وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الملك - تفسير الآيات 5 ـ 14 - مصير المكذبين بالغيب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

جمال الدنيا نموذج مصغر عن جمال الجنة :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث من سورة الملك، ومع الآية الخامسة وهي قوله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾

[سورة الملك: 5]

 أيها الأخوة الكرام؛ لقد وضع الله في الأرض الكثير من المناحي الجمالية، فهناك سماءٌ مزدانةٌ بالنجوم، و جبالٌ خضراء، وبساتين غَنَّاء، وبحارٌ صافية، هذه المسحةٌ الجمالية التي أودعها الله في الكون لها مهمةٌ خطيرة، و هذه المهمة هي أن الله سبحانه وتعالى إذا حدَّثنا عن جمال الجنة ولم يكن في الأرض مواطن جمالية فإننا لن نفهم هذا الحديث إطلاقاً، لأن اللُغة تثير صوراً وتجارب في نفس الإنسان، قل لإنسان مثلاً كلمة بحر، لقد قلت ثلاث حروف: الباء، والحاء، والراء، لكن هذه الكلمة أثارت عند السامع صورة البحر، جمال البحر، مَوْج البحر، عمق البحر، اتساع البحر، أثارت في نفس السامع كل هذه الصور، فلولا أن السامع ذهب إلى البحر، وركب البحر، وسبح في البحر، ورأى اتساع البحر، وعمق البحر لما فهم شيئاً مما تقول، اللُّغة تثير في الإنسان خبراتٍ سابقة، أو صوراً سابقة، فلو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُحَبِّبنا بالجنة فوصفها ولم يكن في الأرض شيءٌ جميل نُعَلِّق عليه كلمات الجنة، لن نفقه عندئذٍ شيئاً عن الجنة، فالمواطن الجمالية في الأرض من جبالٍ خضراء، إلى بساتين غنَّاء، إلى جداول رقراقة، إلى بحرٍ جميل، إلى طفلٍ جميل، هذه الصور الجميلة من أجل أن يكون لوصف الجنة مرتكز من واقع الحياة.

 

لكلّ شيء جميل وظيفتان؛ بيانية و ابتلائية :

 ربنا سبحانه وتعالى زَيَّن السماء الدنيا بمصابيح، وقد كان فيما سمعت أن الذين عَدُّوا نجوم السماء بأعينهم رأوا أن هذه النجوم لا تزيد عن عشرة آلاف نَجْم، وهي النجوم التي نراها بأعيننا، لكن تقدير علماء الفلك يقول إن هناك مليون مليون مجرة، وفي كل مجرةٍ مليون مليونِ نجم، فهذه النجوم التي نراها بأعيننا هي السماء الدنيا، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾

[سورة الملك: 5]

 المعنى الآخر من التزيين:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾

[سورة الكهف:7]

 الشيء الدقيق هو أن الأرض فيها أشياء جميلة، والأشياء الجميلة محسوسة ملموسة بحواسنا الخمس، بعيوننا، بآذاننا، فهناك صور جميلة، و أصوات جميلة، و طعوم طيِّبة ومباهج، فالدنيا محسوسة والآخرة خَبَر، من هنا نرقى، فالآخرة خبر، و الجنة وصف، وصف في القرآن، شرح من بيان النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الجنة خبر، والدنيا محسوسة، فالذي يؤثر الآخرة يرقى عند الله، فلو أن الآخرة محسوسة كالدنيا لما ارتقينا إلى الله أبداً، قال تعالى:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾

[سورة الكهف:7]

 ركبت في الإنسان نوازع و غرائز و شهوات و ميول، وهناك أشياء جميلة بدءاً من النساء إلى الطعوم، إلى القصور، إلى البساتين، إلى الممتلكات، إلى مُتَع الحياة، لكن هناك آخرة جاءت في كتاب الله، فالذي يتعلَّق بما هو جميل في الدنيا ولا يعبأ بالمصير هو الذي يسقُط عند الله عزَّ وجل، والذي يصدِّق الله عزَّ وجل ويؤمن بما وعد الله به المؤمنين ولا يأخذ من الدنيا إلا ما سُمِحَ له مما وافق منهج الله عزَّ وجل هذا الذي يرقى إلى الله عزَّ وجل.
 الشيء الجميل له وظيفتان؛ وظيفةٌ بيانية ووظيفةٌ ابتلائية، به تُبْتَلى، وبه تعرف الآخرة.

 

وظائف النجوم :

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ ﴾

[سورة الملك: 5]

 قال العلماء: هذه النجوم لها ثلاث وظائف حصراً وما سوى ذلك ظنٌ ووهم،
 الوظيفة الأولى أنها مصابيح، الوظيفة الثانية أنها رجومٌ للشياطين، الوظيفة الثالثة أنها علاماتٌ نهتدي بها في ظلمات البرّ والبحر، فالنجوم نهتدي بها، وهي مصابيح للدنيا، و رجومٌ للشياطين:

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ ﴾

[سورة الملك: 5]

 طبعاً لدينا آيات أخرى تُفَسِّرُ هذا، فالشيطان كان يصعد إلى السماء ليسترق السمع، وعندئذٍ كان يتبعه شهابٌ راصد، فيُرْجَم الشيطان بشهابٍ من هذا النجم، فليس النجم هو الذي يُلْقى على الشيطان كلياً، بل جزءٌ من النجم، شهابٌ من النجم يلقى على الشيطان فيحرقه.

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ ﴾

[سورة الملك: 5]

الحكمة من عدم تفسير النبي الكريم الآيات الكونية :

 لماذا لم يفسر النبي صلى الله عليه وسلم الآيات الكونية؟ ربنا جلَّ جلاله أعطانا من الآيات الكونية الشيء الذي تفهمه عقولنا، فقد أشار سبحانه في القرآن إلى أصول العلوم ولم يأت بتفاصيل، لماذا؟ لأن الإنسان مكلَّف- افعل ولا تفعل- فإذا فعل ما أُمر أن يفعل وامتنع عما مُنْع وصل إلى جنة ربه، أما آيات الكون فكلما تقدَّم العلم كشف جانباً من عظمتها، لذلك فالقرآن الكريم معجزة المسلمين إلى يوم القيامة، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام - كما بيَّنت لكم من قبل- قد أوحى الله سبحانه وتعالى إليه ألا يبين ويفصِّل في آيات الكون، وهذه حكمةٌ بالغةٌ منه، فإنه إن شرحها شرحاً مُبَسطاً جداً يفهمه عقول من حوله لأنكر عليه هؤلاء الذي أتوا بعد آلاف السنين وقد تطوَّر العلم تطوراً كبيراً، و إن شرحها شرحاً مفصلاً تعجز عقول من حوله عن إدراكه وقع هؤلاء في مشكلة وهؤلاء في مشكلة، إما أن ينكر عليه الذين حوله إذا بيَّن وفصَّل، وإما أن ننكر نحن الذي جئنا بعد آلاف السنين، وقد توصَّل العلم إلى كشف حقائق الكون، لذلك فصَّل النبي عليه الصلاة والسلام وبيَّن في التكاليف، أما في الآيات الكونية فترك كل عصرٍ يكشف جانباً من عظمة هذا الكون.

القرآن الكريم مُعجزة المسلمين المستمرَّة :

 لذلك يُعَدُّ القرآن الكريم مُعجزة المسلمين المستمرَّة، وهذا يؤكِّده قول الإمام علي كرم الله وجهه: في القرآن آياتٌ لَمَّا تُفَسَّر بعد، أضرب على هذا بعض الأمثلة؛ الآية التي وردت في القرآن هي قوله تعالى:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾

[سورة الرحمن: 19-20-21]

 هذه الآية وقف عندها المفسِّرون طويلاً ولم يستطيعوا أن يُعطوا تفسيراً قاطعاً لها، أين هو هذا البرزخ؟

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾

  الآن بعد ألفٍ وأربعمئة عام صوَّرت سفن الفضاء خطوطاً عند تلاقي البحار، هذه الخطوط خطوط تباين، فلما عَكفوا على دراسة مياه البحار وجدوا أن كل بحرٍ له مكوِّناته، وله خصائصه، وله كثافته، وله ملوحته، وأن مياه أي بحرٍ لا يمكن أن تختلط بمياه البحر الآخر، وقد رأوا من خلال سفن الفضاء هذا الخَط بين البحرين، في باب المندب، وبين البحرين الأبيض والأحمر، وبين الأبيض والأسود، وبين الأبيض والأطلسي، هذه الخطوط المتباينة فسرت بها الآية الكريمة:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾

[سورة الرحمن: 19-20-21]

 لذلك انطلق بعض العلماء الذين اختصوا بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم إلى معظم بقاع العالم، والتقوا مع قمم العلوم في شَتَّى بقاع الأرض، وكلما عرضوا عليهم حقيقةً قُرآنية في اختصاصهم خضعوا وقالوا: هذا لا يمكن أن يكون من عند بشر، لأن مُحَصِّلة العلوم البشرية وصلت بنا إلى هذه الحقيقة، أما أن يأتي بها إنسانٌ قبل ألفٍ وأربعمئة عام ويعرض هذه الحقائق فهذا يعني أنه رسول الله.
 وهناك مثل آخر؛ ذبح الشاة بقطع أوداجها دون رأسها، أوضح لكم هذه الحقيقة بمثل آخر.
 النبي عليه الصلاة والسلام- وهذا من دلائل نبوته- أمرنا أن نذبح الشاة بقطع أوداجها فقط دون أن نقطع رأسها، فلا في عصر النبي ولا بعد عصر النبي، ولا في بيئة النبي ولا في مراكز الحضارة في عهد النبي، ولا بعد ألفٍ وأربعمئة عام يمكن للعلم أن يُفَسِّرَ هذا الأمر النبوي:

(( اقطع أوداج الدَّابة دون أن تقطع رأسها ))

 ثم عُرِفَ أخيراً أن القلب يتلقَّى أمراً بالنبض مِنه ذاتياً، من مركزٍ كهربائيٍ ذاتي، فإن تعطَّل هذا المركز تلقَّاه من مركزٍ بديل في القلب نفسه، فإن تعطل الثاني تلقَّاه من مركزٍ ثالث، إلا أن هذه المراكز الثلاثة تعطي أمراً بالضربات النظامية- ثمانون ضربة في الدقيقة- مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم خارج الدابة، فلو أننا قطعنا رأس الدَّابة لتعطَّل الأمر الاستثنائي و لرُفعت الضربات من ثمانين إلى مئة وثمانين، فالقلب البشري يَنْبِض مئة وثمانين نبضة في حالات استثنائية، في الجهد، أو في الخوف، فقلب هذه الدابة يأخذ أمراً بثمانين ضربة من القلب نفسه، ويأخذ أمراً استثنائياً بمئة وثمانين ضربة من الدماغ، فلو قُطِعَ رأس الدابة لعجز القلب عن إفراغ الدم من الذبيحة، و كلام النبي ليس عن خبرةٍ، ولا عن تجربةٍ، ولا عن ثقافةٍ، ولا عن معطيات أرضية، كلام النبي عليه الصلاة والسلام وحيٌ يوحى، وهذا من دلائل نبوة النبي، إذاً:

﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾

[سورة الملك: 5]

 أما هؤلاء الشياطين الذين شَطَّ بهم السير عن منهج الله عزَّ وجل، وأرادوا إغواء البشر، فإذا أرادوا أن يسترقوا السمع كانت هذه النجوم رجوماً لهم، ومصيرهم في الآخرة إلى عذاب جهنم وبئس المصير.

 

النار مثوى كل من غفل عن ربه في الحياة الدنيا :

 ويقول بعض علماء التفسير: يقول الله عزَّ وجل استطراداً:

﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾

[سورة الملك:6]

 فالشياطين إلى جهنم وبئس المصير..

﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ*إِذَا أُلْقُوا فِيهَا ﴾

  فإذا أُلقي هؤلاء الكفار في النار، أو إذا أُلقي الجن الذي خرجوا عن منهج الله في النار..

﴿ سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ﴾

[سورة الملك:7]

 كشهيق الدَّابة إذا رأت الشَعير، أي تطلّع الدابة إلى غذاءٍ تأكله، وشهيق النار أي أنها تنتظرهم، وهذه صورة من صور النار.
 وبعضهم قال: شهيق الكفار حينما يلقون في النار

﴿ سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ﴾

 ، تفور أي تغلي، تغلي النار من شدة غيظها على أولئك الذين غفلوا عن ربهم في الحياة الدنيا، وأساؤوا إلى خَلقه،

﴿ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ* تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾

 تَمَيَّزُ أي تتفرق، أي تتقطع من شدة غيظها، فالحقيقة الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، والإنسان قد ينشغل بدنياه، قد ينشغل بعمله، قد ينشغل بشهواته، بمكاسبه، بملذَّاته، قد ينغمس في حمأة الشهوة، فهو في غفلةٍ عن ربه، أما حينما يصحو و يأتيه مَلَك الموت وتنقطع عنه شهواته عندئذٍ يتمزَّق ندماً لما فعل، هو و كل من حوله، تصور أباً يغدق على ابنه كل شيء من أجل أن يدرس، لكنه لا يدرس، بل يُسيء إلى والده، فحينما يصحو ويرى فعل أبيه معه، ثم يرى لُؤْمَه، وينتبه إلى أنه ردَّ المعروف منكراً على أبيه، حينما يصحو ويستيقظ ضميره يتمزق ويتألم أشد الألم، لذلك:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾

[سورة غافر:10]

 حينما كان الله يدعوكم إلى أن تؤمنوا به، يدعوكم إلى أن تتعرفوا إلى منهجه، يدعوكم إلى أن تطيعوه، إلى أن تسجدوا له لتسعدوا بقربه، حينما كان يدعوكم كنتم تستنكفون وتستكبرون، لقد كان الله يَمْقُتكُم أكبر من مقتكم الآن لأنفسكم..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾

[سورة غافر:10]

﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾

  وكأن النار هنا نفسٌ مدركةٌ تغتاظ من هذا الكافر الذي جَحَدَ نِعَمَ الله عزَّ وجل، الذي سُخِّر له ما في السموات وما في الأرض، فكان وحده الغافل، وقد قال الله عزَّ وجل:

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾

[سورة الإسراء:44]

 أيُعْقل أن يكون المسخَّر لك صاحٍ وأنت الذي سُخِّر لك كل ما في السموات والأرض غافل؟ فهذا الكافر يرتكب في حق نفسه جريمةً، نحن لا نستبعد ذلك كثيراً، ففي بعض الأيام يقتل بعض المجرمين أباه، و بعضهم يقتل أمَّه، بعضهم يقتل أولاده، فنرى الناس جميعاً يحتقرون، يتميَّزون من شدة الغضب..

﴿ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾

[سورة الملك:8]

﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾

[سورة الإسراء:15]

 قال بعضهم: العقل هو الرسول،

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾

.

 

إلزام الله عز وجل نفسه ببيان طريق الحق و السعادة للإنسان :

 و الله جلَّ جلاله يقول:

﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾

[سورةالأنفال:22]

 وعلى الله قصد السبيل، قال بعض العلماء: على الله، على تفيد الإلزام، فإذا جاءت على مع لفظ الجلالة تفيد الإلزام، وعلى الله قصد السبيل، أي وعلى الله بيان سبيل القصد، وعلى الله بيان طريق الحق، بيان طريق السلامة، بيان طريق السعادة، وعلى الله الهدى، فقد قال:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾

[سورة الليل:12]

 فربنا عزَّ وجل تولَّى أن يهدينا، تولى أن يسمعنا الحق، تولى أن يوصل إلينا الهدى، هذا على الله، علينا الاستجابة فقط، علينا أن نستجيب..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

[سورة الأنفال:24]

 فالإنسان قبل أن يعرف الله في حكم المَيِّت، ماتت نفسه وتحركت أعضاؤه، أما حينما يعرف الله عزَّ وجل فكان ميتاً يحييه الله بالهدى، فهناك حياة الجسد وهناك حياة القلب، و حياة القلب بمعرفة الله وذكره.

﴿ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ*تَكَادُ﴾

  تفور أي تغلي، تكاد تتقطع وتتمايز أجزاؤها من الغيظ.

 

التعريف بالنذير :

﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾

  ما النذير؟ الحقيقة يوجد آيات كثيرة جداً تبيِّن معنى النذير، قال تعالى يعاتب الكفار:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾

[سورة فاطر:37]

 قالوا: النذير كتاب الله لأن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب بيَّن فيه الحلال والحرام، الخير والشر، الحق والباطل، أمر فيه ونهى، و بيّن أحوال الأمم السابقة ومصير الأمم اللاحقة، بيّن فيه أحوال أهل النار، وأحوال أهل الجنة، فهذا الكتاب هو النذير، كتابٌ من عند الله، ففي التعامل اليومي أحياناً يوجه للموظف إنذار خطي، وهذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا نذير، نذير لأنه ينهانا ويحذِّرُنا ويخوِّفنا ويعدنا بعذابٍ أليم في الآخرة.
 وقال بعض العلماء :النذير هو النبي عليه الصلاة والسلام، لقول الله عزَّ وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً*وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾

[سورة الأحزاب:45-46]

 كما قال بعض العلماء: هو الشَيْب..

((عبدي كبرت سنك، وشاب شعرك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك فاستح مني فأنا أستحي منك ))

[ورد في الأثر]

إلى متى أنت باللذَّات مشغولُ  وأنت عن كل ما قدَّمت مسؤولُ
* * *

 فالنذير هنا هو الشيب.
  وبعضهم قال: النذير هو سن الأربعين، الإنسان إذا بلغ الأربعين، بلغ النضج و اكتمل عقله وتوازنت انفعالاته و أدرك الحقائق، لذلك الأربَعون هي النذير.
 وقال بعضهم: الستون هي النذير.
 القرآن هو النذير، والنبي عليه الصلاة والسلام هو النذير، والشيب هو النذير، والأربعون هي النذير، والستون هي النذير أيضاً.
 وقال بعضهم: المصائب هي النذير لأن الله سبحانه وتعالى كان من الممكن أن يبقي الإنسان قوياً، صحيحاً، معافى، غنياً، وسيماً، متألِّقاً إلى أن يأتيه الموت في ثانيةٍ واحدة، لكن بهذه الطريقة لا يتوب إلى الله عز َّوجلّ، بل يبقى في بغيه وعدوانه وانحرافه، ولكن تأتي المصائب فتلفت نظر الإنسان إلى الله، وبقدر الانحراف تأتي المُصيبة، انحراف بسيط مصيبةٌ خفيفة، و كلما ازداد الانحراف ازدادت شدة المُصيبة من أجل أن تُصيب الهدف، وأن تعيده إلى الصواب، لذلك قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾

[سورة الروم:41]

 من نعم الله على الإنسان أنه إذا انحرف أذاقه نتائج انحرافه، كان من الممكن ألا يذوق نتائج انحرافه، ولكن شاءت حكمة الله أن الإنسان إذا انحرف فإن الله يذيقه نتائج انحرافه، من أجل ماذا؟ من أجل أن يرجع إلى الله.

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾

[سورة الروم:41]

 فالمصائب هي النذير، وموت الأقارب هو النذير، كان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا دفعةً واحدة، وأن نغادرها دفعةً واحدة، عندئذٍ لا يتعظ بعضنا ببعض، عندئذٍ لا نعرف ما هو الموت، لكن هذا الموت التدريجي، أناسٌ يموتون، وأناسٌ يَتَّعِظون، كما قال سيدنا عمر: و اعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخَطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حِذرنا، الكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني .
 النذير هو القرآن الكريم، والنذير هو النبي عليه الصلاة والسلام، والنذير هو الشيب، والنذير هو سن الأربعين، والنذير هو سن الستين، والنذير هو المصائب، والنذير موت الأقارب، النذير موجود، ولله آياتٌ في كل عصر، آيات الله صارخة، وواضحة، وبيِّنة، وهذه تنذر،

﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾

، أي ما الذي جاء بكم إلى هنا؟ أين عقلكم؟ ألم يأتكم نذير ينذركم؟
 أخواننا الكرام؛ نحن أحياء، نحن الآن نتلقَّى النذير، الإنسان إذا وصل إليه الحق صار مُداناً، نحن الآن نستمع إلى كلام الله، ما دام القلب ينبض فنحن في بحبوحة أن نعود إلى الله، أن نتوب إليه، أن نستجيب له، أن نصطلح معه، أن نستقيم على أمره..

 

أقوال الكفار إذا دُعوا إلى الله :

﴿ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ﴾

  أقوال الكفار إذا دعوا إلى الله.
 الآن استمع إلى أقوال الكفار إذا دُعوا إلى الله.
 يقول لك أحدهم: هذه دعوات غيبية و نحن واقعيّون، يقول لك: هذا الذي يدعوك إلى الله له حظوظ، وله نوايا، وله مطامع في الدنيا، وإما أن يطعن بالذي يدعوه، فقد قالوا عن النبي إنه مجنون، وقالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: كاهن، وقالوا عنه: شاعر، وأهل الكفر دائماً يطعنون بمن يدعوهم إلى الله عزَّ وجل، ويطعنون بدعوتهم، و يسفِّهون شخصيتهم.

﴿ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾

[سورة الملك:9]

الحكمة من أن رسالة نبينا الكريم آخر الرسالات :

 قد تسأل: ما الحكمة التي أرادها الله من أنه ختم بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام الرسالات؟ تصوَّر لو أن نبياً جاء في هذا العصر، إذاً لسمعت عنه العجب العجاب، لقد قرأت تحليلات من علماء نفس، و تحليلات من بعض الدارسين للتاريخ، لقد كانوا يفهمونه على أية طريقةٍ إلا أنه نبي، فالكفر أحياناً يفلسف، والإنسان الكافر حينما أعرض عن الله عزَّ وجل كان معه جهاز خطير وهو الفكر، فالفكر عند الكافر يستخدمه لرد الحق، ويستخدمه لفلسفة الشر، ولتزيين الباطل، ولتغطية الانحراف، فكر تبريري، لذلك:

﴿ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ﴾

 فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء قومه ألم يروا صدقه وأمانته وعفافه ونسبه؟ ألم يقرؤوا هذا القرآن الكريم الذي جاء به؟ هل في هذا القرآن مأخذٌ؟ هل فيه ريبٌ؟ هل فيه خللٌ؟ ألم يروا كماله؟ ألم يروا عفافه؟ ألم يروا علمه؟ ألم يروا رحمته؟ ومع ذلك كذَّبوه:

﴿ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾

[سورة الملك:9]

دليلا الوصول إلى الله عقلي وإخباري :

 وقالوا: هذه مقولة الكفار في النار:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾

[سورة الملك:10]

 دليلا الوصول إلى الله عقلي وإخباري، نسمع أو نعقل، نسمع هذا الدليل الإخباري، ونعقل الدليل العقلي، والإنسان لا يصل إلى الله إلا بدليلين، دليل عقلي، ودليل إخباري، من خلال التأمُّل في الكون تتعرف إلى خالق الكون، هذا دليل عقلي، أما في الدين فهناك حقائق لا يمكن لعقلك أن يصل إليها إلا أن تأتيه عن طريق الوحي، لذلك يأتي السمع للإخبار الإلهي، والعقل للدليل الاستنباطي، فأنت تتعرف إلى الله من خلال الكون، هذا العقل الذي أودعه الله فيك يحكم أن لهذا الكون خالقاً، وأن لهذا الكون مُربياً، وأن لهذا الكون مُسيراً، وأن هذا الخالق والرَّب والمُسَيِّر موجودٌ وواحدٌ وكامل.
 لكن هذا الفكر لا يستطيع عن طريق التأمُّل أن يعرف لماذا خلقنا الله عزَّ وجل؟ هذا يجب أن يعلمك الله به، هذا الفكر من خلال التأمُّل لا يمكن أن يعرف عن الماضي السحيق شيئاً، عن أصل الوجود، ولا عن المستقبل البعيد شيئاً، هذا العقل الذي أمدَّك الله به لا يمكن أن يعرف عن ذات الله شيئاً، فكل شيءٍ عجز العقل عن إدراكه أخبرك الوحي به، صار عندك دليل عقلي تصل به إلى الله، ودليل نقلي يُخبرك عن الله، هؤلاء الكفار ما استخدموا عقولهم كي تصل بهم إلى الله، ولا أَصغوا السمع ليتعرَّفوا إلى الله من خلال ما يُلقى عليهم، هم بعيدون عن إعمال عقولهم، وعن إصغاء السمع للدليل الذي جاءهم الوحي به،

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾

 أيها الأخوة الكرام؛ خطأ كبير جداً أن تنقل قضيةً من دائرة المسموعات إلى دائرة المعقولات، فالعقل البشري إن استخدمته فيما خُلِقَ له يعطيك أروع النتائج، أما إذا استخدمته لغير ما خلق له، إذا جئت بقضيةٍ غيبيةٍ أوحاها الله إلى نبيِّه فجعلتها تحت بساط البحث العقلي، العقل عندئذٍ لا يستطيع أن يعطيك نتيجةً إطلاقاً.. لأنك سخَّرته لغير ما خلق له، أنت بالكون تعرفه، وبالوحي يكشف لك كل ما عجز العقل عن إدراكه،

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ*فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 عودٌ على بدء،

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾

  حقائق الغيب، الآخرة غيب، و الجنة غيب، و النار غيب، أما بهذه العين فنرى كل الأشياء المحسوسة، فالدنيا محسوسة، ملموسة، مرئية، مسموعة، مشاهدة، والآخرة غيب، فالإنسان إما أن يخاف بعينه، وإما أن يخاف بعقله، وكلما هبط مستواه يخاف بعينه، وكلما ارتقى مستواه يخاف بعقله، فهذا الذي تعرَّف إلى الله من خلال الكون، وتعرف إلى منهجه، وخاف منه قبل أن يأتي الموت، خاف منه قبل أن يصل إلى النار، هذا إنسان خشي الله بالغيب، وهذا مما يليق بالإنسان أن يخشاه غيباً، أما شهوداً فما من إنسانٍ على وجه الأرض إذا رأى العذاب إلا ويؤمن، والدليل فرعون..

﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

[سورة يونس:90]

 فكل إنسان كافراً كان أو غير كافر إن جاء الموت كُشِفَت له الحقائق..

﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق:22]

 فالبطولة أن تكشف الحقائق قبل الموت، لذلك الإنسان مع أي شيء خياره خيار قبول أو رفض إلا مع الإيمان خياره خيار وقت، فإما أن يؤمن في الوقت المناسب، وإما أن يؤمن بعد فوات الأوان، وإيمانه بعد فوات الأوان لا قيمة له إطلاقاً.

﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ﴾

[سورة النساء: 18 ]

﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾

[سورة الأنعام:158]

 والبطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان، أن تؤمن بالله غيباً، فهو الذي لا تدركه الأبصار ولكن كل شيءٍ في الكون يدل عليه، فجهنم مثلاً لا نراها ولكن الله أخبرنا بها، و إيمانك بها إيمانٌ بالغيب، و الجنة كذلك لا نراها ولكن الله أخبرنا بها، و يوم الحساب لا نراه ولكن الله أخبرنا به.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾

 هذا الذي يليق بالإنسان، هذا الذي يرفعه إلى المستوى الذي يليق به، فأنت مكشوف عند الله، يعلم سرَّك ونجواك، يعلم سرك وما يخفى عنك.

﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾

  ألا يعلم من خلق- هو الخالق- فأحياناً وجود الإنسان معك يزعجك، أما الله فهو لطيف، هو معكم أينما كنتم، من دون أن تشعر أنه معك، خواطرك يعرفها، نواياك يعرفها، تفكيرك مكشوف عنده، نوازعك، بواعثك، أهدافك، تصرُّفاتك، كل شيء يعتلج في نفسك الله عزَّ وجل متطلعٌ عليه لكنَّه لطيف، الإنسان أحياناً وجوده معك ثقيل، يُزْعِجك، يربكك، الله عزَّ وجل قال:

﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور