وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة الجن - تفسير الآية 18
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 فضل المساجد
 الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام... مع الدرس الخامس من سورة الجن، ومع الآية الثامنة عشرة وهي قوله تعالى:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

( سورة الجن )

 إن القرآن الكريم كتابٌ أحكمت آياته ثم فصلّت، فكلُّ آيةٍ تأخذ بالآية التي بعدها لتصبح كأنها سلسلة، فالآية الأولى في هذه السورة هي قوله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾

( سورة الجن: آية " 1 " )

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾

( سورة الجن: آية " 18 " )

 المساجد لله:
 أوحي إليَّ: أنه استمع نفرٌ من الجن، وأن المساجد لله.
 فقد كان مما أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام أن المساجد لله ؛ أي: إن هذه البقاع في الأرض التي يُعْبَد الله فيها و تؤدَّى فيها الصلوات و يعلّم فيها العلم، هي لله وحده، لا لجهةٍ، ولا لفئةٍ، ولا لشخصٍ، و معنى أنها لله ؛ أي: لا يجوز أن تكون الدعوة في المساجد إلا لله، فلا تقام فيها علاقة تجارية كالبيع والشراء، كما لا تقام فيها دعوة إلى إنسان..

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 أيها الإخوة الكرام... يقول عليه الصلاة والسلام:

(( خير البلاد مساجدها، وشرُّها أسواقها ))

 ففي الأسواق تُعرض الدنيا بأبهى شكلٍ وزينة، أما المساجد ففيها الآخرة، وإن حياة الإنسان مرتبطة بمعرفة الله و الاتصال به، فأين يعرف الله ؟ إنه يعرفه في المسجد، كما أن حياة الإنسان مرتبطة بالعلّم، فأين يتعلّم ؟ إنه يتعلمه في المسجد، فإذا كنت في المسجد كنت في المكان الذي يذكرك بالآخرة والعلم، كما يذكرك بالله عزَّ وجل و طاعته، وقد ورد في الحديث القدسي:

 

(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبدٍ تتطهر في بيته ثم زارني وحُق على المزور أن يكرم الزائر))

 فإذا كنت في بيتٍ من بيوت الله كنت في ضيافة الله، وضيافة الله عزَّ وجل ليست في طعام تأكلّه، أو شراب تشربه، ولكنها أمنٌ يملأ قلبك و توفيقٌ في عملك و صحةٌ في رؤيتك و توازنٌ في حياتك، فعطاء الله عزَّ وجل لا يقدَّر بثمن.
 حب المساجد من علامات الإيمان:
 لقد ورد في الحديث قوله:

 

 

(( من أحب الله عزَّ وجل فليحبني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فليحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد))

 أي: إن من علامة إيمانك أنك تحب الله و رسوله و أصحابه، و أن تحب القرآن والمساجد، لذلك جاء في الحديث أنه من كان يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، فمن أين استنبط النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأحاديث ؟ من قوله تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

( سورة التوبة: آية " 18 " )

 إن من علامات إيمانك أن ترتاح في المسجد، كما أن من علامات ضعف الإيمان أن تتضايق في المسجد، فالمؤمن في المسجد كالسمك في الماء، أما غير المؤمن من المسجد فهو كالعصفور في القفص لشدة تضايقه.

 

(( من أحب الله عزَّ وجل أحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها أفنية الله عزَّ وجل ))

 إن أبنية المساجد أذن الله في رفعها وبارك فيها، فهي ميمونةٌ - مباركةٌ - ميمونٌ أهلها، محفوظةٌ محفوظٌ أهلها، فعندما يكونون في صلاتهم يكون الله عزَّ وجل في حوائجهم، وعندما يكونون في مساجدهم يكون الله عزَّ وجل من ورائهم، فحينما تقتطع وقتاً من وقتك الثمين للمجيء إلى المسجد و سماع درس علّم أو أداء صلاة أو ذكرٍ لله عزَّ وجل، فإن ثمن هذا الوقت الذي اقتطعته من وقتك أن الله عز وجل يكون في حاجتك بينما أنت في المسجد، فأنت في المسجد والله من ورائك بالتوفيق والتأييد والنصر والحفظ، فالمساجد المخصوصة لله عزَّ وجل، و العبادة فيها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، فأنت عندما تنظر من الأرض إلى السماء ترى النجوم متألقة، وإن هذه المساجد كأنها نجوم الأرض تضيء لأهل السماء، فالمساجد فيها الحق، و فيها الذكر والأمر بالخير والنهي عن الشر و التعريف بالحلال و الحرام، و فيها الطريق الموصل إلى الله عزَّ وجل وهو طريق سعادة الدنيا والآخرة، لذلك كانت المساجد تتألق لأهل السماء كما تتألق النجوم لأهل الأرض، لكن أدق ما في هذين الحديثين هو قوله عليه الصلاة والسلام:

 

((هم في مساجدهم والله في حوائجهم ))

 وقد قال عليه السلام:

 

(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين))

 قال الله عزَّ وجل:

 

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

( سورة الفرقان: آية " 63 " )

 يمشون هوناً ؛ أي: لا يسمحون للدنيا أن تستهلكهم، فهم يقتطعون من أوقاتهم وقتاً لمعرفة الله و لطلب العلم وأداء العبادات، فهم يمشون هوناً لأن الدنيا لا تستهلكهم، ولا تستحوذ عليهم، و لا تجعلهم ينسون كلَّ شيء، فإن من تشعَّبت به الهموم لم يبال الله بأي أوديتها هلك، أما من كان همُّه معرفة الله و جعل همه هماً واحداً كفاه الله الهموم كلّها، فاعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الهموم كلها، فإنك عندما تأتي إلى بيت الله لتطلب العلّم و القرب من الله عزَّ وجل فإن الله عز وجل يعاملك معاملةً خاصة عندئذ، فيعاملك بالنصر والتأييد والحفظ والتوفيق، إذاً:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾

( سورة الجن: آية " 1 " )

 وقل أوحي إليَّ أيضاً...

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 أي: إن هذا المسجد إنما بُنِي لتعريف الناس بالله و تعريفهم بحقيقة وجودهم، وحقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الكون، فيقرِّبهم إلى الله عزَّ وجل.
 فاستخدام هذا المكان للبيع والشراء و قضايا الدنيا و حل مشكلات الناس المادية هو استخفافٌ بهذا البيت المقدس.
 معاني كلمة (مسجد):
 قال تعالى:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 1- المعنى الأول: ( وهو أوسع معنى ):
 إن كلمة مساجد واسعةٌ جداً، فكل مكانٍ سجدت فيه لله عزَّ وجل هو مسجد، فإذا وسعنا كلمة المسجد صار معنى المسجد: كل مكان سجدت لله عزَّ وجل، فالمسجد اسم مكان، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( أينما كنتم فصلوا، فأينما صليتم فهو مسجد ))

 فبهذا المعنى وجب عليك أن تكون خالصاً لله في كل مكان، و هذا أوسع معنى للآية.

 

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾

( سورة الجن: آية " 18 " )

 أي: ليكن عملك دائماً وأبداً، خالصاً لله عزَّ وجل، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾

( سورة الإنسان )

 وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر:

 

(( وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ))

 

( من صحيح البخاري:الرقم " 323 " )

 فالمسلم أينما أدركته وقت الصلاة صلَّى، وهذا مما يؤكد أن هذا الدين العظيم بسيط، فأنت لا تحتاج إلى معابد فخمة ولا إلى أبنية شاهقة، ولا إلى كهنوت ولا إلى رجال دين، فأينما وجدت نفسك قد دخلت في وقت الصلاة فصلِّ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أينما ما كنتم فصلوا، وأينما صليتم فهو مسجد ))

 وقال:

 

(( وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا))

 فأوسع معنى للآية يقول: ليكن عملك خالصاً لله طول حياتك، لأن أي مكان تصلي فيه مسجد، والسجود لله وحده.
 2- المعنى الثاني:
 المساجد: جمع مَسْجَد، والمسجد هو الأعضاء التي تسجد بها، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب ))

 و الآراب: الأعضاء ؛ أي: الرأس، والركبتين، واليدين، والقدمين، فهي سبعة، فيصبح معنى الآية: إن الله عز وجل قد كرمك بأعضاء، فلا ينبغي لك أن تسجد بها لغير الله، فهذا الرأس لا ينبغي له أن ينحني لغير الله، و هذه اليد لا ينبغي أن تخضع لغير الله، هذه الرجل ينبغي ألا تسير بها إلى غير ما يرضي الله، لأن هذه الأعضاء التي كرَّمك الله بها هي لله، وأنت لله، فلا يليق بك أن تكون لغير الله، كما لا يليق بك أن تذِل رأسك لغير الله، ( ارفع رأسك يا أخي متى موَّت علينا ديننا ؟ ).
 3- المعنى الثالث:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾

 المساجد: مصدر ميمي (مَسْجِد)، على وزن (مَفْعِل)، أي: مكان السجود، فالصلاة هي العبادة الخالصة لله عزَّ وجل، وينبغي أن تكون عباداتك كلها وفي مقدمتها الصلاة خالصةً لله عزَّ وجل، كما ينبغي أن تكون أعضاؤك التي كرَّمك الله بها خاضعة لله وحده في استعمالاتها كلها كعطاء اليدين وتنقُّل الرجلين، فلا تخضع لأحدٍ سواه.
 4- المعنى الرابع:
 إن المعنى المألوف للمساجد هو هذه البيوت التي يبنيها المسلمون ليؤدوا فيها الصلوات و يتعلموا فيها و يلتقوا فيها بإخوانهم المؤمنين، وإن خير البلاد مساجدها، فهذا المسجد بالمعنى الضيِّق الذي نألفه هو لله، فإذا اعتلى إنسان منبراً في المسجد فلا ينبغي له أن يعرض آراءه الشخصية - فمن أنت حتى تفعل ذلك ؟ - كما لا ينبغي له أن يتشفى من خصومه وهو على هذا المنبر، لأن هذا المنبر منبر رسول الله، و كرسي التدريس هذا كرسي رسول الله صلى الله عليه، فلا يسمح لأحد أن يتخذ المنبر والكرسي لتحقيق أغراضٍ الشخصية ولا للنيل من الخصوم، فينبغي عليك أن تنحي كلَّ نزواتك وأهوائك و مصالحك، وأن تجعل الدعوة لله وحده، لئلا يشوبها شائبة، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾

 أي: هناك أهواء و آراء و مصالح و انتماءات و علاقات و قضايا، و هذه كلُّها ممنوعٌ أن تُعالج في المسجد، لأن هذا البيت بيت الله، فالموضوع الذي ينبغي أن يعالج فيه فقط هو ذكر الله وما والاه، فالقرآن من ذكر الله، و السنة من ذكر الله، و السيرة من ذكر الله، و الفقه من ذكر الله، فكل شيءٍ يقربك من الله عزَّ وجل يمكن أن يعالج في المسجد، كما أن كلُّ شيءٍ يقربك من الدنيا يعالج خارج المسجد، لأن الجامع مُقَرِّب إلى الله، أما الأسواق والبيوت والمتنزهات والمقاصف فهي مقربة من الدنيا..
 المسلون في المسجد سواسية:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 أيها الإخوة الكرام... قال العلماء: إن في كلمة المساجد لله إضافة تشريفٍ وتكريم، لكن هذا لا يمنع أن ينسب المسجد إلى غير الله، فلا حرج في قولنا: هذا جامع الفاروق مثلاً، أو جامع الوليد بن عبد الملك، وهذا لا يمنع من كون المساجد لله، فلا يمنع من أن تنسب إلى الباني أو منفق أو مشرف، أما في الأصل فهي لله عزَّ وجل، لذلك وجب على الإنسان حينما يأتي إلى المسجد يجب أن يخلع الدنيا خارج المسجد، مهما كانت مرتبته الاجتماعية أو حجمه المالي، أو درجته العلمية أو رتبته العسكرية، فإن كل شيء متعلِّق بالدنيا يجب أن يبقى خارج المسجد، وهذا شيء دقيق جداً، فالناس يتفاوتون خارج المسجد، ففيهم المدير العام، وفيهم الحاجب، لكن حكمة الله عزَّ وجل شاءت أن يكون هذا التفاوت في مراتب الدنيا متلاشياً المسجد.
 يروى أن أحد الخلفاء كان في المسجد الحرام _ وأظنه أنه الإمام مالك إمام دار الهجرة _ فطلب منه بعض العلماء أن يزوره، فقال له: قولوا له يا هارون إن العلم يؤتى ولا يأتي، قال: صدق، نحن نأتيه، ثم قال: قولوا له: إذا جئتنا فلا ينبغي أن تتخطى رقاب الناس.
فأنت في المسجد مسلم فقط، لا يوجد لك رتبة عسكرية، ولا رتبة علمية كالدكتوراه مثلاً، ولا رتبة اجتماعية كعضوية غرفة التجارة، بل أنت في المسجد مسلم، فيجب أن تجلس حذاء أخيك المسلم دون أي تفرقة، فلا يجوز لك في المسجد تخطي رقاب الناس، أما إذا كنت في احتفال أو في دائرة فقد تمتلك مرتبة خاصة، فالمدير العام له غرفة خاصة كما له طاولة خاصة و مقعد خاص، أما الموظفون الآخرون فلهم غرفهم الخاصة، و المستوى فيها أقل، فالمراتب في الدنيا تتفاوت، أما في المساجد فكل المسلمين عند الله سواء، فهم سواسيةٌ كأسنان المشط، فالمساجد لله، والذين فيها عبادٌ من عباد الله.
 إن الإنسان في المسجد الحرام مثلاً لا يمكن أن يخطر في باله أنه في السعودية أبداً، فلا يذكر إلا أنه في بيتٍ من بيوت الله، في داخل المسجد الحرام، فلا تشعر أنك في بلد، لأن هذا بيت الله، وكذلك حال أي إنسان يدخل إلى بيت من بيوت الله في أي مكان من العالم فنراه ينسى في أية دولة هو، لأنه في بيت من بيوت الله، و تقريباً لهذا المعنى أقول: يعد بناء السفارة في العرف الدُبلوماسي جزءاً من البلد التي تمثِّلُه، وهذا المسجد هو بيت الله، فهو يعدُّ جزءاً من مقدسات المسلمين، فالمسجد لا يُمَلَّك أبداً، فليس في الإسلام إنسان يملك مسجداً، فمن الممنوع أن تبني فوقه، و بحسب الأحكام الفقهية يمنع أن يكون تحته شيء، فهي أرضٌ حرة لا شيء تحتها ولا شيء فوقها، لأنه بيتٌ من بيوت الله.
 قال تعالى..

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾

 أي إنها بقاع مقدسة جداً، فالدعوة فيها لله وحده، فليس فيها في آراء ولا انتماءات، ولا في فكر معين ولا مصالح، ولا نزوات، كما أن هذه المساجد ليست لأشخاص ولا لجماعات ولا لفئات.
حكم فقهي:
 سأعرض لكم الآن حكماً فقهياً يقول: إذا أغلقت أبواب المسجد وألقيت فيه خطبة الجمعة كانت الخطبة باطلة، فلو اخترنا الجامع الأموي وهو من أكبر المساجد في بلدنا، وأظن أنه يتسع لمائة ألف ؛ فالصحن يتسع لخمسين ألفاً، والحرم يتسع لخمسين ألفاً آخرين، فلو اجتمع في هذا المسجد مائة ألفٍ ثم عيَّنا أعظم خطيبٍ لهم ليلقي خطبة الجمعة، ثم أغلقنا الأبواب، كانت الخطبة باطلة، لأن المساجد لله، فأيُّ عبدٍ لله له أن يدخل المسجد، ولا يوجد عندنا مسجد مغلق، أو مسجد خاص لفئة معينة أو لجماعة معينة، أو مسجد خاص للمذهب الفُلاني، أو خاص بالاتجاه الفلاني، هذا لا يوجد..

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 إن هذا بيت الله، فهل تستطيع أن تمنع مسلماً من دخول مسجد، من أنت ومن أين أنت حتى تفعل ذلك ؟ إن هذا بيت الله، يدخله كل مسلم من أي انتماء، وأريد من هذا التفصيل، أن تعتقدوا أن هذا البيت بيت الله، وأن الدعوة لله، وأن الأسلوب مستقى من كتاب الله، وأن الأهواء والمراتب العلمية والحجم المالي توضع خارج المسجد، فأنت هنا مسلم، وتتحقق هذه المساواة في الصلاة، وقد جاء في الحديث أن

(( خير الصفوف أولها ))

 فقد تجد إنساناً يعمل حاجباً فهو في المرتبة الدنيا الاجتماعية، ثم تجد إلى جانبه شخص كبير جداً في المرتبة الاجتماعية، أما في المساجد فلا يوجد أماكن خاصة، لأن المساجد لله وكل من فيها عباد الله، فالمساواة تتحقق في المساجد، أما في الدوائر فهناك مدير و معاون مدير ورئيس دائرة و موظف و كاتب و ضارب آلة كاتبة و مراسل و (آذن) و حاجب، أما في المسجد فكل هؤلاء عند الله سواء، فلا يجوز للإنسان أن يتخطى رقاب الناس في المسجد، كما لا يجوز له أن يقول: هذا المكان مكاني، فلا يوجد في المسجد حجز أماكن، ولا مقاعد مرقمة، بل القاعدة في ذلك: اجلس حيث ينتهي بك المجلس.
 ثلاثة استثناءات:
 إن الصلاة في بيت الله الحرام بعشرة آلاف صلاة فيما سواه، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

((صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ))

 

( من صحيح البخاري عن أبي هريرة )

 أي أن الصلاة عند رسول الله بألف ثواب، وفي تتمة الحديثٍ يقول:

(( إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَام ))

 وفي جاء حديثٍ آخر:

 

(( صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فإن صلاةً فيه خيرٌ من مائة صلاةٍ من مسجدي هذا ))

 فالصلاة عند رسول الله بألف، وهي في بيت الله الحرام مضروبة بمائة، فهي تساوي: مائة ألف، وقد مر بكم من قبل أنه:

 

 

((لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى))

 

( من صحيح البخاري عن أبي هريرة )

 نرجو الله سبحانه وتعالى أن نعود إليه..
 أما بقية المساجد فهي عند الله سواء، فليس من السنة أن تشد الرحال إلى مسجد في حلب، ولا إلى مسجد آخر في أي مكان من العالم الإسلامي، لأن المساجد كلُّها -عدا المسجد الحرام، و المسجد النبوي، والمسجد الأقصى - سواءٌ عند الله عزَّ وجل.
 جواز نسبة المساجد إلى غير الله تعريفاً:
 قال العلماء: إن المساجد وإن كانت لله ملكاً وتشريفاً، فإنها قد تنسب إلى غيره تعريفاً، أي: قد تنسب إلى من بناها، أومن أشرف على بنائها.
 استثناء فقهي:
 وهناك استثناء فقهي آخر، فقد قال العلماء: إن المساجد لله عزَّ وجل و لا يذكر فيها إلا الله، ورغم ذلك فإنها تجوز فيها قسمة الأموال - أي: الغنائم - ويجوز فيها وضع الصدقات، ويجوز فيها حبس الغريم، وربط الأسير، وسكنى المريض، وفتح الباب للجارِ إليها، وهذه بعض الاستثناءات التي أقرها العلماء.

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 بعض الأدعية المعلقة بالمساجد:
 لقد كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد يدعو ويقول:

((اللهم أنا عبدك وزائرك وعلى كل مزورٌ حقٌ وأنت خير مزور فأسألك برحمتك أنت تَفُكَّ رقبتي من النار ))

 وهناك دعاء مختصر عنه يقول:

((اللهم افتح لي أبواب رحمتك ))

 فالرحمات تتنزل على المسلمين في المساجد، فإذا خرجت من المسجد فقل:

(( اللهم افتح لي أبواب فضلك ))

 فعندما تكون في المسجد تتنزل عليك الرحمات، أما عندما تكون خارج المسجد فإنك تسأل الله من فضله، فأنت في حالين: إما طلب رحمة الله وأنت في بيته، أو طلب التوفيق في عملك وأنت خارج المسجد.
 فإذا خرج من المسجد قدَّم رجله اليسرى وقال:

(( اللهم صُبَّ علي الخير صباً ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبداً ولا تجعل معيشتي كداً واجعل لي في الأرض جداً أي غنىً ))

 و هذا دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وهو خارج المسجد.
 بعض آداب المساجد:
 إن من أهم آداب المسجد أنه:

 

(( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّوم-َ فَلا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ ))

 

( من سنن الدارمي عن ابن عمر )

 وهناك حديث آخر يقول:

 

((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ و قَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ))

 

( من صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله )

 فيجب أن يكون المسلم على أكمل وجه عندما يأتي إلى بيت الله، فإذا دعيت إلى عقد قِران في صالة فماذا تفعل ؟ إنك ترتدي أجمل ثيابك، و تتعطر، و تحاول أن تظهر بأبهى منظر، فهذه العناية ينبغي أن تكون في بيتٍ من بيوت الله، فيجب عليك أن تبتعد عن أي شيءٍ يؤذي المسلمين، فقد يكون هناك أشخاص متفاوتون في طباعهم، فهناك إنسان يتأذى مثلاً من ثياب غير نظيفة يرتديها مصلٍ، وقد يتأذى من رائحة العرق أو رائحة الثوم، فينبغي عليك أن تبتعد عن أية رائحةٍ من فمك أو من أعضائك أو من ثيابك يتأذى منها المسلمون.
 وقد ورد في بعض الأحاديث يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجائب بيض قوائمها من العنبر وأعناقها من الزعفران ورؤوسها من المسك وأزِمَّتها من الزبرجد الأخضر، والمؤذنون فيها يقودونها وأئمتها يسوقونها وعُمَّارها متعلقون بها، فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف فيقول أهل الموقف: هؤلاء ملائكة المقربون وأنبياء مرسلون فينادى بهم: ما هؤلاء من ملائكةٍ ولا أنبياء ولكنهم أهل المساجد والمحافظون على الصلوات من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ))

 فإذا أكل الإنسان من هذه الشجرة فلا يقربن المسجد، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( فلا يقربنْ مصلانا ))

 يوجد عندنا حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام فيه:

 

((إن الرجل ليكذب الكِذْبة فيتباعد عنه الملك من نتن ريحه))

 فعلينا هنا أن نوسع الموضوع، فلو كان هناك الإنسان يكذب ثم دخل المسجد فإن له ريحاً منتنة يتأذَّى منها الملك، فالأكمل لك ألا تدخل بيت الله إلا وأنت منيبٌ إلى الله، وطاهر داخلاً وخارجاً، قلباً وقالباً، سراً وعلانيةً..

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

( سورة الشعراء )

 يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((إن هذه المساجد إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن))

 إنما: أداة قصر، أي: لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، فلذلك كان على الإنسان أن يحتاط كثيراً و أن يتأدب كثيراً لأن الله تعالى قال:

 

﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾

( سورة الحج )

 والنبي عليه الصلاة والسلام يقول أيضاً:

 

((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ))

 فقد سمع سيدنا عمر رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال: ما هذا الصوت ؟ ثم قال لصاحب الصوت: أتدري من أين أنت ؟ وقد كان خلف ابن أيوب جالساً في مسجده، فأتاه غلامه يسأله عن شيءٍ فقام وخرج من المسجد وأجابه خارج المسجد.. أرأيتم إلى هذا الأدب ؟ إنه من شدة ورع السلف الصالح، أنهم كانوا لا يجيبون عن سؤال دنيوي إلا خارج المسجد، فالمساجد إنما هي التسبيح والذكر وقراءة القرآن.
 لقد كَرِه العلماء -أيها الإخوة- البيع والشراء في المسجد ؛ كأن تبيع بضاعة في المسجد فتساوم عليها، حتى إن بعض التابعين قال: ( يا أبناء الأفاعي، أتخذتم مساجد الله أسواقاً ؟؟ هذا سوق الآخرة ) أي: يباع فيه بضاعة الآخرة، وهي معرفة الله عزَّ وجل.
 و ورد أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( مَنْ سَمِعَ رَجُلا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ))

 

( من صحيح مسلم عن أبي هريرة )

 فتحقيق مصالح شخصية في المسجد من بيع و شراء، أو حل مشكلة ما يكون خارج المسجد، لأن هذه المساجد لم تبن لهذا.
 وآخر شيء أود ذكره هو أن السلف الصالح والعلماء كرهوا رفع الصوت في المسجد، فخفض الصوت في المسجد من السنة، فإذا انتهى الدرس كان من الأولى أن يكون الصوت خفيضاً وذلك أدباً مع الله عزَّ وجل، فالإنسان دائماً يتأدَّب مع صاحب البيت، و كلما كان صاحب البيت عظيماً تأدب معه الإنسان أكثر، كانت هذه بعض الأحاديث المتعلقة بالمساجد التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
تلخيص معاني كلمة (مسجد):
 إن الآية الكريمة تقول:

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 1- المعنى الأول: إن المساجد هي مكان السجود، وإن أي أرضٍ تصلي فيها هي الله، فيجب أن تكون مخلصاً لله في كل شؤون حياتك، وفي كل أحوالك وحركاتك وسكناتك.
 2- المعنى الثاني: إن هذه الأعضاء (المساجد) التي تسجد بها لله ينبغي ألا تُخْضعها لغير الله، فلا تحنِ رأسك لغير الله، ولا تمد يدك ليدٍ مشبوهة، ولا تسر برجلك إلى معصية.
 3- المعنى الثالث: المساجد: (مصدر ميمي) وتعني:الصلوات، و الصلوات تكون لله وحده.
 4- المعنى الرابع: المسجد هو البيت الذي بني لأداء الصلوات، وإن هذا البيت بني لتعريف الناس بالله، فلا ينبغي لك أن تطرح فيه نظرية أرضية، ولا دعوة لإنسان أو جهة، أو فئة أو جماعة، فالمساجد لكل المسلمين، وفيها تتحقق المساواة بينهم، فإذا كنت خارج المسجد فقد يكون لك مرتبة علمية، أو مكانة معينة، أو وظيفة مرموقة، أو حجم مالي كبير، أما إذا دخلت إلى بيت الله فأنت واحدٌ من المسلمين، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً، فقد نجد أحياناً إنساناً يشعر بعزَّته في المسجد فيقول: أنا مقامي كمقام أغنى إنسان ! أو كمقام أقوى إنسان! فالمسجد يوحِّد بين المسلمين، بينما تفرِّق الدنيا بينهم.
 أيها الإخوة الكرام...

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾

( سورة الجن: آية " 1 " )

 وأنه..

 

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

 فإذا أتيح للإنسان أن يتكلَّم في مسجد، أو أن يخطب في مسجد فليعلم علم اليقين أن هذا المنبر منبر رسول الله، وأن هذا الكرسي كرسي رسول الله، فلا يجوز له أن ينطق بأهوائه، ولا أن يروِّج أفكاره، ولا أن ينال من خصومه، لأن هذا المنبر لله عزَّ وجل، فينبغي أن تنطق فيه بالحق، وأن تضع تحت قدمك كل مصالحك و أهوائك..
 إن هذه الآيات هي حكم قطعي، فهؤلاء الجن لا يعلمون الغيب، ولا يملكون النفع ولا الضُر، وهم محاسبون ومعذَّبون إن عصوا، كما أنهم مكافؤون إن نجوا، وقد أُرسل النبي عليه الصلاة والسلام لهم، لكن النبي لم يعلم بوجودهم إلا بعد أن أعلمه الله بذلك، وقد ذكرت هذا كثيراً، ولكن الدرس الماضي لا يعني أنه ليس هناك إنسٌ يتعاونون مع الجن، إن هذا التعاون موجود، ولكنه غير مشروع، فقد نفيت مشروعية التعامل مع الجن، لكن الواقع يؤكِّد أن هناك أُناساً (رجالاً من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن )، و هذا ما قاله الله عزَّ وجل (فزادوهم رهقاً )، وقد يستمتع الجن أحياناً بالإنس في مصالحهم وفي نشر ضلالاتهم، فأنا أنفي مشروعية التعامل مع الجن، أما التعاون بين الإنس والجن فهو قائم، وقد ذكره الله عزَّ وجل، ولكني أؤكد لكم أن هذا التعاون غير مشروع، بل هو محرَّم (ومن سحر فقد كفر)، لكن هناك من يزعم أنه يتصل بالجن وأنه يستقي الأخبار منهم ويتعاون معهم، فهو قد يستفيد من خصائص الجن في سرعة التنقُّل و الإتيان بأخبار دقيقة عن الشخص، كما أنه قد يدعي أنه يستحضر أرواح الموتى، وهو لا يفعل هذا في الحقيقة، بل إنه يستحضر قرناءهم من الجن، فيأتون بتفاصيل دقيقة جداً، فأنا لم أنف التعاون، بل أنفي مشروعية التعاون، فالتعاون غير مشروع، وليس عندنا للاستعاذة من ذلك إلا قول الله عزَّ وجل:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

( سورة الأعراف )

 و قول الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾

( سورة الأعراف )

 و المعوذتان:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)﴾

( سورة الفلق )

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) ﴾

( سورة الناس )

 هذا هو ديننا... إنه دين علم، و دين النقل الصحيح، دين القرآن الكريم، أما ما سوى الكتاب والسنة فلا تلتفت إليه، و لا تعبأ به بل اركله بقدمك لأنه باطل في باطل.
 فأنا لم أنف التعاون فالتعاون قائم، ولكنني أنفي مشروعية التعاون، و والله الذي لا إله إلا هو لقد ذكر لي أحد الإخوة الكرام عن رجل يتعاون مع الجن، فقال: والله إنه لا يصلّي وهو من أكبر الزناة، وله أساليب في قنص النساء يندى لها الجبين، فهذا التعاون قائم ولكن ليس مشروعاً، بل هو ضلالة.
 وقد ذكرت لكم كثيراً أن كل خرقٍ للعادات إذا كان على يد نبي فهو معجزة، وإذا كان على يد ولي فهو كرامة، وإذا كان على يد فاسق فهو استدراجٌ وضلالة، فخرق العادات موجود حتى عند المضلّين، فقد تقول لي: ما تفسير هذا ؟ فأقول: إن الدين لم يقره حتى يعطي تفسيراً له، فاسأل أهل الذكر، و اسأل الأطباء، فقد يجلس بعض الناس، ويتحدث عن خرق العادات، وعن هذا الذي يدخل سيخ في بطنه مثلاً، ففي جلسة من الجلسات قال أحدهم: ما قولكم فيّ ؟ وهو لا يصلّي، وله أعمال من دون ذلك، ثم قال: أنا وآبائي على هذا المنوال. فهو يستخدم ذلك وسيلة للارتزاق.
 أما الإسلام فهو بريء من هذه الخزعبلات والخرافات والتجاوزات والشطحات، لأن الإسلام دين علم، و دين كتاب وسنَّة، و دين منهج واضح، فكل شيء لم يفعله النبي فهو غير مشروع..

أقال الله حين عبدتموه  كلوا أكل البهائم وارقصوا لي

 لقد علَّم النبي أصحابه أن يكونوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار، و أنا لا أريد أن أطيل الحديث، لكني أريد أن أقول: إننا لا نملك إلا سنة النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

( سورة الحشر: آية " 7 " )

 فيجب عليك أن تمتلك منهج للتلقي، فترفض أي شيء خلاف الكتاب، وإلا وقعنا في متاهات لا تنتهي.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور