وضع داكن
22-12-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الملك - تفسير الآيات 12-14 - الإيمان بالغيب وحدود العقل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللّهمّ لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيّها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع من دروس تفسير سورة المُلك، ومع الآية الثانية عشرة وهي قوله تعالى:

﴿  إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)﴾

[ سورة الملك ]

أيّها الإخوة؛ كل ميزة الإنسان أن الله -سبحانه وتعالى- أعطاه عقلاً، بهذا العقل يستطيع أن يعرفَ حقيقةً غائبةً عن حواسِّه، الحيوان أعطاه الله حواس إلّا أنّ هذه الحواس يرى بها محيطه، أما الإنسان أعطاه الله حواساً يرى بها محيطه، وأعطاه عقلاً يكْشِفُ به ما غُيَّب عنه من حواسِّه، هذه ميزةٌ كبيرةٌ للإنسان، فالله -سبحانه وتعالى- لا تُدركه الأبصار، ولكن العقل الذي أودعه الله في الإنسان يمكن أن يعرفَ الله دون أن يراه، يمكن أن يعرفَه من أثره، العقل يعرف المؤثِّر من الأثر، والخالق من المخلَّوق، والمنظِّم من النظام، والمسيّر من التسيير، والحكيم من الحكمة، والقوي من القوة، والغني من الغنى، فأنت تملك عقلاً يكشِفُ لك شيئاً مغيَّباً عنك من خلال آثاره؛ فلذلك شاءت حكمة الله -جلَّ جلاله- أن يغيبَ عن أبصارنا وأن تراه عقولُنا، فالذي يعطّل عقلَه لا يصل إلى الله، أو الذي يُسيء استخدام عقله يستخدمه لغير ما خُلِق له يشقى في الدنيا والآخرة، فالذي يرى الله بعقله من خلال خلقه هو الذي خشي الله بالغيب، وكنت أقول لكم دائماً: إن الإنسان كلَّما ارتقى خاف بعقله، وكلَّما هبط مستواه خاف بحواسِّه، فالإنسان حينما يرى الخطر أمامه بعينه يخافه، أما الإنسان العاقل هو الذي يُدرِك الخطر البعيد فيخشاه في الوقت المناسب، ربنا -عزَّ وجلَّ- في أول سورةٍ في القرآن:

﴿ الٓمٓ (1) ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ (3)﴾

[ سورة البقرة  ]

عينه ما رأت ربَّه ولكن عقله رأى الله -عزَّ وجلَّ-، فعرفه واستقام على أمره بهذا تستحق الجنَّة، تستحق الجنة لأن حواسَّك ما رأت الله -عزَّ وجلَّ- لكن عقلك عرف الله من خلال خلقه، وأنت أيّها الأخ الكريم؛ القضية قضية دقيقة جداً، الدِّين كلّه هو أن تعرفَ الله وأن تطيعَه، تعرفه بآياته الكونية والتَّكوينية والقرآنية، وتطيعه بمنهجه، بتشريعه، فإن تعرَّفت إليه وتعرَّفت منهجه وأطعته سعدت بقربه في الدنيا والآخرة؛ لذلك المؤمن ليس في حياته شيء يشغله أكثر من أن يعرفَ الله، فإذا عرفه ليس في حياته شيء يشغله أكثر من أن يطيعَه، هو يتفكَّر في خلق السماوات والأرض.

﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ (190) ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

خَلْقُهُ نتفكَّر فيه، وأفعاله ننظر فيها.

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الأنعام ]

وكلامه نتدبَّره.

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ (24)﴾

[ سورة محمد ]

خَلْقُهُ نفكر فيه، وأفعاله ننظر فيها، وقرآنه نتدبره لهذا تعرفه، إن عرفته ابحث عن شرعه، ابحث عن أحكامه، ابحث عن أوامره ونواهيه، إن طبقتَّها حققت المراد من وجودك، حققت غاية وجودك، حققت الهدف الذي من أجله خُلِقت ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ﴾ ، أما لو أن حواسَّك أمكنها أن ترى الله، فأنت في الآخرة ترى الله.

(( كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةً- يَعْنِي البَدْرَ- فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوب}ِ ))

[ أخرجه البخاري عن جرير بن عبد الله ]

ترون ربكم بأعينكم، هكذا شاءت حكمة الله.

﴿  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

[ سورة القيامة ]

لو أنَّنا أتيح لنا أن نراه بحواسِّنا لما كان هناك جنَّة، كيف نرقى؟ الشهوات محسوسة لكن حقيقة الدِّين مُخْبَر عنها في القرآن فقط، الجنة خبر والنار خبر، وذات الله خبر، لكن الدنيا محسوسة، أنت تمشي في الطريق أمامك امرأة، تنظر إلى مركبة ترى بيتًا فخمًا، ترى طعاماً لذيذاً، هذه محسوسات أمامك تدركها بحواسّك الخمس؛ بعينك وأذنك وسمعك وبصرك، ولكن حقائق الدِّين تحتاج إلى إعمال عقل، تحتاج إلى قراءة قرآن، تحتاج إلى تفكُّر، تحتاج إلى نظر، فإذا آمنت بشيءٍ مغيّبٍ عنك ارتقيت عند الله -عزَّ وجلَّ-، فلذلك المُشاهدات بالحواس، والمُغَيَّبات بالعقول، وبقيت حقيقةٌ لا يستطيعُ عقلك أن يدركَها ولا حواسّك أن تراها، هذه الحقيقة أخبرك الله بها.

مستويات البحث وأدواتها:


أيّها الإخوة الكرام؛ حقيقةٌ أعيدها كثيراً: أنت أمام ثلاث مستويات في البحث، وثلاث أدوات بحث.
 مستويات البحث:

 1- المستوى الأدنى:

الأشياء المحسوسة الملموسة التي تراها، التي تسمعها، التي تشمها، التي تلمسها، التي تدرك حرارتها برودتها، خشونتها نعومتها، شكلها، لونها، حجمها، صوتها؛ هذه أشياء محسوسة، هذا المستوى الأول وهذه الدائرة دائرة المحسوسات أدواتها الحواس الخمس، ونحن وبقية المخلوقات سواء، انظر إلى نملةٍ تتحرَّك ضع يدك أمامها تقف معنى ذلك رأت حاجزًا فوقفت، انظر إلى دابة ترى حفرةً تقف، فأول مستوى الأشياء المحسوسة أداتها الحواس الخمس نحن وبقية المخلوقات سواء، في المحسوسات لا نرتقي، الإنسان حينما يرى حفرةً يبتعد عنها، رأى خطراً خاف على سلامته لم يقعْ في الحفرة صوناً لسلامته -بالمحسوسات لا ترتقي أنت نحن وبقية المخلوقات سواء بالمحسوسات- بدافع حب البقاء، بدافع حب السلامة، حب البقاء، استمرار البقاء، كمال البقاء، لا يمكن أن نتحرك حركةً نهلك بها بحواسّنا، إذاً حينما نتعامل مع المحيط الخارجي نتعامل من أجل أن نسلمَ، إذا وجدت نارًا لا تقترب منها وهجها يبعدك عنها، إذا وُجد طعام كريه لا تأكله لا تستطيعُ، إذا وُجد شيء يؤلم لا تقترب منه، إذا وُجدت كهرباء -خطر الموت- لا تمسك بالتيار، كلُّ شيء تحت سمعك وبصرك وإحساسك، الشيء المؤلم الخطر تبتعد عنه بدافع من طبعك، بدافع من فطرتك، إذًا أنت لا ترقى بالمحسوسات، ولو أدركتها ولو تعاملت معها تعاملاً صحيحاً، هذا مستوى يشترك فيه الإنسان وغير الإنسان.

 2- المستوى الأعلى (الدائرة الأعلى):

ذاتٌ، شيءٌ غابت عنك ذاته وبقيت آثاره -الآن دخلنا في موضع آخر- الإنسان في المستوى الأول كأي حيوان يرى حفرةً فيقف، يرى حاجزاً فيقف، الآن كإنسان رأيت هذه الثُريا متألقة وهذه المصابيح متألقة، وهذا الجهاز يكبِّر الصوت، تقول: لا بدَّ من تيارٍ كهربائي في هذا المسجد، إنّك لا ترى التيار الكهربائي بعينك ولكن تحكم بوجوده بعقلك، " الأقدام تدل على المسير، والبعر يدل على البعير، والماء يدل على الغدير، أفسماءٌ ذات أبراج وأرضٌ ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير؟! " ، هذه ميزة العقل، العقل يمكن أن يرى دُخاناً يقول: لا دخان بلا نار، العقل يحكم على وجود النار من خلال الدخان، ويحكم على وجود التيَّار من خلال المصابيح، ويحكم على وجود التيَّار من تكبير الصوت، ويحكم أن هناك مركبةً مرَّت من آثار عجلاتها، ويحكم بوجود التهابٍ من ارتفاع الحرارة؛ هذا هو العقل مهمته استدلالية، شيءٌ غابت عينه وبقيت آثاره، من خلال آثاره تتعرف إليه، هذا هو الإيمان بالغيب، أنت لم ترَ النار لكنك رأيت الدخان فحكمت بأنّه لا دخان بلا نار فقلت: لا بدَّ من وجود النار، أقول هذا الكلام بدقةٍ بالغةٍ: العقل البشري في هذا المستوى يُبْدِع ويحقق أعلى الغايات، حينما تفكر في الأثر وتستخدم العقل لترى من خلاله المؤثِّر، حينما تفكر في النظام فترى المُنَظِّم، حينما تفكر في الخلق فترى الخالق، حينما تفكر في التسيير فترى المسيّر، حينما تفكر في الحكمة فترى الحكيم، حينما تفكر في القوة فترى القوي، هذا مجال العقل.
إخواننا الكرام؛ حقيقة أضيفها لكم: العقل محدود الإمكانيات ، بمعنى أن العقل لا يستطيع أن يبحثَ عن شيءٍ غابت عينه وآثاره مستحيل؛ لذلك أكبر الضلالات، وأعظم المتاهات، وأكبر المُنزلقات حينما تأتي بعقلك وتُسَلِّطه على موضوعٍ غيبيٍّ ذاتاً وآثاراً، فعقلك لا يمكن أن يصل إلى معرفة الجن لأن الجن لا تراه.

﴿ يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَٰتِهِمَآ ۗ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)﴾

[ سورة الأعراف  ]

الملائكة لن تستطيعَ أن تؤمنَ بالملائكة بعقلك، الملائكة ليس لهم آثار، اليوم الآخر، الماضي السحيق، نشأة العالَم، مليون موضوع مادام هناك شيء غاب وآثاره غابت العقل لا يستطيع أن يفعل شيئاً؛ لذلك الإنسان تزل قدمه فيضل حينما يأخذ قضيةً غيبيةً مطلقة أي ذاتاً وآثاراً ويعرضها على العقل فالعقل ينحرف ويتخبَّط ويأتي بأفكار مضحكة، كنت أضرب هذا المثل دائماً: بقالية فيها 10 آلاف صنف، وعندك ميزانٌ دقيقٌ حساسٌ جداً، هذا الميزان قدرته على الوزن تتراوح بين 5 غ إلى 5 كغ، فإذا استعملته وفق هذين الحدين أعطاك نتائج دقيقة جداً -هو أروع ميزان وغالٍ جداً- أما حينما تفكر أن تزينَ بهذا الميزان سيارتك، تضعه على الأرض وتمشي فوقه من أجل أن تزنَ هذه السيارة الميزان سيتحطم، فإذا اتهمت صانع الميزان نقول لك: اتهم نفسك، أنت استخدمه لغير ما خُلِق له، أنت استخدمته خلافاً لتعليمات الصانع، أنت لم تعبأْ بالحدود القصوى والدُّنيا لاستعماله، لذلك نعرف بالحواس الأشياء المادّية التي ظهرت عينها وآثارها، والعقل نعرف به كلَّ شيءٍ غابت عنك عينه وبقيت آثاره، العقل يتعامل مع المحسوسات، والدليل:

﴿  وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا (36)﴾

[ سورة الإسراء ]

الفؤاد هو العقل، العقل يتعامل مع المحسوسات، السمع نافذة للعقل، والبصر نافذة ثانية، الآن:

 2- المستوى الثالث(الدائرة الثالثة):

دائرة الإخباريات-الدائرة الأولى المحسوسات، والثانية المعقولات، والثالثة الإخباريات- شيءٌ غابت عنك عينه وغابت عنك آثاره فلا سبيل لعقلك أن يعرفه ، فإذا فكَّرت فيه كفرت، دخلت في متاهاتٍ لا تنتهي؛ لذلك الدائرة الأولى أداتها الحواسُّ الخمس، والدائرة الثانية أداتها العقل، والدائرة الثالثة أداتها الخبر الصادق، كلُّ شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، فأنت أمام شيءٍ محسوس تدركه بعينك، وشيءٍ غابتٍ عنك آثاره تعرفه بآثاره بعقلك، وشيءٍ غابت عنك عينه وآثاره تتلقاه بالخبر الصادق؛ لذلك الآية الكريمة:

﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ (10)﴾

[ سورة الملك ]

العقل للأشياء التي لها آثار، والسماع للأشياء التي ليس لها آثار، فأنت تسمع أو تعقل ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ﴾ ، ثلاثة مستوياتٍ للبحث العلمي: دائرة المحسوسات أداتها الحواس الخمس، دائرة المعقولات أداتها العقل، دائرة الإخباريات أداتها الخبر الصادق.
وطِّن نفسك أن أيّة قضيةٍ تُعرض عليك صنّفها في بابها، هذه مع المحسوسات، هذه مع المعقولات، هذه مع الإخباريات؛ لذلك لا تحاول أن تقنع إنساناً ملحداً بوجود الجن، لن تستطيعَ أن تقنعَه، لن تستطيعَ أن تقنعَ إنساناً ملحداً بالملائكة، ولا بأصل العالَم وأنّه من آدم وحواء؛ هذه كلَّها أخبار أخبرنا الله بها، فأنت كلُّ قضية في الدِّين إذا وضعتها في مكانها الصحيح تفهمها فهماً دقيقاً، أما إذا وضعت قضية في مكانها غير صحيح لو أردت أن تثبت لي بعقلك عن وجود الجن لن تستطيعَ، تتخبط، سوف ينتقصك الذي يناقشك، ليس معك دليل، قضية الجن والملائكة، وقضية الحساب والعذاب، والجنة والنار، والصراط والميزان والحوض هذه قضايا إخبارية الله أخبرنا بها، الآن التسلسل: أنت حينما تؤمن بالله من خلال آثاره، وتؤمن بالقرآن من خلال إعجازه، وتؤمن بالنبي من خلال كتابه، والقرآن أخبرك أن هناك يوماً آخر، إيمانك باليوم الآخر إيمان إخباري، والقرآن أخبرك:

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (12)﴾

[ سورة محمد ]

والله أخبرك أن الكافر سيُلقى في النار خالداً فيها مخلَّداً، فكل قضية حددْ هويَّتها واستخدمْ الأداة المناسبة لها، فنحن في الإيمان بالله نعتمد على العقل والأثر، فإذا وجد أثر استخدم العقل، وإذا لم يوجد أثر استخدم الخبر، في الشيء المحسوس تستخدم العين؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- شاءت حكمته أن يغيبَ عن أبصارنا، وأن تعجزَ حواسُّنا الخمس أن تدركَه لذلك تحتاج معرفته إلى جهد عقلي، فالذي آمن بالله بالغيب، كيف آمن بالغيب؟ أي نظر في الخلق فعرف الخالق، ونظر في النظام فعرف المنظِّم، نظر في الحِكَم فعرف الحكيم، كلمة آمن بالغيب هل كلمة ألقاها؟! لا -بل إنَّها بحث دقيق توصَّل إليه- الآية مرَّة ثانية ﴿إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ* ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ﴾ يتفكَّرون فعل مضارع باستمرار ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾
فيا أيُّها الإخوة الأكارم؛ دققوا في هذه الحقيقة: مستوى المحسوسات أداتها الحواس الخمس، مستوى المعقولات أداتها العقل، مستوى الإخباريات أداتها الخبر الصادق، وقبل أن تبحثَ في موضوعات الدِّين أولاً حدد هوية القضية -محسوسة أم معقولة أم إخبارية- فإن حددت هويتها استخدمت الأداة المناسبة لها، فأنت أمام كأس ماء هل تحتاج إلى عقل لتعرف ما هذا، لا تحتاج إلى عقل تحتاج إلى العين، هل الماء صافٍ تحتاج عينًا، يوجد طعام وشراب هذا لا يحتاج إلى عقل هذا يحتاج إلى حواس، أما هل يوجد كهرباء في المسجد؟ انظر إلى الثريات متألقة، والصوت مكبَّر إذًا يوجد كهرباء، هنا تحتاج إلى عقل، يا تُرى ماذا يوجد فوق هذا السقف؟ اسأل المهندس لأن هذا إخبار، العين لا ترى ماذا فوق السقف، يوجد سقف قرميد، ويوجد سقف تقليدي خشبي، وبينهما فراغ؟ لا نعلم لأن هذا شيءٌ مغيَّبٌ عن حواسنا وبالتالي عن عقولنا، إذاً لا بدَّ فيه من خبرٍ صادق، أنت دخلت إلى بيت مثلاً فوجدت غرفة مغلقة، فسألت صاحب البيت ماذا في هذه الغرفة؟ يقول لك: هذه غرفة نوم، هذا خبر، أما إذا كان أمامك أداة، كنبة، مسجِّلة، مُكيّف.. فلا يوجد داعٍ لأن تسأل لأن عينك تراه، كلُّ هذا الكلام من أجل كلمةٍ واحدة: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ﴾ فمعنى بالغيب: أي أعمل عقله حتى توصَّل إلى حقيقةٍ ثابتة، بذل جهداً؛ لذلك أول آية كما قلت قبل قليل: ﴿ الٓمٓ* ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ﴾ غابت ذات الله عن حواسِّهم فأدركته عقولهم، والعوام بكلمةٍ بسيطةٍ متداولةٍ يقولون: "الله ما انشاف بالعقل انعرف" ، الله لا يُرى بالعين لكن العقل يدركه؛ لذلك آيات العقل والعلم تزيد عن ألف آيةٍ في القرآن الكريم: أفلا يعقلون؟! أفلا يتفكرون؟! أفلا يتذكرون؟! إفلا ينظرون؟!

ضرورة التفكر في عاقبة كل أمر :


﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ لو أن أحدهم ركب دراجة تمشي في طريق مستوية وفجأةً رأى طريقين: طريق نازلة وطريق صاعدة - الطريق تُذكر وتؤَنَّث- راكب الدراجة يرتاح في النزول جداً، ويصعب عليه الصعود جداً، فالشيء المحسوس الطريق نازلة وهذه صاعدة، الحركة على هذه الطريق بالدراجة ممتعة جداً وهذه متعبة جداً، لو أن لوحةً كُتبت عند مفترق الطرق: هذا الطريق النازل ينتهي بحفرةٍ سحيقةٍ ما لها من قرار، فيها وحوشٌ مفترسةٌ كاسرة تلتهم كلَّ من يقع فيها، وهذه الطريق الصاعدة تنتهي بقصرٍ مُنيف فيه كلّ شيء –انظر للإنسان- إذا اعتمد الإنسان على حواسه اختار الطريق النازلة، أما إذا قرأ اللوحة واعتمد على عقله  يسلك الطريق الصاعدة؛ لذلك:

(( من أنظرَ مُعسرًا أو وضعَ لَهُ، وقاهُ اللَّهُ من فَيحِ جَهَنَّمَ، ألا إنَّ عملَ الجنَّةِ حزنٌ بربوةٍ ثلاثًا- ألا إنَّ عملَ النَّارِ سَهْلٌ بسَهْوةٍ، والسَّعيدُ مَن وُقيَ الفتنَ، وما مِن جَرعةٍ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن جَرعةِ غَيظٍ يَكْظِمُها عبدٌ، ما كظمَها عبدٌ للَّهِ إلَّا ملأَ اللَّهُ جَوفَهُ إيمانًا ))

[ مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس  ]

لذلك:

(( حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ))

[ صحيح مسلم عن أنس بن مالك  ]

إذا عطَّل الإنسان عقله ينظر إلى النساء، يشرب أي شراب، يسهر في أي مكان، يحكي أي قصة، إذا عطَّل عقله ينساق مع شهواته، أما إذا فكَّر: هذه لا تُرضي الله، هذه محرَّمة، فهذان الطريقان بحسب طبيعة جسمك والدراجة التي لا يوجد فيها محرِّك النزول أكثر راحة لك، والصعود صعب جداً، ولكن إذا قرأت اللوحة، صار القصر خبراً والحفرة السحيقة خبراً، أما النزول محسوس والصعود محسوس، فالذي لا يُعمل عقله ويتعامل مع حواسه يختار الطريق النازلة، والذي يُعمل عقله وقرأ اللوحة عرف أن وراء النزول هلاكاً ووراء الصعود نعيماً فاختار الصعود، هذا الذي يفعله الناس إذا رأوا مؤمناً يخشى الله، يضبط لسانه، يتحرَّى الحلال، يؤثر دخلاً قليلاً حلالاً على دخل كبير حرام، يُتَّهم عند الناس بالجنون وهو العاقل وحده لأنه قرأ اللوحة واختار الطلوع، هذا القصر المنيف كلّ شيء فيه مع أنَّ الصعود  صعب جداً بالدراجة ويتطلب جهداً، أحياناً يضطر أن يحمل الدراجة، الطريق الصاعد فيه عقبات، فيه صخور، فيه غبار، فيه أكمات ولكن ينتهي بقصر لمن وصل إليه، والطريق النازل طريق معبَّد محفوف بالرياحين والورود والدراجة ترتاح بالنزول لكن ينتهي بهذه الحفرة، هكذا الحديث: (ألا إنَّ عملَ الجنَّةِ حزنٌ بربوةٍ ثلاثًا، ألا إنَّ عملَ النَّارِ سَهْلٌ بسَهْوةٍ) فالقصة كلَّها هي أن تُحَكِّم عقلك، سأضرب مثلاً آخر ذكرته مئات المرَّات: أحد باصات المهاجرين كانت تقف في ساحة المَرْجَة باتجاه غرب شرق، يصعد الركَّاب إليها، على اليمين شمس وعلى اليسار ظل، يصعد الراكب فإذا حكَّم عقله يجلس في الشمس والوقت صيف والحرارة أربعون يجلس في الشمس، والذي لا يُحكَّم عقله بحكم فطرته وجسمه يجلس في الظل، يتحرك الباص ويدور حول المرجة وخلال دقيقة تنعكس الآية، فالذي اختار الظل تنعَّم في دقيقة وتحمَّل الشمس نصف ساعة، فأنا كنت أصعد لأمتحن الرُكاب فأجد أن هذا جلس في الظل وهذا في الشمس، هذا المثل على بساطته هو الدنيا كلَّها، فإذا أردت الدنيا؛ امرأة جميلة تمشي في الطريق نظرت إليها ملأت عينيك منها انقطعت عن الله -عزَّ وجلَّ-، وإذا لديك دخل كبير ولكنه مشبوه، فقلت: لا -معاذ الله-، أنا قارئ اللوحة واخترت الطلوع، هذا المثل ضعوه في أذهانكم: اقرأ اللوحة واختر الطلوع، أو اختر الشمس واترك الظل، الشمس دقيقة ولكن الظل ليس نصف ساعة إلى أبد الآبدين، والذي اختار الظل دقيقة تحمَّل جهنم إلى الأبد، هذه هي القصة كلَّها، ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ مغفرة تَمحي عنك كلَّ السيِّئات، الماضي مطوي بمغفرة، كلَّ الماضي بكلمة واحدة (لا تيأس).

(( قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي يا ابنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً ))

[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك   ]

﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ فالقضية كلَّها قضية تحكيم عقل، تفكُّر في خلق السماوات والأرض، تدبُّر القرآن، النظر في أفعال الله، والبحث عن أمر الله وتطبيقه فأنت من أسعد الناس، أما إذا عطَّل عقله يتعامل بالحواس مع أشياء مادِّية، كلُّ شيء موجود في الطريق، إذا أطلق بصره، وأطلق سمعه فسمع الأغاني المحبَّبة، وأطلق عينه فملأها من جمال الحسناوات في الطريق، وأكل ما يشتهي، وجلس مع من يشتهي، وقبض المال الكبير من شبهة أو من غير شبهة، هذا لم يقرأ اللوحة واختار النزول وينتظره الهلاك.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أيّها الإخوة؛ نستفيد من هذه الآية أن الإنسان الذي لا يؤمن بالله غيباً لا يخشاه، الناس يتوهمون أنه (إن آمنت به غيبًا) كلمة واحدة تقولها، لا إنّها جلسات تفكُّر طويلة، تدقيق، استنباط، تمحيص، أي أعملت عقلك في الكون حتى عرفت مُكونه فخِفت منه، ورغبت في مرضاته، وبحثت عن أمره ونهيه فطبقته، هذا هو معنى الآية، الآن: 

الله تعالى عالِم السّر و النّجوى :


﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِۦٓ ۖ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (13)﴾

[ سورة الملك ]

أي أنت مكشوف.

﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى (7)﴾

[ سورة طه ]

يعلم جهرك وعلانيَّتك، ما تعلنه وما تقوله وما تبديه، ويعلم الذي تخفيه عن الناس، يعلم سرّك ونجواك، ويعلم الذي لا تعلمه أنت، عَلِم ما كان وعلِم ما سيكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، علم جهرك، وعلم سرَّك، وعلم ما يَخْفى عنك ﴿يَعْلَمُ السِّرّ وَأَخْفَى﴾
﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِۦٓ ۖ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ أي لا تتخذ موقفاً تمثيلياً مع الله أبداً، فإذا وقفت موقفاً تمثيلياً مع الله -عزَّ وجلَّ- فإنّك لا تفهم شيئاً؛ لأن الله يكشف كلَّ شيء.

﴿ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمْ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ (14) ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)﴾

[   سورة البقرة  ]

إيّاك أن تتخذَ مع الله موقفاً تمثيلياً، إيّاك أن تتخذَ موقفاً مزدوجاً؛ لأن الله كاشفٌ كلّ حقيقة.

﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِۦٓ ۖ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ(14)﴾

[ سورة الملك ]

بلى هو الذي خلقك، هو المكوِّن، هو الخالق، هو الربُّ، هو الحكيم، هو العليم، أنت بين يديه.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾

[ سورة الأنفال ]

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَآ أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ (7)﴾

[ سورة المجادلة ]


أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان :


لذلك متى ستنجو أنت؟ إن علِمت أن الله يعلم، وأن الله معك، والله متطَّلِعٌ عليك.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ (14)﴾

[ سورة الفجر ]

﴿ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[ سورة الحديد ]

﴿  أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)﴾

[ سورة الإسراء ]

يرى تقلُّبَك في الساجدين، يرى صلاتك، يرى ذِكْرَك، يرى إقبالك، يعلم مضمون كلامك، كلُّه في علمه ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِۦٓ ۖ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ*أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ﴾
فما مناسبة اللطيف الخبير؟ هو خبير بك وهو معك، ولكن وجوده معك غير مُحْرِج؛ لطيف، فإذا رافقك إنسان ساعتين مثلاً تقول لك: والله لقد مللت وجوده، يا أخي اتركنا، إن كان أحدهم معك دائمًا تتضايق فهو رقيب، أما الله فهو دائماً معك دون أن تشعر، ودون أن تُرهَقَ.

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)﴾

[ سورة الحج ]

أي هو معك بلطف، خبير بكلِّ أعمالك دون أن تشعر، فلذلك أحد أكبر دوافع المؤمن إلى طاعة الله أنّ الله معه، وأنّ الله يراقبه، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، ومُطَّلِع عليه، أي كلمة تنطق بها يعلم الله صحتها من كذبها، إخلاصها من خيانتها، صوابها من خطئها، أي تصرُّف، أي نظرة، أي حركة، أي موقف ﴿لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، خبير بما تفعل لكن دون أن تشعرَ، دون أن يكونَ هذا عبئاً عليك ﴿لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ ، ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِۦٓ ۖ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ* أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ﴾ 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور