وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الملك - تفسير الآيات 2-4 - إتقان الله عز وجل في خلقه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

عدم تطبيق منهج الله مشكلة المسلمين اليوم :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني من سورة الملك، ومع الآية الثالثة وهي قوله تعالى:

﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾

[ سورة الملك: 3-4]

 ما هي مشكلة المسلمين اليوم؟ ولماذا لم تتحقق وعود الله تعالى لهم؟
 أيها الأخوة الكرام؛ لا بدَّ من كلمةٍ بين يديّ هذه الآية وهي أن المسلمين اليوم يقرُّون بأن الله خلق السموات والأرض، وبأن الجنَّة حق، والنار حق، لكن المشكلة الكبيرة أنهم لا يُطبِّقون أمر الله عزّ وجل، ولا شك أن هذه الظاهرة هي ظاهرة مرضية عندهم، أي إن ملياراً ومئتي مليون مسلم – وهم خمس سكان الأرض- وعود الله لهم غير محققة، فأين قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة الحج: 38]

 وأين قول الله تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[سورة النور: 55 ]

 هناك وعود كثيرة للمسلمين اليوم هي غير محققة، ولا نعني هنا أن الله سبحانه وتعالى يمكن ألا يحقق وعده، لكن ينبغي علينا أن نشُكَّ في مصداقية إيماننا، وإني أحاول أن أضع يدي على مشكلة خطيرة، وهي أن أعداداً غفيرة، ملايين مُملينة لم تتحقق فيهم وعود الله عزّ وجل، والله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾

[سورة النساء:87]

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[سورة التوبة: 111 ]

 وهذا يعني أن هناك مشكلة لديهم، وهذه المشكلة هي عدم الالتزام بالأمر والنهي، فالمسلم يقتنع ويعتقد أن الله خالق السموات والأرض، وأن محمداً عليه الصلاة والسلام رسول الله، وأن هذا القرآن كتاب الله، ويؤمن بالجنة والنار بعد الموت، كما يؤمن بالملائكة التي تكتب الحسنات والسيِّئات، وهذه عقيدة كل المسلمين، فأين المشكلة؟ المشكلة تكمن في عدم التطبيق..

 

عدم التزام المؤمن في معرفة الله جعله لا يطبق منهجه سبحانه :

 السؤال الثاني: ما السبب الذي يجعل هذا المسلم لا يُطبِّق؟ أنا أقول لكم السبب ببساطة إنه لا يعرف الله، من عرف أمر الله ولم يعرف الله عزَّ وجل يتفنَّن في التفلُّت من أمره، ويتعلَّق بأضعف فتوى، وقد يتعلَّق بعادات المجتمع وتقاليده، وربما يتعلق بالمنحرفين، يَدَّعي أنه لا يعلم وأن الله غفورٌ رحيم، والسبب في دعواه أنه لا يعرف الله لا يعرف من هو الآمر، وماذا عنده إذا هو أطاعه، وماذا ينتظره إذا عصاه، إذاً فالمشكلة تكمن في أن وعود الله ليست محققة في هذه الأعداد الكبيرة جداً من المسلمين، و الصحابة الكرام رغم قلة عددهم الذي لا يزيد عن عشرة آلاف صحابي، وصلت راياتهم إلى مشارق الأرض ومغاربها، فكان ذلك هو النصر المؤزَّر، قال تعالى:

﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً﴾

[سورة الفتح:3]

 عزيزاً..

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾

[سورة آل عمران: 160 ]

 السبب إذاً هو عدم الالتزام، و سبب عدم الالتزام هو عدم معرفة الواحد الديَّان، فالله عزَّ وجل في هذه الآيات التي بين أيدينا يبيِّن أنك إذا أردت أن تعرف الله فيجب عليك أن تتأمل في مخلوقاته.
 مثال على ذلك وأنا أضرب لك هذا المثل البسيط: أنت أمام غرفتَي نوم، لم تقع عينك على صانعَي هاتين الغرفتين، أفلا تستطيع أن تعرف من هو الأكثر إتقاناً والأعلى ذوقاً والأنصح عملاً من صنعة هذَين النجَّارَين؟

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النحل:60 ]

النظر في السموات و الأرض لمعرفة الله :

 إذاً ربنا عزَّ وجل يقول:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي ﴾

  الآية الأولى شُرِحت في الدرس الماضي..

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾

 عندما يقول ربنا عزَّ وجل:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة يونس: 101]

 لماذا ينبغي علينا أن ننظر في السموات والأرض؟؟ انظروا.. فعل أمر، وقال علماء الأصول: كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب. نحن فهمنا أن الأوامر إنما هي خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، لذلك كان الدين عندنا فيه تراجع، أما الصحيح فهو أن نعتقد أنّ أي أمرٍ في هذا القرآن يقتضي الوجوب، لماذا يقول الله عزَّ وجل:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة يونس: 101]

 من أجل أن نعرفه، ولماذا ينبغي أن نعرفه؟ من أجل أن نطيعه، ولماذا ينبغي أن نطيعه؟ من أجل أن نسلم و نسعد، ففي النهاية كل واحدٍ منَّا شئتم أم أبيتم يبحث عن سلامته وسعادته، فأنت تعرفه من أجل أن تطيعه، وتطيعه من أجل أن تَسْلَمَ وتسعد، هذا ملخصُ ملخصِ الملخص.

 

آيات الله الكونية من أعظم الآيات في التفكر لمعرفة الله :

 إذاً:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ﴾

 آيات كونية؛ الشمس والقمر مثلاً آية من آيات الله، فكل شيءٍ علاك فهو سماء، والشمس والقمر من السماء، والنجوم من السماء كذلك، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً ﴾

 قال بعض علماء التفسير: هذه الكواكب التي تدور حول الشمس- المجموعة الشمسية-

﴿ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً ﴾

 السموات الطباق أي إن السماء هنا طبقة، فالطبقة التي فيها القمر هي هذه سماء، والطبقة التي فيها المريخ هي سماء أيضاً، كذلك عُطارد و المُشتري و زُحل، هذه النجوم السيَّارة حول الشمس هي سموات، و الطبقات التي بعدها سموات، وكلمة سبعة عند بعض علماء اللُّغة تدلُّ على التَكثير لا على العدد، أي السبعة ومضاعفاتها تفيد التكثير، أي أن هناك طبقات من السماء لا يعلمها إلا الله، فإلى أين هي تمتد؟ ذكرت هذا كثيراً؛ إن أقرب نجم يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، القمر يبعد ثانية ضوئية- أي يبعد ثلاثمئة وخمسة وستين ألف كيلو متر- ذَهَبَتْ مركبة إلى القمر مرة فكلَّفت أربعة وعشرين ألف مليون دولار، قطعت من الفضاء الخارجي ثانيةً واحدة، فالشمس ثماني دقائق، و المجموعة الشمسية ثلاث عشرة ساعة.. إن أردنا أن نقيس المجموعة الشمسية من أقصاها إلى أقصاها فهي تبلغ ثلاث عشرة ساعة، الشمس تبلغ ثماني دقائق، القمر ثانية، و أقرب نجم إلى المجموعة الشمسية مُلتهب، والكوكب والنجم يختلفان، الكوكب منطفئ، الأرض كوكب والقمر كوكب، أما الشمس فنجم، وهي أقرب نجم ملتهب إلى المجموعة الشمسية، وهو يختلف عن الشمس، و بعده عنَّا أربع سنوات ضوئية، لو تخيَّلنا طريقاً إلى هذا النجم المُلتهب لاحتجنا إلى خمسين مليون عام كي نصل إليه، توجد المرأة المسلسلة وهي مليون سنة ضوئية، توجد بعض المجرَّات وهي أربعة وعشرين ألف مليون، أما أحدث مجرَّة فهي ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، هذه اكتُشفت منذ سنة بمرصد عِملاق على مركبة فضائية أُرسِلَت إلى المشتري، بقيت تسير في الفضاء ست سنوات ورصدت أبعد مجرَّة ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، أنت فقط قل لي: أربع سنوات ضوئية يقابلها خمسين مليون سنة، فكيف بثلاثمئة ألف مليون سنة ضوئية؟ هذه السماء كم مجرَّة فيها؟ رقم تقريبي مثلاً هو مليون مليون مجرَّة، المجرّة كم نجم؟ مليونُ مليون نجم، وكل نجم له حجم، وله سرعة، وله مسار مُغلق، ويدور حول نجمٍ آخر بنظامٍ من التجاذب عجيب..

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[سورة الرعد: 2 ]

 رفع السماء..

﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾

[سورة الذاريات:47]

 فالسماء مرفوعة بغير عَمَد، ما هذه العَمَد؟ العمد هو قِوى التجاذب، الأرض تدور حول الشمس، ما الذي يربطها حول الشمس؟ قوة جذب الشمس لها، هذه القوة غير مادية، فأنت أحياناً تُمسِك بمغناطيس تضعه أمام مسمار، فإذا فعلت ذلك فإن المسمار يتحرَّك، وبينهما مسافة فارغة، معنى هذا أنه يوجد قوى جذب غير مادِّية سموها: ساحة مغناطيسية، هذه السموات التي هي مليونُ مليون مجرَّة، وفي كل مجرَّة مليون مليون نجم، كل نجم يتحرَّك حول نجم آخر، وكل نجم له حجم، وله سرعة، وله كثافة، وله نظام، مجموع هذه الحركات تُشَكِّل هذا الكون، فلو أن هذا الكون توقَّف عن الحركة، ما الذي يحصل؟ سيصبح الكون كلّه كتلةً واحدة، لأن الأكبر يجذب الأصغر، أما بالحركة فينشأ عن الحركة قوى نابذة وقوى جاذبة، من هذه الحركة تكون القوى النابذة تُكافِئ القوى الجاذبة، فأصبح هناك توازن حركي، و التوازن الحركي شيء رهيب، أوضِّح لكم الحقيقة: لو أن الأرض تفلَّتت من جاذبية الشمس وسارت في مسارٍ مستقيم في الفضاء ما الذي يحصل؟ يموت كل كائنٍ على وجه الأرض، لأن البرودة تصل إلى مئتين وسبعين تحت الصفر، هو الصفر المُطلق الذي تقف معه الحياة، بل الذي تقف معه حركة الذرَّات، لذلك:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا﴾

[سورة فاطر:41 ]

 زالتا: أُهلِكتا، فالأرض تدور حول الشمس بمسار مغلق، وهذه الدورات تستغرق ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً وربع، فلو أنها تفلَّتت من جاذبيتها حول الشمس وأردنا أن نُرجِعها بكوابل أو بحبال- وهذا خيال علمي مَحض - إذاً لاحتجنا إلى مليون مليونِ حبل من الفولاذ المضفور، وقطر كل حبلٍ خمسة أمتار، كل حبل يملك قوة جذب تساوي مليوني طن، أي الأرض مربوطة بقوة جذب إلى الشمس هي مليون مليون ضرب مليوني طن، فإذا أردنا أن نزرع هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس لفوجئنا أن كثافة هذه الحبال على الشكل التالي: نجد أن الحبل قطره خمسة أمتار، وبين كل حبلين مسافة حبلٍ واحد، فنصبح أمام غابة من الحبال تُعيق الحركة والبناء والزراعة والصناعة والسفر.

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[سورة الرعد: 2 ]

 أي بعمدٍ لا ترونها، فهل يوجد لدينا في الأرض كلَّها مهندس يبني بناء من الطابق الثالث من دون دعامات، هل هذا ممكن؟ هل من الممكن بناء عشرة طوابق تبدأ من الطابق الثالث أما من الأسفل فلا يوجد شيء إطلاقاً، أي من الممكن أن تمشي تحته، تتحرك حركة كاملة، يبدأ من الطابق الثالث و يمتد إلى فوق، هذا شيء مستحيل، أما الكون فهو هكذا..

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[سورة الرعد: 2 ]

 ولكن هذه القوة، وهي مليون مليون طن ضرب اثنين مليون كانت من أجل أن تحرِف الأرض ثلاثة ميليمترات كل ثانية، ليتشكَّل مسار مغلق حول الشمس، فتصور أن مليونَ مليون ضرب اثنين مليون طن هي قوة جذب الشمس للأرض من أجل أن تدور حولها، ومع ذلك أيها الأخوة الكرام... الأرض مسارها إهليلجي وليس كروياً، الإهليلج له قطر أصغر وقطر أطول، و الأرض في القطر الأصغر ترفع سرعتها، فلو لم ترفع سرعتها لزادت قوة جذب الشمس لها فترتطم عند ذلك بالشمس، هي ترفع السرعة لينشأ قوة نابذة تُبعدها عن الشمس، أما حينما تصل إلى القطر الأطول فتخفض سرعتها، أما لو بقيت سريعة لتفلَّتت من جاذبية الشمس.
 الشيء الثالث: إنها ترفع سرعتها بالتدريج وهذا من لطف الله لنا، وتخفض سرعتها بالتدريج وهذا من لطف الله لنا أيضاً، الرفع بالتدريج تسارع بطيء وتباطؤ بطيء، وإلا لانهدم كل ما على الأرض من أبنية، فلو رفعت السرعة يُهدم فجأةً كلُّ شيءٍ على الأرض، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة يونس:101 ]

 فيجب عليك أن تنظر في السموات والأرض من أجل أن تعرف من هو الله؟ من هو الذي أنزل هذا القرآن؟ من هو الذي أرسل هذا النبي الكريم؟ ما معنى افعل ولا تفعل؟ ما معنى المنهج الذي أمرت أن تسير عليه؟ وإنما أردت من هذه المقدمة أن أبين لكم أنك لن تطيع الله إلا إذا عرفته، وأي منهجٍ يُلغي معرفة الله ويؤكِّد على معرفة أمره فإنَّ هذا منهجٌ أعرج، هذا منهجٌ غير صحيح، لا بدَّ من أن تعرف الله، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:

(( يا رب أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحبّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء، أحبني وأحبّ من أحبني وحببني إلى خلقي، قال: يا ربي إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك على خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ))

[ من الدر المنثور عن ابن عباس]

انطلاق الفكر لمعرفة الله عزَّ وجل من خلال صنعته :

 أخواننا الكرام؛ لو جلست لتتحدَّث عن الله عزَّ وجل ينبغي أن تتحدَّث في هذه الموضوعات الثلاثة؛ في آيات الله الدالَّة على عظمته من أجل أن نُعَظِّمه، ومن أجل أن نعظِّم أمره، ويجب أن تتحدث عن نعم الله من أجل أن نحبه، ويجب أن تتحدث عن بعض البلاء الذي يسوقه الله لبعض عباده من أجل أن نخافه، فلا بدَّ من أن تعظِّمه، ولا بدّ من أن تحبَّه، ولا بدّ من أن تخافه، لذلك:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً ﴾

 سماءٌ فوق سماء، و هناك بحوث طويلة لا تنتهي حول كل سماء، مثلاً: في أيام الصيف الحارَّة تكون درجة الحرارة ستاً وثلاثين أو ثمان وثلاثين أو اثنتين وأربعين أحياناً وربما خمساً وأربعين، شيء لا يُطاق، فإذا ركبت طائرة حديثة مثلاً، تلاحظ على شاشةٍ أمامك الحرارة التي هي خارج الطائرة، فتفاجأ أنه على ارتفاع واحد وأربعين ألف قدم الحرارة تقدر بخمسين تحت الصفر.. وأنت في فصل الصيف في الأرض درجة الحرارة تقدر بخمس وأربعين فوق الصفر، أما على ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم فهي حوالي خمسين تحت الصفر.. معنى ذلك أن هذه السماء غير هذه السماء، هذه السماء فيها ضغط جوّي مُرتاح، أما فوق فالطائرة تحقن بثمانية أمثال حجمها من الهواء من أجل أن ينشأ ضغطٌ جويٌ في الطائرة مساوٍ لضغط الأرض الجوي، وإلا خرج الدم من الأذان، و ضاق الصدر، إذاً كلَّما صعدت إلى السماء وجدت العجب العُجاب.
 العبرة من هذه الآيات هي أن ينطلق الفكر لمعرفة الله عزَّ وجل من خلال صنعته، هذا الطريق هو طريق آمن.
 أيها الأخوة؛ الفكر حينما ينطلق لتُعمله في ذات الله تَهْلَك، هناك أناسٌ لا يحلو لهم إلا الخوض في ذات الله، في أفعال الله، هذه متاهات لا تنتهي، يجب أن تبقى في مخلوقات الله لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))

[ورد في الأثر]

 مثال بسيط؛ كنت أضرب هذا المثل دائماً أن بقَّالية تحتاج إلى ميزان دقيق جداً، هذا الميزان من أرقى أنواع الموازين وهو غالٍ جداً إلا أن مهِمَّته محدودة، وحساسيته من خمسة غرامات إلى خمسة كيلوغرامات فقط، إنك تؤمن بهذه الحقيقة، وهي أن هذا الميزان لا يمكن أن يَزِن لك كل شيء، بل يزن لك ضمن حدود معينة، و العقل هو ميزان أيضاً، قال تعالى:

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾

[سورة الرحمن: 7]

 أعطاك ميزاناً، ولكن هذا الميزان ينبغي ألا تستخدمه إلا في مخلوقات الله، أما إذا أردت أن تُعْمِلَهُ في غير ما خُلِق أعطاك نتائج مضحكة، ونتائج عجيبة، وقد يتحطَّم، كمن يحاول أن يزين سيارته بميزان البقالية إنه يحطمه، فكيف لك أن تأخذ الميزان؟ كيف نزن هذه السيارة؟ نسأل المعمل عن وزنها، فكل شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الوحيُّ به، فهناك دور للعقل ودور للتلقي، فالعقل يفكِّر في مخلوقات الله فيصل إلى الله، والعقل مركبة.. سيّارة.. يمكن أن توصلك إلى ساحل البحر، أما هذه السيارة مهما كانت رقية، أو كانت أغلى أنواع السيّارات في العالم فهي لا تستطيع أن تخوض عُباب البحر، هذا مستحيل، هذه المركبة قد تصل بك إلى ساحل البحر ولن تستطيع أن تخوض بها عباب الماء، والعقل يصل بك إلى الله ولن يستطيع أن يخوض في ذات الله.
 لذلك دائماً وأبداً اعلم هذه الحقيقة، هناك دائرة المحسوسات وأدواتها الحواس الخمس، و هناك دائرة المعقولات وأداتها العقل، وهناك دائرة المغيّبات و أداتها الخبر الصادق، فإياك أن تنقُل قضيةً من المغيَّبات إلى المعقولات عندئذِ تكلِّف العقل ما لا يطيق، فمهمة العقل التفكُّر في خلق السموات والأرض.

 

صنعة الله متقنة :

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ ﴾

 ما هو التفاوت المقصود؟؟ هناك تفاوت.. بربكم أليست النملة تتفاوت مع الفيل؟ النملة والفيل، هناك سمك زينة طوله ميلي أو اثنين ميليمتر وهو فوسفوري شفَّاف، أليست هذه السمكة الصغيرة تتفاوت مع الحوت الأزرق الذي يزن مئة وخمسين طناً؟ فوجبة طعامه المعتدلة أربعة أطنان، و إرضاع أُنثاه ثلاثمئة كيلو، ثلاث رضعات تبلغ طناً من الحليب كل يوم، فهذا الحوت الأزرق ألا يتفاوت مع سمكةٍ صغيرةٍ جداً؟ التفاوت هنا بمعنى آخر؛ أي إنك لن تجد في صنعة الله تفاوتاً، كل صنعة الله متقنة..

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾

[سورة النمل: 88 ]

 التفاوت لا في الحجم، فالحجوم متفاوتة، وليس في التعقيد لأن التعقيدات متفاوتة كذلك، فهناك حيوان وحيد الخلية - كائن وحيد الخلية - كالمتحول الزحاري، أما الإنسان فهو من أعقد المخلوقات، بدماغه مئة وأربعون مليار خلية، في قشرة دماغه فقط هناك أربعة عشر مليار خلية، في رأسه يوجد ثلاثمئة ألف شعرة، والآن هناك موضوعات كثيرة حول الهندسة الوراثية والاستنساخ، وهي شيء معقد جداً، فالإنسان من أعقد المخلوقات، إذاً هناك تفاوت؛ تفاوت بالحجم، تفاوت بالحواس، فهناك حواس العقدة العصبية، كحاسة البصر.. عقدة عصبية.. وهناك العين، يوجد بالشبكية مئة وثلاثون مليون مخروط وعُصيّة، وهي تفَرِّق بين درجتين من ثمانمئة ألف درجة، هناك جهاز نطق، و جهاز شم، و جهاز سمع، فالكلب يشم مليون ضعف الإنسان، و الصقر يرى ثمانية أمثال الإنسان، بالحجم يوجد تفاوت، و بالشكل يوجد تفاوت أيضاً، وكذلك بالألوان هناك تفاوت، وبالحواس الخمس تفاوت، كما يوجد تفاوت بالقيمة، فيوجد حيوان ثمنه مليون وهو غال جداً، ويوجد حيوان قتله يحتاج إلى مليون، هناك تفاوت، لكن الآية تقول:

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

 أي في الصنعة، فهناك شركات الآن تنتج نوعين من البضاعة؛ نوع للاستعمال المنزلي، ونوع للاستعمال الصناعي، فالآلة الصناعية تعمل باستمرار، وهي متقنة جداً، ومتينة جداً، وهناك آلة تستعمل في المنزل مرَّة في الأسبوع من المواد البلاستيكية فتكون ضعيفة، بحسب استعمالها، فهذا المصنع يصنع تارةً آلة منزلية بسيطة غير معقَّدة، غير متينة، وغير مقاومة، وتارةً يصنع آلة من أقسى المعادن، مقاومة، متينة، فيها احتياطات بالغة، هذا المصنع صنعته متفاوتة من حيث الإتقان، لكن الله سبحانه وتعالى صنعته غير متفاوتة.
 لو أخذنا أحقر مخلوق تراه عينك – بعوضة - ما البعوضة؟ جناحاها يرفَّان أربعة آلاف رفَّة في الثانية، لها ثلاثة قلوب؛ قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وعندها جهاز رادار، وجهاز تحليل، وجهاز تخدير، وجهاز تمييع، تبحث عن ضحيتها بالرادار والضوء مُطفأ، وتأخذ من دمه شيئاً فتحلّله فإن وافقها مصَّت من دمه، و من أجل أن يعبر الدم خرطومها لا بدّ من تمييع الدم، ومن أجل ألا تُقتل وهي تمتص الدم يجب أن تُخَدِّر، تخدر وتميع وتمتص الدم وتحلل وتأتي بالرادار، إذا كان السطح ثقيلاً فلها محاجم تثبت على الضغط، وإذا كان السطح خشناً فلها مخالب، وهذه البعوضة الشيء العجيب فيها هو أن الإنسان يتعامل معها بطريقةٍ عجيبةٍ جداً..

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

 الآية الكريمة واضحة جداً:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

[سورة البقرة: 26]

 فالبعوضة فيها تعقيد لا يعلمه إلا الله، هذه التي لا قيمة لها عندك إطلاقاً، تقتلها وأنت مرتاح، إذاً:

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾

  ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت؛ أي من تباين في الصنعة،

﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾

 أي هل ترى من خلل في الصنعة؟ ماء العين؛ ذكرت لكم من قبل أن الإنسان قد يذهب إلى القطب، وقد تنخفض الحرارة هناك إلى سبعين تحت الصفر، وقد يستخدم كل شيء يقيه البرد؛ من ألبسة داخلية صوفية، إلى أحذية فيها فرو، إلى معاطف سميكة جداً، إلى قُبَّعات من الفرو، إلى قطع من الصوف يلفُّها على وجهه، بإمكانه أن يستُر كل أعضائه عدا العينين، لأنه يريد أن يمشي، فالعين تلامس الهواء الخارجي والهواء الخارجي درجة حرارته تقدر بسبعين تحت الصفر، والعين فيها ماء، والماء يتجمَّد في الدرجة صفر، فينبغي أن يفقد كل من يسكن هذه المناطق أبصارهم، والله عزّ وجل أودع في ماء العين مادَّةً مضادَّةً للتجَمُّد، هذه من آيات الله الدالة على عظمته، هذا الماء شأنه شأن أي عنصر في الأرض كلَّما برَّدته انكمش، كلَّما سخنتَّه تمدَّد، إلا أن هذا الماء ينفرد بخاصة من بين كل العناصر أنك إذا بردَّته ينكمش وينكمش و ينكمش إلى الدرجة زائد أربعة - +4- وبعدها يتمدَّد، لولا هذه الخاصة لما كنَّا هنا في هذا المسجد، و لما وجدنا على الأرض حياةً، الماء يتجمَّد، فيزيد حجمه، و تقل كثافته، فيطفو على السطح، ويبقى ماء البحر دافئاً، والحياة فيه جيِّدة، فلو انكمش الماء عند التجمُّد لزادت الكثافة فغاص إلى أعماق البحار، بعد حين تتجمد كل المحيطات، وينعدم التبخُّر، وتنعدم الأمطار، ويموت النبات، ويموت الحيوان، ويموت الإنسان، هذا شيء مُتقن جداً..

﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾

  فرخ الطير- الصوص - يحتاج إلى أن يخرج من البيضة، فينشأ على منقاره نتوء مؤنَّف كالإبرة تماماً يكسر به البيضة، و بعد حين يَضْمُر هذا النتوء وتنتهي مهمَّته، هذه صنعةٌ متقنةٌ ما بعدها صنعة.
 حقل البطيخ؛ أنت أمام حقل بطيخ كلّه أخضر فكيف تختار التي نضجت؟ ليس هناك طريقة، أيعقل أن تنبطح إلى جانبها وأن تستخدم يدك وأذنك كما يفعل شاري البطيخ؟ مستحيل لأن الحقل كبير جداً، فالله جعل لها خيطاً حلزونياً يمسكه الفلاح، فإن انكسر بين يديه فالبطيخة ناضجة، وإن بقي طرياً فالبطيخة غير ناضجة، فجعل لهذا الإنسان علامة دقيقة جداً،

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾

 هل ترى من خلل؟

 

خاب و خسر من يبحث عن عيب في خلق الله :

﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾

  كرتين أي مرَّتين، ابحث عن الخلل.
 الزائدة الدودية والغدة الصنوبرية؛ يقولون: الزائدة الدودية لا فائدة منها، هذا غلط، الزائدة الدودية هي الزائدة المُدافعة، قلت لكم في الخطبة اليوم: إن عالماً كبيراً من علماء أمريكا في علم التشريح قال لطلاَّبه قبل ثلاثين عاماً: إن الغدة الصنوبرية غدةٌ لا فائدة منها ولا تعني شيئاً، هي غدة في وسط الدماغ، حجمها كحجم حبَّة الذرة الصفراء تنتج هرموناً، الآن اكتُشِف أن هذه الغدة من أخطر الغُدَد، و مفرزاتها موجودة في كل كائن حي حتى النبات، النبات والحيوان والإنسان، حتى في المخلوقات البسيطة كوحيدة الخلية الهرمون فيها هوَ هو، و لها علاقة بصيانة القلب، لها علاقة بالنوم، لها علاقة بالنشاط والحركة، بمكافحة الأمراض والجراثيم، فالآن يوجد ثلاثمئة بحث علمي حول هذه الغدة في عام خمسة وتسعين، فليس كل شيء تقرؤه يكون هو الصواب، يقول هذا العالِم: إن هذه الغدة لا فائدة منها، أي ليس لها أي دور في حياة الإنسان، وهذا غير صحيح، فلا يوجد شيء زائد في الكون أبداً،

﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً ﴾

 معنى خسئ فلان أي أخطأ في مسعاه، فالبصر يبحث عن خلل فلا يجده ولن يجده، ليس في الأرض أدنى خلل.
 عدسة العين؛ أنت حينما تراقب حركة سير، السيَّارات تبتعد وتقترب أمامك في طريق مزدحم، كيف ترى هذه المركبات بشكلٍ دقيق؟ معنى ذلك أن خيال هذه المركبات تقع على الشبكية دائماً، والبعد بين العدسة والشبكية ثابت، والأجسام بعدها متفاوت، إذاً فالعدسة التي في العين عدسة مرنة يزداد احتدابها ويقل من أجل أن يقع الخيال على الشبكية دائماً، هذا الشيء لا يُصدق..

﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾

  جهاز في الدماغ يكشف اتجاه الصوت؛ إنسان يمشي في الطريق فسمع صوت بوق مركبة وهو لا يشعر به بعمل غير إرادي يتجه نحو اليمين، فنسأله لمَ لم تتجه نحو اليسار؟ يقول لك: لأن الصوت من اليسار، ولكن كيف عرفت؟ لا أعلم كيف عرفت، إذا سمع الإنسان صوت بوق يعرف جهة الصوت، ولكن كيف يعرف؟ يوجد جهاز معقد جداً، هناك جهاز بالدماغ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، يوجد بين الأذنين اثنا عشر سنتيمتراً، وسرعة الصوت ثلاثمئة وثلاثون متراً في الثانية، معنى هذا أن التفاوت بين الاثني عشر سنتيمتراً هو واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، أي إن جهاز الدماغ يقيس متى وصل الصوت إلى هذه أولاً أم إلى هذه أولاً، والدماغ يعرف جهة الصوت، ويتحرَّك وفق جهة الصوت، فإذا ركبت مركبتك وسّرت في طريق، و كان أمامك قطيع غنم فأطلقت بوق السيارة فستجد أن الغنم يتجه إلى عكس مركبتك، فهذا الجهاز ليس عندك فقط بل إنه عند بقية المخلوقات كذلك، فهذا شيء دقيق جداً في صنعة الله عزَّ وجل، لذلك:

﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾

 خاسئاً أي أخفق في مسعاه ليصل إلى الخلل، فلا يوجد خلل أبداً، أعد النظر آلاف المرَّات لن تجد خللاً، خسئ أي خاب وخسر

﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ﴾

  وهو متضائل، صغير قميء، لذلك إن هذا الذي يبحث عن عيبٍ في الخلق سوف يرتد بصره

﴿ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾

الشّر المطلق ليس له وجود في الكون أما الفساد فمن الإنسان :

 أما إذا كان هناك فساد في الأرض - هذا الكلام دقيق - إذاً يوجد فساد، قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

[سورة الروم: 41 ]

 فمن الممكن أن تضع الملح في الحلويات.. فعندئذ لا تستطيع أن تأكل الحلويات، ومن الممكن أن تضع السكر في الطبخ فلن تستطيع أن تأكله بعد ذلك، السكر مادة ثمينة جداً، والملح مادة ثمينة، أما سوء الاستخدام فهو الذي يسبب التلف، فما هو الفساد؟ هو سوء الاستخدام، لذلك فالشر المطلق ليس له وجود في الكون، أما الفساد فمن الإنسان..

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾

[سورة الروم: 41 ]

 أما في أصل الصنعة فلا يوجد فساد أبداً.
 مثال على ذلك؛ إذا قاد الإنسان مركبة من أحدث المركبات وهو يشرب الخمر فإن هذه المركبة ستتدهور، وبعد التدهور سيصبح لها منظر قبيح جداً، فهل نقول: أي مصنعٍ صنعها؟ لا، لأن المصنع ليس سبباً في هذا المنظر البشع، وإنما أصبحت بهذه الهيئة لأنها استُخدمت استخداماً غير صحيح، ولأن الذي قادَها قادها وهو ثَمِل، فحدث لها ما حدث، أما إذا رأيتها كاملةً فتقول: من الذي صنعها؟ من أي مصنع هي؟ إذاً هناك فساد سببه أن الإنسان مخَيَّر ولم يستخدم منهج الله في حياته.

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

[سورة الروم: 41 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور