وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة الملك - تفسير الآيات 20-26 - غرور الكافرين وهداية المؤمنين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

عذاب الله غير مأمون :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس السادس من سورة الملك، ومع الآية العشرين، بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ* أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾

[سورة الملك: 20-21]

 أيّها الأخوة الكرام؛ آيات القرآن الكريم مُترابطة، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾

[سورة هود: 1 ]

 فالإحكام هو الترابط، فربنا سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾

[سورة الملك: 16]

 عذاب الله غير مأمون، قد يأتي بالعذاب من تحت أرجلنا،

﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾

 وقد يأتي العذاب من فوق رؤوسنا، وهناك آيةٌ تؤكِّد هذا المعنى:

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾

[سورة الأنعام: 65]

 فقد يأتي العذاب من السماء حاصباً، وقد يأتي من تحت الأرض خسفاً، وقد يأتي لُغْماً، أو قصفاً، و كل من أنواع العذاب:

﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾

 فإن كنتم قد أمنتم عذاب الله فلعلَّكم تعتمدون على جندٍ لكم يحمونكم من هذا العذاب، فمَنْ هؤلاء الجند الذين يحمونكم؟ هذا هو أصل الآية،

﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور﴾

 أي تضطربُ من تحت أرجلكم،

﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ* وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾

 لقد أهلكنا المكذبين ودَمَّرناهم، أما الآن فإن هذا الذي يعصي الله وهو مطمئن ثم لا يفكِّر في أن يرجع إليه تائباً، يقترف المعاصي والآثام دون أن يعبأ بالمستقبل، فعلى أي شيءٍ يعتمد؟ حينما قال عليه الصلاة والسلام:

((بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

الناس جميعهم بقبضة الله عز وجل :

 هذا الذي لا يعبأ بمنهج الله، و لا يلتزم به، و لا يفكِّر حينما يتحرَّك أهو على صواب أم على خطأ، يفعل ما يجوز و ما لا يجوز، لا يأبه بكون ربه راضٍ عنه أو ساخط، يتحرَّك حركةً عشوائية، و همُّه أن يستمتع بالحياة الدنيا دون أن يعبأ بخالقٍ خَلَقَ وأمر ونهى، ولا يعبأ بمنهجٍ قويم أرسله الله هدايةً للعالمين، يَعْصي الله ولا يعبأ بقصص الأنبياء السابقة، ولا بهلاك الأمم السابقة، هذا ما موقفه؟ لعله يعتمد على جندٍ إذا جاء عذاب الله عزَّ وجل يمنعون عنه هذا العذاب، فهل الأمر كذلك؟

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ﴾

 أنت في قبضة الله، أي أنت في قبضة الله ونحن جميعاً في قبضة الله، ولو كنت مع أقوى الأقوياء، فماذا يستطيع أن يفعل هذا القوي لو أن نقطةً من الدم تجمَّدت في عروق الدماغ فشكَّلت خثرةً دماغية فأصابته بالشلل أو بالعمى أو بالصمم أو بفقد الذاكرة؟ فنقطة دمٍ إذا تجمَّدت في أحد فروع شرايين الدماغ تجعل حياة الإنسان جحيماً، حتى و إن كنت في الدنيا مع أقوى الأقوياء مُلازماً له، لو كنت كَظِلِّه، فماذا يستطيع أن يفعل هذا القوي من أجلك؟

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي ﴾

 هذا اسمه استفهام إنكاري، ليس لكم جندٌ يحمونكم من عذاب الله؟

﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾

[سورة الرعد: 11 ]

((مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُن))

[سنن أبي داود ]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[سورة فاطر:2]

((اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك))

[الترمذي عن ابن عباس ]

 هذا هو التوحيد، فالإنسان حينما يوحِّد يرتاح قلبه، كأن الله سبحانه وتعالى يبيّن لنا قائلاً: أيها الإنسان المُغْتَر الواهم الجاهل أنت حينما تعصي و تقترف الآثام على ماذا تعتمد؟ أتعتمد على جندٍ يحمونك من عذاب الله؟ أتعتمد على قوةٍ تحول بينك وبين قضاء الله وقدره؟ إنك في قبضة الله.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾

[ سورة آل عمران: 26 ]

 من يملك السمع والأبصار والأفئدة؟ من يملك الحركة؟ من يملك العقل في الرأس؟ إن الذي يفقد عقله يتوسط له أقرب الناس ليجعلوه في مستشفى الأمراض العقلية، فأنت لا تملك عقلك، ولا حركتك، ولا سمعك، ولا بصرك، ولا من حولك، ولا ما حولك.

 

الافتقار إلى الله و الاعتماد عليه :

 ثم يقول سبحانه و تعالى:

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ﴾

 إنك حين تُخَاصم قوياً وتعتمد على قويٍ ند له فالأمر معقول، فإن أراد أن يصل إليك احتميت بالقوي الذي تعتمد عليه، هذا هو المنطق، أما إذا كنت تجترئ على الله عزَّ وجل فمن هي الجهة في الأرض التي تستطيع أن تمنع عنك عذاب الله؟ من هي الجهة في الأرض التي تستطيع أن تحول بينك وبين أمر الله؟

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ ﴾

 إنك حينما تعصي لعلك تعتمد على جهةٍ تحميك من الله عزَّ وجل وإن هذا لمنتهى الجهل والغباء و الجنون.

﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾

[سورة الرعد:11 ]

 حدَّثني أحد المرضى وهو مصابٌ بمرضٍ خطيرٍ في القلب، ومرض خطير في المعدة، قال لي: إنَّ أدوية مرض القلب تؤذي المعدة، وأدوية المعدة تؤذي القلب، فماذا أفعل؟
 إننا في قبضة الله، نحن لا نحتمل أي أذى حتى ولو كان مَسّاً، فهناك آلامٌ لا تُحْتَمل، و هناك آلامٌ تُخرِح الإنسان عن طوره.
 أيها الأخوة الأكارم؛ الآية دقيقة، الإنسان حينما يعصي الله على ماذا يعتمد؟ أيحميه ماله؟ مرَّة كنت عند طبيب، فجاءه اتصالٌ هاتفي وقد سمعت بأذني ما يقوله المتصل، لقد كان يقول: أي مكانٍ في العالم أذهب إليه، وأي مبلغٍ أدفعه، فقال له: والله لا يوجد أمل فالمرض الخبيث بالدرجة الخامسة.. فماذا يفعل المال؟ لا يفعل شيئاً، فلو أنك معتمدٌ على قوي، فالقوي يتخلَّى عنك في الوقت الحرج أحياناً،

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ﴾

 فالإنسان بالمنطق السليم حينما يخاصم قوياً ينبغي أن يعتمد على قويٍّ ند له، أما إذا أراد أن يخاصم الله عزَّ وجل، وأن يعصيه جهاراً، وأن ينتهك حُرماته، ويؤذي مخلوقاته، و يتطاول عليهم، و يأخذ أموالهم، وينتهك أعراضهم، ولهم ربٌ كبير، فعلام يعتمد في فعله هذا؟ إنه ضعيف، و الإنسان في قوته، وطغيانه، وجبروته، كل حياته متوقفةٌ على نبضات قلبه، فلو توقَّف القلب فجأةً لانتهى الإنسان.
 نريد أيها الإخوة؛ أن نأخذ هذه الآية ونطبِّقها تطبيقاً عملياً، كل واحد منَّا إذا خرج عن منهج الله فما الذي يحميه من عذاب الله؟ ما الذي يحميه من قضاء الله؟ ما الذي يحميه من حكم الله؟ لا شيء، أي أن الله عزَّ وجل له علينا مليون سبيل وسبيل، فكل مكانٍ في الجسم مُعَرَّضٌ لورمٍ خبيث، بل إن أحدث الأبحاث الآن تشير إلى أن في الإنسان مورِّثاً متعلِّقاً بالورم الخبيث، و هذا المورِّث إما أن يُجَمَّد، وإما أن يُفعَّل، ففي أي مكان تنتهي حياة الإنسان عندئذ؟ إنها قد تنتهي بعد سنواتٍ طويلة يذوق العذاب فيها والشقاء، والإنسان ضعيف، فعلام يعتمد؟
على ماله؟ قد تنشأ مشكلةٌ لا يحلها المال.
 على من حوله؟ قد تأتي مصيبةٌ لا يحلها من حوله، فأنت حينما تعصي على ماذا تعتمد؟.. هنا السؤال،

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ﴾

 إذا جاء قضاء الله وقدره ما الذي يحميك؟

﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾

[سورة الفجر: 22-24 ]

 أي قبل أن تخالف منهج الله و تخترق خطَّ الاستقامة، قبل أن تصل مع الله إلى معصية فكِّر هل هناك جهة تحميك من عذابه وعذاباته لا تُعَدُّ ولا تُحصى؟ فالذي نسمع عنه أن الإنسان بأجهزته المعقدة، وأعضائه المعقَّدة، وتركيبه المعقد، هناك مليون خطر ينتظره في جسمه، مليون خطر ينتظره في بيته، في عمله، في سفره، في إقامته، فإن لم يكن على منهج الله، و لم يكن مطيعاً لله، و لم يحتمِ بحمى الله، و لم يستظل بظل الله، و لم يفتقر إلى الله فمن الذي ينجده؟ من الذي ينقذه؟ من الذي يحميه؟

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ﴾

.

 

تعريف الغرور :

 أيها الأخوة الكرام؛

﴿ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾

 غرور الكافرين، الغرور هو أن تتوهم شيئاً لا أصل له، لا أساس له، فالإنسان أحياناً قد يرى عُلْبَةً ثمينة فيظن أن بها شيئاً ثميناً فإذا فتحها لم يجد فيها شيئاً، فنقول: إنه قد اغتر بها، كما أنه قد يُعطي بعض الأشياء حجماً كبيراً فإذا تعمَّق فيها لم يجدها شيئاً، فالمال مثلاً، الإنسان يظنه شيئاً عظيماً في أول حياته، أما في منتصف حياته فيظنه شيئاً ولكن ليس كل شيء، ثم حينما تنكشف الحقيقة يراه ليس بشيء، وهكذا كل حظوظ الدنيا،

﴿ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾

 أي أن الكافر لا يوجد لديه إلا حلَّ واحد، فإما أن تعرف الحقيقة أو أن تجهلها، فإن عرفت الحقيقة تأدًّبت مع الله، و التزمت أمر الله، و بادرت إلى طاعة الله، و كنت مستسلماً لله، واعتمدت عليه وحده، فالمؤمن لا يعتمد لا على ماله، ولا على قوته، ولا على ذكائه، لقد قال قارون:

﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾

[سورة القصص: 78]

 فإن عرفت الحقيقة اعتمدت على الله وحده، وافتقرت إليه، ولُذت بحماه، وكان الله ملجأً وحصناً وقوةً لك.
 أيها الأخوة الكرام؛ أيُّ شيءٍ نعتمد عليه سوى الله يزيحه الله من تحتنا من أجل أن نتَّعظ، وهذا من محبة الله و تربيته لنا، وذلك من أجل أن نقبل عليه و لا نغتر، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾

 معنى ذلك أن الكافر الذي استغنى عن طاعة الله مغرور، فمثلاً إذا كان هناك شخص معه شيك بمئة ألف، ولكن الشيك مزوّر وليس له رصيد، هو واهم أنه شيكٌ صحيح و مليء، و كل إحساسه بالقوة مبني على اعتقاده أنه صحيح، فلو اكتشف أنه مزوّر أو أنه لا رصيد له انهار، فالكافر على شيء من الغرور، فكل من اعتمد على غير الله فهو مغرور، فقد تعتمد على شخصٍ قوي يتخلى عنك في أحرج الأوقات و أصعبها لأنك كنت مُغْتَرَّاً به..

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾

[سورة فاطر:5]

 قد تعطي الدنيا حجماً أكبر من حجمها بكثير فأنت مغترٌ بها، وقد يأتي الشيطان فيوسوس فتصدِّق، فكان الشيطان هو الغَرور، أي هو الذي أغرَّ الإنسان و غرَّر به، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾

 الكافر حينما يعتمد على جهةٍ غير الله عزَّ وجل يكون مغترٌاً بها، أي إنه أعطاها حجماً غير صحيح، توهَّم شيئاً لا أصل له، هذا فيما يتعلق بالوجود.

 

البقاء والرزق بيد الله وحده :

 البقاء والرزق بيد الله وحده؛ أما فيما يتعلق بالرزق، فالإنسان حريصٌ على شيئين: على بقائه وعلى رزقه، أما بالنسبة لبقائك فأنت حيٌّ تُرزق، لأن الله شاء لك أن تبقى حيّاً، فإذا أراد الله شيئاً وقع، و كل شيءٍ أراده الله وقع، وكل شيءٍ وقع أراده الله، و أما الرزق..

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾

[سورة الملك: 21]

 فالرزق أصله عند الله عزَّ وجل، بعض البلاد في إفريقيا أصابها الجفاف سبع سنواتٍ متتاليات فهلك كل شيءٍ، فيقال لك: صقيع بسيط أصاب الغوطتين أتلف المحاصيل، فثمن الفواكه التي تلفت في صقيعٍ بسيط قبل أسابيع مئة مليون، فكانت الخسارة مئة مليون.. أحياناً يصل صقيع إلى محصول أساسي فتبلغ الخسارة ألف مليون، أو ثلاثة آلاف مليون، فالله هو الرزَّاق، فلو أن الأمطار جاءت موزعةً توزيعاً مناسباً لرأيت الخيرات، ولأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم..

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن :16-17]

 ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، وقس على ذلك القرآن الكريم..

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

[سورة الأعرف: 96 ]

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾

 إذا أقلعت السماء عن أن تمطر فماذا نفعل؟ إننا سنفقد عندئذ معظم المحاصيل، لقد أنتجت بلادنا مرةً - بفضل الله ورحمته- ثلاثة ملايين طن من القمح، واحتياجاتنا القصوى مليون طن فقط، وأحياناً تنتج مئتي ألف طن، فلو أن السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت فماذا نأكل؟ هناك كوارث في بعض البلاد تجعل المحاصيل كلّها تالفة، عندئذ ينبغي علينا أن نستورد كل شيء، فترتفع الأسعار إلى درجةٍ جنونية،

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾

 هنا توجد نقطة دقيقة؛ كل واحد منا له عمل، فهو في عمله مادام يملك هذه الإمكانات- إمكانات العمل- فلو فقد عقله فجأةً انتهى عمله، و كل واحد الله عزَّ وجل يسَّر له عملاً، لأن عنده قدرات و إمكانات، فهذا عمل في التعليم، و هذا عمل في الطب، و هذا في الهندسة، و هذا في الصناعة، و هذا في التجارة، و هذا في الزراعة، و هذا في الخدمات، و لولا أن الله سبحانه وتعالى أعطاك بعض القدرات التي توظِّفُها في كسب الرزق، و وَفقك بعد ذلك لما أتقنت شيئاً، و كل واحد منا له مكان يأوي إليه، له طعامٌ يأكله، له بيتٌ يدخله مساءً، فلولا أن الله تفضَّل علينا لما أمكننا أن نكسب أرزاقنا، إذاً رزق الله عزَّ وجل يبدأ بماء السماء، يبدأ بالسماء تُمطِر، و الأرض تُنبِت.
 شيء آخر؛ لو أن الإمكانات التي أودعها الله في الإنسان سلبت، فلو كان هناك إنسان يحتل مكانة رفيعة، وعملاً جيداً، ففقد بصره فجأةً، طبعاً إنه سيسرح من عمله ثم يقول لأحد أصدقائه: والله أتمنى ألا أملك من الدنيا إلا معطفاً أتسول به على الطريق وأن يُردَّ إليَّ بصري، فهناك مصالح أساسها البصر، ومصالح أساسها اليد.

 

معاندة الكافر للحق :

 ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾

[ سورة الملك : 21]

 العتو: العِناد، لجوا: ضجروا، فالإنسان المؤمن يتلقَّى أمر الله عزَّ وجل بالرضا والقبول، أما الكافر فيرفض أمر الله عزّ وجل، لذلك قال العلماء: هناك معصيةٌ أساسها الكِبر، فالكافر الذي يُعانِد الحق يستكبِر عن أن يطيع الله عزَّ وجل،

﴿ بَلْ لَجُّوا ﴾

 أي اضطربوا.. في إصرارٍ ونفور أي نفوسهم ابتعدت عن منهج الله عزَّ وجل، فهناك من يحب أمر الله، و يحب طاعة الله، و يحب أن يقوم بشعائر الله عزّ وجل، وهناك من يرفض هذا كلّه.

 

الفرق بين طريق الإيمان و طريق الضلال :

 ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة الماك : 22]

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة: 18]

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة القلم: 35-36 ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص: 61]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

 لا يستوي الأحياء ولا الأموات، لا تستوي الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور..

﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾

[سورة الزمر: 19]

 هنا:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ٍ﴾

 طريق الإيمان وطريق الضلال، معاني مكباً: الطريق غير الصحيح، طريق وعر فيه مرتفعات و منخفضات وأشواك و حُفَر و أكمات، فطريق الباطل طريقٌ وعر فيه ألغامٌ كثيرةٌ جداً، و كل معصية فيها بذور نتائجها، فالمعصية عدوان، عدوان على حق الله، عدوان على الناس، فالإنسان إذا تفلَّت من منهج الله يكون كمركبةٍ خرجت عن الطريق المعبَّد إلى طريقٍ كلّها أحجار وصخور وحفر وأوحال، فالذي يمشي على غير منهج الله عزَّ وجل يمشي مُكِبَّاً أي يمشي في طريقٍ وعرةٍ تستلزم أن يقع. و هذا معنى.
 المعنى الثاني: إذا أغمض الإنسان عينيه وقع، وإذا مشى في طريقٍ وعرةٍ وقع، و حينما ينقطع الإنسان عن الله عزَّ وجل يفقد رؤيته الصحيحة، فما دُمت متصلاً بالله فهناك رؤيةٌ صحيحة تهديك إلى سواء السبيل، و هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللهمَّ أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ))

[تفسير ابن كثير]

 هناك من يرى الحقَ باطلاً، وهناك من يرى الباطل حقاً..

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ﴾

 يمشي في طريقٍ وعر، هذا الطريق الوعر من لوازمه أن الذي يمشي فيه يقع على وجهه، والإنسان إذا وقع على وجهه تَشَوّه، أو أن المنقطع عن الله عزّ وجل أعمى لا يرى، والإنسان يمشي على طريق معبَّدة وفيها منعطفات فلو أطفأ أنوار مركبته لابدَّ من حادث، الإنسان ما دام موصولاً بالله عزَّ وجل فهناك نورٌ يقذفه الله في قلبه..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة الحديد:28]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾

[سورة الأنفال: 29]

 الإنسان قبل أن يتحرَّكَ يتحرَّك برؤية، فإما أن تكون هذه رؤية صحيحة أو رؤية غير صحيحة، فالمؤمن موصول، إذاً نوره في قلبه، و رؤيته صحيحة، و عمله طيّب،

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

 لم يقل الله عزَّ وجل: أفمن يمشي مكباً على صراطٍ غير مستقيم، لا، لأن هذا الذي يتحرَّك بلا منهج يتحرَّك بعيداً عن أي طريق، لا سيما الطريق المرسومة المعبَّدة المسهَّلة الممهدة، أما الإنسان إذا خرج عن منهج الله فلا يُسمى هذا الخروج طريقاً، فقد صار في أرض وعرة ليست طريقاً، فالآية دقيقة:

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً ﴾

 فرافع الرأس أولاً يرى، والطريق ممهد، إذاً يوجد هنا شيئان، فعوامل التعثُّر إما العمى، وإما وعورة الطريق،

﴿ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

 المؤمن يحيا على بصيرة.

 

جمال حياة المؤمن أنَّ كل شيءٍ في حياته له حكمٌ شرعي :

 جمال حياة المؤمن أيها الأخوة وروعتها هي أنَّ كل شيءٍ في حياته له حكمٌ شرعي؛ هذا يجوز وهذا لا يجوز، هذا يفعله وهذا لا يفعله، فالأحكام الشرعية كما تعلمون تبدأ بالفرض، ثم بالواجب، ثم بالمندوب، ثم الإباحة، ثم الكراهة التنزيهية، فالكراهة التحريمية، فالحرام، فأيُّ شيءٍ في حياته إما مباح، أو محرَّم، أو فرض، أو واجب، أو سنَّة، أو مستحب، أو مندوب، أو مكروه كراهة تنزيهية أو تحريمية، أو حرام، فهو يمشي على منهج، ومنهج الله عزَّ وجل دقيقٌ جداً يُغَطِّي كل أحواله من دون استثناء، في أخصّ خصوصيَّاته، في أخصِّ العلاقة بينه وبين أهله، بينه وبين أولاده، بينه وبين جيرانه، مع من فوقه، مع من دونه، مع من هم في مستواه، في عمله وفي الطريق، في السفر وفي الحضر، في العلاقات العامة، في العلاقات الدولية، فهو شرعٌ كامل..

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[سورة المائدة: 3 ]

معرفة الأحكام الشرعية جزءٌ أساسيٌ من الدين :

 الإنسان أيها الأخوة حينما يعرف الله المعرفة التي تحمله على طاعته، فهناك معرفةٌ لله عزّ وجل لا تكفي لطاعته.. فمن قال :

(( من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، قيل: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))

[الطبراني في المعجم الكبير والطبراني في المعجم الأوسط عن زيد بن أرقم رضي الله عنه]

 فهل كل إنسان قال: لهذا الكون إلهٌ عظيم يكون مؤمناً؟ هذا الإيمان لا يكفي، فإبليس اللعين قال:

﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة ص: 82]

 هذا إيمان ولكن هذا الإيمان لا يكفي، هذا إيمان إبليسي، لذلك الإنسان حينما يبلغ في الإيمان درجةً تحمِله على طاعته، فلا شيء أَحْوَج إليه من أن يعرف منهجه.
 أيها الأخوة؛ الإنسان قبل أن يفكَّر في طاعة الله قد لا يحتاج إلى منهج الله، فسواءٌ عليه عرفه أو لم يعرفه فإنه لن يطبِقه، أما حينما تتنامى قناعاته وينمو إيمانه إلى درجة يعزم على طاعة الله فهو الآن في أمسِّ الحاجة إلى منهج الله، الآن يكون قد دخل في المرحلة المدنية، فأصحاب النبي عليهم رضوان الله عاشوا في مكة مرحلةً مكَّية فلما انتقلوا إلى المدينة دخلوا في مرحلة التشريع، فيتفكر في الكون، يتفكّر في السموات والأرض، يتفكر في خلق الإنسان، يتفكر في طعامه وشرابه، في خلقه، مم خُلِق؟ إلى أن يقول: لهذا الكون إلهٌ عظيم لا بدَّ من طاعته، و الآن بعد أن يحمِلك إيمانك على طاعة الله، و بعد أن تعقد العزم على طاعة الله ليس هناك شيءٌ أنت في أمس الحاجة إليه إلا أن تعرف منهج الله، لذلك معرفة الأحكام الشرعية جزءٌ أساسيٌ من الدين، لأنك بالكون تعرفه لكن بالشرع تعبده، ألم يقل الله عزَّ وجل:

﴿ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾

[سورة البقرة: 21 ]

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 فكيف أعبده؟ علّة وجودنا على هذه الأرض أن نعبده، فلا بدَّ من معرفة أمره، لذلك كل إنسان لا بد من أن يعرف منهج الله في حياته، فالتاجر يجب أن يعرف أحكام البيوع، و كل إنسان في بيته يجب أن يعرف أحكام الزواج، حقوق الزوجة، حقوق الزوج، تربية الأولاد، حقوق الوالدين، حقوق الجيران، البيع و الشراء، صحَّة البيع، الإنسان في بيته وفي عمله يجب أن يتقن الأحكام الفقهية المتعلقة في بيته وعمله من أجل أن يعبد الله..

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

ضرورة معرفة الله و معرفة أمره و نهيه :

 العبادة علة وجودنا، لذلك كان في الدين شيئان أساسيان؛ معرفة الله وطاعته، فإن فعلت ذلك فإنك تسعد بقربه، فمن الممكن أن ينضغط الدين كله إلى كليات ثلاث: جانب معرفي، جانب سلوكي، جانب جَمالي، فالمعرفي هو السبب، والسلوكي هو الأصل، والجمالي هو الثمرة، إذاً لابدَّ من أن نعرف منهج الله،

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

 فالمنهج الإلهي مفصل إلى درجة أنه لا يجوز لك أن تسوق غنمتين للذبح معاً، رأى النبي أحد أصحابه يذبح شاةً أمام أختها، فقال عليه الصلاة والسلام:"هلا حجبتها عن أختها أتريد أن تميتها مرتين؟!"، رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً يسحب شاةً من رجلها ليذبحها قال: " قُدْها إلى الموت برفق " فمنهج الله عزَّ وجل يصل إلى ذبح الحيوان، يصل إلى أدق تفاصيل الحياة، فلا بدَّ من أن نعرف منهج الله، معنى ذلك أن شغل المؤمن الشاغل معرفة الله المعرفة التي تحمِلُه على طاعته، فالمعرفة المطلقة لا توجد، فلا يعرف الله المعرفة الكاملة إلا الله، وأعظم البشر عرفوا جانباً من كمالات الله، و أنا أقول: حينما تعرف الله معرفةً تكفي أن تعقد العزم على طاعته عندها أنت في أمسِّ الحاجة إلى منهجه، لذلك المؤمن عرف الله وعرف منهجه، فلم يعد هناك صراعات، و لم يعد هناك تردد.

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[سورة الأحزاب: 36]

 فإذا كانت القضية فيها أمر إلهي قطعي، أو أمر نبوي قطعي، فلا بد من طاعة هذا الأمر، أما حينما تأخذ هذا الموضوع وتضعه على بساط البحث وتدرسه، تأخذ به أو لا تأخذ به، فإن قَنِعْتَ به تأخذه، فاطمئن عندئذ أنت لست مؤمناً، فحينما تأخذ أمراً إلهياً، أمراً قرآنياً، أو أمراً نبوياً وتُخضعه للدراسة العقلية تأخذ به إذا قنعت به، ولا تأخذ به إن لم تقنع به فصف نفسك بأنك لست مؤمناً، والدليل:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[سورة الأحزاب: 36]

 الحرامُ حرام، والمُباح مباح، والفرض فرض، والمندوب مندوب، والمستحب مستحب، والمكروه مكروه، والمحرَّم محرَّم، هذا هو المؤمن، وهذه العبادة لله عزّ وجل.

 

الوقت الذي يمضيه الإنسان في معرفة الله أخطر وقتٍ في حياته :

 لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّه - أي أمر الله- وَرَسُولُهُ -أي أمر رسوله- أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))

[البخاري عن أنس بن مالك]

 قد تتألَّقُ الدنيا أمامك لكن الطريق الذي تسلكه إليها طريق غير صحيح، هذه الدنيا تركُلها بقدمك لأنك مؤمن، فالدنيا كلّها تحت قدمك أمام طاعة الله عزّ وجل، و هذا هو الحق فالأمر الإلهي لا تُخضعه لعقلك وتفكِّر فيه أأفعله أم لا، فإن فعلت ذلك فاطمئن إلى أنك لست مؤمناً حقيقياً...

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

 لذلك رتبة العلم أعلى الرُتب، فكان الوقت الذي تُمضيه في معرفة الله ومعرفة أمره ونهيه هو أخطر وقتٍ في حياتك، فليس هناك شيءٌ في الحياة الدنيا يعلو على أن تعرف الله، وتعرف أمره ونهيه، لأنك تسعد بطاعة الله، وتشقى بمعصيته، وما من مشكلةٍ على وجه الأرض وفي كل الأزمان إلا بسبب معصيةٍ لله، وما من معصيةٍ لله إلا بسبب جهلٍ بأمره ونهيه.
 فالإنسان إذا ركب طائرة خاصَّة وهو لا يعرف كيف يحرِّكها، فكم هي نسبة وقوع الحادث بالمئة؟ النسبة هي مئة بالمئة، فأنت تركب طائرة لا تعرف كيف تحرّكها؟! كيف تحلق بها؟! كيف تهوي بها؟ كيف تخفف سرعتها؟ معنى هذا أن الحادث محقق، والإنسان في حياته توجد مطبات كثيرة، و مغريات كثيرة، فالفتن يقظى، و الشهوات مستعرة، و هناك ضغوط كثيرة ومغريات كثيرة، فلن تستطيع أن تنجو من هذا كلّه إلا بمعرفة منهج الله، لذلك المؤمن الصادق يطبِّق منهج الله ولا يعبأ بأحد، قل الله ثم ذرهم في غيِّهم يعمهون، وهذا هو المؤمن. لا يستوون،

﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً ﴾

، فالمؤمن رافع الرأس، صحيح الرؤية والطريق أمامه معبَّد، أوضح لكم مثلاً: اركب مركبة جديدة على طريقٍ معبَّدٍ جيد، إنك لا تسمع لها صوتاً، لكن هذه المركبة لو نزلت بها إلى طريقٍ وعر لكسرتها، لأن هذه المركبة ليست لهذا الطريق بل لطريقٍ معبَّد، وإن بُنْيتك، ونفسيتك، وفطرتك، وجسمك، وكل إمكاناتك مصممة بمنهج الله، فالإنسان عندما يتزوَّج، وعندما يؤدي العبادات، يضبط لسانه، يضبط سمعه، يضبط بصره، يضبط يده، يضبط رجله، يتحرك وفق منهج الله، يسعد، فالحياة جميلة جداً في طاعة الله، والحياة مريرة في معصية الله، والدليل الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

[سورة طه: 124]

 مَنْ: اسم شرط جازم تفيد معنى الشرط، والشرط في الأساس حَدَثان لا يقع الثاني إلا إذا وقع الأول، يوجد ترابط حتمي بينهما، فإذا قرأت في القرآن جملة شرطية مُصَدَّرة بمَنْ الشرطية فمعنى هذا أنه قانون..

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

 والله أيها الأخوة؛ لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفَت، إذا وجد شخص واحد في الخمس قارَّات أعرض عن ذكر الله ويحيا حياةً طيبة فإن هذا الكلام يصبح ليس كلام الله.. مستحيل.. لأن الله عزّ وجل مُطلق، كلامه مطلق، كلامه قانون..

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

 قال له: يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني؟ قال: عبدي قد عاقبتك ولم تدر، من مصيبة إلى مصيبة، من مشكلة إلى مشكلة.

 

الحياة الطيبة لمن عمل صالحاً :

 شيءٌ ثانِ:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

 اطمئنوا أيها الأخوة؛

﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل: 97 ]

 رغم أنف كل الظروف، رغم أنف كل العقبات، رغم أنف كل المُشكلات..

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل: 97 ]

عدم استواء المحسن مع المسيء :

 آيةٌ ثالثة.. والله أيها الأخوة؛ لو أرددها مليون مرَّة لا أشبع منها، وهذه الآية تقول:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[سورة الجاثية:21 ]

 تقول: هذا في الآخرة، لا في الدنيا..

﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ﴾

 الآخرة مضمونة، أما الدنيا

﴿ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

 هذا كلام ربنا، هذا كلام خالق الكون، جربه، لا يمكن لإنسان محسن أن يُعامل كالمسيء، فالشاب المستقيم لا يمكن أن يُعامل كالمنحرف، و الإنسان الأمين لا يُعامل كالخائن، الإنسان الصادق لا يُعامل كالكاذب، الإنسان المخلص لا يُعامل كالمنافق، الإنسان الرحيم لا يُعامل كالقاسي.. مستحيل.. كل شيء بثمنه والثمن باهظ.

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية:21]

 شاب مستقيم يغض بصره، يصدق في لسانه، يقيم منهج الله في بيته وفي عمله، يرجو رحمة الله، الملائكة تحوطه من كل جانب، موفقٌ في عمله، سعيدٌ في بيته، هذا قرآن كريم، هذا كلام رب العالمين..

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[سورة الجاثية:21]

 الإنسان الصادق هل هو كالكاذب؟ هل الأمين كالخائن؟ هل المخلص كالمنافق؟ هل المحسن كالمسيء؟ هل المتكبِر كالمتواضع؟ هل الرحيم كالقاسي؟

 

محاسبة كل إنسان على سمعه و بصره و فؤاده :

 أقول لكم أيها الأخوة؛ وعلى مستوى المسلمين كذلك عندما يرون أعداءهم بغطرسة واستعلاء وانحراف فلا بدَّ من أن يُظْهِر الله آياته فاطمئنوا، مهما تغطرس العدو، مهما تكبَّر فلابدّ لله عزّ وجل من أن يظهر آياته الدالة على عظمته..

﴿ قُلْ هُوَ ﴾

[سورة الملك: 23 ]

 أي أطيعوا الله الذي يستحق الطاعة، وسيروا على منهجه القويم فهو المنهج الصحيح،

﴿ قُلْ هُوَ ﴾

 هناك طاعات لغير الله، وتوجد مناهج غير منهج الله،

﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ﴾

 أي أطيعوا الذي خلقكم، سيروا على منهج من فطركم،

﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾

 الفؤاد إذا جاء مع السمع والبصر يعني العقل، أي أعطاك سمعاً تتعلَّم به الحق، وعيناً ترى بها الآيات، وعقلاً يُحاكِم ويصل للحقيقة، فأنت من الممكن أن تؤمن بالله من خلال عينيك، ترى بهما آياته الظاهرة، وتعرف منهجه من خلال أذنيك، وتُصدِر أحكاماً صحيحة من خلال عقلك، أي أن الله أعطاك قوة إدراكية، فأنت مخلوق تدرِك، فهذه الطاولة، الخشب فيها خلقه الله عزّ وجل، ولكن الخشب لا يُدرِك، الحجر لا يُدرِك، الحديد لا يُدرِك، الحيوان لا يُدرِك، مَيَّزَكَ الله على كل المخلوقات بأن جعلك مدركاً..

﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ﴾

 أي أطع الذي أنشأك، وسر على منهجه..

﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ﴾

[سورة الملك: 23 ]

 كيف نشكر نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة العقل؟ قال: نشكر نعمة السمع بأن نوظِّفه فيما خُلِق له، أي أن نستمع بالأذن إلى الحق لا أن نستمع إلى الغناء، كيف نشكر نعمة العين؟ أن نرى بها الآيات لا العورات من خلال الصحون، كيف نشكر نعمة العقل؟ أن نُعْمِلَهُ فيما خُلِق له بالتفكُّر في خلق السموات والأرض..

﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ﴾

[سورة الملك: 23 ]

 لعل الإنسان يوم القيامة يرى نفسه في النار يتلوَّى في لهيبها، لعل الله عزّ وجل يعاتبه، يقول: أنت وصلت إلى القمر، ووصلت إلى قاع المحيطات، ونقلت الصورة الملوَّنة عبر القارات الخمس، وفعلت المستحيل، وصنعت الهاتف الفضائي، ونقلت كل شيء، ولو بذلت من هذه الإمكانات التي أعطيتك إيَّاها واحد بالمليون لعرفتني، هناك منجزات في العصر مذهلة، فهناك أشياء مألوفة ولكنها في الواقع مذهلة، تكتب رسالة وترسلها عن طريق جهاز فتصل في الوقت نفسه إلى أمريكا، هذا شيء منظور للناس جميعاً، هناك أجهزة تقرأ أربعمئة وخمسين مليون حرفاً في ثانية واحدة، و الآن توجد مؤتمرات صحفية تتم عبر خمس قارَّات بالأقمار الصناعية، وهذا إنجاز كبير جداً، فلو بذل الإنسان واحد بالمليون من هذه الطاقات الفكرية لعرف الله و لسعد به، وقد ورد في بعض الأحاديث في الجامع الصغير.. قال:

(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليَّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))

 الندم لا يُحتمل، إنسان يخسر الآخرة، يخسر الأبد من أجل سنواتٍ معدودة أمضاها في المعاصي والآثام؟!!

﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾

[سورة الملك:23- 24 ]

 سوف تعودون للحساب، كل حركةٍ، وكل سكنةٍ، وكل عطاءٍ، وكل منعٍ، وكل غضبٍ، وكل رضا، وكل ابتسامةٍ، وكل عَبوسٍ مسجَّلٌ عليك، لماذا فعلت؟ البطل هو الذي يُهيئ لله إجابة عن كل شيءٍ يفعله الآن..

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحجر : 92-93]

 لماذا فعلت، لماذا عبست؟ لماذا ابتسمت؟ لماذا نظرت؟ لماذا غضبت؟ لماذا ظلمت، كل شيء في حسابه..

﴿قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

،

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

،

﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾

 استهزاءً

﴿ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾

 أي أنا أنذركم هذا اليوم أما متى يأتي فهذا علمه عند الله، قال الإمام مالك - فيما أذكر- أنه رأى في المنام ملك الموت فقال له: يا ملك الموت كم بقي لي من حياتي؟ أشار له ملك الموت بهذه الإشارة- خمسة- فلما استيقظ قلق، يا ترى خمس سنوات أم خمسة شهور أم خمسة أسابيع أم خمسة أيام أم خمس ساعات؟ فسأل الإمام ابن سيرين فقال له: يا إمام ما تفسير هذه الرؤيا؟ قال له: يقول لك ملك الموت: إن هذا السؤال من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله..

﴿ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾

.

 

تلخيص لما سبق :

 أخواننا الكرام؛ هذه الآيات دقيقة جداً، فالذي يعصي الله عزَّ وجل على أي شيء يعتمد؟ هل يضمن سلامة أجهزته لساعة واحدة؟! من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

(( اللهمَّ إني أعوذ بك من فجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك ))

[ الجامع الصغير عن أبي نعيم ]

 أحياناً يأتي المرض فجأةً فيصيب الإنسان بشلل.

(( إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي ولك العُتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي ))

[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر بسند فيه ضعف ]

 تلخيص الأفكار؛ أول فكرة؛ هذا الذي يعصي الله على ماذا يعتمد؟ هل عنده جندٌ يمنعونه من أمر الله؟
 الشيء الثاني؛ إنسان يعرف الله وله رؤية صحيحة ويمشي على طريق مستقيم كإنسان أعمى يمشي في طريق وعر من مطبٍ إلى آخر، هل يستويان؟
 الشيء الثالث؛ الله عزّ وجل أعطانا السمع كي نستمع إلى الحق، والبصر كي نرى الآيات، والفكر كي نحاكم الأمور ونأتي بقرارٍ صحيح، فإن عطَّلنا سمعنا وأبصارنا وأفئدتنا كنا كالبهائم، أي هبطنا عن مستوى الإنسانية، ثم إن الله سبحانه وتعالى يُنذِرنا:

﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾

[سورة الملك: 25-26]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور