ، قد يكون في أوج حياته وهو ميت ، قد تنبض شرايينه حيويةً ونشاطاً وهو ميت ، والموت موتان ، موت الجسد وموت النفس ، فالله سبحانه وتعالى يدعونا لما يحيينا ، أي هذا الأمر مهم جداً ، هذا الأمر لو أخذتموه مأخذ الجِد لما نمتم الليل
ويقول عليه الصلاة والسلام ، وهذا مقصد الشاهد :
(( إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ))
أي إذا أمر خطير جداً ، إذا إنسان عنده امتحان للصف الأخير ، صف التخرج ، وهو معلّق على تخرجه آمالاً كبيرة ، وهو يمشي في الطريق ماذا يرى ؟ أنا أقول : لا يرى شيئاً ، لشدة اهتمامه بالامتحان لا يرى شيئاً ، فلان رآه ، علان ، الطريق الفلاني ، الواجهة الفلانية ، المحل الفلاني ، لا يرى شيئاً ، في شغلٍ عما حوله ، ولو عرف الإنسان ربه حق المعرفة لكان في شغلٍ عما سوى الله .
محاسبة الله عز وجل لكل إنسان :
لذلك :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. ))
مشغول ، له هدف كبير ، فرصةٌ قصيرٌة بسعادةٍ أبدية ، كل دقيقة محاسبٌ عليها ، حتى أهل الجنة لا يندمون دخلوا الجنة وسعدوا بها إلا على شيءٍ واحد ؛ على ساعةٍ مرت لم يذكروا الله فيها .
الأمر خطير ، هذا الكلام كلام الله سبحانه وتعالى ، إلهٌ ينذر ، ربنا عزَّ وجل يقول:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ
من منا يقبل أن يُعْطَى مالاً وفيراً ليتمتع به سنتين أو ثلاثاً أو خمساً ، كيفما شاء ، في أي بلدٍ شاء ، في أي فندقٍ شاء ، في أي مقصفٍ شاء ، في أي طريقةٍ شاء ، ثم يعذَّب عذاباً أليماً لم يعذب مثله أحد ، لأسبوعٍ واحد لا يرضى ، ليومٍ واحد لا يرضى ، لساعةٍ واحدة لا يرضى ، فكيف ترضى أن تعيش حياةً قصيرة وراءها عذابٌ أبدي
(( عن جابر بن عبد الله وسهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أتاني جبريل ، فقال : يا محمد !عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به . ))
كل عمل عند الله له ثمن ، إن لكل سيئةٍ عقاباً ، ولكل حسنةٍ ثواباً ، في الدنيا والآخرة ، اعمل ما شئت ، تحب أن تصدُق اصدق ، تحب أن تكذب اكذب ، للصدق ثمن ، وللكذب ثمن ، تحب أن تغش الناس غشهم ، تحب ألا تغشهم لا تغشهم ، وللغش ثمن ، وللإخلاص ثمن ، تحب أن تغض البصر غضه ، تحب ألا تغض لا تغض ، ولإطلاق البصر ثمن ، ولغض البصر ثمن في الدنيا والآخرة ، اعملوا ما شئتم ، الله سبحانه وتعالى يحاسب ، بل إن الطاعة ينطوي فيها نتائجها ، وإن المعصية ينطوي فيها نتائجها ، لو وضعت إصبعك على مدفأة وهي مشتعلة من يحاسبك ؟ هي تحاسبك ، وضع إصبعك عليها يحرقه ، وكذلك المعاصي ، كل معصيةٍ لها نتائج وَخِيمة ، فإن لم تحب أحداً ، إن أحببت نفسك ، إن كنت مفرطاً في أنانيتك أطع الله سبحانه وتعالى ، إذا أطعته تسعد في دنياك وآخرتك ، هذه على كلمة :
الأخذ بآيات الله والاستقامة على أمره :
من منا إذا جاءه إنذار من دائرة الهاتف : إن لم تدفع خلال عشرة أيام يلغى الاشتراك ، وتعرف أن تأمين هاتف شيء صعب جداً ، من منا لا يبادر فوراً ؟ هذه إنذار من إنسان ، لانقطاع الهاتف فقط ، تبادر ، تأخذ إجازة ، تلغي عملاً مهمًّا لدفع الاشتراك ، إذا تلقيت إنذاراً من مؤسسة الهاتف ينذرك بالدفع أو يقطع الهاتف ، ماذا تعمل ؟ لماذا أنت تتعامل مع الناس بتفهُّم وصدق ، وتقرأ كتاب الله صباحاً ومساءً ، أو يتلى على مسامعك ، ولا تأخذ بآياته وتقول : سَيُغْفَرُ لنا ، كما قال اليهود ؟
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ
من قال لك ذلك ؟
هذه أربعة شروط ، هل تبت توبةً نصوحاً ؟ وهل آمنت بالله حق الإيمان ؟ وهل عملت صالحاً ؟ وهل اهتديت إليه ؟ إن كنت كذلك فأبشر بالمغفرة ، هذه المغفرة .
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)﴾
الحد الأدنى تعامَلْ مع الله سبحانه وتعالى كما تتعامل مع إنسان يعطيك إنذاراً فتنفذ فوراً ،
رجل كانت هوايته أن يتنزَّه في الطرقات ، ويطلق بصره بالحرام فأصيب بمرض اسمه : ارتخاء الجفون ، لا يستطيع أن يرى إلا إذا فتح جفنه بيده ، إن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عقاباً ، لا تحب أحداً ، أحبَّ نفسك ، فإذا أحببتها تستقم على أمر الله ، أدِّ زكاة مالك ، ادفع للناس حقوقها ، لا تبخس الناس أشياءهم ، لا تَبنِ غناك على فقر الناس ، ولا على حرمانهم حقوقهم ، لا تبنِ صحتك على مرضهم ، ولا مجدك على أنقاضهم ، لا تبنِ شيئاً على حساب شيء
بطولة الإنسان أن يكون مؤمناً :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إزارِهِ ؛ فإنَّه لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عليه ، ثُمَّ يقولُ : باسْمِكَ رَبِّ، وضَعْتُ جَنْبِي، وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها ، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عِبادَكَ الصَّالِحِينَ. ))
معنى ذلك أن هناك موتين ، موت النوم وموت الموت ..
﴿
وفاة كاملة ، فالإنسان إذا وضع رأسه على الوسادة إما أن يستيقظ ، وإما ألا يستيقظ ، إما أن يستيقظ وإما أن يستيقظ الناس على نعوته .
أعرف رجلاً نام الساعة الحادية عشرة ، يبدو أن زوجته في الساعة الواحدة لمست يده فرأتها باردة فاستيقظت مذعورة ، فإذا هو ميت ، البطولة أن تعُد لساعةٍ نسيها الناس ، غاب عنها ، في غفلةٍ عنها ، ساهون لاهون .
﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾
المنافسة في ميدان الخير :
﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ﴾
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ
هنا التنافس ، هنا التنافس الشريف ، شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس ، أي لا يوجد شيء في الدنيا أعظم من أن يكون لك عند الله مقام .
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)﴾
الله سبحانه وتعالى يقيس عباده جميعاً بمقياسٍ واحد :
يجب أن تعرف مقامك عند الله ، إذا أردت أن تعرف ما لَكَ عند الله فانظر ما لله عندك ، هل تقف عند الحرام ؟ هل تبادر إلى المأمورات ؟ هل تدع المنهيَّات ؟ هذا مقام الله عندك ، فإذا ترك الإنسان أوامر الدين لسببٍ تافه ، معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى لا شأن له عنده ، كلمة لا أستطيع ، ليس عندي وقت ، لا أريد ، هذه كلمات لا يقولها المؤمن ، المؤمن ذو همةٍ عالية ، فلذلك :
(( عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
و :
(( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
المقياس واحد ، الناس ابتدعوا مقاييس كثيرة ، لكن الله سبحانه وتعالى يقيس عباده جميعاً بمقياسٍ واحد .
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجلٌ : يا رَسولَ اللهِ ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها ، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها ؟ قال : هيَ في النَّارِ ، قال: يا رَسولَ اللهِ ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها ؟ قال : هيَ في الجنَّةِ. ))
من ولي الله ؟ أهو الذي يطير في الهواء ؟ قال : لا - الجنيد - أهو الذي يمشي على وجه الماء ؟ قال : لا ، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام " .
أحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعاً
***
التقيُّد التام بالشرع علامة الإيمان .
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) ﴾
إذا كانت هذه حالة النبي فكيف نحن ؟
﴿
اتباع الهوى علامة عدم الاستجابة :
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) ﴾
هو نفسه .
﴿
علامة عدم الاستجابة اتباع الهوى ، اتباع الهوى يحمل صاحبه على ألا يستجيب.
من عرف الله عرف كل شيء :
هل يمكن أن ندركه بحواسنا ؟ الجواب : لا ، لا تدركه الأبصار ، أي يستحيل على حواسنا جميعها أن تعرفه ، بقي طريقٌ واحد ، لا يمكن أن تعرفه إلا من خلال آياته ..
﴿
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
طريق وحيد ، لما ربُّنا عزَّ وجل بيّن قصة سيدنا إبراهيم :
﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) ﴾
الآية معروفة ، والقصة معروفة ، إلى أن قال :
﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) ﴾
ربنا عزَّ وجل أطلعنا على أن طريق الإيمان هو التأمُّل في آيات الكون ، ضع فرضية وأثبتها ، لم تثبت دعها ، ضع فرضية أخرى إلى أن تهتدي إلى الحقيقة ، هذا هو الطريق الوحيد ، لذلك ربنا عزَّ وجل في أعقاِب هذه القصة قال :
﴿
هذا هو الهدى ، بهذه الطريقة التي اتبعها إبراهيم تهتدي وإلا فلا ، ثم قال بعد ذلك:
﴿
يجب أن تجعل طريقتهم في الهداية قدوة لك ، وفي أعقاب ذلك قال :
﴿
إلا إذا سلكوا الطريق الذي رسمه الله سبحانه وتعالى ، أي لو أن الإنسان قرأ كتب طب وحده في البيت ، لو قرأ مجلات طبية ، لو ارتدى ثوباً أبيض ، لو فعل ما فعل ، لا يكون طبيباً إلا إذا دخل كلية الطب ، الطريق إلى الله سبحانه وتعالى وحيد .
﴿
لذلك :
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا
أي يوجد أربعة فصول.
من يعصي الله لا يعرفه :
إذاً :
الحقيقة أن الذي يعصي الله لا يعرفه ، لذلك قالوا :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ
بقدر ما تكون عالماً بقدر ما تكون خاشعاً ، حجم خشوعك بحجم علمك ، حجم خشيتك بحجم معرفتك ، لذلك : لا يعصي الله إلا جاهل .
الله تعالى مدبر كل شيء :
(( عن صهيب بن سنان الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ. ))
كلمة
لا يقع شيء في ملك الله إلا بأمره :
﴿
العقرب يلدغ ، لا تستطيع العقرب أن يلدغ مخلوقاً ما إلا بأمر الله ، النار تُحْرِق ، لا تستطيع النار أن تحرق شيئاً ما إلا بأمر الله .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ(55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56) ﴾
أيّ إنسان تخافه شرير بيد الله عزَّ وجل ، بملك الله .
﴿
هذا إيمان ، إذا كنت في مستوى هذه الآية لا تحزن على شيء ، سيدنا الصديق لم يندم على شيءٍ فاته من الدنيا .
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
أي هذا أساس الإيمان ، لا يستطيع إنسانٌ ما مهما كبر شأنه ، مهما كان قوياً ، مهما كان جباراً ، لا يستطيع إنسانٌ ما أن يصل إليك إلا بإذن الله ، كن مع الله ترَ الله معك ..
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإن منحنا بالرضا من أحبنــا
ولُذ بحمانا واحتمِ بجنابــنــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
***
ما مِن حالة أجمل من أن يكون المؤمن لائذاً بحماية الله ، قل هذه الكلمات في السجود : يا رب ليس لي إلا أنت ، لا تتكل على شيء ، لا على علمك ، ولا على مالك ، ولا على شأنك ، من اتكل على شيءٍ وكله الله إليه ، هو شرك ، إما أن تشرك نفسك مع الله ، وإما أن تشرك مخلوقاً آخر مع الله ، وفي كلتا الحالتين لابدَّ من أن يؤدِّبك الله سبحانه وتعالى ، طالب متفوق بالهندسة ومقصِّر بالجبر ، قال له : يا رب الهندسة عليّ ، لكن الجبر عليك ، أنا ضعيف بالجبر ، دخل على الامتحان أخذ بالهندسة صفراً ، في العام القادم قال : يا رب الهندسة والجبر عليك ، من اتكل على شيءٍ أوكله الله إياه .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) ﴾
التوحيد ألا ترى مع الله أحداً :
﴿
لا إله غيره ، هذا هو التوحيد ، تجد الإنسان يصلي وهو مشرك ، يصوم وهو مشرك ، يقوم ببعض العبادات وهو مشرك ، والشرك معه خوف ، معه حزن ، معه قلق ، معه ضياع ، معه تشتت ، معه ضيق ، معه أشياء كثيرة :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
العاقل من يعرف الله قبل فوات الأوان :
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) ﴾
اذهب إلى أي مكانٍ شئت ، افعل ما شئت ، لابدَّ من أن ترجع إليه فتحاسب على كل صغيرةٍ وكبيرة ، حينما يوضع الميت في قبره قال بعضهم : إن أصعب ليلة أول ليلة ، يقول الله عزَّ وجل :
ألا يجب أن تعرفه من الآن ؟ المكوث معه أبداً ، ما من أحد غيره بعد ذلك ، الآن يوجد زوجة ، وولد ، ورفيق ، وصاحب ، وسهرة ، دور كل ثلاثاء ، نزهة ، نمضي الوقت ببعض الألعاب ، نلعب النرد ، وبعد ذلك ؟
المصير معه ، فالذكاء والعقل يقولون لك : اعرفه قبل فوات الأوان ، اعرفه قبل أن تأتيه صفر اليدين ، لو أن إنساناً أخذ أمواله كلها لبلد وقالوا له : هذه الأموال هنا لا قيمة لها ، نريد عملة محلية ، خسر كل شيء ، والإنسان كذلك إذا ذهب إلى الدار الآخرة ، يا رب أنا عندي خمسة طوابق بأرقى حي ، ليس لها عندنا أي عمل ، عندي ثمانية أولاد ، ثلاثة منهم أطباء ، وأربعة مهندسون ، لمْ تعلمهم الدين ، يا رب أنا عملت معملاً إنتاجه عالٍ جداً ، وكنت أربح أموالاً طائلة ، المعمل ليس له عمل عندنا هنا ، كل شيء عملته بالدنيا ليس له قيمة ، العمل الصالح فقط ، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله ، الغنى غنى العمل ، والفقر فقر العمل .
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾ ﴾
محاسبة كل إنسان على عمله يوم القيامة :
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾
مهما كان العمل صغيراً تحاسب عليه ، ومهما كان كبيراً تحاسب عليه .
(( عن جبير بن نفير عن أبي البجير ، وكان من أصحاب النّبيّ ، عليه السلام قال : أصاب رسولَ الله، صَلَّى الله عليه وسلم ، جُوعٌ يومًا فوضع حجرًا على بطنه ثمّ قال : ألا يا رُبّ نَفْسٍ طاعِمَةٍ ناعمةٍ في الدنيا جائعةٍ عاريةٍ يومَ القيامة ، ألا يا ربّ مُكْرِم لنفسه وهو لها مُهين ، ألا يا رُبّ مُهين لنفسه وهو لها مُكْرِم ، ألا يا رُبّ متخوّضٍ ومتنعّم فيما أفاء الله على رسوله ما له عند الله من خَلاق، ألا وإنّ عمَل الجنّة حَزْنةٌ برَبْوَة ، ألا وإنّ عَمَلَ الآخرة سَهْلَةٌ بشَقْوَة ، ألا رُبّ شَهْوَةِ ساعةٍ قد أوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلًا . ))
البطولة أن تأتي الله سبحانه وتعالى وأنت نظيف ..
﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88)إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين